(( قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) ثامنا : في هذه النقطة نريد ان نتماهى تماما مع الفكرة القائلة (( النار خير من الطين )) كما يعتقده هذا المخلوق المعقد والمعتوه فكريا ، ولنقول - (( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل )) - : نعم النار اكثر خيرية وشرفا من الطين الانساني - جدلا - ، ولكن هل هذه الخيرية النارية تسمح لابليس الشيطاني هذا ان لايطيع الامر
الالهي المقدس ، وان يتمرد بكل غرور وانانية ليلغي وجود مخلوق اخر خلقه الله سبحانه في هذا العالم ؟.الحقيقة ان عقدة التكبر مختلفة عن عقدة جواهر الاشياء العالمية هنا ، فعقدة التكبر والغرور وعبادة الانا ....... الخ ، كل هذه الامراض الفكرية والنفسية هي السبب المباشر لرؤية الاشياء العالمية الاخرى على اساس انها وجودات من الخطأ وجودها في هذا الكون الذي كان ينبغي ان يحتضن الاقوياء والنبلاء ومميزي الخلقة فحسب ، لذا انعكست هذه الامراض بشكل سيئ تماما على الاذواق والموازين والمعارف العالية لتصبغها بصبغة قاتمة ومتعفنة الرائحة وغير جديرة بالاحترام هذا !.تمام : من قال ان امتحان الله سبحانه واختباراته الراقية تحتم دائما ان يكون الخضوع من الادنى منزلة الى الاعلى شرفا وخيرية هنا ؟.ومن قال ان التواضع فرض على الجهلاء للعلماء ولم يفرض على العلماء للجهلاء كعكس صحيح ؟.وحتى ان قلنا ان الفكرة الابليسية صائبة في اقيستها هذه ، وان الجوهر الناري فعلا هو اكثر خيرية من الجوهر الانساني الطيني ، فما المانع عندئذ ان يطلب من الخيّر ان يتواضع ويطيع ويحيي غير الخير ؟.وهل الامتحان والابتلاء سمي امتحانا بسبب صعوبته ام بسبب سهولة النجاح والافلات من الم الخضوع له ؟.نعم ان الله بحكمته وعلمه وعدله اراد من الشريف ان يتواضع للضعيف ليشعر الشريف بانكسار التفوق الشرفي امام الضعف الطبيعي ، وليشعر بعد ذالك ان الضعيف شريفا وان لم يكن ليملك مايجعله شريفا ...وهكذا!.وفعلا سمي الامتحان والبلاء امتحانا وبلاء لما يختزله بداخله من مشقة ، لذا ارتأت الحكمة والعدالة والرأفة والرحمة .... الالهية ان يكون التواضع والخضوع مطلوبا ومنطلقا من الاعلى الى الادنى ، ليطلب من الغني ان يتواضع للفقير باعتبار ان الفقير فرض عليه فقره التواضع طبيعيا فلا حاجة تذكر لطلب التواضع منه الا نادرا مع وجود فقير متكبر ، وكذا صاحب العلم عندما يطلب منه عدم التجبر واظهار الخضوع والتواضع للجاهل ، هذا باعتبار ان الجاهل يفرض عليه جهله حالة الانكسار امام هيبة العلم ، واما العلماء فتدفعهم نشوة العلم الى التكبر والنظر للجهلاء بعين الضعف والدونية لذا يطلب من العلماء التواضع والخضوع للجهلاء كي تتوازن المعضلة بين جاهل لايذله جهله وبين عالم لايطغيه علمه ؟.وبهذه الصورة يكون النجاح والفشل في الامتحان والبلاء ، وليس العكس صحيحا مطلقا عندما نقول : انه يجب على الجاهل او الفقير او المنكسر الشخصية ان يبتلى بامتحان الخضوع والطاعة للغني وللعالم وللحاكم ، بسبب ان الامر الطبيعي ان يكون هذا ، فالفقير اسير فقره ومطيع رغيفه ، والجاهل عبد جهله ومحكوم ضعفه ، وكذا صاحب السلطان تابع امر سيده ومبتلى بالخضوع له !.صحيح ان العدل الالهي يقلب المعادلة ليكون الامتحان اكثر حيوية ، ومن ثم ليأمر القوي بأن يخضع للضعيف ، ويأمر العالم بأن يكون اكثر تواضعا من الجاهل نفسه ، ويأمر الغني بأن يكون صاحب نفس فقيرة وروح رؤوفة رحيمة .... فالله رب العالمين جميعا وهو صاحب الفضل والفضيلة الكاملة ، وهو سبحانه الحاكم بين عياله من الخلق بالسوية ، ولا فضل ولاتفاضل بينهم الا بالتقوى والقرب من تعاليمه السامية !.وعليه هل من الممكن بعد هذا ان نقول : نعم ينبغي للجوهر الناري الخيّر والشريف ان يأمر بالسجود والتواضع للطيني والبسيط ؟.هل من العدالة من الجانب الاخر ان نقول : انه يجب ان يؤمر ابليس الناري بالسجود للانسان الطيني حتى وان كانت النار اكثر خيرية من الطين بجوهريته ؟.يبدو ان المعادلة بهذه الصيغة اقفلت الابواب تماما على الاقيسة والحجج الابليسية الهزيلة ، وحتى ان كانت النار خيّرة والطين دون ذالك فمن عدالة السماء لتتوازن الخلقة ان تطلب الحكمة الالهية السجود والطاعة من الخيّر الى مادون الخيرية هذه ، كما طلبت من الغني ان يتواضع للفقير تماما وكما طالبت العالم ان لايتجبر بعلمه على الجاهل !.نعم : انه امتحان امتحن الله به سبحانه وتعالى خلقه بخلقه ، ليرى من يتبع الهدى ممن ينقلب على عقبيه وكان ابليس الشيطاني اول ضحايا التكبر والعنجهية والجهل ، عندما لم يدرك قانون التوازن الالهي في طلب الخضوع من الاعلى الى الادنى وليس العكس في عالم الخلقة بان يفضل بعض خلقه على بعض بلا مبرر ؟.وتمام انها لرؤية طاغوتية تلك التي ترى وجوب خضوع الفقير للغني والجاهل للعالم والمحكوم للحاكم ...، ليس لانها لاتمثل شيئا سوى الوضع القائم فحسب ، ولكن لان هذه النظرة هي تكريس ظلم على ظلم ، فمضافا ظلم الفقر والجهل والمحكومية ، يأتي من يزيد عليك ظلما اخر بالخضوع الابدي لهذه المعادلة ليطلب منك خضوع وتواضع اخر اسمه وجوب التواضع لهذه الظلمات المتعددة ايضا ، وليبقى السيد الغني والعالم والحاكم هو المطاع والمحترم والغير مطالب باي شيئ يذكر سوى ممارسة سيادته وطاغوتيته وتفوقه وعقده الناتجة عن هذا التفوق الى الابد وهذا ماكان يريده ابليس الطاغوتي من معادلة :(( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) يريد التفوق الازلي بلا عدالة تطالبه على الاقل احترام من هو الادون جوهرية !.تاسعا : بعدما فهمنا كون الخيرية في شيئ اخر ليس هو جوهرية الاشياء الخلقية كما كان يعتقد ابليس الناري هذا ، وبعدما ادركنا ان الطلب بالسجود في بعض احيانه يكون من الاعلى للادنى ، فهل نفهم من جملة الادانه الابليسية تلك :(( انا خير منه ...)) باعتبارها تكبرا واستعلاء على المخلوق الطيني فحسب ، أم انها ارتقت لتكون تكبرا على الخالق والمخلوق بنفس الارتدادة ؟.ماهو هذا التكبر الذي اخرج ابليس من جنة الرحمة الالهية التي وسعت كل شيئ اولا ؟.يقول سبحانه عن ابليس :(( واذ قلنا للملئكة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس أبى واستكبر وكان من الكافرين / 34/ البقرة ))وقال عز وجل :(( اذ قال ربك للملئكة اني خلق بشرا من طين ، فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ، فسجد الملئكة كلهم اجمعون ، الا ابليس أستكبر وكان من الكافرين ، قال يابليس مامنعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت ام كنت من العالين ، قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ، قال فاخرج منها فاءنك رجيم / 7078/ ص ))ان الاستكبار وكما يذكره صاحب (( المفردات )) على وجهين : ايجابي وسلبي ، واما السلبي فعبارة عن : ان يتشبع المخلوق فيظهر من نفسه ماليس له . وقال : وأعظم التكبر التكبر على الله بالامتناع من قبول الحق والأذعان له بالعبادة . انتهى ويبدو ان ابليس الشيطاني هنا حاز المنزلتين منزلة الاستكبار على الانسان الطيني والنظر اليه بدونية مضافا اليها التكبر على الامر الالهي المقدس بالامتناع من قبول الحق والاذعان لهذا الحق بالعبادة ، ولكن بجانب هاتين المنزلتين يضاف لهما بعد ثالث تميز بها هذا المخلوق المعقد الا وهي ميزة : ان يرى لنفسه ماليس لها ، وهذه هي الكارثة !.يرى ابليس ان له خيرية على الانسان مع ان هذه الخيرية المزعومة ليس موجودة اصلا ، لا له ولا لغيره باعتبارها وهم محض ولا اعتبارية واقعية لخيرية العناصر بعضها على البعض الاخر ، فليس هناك خيرية لاللطينية ولا للنارية ولا لجميع عناصر الخلقة الالهية ، بسبب ان كل هذه العناصر هي خيّرة بالاساس وجميلة بالخلقة ، وانما التفاضل شيئ كسبي يضيفه المخلوق وحسب طاقته لذاته الجوهرية ، فاما ان يكون مطيعا فيكسب صفة الايمان والرحمة واما يكون متمردا كافرا فيستحق ميزة الطرد واللعن والغضب الالهي وهذه هي القصة بالتمام ، ولكن ابليس اعتقد بوهم الخيرية مع ذالك وامن به لذا انعكس على فكره وروحه ونفسه وعبادته فكان من الغاوين !.ان الله سبحانه وتعالى يوضح لنا من خلال تعاليمه اللاهوتية المقدسة ان عدم اطاعة اوامره والتمرد على حيثياتها مضافا الى عدم الايمان بها ، كل هذه نتائج طبيعية لروح الاستكبار البغيضة التي تتولد داخل المخلوق لسبب ما ، فعدم القناعة بالامر الالهي ليس بالضرورة ان يكون ناتجا من رؤية الالحاد المطلقة التي تؤمن بعدم وجود خالق لهذا الكون سبحانه وتعالى ، ولكن يكفي ان يؤمن المخلوق بوجود الاه ، ولكنه لايعرف من صفات هذا الاله اي شيئ ، ولايدرك وجوب طاعة الامر الالهي الذي يعتبر من صلب العبادة الخالصة ، عندئذ يستحق المخلوق صفة المسكتبر والرافض للامر الالهي المقدس !.وهكذا المخلوق المعقد ابليس ، ومع انه امام الله سبحانه وتعالى خالق الكون وخالقه ، ومع انه غير منكر لوجود الخالق سبحانه ، ومع انه يؤمن بصفة العزة لهذا الاله العظيم :(( قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين ، الا عبادك منهم المخلصين )) استكبر او ان وجوده الجوهري لم يقبل الامر الالهي ، ورد بجريمة (( انا خير منه ..)) قبالة (( اسجدوا )) الامرية الالهية هذه !.نعم غباء وكارثية هي عندما يلتفت الفكر لاي مخلوق كان من جوهر الامر الالهي بصياغته ومقاصده ، الى شيئ بعيد جدا عن هذا الامر المقدس لنلتفت الى موضوع بعيد جدا عن هذا الامر لنرى (( هل النار اكثر خيرية من الطين ام العكس صحيح ؟.)) .اليست مشكلة ان تكون اذهاننا مشغولة بشيئ بعيد جدا عن ما يطلب منا من قبل الامر الالهي ؟.وماذا يعني : ان يامرنا الله بامر السجود هذا ، ثم نحن وبعد ذالك ليس فحسب لانلتفت لماهية هذا الامر بل الاكثر من ذالك نطرح موضوعا اخر بعيدا تماما عن اطاعة الامر او كيفية هذه الاطاعة او ماهي الصيغة الصحيحة لتناول هذا الامر ....الخ ، لا بل نطرح جدلية على الامر الالهي نفسه لنرى هل ان صاحب الامر منتبه لحيثيات امره هذا ام انه ملتفت الى هذه الحيثية من الامر ؟.عجيب غريب هذا الابليس الناري هل كان يستهزء بكل الامر الالهي ام ان تركبته الفكرية هي بهذه الصيغة الحمقاء التي لاتدري ولاتدري انها لاتدري ؟.هل كان ملتفتا مركزا محترما ابليس للامر الالهي بكل كيانه بحيث عندما صدر له امر السجود لادم امتثل بكل تلقائية او تساءل بكل عفوية أم انه كان غارقا في التفكير بشيئ اخر تماما غير الامر الالهي المقدس ليطرح صيغته الشخصية الفكرية ب (( انا خير منه )) ؟.هل عدم الالتفات بكل جدية للامر الالهي المقدس او الالتفات الى غيره من الاوامر يعتبر تكبرا واستكبارا على هذا الامر ؟.عادة وفي حياتنا الاجتماعية الانسانية اذا كان احد اصدقائنا يتكلم بموضوع ما ثم لاتعيره الانتباه اللازم او انك تقاطعه بصورة فجائية لتنتقل الى موضوع اخر ، او ان تلتفت الى جانب اخر من جوانب المكان من غير ان تنتبه لكلام هذا الصديق حتى بتوجهك الجسماني ، تكون او تعتبر هذه السلوكيات من اساءة الادب مع الاخر او على الاقل تقليل من احترام المقابل !.فهل تطبق نفس هذه المعايير الاجتماعية على ما سلكه ابليس المعقد مع الامر الالهي بحيث انه ليس فقط اساء الادب في الحضرة الامرية الالهية ، بل وتجرأ والتفت الى موضوع اخر تماما عن ما كان يأمر به الله سبحانه وتعالى من السجود لادم ليطرح (( انا خير منه ..)) كموضوع اخر يلغي الامر الالهي بالسجود ذاك ليفتح نافذة حوار جديدة مختلفة تماما ؟.الاكثر مأساة لهذا المخلوق الغريب انه عندما اساء الادب بعدم التفاته للامر الالهي ، وبغض النظر عن استكباره القبيح على الامر الالهي ، وبعيدا عن التركيبة الفكرية القياسية الاثمة لهذا المخلوق ...، مع كل هذه الجرأة والحماقة ، فعندما يسأل من الخبير العليم الله سبحانه وتعالى حول : ما منعك ان تسجد ؟. يجيب وبكل برود وغيبوبة بجواب هو اكثر تكبرا من عصيان الامر الالهي الا وهو اتهام الخالق سبحانه بعدم معرفة الخير من الشر ليقرر:(( انا خير منه ..))نذكر جميعا ان هناك كان سؤالا معرفيا للملائكة حول الانسان الطيني يقول (( اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء )) ونذكر جميعا عندما ((عصى ادم ربه فغوى )) ولكننا نذكر جميعا ايضا عندما تساءل الرحمن الرحيم الله الكريم عن سبب عصيان ادم الطيني الانساني ب (( ألم انهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما أن الشيطان لكما عدو مبين )) كان جواب الانسان رحمانيا استعطافيا اعترافيا بجريمة الذنب وخطيئة التقدير هنا فقالا :(( ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين / قرءان كريم )) وكذا عندما تبين للملائكة مغزى الامر السجودي لادم الطيني الانساني قالوا :(( سبحانك لاعلم لنا الا ماعلمتنا انك انت العليم الحكيم )) انه الجواب الذي ينم عن معرفة بقدر الخالق سبحانه وتعالى انه هو سبحانه العفو عن الذي يسيئ الادب احيانا ، وهو العالم عندما يسأله عباده !.أما ابليس فهل تعلم ما كان جوابه بعد العصيان والجريمة ؟.صحيح عندما سأل هذا المخلوق الضعيف من الخالق سبحانه ب (( ما منعك ان تسجد ...)) لم يعترف بخطئه لم يسأل عن الحكمة كآدم الطيني او الخلق الملائكي ، بل زاد الطين بلة وقال متكبرا جاهلا مفتعلا للخيرية مستعليا ...(( انا خير منه ...)) اليس هو مخلوق معقد حقا ؟.امامه فرصة طلب العفو والمغفرة كما كانت للانسان فاستثمرها لصالحه وعفي عن حطيئته ، وامامه باب السؤال والعلم ليدرك حكمة الخالق في امر السجود هذا لادم ، ومع ذالك ترك كل عفو ورحمة وعلم سؤال (( مامنعك ان تسجد لما خلقت ..)) وذهب الى غضب وجحيم وانتقام :(( انا خير منه ..)) ليأخذ ما يستحقه من طرد ولعن واخراج من رحمة الله سبحانه والى الابد ان الاستكبار على الله سبحانه يكون برد امره ، اما الاستكبار على ادم والذي اودى بابليس الى الهاوية فكان منشأه الجهل والكره والانانية مجتمعة لهذا المخلوق المسكين !.كم هي طاقة الحقد الكامنه في قلب هذا الناري ابليس على ادم ؟.وهل من حق ابليس ان يكره ادم بهذه الكمية بعدما كان الانسان سببا في اخراج جوهر ابليس الشيطاني ليطرد من الرحمة بسبب المخلوق المسمى انسانا ؟. من كان سبب بلاء من ابليس ام الانسان ؟.
الالهي المقدس ، وان يتمرد بكل غرور وانانية ليلغي وجود مخلوق اخر خلقه الله سبحانه في هذا العالم ؟.الحقيقة ان عقدة التكبر مختلفة عن عقدة جواهر الاشياء العالمية هنا ، فعقدة التكبر والغرور وعبادة الانا ....... الخ ، كل هذه الامراض الفكرية والنفسية هي السبب المباشر لرؤية الاشياء العالمية الاخرى على اساس انها وجودات من الخطأ وجودها في هذا الكون الذي كان ينبغي ان يحتضن الاقوياء والنبلاء ومميزي الخلقة فحسب ، لذا انعكست هذه الامراض بشكل سيئ تماما على الاذواق والموازين والمعارف العالية لتصبغها بصبغة قاتمة ومتعفنة الرائحة وغير جديرة بالاحترام هذا !.تمام : من قال ان امتحان الله سبحانه واختباراته الراقية تحتم دائما ان يكون الخضوع من الادنى منزلة الى الاعلى شرفا وخيرية هنا ؟.ومن قال ان التواضع فرض على الجهلاء للعلماء ولم يفرض على العلماء للجهلاء كعكس صحيح ؟.وحتى ان قلنا ان الفكرة الابليسية صائبة في اقيستها هذه ، وان الجوهر الناري فعلا هو اكثر خيرية من الجوهر الانساني الطيني ، فما المانع عندئذ ان يطلب من الخيّر ان يتواضع ويطيع ويحيي غير الخير ؟.وهل الامتحان والابتلاء سمي امتحانا بسبب صعوبته ام بسبب سهولة النجاح والافلات من الم الخضوع له ؟.نعم ان الله بحكمته وعلمه وعدله اراد من الشريف ان يتواضع للضعيف ليشعر الشريف بانكسار التفوق الشرفي امام الضعف الطبيعي ، وليشعر بعد ذالك ان الضعيف شريفا وان لم يكن ليملك مايجعله شريفا ...وهكذا!.وفعلا سمي الامتحان والبلاء امتحانا وبلاء لما يختزله بداخله من مشقة ، لذا ارتأت الحكمة والعدالة والرأفة والرحمة .... الالهية ان يكون التواضع والخضوع مطلوبا ومنطلقا من الاعلى الى الادنى ، ليطلب من الغني ان يتواضع للفقير باعتبار ان الفقير فرض عليه فقره التواضع طبيعيا فلا حاجة تذكر لطلب التواضع منه الا نادرا مع وجود فقير متكبر ، وكذا صاحب العلم عندما يطلب منه عدم التجبر واظهار الخضوع والتواضع للجاهل ، هذا باعتبار ان الجاهل يفرض عليه جهله حالة الانكسار امام هيبة العلم ، واما العلماء فتدفعهم نشوة العلم الى التكبر والنظر للجهلاء بعين الضعف والدونية لذا يطلب من العلماء التواضع والخضوع للجهلاء كي تتوازن المعضلة بين جاهل لايذله جهله وبين عالم لايطغيه علمه ؟.وبهذه الصورة يكون النجاح والفشل في الامتحان والبلاء ، وليس العكس صحيحا مطلقا عندما نقول : انه يجب على الجاهل او الفقير او المنكسر الشخصية ان يبتلى بامتحان الخضوع والطاعة للغني وللعالم وللحاكم ، بسبب ان الامر الطبيعي ان يكون هذا ، فالفقير اسير فقره ومطيع رغيفه ، والجاهل عبد جهله ومحكوم ضعفه ، وكذا صاحب السلطان تابع امر سيده ومبتلى بالخضوع له !.صحيح ان العدل الالهي يقلب المعادلة ليكون الامتحان اكثر حيوية ، ومن ثم ليأمر القوي بأن يخضع للضعيف ، ويأمر العالم بأن يكون اكثر تواضعا من الجاهل نفسه ، ويأمر الغني بأن يكون صاحب نفس فقيرة وروح رؤوفة رحيمة .... فالله رب العالمين جميعا وهو صاحب الفضل والفضيلة الكاملة ، وهو سبحانه الحاكم بين عياله من الخلق بالسوية ، ولا فضل ولاتفاضل بينهم الا بالتقوى والقرب من تعاليمه السامية !.وعليه هل من الممكن بعد هذا ان نقول : نعم ينبغي للجوهر الناري الخيّر والشريف ان يأمر بالسجود والتواضع للطيني والبسيط ؟.هل من العدالة من الجانب الاخر ان نقول : انه يجب ان يؤمر ابليس الناري بالسجود للانسان الطيني حتى وان كانت النار اكثر خيرية من الطين بجوهريته ؟.يبدو ان المعادلة بهذه الصيغة اقفلت الابواب تماما على الاقيسة والحجج الابليسية الهزيلة ، وحتى ان كانت النار خيّرة والطين دون ذالك فمن عدالة السماء لتتوازن الخلقة ان تطلب الحكمة الالهية السجود والطاعة من الخيّر الى مادون الخيرية هذه ، كما طلبت من الغني ان يتواضع للفقير تماما وكما طالبت العالم ان لايتجبر بعلمه على الجاهل !.نعم : انه امتحان امتحن الله به سبحانه وتعالى خلقه بخلقه ، ليرى من يتبع الهدى ممن ينقلب على عقبيه وكان ابليس الشيطاني اول ضحايا التكبر والعنجهية والجهل ، عندما لم يدرك قانون التوازن الالهي في طلب الخضوع من الاعلى الى الادنى وليس العكس في عالم الخلقة بان يفضل بعض خلقه على بعض بلا مبرر ؟.وتمام انها لرؤية طاغوتية تلك التي ترى وجوب خضوع الفقير للغني والجاهل للعالم والمحكوم للحاكم ...، ليس لانها لاتمثل شيئا سوى الوضع القائم فحسب ، ولكن لان هذه النظرة هي تكريس ظلم على ظلم ، فمضافا ظلم الفقر والجهل والمحكومية ، يأتي من يزيد عليك ظلما اخر بالخضوع الابدي لهذه المعادلة ليطلب منك خضوع وتواضع اخر اسمه وجوب التواضع لهذه الظلمات المتعددة ايضا ، وليبقى السيد الغني والعالم والحاكم هو المطاع والمحترم والغير مطالب باي شيئ يذكر سوى ممارسة سيادته وطاغوتيته وتفوقه وعقده الناتجة عن هذا التفوق الى الابد وهذا ماكان يريده ابليس الطاغوتي من معادلة :(( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) يريد التفوق الازلي بلا عدالة تطالبه على الاقل احترام من هو الادون جوهرية !.تاسعا : بعدما فهمنا كون الخيرية في شيئ اخر ليس هو جوهرية الاشياء الخلقية كما كان يعتقد ابليس الناري هذا ، وبعدما ادركنا ان الطلب بالسجود في بعض احيانه يكون من الاعلى للادنى ، فهل نفهم من جملة الادانه الابليسية تلك :(( انا خير منه ...)) باعتبارها تكبرا واستعلاء على المخلوق الطيني فحسب ، أم انها ارتقت لتكون تكبرا على الخالق والمخلوق بنفس الارتدادة ؟.ماهو هذا التكبر الذي اخرج ابليس من جنة الرحمة الالهية التي وسعت كل شيئ اولا ؟.يقول سبحانه عن ابليس :(( واذ قلنا للملئكة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس أبى واستكبر وكان من الكافرين / 34/ البقرة ))وقال عز وجل :(( اذ قال ربك للملئكة اني خلق بشرا من طين ، فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ، فسجد الملئكة كلهم اجمعون ، الا ابليس أستكبر وكان من الكافرين ، قال يابليس مامنعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت ام كنت من العالين ، قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ، قال فاخرج منها فاءنك رجيم / 7078/ ص ))ان الاستكبار وكما يذكره صاحب (( المفردات )) على وجهين : ايجابي وسلبي ، واما السلبي فعبارة عن : ان يتشبع المخلوق فيظهر من نفسه ماليس له . وقال : وأعظم التكبر التكبر على الله بالامتناع من قبول الحق والأذعان له بالعبادة . انتهى ويبدو ان ابليس الشيطاني هنا حاز المنزلتين منزلة الاستكبار على الانسان الطيني والنظر اليه بدونية مضافا اليها التكبر على الامر الالهي المقدس بالامتناع من قبول الحق والاذعان لهذا الحق بالعبادة ، ولكن بجانب هاتين المنزلتين يضاف لهما بعد ثالث تميز بها هذا المخلوق المعقد الا وهي ميزة : ان يرى لنفسه ماليس لها ، وهذه هي الكارثة !.يرى ابليس ان له خيرية على الانسان مع ان هذه الخيرية المزعومة ليس موجودة اصلا ، لا له ولا لغيره باعتبارها وهم محض ولا اعتبارية واقعية لخيرية العناصر بعضها على البعض الاخر ، فليس هناك خيرية لاللطينية ولا للنارية ولا لجميع عناصر الخلقة الالهية ، بسبب ان كل هذه العناصر هي خيّرة بالاساس وجميلة بالخلقة ، وانما التفاضل شيئ كسبي يضيفه المخلوق وحسب طاقته لذاته الجوهرية ، فاما ان يكون مطيعا فيكسب صفة الايمان والرحمة واما يكون متمردا كافرا فيستحق ميزة الطرد واللعن والغضب الالهي وهذه هي القصة بالتمام ، ولكن ابليس اعتقد بوهم الخيرية مع ذالك وامن به لذا انعكس على فكره وروحه ونفسه وعبادته فكان من الغاوين !.ان الله سبحانه وتعالى يوضح لنا من خلال تعاليمه اللاهوتية المقدسة ان عدم اطاعة اوامره والتمرد على حيثياتها مضافا الى عدم الايمان بها ، كل هذه نتائج طبيعية لروح الاستكبار البغيضة التي تتولد داخل المخلوق لسبب ما ، فعدم القناعة بالامر الالهي ليس بالضرورة ان يكون ناتجا من رؤية الالحاد المطلقة التي تؤمن بعدم وجود خالق لهذا الكون سبحانه وتعالى ، ولكن يكفي ان يؤمن المخلوق بوجود الاه ، ولكنه لايعرف من صفات هذا الاله اي شيئ ، ولايدرك وجوب طاعة الامر الالهي الذي يعتبر من صلب العبادة الخالصة ، عندئذ يستحق المخلوق صفة المسكتبر والرافض للامر الالهي المقدس !.وهكذا المخلوق المعقد ابليس ، ومع انه امام الله سبحانه وتعالى خالق الكون وخالقه ، ومع انه غير منكر لوجود الخالق سبحانه ، ومع انه يؤمن بصفة العزة لهذا الاله العظيم :(( قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين ، الا عبادك منهم المخلصين )) استكبر او ان وجوده الجوهري لم يقبل الامر الالهي ، ورد بجريمة (( انا خير منه ..)) قبالة (( اسجدوا )) الامرية الالهية هذه !.نعم غباء وكارثية هي عندما يلتفت الفكر لاي مخلوق كان من جوهر الامر الالهي بصياغته ومقاصده ، الى شيئ بعيد جدا عن هذا الامر المقدس لنلتفت الى موضوع بعيد جدا عن هذا الامر لنرى (( هل النار اكثر خيرية من الطين ام العكس صحيح ؟.)) .اليست مشكلة ان تكون اذهاننا مشغولة بشيئ بعيد جدا عن ما يطلب منا من قبل الامر الالهي ؟.وماذا يعني : ان يامرنا الله بامر السجود هذا ، ثم نحن وبعد ذالك ليس فحسب لانلتفت لماهية هذا الامر بل الاكثر من ذالك نطرح موضوعا اخر بعيدا تماما عن اطاعة الامر او كيفية هذه الاطاعة او ماهي الصيغة الصحيحة لتناول هذا الامر ....الخ ، لا بل نطرح جدلية على الامر الالهي نفسه لنرى هل ان صاحب الامر منتبه لحيثيات امره هذا ام انه ملتفت الى هذه الحيثية من الامر ؟.عجيب غريب هذا الابليس الناري هل كان يستهزء بكل الامر الالهي ام ان تركبته الفكرية هي بهذه الصيغة الحمقاء التي لاتدري ولاتدري انها لاتدري ؟.هل كان ملتفتا مركزا محترما ابليس للامر الالهي بكل كيانه بحيث عندما صدر له امر السجود لادم امتثل بكل تلقائية او تساءل بكل عفوية أم انه كان غارقا في التفكير بشيئ اخر تماما غير الامر الالهي المقدس ليطرح صيغته الشخصية الفكرية ب (( انا خير منه )) ؟.هل عدم الالتفات بكل جدية للامر الالهي المقدس او الالتفات الى غيره من الاوامر يعتبر تكبرا واستكبارا على هذا الامر ؟.عادة وفي حياتنا الاجتماعية الانسانية اذا كان احد اصدقائنا يتكلم بموضوع ما ثم لاتعيره الانتباه اللازم او انك تقاطعه بصورة فجائية لتنتقل الى موضوع اخر ، او ان تلتفت الى جانب اخر من جوانب المكان من غير ان تنتبه لكلام هذا الصديق حتى بتوجهك الجسماني ، تكون او تعتبر هذه السلوكيات من اساءة الادب مع الاخر او على الاقل تقليل من احترام المقابل !.فهل تطبق نفس هذه المعايير الاجتماعية على ما سلكه ابليس المعقد مع الامر الالهي بحيث انه ليس فقط اساء الادب في الحضرة الامرية الالهية ، بل وتجرأ والتفت الى موضوع اخر تماما عن ما كان يأمر به الله سبحانه وتعالى من السجود لادم ليطرح (( انا خير منه ..)) كموضوع اخر يلغي الامر الالهي بالسجود ذاك ليفتح نافذة حوار جديدة مختلفة تماما ؟.الاكثر مأساة لهذا المخلوق الغريب انه عندما اساء الادب بعدم التفاته للامر الالهي ، وبغض النظر عن استكباره القبيح على الامر الالهي ، وبعيدا عن التركيبة الفكرية القياسية الاثمة لهذا المخلوق ...، مع كل هذه الجرأة والحماقة ، فعندما يسأل من الخبير العليم الله سبحانه وتعالى حول : ما منعك ان تسجد ؟. يجيب وبكل برود وغيبوبة بجواب هو اكثر تكبرا من عصيان الامر الالهي الا وهو اتهام الخالق سبحانه بعدم معرفة الخير من الشر ليقرر:(( انا خير منه ..))نذكر جميعا ان هناك كان سؤالا معرفيا للملائكة حول الانسان الطيني يقول (( اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء )) ونذكر جميعا عندما ((عصى ادم ربه فغوى )) ولكننا نذكر جميعا ايضا عندما تساءل الرحمن الرحيم الله الكريم عن سبب عصيان ادم الطيني الانساني ب (( ألم انهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما أن الشيطان لكما عدو مبين )) كان جواب الانسان رحمانيا استعطافيا اعترافيا بجريمة الذنب وخطيئة التقدير هنا فقالا :(( ربنا ظلمنا انفسنا وان لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين / قرءان كريم )) وكذا عندما تبين للملائكة مغزى الامر السجودي لادم الطيني الانساني قالوا :(( سبحانك لاعلم لنا الا ماعلمتنا انك انت العليم الحكيم )) انه الجواب الذي ينم عن معرفة بقدر الخالق سبحانه وتعالى انه هو سبحانه العفو عن الذي يسيئ الادب احيانا ، وهو العالم عندما يسأله عباده !.أما ابليس فهل تعلم ما كان جوابه بعد العصيان والجريمة ؟.صحيح عندما سأل هذا المخلوق الضعيف من الخالق سبحانه ب (( ما منعك ان تسجد ...)) لم يعترف بخطئه لم يسأل عن الحكمة كآدم الطيني او الخلق الملائكي ، بل زاد الطين بلة وقال متكبرا جاهلا مفتعلا للخيرية مستعليا ...(( انا خير منه ...)) اليس هو مخلوق معقد حقا ؟.امامه فرصة طلب العفو والمغفرة كما كانت للانسان فاستثمرها لصالحه وعفي عن حطيئته ، وامامه باب السؤال والعلم ليدرك حكمة الخالق في امر السجود هذا لادم ، ومع ذالك ترك كل عفو ورحمة وعلم سؤال (( مامنعك ان تسجد لما خلقت ..)) وذهب الى غضب وجحيم وانتقام :(( انا خير منه ..)) ليأخذ ما يستحقه من طرد ولعن واخراج من رحمة الله سبحانه والى الابد ان الاستكبار على الله سبحانه يكون برد امره ، اما الاستكبار على ادم والذي اودى بابليس الى الهاوية فكان منشأه الجهل والكره والانانية مجتمعة لهذا المخلوق المسكين !.كم هي طاقة الحقد الكامنه في قلب هذا الناري ابليس على ادم ؟.وهل من حق ابليس ان يكره ادم بهذه الكمية بعدما كان الانسان سببا في اخراج جوهر ابليس الشيطاني ليطرد من الرحمة بسبب المخلوق المسمى انسانا ؟. من كان سبب بلاء من ابليس ام الانسان ؟.