ماهي مشكلة ابليس الشيطاني ؟. وهل هي فكرية عقدية نظرية أم سلوكية عملية وظيفية ؟. هل ابليس ذكي مدني أم هو غبي بدوي اعرابي ؟!.عندما نقول ان العالم مخلوق على اجمل واكمل صورة خلقية ، فكأنما نحن نقرر ان هذه الخلقة يجب ان تكون لها مواصفات مميزة ، منها على سبيل المثال وجوب ان
تكون هذه الخلقة العالمية قائمة على العدل وضع الشيئ في موضعه والتقدير انا كل شيئ خلقناه بقدر وان تكون متوازنة ومتجانسة ، وكذا يجب ان تكون متكافئة ومتفاعلة ....الخ ، وربما يكون منشأ هذه الوجوبية هو موازين العقل الانساني التي ترى العالم جميلا ومتكاملا عندما يكون على هذه الصورة او تلك ، وعلى اي حال هكذا هو العقل والذوق الانساني خلقا وهكذا ترى الاشياء العالمية مرة من خلال الرؤية المباشرة لجماليات الكون والعالم ، ومرة بصورة غير مباشرة عندما تقارن هذه الرؤية بين القبيح والجميل عندما يشكلا لوحة ، والناقص والكامل ، والظالم والعادل .....، لتكون هذه العملية من رؤية الشيئ ونقيضه كميزان يوضح ملامح ومعالم العالم والكون والانسان بكلا وجهيه من العملة الوجودية الواحدة هذه !.والغريب العجيب في هذه العملية انها تحمل داخل رؤيتها الجمالية والكمالية مبدأ النسبية الضرورية التي ترى : انه ليس من الضروري وعلى طول الخط ان يكون القبيح قبيحا والجميل جميلا والكامل كاملا والناقص ناقصا ..... هذا ، لاسيما ان هذه الرؤية (( الاسلامية )) معتمدة تماما على المنطق العقلي من جهة وطبيعة الاشياء العالمية من جهة اخرى ، فليس مايعتقده العقل البشري قبيحا وهو محق في رؤيته هذه في القبح هو لاينتج في جانب آخر جمالا ، وكذا عندما نعتقد بنقصان شيئ ما ، فليس هو كذالك وعلى استمرارية الماكنة لاينتج الا نقصا ، لا.. بل ربما ينتج كمالا مع احتفاظه بصفته الناقصة هذه ، ولكن في زاوية اخرى لاتؤثر على نقصه او قبحه الذاتي في شي !.مثال لذالك عندما تحدثنا الرؤية الدينية الاسلامية على (( قبح او ذنب هو افضل في الحقيقة واجمل من جمال او عمل حسن ينتج التكبر )) فهنا نحن امام معادلة نسبية ورؤية تقلب المعادلة تماما لنرى القبيح وهو ينتج جمالا والجميل وهو ينتج قبحا !.يروى عن الامام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام انه قال :(( ان الله علم ان الذنب خير للمؤمن من العجب ولولا ذالك ماابتلي مؤمن بذنب أبدا )) / رواه صاحب الكافي / هنا نحن امام شيئ جميل وعمل صالح وكامل ولكنه ومع الاسف ينتج (( عجبا )) تكبرا تمردا ... اختلالا في موضع اخر من حياة الانسان ، عندئذ لابد ان يكون ظاهر هذا العمل الجميل جميلا ولكن باطنه قبيحا بسبب انتاجه للقبيح في النهاية ، بعكس ربما في بعض الاحيان عندما نرى او نعمل شيئا قبيحا وناقصا وقاتلا لروح التكبر والتمرد الداخلية للانسان ، ولكن مع انه قبيحا وناقصا الا انه ينتج تواضعا جميلا وروحا متكاملة ...، ومع انه ظاهريا قبيحا الا انه باطنيا اصبح جميلا ...وهكذا !.كذا رؤيتنا الاسلامية لابليس اللعين مع انه في ذاته قبيح وفي وجوده نقص ، وفي جوهريته بلاء وظلم الا انه ضرورة نسبية للانسان ليدرك الجمال والخير والكمال في نقيضه تماما ، وهذا الخير وهذا الكمال وهذه الجمالية موجوده في داخل الانسان الادمي ، ولكن مامن مثير لتحريكها واخراجها لتبصر النور والوجود الا حالة المعركة والصراع التي خلقت بين الانسان والشيطان الابليسي هذا ، فهي حالة او ضرورة او قانون ركب عليها العالم الانساني هنا لتنتج من الحرب هذه سلاما دائما ، أما ان اختار الانسان الجانب الاخر من اللوحة ليعقد معاهدة سلام وهمية مع الشيطان او اراد ان ينهي المعركة بهدنة ، فانه كالذي اختار الجميل الظاهري الذي يستبطن القبح الداخلي الجوهري ليستدرج الى معركة خاسرة في النهاية !.صحيح : ان العالم خلق من اجل الانسان والانسان خلق من اجل الله سبحانه وتعالى ، وهذا مضمون قوله سبحانه :(( وماخلقت الجن والانس الا ليعبدون / قرءان كريم )) وهذه العبادة هي خطة الصراع مع الشيطان الابليسي الذي يحاول بكل وسيلة ان لايخرج الانسان كنوز جماله وكماله الداخلية ، بأن يغويه يعجبه بنفسه ويمنيه ويرسم له الاحلام والمستقبل الكبير ويخدره وياتيه من خلفه بكل ماتعني الخلفية من تاريخ ومن امامه وبكل ماتعنيه الامامية من مستقبل وعن يمينه وبكل ماتعنيه اليمينية من قوة وبأس ومن شمال وبكل ماتعنيه الشمالية من ترفه ، لا ليكون ابليس سيد الموقف في ارض المعركة ، بل ليكون الانسان على حذر شديد ومن جميع الجهات الممكن ولوج وهجوم ابليس منها على الانسان ، وهذا الحذر هو المثير الخارجي لابليس القبيح والناقص والظالم ...، الذي سينعكس (( الحذر البشري )) بصورة غاية في الجمال والكمال والعدالة الانسانية مع ان من اثاره هو ابليس القبيح هذا ، فهنا نحن امام قبيح في النهاية انتج جمالا انسانيا على اي حال !.ان الوجود مجموعة متكاملة من التوافق ، ولكن من يستطيع ان يفهم التوافق اليا ليقول : ان التوافق والتكامل هو بالضد او بالنقيض من التصادم والتفاعل بين اشياء الوجود ؟.ولماذا لايكون التصادم والتفاعل هو جزء من قانون التكامل والتوافق الكوني والوجودي والعالمي والانساني ايضا ؟.نعم خلق الله العالم والانسان والملائكة والارض والسماء .... بحالة من التكامل غريبة عجيبة ، ولكنه سبحانه وتعالى خلق ابليس الشيطاني المتنافر مع هذا التالف والتكامل والتجانس الجميل لتكتمل الصورة الكلية بكافة عناصرها الضرورية من كون وخلقة مؤتلفة حتى ابليس وشيطان مختلف ومتنافر ليكون نفس التنافر سببا للآئتلاف والتكامل سبحانه وتعالى ما اعظم تقديره !.ان القرءان الكريم يحدثنا عن الخلقة الابليسية واشكالياتها الفعلية على اساس انها خلقة مختلفة عن الائتلاف الكوني ، بل انها خلقة متمردة ومتكبرة وناقصة ، لذا هي شخصية معقدة طردت من الرحمة الالهية تماما ليكون موضعها الغضب والانتقام الالهي ، مع ملاحظة ضرورة انتقالها وتواجدها على ساحة الفعل العالمية لتقوم بوجودها الوظيفي الكبير في عالم الانسان وغيره ، ومن هنا وجب علينا معرفة عدونا الاول والاخير ومن كل الجوانب والزواية للشخصية الابليسية هذه لادراك فيما بعد ماهية من نحارب ، ولنبدأ اولا بدراسة الماهية الفكرية والنفسية والروحية لهذا المخلوق المعقد ، ولنقول : ماهي مشكلة ابليس الشيطاني الحقيقية ؟.وهل ابليس استحق كل هذا القبح لشدة غباءه الفطري ام لشدة ذكائه الجوهري ؟.ماهي العملية التي حكمت على ابليس ان يطرد من الرحمة الالهية ويرجم ويلعن وينتهي به المطاف الى هذه النهاية التي لايتمناها اي مخلوق في هذا العالم ؟.الحقيقة ان هناك مشهدا واحدايذكره القرءان العظيم على اساس انه المحور الاصيل والقاعدة الجوهرية لكل الدراما الابليسية ، الا وهي مشهد قوله سبحانه وتعالى : (( واذ قال ربك للملئكة اني خالق بشرا من صلصل من حمأ مسنون ، فأذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ، فسجد الملئكة كلهم اجمعون ، الا ابليس أبى أن يكون مع الساجدين ، قال ياابليس مالك ألاتكون مع الساجدين ، قال لم أكن لآسجد لبشر خلقته من صلصل من حماء مسنون ، قال فاخرج منها فانك رجيم .../ قرءان كريم )) .ويبدو بوضوح ان الكارثة او القصة بكل مشاهدها تكمن في جملة :(( لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون )) !.وهكذا عندما يعاد صياغة المشهد من جديد نرى ان نفس المنطق الابليسي هو السائد في العملية التي رسمت معالم الطريق لابليس الشيطاني هذا ، ففي النص القرءاني اعادة لرسم الزاوية مرة اخرى للوصول الى جوهر المشكلة الابليسية في قوله سبحانه وتعالى :(( اذ قال ربك للملئكة اني خلق بشرا من طين ، فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له سجدين ، فسجد الملئكة كلهم أجمعون ، ألا ابليس أستكبر وكان من الكافرين ، قال ياءبليس مامنعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين ، قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ، قال فاخرج منها فاءنك رجيم ، وان عليك لعنتي الى يوم الدين ../ قرءان كريم )).ان هذا المشهد يختصر الاجابة على الماهية الحقيقية لاشكالية ابليس مع العالم والانسان من جهة ومع الله سبحانه وتعالى من جانب اخر !.نعم ماذا نستفيد او نفهم او ندرك او نستوحي .... من جملة (( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) التي تبدو وبوضوح انها سبب الكارثة الشيطانية في جميع العوالم والتي هي نفسها التي ستقودنا الى مفاتيح الشخصية الابليسية المعقدة لفتح رموزها واسرارها ؟.كنت انا المسكين الضعيف كاتب هذه السطور ولفترة طويلة انظر الى هذا المشهد القرءاني من زاوية محددة ولاتساءل بكل صدق وانتباه حول : صحيح ماهو الفرق بين الانسان الطيني ادم وبين النار الشيطانية لابليس ؟.وهل كان ابليس محقا في اعتراضه عندما قرر ان النار اكثر خيرية من الطين ؟.القرءان الكريم بنصه العظيم لايناقش هذا الاعتراض مطلقا في نصوصه المقدسة ، بل ولايلتفت ايضا او يعير انتباه يذكر لهذه النقطة ، بل كل مايطرحه النص القرءاني هو (( الحكم )) المباشر الذي اعقب هذه الجملة الابليسية فورا ليقرر:(( فاخرج منها فاءنك رجيم وان عليك لعنتي الى يوم الدين )) مما تركني في حيرة من امري وضياع لعدم التعرض لاجابة سؤالى في : هل كان ابليس محقا في ان النار اكثر خيرية من الطين ؟. ولماذا فضل الطين على النار ؟. واشياء اخرى !.نعم ماهي الموضوعة ولماذا لم يجب النص على اعتراضية ابليس في الخيرية هنا ، كما فعل في تساءلية الملائكة هناك عندما قالو :(( اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ؟....)) فان النص وضح لماذا سوف يكون الانسان غير سفاك للدماء بضميمة (( وعلم ادم الاسماء كلها )) وبنتيجة :(( ثم عرضهم على الملائكة فقال انبؤني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين ، قالوا سبحانك لاعلم لنا الا ماعلمتنا انك انت العليم الحكيم ، قال ياادم انبئهم باسماءهم فلما انبأهم باسمائهم قال الم اقل لكم ....)) أما في موضوعة ابليس فليس هناك اي جواب او ضميمة لقوله :(( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ))؟.بعد هذا بدأت في التفكير والاجتهاد الفكري لاقول واتساءل مع نفسي : ماهي الخيرية الطينية على الجوهرية النارية ؟.النار مضيئة وخفيفة ورشيقه وجميلة ......الخ ، والطين ثقيل وقاتم ويخرج رائحة وفيه نوعا ما فوائد صغيرة !.لكن هذا الجواب اشبه بالداعم لحجة ابليس منه لحجة الخيرية الطينية ، فصحيح ان النار لاوزن لها الا انها تملئ المكان بسرعة مذهله وتحرق الظلام بصورة رائعة ، كما انها مصدر النور ومعدن الرشاقة واللطافة ، أما الطين فلا اقل من كونه مترهل يسقط نزولا بدلا من ارتفاعه صعودا في السماء كالنار ، والطين منفعل وليس كالنار فاعلة ....الخ ؟!.اذن اين الخيرية في الامر ؟.النص القرءاني لالبس فيه ان جملة (( انا خير منه )) هي التي اطاحت بابليس الشيطاني في حكومة الطرد واللعن ، والظاهر من المسألة ان مضمون (( الخيرية )) بين النار والطين مسألة فيها نظر باعتبار ان المنطق الابليسي كان يرى : ان الطين ليست اكثر خيرية من النار ؟. فعلى ماذا استحق ابليس هذا الطرد والرجم واللعن من الرحمة والوجود والاحترام ؟.بعد فترة ليست بالقصيرة من زمن التفكير اعدت السؤال مرة ثانية على نفسي الضعيفة لاقول : دعني انظر للمسألة من الزاوية الاخرى للموضوع ، فيبدوا انني عندما اناقش الموضوعة من زاوية (( انا خير منه )) الابليسية فانني سوف لااكون محايدا في الطرح والمناقشة ، ولكن لنبدأ من جديد بطرح (( انا خير منه )) من الزاوية الالهية المقدسة صاحبت الحكم ، ولاتساءل : لماذا عندما اعترض ابليس على الامر الالهي بالسجود لادم بقوله :(( انا خير منه )) كانت الحكومة الالهية قاطعة بان هذا الاعتراض اكبر جريمة خلقية تستحق وبالفعل الطرد واللعن والرجم الالهي العظيم لابليس الرجيم ؟.هل الله سبحانه وتعالى عادل ام ظالم تقدس وجوده ؟.بالفعل ان الله سبحانه مطلق العدالة والفيض والجود والمحبة !.اذن هل كان في حكمه على ابليس الشيطاني بالطرد واللعن والرجم الكبير عادلا ؟.من البديهي ان صاحب الحق المطلق والعدالة الكاملة الله سبحانه وتعالى لايظلم مثقال ذرة من خلقه ، وعليه ماهي الجريمة التي اقترفها ابليس المتهم في جملته :(( انا خير منه ..)) ليستحق وبالفعل هذه الكارثة التي حكمت عليه بهذه الصيغة الغريبة والعجيبة ؟.هنا وعندما نظرت للموظوعة الابليسية من الزاوية الاخرى تكشف لي اكثر من جريمة بشعة لابليس المجرم وكل واحدة منها يستحق عليه الرجم والطرد بالفعل ، بعكس عندما كنت اقترف اكبر جريمة بحق نفسي عندما كنت انظر للمسألة من الزاوية الابليسية انذاك لاتساءل وبمنطق ابليس نفسه عن ماالفرق بين النار والطين ؟. عندئذ تعلمت درسا غاية في الاهمية ونهاية في الحكمة يقول : ان اشياء العالم الوجودية لها زاويتان للرؤية في هذا الوجود البشري الاولى : هي الزاوية الشيطانية الابليسية ، والثانية هي الزاوية الالهية القرءانية الرسالية المحمدية العلوية نسبة الى علي بن ابي طالب ، وفي كل شيئ من الاشياء العالمية لديك زاويتان للنظر وللرؤية وفي كل شيئ ، ... في الاخبار وتحليلها في المواد وتناولها في الحياة وفهمها ، في السياسة والعمل بها في الاقتصاد وتداولاته في الانسانية والنظر اليها .... الخ ، كل هذه الاشياء تحدد الرؤية لها اذا حددنا زاوية النظر اليها فان النتائج ستكون مختلفة جدا كما هي الرؤية ستكون حتما مختلفة ؟.ان اختلاف وجهات النظر الانسانية في الاشياء العالمية هو هذا منشأها في زاوية الرؤية ، وكما كنت انظر للموضوعة الابليسية من الزاوية الابليسية كنت غارقا في الفوضى والضياع وعدم الاجابة المقنعة ، أما عندما انتقلت الى النظر من الزاوية الاخرى اختلفت المعادلة الفكرية تماما ، وبدأت انظر للموضوع من زاوية (( نور الله او ماشرحه الله بمحكم كتابه الكريم )) وليست من زاوية (( ظلام ابليس )) عندئذ ادركت معنى كارثية :(( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) لافهم الاتي من جرائم ابليس الوجودية :اولا: عندما يكون اي مخلوق امام خالقه وفي الحضرة الكاملة المقدسة ، وهو معلق بمعلوليته الوهمية بحقيقة العلة الوجودية ويرى لنفسه وجودا نديا مع خالقه ، فانه بذالك يبدأ اول حماقاته الروحية والنفسية والفكرية ، فليس من الاداب السياسية وانت في حضرة ملك من ملوك الدنيا ان ترد على الامر الملكي الذي يصدر اليك بمقولة (( انا )) باعتبار ان هذه الكلمة امرية ملكية ، وعندما يامر الملك وتقول (( انا ارى )) فذالك يعتبر قمة الجرأة واساءة الادب في مخاطبة ملك دنيوي متعفن ، فما بالك عندما تقف بين يدي الله سبحانه وتعالى والذي يعتبر كل وجودك الوجودي هو مرهون بارادته ومشيئته فهل يحق لك ان تذكر وجودك الوهمي وتغفل عن وجود خالقك الحقيقي سبحانه وتعالى !.في العلوم الطبيعية هناك سبب ومسبب وعلة ومعلول ومقدمة ونتيجة ، ولايوجد وجود حقيقي للمعلول او للسبب او للنتيجة اذا لم يوجد بالفعل المقدمة والمسبب والعلة ، باعتبار ان لاوجود واقعي للنتيجة اذا لم توجدها المقدمة ولاوجود يذكر وبالفعل للمعلول اذا لم توجده العلة الحقيقية كما انه ليس هناك اي وجود لسبب اذا لم يسبقه المسبب ، وكذا الحال بين الله سبحانه خالق الوجود ومؤسسه وبين مخلوقاته المعلولة بوجودها لهذا الخالق العظيم ، وليس من المنطق الجيد ان تكون امام موجدك وخالقك وعلتك الحقيقية وتقول :(( انا )) تاكيدا لذاتيتك باعتبارها مستقلة وناجزة والتي هي وبالفعل لاشيئ يذكر امام موجدها الحقيقي الله سبحانه وتعالى !.اي من الحماقة ان تلتفت لوجودك المعلول والصغير والتافه وتؤكد (( الانا والانية والانانية )) وانت امام الوجود الاعظم والحقيقي والكامل (( الله سبحانه وتعالى )) ، بسبب ان هذه الالتفاته الى الذات الصغيرة يشغلها تماما عن حصر الادراك الكامل للذات والوجود الكبير والمقدس ، وهذه الشاغلية تعني فيما تعنيه انك ملتفت الى الصغير المملوك وغافل عن الكبير المالك وهذه اهانه في عرف الملوك والعظماء موجهة من الحقير الى الكبير !.ولكن مع ذالك ما الضير في ان يلتفت ابليس الشيطاني قليلا الى ذاتيته الصغيرة بوجود الخالق المقدس ؟.ان الضير الحقيقي هو في النتيجة التي انتجتها هذه الالتفاتة القاتلة للذات والجوهر الصغير الابليسي ، عندما غيبتها قبالة الالتفات الى الذات والجوهر الكبير والمقدسة الالهية ، ليصبح الشاغل لابليس انانيتين وذاتين وجوهرين (( ذات الله سبحانه من جهة وانانية ابليس الحقيرة من الجانب الاخر )) لنقسم الامر من والى الهين في نفس اللحظة !؟.وهنا نتساءل : هل كان ابليس ينتبه الى الامر الالهي المقدس في السجود لادم أم انه كان منتبها لامر الانانية الابليسية في هذه اللحظة ؟.من اين اخذ ابليس الشيطاني أمره من (( الانا الابليسية انا خير منه )) أم من الامر الالهي المقدس ب (( اسجدوا لادم ))؟.يبدو وبكل وضوح : ان ابليس كان الى انانيته ماذا تأمر منتبها وليس ملتفتا تماما الى الامر الالهي ، لذا قدم الامر والمطلب والمراد الاني (( انا خير منه )) وغاب عنه تماما الامر والمطلب والمراد الالهي في (( اسجدوا لادم )) فكان ابليس وبحق مقدما رغباته وتصوراته واحكامه الذاتية الانانية على والمطالب والاوامر الالهية المقدسة ، لذالك جاءت (( انا )) لتؤكد هذه الحقيقة وهي حقيقة : ان ابليس الشيطاني كان لايعبد الله في هذا الموقع بقدر عبادته لانانيته وذاته التي املت عليه تصور وامر (( انا خير منه ..)) وجعلته يتجاهل تماما الامر الالهي في (( اسجدوا لادم )) عندئذ جاء الحكم الالهي مباشرا وقاطعا وغير منتظر لشيئ اخر يصدر من ابليس هذا فقال :(( فاخرج منها انك رجيم وان عليك لعنتي الى يوم الدين ))نعم في العرف الالهي المقدس : ان من يملك الخلق يملك الامر (( ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين / قرءان كريم )) وفي لحظة تلقي ابليس امر الانانية والهوى الشيطاني وغفلته عن الامر الالهي ، فكأنما يريد القول : انه ليس من الضروري ان يكون صاحب الامر هو هو نفسه صاحب الخلق ، وبالامكان فصل الدين عن الخلق او فصل القانون عن الوجود او فصل الله عن البشر !.لهذا جاءت وبرزت وتقدمت (( الانا )) الابليسية كآمرة له وكمملية عليه تصوراتها التافهه لتقرر (( خيرية النار على الطين )) وهكذا بدون ان يكون لها حق الامر والخلق ، عندهذا كان الحكم الالهي عادلا على هذه الانا التي تريد ان تكون شيئا يذكر بينما هي لاتستحق ان يلتفت اليها باي احترام او تقدير يذكر!تمام : ان مفردة (( انا )) التي ذكرها القرءان عن لسان ابليس اظهرت وبوضوح مدى فداحة الجرم الذي ارتكبه هذا المجرم الصغير ابليس ، لتدلل على غباءه الشديد في معرفة ذاته واعتقاده انه مستقل الذاتية بينما هو مجرد مخلوق ومعلول وسبب لسبب وخالق وعلة هي وحدها تملك صفة الاستقلالية في هذا الوجود (( الله سبحانه وتعالى )) وكذا اظهرت هذه (( الانا )) الابليسية كيفية تحول هذه الانا من مجرد وجود الى كتلة الاه يعبد من قبل ابليس نفسه ويؤخذ منها الامر والتوجه والرؤية ، ليرد بأمرها على امر الله سبحانه وتعالى ، واخيرا لتؤكد هذه ال (( انا )) ان التركيبة الابليسية الخلقية مركبة بشكل لايسمح لها ان تنخرط في منظومة الخلق الائتلافية مما حرك الحكم بالطرد والرجم على اساس استحالة توافق هذا المخلوق المسمى ابليس مع باقي العالم الاخر !.هذا اولا .ثانيا : تطلعنا هذه ال (( انا )) على زاوية اخرى من صفات هذا المخلوق المعقد .......
تكون هذه الخلقة العالمية قائمة على العدل وضع الشيئ في موضعه والتقدير انا كل شيئ خلقناه بقدر وان تكون متوازنة ومتجانسة ، وكذا يجب ان تكون متكافئة ومتفاعلة ....الخ ، وربما يكون منشأ هذه الوجوبية هو موازين العقل الانساني التي ترى العالم جميلا ومتكاملا عندما يكون على هذه الصورة او تلك ، وعلى اي حال هكذا هو العقل والذوق الانساني خلقا وهكذا ترى الاشياء العالمية مرة من خلال الرؤية المباشرة لجماليات الكون والعالم ، ومرة بصورة غير مباشرة عندما تقارن هذه الرؤية بين القبيح والجميل عندما يشكلا لوحة ، والناقص والكامل ، والظالم والعادل .....، لتكون هذه العملية من رؤية الشيئ ونقيضه كميزان يوضح ملامح ومعالم العالم والكون والانسان بكلا وجهيه من العملة الوجودية الواحدة هذه !.والغريب العجيب في هذه العملية انها تحمل داخل رؤيتها الجمالية والكمالية مبدأ النسبية الضرورية التي ترى : انه ليس من الضروري وعلى طول الخط ان يكون القبيح قبيحا والجميل جميلا والكامل كاملا والناقص ناقصا ..... هذا ، لاسيما ان هذه الرؤية (( الاسلامية )) معتمدة تماما على المنطق العقلي من جهة وطبيعة الاشياء العالمية من جهة اخرى ، فليس مايعتقده العقل البشري قبيحا وهو محق في رؤيته هذه في القبح هو لاينتج في جانب آخر جمالا ، وكذا عندما نعتقد بنقصان شيئ ما ، فليس هو كذالك وعلى استمرارية الماكنة لاينتج الا نقصا ، لا.. بل ربما ينتج كمالا مع احتفاظه بصفته الناقصة هذه ، ولكن في زاوية اخرى لاتؤثر على نقصه او قبحه الذاتي في شي !.مثال لذالك عندما تحدثنا الرؤية الدينية الاسلامية على (( قبح او ذنب هو افضل في الحقيقة واجمل من جمال او عمل حسن ينتج التكبر )) فهنا نحن امام معادلة نسبية ورؤية تقلب المعادلة تماما لنرى القبيح وهو ينتج جمالا والجميل وهو ينتج قبحا !.يروى عن الامام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام انه قال :(( ان الله علم ان الذنب خير للمؤمن من العجب ولولا ذالك ماابتلي مؤمن بذنب أبدا )) / رواه صاحب الكافي / هنا نحن امام شيئ جميل وعمل صالح وكامل ولكنه ومع الاسف ينتج (( عجبا )) تكبرا تمردا ... اختلالا في موضع اخر من حياة الانسان ، عندئذ لابد ان يكون ظاهر هذا العمل الجميل جميلا ولكن باطنه قبيحا بسبب انتاجه للقبيح في النهاية ، بعكس ربما في بعض الاحيان عندما نرى او نعمل شيئا قبيحا وناقصا وقاتلا لروح التكبر والتمرد الداخلية للانسان ، ولكن مع انه قبيحا وناقصا الا انه ينتج تواضعا جميلا وروحا متكاملة ...، ومع انه ظاهريا قبيحا الا انه باطنيا اصبح جميلا ...وهكذا !.كذا رؤيتنا الاسلامية لابليس اللعين مع انه في ذاته قبيح وفي وجوده نقص ، وفي جوهريته بلاء وظلم الا انه ضرورة نسبية للانسان ليدرك الجمال والخير والكمال في نقيضه تماما ، وهذا الخير وهذا الكمال وهذه الجمالية موجوده في داخل الانسان الادمي ، ولكن مامن مثير لتحريكها واخراجها لتبصر النور والوجود الا حالة المعركة والصراع التي خلقت بين الانسان والشيطان الابليسي هذا ، فهي حالة او ضرورة او قانون ركب عليها العالم الانساني هنا لتنتج من الحرب هذه سلاما دائما ، أما ان اختار الانسان الجانب الاخر من اللوحة ليعقد معاهدة سلام وهمية مع الشيطان او اراد ان ينهي المعركة بهدنة ، فانه كالذي اختار الجميل الظاهري الذي يستبطن القبح الداخلي الجوهري ليستدرج الى معركة خاسرة في النهاية !.صحيح : ان العالم خلق من اجل الانسان والانسان خلق من اجل الله سبحانه وتعالى ، وهذا مضمون قوله سبحانه :(( وماخلقت الجن والانس الا ليعبدون / قرءان كريم )) وهذه العبادة هي خطة الصراع مع الشيطان الابليسي الذي يحاول بكل وسيلة ان لايخرج الانسان كنوز جماله وكماله الداخلية ، بأن يغويه يعجبه بنفسه ويمنيه ويرسم له الاحلام والمستقبل الكبير ويخدره وياتيه من خلفه بكل ماتعني الخلفية من تاريخ ومن امامه وبكل ماتعنيه الامامية من مستقبل وعن يمينه وبكل ماتعنيه اليمينية من قوة وبأس ومن شمال وبكل ماتعنيه الشمالية من ترفه ، لا ليكون ابليس سيد الموقف في ارض المعركة ، بل ليكون الانسان على حذر شديد ومن جميع الجهات الممكن ولوج وهجوم ابليس منها على الانسان ، وهذا الحذر هو المثير الخارجي لابليس القبيح والناقص والظالم ...، الذي سينعكس (( الحذر البشري )) بصورة غاية في الجمال والكمال والعدالة الانسانية مع ان من اثاره هو ابليس القبيح هذا ، فهنا نحن امام قبيح في النهاية انتج جمالا انسانيا على اي حال !.ان الوجود مجموعة متكاملة من التوافق ، ولكن من يستطيع ان يفهم التوافق اليا ليقول : ان التوافق والتكامل هو بالضد او بالنقيض من التصادم والتفاعل بين اشياء الوجود ؟.ولماذا لايكون التصادم والتفاعل هو جزء من قانون التكامل والتوافق الكوني والوجودي والعالمي والانساني ايضا ؟.نعم خلق الله العالم والانسان والملائكة والارض والسماء .... بحالة من التكامل غريبة عجيبة ، ولكنه سبحانه وتعالى خلق ابليس الشيطاني المتنافر مع هذا التالف والتكامل والتجانس الجميل لتكتمل الصورة الكلية بكافة عناصرها الضرورية من كون وخلقة مؤتلفة حتى ابليس وشيطان مختلف ومتنافر ليكون نفس التنافر سببا للآئتلاف والتكامل سبحانه وتعالى ما اعظم تقديره !.ان القرءان الكريم يحدثنا عن الخلقة الابليسية واشكالياتها الفعلية على اساس انها خلقة مختلفة عن الائتلاف الكوني ، بل انها خلقة متمردة ومتكبرة وناقصة ، لذا هي شخصية معقدة طردت من الرحمة الالهية تماما ليكون موضعها الغضب والانتقام الالهي ، مع ملاحظة ضرورة انتقالها وتواجدها على ساحة الفعل العالمية لتقوم بوجودها الوظيفي الكبير في عالم الانسان وغيره ، ومن هنا وجب علينا معرفة عدونا الاول والاخير ومن كل الجوانب والزواية للشخصية الابليسية هذه لادراك فيما بعد ماهية من نحارب ، ولنبدأ اولا بدراسة الماهية الفكرية والنفسية والروحية لهذا المخلوق المعقد ، ولنقول : ماهي مشكلة ابليس الشيطاني الحقيقية ؟.وهل ابليس استحق كل هذا القبح لشدة غباءه الفطري ام لشدة ذكائه الجوهري ؟.ماهي العملية التي حكمت على ابليس ان يطرد من الرحمة الالهية ويرجم ويلعن وينتهي به المطاف الى هذه النهاية التي لايتمناها اي مخلوق في هذا العالم ؟.الحقيقة ان هناك مشهدا واحدايذكره القرءان العظيم على اساس انه المحور الاصيل والقاعدة الجوهرية لكل الدراما الابليسية ، الا وهي مشهد قوله سبحانه وتعالى : (( واذ قال ربك للملئكة اني خالق بشرا من صلصل من حمأ مسنون ، فأذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ، فسجد الملئكة كلهم اجمعون ، الا ابليس أبى أن يكون مع الساجدين ، قال ياابليس مالك ألاتكون مع الساجدين ، قال لم أكن لآسجد لبشر خلقته من صلصل من حماء مسنون ، قال فاخرج منها فانك رجيم .../ قرءان كريم )) .ويبدو بوضوح ان الكارثة او القصة بكل مشاهدها تكمن في جملة :(( لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون )) !.وهكذا عندما يعاد صياغة المشهد من جديد نرى ان نفس المنطق الابليسي هو السائد في العملية التي رسمت معالم الطريق لابليس الشيطاني هذا ، ففي النص القرءاني اعادة لرسم الزاوية مرة اخرى للوصول الى جوهر المشكلة الابليسية في قوله سبحانه وتعالى :(( اذ قال ربك للملئكة اني خلق بشرا من طين ، فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له سجدين ، فسجد الملئكة كلهم أجمعون ، ألا ابليس أستكبر وكان من الكافرين ، قال ياءبليس مامنعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين ، قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ، قال فاخرج منها فاءنك رجيم ، وان عليك لعنتي الى يوم الدين ../ قرءان كريم )).ان هذا المشهد يختصر الاجابة على الماهية الحقيقية لاشكالية ابليس مع العالم والانسان من جهة ومع الله سبحانه وتعالى من جانب اخر !.نعم ماذا نستفيد او نفهم او ندرك او نستوحي .... من جملة (( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) التي تبدو وبوضوح انها سبب الكارثة الشيطانية في جميع العوالم والتي هي نفسها التي ستقودنا الى مفاتيح الشخصية الابليسية المعقدة لفتح رموزها واسرارها ؟.كنت انا المسكين الضعيف كاتب هذه السطور ولفترة طويلة انظر الى هذا المشهد القرءاني من زاوية محددة ولاتساءل بكل صدق وانتباه حول : صحيح ماهو الفرق بين الانسان الطيني ادم وبين النار الشيطانية لابليس ؟.وهل كان ابليس محقا في اعتراضه عندما قرر ان النار اكثر خيرية من الطين ؟.القرءان الكريم بنصه العظيم لايناقش هذا الاعتراض مطلقا في نصوصه المقدسة ، بل ولايلتفت ايضا او يعير انتباه يذكر لهذه النقطة ، بل كل مايطرحه النص القرءاني هو (( الحكم )) المباشر الذي اعقب هذه الجملة الابليسية فورا ليقرر:(( فاخرج منها فاءنك رجيم وان عليك لعنتي الى يوم الدين )) مما تركني في حيرة من امري وضياع لعدم التعرض لاجابة سؤالى في : هل كان ابليس محقا في ان النار اكثر خيرية من الطين ؟. ولماذا فضل الطين على النار ؟. واشياء اخرى !.نعم ماهي الموضوعة ولماذا لم يجب النص على اعتراضية ابليس في الخيرية هنا ، كما فعل في تساءلية الملائكة هناك عندما قالو :(( اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ؟....)) فان النص وضح لماذا سوف يكون الانسان غير سفاك للدماء بضميمة (( وعلم ادم الاسماء كلها )) وبنتيجة :(( ثم عرضهم على الملائكة فقال انبؤني باسماء هؤلاء ان كنتم صادقين ، قالوا سبحانك لاعلم لنا الا ماعلمتنا انك انت العليم الحكيم ، قال ياادم انبئهم باسماءهم فلما انبأهم باسمائهم قال الم اقل لكم ....)) أما في موضوعة ابليس فليس هناك اي جواب او ضميمة لقوله :(( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ))؟.بعد هذا بدأت في التفكير والاجتهاد الفكري لاقول واتساءل مع نفسي : ماهي الخيرية الطينية على الجوهرية النارية ؟.النار مضيئة وخفيفة ورشيقه وجميلة ......الخ ، والطين ثقيل وقاتم ويخرج رائحة وفيه نوعا ما فوائد صغيرة !.لكن هذا الجواب اشبه بالداعم لحجة ابليس منه لحجة الخيرية الطينية ، فصحيح ان النار لاوزن لها الا انها تملئ المكان بسرعة مذهله وتحرق الظلام بصورة رائعة ، كما انها مصدر النور ومعدن الرشاقة واللطافة ، أما الطين فلا اقل من كونه مترهل يسقط نزولا بدلا من ارتفاعه صعودا في السماء كالنار ، والطين منفعل وليس كالنار فاعلة ....الخ ؟!.اذن اين الخيرية في الامر ؟.النص القرءاني لالبس فيه ان جملة (( انا خير منه )) هي التي اطاحت بابليس الشيطاني في حكومة الطرد واللعن ، والظاهر من المسألة ان مضمون (( الخيرية )) بين النار والطين مسألة فيها نظر باعتبار ان المنطق الابليسي كان يرى : ان الطين ليست اكثر خيرية من النار ؟. فعلى ماذا استحق ابليس هذا الطرد والرجم واللعن من الرحمة والوجود والاحترام ؟.بعد فترة ليست بالقصيرة من زمن التفكير اعدت السؤال مرة ثانية على نفسي الضعيفة لاقول : دعني انظر للمسألة من الزاوية الاخرى للموضوع ، فيبدوا انني عندما اناقش الموضوعة من زاوية (( انا خير منه )) الابليسية فانني سوف لااكون محايدا في الطرح والمناقشة ، ولكن لنبدأ من جديد بطرح (( انا خير منه )) من الزاوية الالهية المقدسة صاحبت الحكم ، ولاتساءل : لماذا عندما اعترض ابليس على الامر الالهي بالسجود لادم بقوله :(( انا خير منه )) كانت الحكومة الالهية قاطعة بان هذا الاعتراض اكبر جريمة خلقية تستحق وبالفعل الطرد واللعن والرجم الالهي العظيم لابليس الرجيم ؟.هل الله سبحانه وتعالى عادل ام ظالم تقدس وجوده ؟.بالفعل ان الله سبحانه مطلق العدالة والفيض والجود والمحبة !.اذن هل كان في حكمه على ابليس الشيطاني بالطرد واللعن والرجم الكبير عادلا ؟.من البديهي ان صاحب الحق المطلق والعدالة الكاملة الله سبحانه وتعالى لايظلم مثقال ذرة من خلقه ، وعليه ماهي الجريمة التي اقترفها ابليس المتهم في جملته :(( انا خير منه ..)) ليستحق وبالفعل هذه الكارثة التي حكمت عليه بهذه الصيغة الغريبة والعجيبة ؟.هنا وعندما نظرت للموظوعة الابليسية من الزاوية الاخرى تكشف لي اكثر من جريمة بشعة لابليس المجرم وكل واحدة منها يستحق عليه الرجم والطرد بالفعل ، بعكس عندما كنت اقترف اكبر جريمة بحق نفسي عندما كنت انظر للمسألة من الزاوية الابليسية انذاك لاتساءل وبمنطق ابليس نفسه عن ماالفرق بين النار والطين ؟. عندئذ تعلمت درسا غاية في الاهمية ونهاية في الحكمة يقول : ان اشياء العالم الوجودية لها زاويتان للرؤية في هذا الوجود البشري الاولى : هي الزاوية الشيطانية الابليسية ، والثانية هي الزاوية الالهية القرءانية الرسالية المحمدية العلوية نسبة الى علي بن ابي طالب ، وفي كل شيئ من الاشياء العالمية لديك زاويتان للنظر وللرؤية وفي كل شيئ ، ... في الاخبار وتحليلها في المواد وتناولها في الحياة وفهمها ، في السياسة والعمل بها في الاقتصاد وتداولاته في الانسانية والنظر اليها .... الخ ، كل هذه الاشياء تحدد الرؤية لها اذا حددنا زاوية النظر اليها فان النتائج ستكون مختلفة جدا كما هي الرؤية ستكون حتما مختلفة ؟.ان اختلاف وجهات النظر الانسانية في الاشياء العالمية هو هذا منشأها في زاوية الرؤية ، وكما كنت انظر للموضوعة الابليسية من الزاوية الابليسية كنت غارقا في الفوضى والضياع وعدم الاجابة المقنعة ، أما عندما انتقلت الى النظر من الزاوية الاخرى اختلفت المعادلة الفكرية تماما ، وبدأت انظر للموضوع من زاوية (( نور الله او ماشرحه الله بمحكم كتابه الكريم )) وليست من زاوية (( ظلام ابليس )) عندئذ ادركت معنى كارثية :(( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) لافهم الاتي من جرائم ابليس الوجودية :اولا: عندما يكون اي مخلوق امام خالقه وفي الحضرة الكاملة المقدسة ، وهو معلق بمعلوليته الوهمية بحقيقة العلة الوجودية ويرى لنفسه وجودا نديا مع خالقه ، فانه بذالك يبدأ اول حماقاته الروحية والنفسية والفكرية ، فليس من الاداب السياسية وانت في حضرة ملك من ملوك الدنيا ان ترد على الامر الملكي الذي يصدر اليك بمقولة (( انا )) باعتبار ان هذه الكلمة امرية ملكية ، وعندما يامر الملك وتقول (( انا ارى )) فذالك يعتبر قمة الجرأة واساءة الادب في مخاطبة ملك دنيوي متعفن ، فما بالك عندما تقف بين يدي الله سبحانه وتعالى والذي يعتبر كل وجودك الوجودي هو مرهون بارادته ومشيئته فهل يحق لك ان تذكر وجودك الوهمي وتغفل عن وجود خالقك الحقيقي سبحانه وتعالى !.في العلوم الطبيعية هناك سبب ومسبب وعلة ومعلول ومقدمة ونتيجة ، ولايوجد وجود حقيقي للمعلول او للسبب او للنتيجة اذا لم يوجد بالفعل المقدمة والمسبب والعلة ، باعتبار ان لاوجود واقعي للنتيجة اذا لم توجدها المقدمة ولاوجود يذكر وبالفعل للمعلول اذا لم توجده العلة الحقيقية كما انه ليس هناك اي وجود لسبب اذا لم يسبقه المسبب ، وكذا الحال بين الله سبحانه خالق الوجود ومؤسسه وبين مخلوقاته المعلولة بوجودها لهذا الخالق العظيم ، وليس من المنطق الجيد ان تكون امام موجدك وخالقك وعلتك الحقيقية وتقول :(( انا )) تاكيدا لذاتيتك باعتبارها مستقلة وناجزة والتي هي وبالفعل لاشيئ يذكر امام موجدها الحقيقي الله سبحانه وتعالى !.اي من الحماقة ان تلتفت لوجودك المعلول والصغير والتافه وتؤكد (( الانا والانية والانانية )) وانت امام الوجود الاعظم والحقيقي والكامل (( الله سبحانه وتعالى )) ، بسبب ان هذه الالتفاته الى الذات الصغيرة يشغلها تماما عن حصر الادراك الكامل للذات والوجود الكبير والمقدس ، وهذه الشاغلية تعني فيما تعنيه انك ملتفت الى الصغير المملوك وغافل عن الكبير المالك وهذه اهانه في عرف الملوك والعظماء موجهة من الحقير الى الكبير !.ولكن مع ذالك ما الضير في ان يلتفت ابليس الشيطاني قليلا الى ذاتيته الصغيرة بوجود الخالق المقدس ؟.ان الضير الحقيقي هو في النتيجة التي انتجتها هذه الالتفاتة القاتلة للذات والجوهر الصغير الابليسي ، عندما غيبتها قبالة الالتفات الى الذات والجوهر الكبير والمقدسة الالهية ، ليصبح الشاغل لابليس انانيتين وذاتين وجوهرين (( ذات الله سبحانه من جهة وانانية ابليس الحقيرة من الجانب الاخر )) لنقسم الامر من والى الهين في نفس اللحظة !؟.وهنا نتساءل : هل كان ابليس ينتبه الى الامر الالهي المقدس في السجود لادم أم انه كان منتبها لامر الانانية الابليسية في هذه اللحظة ؟.من اين اخذ ابليس الشيطاني أمره من (( الانا الابليسية انا خير منه )) أم من الامر الالهي المقدس ب (( اسجدوا لادم ))؟.يبدو وبكل وضوح : ان ابليس كان الى انانيته ماذا تأمر منتبها وليس ملتفتا تماما الى الامر الالهي ، لذا قدم الامر والمطلب والمراد الاني (( انا خير منه )) وغاب عنه تماما الامر والمطلب والمراد الالهي في (( اسجدوا لادم )) فكان ابليس وبحق مقدما رغباته وتصوراته واحكامه الذاتية الانانية على والمطالب والاوامر الالهية المقدسة ، لذالك جاءت (( انا )) لتؤكد هذه الحقيقة وهي حقيقة : ان ابليس الشيطاني كان لايعبد الله في هذا الموقع بقدر عبادته لانانيته وذاته التي املت عليه تصور وامر (( انا خير منه ..)) وجعلته يتجاهل تماما الامر الالهي في (( اسجدوا لادم )) عندئذ جاء الحكم الالهي مباشرا وقاطعا وغير منتظر لشيئ اخر يصدر من ابليس هذا فقال :(( فاخرج منها انك رجيم وان عليك لعنتي الى يوم الدين ))نعم في العرف الالهي المقدس : ان من يملك الخلق يملك الامر (( ألا له الخلق والامر تبارك الله رب العالمين / قرءان كريم )) وفي لحظة تلقي ابليس امر الانانية والهوى الشيطاني وغفلته عن الامر الالهي ، فكأنما يريد القول : انه ليس من الضروري ان يكون صاحب الامر هو هو نفسه صاحب الخلق ، وبالامكان فصل الدين عن الخلق او فصل القانون عن الوجود او فصل الله عن البشر !.لهذا جاءت وبرزت وتقدمت (( الانا )) الابليسية كآمرة له وكمملية عليه تصوراتها التافهه لتقرر (( خيرية النار على الطين )) وهكذا بدون ان يكون لها حق الامر والخلق ، عندهذا كان الحكم الالهي عادلا على هذه الانا التي تريد ان تكون شيئا يذكر بينما هي لاتستحق ان يلتفت اليها باي احترام او تقدير يذكر!تمام : ان مفردة (( انا )) التي ذكرها القرءان عن لسان ابليس اظهرت وبوضوح مدى فداحة الجرم الذي ارتكبه هذا المجرم الصغير ابليس ، لتدلل على غباءه الشديد في معرفة ذاته واعتقاده انه مستقل الذاتية بينما هو مجرد مخلوق ومعلول وسبب لسبب وخالق وعلة هي وحدها تملك صفة الاستقلالية في هذا الوجود (( الله سبحانه وتعالى )) وكذا اظهرت هذه (( الانا )) الابليسية كيفية تحول هذه الانا من مجرد وجود الى كتلة الاه يعبد من قبل ابليس نفسه ويؤخذ منها الامر والتوجه والرؤية ، ليرد بأمرها على امر الله سبحانه وتعالى ، واخيرا لتؤكد هذه ال (( انا )) ان التركيبة الابليسية الخلقية مركبة بشكل لايسمح لها ان تنخرط في منظومة الخلق الائتلافية مما حرك الحكم بالطرد والرجم على اساس استحالة توافق هذا المخلوق المسمى ابليس مع باقي العالم الاخر !.هذا اولا .ثانيا : تطلعنا هذه ال (( انا )) على زاوية اخرى من صفات هذا المخلوق المعقد .......