فرق كبير بين ماكانت تعيشه الانسانية في السابق مع حضاراتها الانسانية المتعاقبة تأريخيا ، وبين مانعيشه نحن الان في القرن الواحد والعشرين مع الحضارة التي خلقها وشيّد اسسها البترول او النفط الاسود الخارج من اعماق الارض ووساختها المدفونة في الباطن ، ولعل الفارق الذي نتحدث عنه ليس بخافي لأصحاب الذاكرة المتنورة والاذواق الطبيعية السليمة الذين يتمكنون وبأدنى تأمل من المقارنة العلمية بين ماكانت عليه في السابق الحضارات الانسانية ، وبين مانحن فيه الان من محرقة حقيقية تسمى في عرف انصاف الانسانية بانها الحضارة التكنلوجية الارقى في العالم الحديث والاسرع في نفس الوقت !. والحقيقة وقبل ان ندخل في صلب الموضوع نحن بحاجة لمعرفة مقدمة اساسية لفهم المقصود من مفهومي الحضارة الطبيعية والاخرى النفطية ليتسنى لنا تكوين رؤية واضحة لكلا المصطلحين ولندرك فيما بعد الفرق بين الحضارتين ولماذا كانت الاولى انسانية والثانية حضارة ميكانيكية آلية ، والآن ما المقصود من مصطلح الحضارة الطبيعية ؟. وما هو الفرق بينها وبين الحضارة النفطية ؟. وهل نحن حقا اليوم نعيش تحت كنف حضارة تسمى حضارة القرن الواحد والعشرين ؟. أم اننا وبالفعل نحيا حياة العمّال في المصنع الميكانيكي الذي يبني ليهدم ويهدم ليبني ، وليس هناك اصلا حضارة في العصر الحديث ليقال حضارة القرن الواحد والعشرين المعاصرة ؟. ولماذا نحن ندعوا الفرد الانساني للعودة الى الحضارة الانسانية الطبيعية ؟. ((الحضارة الطبيعية )) يقصد بالحضارة الطبيعية هي تلك الحضارات البشرية التي كان وقود نهضتها هي الطاقة والابداع والقوى البشرية بشكل مباشر ، اي الحضارة التي ساهمت فيها القوى الانسانية والطاقة البشرية مباشرة في العمل والانجاز ، حيث لم تكن هناك ماكنات نووية ولانفطية ولاحتى بخارية تساهم بالجهد المبذول في بناء الحضارة الانسانية ، بل كانت هناك ادوات بشرية وطبيعية فحسب ، العقل ، واليد ، والتخطيط ، والتنفيذ ، والبناء ، والتشييد ، وكذا الرسم والموسيقى والقوانين ............... وكل مايتصل ببناء الحضارة الانسانية قديما كان الانسان فيها بكل قواه الطبيعية هو المّنفذ والمخرج والمخطط .... وباقي المفردات الاساس ، وكذا القطب والمرجع لقيام هذه او تلك من الحضارات الانسانية السابقة ، وبمساعدة طبعا الطبيعة وماتجود به من ادوات اولية تخدم الغرض الحضاري لهذا الانسان في البناء والتشييد والابداع !. أما المقصد من وراء مصطلح الحضارة النفطية ، فهي تلك الحضارة التي دخلت الماكنة المتحركة بالوقود ميدانها ، بالاضافة لدخول تكنلوجيا العصر الحديث في معادلة البناء الحضاري الانساني ، وتراجع الجهد البشري الطبيعي بصورة مباشرة بالمساهمة الفعّالة في بناء هذه الحضارة الحديثة ، بل وتقدم الماكنة المتحركة والسريعة بشكل مباشر لتحل محل الجهد الانساني الطبيعي وقواه البشرية لقيام الحضارة ، مما يعني دخول عنصر الماكنة كفاعل رئيس في بناء حضارتنا الجديدة لتكون الماكنة والطبيعة وجه لوجه بمعركة استنزاف قاسية لبناء الحياة بما في الطبيعة من طاقات مختلفة ومتنوعة وأهم ما لفت - بطبيعة الحال - انتباه ((الماكنة)) لطاقات الطبيعة هو النفط - محرك الماكنة - وباقي معادن وطاقات الارض الانفجارية والكيميائية القادرة ليس على خدمة الانسان مباشرة ، ولكن على خدمة الماكنة اولا ، وبعد ذالك يأتي دور الانسان في كيفية استغلال هذه الطاقة الطبيعية فيما بعد ليكون الانسان الرقم الثالث في معادلة الماكنة والطبيعة والانسان !. أذن : الفرق عندما نقول ( حضارة انسانية طبيعية ) نعني انها الحضارة التي اقامها الانسان فيما مضى معتمدا تماما على قدراته الانسانية البشرية وما تهبه له الطبيعة من مواد اولية في البناء والرسم والموسيقى والملبس والمأكل والمشرب والنقل والحركة والمعرفة ............ وباقي ضروريات الحياة الانسانية ، وكيفية استغلال ذاك الانسان مباشرة لهذه المواد الطبيعية وبقدراته الفكرية والذهنية والعضلية والفسلوجية ... المباشرة !. وعندما نقول ( حضارة أنسانية نفطية ) فنقصد عندئذ الحضارة التي اقامتها الماكنة في العصر الحديث مباشرة من خلال استغلال الانسان لهذه الماكنة كوسيلة لبناء الحضارة المعاصرة ، حيث تنفقد في هذه الحضارة اللمسة الانسانية الطبيعية المباشرة ، ولتحل محلها اللمسة الميكانيكية النفطية او الكهربية او النووية او .... باقي طاقة العصر الحديث بدلا عنها !. ****** (( الفرق بين الحضارة الطبيعية والاخرى النفطية )) ليس من ريب ان هناك فروق جوهرية بين الحضارة الطبيعية للانسان في العصر القديم ، وبين الحضارة الميكانيكية النفطية في العصر الحديث ، ولا ابرز ان اردنا الاختصار بالتقصي من الفروق التالية : اولا: الحضارة الطبيعية ((جهد انساني طبيعي خالص)) ، بعكس الحضارة النفطية والتي هي جهد مشترك بين الماكنة والانسان والطبيعة ، مع غلبة جهد الماكنة على الجهد البشري في حضارتنا البشرية المعاصرة . ثانيا : ميزة الحضارة الطبيعية انها قائمة على ((المواد الاولية الطبيعية )) فحسب ، وليس فيها مستويات هابطة من مواد الطبيعة المضرّة بشريا ، بينما تختلف عنها الحضارة النفطية ألانية ان النصف منها بالتمام ان لم نقل ان ثمانين بالمئة من هذه الحضارة النفطية هي مصنعة ميكانيكيا ، ومتحولة كيميائيا ، بفضل الماكنة التكنلوجية ، وهذا يظهر في وسائل النقل والبناء وادوات المنازل - بلاستيك فيبر .... الخ - وكذا ...... باقي الضرورات الحضارية النفطية المعاشة اليوم في واقع حياتنا الانسانية . ثالثا : من ميزة الحضارة الطبيعية الانسانية القديمة انها حضارة تمتلك ((مقياس السرعة الطبيعية )) الانسانية آنذاك فحسب في الحركة وذالك لاعتمادها على المواد التلقائية الطبيعية في مجمل الحركة الحضارية في الاتصال والحركة والبناء والزمن ..... وباقي المفردات الحضارية القديمة ، بعكس حضارتنا النفطية الميكانيكية اليوم والتي تتميز بسرعة الحركة الفائقة بفضل دخول عنصر المكننة الحديثة بين معادلة الانسان والطبيعة ، مما جعل المقياس في الحركة للماكنة باعتبارها الباني الاصيل لحضارتنا اليوم ، وليس المقياس للحركة هو الانسان او الطبيعة وحركتها كما كان في السابق باعتبارها الرقم المتأخر في المعادلة الحضارية المعاصرة اليوم ومقياس زمنها الميكانيكي ، فالزمن - مثلا - في الحضارة الطبيعية ليس هو اربع وعشرين ساعة ميكانيكية سويسرية ، بل زمن تخلقة الطبيعة ويحركه الكون المحيط بالانسان فهو فجر، وصباح ، وظهر، وعصر، ومغرب ، وليل في تلك الحضارة ، أما الزمن في حضارة الماكنة والنفط فهو اميال متحركة ودقائق وساعات مصنعة ميكانيكيا !. رابعا : ومن مميزات الحضارة الطبيعية الانسانية طغيان ((البصمة الانسانية )) والطبيعية والفنية عليها ، بسبب التناسق الملحوظ في الحضارات الانسانية الطبيعية بين الحضارة والانسان والطبيعة فحسب ، لذالك تميزت الحضارات القديمة بالأهتمام الشديد بالجانب الفني او الروحي او العقلي او الشعري للحضارة الانسانية القديمة ، بعكس تماما حضارتنا النفطية المعاصرة التي طغت عليها ((البصمة الالية الميكانيكية)) والتي عبرت هذه الماكنة عن نفسها علميا على جداريات واقع حضارتنا المعاصرة ، مما فعّل وبشكل مباشر ظاهرة الغياب الملحوض للبصمة الفكرية والروحية والجمالية للحضارة الانسانية المعاصرة ، بل واكثر مما جعل قوانين الماكنة هي السمة البارزة لواقع حضارتنا الحديثة التي تحولت من الحضارة المنفتحة على الطبيعة والسماء ، الى حضارة منفتحة على حسابات الربح والصناعة والخسارة .. وهكذا !. خامسا : من مميزات الحضارة الطبيعية الانسانية انها حضارة انتاج بلا تفكير استهلاكي ، اي بمعنى انها حضارة بناء اولا وتتقدم فيها ((قيمة البناء والتشييد والانتاج )) ، وبلا تفكير مسبق لعملية ((الاستهلاك اولا ومن ثم الانتاج ثانيا)) ، لذالك جاءت السلعة الحضارية الطبيعية الانسانية القديمة قوية الصناعة ومتينة البناء بشكل جعل من الاف السنين عجز واضح القدرة على اتلاف صناعة الحضارة الطبيعية القديمة ، وهذا واضح في ابنية الاهرامات المصرية او المعابد والهياكل المكسيكية او باقي ابنية واوعية والهة العالم الحضاري الطبيعي الانساني القديم المطمورة تحت الارض للحفظ !. هذا بعكس واقع حضارتنا النفطية المعاصرة والتي هي حضارة استهلاك اولا وحتى بدون تفكير لصناعة ذات قيمة انتاجية قوية ، وهذا بسبب ان الحضارة التي نعيش فيها اليوم - اعني الحضارة النفطية الميكانيكية - هي بالاساس حضارة ماكنة وليست حضارة انسان وطبيعة ، لذا جاءت السلعة الحضارية المعاصرة هشة وغير قابلة للحياة اطول من عمرها الافتراضي الذي كتبته لها الماكنة التي تفكر ببيع فائض الانتاج قبل تفكيرها بجودة وقيمة السلعة المصنعة ، ولهذا جاءت صناعتنا الحضارية او حضارتنا النفطية المعاصرة اليوم بكل مافيها من مظهرية خادعة للوهلة الاولى على اساس انها حضارة من ورق بالامكان صناعتها واعادة انتاجها كل يوم وحسب ماترتأيه الماكنة وماتنتجه كل لحظة ، وهذا بعكس كثيرا من بنى الاهرام او شيّد المعابد او فخر الاواني المنزلية او نحت الالهة في السابق ، فأنه كان يفكر اولا بكيفية بقاء هذا المنتج لاطول عمر ممكن ، باعتباره المنتج الذي اريد له ان يبقى كحضارة من الصعب انتاجها من جديد في معمل او ماكنة !. الفرق واضح الان بين حضارة طبيعية بناها الانسان لتخلد ذكراه وابداعه واحلامه ودينه وفنه وشعره وحزنه وحبه ..... مع الزمن ولاطول فترة ممكنة وما انعكس من هذا على ضخامة وجودة المنتج والسلعة ، وبين حضارة نفطية معاصرة القائمين عليها يفكرون في تجديد موادها كل يوم ليبيعوا ماتنتجه الماكنة الحضارية النفطية وما تخرجه من تحت اذرعها لتستخرج مافي جيوب الزبائن من نقد !. وبعد هذه النقاط الخمس المختصرة بالفرق بين الحضارة الطبيعية الانسانية والاخرى النفطية الميكانيكية التجارية ، يتبين لنا صعوبة الادعاء اننا نعيش فعلا في حضارة ما في هذا العصر الميكانيكي ، او نسأل : هل يحق لنا ان نقول اليوم اننا نعيش في حضارة حقيقية أم اننا وبالفعل نعيش في عصر الماكنة التي من اهم مواصفاتها الانتاج السريع والاستهلاك الاسرع ؟. _______________________________(( هل حقا اننا نعيش في حضارة اليوم ؟.)) عندما يقال (( حضارة )) فأول ما يتبادر الى الذهن الانساني المواصفات الطبيعية لقانون وحياة الحضارة الانسانية ، فالحضارة حسب التعريف المنطقي : هي حقبة زمنية يعيشها الانسان بكل ابداعاته الانسانية الفكرية والدينية والفنية والقانونية والعلمية والادارية والعمرانية والسياسية والحربية ....... الخ ، ليترك للزمن فيما بعد بصمته الحضارية التي تميز حقبته هذه عن باقي الحقب الحضارية الاخرى !. فالحضارة السومرية العراقية حضارة متكاملة الجوانب والاتجاهات الانسانية ، وكذا البابلية والاخرى الاشورية .... وهي حقبة زمنية مختلفة تماما عن الحقبة الفرعونية للحضارة المصرية من حيث اختلافاتها الابداعية والفنية والعمرانية والدينية وكذا العلمية والاخرى الادارية وهكذا القانونية والسياسية ، ولكل من هذه الحضارات الانسانية مميزات تختلف فيما بينها والبين الاخر ، وكل هذا عرفناه وادركناه وفهمناه من خلال ماخلفته تلك الحضارات نفسها من تورخة تركت بصمات هوياتها الحضارية الانسانية في كتابي الطبيعة من جهة ، وكتاب الذاكرة والتدوين الانسانية من جهة اخرى !. فنحن ندرك اليوم ماكان يلبسه الانسان السومري من ملبس وماكان يأكل وكيفية تناوله لطعامه ، وكذا ما كان يستذوقه ذاك الانسان الفنان من موسيقى ، وماكانت تحمله ذاكرته الشعرية واذنه الموسيقية من معاني متألقة وغاية في الجمال والروعة ، وهكذا الحال نفسها في القانون الاداري والاخر الجنائي والثالث الملكي ، ونعرف كذالك ادوات التجميل للمرأة السومرية وادوات زينتها وحليها ايضا ، ونعرف طرق البناء لديهم وخطط العمران ومعاني هذه الخطط والى ماتشير، وكذا ندرك ماجادت به القريحة السومرية من علوم واختراعات وصناعات ..... وباقي ادوات الحضارة تلك ، والامر لايختلف كثيرا عندما نبحث في باقي حضارات العالم الانسانية الاخرى لنرى الصورة كاملة الجوانب تماما لهذه الحقبة او تلك من الحقب الحضارية الانسانية تلك !. نعم والان ماهي السمات الحضارية التي نعيشها اليوم في القرن الحادي والعشرين النفطي الحركة ؟. أو بمعنى آخر : ماهو لون حقبتنا الحضارية المعاصرة التي تميزها عن باقي الحقب الحضارية الانسانية السابقة ؟. وهل حقا ان لحقبتنا هذه مميزات حضارية معتد بها ورافع لشأنها لتكون في مصاف باقي الحضارات الانسانية السابقة ؟. هل هناك العمران - مثلا - في حضارتنا المعاصرة والتي يهيئها لتكون فيما بعد حضارة تحمل سمة القرن الواحد والعشرين الانسانية ؟. وهل هناك فكر ودين وفن وموسيقى .... وباقي الادوات الحضارية التي تميز حقبتنا الزمنية اليوم بالامكان ان تبقى لخمسة الاف سنة قادمة ، ليرشّح زمننا ((الاسود)) هذا ليكون حضارة يدرك سماتها الانسان القادم ويحترم منجزاتها الميكانيكية هذه ؟. أم اننا وبخلاف كل ماتقدم لانملك اصلا وفي هذا الزمن الحديث اي ملمح حضاري يمكننا القول اننا وحقا لانعيش في حضارة اصلا لتسمى فيما بعد حضارة القرن الواحد والعشرين الميكانيكية ؟. للاجابة على هذه الاسألة الجوهرية نقول : على المستوى العمراني الحديث وكمثل على المعالم الحضارية الجديدة ، لنأخذ (( برج أيفل )) الفرنسي كملمح من ملامح الحضارة الغربية الصناعية الميكانيكية النفطية الحديثة ، ولنسأل هل يعتبر هذا الملمح العمراني ملمحا حضاريا انسانيا بأمكانه ان يسم حقبتنا الانسانية المعاصرة بالتحضر ، وليبقى شاهدا عمرانيا فنيا فريدا على مميزات حضارتنا الميكانيكية اليوم والتي يرفعها لتكون حضارة لها هوية فيما هو قادم من السنين في المستقبل ؟. أم ان هذا العمل الفني الفرنسي الضخم ماهو الا شاهد على انحطاط فترتنا الزمنية النفطية والتي بدلا من ان تصنع الحضارة الانسانية مسخت الانسان والتحضر لتحوله الى مجرد كتل من الحديد الصلب ؟. الحقيقة اننا ان تمعنا جيدا بمثل هذه المعالم الميكانيكية الحديثة نجد انها شواهد دامغة ليس على تحضرنا وبناء عمراننا الحضاري الانساني في هذا القرن الجديد ، بقدر ماهي شواهد على مسخنا انسانيا ليتحول لدينا مفهوم الحضارة من الطبيعة والانسان الى الالة والنفط وباقي ماكنات الرفع العملاقة ؟. نعم لنسأل حجارة الاهرامات - لنرى الفرق - المنصوبة الان في مصر ، او لنقلب اي حجر منه فماذا سنجد تحت هذه الحجارة ؟. سوف نجد كنوز وحكايات واسرار وروايات وتأريخ وهوية انسان ، وسوف نجد فكر وثقافة وعلم وجمال وموسيقى وجهد وعرق وطبيعة ، وسوف نجد حرب وقانون وملك وعبد وسيدة وفتاة وصبي وساحة لعب ...... الخ ، كل هذا سوف نجده مطمورا تحت اي حجر من حجارة الاهرامات في مصر ، او تحت اي لبنة طينية فخارية في مدينة اور في ذ ي قار العراقية ، وذالك لالسبب غامض الا لأن هذه المعالم الحضارية أريد لها ان تكون حضارية تحمل حقبة الانسان الذي كان يعيش داخل جنتها المعمارية وحضاريتها الطبيعية ؟. والان لنعود الى (( برج أيفل )) الغربي الحضارة اليوم ولنرفع اي قطعة حديد منه ولنسألها بتمعن فماذا سوف تجيب هذه القطعة المعدنية المصنعة ميكانيكيا ؟. سوف تجيب عن هوية الالة التي كبست هذا الحديد ، والنار الذي صهرت ملايين الاطنان من الحديد لاذابته واعادت تصنيعه من جديد ، وسوف تجيب عن هوية الرافعة العملاقة التي رفعت هذا الكم الهائل من الحديد ، وسوف تجيب عن العقل الصناعي الذي اراد ان يقيم شاخصا الى السماء ليس فيه الا رائحة الكير والزفير ....الخ !. هذا ماسوف يجيب عنه برج أيفل بعد الفي او ثلاثة الاف سنة منذ الان لأنسان المستقبل الذي سوف يسأل عن حقبتنا الحضارية النفطية والميكانيكية الان ، وعن مميزاتها الحضارية وسماتها العمرانية ، وسوف يتساءل انسان المستقبل بكل تأكيد عن حضارتنا النفطية اليوم وهل هي كانت حضارة ماكنة ام حضارة انسان ؟. بالطبع سيجيب غدا ذاك الانسان : ان حضارتنا اليوم هي حضارة ماكنة نفطية مئة بالمئة ، بسبب ان جميع صفات وسمات الماكنة هي الطاغية على منتجاتنا الحضارية اليوم ، فلا غرو وليس غريبا ان يهزأ انسان المستقبل بواقع حضارتنا المعاصرة ، بل ويترحم علينا في المستقبل كيف كنا نعيش في محرقة ميكانيكية اسميناها جزافا بالحضارة الحديثة ؟. تمام : ان من اهم مميزات الحضارة اي حضارة هي ان تكون حاملا طبيعيا لسمات حقبة الانسان وذوقه وفكره وفنه ودينه وقانونه وباقي منجراته البشرية ، وليس ان تكون حاملة لانتاج وفكر وقدرة وعبقرية ...... هذه الالة الميكانيكية او تلك من ماكنات النفط الاسود ، فليس للماكنة حضارة وليس لها عبقرية او فن او ابداع حتى يقال اننا نعيش في حضارة الماكنة المتحركة بالوقود الاسود هذا ؟!. وكذا الحال ان تركنا العمران اليوم ، وتتبعنا اي شيئ في حياتنا المعاصرة ، فسون لن نجد اي شيئ صالح ليكون معلما حضاريا بالامكان التفاخر به على الحقيقة كمنتج حضاري انساني اليوم يحمل بصمتنا الانسانية الى المستقبل ، فلدينا وسائل النقل السريعة تحمل سمات المصانع الامريكية والاخرى اليابانية والثالثة الالمانية ، ولدينا ادوات المنازل المصنعة بلاستيكيا والتي يتم استعمالها بشكل وقتي لتتلف ويعاد انتاج الجديد منها ، ولدينا الطب وتقدمه رهين بطاقة الكهرباء فلاشيئ يمكن التفاخر به علميا او طبيعا ان توقفت الالة التكنلوجية الكهربية الحديثة ، ولدينا ولدينا ..... ولدينا اليوم كل شيئ ، الا انه الشيئ الذي ليس للانسان فضل في انتاجه على الاطلاق ، بل الفضل كل الفضل لوقود النفط والطاقة وذراع الماكنة التي تعمل عبر ذالك !. فهل يبقى لحضارتنا المعاصرة عنوان يحمل هوية الانسان ، او سمة من مميزات حياته الطبيعية والبشرية ؟. فكل شيئ مسجل على وداخل هوية الماكنة التكنلوجية وكأنما اصبحت هي السيد ونحن العبيد لديها باعتبار انها ملكت كل شيئ يختص بحركة حياتنا الانسانية العلمية والطبية والنقلية والعمرانية ...... وباقي الاشياء ، فمن حقها ان تفتخر (( الالة والماكنة )) علينا بسبب انها هي المنتج وهي الصانع وهي الباني لايامنا النكدة ، ومن غيرها لايمكننا ان نتحرك او نبدع او نقوم او نقعد او ..... فعلى اي شيئ نستند ان قلنا اننا نعيش في حضارة من بناء الانسان تسمى بحضارة القرن الواحد والعشرين الانسانية !. (( سبب الدعوة وماهيتها للعودة للحضارة الطبيعية )) طبعا وبكل تأكيد نحن لاندعوا الى العودة للعيش في كهف مظلم ، وبلا ادنى استفادة من تكنلوجيا العصر الحديث وماكناته النفطية ، او مواده المتطورة الكترونيا ، ... لا ليس هذا هو الغرض ، باعتبار اننا نتصل الان بالعالم من خلال ما انتجته الماكنة من جهة والعقل الانساني من جهة اخرى بمساعدة مواد الطبيعة الغنية ، ولكننا ندعوا الى تغيير (( الرؤية )) الانسانية لمفهوم التحضر والحضارة ، والدفع باتجاه عودة العنصر الانساني من جهة والعنصر الطبيعي من جهة اخرى للمساهمة في بناء الحضارة الحقيقية التي يتوازن فيها عنصر الماكنة مع عنصر الانسان والثالث عنصر الطبيعة ايضا ، فغياب عنصر من هذه العناصر او تغلب احدهما على الاخر سيفضي في اي بناء يراد له ان يقام او يشيد على اساس انه حضارة بالخلل ، وبدلا من ان يسمى هذا البناء بالبناء الحضاري الحقيقي ، نجده وبادنى تأمل تحول الى بناء ولكنه ابعد شيئ من مسمى الحضارة الانسانية الطبيعية الحقة !. نعم مايؤخذ على حضارة النفط الانسانية المعاصرة انها حضارة ماكنة اولا ، وتنفقد فيها مميزات الحضارة الانسانية ثانيا ، وتظلم بعنف فيها مفردة الطبيعة التي مزقتها انياب الماكنة النفطية الحديثة ثالثا !. بمعنى آخر : ان حضارتنا النفطية الانسانية اليوم ، ولاسيما منها الحضارة الغربية ، لاريب انها لاتعد حضارة انسانية راقية باي مقياس من الاقيسة الحضارية الطبيعية ، وهذا لالسبب ايدلوجي او ديني او نفسي او سياسي .... يذكر ، وانما لسبب واحد واصيل وهو انها ليست حضارة انسان بقدر ماهي حضارة الة ميكانيكية غير شاعرة او مفكرة اصلا ، ولهذا بالامكان تسمية حضارة النفط التكنلوجية اليوم بانها حضارة (( النفط او الوقود او الالة او التكنلوجية ...)) او اي شيئ آخر غير الحضارة الانسانية ، باعتبار ان اللمسات الانسانية او الجهد البشري الطبيعي هو اخر من ينبغي ان يذكر في هذا الحضارة الميكانيكية ، ومن هنا واتساقا مع المنطق وطبيعة الاشياء لايمكن لنا ان نسمي الحضارة التي شيدتها الالة واقامها النفط ، بانها حضارة الانسان او ان له الاصالة في تشييد حضارة العالم الحديث اليوم !. صحيح : بالامكان ان نظيف العنصر الانساني لهذه الحضارة ولكن على اساس انه الرقم الثالث او الرابع في معادلة حضارة النفط والتكنلوجيا الحديثة هذه ، أما من يريد ان يطلق مصطلح الانسانية او الطبيعية على حضارتنا التكنلوجية الغربية اليوم فعليه ان يقلّب اي سلعة انتجتها الحضارة النفطية هذه وينظر لها بتمعن وليقل لي هل عليها اي بصمة انسانية فكرية او روحية او فنية تعطيها الهوية وتضيف لها الانسان ؟. أم ان هوية المنتج وسمته واسمه ورسمه وكل مافيه مكتوب باسم التكنلوجيا الميكانيكية الحديثة ، واول مايسأل عن اسم الماكنة التي انتجته وليس عن اسم العامل الذي ضغط الزر لتعمل الماكنة ؟. !. اخيرا : عندما يصل الانسان الى رؤية تمكنه من توظيف التكنلوجيا الحديثة لخدمة بصمته الانسانية ، اي ان يخضع منتج الماكنة لهويته البشرية ، ليحمل هذا المنتج ذاكرة الانسان وفنه وعلمه وتاريخه اليوم وتطلعاته والامه واحزانه وكل روحه الانسانية ، عندما يصل اي انسان الى هذا المعنى يكون بالفعل انسان استطاع ان يضع اول حجر حضاري للقرن الواحد والعشرين الان ، وهذا الانسان الذي يستطيع فعل ذالك هو بطبيعة الحال ليس الانسان الراسمالي العولمي اليوم او هو ليس الانسان مالك الشركة الصناعية وصاحب رأس المال للماكنة المتحركة ، بسبب ان هذا الانسان وكما ذكرنا فأن عقليته نفسه صناعية تفكر للاستهلاك والربح والخسارة قبل الانتاج والقيمة الحضارية للبناء والسلعة ، فهو بذالك لايفكر للمستقبل ولايهمه ان حمل حاضرنا سمات نفسه الحضارية او لا بقدر مايهمه المردود النفعي لسلعته المصنعة ميكانيكيا ، على ان هذا الراسمالي المنحط هو اول من يناضل من اجل عدم بناء اي حضارة انسانية حقيقية اليوم ، باعتبار ان البناء الحضاري قائم على قيمة واخلاقية ومتانة ونزاهة السلعة المنتجة التي تعيش الى اطول زمن ممكن وبمواصفات انسانية تحمل معها سمات حاضرنا للمستقبل ، بعكس مايرغب فيه هذا العولمي او ذاك الراسمالي الجشع من الانتاج والاستهلاك السريع مضافا الى التفكير بسيطرته المطلقة على الطاقة والماكنة معا مضافا اليها القوة العسكرية التي تحمي هذا الثنائي المدمر الطاقة والماكنة !.. نعم ندعوا الى عودة الانسان برؤيته الى التفكير في الكيفية التي يستطيع بها ان يبني حضارة ، وليس يشيد مصنعا تجاريا غايته ومناه ان يصل الى جيب الانسان بدلا من عقله وفكره وروحه وفنه ؟!. ونعم نحن نعيش في محرقة صناعية شيدها العقل الراسمالي الغربي ليسميها الحضارة الغربية الجديدة لاستغفال العقل البشري واستنزاف طاقته الطبيعية بأسم التحضر والتقدم والمدنية !. al_shaker@maktoob.com