( التيه العربي الاسلامي أربعون سنة في صحراء الفكر والعلم والتقدم ) حميد الشاكر
_____________
عندما تقع ابصارنا او تسمع آذاننا مفردة (تيه) فسرعان مايتبادر الى مخيلتنا الانسانية وتصوراتنا الروحية تلك القصة او الاسطورة الدينية التي تتحدث عن عقاب الاهي ضرب في يوم من الايام بني أسرائيل من جرّاء عصيانهم وتمردهم المستمر على الاوامر الالهية ، الى ان وصل الأمر بهم بأن تاهو أربعين سنة في صحراء سيناء المصرية كعقوبة لو اراد اي شخص منا ان يتفكر او يتأمل في معناها لاكتشف الكثير من التصورات والمعاني والتأملات الغريبة لهذه العقوبة المبتكرة في الشكل والمتكررة في المعنى !.التيه : في اللغة العربية عبارة عن التحيّر ، فيقال تاه يتيه اذا تحيّر ، وتاه يتوه كذالك ، وتوّهه وتيّهه أذا حيّره وطرحه ، ووقع في التيه والتّوه أي موضع الحيّره !.وفي القرءان الكريم قول الله سبحانه وتعالى : (( قال فإنها محرّمة ٌ عليهم أربعين سنة يتيهون في الارض فلاتأس على القوم الفاسقين / 26 / المائدة )) عندما أمر موسى بني اسرائيل دخول أرض الجبّارين في فلسطين فجبنوا ورفضوا أطاعة الاوامر فضربهم الله بعقوبة التيه في صحراء سيناء !.أما في اليهودية فمع ان لهم اعياد كثيرة يتذكرون من خلالها نعم الله عليهم كنعمة انزال الشريعة والالواح او نعمة انزال الظلّة او نعمة نجاتهم من العبودية في مصر ... الا انهم لم يجعلوا عيدا مخصصا لخلاصهم من التيه في الصحراء مع انهم يقرّون بالتيه في التاريخ التوراتي المكتوب !.وعلى اي حال التيه اليهودي حسب الرؤية الاسلامية يتلخص بالاتي : أمر موسى النبي والرسول عليه السلام لبني أسرائيل ان : (( ادخلوا الارض المقدسة ..)) فكان جواب بني اسرائيل آنذاك :(( قالوا ان فيها قوما جبارين وأنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها .....)) الى ان قالوا :(( فأذهب انت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ...)) وعندئذ قال رب موسى وهارون لموسى بشأن المجتمع اليهودي :(( قال فانها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الارض ..)) اي ان الارض المقدسة حرّمت عليهم لايدخلوها اربعين سنة لتمردهم على الاوامر الالهية ، واكثر من ذالك فانهم سيعاقبون بالتيه في صحراء منعزله !.وبالفعل يُذكر ان ماهية التيه التي ضربت على بني اسرائيل أنهم تاهو في اربع فراسخ مربعة يرتحلون بليل عسى ان يصلوا الى عمران ومدن ، فيصبحون في نفس المكان الذي غادروه بالامس ، الى ان قبض الله موسى وهارون عليهما السلام في التيه وانمحى جيل التائهين وولد جيل آخر اكثر استعدادا لطاعة الامر الالهي وأهون قليلا شرّا من اباءهم الاولين !.والان ماهي العبرة لنا من التيه اليهودي ذاك ؟.اولا : ان التيه هو تيه تحيّر وعدم هداية ورشاد ، او انه تيه عقول وتدبير اكثر منه تيه جغرافية ووطن وحيز مكان !.بالضبط كحالنا اليوم الذي نشعر انها تائهة في صحراء الفكر والعقل والمشاعر والاحاسيس ، فلاندري اين الطريق ولاكيف التخلص من التيه ، ولا لماذا نحن ندور في حلقة مفرغة ، وكلما اعتقدنا اننا قريبون من المخرج وجدنا انفسنا في نفس المكان من الليلة السابقة !.تمر علينا اقوام مسافرة كل يوم تدرك الغاية وتعرف الطريق وتصل الى اهدافنا الطبيعية ، ولكننا بعكسهم تماما ابتلينا بالتكبر عن السؤال لنعرف المخرج ، وابتلينا بوهم اننا شعب الله المختار فاحتقرنا كل عابر سبيل ليس من طينتنا ، وابتلينا بذهول عقلي وغيبوبة وعي حتى اصبحنا لاندري ولاندري اننا لاندري ، فكان ومازال مصيرنا التحرك في اربعة فراسخ لاغير ندور بها كل يوم ومنذ اربعين سنة لانعرف اين المخرج ولاكيف تجاوز نقطة المكان ؟.ندور ندور ندور .... ثم نعود لنفس المنطلق !. ثانيا : من درس التيه نتعلم ان قرار توهاننا في الماضي وحتى اليوم كان بايدينا عندما رفضنا الاخذ بالعزيمة والتوكل على الله سبحانه والتحلي بشجاعة الرجال الاقوياء ، فما الارض المقدسة التي كتبها الله لنا ولغيرنا الا موطن العزّة والحرية والكرامة والامل ، ولكن خوفنا من القوم الجبارين ، ومايمتلكونه من ترسانة نووية واخرى علمية وتكنلوجيا ...، هيئت لنا خيال الرعب والانهزام والتخلي عن الرجولة والشجاعة ، فاعتقدنا انه بدلا من اقتحام الباب عليهم بالامكان خروجهم هم انفسهم من المدينة المقدسة لندخلها بلا معارك ولا قتال ومنازعة وتضحيات ، كما قال بالضبط يهود سيناء انذاك :(( وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها.... )) ولكن بدلاً من خروجهم من ارض الامل والحياة تهنا نحن في ارض الخوف والعبودية والاذلال اربعين سنة !.ثالثا : لامخرج لنا من هذا التيه الا بخارطة واحدة ، تعيد البوصلة العقلية لرشدها ، وتهب الروح الانسانية وعيها ، وتهدي نفوسنا البشرية الى اطمئنانها !.انها خريطة : القائد الرسالي العادل والحكيم وصاحب المشروع ، والامة الشجاعة صاحبة الامل والايمان بالله والهدف الواضح !.أما بغير ذالك فسيبقى الثور يدور على الساقية وهو معصوب العينين باعتقاد منه انه يسير في طريق مستقيم ، الا انه لايكتشف الخدعة الا بعد زوال عصابة العينين من على دماغه !.عندئذ ربما سيجعل الله لنا عيدا اسمه عيد الخروج الذي سنخرج به من تيه الصحراء الى ارض الامل والحضارة والمحبة والتمدن !._________
_____________
عندما تقع ابصارنا او تسمع آذاننا مفردة (تيه) فسرعان مايتبادر الى مخيلتنا الانسانية وتصوراتنا الروحية تلك القصة او الاسطورة الدينية التي تتحدث عن عقاب الاهي ضرب في يوم من الايام بني أسرائيل من جرّاء عصيانهم وتمردهم المستمر على الاوامر الالهية ، الى ان وصل الأمر بهم بأن تاهو أربعين سنة في صحراء سيناء المصرية كعقوبة لو اراد اي شخص منا ان يتفكر او يتأمل في معناها لاكتشف الكثير من التصورات والمعاني والتأملات الغريبة لهذه العقوبة المبتكرة في الشكل والمتكررة في المعنى !.التيه : في اللغة العربية عبارة عن التحيّر ، فيقال تاه يتيه اذا تحيّر ، وتاه يتوه كذالك ، وتوّهه وتيّهه أذا حيّره وطرحه ، ووقع في التيه والتّوه أي موضع الحيّره !.وفي القرءان الكريم قول الله سبحانه وتعالى : (( قال فإنها محرّمة ٌ عليهم أربعين سنة يتيهون في الارض فلاتأس على القوم الفاسقين / 26 / المائدة )) عندما أمر موسى بني اسرائيل دخول أرض الجبّارين في فلسطين فجبنوا ورفضوا أطاعة الاوامر فضربهم الله بعقوبة التيه في صحراء سيناء !.أما في اليهودية فمع ان لهم اعياد كثيرة يتذكرون من خلالها نعم الله عليهم كنعمة انزال الشريعة والالواح او نعمة انزال الظلّة او نعمة نجاتهم من العبودية في مصر ... الا انهم لم يجعلوا عيدا مخصصا لخلاصهم من التيه في الصحراء مع انهم يقرّون بالتيه في التاريخ التوراتي المكتوب !.وعلى اي حال التيه اليهودي حسب الرؤية الاسلامية يتلخص بالاتي : أمر موسى النبي والرسول عليه السلام لبني أسرائيل ان : (( ادخلوا الارض المقدسة ..)) فكان جواب بني اسرائيل آنذاك :(( قالوا ان فيها قوما جبارين وأنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها .....)) الى ان قالوا :(( فأذهب انت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ...)) وعندئذ قال رب موسى وهارون لموسى بشأن المجتمع اليهودي :(( قال فانها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الارض ..)) اي ان الارض المقدسة حرّمت عليهم لايدخلوها اربعين سنة لتمردهم على الاوامر الالهية ، واكثر من ذالك فانهم سيعاقبون بالتيه في صحراء منعزله !.وبالفعل يُذكر ان ماهية التيه التي ضربت على بني اسرائيل أنهم تاهو في اربع فراسخ مربعة يرتحلون بليل عسى ان يصلوا الى عمران ومدن ، فيصبحون في نفس المكان الذي غادروه بالامس ، الى ان قبض الله موسى وهارون عليهما السلام في التيه وانمحى جيل التائهين وولد جيل آخر اكثر استعدادا لطاعة الامر الالهي وأهون قليلا شرّا من اباءهم الاولين !.والان ماهي العبرة لنا من التيه اليهودي ذاك ؟.اولا : ان التيه هو تيه تحيّر وعدم هداية ورشاد ، او انه تيه عقول وتدبير اكثر منه تيه جغرافية ووطن وحيز مكان !.بالضبط كحالنا اليوم الذي نشعر انها تائهة في صحراء الفكر والعقل والمشاعر والاحاسيس ، فلاندري اين الطريق ولاكيف التخلص من التيه ، ولا لماذا نحن ندور في حلقة مفرغة ، وكلما اعتقدنا اننا قريبون من المخرج وجدنا انفسنا في نفس المكان من الليلة السابقة !.تمر علينا اقوام مسافرة كل يوم تدرك الغاية وتعرف الطريق وتصل الى اهدافنا الطبيعية ، ولكننا بعكسهم تماما ابتلينا بالتكبر عن السؤال لنعرف المخرج ، وابتلينا بوهم اننا شعب الله المختار فاحتقرنا كل عابر سبيل ليس من طينتنا ، وابتلينا بذهول عقلي وغيبوبة وعي حتى اصبحنا لاندري ولاندري اننا لاندري ، فكان ومازال مصيرنا التحرك في اربعة فراسخ لاغير ندور بها كل يوم ومنذ اربعين سنة لانعرف اين المخرج ولاكيف تجاوز نقطة المكان ؟.ندور ندور ندور .... ثم نعود لنفس المنطلق !. ثانيا : من درس التيه نتعلم ان قرار توهاننا في الماضي وحتى اليوم كان بايدينا عندما رفضنا الاخذ بالعزيمة والتوكل على الله سبحانه والتحلي بشجاعة الرجال الاقوياء ، فما الارض المقدسة التي كتبها الله لنا ولغيرنا الا موطن العزّة والحرية والكرامة والامل ، ولكن خوفنا من القوم الجبارين ، ومايمتلكونه من ترسانة نووية واخرى علمية وتكنلوجيا ...، هيئت لنا خيال الرعب والانهزام والتخلي عن الرجولة والشجاعة ، فاعتقدنا انه بدلا من اقتحام الباب عليهم بالامكان خروجهم هم انفسهم من المدينة المقدسة لندخلها بلا معارك ولا قتال ومنازعة وتضحيات ، كما قال بالضبط يهود سيناء انذاك :(( وانا لن ندخلها حتى يخرجوا منها.... )) ولكن بدلاً من خروجهم من ارض الامل والحياة تهنا نحن في ارض الخوف والعبودية والاذلال اربعين سنة !.ثالثا : لامخرج لنا من هذا التيه الا بخارطة واحدة ، تعيد البوصلة العقلية لرشدها ، وتهب الروح الانسانية وعيها ، وتهدي نفوسنا البشرية الى اطمئنانها !.انها خريطة : القائد الرسالي العادل والحكيم وصاحب المشروع ، والامة الشجاعة صاحبة الامل والايمان بالله والهدف الواضح !.أما بغير ذالك فسيبقى الثور يدور على الساقية وهو معصوب العينين باعتقاد منه انه يسير في طريق مستقيم ، الا انه لايكتشف الخدعة الا بعد زوال عصابة العينين من على دماغه !.عندئذ ربما سيجعل الله لنا عيدا اسمه عيد الخروج الذي سنخرج به من تيه الصحراء الى ارض الامل والحضارة والمحبة والتمدن !._________