الصورة العربية كما يطرحها العقل الاسلامي ؟ - 2
كتابات - حميد الشاكر
ب : - الصورة العربية أسلاميا
مدخل :
ربما يعتقد البعض انه من الظلم للتاريخ العربي ان يختصر ويقتل بالطرح والنص الاسلامي ورؤيته للصورة العربية ، وذالك لاعتبار ان الطرح الاسلامي بطبيعته طرحا لمفردات عامة حول هذا الموضوع او ذاك من المواضيع الفكرية والانسانية والتاريخية .....الخ ، وعليه فمن غير الانصاف مثل هذا المنحى المعرفي للموضوعة العربية ؟.
ومثل هذا الاعتقاد له الحق الكامل والرؤية الصحيحة تماما ، لاسيما ان أ ضفنا اليها أعتقاد من يرى من الكتاب والباحثين والمفكرين قوميين وماركسيين .... انه فضلا عن ذالك فان الموقف الاسلاموي نحو التاريخ ماقبل الاسلامي والتراث والحضارات ... موقفا يتميز بالادانة المسبقة لكل ماهو تاريخيا غير أسلاموي وعليه نحن أمام أدانة ومصادرة تاريخية لكل ماهو غير أسلاموي التراث والتاريخ والحضارة ؟.
وهذه لفتة محقة ايضا ان سلمنا بوجود منحى معرفي يستهدف النظر للصورة والتاريخ والتراث العربي .... من زاوية واحدة فقط تفرض على باقي المداخل العلمية والفكرية وتصادر كل منحى معرفي غير المنحى والطرح الاسلامي ؟.
نعم للتاريخ والصورة والتراث والأمة العربية ، تاريخا يبدأ قبل ولادة الطرح الاسلامي ونظرته للصورة العربية ، كما ان له تراثا ووجودا يبدأ قبل الالف الثانية قبل الميلاد وهو يسير ببناء حضارات تنطلق من جنوب الجزيرة العربية لتنتشر شمالا بعد المعينيون وسبأ والدولة الحميرية .... لتنتقل الى سوريا والانباط الى الجوف وواحة تيماء وسلع والبتراء وتدمر .....الخ ، من عواصم ودول عربية كانت تسوسها ملوك وملكات عربية قبل الوجود الاسلامي في وسط الجزيرة العربية ؟.
كما أن هناك ثقافات ومدونات عربية - لغوية - تمتد بتاريخها الى عام 854 قبل التاريخ الميلادي أثناء حكم الملك الاشوري - شلما نصر الثاني - قد عبرت عن الوجود العربي الثقافي المتأصل تاريخيا بعد الوجود الجغرافي والسياسي ، مما يعني ان للوجود والصورة العربية مساهمة فعالة في بناء الهيكل والحضارة الانسانية الاولى بغض النظر عن ان الاصول السامية للصورة العربية لها امتداد مؤثر ثقافيا وحضاريا على المسيرة الانسانية تاريخيا .
والحقيقة ان كل ماذكر آنفا لاينكر بشأن الصورة العربية تأريخيا وثقافيا وحضاريا ... ، بالاضافة طبعا لما يذكر بشأن محاولة البعض مصادرة الصورة العربية وقتل امتدادها الجغرافي واختصار حركتها في بقعة معينة من الجغرافية الطبيعية وبدوافع جغرافوية - مؤدلجة - الغرض هو مصادرة تاريخ أمة تمتلك كل المكونات الحضارية التي تمكنها من تحمل اعباء المشاركة والاصلاح الانساني ؟.
ولكن ومن الجانب الاخر للعملة من حق العقل الاسلامي والذي نعتبره شخصيا انه ثمرة لهذا الوجود الحضاري والتاريخي العربي وليس هو الضد او النقيض لهذه المسيرة العربية ، ان يكون له طرحا حول هذه الصورة العربية تدين مرة بعض ملامح هذا الوجود العربي وترمم وتشيد وتبني مرة بهذا الوجود العربي حضاريا وثقافيا ، وعليه نعم التأريخيون من حقهم بسط الصورة العربية بكل امتداداتها التاريخية والحضارية ، وكذالك مطالبتهم بعدم اختصار هذا التاريخ وذالك الوجود الحضاري بتاريخ معين او بجغرافية مقزمة كجغرافية الجزيرة العربية وبالذات الوسط منها ؟.
بمعنى : من حق التأريخي ان يطالب بعدم أعدام الصورة العربية أسلامويا فحسب ، فألاسلام ونهضته الرسالية يمثل مرحلة من المراحل التاريخية للوجود العربي وليس هو كل الوجود الحضاري والثقافي والتراثي والجغرافي ...... للصورة العربية ، وهذه الرؤية - حقيقة - ان تأملنا الطرح الاسلامي نفسه سنجد انه نفس مايؤسس له هذا الطرح وليس النقيض لمموناته الفكرية والثقافية والعقائدية ؟.
وعلى العموم كنا نريد القول ان للعقل الاسلامي طرحه المميز الذي يختلف باهدافه والياته الفكرية عن الطرح التاريخي او الثقافي ، كما ان له محاوره الذي يعتني بها والمختلفة تاريخيا وثقافيا عن المحاور الذي يتناولها ويؤكد عليها العقل التاريخي او الثقافي او التراثي او السياسي ....الخ ، وهذا هو المنحى الذي يدفع الكثير من الكتاب الغير واعيين لاهداف واليات التفكير الاسلامي باتهامه بالمصادرة التاريخية مرة وبالأسلاموية مرة أخرى ، ولولا ان هذا الموضوع موضوعا مختلفا من ما نحن بصدده من صورة عربية بطرح عقلية اسلامية لكنا ذكرنا بعض ترهات او اتهامات السذج من الكتاب والمفكرين الّذين لم يدركوا هذه المناحي المعرفية للمدرسة الاسلامية ؟.
وخلاصة لما ذكر : ان طرح العقل الاسلامي للصورة العربية هو طرح يتميز بالفكرية المعمقة لمسألة الرسالة الالهية وكيفية ربطها بالموضوعة القومية بصورة عامة والصورة العربية بصورة خاصة ، وذالك من منطلقات أنسانية وثقافية وتاريخية ، سوف نذكر بعض ملامحها لاحقا ، وملخصها متكون من ان الصورة والوجود والكيان ... العربي الذي تناوله العقل الاسلامي وصاغ ملامح رؤيته حوله هو : الوجود المنبني على البعد الحضاري والذي ينصهر بمقولة الوجود الثقافي والتراثي واللغوي والنفسي والروحي والاسطوري والاخلاقي والفكري والعقائدي .... العربي ، وليس الوجود العنصري والنقاء الدموي لعرب عاربة وعرب مستعربة ؟. هذا ؟.
.................................
النظرة الاسلامية :
يطرح الخطاب الاسلامي الصورة العربية بنوع من القوة والاعتزاز الانتمائي لهذا النموذج القومي الانساني ، وفي خطابات قادة الدين وعلماء الأمة من أئمة أهل البيت ع ترد مفهومة العروبة بشكلها القومي العميق ، والفكري الدقيق ، كأهمية قومية وهوية أممية ، مما ينعكس على رؤى أئمة الهدى من آل محمد ع وبأعتزازهم الكبير بهذه الهوية العربية ، بل ويرون ان هذه الهوية العربية بصورتها القومية من السمات البارزة لقادة الاطروحة الاسلامية واتباع مدرستهم المحمدية المباركة ، والتي أنبنت مكوناتها الفكرية والعقائدية على معالم الصورة العربية ، فيقول الامام جعفر بن محمد الصادق - أحد ابرز أئمة أهل البيت ع لدى الشيعة الامامية - وهو يرد على مفهومة الصورة العربية وبكل مموناتها الحضارية : - نحن بنو هاشم وشيعتنا العرب وسائر الناس ألاعراب - ؟.
وكذا عندما تطرح الموضوعة العربية من جانب معرفي اخر يمثله البعد القومي بأطره الثقافية ، فيذكر الامام الصادق جعفر بن محمد ع محورية الصورة العربية ومميزاتها الانتمائية بقوله : - نحن قريش وشيعتنا العرب وسائر الناس علوج الروم _ / روضة الكافي / الكليني/ص 119.؟.
أما عندما تطرح الموضوعة العربية بأليات فكرية مختلفة ، وكهوية قومية مثلت الاس والممون الحضاري للاسلام ، فان الامام موسى بن جعفر الكاظم ع - أحد أئمة الشيعة الثوريون - يرى ان الهوية العربية هوية أكثر من كونها بعد لغوي او معلم أعرابي فيقول : - الناس ثلاثة ، عربي ، ومولى ، وعلج ( العراقيون يتذكرون هذا المصطلح - العلج - جيدا ) فنحن العرب وشيعتنا الموالي ، ومن لم يكن على مثل مانحن عليه فهو علج - ؟./ نفس المصدر / ص 155 .
الغرض هو القول ان الخطاب الاسلامي طرح المسألة والصورة العربية على أساس ان لها نوعا من الخصوصية والميزة التي تستحق ان تكون من مميزات أهل البيت ع وأتباع مدرسته العقائدية والفكرية ، ولاشك هنا ان لهذه الميزة مايبررها على المستوى الفكري للاطروحة الاسلامية ككل ، فياترى ماهذه المميزات التي دعت المعصومين من قادة الدين من أئمة أهل البيت ع ان يروا ان العربية صورة ينبغي الاعتزاز بالانتماء لمفرداتها القومية حسب رؤية العقل الاسلامي ؟.
هل كون العربية مثلت لغة عقائدية لكتاب المسلمين المقدس - القران - هي التي أهلت الصورة العربية لأن تكون موقع أعتزاز وفخر لأئمة الهدى من آل محمد ع ؟.
أم ان هناك ابعادا أخرى أكثر عمقا للمسألة القومية للصورة العربية ، وأكثر دقة من كونها صورة لغوية فحسب ، جعلت ورشحت الصورة العربية لأن ترتقي الى مستوى هوية الأمة المتصلة مباشرة بروح الاطروحة الاسلامية وتصوراتها المقدسة هي التي ارتقت بالصورة العربية لأن تكون محور اعتزاز قادة المسلمين وعز الشريعة والدين أهل البيت ع ؟.
لاريب ان كون الصورة العربية صورة لغوية وظرف لساني ينطق بمفردات الاسلام ، هي التي جعلت من هذه القومية مميزا ، مثل هذه الرؤية لاترقى لأن تكون مبررا وعلة للعقل الاسلامي لأن يفتخر بهذه الصورة العربية ، وذالك بسبب ان مفهومة ( ألاعراب والاعرابية ) الاسلامية هي ايضا موضوعة تضم داخل أطارها كل من أختص باللغة العربية وليس فقط من تكلم بها ، ومع ذالك فان موضوعة ( الاعراب ) موضوعة منتقدة في الفكر الاسلامي وموضوعة بالنقيض من الصورة العربية التي يعتز بها العقل الاسلامي _ شيعتنا العرب وسائر الناس الاعراب _ ، ولاشك ان الاعراب ربما يكونون اكثر فصاحة لغوية من المتمدينين- سكان الحواضر - في الصورة العربية المتحضرة ، بل وربما كانت ( الاعرابية ) البدوية مرجعا لغويا لاغنى عنه لمعرفة اسرار اللسان العربي ، ولكن مع ذالك كانت الموضوعة الاعرابية موضوعة بأطار (( ألاعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر الا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله - ؟.
الحقيقة ان فهم مفردات العقل الاسلامي ، حول موضوعة الصورة العربية سيؤهلنا لفهم دقيق لاهمية الموضوعة القومية العربية بكل ملامح وقسمات وجهها الانساني والحضاري ، فمقولة العقل الاسلامي ( نحن بنو هاشم ، ونحن قريش ، و فنحن العرب ...) من مقولات أهل البيت المذكورة ، تعبير دقيق لشمولية الغطاء القيادي الاسلامي لعالمية الفكرة الاسلامية وانفلاتها من الاطر القومية الجغرافية الضيقة ، فنعم وان تكن الهاشمية والقرشية مفرادت ضيقة بالاطار القومي العربي العام - فنحن العرب - الا انها تتميز بالبعد الشخصي لمقولة - ألأئمة من قريش - والبعد العالمي لكون القرشية والهاشمية لاينبغي ان تؤخذ بالاطار الضيق للصورة العربية فحسب بل ينبغي ان تمتد لتشمل بقيادتها _ وشيعتنا العرب وشيعتنا الموالي _ ايضا ، بمعنى ان العربية هنا مثلت هوية مجموعة عقائدية وفكرية من السلوكيات والتقاليد والتصورات والثقافة ..... الاسلامية والتي جعلت أهل وانصار الحق لأن يكونوا أمة عربية - وشيعتنا العرب حقا - ؟.
من هذه الرؤية الدقيقة بعض الشيئ تكشف أمامنا الصورة العربية بغطاءها الحضاري والاسلامي الاكثر شمولية من كون العربية مجرد لغة او لسان معبر عن الغايات الحضارية للرسالة الاسلامية ، ولم يبقى أمامنا لفهم الخطاب الاسلامي في مسألة الصورة العربية الا ان نحمل هذه المقولات الاسلامية من ائمة أهل البيت ع على اساس ان الصورة العربية حملت مميزات هوية الامة القومية ، والتي تنعكس في أطارها الاسلامي العام ؟.
ولكن ومع ذالك لنعود من جديد ونهدم مدعى : ان الصورة العربية المستهدفة في خطاب العقل الاسلامي هي ليست الصورة القومية والحضارية للصورة العربية وبكل مموناتها الحضارية ، ولنقول بأن المستهدف هو فقط اللسان العربي او اللغة العربية من كل الطرح الاسلامي فهل نخرج عندئذ بنتيجة مختلفة عن ما ذكرناه آنفا ؟.
الحق انه حتى لو فرض كون ( المنتخب والمجتبى والمصطفى ...) الاسلامي هو اللسان العربي فقط كوسيلة او اقنوم لايصال الاطروحة الاسلامية للعالم اجمع ، فأننا سندرك وبالبداهة العلمية ، ان اللغة بصورة عامة ، ولكل قومية وشعب على هذه الارض ، لم تكن وسوف لن تكون مجرد مفردات متطايرة عن ارض الواقع الانساني ، وانما اللغة هي التعبير الاصدق عن المميز القومي لكل أمة وشعب ، لها او له تراث عقائدي واسطوري وفني واخلاقي وسلوكي وتنظيمي ......، هو بحاجة لأن يعبر عنه بلغة ما ، تمثل هذه اللغة المعلم الحضاري والتعبير المادي لكل التراث المذكور لهذه الامم والشعوب ؟.
ان اللغة واللسان العربي - حسب هذا المنحى المعرفي - ليست هي مجرد ( لغة ) حروف ومفردات متحركة في فراغ الصورة العربية ، بل ان هذه اللغة مثلت ولم تزل مشاعر وتقاليد ، وفنون ، وافكار . وعادات ، وجغرافية ، واساطير ....... هذه الامة المسماة بالامة العربية ، وان هذه اللغة - هنا - ما هي الا انعكاس طبيعي لكل المفردات الحضارية والثقافية التي حملتها الصورة العربية أنسانيا ؟.
وعليه كان النص اللغوي الذي أستخدمته رسالة السماء المسماة بالاسلام ، يحمل كل المعاني التي تمت بصلة لحياة وصورة المجتمع العربي وقوميته الحضارية الانسانية بما لها من أخلاق وفنون واساطير ........الخ ، رشح هذه الصورة العربية ومن خلال هذه الابعاد المذكورة لأن تكون مميز دفع العقل الاسلامي المجسد بأئمة اهل البيت ع لأن يؤكدوا على عروبتهم وعروبة انصار مدرستهم الفكرية ( نحن قريش وشيعتنا العرب ..، نحن بنو هاشم وشيعتنا العرب ....، وفنحن العرب وشيعتنا الموالي _؟.
وعندما تكون الصورة العربية بملامحها القومية والانسانية رافد طبيعي لعملية الادراك الصحيح والفهم العميق لاهداف الاطروحة الاسلامية العقائدية ، عندئذ تكون الصورة العربية والاعتزاز بالانتماء لمفرداتها القومية ، احد صور الاعتزال بالروافد الاسلامية المهمة والتي انبنت على روح الصورة العربية ؟.
اي ان الصورة العربية وكما يطرحها العقل الاسلامي هي بحق _ روح الاطروحة الاسلامية _ من خلال تراثها القومي الفكري والفني والروحي والجمالي والاسطوري ..... المبثوث في كل الخطاب والنص الاسلامي المقدس ( القران الكريم ) المنعكس اللغوي لخطاب الساء للارض البشرية ؟.
(( انا أنزلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون )) 2/ يوسف
كتابات - حميد الشاكر
ب : - الصورة العربية أسلاميا
مدخل :
ربما يعتقد البعض انه من الظلم للتاريخ العربي ان يختصر ويقتل بالطرح والنص الاسلامي ورؤيته للصورة العربية ، وذالك لاعتبار ان الطرح الاسلامي بطبيعته طرحا لمفردات عامة حول هذا الموضوع او ذاك من المواضيع الفكرية والانسانية والتاريخية .....الخ ، وعليه فمن غير الانصاف مثل هذا المنحى المعرفي للموضوعة العربية ؟.
ومثل هذا الاعتقاد له الحق الكامل والرؤية الصحيحة تماما ، لاسيما ان أ ضفنا اليها أعتقاد من يرى من الكتاب والباحثين والمفكرين قوميين وماركسيين .... انه فضلا عن ذالك فان الموقف الاسلاموي نحو التاريخ ماقبل الاسلامي والتراث والحضارات ... موقفا يتميز بالادانة المسبقة لكل ماهو تاريخيا غير أسلاموي وعليه نحن أمام أدانة ومصادرة تاريخية لكل ماهو غير أسلاموي التراث والتاريخ والحضارة ؟.
وهذه لفتة محقة ايضا ان سلمنا بوجود منحى معرفي يستهدف النظر للصورة والتاريخ والتراث العربي .... من زاوية واحدة فقط تفرض على باقي المداخل العلمية والفكرية وتصادر كل منحى معرفي غير المنحى والطرح الاسلامي ؟.
نعم للتاريخ والصورة والتراث والأمة العربية ، تاريخا يبدأ قبل ولادة الطرح الاسلامي ونظرته للصورة العربية ، كما ان له تراثا ووجودا يبدأ قبل الالف الثانية قبل الميلاد وهو يسير ببناء حضارات تنطلق من جنوب الجزيرة العربية لتنتشر شمالا بعد المعينيون وسبأ والدولة الحميرية .... لتنتقل الى سوريا والانباط الى الجوف وواحة تيماء وسلع والبتراء وتدمر .....الخ ، من عواصم ودول عربية كانت تسوسها ملوك وملكات عربية قبل الوجود الاسلامي في وسط الجزيرة العربية ؟.
كما أن هناك ثقافات ومدونات عربية - لغوية - تمتد بتاريخها الى عام 854 قبل التاريخ الميلادي أثناء حكم الملك الاشوري - شلما نصر الثاني - قد عبرت عن الوجود العربي الثقافي المتأصل تاريخيا بعد الوجود الجغرافي والسياسي ، مما يعني ان للوجود والصورة العربية مساهمة فعالة في بناء الهيكل والحضارة الانسانية الاولى بغض النظر عن ان الاصول السامية للصورة العربية لها امتداد مؤثر ثقافيا وحضاريا على المسيرة الانسانية تاريخيا .
والحقيقة ان كل ماذكر آنفا لاينكر بشأن الصورة العربية تأريخيا وثقافيا وحضاريا ... ، بالاضافة طبعا لما يذكر بشأن محاولة البعض مصادرة الصورة العربية وقتل امتدادها الجغرافي واختصار حركتها في بقعة معينة من الجغرافية الطبيعية وبدوافع جغرافوية - مؤدلجة - الغرض هو مصادرة تاريخ أمة تمتلك كل المكونات الحضارية التي تمكنها من تحمل اعباء المشاركة والاصلاح الانساني ؟.
ولكن ومن الجانب الاخر للعملة من حق العقل الاسلامي والذي نعتبره شخصيا انه ثمرة لهذا الوجود الحضاري والتاريخي العربي وليس هو الضد او النقيض لهذه المسيرة العربية ، ان يكون له طرحا حول هذه الصورة العربية تدين مرة بعض ملامح هذا الوجود العربي وترمم وتشيد وتبني مرة بهذا الوجود العربي حضاريا وثقافيا ، وعليه نعم التأريخيون من حقهم بسط الصورة العربية بكل امتداداتها التاريخية والحضارية ، وكذالك مطالبتهم بعدم اختصار هذا التاريخ وذالك الوجود الحضاري بتاريخ معين او بجغرافية مقزمة كجغرافية الجزيرة العربية وبالذات الوسط منها ؟.
بمعنى : من حق التأريخي ان يطالب بعدم أعدام الصورة العربية أسلامويا فحسب ، فألاسلام ونهضته الرسالية يمثل مرحلة من المراحل التاريخية للوجود العربي وليس هو كل الوجود الحضاري والثقافي والتراثي والجغرافي ...... للصورة العربية ، وهذه الرؤية - حقيقة - ان تأملنا الطرح الاسلامي نفسه سنجد انه نفس مايؤسس له هذا الطرح وليس النقيض لمموناته الفكرية والثقافية والعقائدية ؟.
وعلى العموم كنا نريد القول ان للعقل الاسلامي طرحه المميز الذي يختلف باهدافه والياته الفكرية عن الطرح التاريخي او الثقافي ، كما ان له محاوره الذي يعتني بها والمختلفة تاريخيا وثقافيا عن المحاور الذي يتناولها ويؤكد عليها العقل التاريخي او الثقافي او التراثي او السياسي ....الخ ، وهذا هو المنحى الذي يدفع الكثير من الكتاب الغير واعيين لاهداف واليات التفكير الاسلامي باتهامه بالمصادرة التاريخية مرة وبالأسلاموية مرة أخرى ، ولولا ان هذا الموضوع موضوعا مختلفا من ما نحن بصدده من صورة عربية بطرح عقلية اسلامية لكنا ذكرنا بعض ترهات او اتهامات السذج من الكتاب والمفكرين الّذين لم يدركوا هذه المناحي المعرفية للمدرسة الاسلامية ؟.
وخلاصة لما ذكر : ان طرح العقل الاسلامي للصورة العربية هو طرح يتميز بالفكرية المعمقة لمسألة الرسالة الالهية وكيفية ربطها بالموضوعة القومية بصورة عامة والصورة العربية بصورة خاصة ، وذالك من منطلقات أنسانية وثقافية وتاريخية ، سوف نذكر بعض ملامحها لاحقا ، وملخصها متكون من ان الصورة والوجود والكيان ... العربي الذي تناوله العقل الاسلامي وصاغ ملامح رؤيته حوله هو : الوجود المنبني على البعد الحضاري والذي ينصهر بمقولة الوجود الثقافي والتراثي واللغوي والنفسي والروحي والاسطوري والاخلاقي والفكري والعقائدي .... العربي ، وليس الوجود العنصري والنقاء الدموي لعرب عاربة وعرب مستعربة ؟. هذا ؟.
.................................
النظرة الاسلامية :
يطرح الخطاب الاسلامي الصورة العربية بنوع من القوة والاعتزاز الانتمائي لهذا النموذج القومي الانساني ، وفي خطابات قادة الدين وعلماء الأمة من أئمة أهل البيت ع ترد مفهومة العروبة بشكلها القومي العميق ، والفكري الدقيق ، كأهمية قومية وهوية أممية ، مما ينعكس على رؤى أئمة الهدى من آل محمد ع وبأعتزازهم الكبير بهذه الهوية العربية ، بل ويرون ان هذه الهوية العربية بصورتها القومية من السمات البارزة لقادة الاطروحة الاسلامية واتباع مدرستهم المحمدية المباركة ، والتي أنبنت مكوناتها الفكرية والعقائدية على معالم الصورة العربية ، فيقول الامام جعفر بن محمد الصادق - أحد ابرز أئمة أهل البيت ع لدى الشيعة الامامية - وهو يرد على مفهومة الصورة العربية وبكل مموناتها الحضارية : - نحن بنو هاشم وشيعتنا العرب وسائر الناس ألاعراب - ؟.
وكذا عندما تطرح الموضوعة العربية من جانب معرفي اخر يمثله البعد القومي بأطره الثقافية ، فيذكر الامام الصادق جعفر بن محمد ع محورية الصورة العربية ومميزاتها الانتمائية بقوله : - نحن قريش وشيعتنا العرب وسائر الناس علوج الروم _ / روضة الكافي / الكليني/ص 119.؟.
أما عندما تطرح الموضوعة العربية بأليات فكرية مختلفة ، وكهوية قومية مثلت الاس والممون الحضاري للاسلام ، فان الامام موسى بن جعفر الكاظم ع - أحد أئمة الشيعة الثوريون - يرى ان الهوية العربية هوية أكثر من كونها بعد لغوي او معلم أعرابي فيقول : - الناس ثلاثة ، عربي ، ومولى ، وعلج ( العراقيون يتذكرون هذا المصطلح - العلج - جيدا ) فنحن العرب وشيعتنا الموالي ، ومن لم يكن على مثل مانحن عليه فهو علج - ؟./ نفس المصدر / ص 155 .
الغرض هو القول ان الخطاب الاسلامي طرح المسألة والصورة العربية على أساس ان لها نوعا من الخصوصية والميزة التي تستحق ان تكون من مميزات أهل البيت ع وأتباع مدرسته العقائدية والفكرية ، ولاشك هنا ان لهذه الميزة مايبررها على المستوى الفكري للاطروحة الاسلامية ككل ، فياترى ماهذه المميزات التي دعت المعصومين من قادة الدين من أئمة أهل البيت ع ان يروا ان العربية صورة ينبغي الاعتزاز بالانتماء لمفرداتها القومية حسب رؤية العقل الاسلامي ؟.
هل كون العربية مثلت لغة عقائدية لكتاب المسلمين المقدس - القران - هي التي أهلت الصورة العربية لأن تكون موقع أعتزاز وفخر لأئمة الهدى من آل محمد ع ؟.
أم ان هناك ابعادا أخرى أكثر عمقا للمسألة القومية للصورة العربية ، وأكثر دقة من كونها صورة لغوية فحسب ، جعلت ورشحت الصورة العربية لأن ترتقي الى مستوى هوية الأمة المتصلة مباشرة بروح الاطروحة الاسلامية وتصوراتها المقدسة هي التي ارتقت بالصورة العربية لأن تكون محور اعتزاز قادة المسلمين وعز الشريعة والدين أهل البيت ع ؟.
لاريب ان كون الصورة العربية صورة لغوية وظرف لساني ينطق بمفردات الاسلام ، هي التي جعلت من هذه القومية مميزا ، مثل هذه الرؤية لاترقى لأن تكون مبررا وعلة للعقل الاسلامي لأن يفتخر بهذه الصورة العربية ، وذالك بسبب ان مفهومة ( ألاعراب والاعرابية ) الاسلامية هي ايضا موضوعة تضم داخل أطارها كل من أختص باللغة العربية وليس فقط من تكلم بها ، ومع ذالك فان موضوعة ( الاعراب ) موضوعة منتقدة في الفكر الاسلامي وموضوعة بالنقيض من الصورة العربية التي يعتز بها العقل الاسلامي _ شيعتنا العرب وسائر الناس الاعراب _ ، ولاشك ان الاعراب ربما يكونون اكثر فصاحة لغوية من المتمدينين- سكان الحواضر - في الصورة العربية المتحضرة ، بل وربما كانت ( الاعرابية ) البدوية مرجعا لغويا لاغنى عنه لمعرفة اسرار اللسان العربي ، ولكن مع ذالك كانت الموضوعة الاعرابية موضوعة بأطار (( ألاعراب أشد كفرا ونفاقا وأجدر الا يعلموا حدود ما أنزل الله على رسوله - ؟.
الحقيقة ان فهم مفردات العقل الاسلامي ، حول موضوعة الصورة العربية سيؤهلنا لفهم دقيق لاهمية الموضوعة القومية العربية بكل ملامح وقسمات وجهها الانساني والحضاري ، فمقولة العقل الاسلامي ( نحن بنو هاشم ، ونحن قريش ، و فنحن العرب ...) من مقولات أهل البيت المذكورة ، تعبير دقيق لشمولية الغطاء القيادي الاسلامي لعالمية الفكرة الاسلامية وانفلاتها من الاطر القومية الجغرافية الضيقة ، فنعم وان تكن الهاشمية والقرشية مفرادت ضيقة بالاطار القومي العربي العام - فنحن العرب - الا انها تتميز بالبعد الشخصي لمقولة - ألأئمة من قريش - والبعد العالمي لكون القرشية والهاشمية لاينبغي ان تؤخذ بالاطار الضيق للصورة العربية فحسب بل ينبغي ان تمتد لتشمل بقيادتها _ وشيعتنا العرب وشيعتنا الموالي _ ايضا ، بمعنى ان العربية هنا مثلت هوية مجموعة عقائدية وفكرية من السلوكيات والتقاليد والتصورات والثقافة ..... الاسلامية والتي جعلت أهل وانصار الحق لأن يكونوا أمة عربية - وشيعتنا العرب حقا - ؟.
من هذه الرؤية الدقيقة بعض الشيئ تكشف أمامنا الصورة العربية بغطاءها الحضاري والاسلامي الاكثر شمولية من كون العربية مجرد لغة او لسان معبر عن الغايات الحضارية للرسالة الاسلامية ، ولم يبقى أمامنا لفهم الخطاب الاسلامي في مسألة الصورة العربية الا ان نحمل هذه المقولات الاسلامية من ائمة أهل البيت ع على اساس ان الصورة العربية حملت مميزات هوية الامة القومية ، والتي تنعكس في أطارها الاسلامي العام ؟.
ولكن ومع ذالك لنعود من جديد ونهدم مدعى : ان الصورة العربية المستهدفة في خطاب العقل الاسلامي هي ليست الصورة القومية والحضارية للصورة العربية وبكل مموناتها الحضارية ، ولنقول بأن المستهدف هو فقط اللسان العربي او اللغة العربية من كل الطرح الاسلامي فهل نخرج عندئذ بنتيجة مختلفة عن ما ذكرناه آنفا ؟.
الحق انه حتى لو فرض كون ( المنتخب والمجتبى والمصطفى ...) الاسلامي هو اللسان العربي فقط كوسيلة او اقنوم لايصال الاطروحة الاسلامية للعالم اجمع ، فأننا سندرك وبالبداهة العلمية ، ان اللغة بصورة عامة ، ولكل قومية وشعب على هذه الارض ، لم تكن وسوف لن تكون مجرد مفردات متطايرة عن ارض الواقع الانساني ، وانما اللغة هي التعبير الاصدق عن المميز القومي لكل أمة وشعب ، لها او له تراث عقائدي واسطوري وفني واخلاقي وسلوكي وتنظيمي ......، هو بحاجة لأن يعبر عنه بلغة ما ، تمثل هذه اللغة المعلم الحضاري والتعبير المادي لكل التراث المذكور لهذه الامم والشعوب ؟.
ان اللغة واللسان العربي - حسب هذا المنحى المعرفي - ليست هي مجرد ( لغة ) حروف ومفردات متحركة في فراغ الصورة العربية ، بل ان هذه اللغة مثلت ولم تزل مشاعر وتقاليد ، وفنون ، وافكار . وعادات ، وجغرافية ، واساطير ....... هذه الامة المسماة بالامة العربية ، وان هذه اللغة - هنا - ما هي الا انعكاس طبيعي لكل المفردات الحضارية والثقافية التي حملتها الصورة العربية أنسانيا ؟.
وعليه كان النص اللغوي الذي أستخدمته رسالة السماء المسماة بالاسلام ، يحمل كل المعاني التي تمت بصلة لحياة وصورة المجتمع العربي وقوميته الحضارية الانسانية بما لها من أخلاق وفنون واساطير ........الخ ، رشح هذه الصورة العربية ومن خلال هذه الابعاد المذكورة لأن تكون مميز دفع العقل الاسلامي المجسد بأئمة اهل البيت ع لأن يؤكدوا على عروبتهم وعروبة انصار مدرستهم الفكرية ( نحن قريش وشيعتنا العرب ..، نحن بنو هاشم وشيعتنا العرب ....، وفنحن العرب وشيعتنا الموالي _؟.
وعندما تكون الصورة العربية بملامحها القومية والانسانية رافد طبيعي لعملية الادراك الصحيح والفهم العميق لاهداف الاطروحة الاسلامية العقائدية ، عندئذ تكون الصورة العربية والاعتزاز بالانتماء لمفرداتها القومية ، احد صور الاعتزال بالروافد الاسلامية المهمة والتي انبنت على روح الصورة العربية ؟.
اي ان الصورة العربية وكما يطرحها العقل الاسلامي هي بحق _ روح الاطروحة الاسلامية _ من خلال تراثها القومي الفكري والفني والروحي والجمالي والاسطوري ..... المبثوث في كل الخطاب والنص الاسلامي المقدس ( القران الكريم ) المنعكس اللغوي لخطاب الساء للارض البشرية ؟.
(( انا أنزلناه قرانا عربيا لعلكم تعقلون )) 2/ يوسف