الثلاثاء، أكتوبر 20، 2009

(( الى القضاء العراقي المحترم : هل من المعقول محاكمة علي كيمياوي كقائد ؟)) حميد الشاكر

(( الى القضاء العراقي المحترم : هل من المعقول محاكمة علي كيمياوي كقائد ؟)) حميد الشاكر
_________________________-
في كثير من الاحيان يُظلم المظلوم حتى في حال أخذ الحق لمظلوميته من ظالميه كما حصل للشعب العراقي المظلوم دوما عندما ارادت العدالة ان تُرجع لهذا الشعب بعض حقوقه من ظالميه ، ولكن بدلا من ان تعود حقوق الشعب كاملة بلا نقص من جلاّديه ظُلم هذا الشعب مرّة اخرى عندما لم يساوي القضاء العراقي بينه في ارجاع حقوقه وبين جلاّديه الذي أقام لهم القضاء العراقي المحترم محكمة أقل مايقال عنها انها محكمةٍ لاباطرة وقيادات وطبقات رفيعة المستوى والشأن كالذي رأيناه في محاكمة المقبور صدام حسين ومايجري اليوم من محاكمة حقير من حقراء سلطة العشيرة الصدامية علي مجيد الملقب بالكيمياوي !!.
في السابق كان الشعب العراقي يُحاكم بمفكريه وعلمائه وسياسيه وتجاره وطلبته وعامته وخاصته ....أمام محكمة البعث الظالمة على اساس انهم لصوص وقطّاع طرق ومجرمين على الجملة ، وبغض النظر عن محاكمات سلطة العوجة للشعب العراقي انها لم تكن الا مجرد فصول صورية ليس لها من القانونية او الدستورية او الانسانية اي رصيد ، بغض النظر عن ذالك ، كان الشعب العراقي يقدّم الى هذه المحاكم والمقاصل اللابشرية بشكل ونوعية توحي للمشاهد من بعيد انه بالفعل امام إما متشرّد او لصّ او قاطع طريق او غير ذالك وكل ذالك توحيه الصورة التي يقدمها جلاّدي النظام السابق لضحاياهم من المعارضين السياسيين او الناقمين على حكمهم الجاهلي الصدامي بامتياز من ملابس معترف بها قانونيا انها من ارتداء المُدانين ، واشكال وصور تظهر عليها امارات التعذيب ونقص التغذية وسوء الحال ، مظافا الى ذالك حالة الرُّعب التي ترتسم على المتهم العراقي انذاك لادراكه ان مستقبله ومصيره مجهول تماما بالنسبة اليه مما يدفعه الى حالة نفسية يُرثى لها ، وهذا ماكان عليه القضاء والحكم في عهد النظام البائد ومايتعامل به مع ضحاياه والقابعين تحت قبضته وسلطاته من معارضين الى مفكرين الى علماء الى طلبة الى كسبة وحتى الى سياسيين !!.
أما اليوم وتحت حكم العراق الجديد ، وفي قضاء نتمنى كعراقيين ان يكون وجها وانعكاسا لمظلومية الشعب العراقي ، واسترجاع جميع حقوقه المتنوعة ، وبعد ان تغيّر الحال من حال الدكتاتورية والظلم وحكومة العشيرة واستهتار الحزب الواحد في الدولة ، الى حكم الشورى والتنوع والانتخابات والتداول السلمي للسلطة ، نتمنى ان يكون قضائنا العراقي فقط ناظرا الى العدالة في محاكمته لرموز نظام الدكتاتورية السابق وان لايغفل ميزان العدالة على الاقل في عملية التعامل بالمثل بين ماكان ينتهجه قضاء النظام السابق مع متهميه ، وبين قضاء العراق الجديد مع متهميه من مبادي النظام السابق ليس الاّ !!.
طبعا مع الفارق ان قضاء النظام الصدامي المُباد كان يحاكم الشعب العراقي من ابرياء وسياسيين ومفكرين ومعارضين للسلطة على اساس انهم مجرمون وقاطعي طريق ولصوص ومجموعة من المشبوهين ، بينما قضائنا العراقي الجديد ومع انه يحاكم مجرمين وسفّاكي دماء بامتياز وحفنة من العصابة التي امتهنت رمي الناس الى الكلاب ومن فوق المباني واحراقهم بالتيزاب والاعتداء على اعراضهم ... مع هذا كله الا انه يتعامل مع هؤلاء المجرمين على اساس انهم متهمون حتى تثبت اداتهم وابرياء الى ان يصدر الحكم بحقهم والى ما غير ذالك من تعامل لقضائنا العراقي الجديد مع رؤيتنا له على اساس انه اعلى من منسوب العدالة بكثير ، ولكنّ مع ذالك نحن كعراقيين لانمانع اي يكون قضائنا العراقي عالي مستوى الاخلاق والالتزام بالقانون واعطاء النموذج الاعلى عندما يكون قضاءا لتحقيق العدالة لاغير وبعيدا عن أدخال المشاعر العاطفية في احكامه على المدانين !!!.
لكنّ مانؤاخذه كشعب عراقي مظلوم ويرى ظالميه في قفص الاتهام امام القضاء العراقي الجديد والذي هو اعلى سلطة في دولة القانون والاسلام ، اننا لانرى فقط منسوب عالي جدا من الاخلاقية مع مجرمين بالاساس وقاطعي طريق بالمهنة ومشبوهين بالجوهر والهوية فقط وانما نرى ان العدالة التي وعِدنا بها قد تعرّضت بالفعل للاهتزاز في قضائنا العراقي النزيه ايضا عندما ذهبت هذه الدولة بعدم المساواة بين الجلاّد البعثي والضحية من الشعب العراقي في في كل شيئ ، وحتى في عدالة هيئة المتهمين بين الماضي العراقي والجديد اليوم يبدو التمييز واضحا بين من يرى مثلا ( علي حسن المجيد الملقب بالكيمياوي لحرقه لاطفال كردستان بالمواد الكيمياوية ) وبين اي متهم في العراق لقديم من سياسيين عراقيين او علماء او مفكرين او مثقفين وما شاكل ذالك !!.
علي كيمياوي اليوم يحاكم في القضاء العراقي كقائد من قوّاد المرحلة السابقة ، بل ويعامل كاحد صانعي التاريخ العراقي الحديث ، بل واكثر من ذالك علي حسن المجيد يرتدي العقال العربي والملابس التي توحي بالاستخدام الجديد من تايون او الصين ، وصحته وحالته النفسية لاتوحي مطلقا بالاضطراب او الخوف من المستقبل ، والرائحة التي يستخدمها لمجيئه لجلسات المحكمة وحسب مايذكر احد المخفرين له من النوع الفرنسي المشهور ، أظف الى ذالك مسموح لعلي حسن المجيد ان يسأل من يشاء من الشهود ومن يشاء من القضاة ومن يشاء من مدعي الحق العام ، وهكذا من حقه ان يسأل العالم من خلال شاشات الفضائية العراقية ويطرح ايدلوجيته عليهم وينظّر لحقبة وظيفته كجلاّد في حكم ابناء العوجة للعراق بعد البسملة والحمدلله .....الخ وغير ذالك الكثير ، فهل هذا من العدل ايضا ايها القضاء العراقي الجديد ؟.
هل من العدل ان يحاكم اركان نظام الجريمة السابق وهم لايرتدون اللباس الذي يوحي بالتهمة والجريمة والمحبوسية على الاقل ؟.
هل من العدل ان يترك لعلي كيمياوي الامّي الجلف الغليظ القلب كل هذه المساحة من محاسبة القضاء العراقي ليظهر للعالم نديته مع هذا القضاء ؟.
هل من العدل ومن الاخير وكي ننهي الجدل ان يحاكم علي حسن المجيد وامثاله على اساس انهم رجال حكم وسلطة وقانون وادارة واقتصاد وفكر وعلم ؟.
أم انه كثيٌر جدا اذا عومل المجيد وطارق عزيز وصدام حسين على اساس انهم عصابة اجتمعت بليل للسطو على العراق والتسلط عليه بالقوة وقيادته الى الدمار !!.
نعم الشعب العراقي ايها القضاء والقضاة العراقيين الجدد شعر بالالم والغبن والمظلومية من جديد عندما لم تساووا بينه عندما كان يحاكم بتهمة التمرّد على السلطة وبين ظالميه عندما يحاكموا اليوم كاباطرة وقيادات وبشر من نوع خاص ولهم معاملة مختلفة عن الاخرين ؟!!!.
نعم انا اشعر بأن قضائنا العراقي الجديد ليس نزيها ولامستقلا ولاهو يملك قرار ادارة محكمته للمجرمين عندما كنت اقف امام حاكمهم الصدامي بملابس الاتهام الزرقاء ، والان هم يقفون امام شاشات الفضائيات العالمية يلبسون الزي الرسمي من (بناطير وقوط مستوردة وعقل على الراس عربية )وغير ذالك وكأنما لم نزل امام سيادة الوزير طارق عزيز وعضو قيادة قطر العراق علي حسن المجيد الكيمياوي ، والسكرتير الاول عبد حمود !!.
إن الشعب العراقي يشعر بحنين لقضاء ومحكمة علي بن ابي طالب ع عندما كان يقف مع المدعين عليه بلا تمييز عنهم حتى في لحظات العيون من قضاته ومقيمي عدالة حكمه في الارض ، فكيف اذا نظر علي بن ابي طالب لقضائنا العراقي اليوم وهو يعامل كيمياوي وطارق عزيز وصدام حسين وهو يحمل المصحف الشريف بين يديه القذرتين ويعاملون كقادة وعِلية قوم واشراف البلد ولهم الكلمة قبل الحاكم والمحكوم في دولة الشعب العراقي الجديدة ؟!.
كيف يمكن لشعب عراقي ان يرى قضائه بايجابية وهو حتى في محاكمة جلاّديه يُظلم من جديد عندما يميز بينه كفرد عراقي كان يعامل كمجرم ومشبوه في السابق بينما يتعامل المجرمين الحقيقيين اليوم كمتهمين لم تثبت ادانتهم بعد وابرياء مشكوك في قضيتهم واصحاب سلطان ضاع سلطانهم الا انهم لم يضيعوا هيئتهم الطاغوتية القديمة ولا ملبسهم داخل قاعات المحكمة ولامنطقهم ولاصلفهم ولاتعنتهم في الاصرار على الاثم وعدم ذكر الله والتوبة اليه !!.
رجاءنا فقط كشعب عراقي مظلوم من محكمتنا العراقية الجديدة الموقرة ان تساوي بيننا عندما كنّا متهمين وما كنّا نرتدي من ملابس في دولة البعث ، وبين مايلبسه اليوم متهمي النظام السابق من ملابس لاتصلح الا للسادة والاشراف وقيادات المجتمع !.
نعم فقط افرضوا على متهمي الجريمة والفساد في الارض زيّا موحدا للتعرف عليهم كمتهمين وبزي ازرق موحد وليس كوزراء وشيوخ قبائل ومدراء عامين والسلام
_________________________________
alshakerr@yahoo.com

(( مابعد الفتنة السنية الشيعية أسلاميا وحدة الامة بعالم مختلف ... رؤية مستقبلية ؟!.)) حميد الشاكر

(( مابعد الفتنة السنية الشيعية أسلاميا وحدة الامة بعالم مختلف ... رؤية مستقبلية ؟!.)) حميد الشاكر
______________________
المتتبع للامور منذ بداية انطلاقتها في منطقتنا العربية والاسلامية وبالخصوص في العراق بعد اسقاط طاغية العراق صدام حسين في سنة 2003م ، وماتبع ذالك مباشرة من تفجير قنبلة الفتنة الطائفية والمذهبية في العالمين العربي والاسلامي وفي العراق ايضا ، يدرك ان ورقة هذه الفتنة وكيف بدأت ؟.
ولماذا انطلقت؟.
والى اين ارادت الوصول ؟.
وماهي اهدافها؟.
ومن هي الجهات التي قامت على تخصيب يورانيومها المدمر ...؟.....الخ .
قد خبى بالفعل وهجها الذي بدأت به منذ عام 2003م حتى اليوم ، فلاريب ان اشتداد استقطاب الورقة الطائفية في المنطقة ككل قد خفّ هذه الايام بصورة ملحوظة ، حتى ان المنابر الاعلامية والاقلام الطائفية والمؤسسات الحكومية التي تناصر اشعال فتيل هذا الخطّ الطائفي واثارة الفتنة والكراهية بين المسلمين قد فقد كثيرا من استقطابه الذي كان يتمتع به ابّان تفجير صاعق هذه الفتنة فيما مضى ، بل واكثر من ذالك اصبح دعاة الفتنة الطائفية والكراهية المذهبية بين المسلمين بصورة عامة والعراقيين باعتبارهم صرّة الحدث الكبير بصورة خاصة منبوذين بشكل واضح من قبل شعوب وجماهير هذه المنطقة العربية والاسلامية ، ولم يبقى من صلف دعاة الفتنة وحارثي رمادها العتاة الا لفيف يتوارى عن الانظار باطروحاته الطائفية المذهبية التي تدعوا لاقتتال علني بين الامة المسلمة الواحدة لاسيما بين سنة الاسلام وشيعتة !!.
ولهذا عزف كثير من جمهور العالم الاسلامي بعد ان اتضحت الرؤية لهم عن الاصغاء لما يقال طائفيا والتفتت الى ماهو ثابت من ثوابت الامة الاسلامية في وحدة الامة وتنوع مشاربها الفكرية الطبيعية التي سمح بها الاسلام وغض الطرف عن تفاعلاتها بلا خوف ولاخشية من اثارتها للنعرات والتفكك الاجتماعي او الاسلامي !!.
نعم انها ظاهرة تبدو عليها سمات الوضوح تلك التي تبرز للسطح من عدم تفاعل امتنا الاسلامية اكثر من ذالك مع ورقة الفتنة الطائفية السنية الشيعية بالشكل الذي بدأت عليه فيما مضى وإن لم تزل هناك بقايا تأثير طفيفة هنا وهناك إلا ان المقياس العام بدأ يميل لكشف المخبوء تحت هذه الورقة الطائفية ويتعامل مع اجنّداتها بشيئ من الوعي الذي لم يكن موجودا في السابق الا انه تكّون بعد التجربة التي خاضتها هذه الامة وهي تتهيئ للخروج منها انشاء الله ، بل ان هذه الامة عادت لتنبذ هذا الطرح السمج ولتتحول الى انتاج ردّة فعل سلبية على كلّ مَن يطرح هذا الطرح الممزق للحمة الامة الواحدة مع رفض قوي دفع بالكثير ممن يقتاتون على هذا البنك الطائفي السياسي ان يفكروا بالفعل بغلق هذا الدكان والبحث عن لقمة عيش في حيز اخر من هذه الحياة !!.
في الحقيقة إن أكثر مايثير الانتباه في ظاهرة الفتنة المذهبية التي اشتعلت في العراق وفي العالمين العربي والاسلامي فيما بعد والتي تستحق الدراسة منذ الان فصاعدا ( طبعا للواعين من اصحاب الفكر والنظر ) هي ليست ظاهرة اشتعال الفتنة بحد ذاتها !!.
ولا ايضا كيفية ابتداءها ؟!، ولاحتى مَن المستفيد كان ولم يزل منها ؟!!، وانما مايثير الانتباه بالفعل في هذه الظاهرة والتي والحمد لله مرّت عاصفتها القوية ولم تبقى من ريحها الا الخفيف الخفيف جدا هي ظاهرة وتساؤل : ماذا بعد هذه الفتنة ؟.
إنه سؤال يبدو للوهلة الاولى انه يريد قلب لمعادلة رأسا على عقب لتكون الاهمية ليس في البداية وانما فيما بعد النهاية ، ومثل هذه الاسألة من الصعب ادراكها بوضوح لاعتمادها على الرؤية المستقبلية وليست رؤية الواقع المعاش والملموس ، ولهذا قلنا انه الان يجب ان تبدأ دراسة الظاهرة الحقيقية للفتنة وتبعاتها وليس قبل ذالك لنستشف اجابة سؤال :
كيف تكون هذه الفتنة ليست مهمة في بداياتها وتكون مهمة جدا دراسة ماذا بعدها في نهاياتها على الحقيقة ؟.
بمعنى آخر : كيف تكون ظاهرة اشتعال الفتنة ليس باهمية مابعدنهايتها وضعف تأثيراتها وهي التي اقتربت من اسقاط الامة كلها في حرب طاحنة داخلية ؟.
ثم كيف لم تكن حقيقة مَن وراء هذه الفتنة مهما بقدر اهمية مابعد مرور هذه الفتنة واندحار تاثيراتها الكبيرة جدا ؟.
اولا : للاجابة على مثل هكذا اسألة قبل الجواب على سؤال ماهي اهمية مابعد الفتنة الطائفية ، ينبغي علينا ان ندرك مفهوما فكريا اسلاميا اصيلا أسس له الاسلام في اطروحته العالمية للجواب على سؤال: هل بالامكان تصور نهاية لوحدة الامة المسلمة تحت اي ظرف من الظروف العالمية الانسانية المتغيرة ؟.
وهو مفهوم ( الصناعة الالهية لهذه الامة المسلمة ) فهذا المفهوم من المفاهيم البديهية في الاسلام والذي على اساسه بُنيت فكرة ان الله سبحانه وتعالى هو من وضع قواعد الامة المسلمة منذ آدم الى قيام الساعة بما في ذالك الامة الاسلامية ، وهو من جمع شتاتها وألف بين قلوبها لتكون وحدة متماسكة الى يوم الدين بقوله سبحانه :( إن هذه أمتكم امة واحدة وانا ربكم فاعبدون / الانبياء) وبقدر مايلتزم المسلمون بربهم ودينهم بقدر مايأتلفون على كلمة الاسلام ودين التوحيد ، ومن هنا قلنا ان ما اسسه الله سبحانه وتعالى لا يمكن لاي قوّة في هذه الارض من ازالته !!.
صحيح ظاهرة التشتت لاتصيب هذه الامة المسلمة الا عندما تتخلى عن اسلامها او عن واضح تعاليم هذا الدين ، لتتدحرج في أتون التفرقة والتشرذم ، او في غياهب ظلمات التشدد واتباع البدع في الدين وغير ذالك كما نراه في بدعة ظاهرة تكفير المسلمين عندئذ يبين الوهن والتشتت في تماسك هذه الامة الواحدة وتتفجر الصراعات الطائفية والمذهبية وتدخل عوامل الخارج والداخل لخلخلة اسس وحدة الجمهور السلامي ، وأما مع وجود الالتزام بالاسلام وتعاليمه المحمدية البيضاء السمحة فان الامة مضمون لها التماسك والوحدة والقوة الى ماشاء الله لهذه الوحدة الاجتماعية ان تسير ، فإن ذالك يعتبر بديهية من بديهيات الفكر الاسلامي الذي أكدت على ان وحدة هذه الامة مضمونة التماسك ولايمكن الاطاحة بها لانها من صنع الله سبحانه الذي قضى لهذه الامة ان تكون وتظهر لهذا العالم البشري ، وبذرةٌ على هذا الاساس واضعها الله سبحانه وساقي شجرتها هو سبحانه وتعالى وحافظ وجودها العلي القدير لايمكن لالفتنة طائفية ولالحرب عالمية او كونية ان تزيل وجودها من هذا العالم على الاطلاق ، وهذا اولا !!.
ثانيا : قلنا ليس مهما معرفة مَن هو وراء مفجر ثورة الفتن داخل الامة الواحدة بقدر ادراك نتائج مابعد هذه الفتنة وهدوء غبارها الاسود بسبب انه ودائما وعلى طول التاريخ يتأكد لهذه الامة المسلمة ان مفجر كوارث الفتن داخلها هو عدوها على الحقيقة وعدو وحدتها وقوتها من الداخل والخارج ، ولكن في بعض الاحيان الغفلة تغمر الامة بكابوسها لتنسى اسلامها وتتخلى عن عوامل الوحدة بداخله وتلتفت الى شعارات تفرقها ( قومية او اشتراكية شيوعية ....الخ ) اكثر مما تجمعها على كلمة الله سبحانه السويّة ، فيسهل عندئذ تلاعب العدو بمفرداتها الاسلامية الداخلية ومذاهبها وتوجهاتها الفكرية والطائفية لتفجر من داخل هذه المفردات صراعات جانبية وثورات فتن سطحية ، وبالفعل وبسبب الغفلة تنساق هذه الامة في اتون مثل هكذا مخططات وتتقاتل وتتنافر هنا وهناك ، ويعلو صوتها من الداخل الى الخارج ، ولكنّ بالمحصلة النهائية وبعد شوط قصير من هذه الغوغائية كُتُب على هذه الامة في الازمات والتشرذم ان تبحث عن القاسم المشترك من جهة ، وتبحث عن القاضي الذي يعيدها الى الكلمة الجامعة لهذه الامة وهي بالحتم كلمة الاسلام الاولى والاخيرة !!.
وهكذا اراد اعداء الامة ادخالها في حرب وفتنة ابادة لهم من خلال تلاعب بمفردات طائفية ومذهبية ، فكانت هذه الفتنة سببا من هنا وهناك لصحوة ضمير غاب وغفلة استحكمت حلقاتها وعودة للبحث من جديد عن اللحمة اكثر من البحث عن التفرقة !!.
تمام هناك من يرى من الخارج الاسلامي ان الاسلام اكبر قوة بامكانها ان توحد هذه الامة وتجعلها معادلة صعبة الانكسار او الهزيمة بين الامم ، ولهذا وكلما شعر العدو بميل فطري داخل هذه الامة نحو العودة للاسلام وافاقه الواسعة الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ، حاول ان يوظف هذا الميل لمصالحه الاستعمارية في اضعاف هذه الامة من خلال تحريك المفردات الاسلامية نفسها وجعلها في حالة تنافر وتناشز وطائفية وفتن وليس في حالة تآلف وتوالف ووحدة وتماسك اجتماعية ليضمن شيئين اساسيين وهما :
اولا : يضعف الوحدة الاسلامية القادرة على صنع المستحيل من الداخل بتفجير صاعق الطائفية والفتنة المذهبية وصناعة وهم التنافر بين هذه المذاهب والطوائف داخل الاسلام !.
وثانيا : يطرح مشروع ان الاسلام والعودة لمشروعه هو تمزيق لوحدة هذه الامة وليس توليف لقلوبها وتوحيد لطاقاتها وتماسك لمجتماعاتها المتلونة ، وبهذا يكون اضعف الامة بالكلية من الداخل من جهة ، وطرح صورة عن الاسلام مشوهة وغير واقعية لوجوده من جانب اخر ، وثالثا وهو الاهم قطع طريق الميل الوجداني والفكري والروحي لدى هذه الامة في العودة الى الاسلام والى تعاليمة من بداية الطريق عندما اظهر لهذه الامة ان مجرد تفكيرها او صحوة ضميرها برؤية الاسلام على اساس انه المنقذ والمخلص لها من الضعف والوهن بين الشعوب والامم ، مجرد هذا الميل صنع كل هذه الحروب والفتن داخل الامة الاسلامية ، فكيف اذا طبّق هذا الاسلام على ارض الواقع وطالب المسلمون بتطبيق حكومتهم الاسلامية على هذه الحياة !!!.
هذه هي الدوافع الحقيقية التي تجعل من اعداء الاسلام مجتمعين مستعمرين ومؤمنين بايدلوجيات الحاد شيوعية وقومية من ضمن المسلمين انفسهم يطرحون بقوّة قضية الفتنة الطائفية الاسلامية ويشيرون بصراحة الى ان المطالبة بالاسلام كنظام للحياة يعني انفجار للفتن الطائفية والمذهبية بين المسلمين ، وهذه ايضا هي الحقيقة التي توّصل لها المسلمون اليوم وبعد الفتنة ولهيب نارها : ان من يدعوا للفتنة وللطائفية ويثير نارها ( من وهابية وسلفية وحركات ابتداع اسلاموية اليوم ) ماهم وماعملهم الا خدمة استعمارية هدفها الحقيقي الاول والاخير هو ابعاد هؤلاء المسلمون عن سرّ قدرتهم وقوتهم ((الاسلام العظيم )) ، ولكن باساليب غاية في المكر عندما يستخدمون الاسلام لضرب الاسلام نفسه من الداخل !!.
الان يبدو اتضحت فكرة ايجابيات مابعد الفتن على الامة اكثر من سلبيات بداياتها وماتثيره من عواصف ، فلولا الفتنة وما مرّت به هذه الامة من محن في العراق وفي العالمين العربي والاسلامي لما استيقضت فينا روح البحث عن المخرج (( وعسى ان تكرهوا شيئا ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ..)) ولما تساءلنا مَن المستفيد من تحريك الملفات الطائفية في المنطقة ؟. ولما ادركنا الكيفية التي يريد اعداء الاسلام ان يبعدوا المسلمين عن اسلامهم بادوات اسلامية ومفردات سلفية مغشوشة وبان عوارها وزيف حديدها الذي قدّم في البداية على اساس انه الذهب الخالص للامة وذهنياتها وعقلياتها ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين !!.
يبقى ان نشير الى نقطة جوهرية في الموضوع كله ، وهي نقطة ماذا بعد الفتنة السنية الشيعية في منطقتنا والعالم والعراق ؟.
وهل ستنتهي وتحترق ورقة الاعداء هذه بلا ردّات فعل منتظرة في هذه النهايات السعيدة للفرد المسلم ؟.
أم ان بدايات الفعل الاسلامي الصحيحة دائما تأتي بعد محن وبلاءات الفتن الطائفية التي يزرعها اعداء الاسلام بالاساس لابعاد المسلمين عن اسلامهم وقوتهم ونهضتهم وحضارتهم وعزهم الواقعي ليس الا ؟.
بمعنى آخر ماهي المسارات السياسية والفكرية والجماهيرية الاسلامية بعد هدوء ضوضاء وغبار معركة الفتن المختلقة داخل الامة الاسلامية ؟.
وهل ان اول من سوف يموت تجميدا بساحة الوئام والتالف والوحدة الاسلامية المتوقعة في القريب العاجل هم دعاة الفتنة وحرث النار الطائفية والممولين لاستمراها والمخططين سياسيا لادامتها ؟.
أم ان الموضوعة خاضعة للجدل الغير منتهي الى افق محدد المعالم والاتجاهات في حركة هذه الامة المسلمة ؟.
الحقيقة ان حركة هذه الامة المسلمة هي كحركة باقي الشعوب والامم وسننها في التاريخ وحتى اليوم ، ومادام ان لهذه الامة المسلمة حركة اجتماعية ووعي جماهيري ...، فلابد ان يكون لها مراحل وانتقالات واقعية من واقع انساني الى اخر بشري مختلف في الاسلوب ومتنوع في الايقاع ، وعليه عندما نقول ان هذه الامة المسلمة قد تجاوزت بصورة كبيرة مرحلة الفتن الطائفية واحتراق مؤثرات اوراقها الفكرية والنفسية على الامة وضعف مفاعيلها السياسية بصورة حادة ، فاننا نقول من الجانب الاخر ان هذه الامة قد انتقلت شعوريا وادراكيا من مرحلة عمق الفتنة الى مرحلة تجاوزها والتفكير بايجاد افق مشترك ينزع فتيل الفتن ليؤسس لوحدة اسلامية تقوي من روابط الاجتماع على اسسه الاسلامية لتكون فيما بعد هذه الاسس بدلا من كونها بذور للفتن ستكون بذور للوفاق والوئام والوحدة داخل الاطار الاسلامي العام !!.
اي ان وعي الامة الاسلامية العام بدأ بتجاوز جمود عقلية المفردات الاسلامية التي تغذي الصراع الطائفي والمذهبي بين الامة الواحدة والذي يعمل عليه الاعلام المعادي للاسلام باظهاره ونشره والتطبيل له بين الجمهور الاسلامي ، لينتقل الى هجر المفردات الاعلامية تلك ليبحث عن مفردات الوفاق والوحدة الاسلامية والتي هي بالاساس الجوهر الاسلامي الاصيل للاسلام ووظيفته الواقعية في بناء الامة ، ومثل هذه الانتقالة العقلية والذهنية لهذه الامة المسلمة هي الظاهرة التي اشرنا لها في بداية مقالنا على اساس انها ظاهرة بدأت بالبروز والتبلور لدى القطاع الواسع من جمهور المسلمين داخل الامة ، وهي ايضا الانتقالة التي يحاول الاعلام المعادي للاسلام والمسلمين ان يشوّش عليها او ان يعيق تقدم المسلمين حولها بان يضخ اعلاميا ويذكر يوميا بمفردات الاختلاف والتناشز الاسلامية بين المسلمين اكثر من مفردات التوافق والوحدة وهكذا !!!.
وهكذا نعلم ان قافلة الوعي الاسلامي قد غادرت محطة مفردات الفتنة الى محطة مابعد الفتنة الطائفية والمذهبية داخل الاسلام لتطرح ماذا بعد الفتنة السنية الشيعية داخل الاسلام ؟.
وماذا سيكون مصير من اسس وموّن ونفخ وقاد حرب الفتنة بين المسلمين في الحقبة الماضية ؟.
إن الامة المسلمة بعد ان اكتوت بنار الفتنة ، وبعد ان وعت درس اعدائها ومايهدفون اليه ، سوف لن تمر مرار الكرام بعد هذا الوعي الغالي الثمن على مرحلة ماقبل تجاوز مفردات الفتنة بكأن لم يكن هناك شيئ في ساحة الفتنة القديمة ؟.
وسوف لن تقبل ادراكيا وشعوريا ان تتجاوز مرحلة الفتنة الى مابعدها بدون ان تلتفت لبقايا ساحة معركة الفتنة لتصفي البقايا الباقية في هذا الطريق قبل ان تنتقل لمرحلة مابعد الفتنة !!.
بمعنى اوضح : ان سنن التاريخ ومحركات المجتمعات البشرية تحدثنا ان في كل انتقالة لأمة من واقع لواقع اخر كالذي يحصل اليوم لامتنا المسلمة في انتقالها من تنور الفتنة الى مابعده ، ستفكر قبل الوصول الى الواقع الجديد بتنظيف ساحة المعركة القديمة من كل مايمكن ان يكون عائقا للمرحلة الجديدة ، فبقايا معركة الفتنة وقادتها وجنودها ومايطلقونه من اعلام ومايطرحونه من شعارات وافكار وماينفقونه من اموال ويستوردونه من اسلحة ..... كل هذا يعتبر بقايا من مرحلة الفتنة القديمة ، ولايمكن لاي امة تحاول مغادرة واقع بهذا الثقل ان تترك كل هذا الكمّ الهائل من بقايا العصر الماضي متحركا على الساحة خلفها ، بل من طبائع سنن التغييرات الاجتماعية الكبرى ان تتوقف قليلا لازالة كل مفردات الواقع القديم الذي يعيق تهيئة الارضية للواقع الجديد !!.
وهذا بالضبط ماسوف تقوم به امتنا الاسلامية في هذه المرحلة قبل انتقالها للمرحلة الكبرى مابعد الفتنة الاسلامية التي تفجرت وخبت ولم يبقى منها الا دخان هنا وهناك ، وعلى هذا ستكون ردّة الفعل لهذه الامة التي تريد ان تتجاوز مرحلة الفتنة الداخلية داخل الاسلام لفضاء الوحدة الاسلامية الارحب متوجهة بكل قوتها اولا لادوات الفتنة القديمة والانقسام الاسلامي الكبير ( دعاة دينيون للفتنة حكومات ممولة لهذه الفتنة هيئات اعلامية تلعب على وتريات الانقسام احزاب منظمات مجتمع مدني .....الخ ) لاباعتبار ان هذه العناوين هي فقط ضد وحدة الامة الاسلامية لاغير ، بل بسبب ان سنة وقانون التحول الاجتماعية سوف تفرض على مجتمعاتنا الاندفاع بهذا الاتجاه سواء شاءت هذا الشيئ او لم تشأه وتدركه على الحقيقة ، ومن هنا فمواجهة شعوبنا الاسلامية لمخلفات الفتن الداخلية ستظهر اكثر واكثر ظواهره الحتمية من خلال اولا عزوف الجمهور الاسلامي عن خطاب الانقسام وهذا مانراه اليوم ، ثم تحولها بعد ذالك لنقد مفردات التطييف والتمذهب ثانيا ، ثم بعد ذالك تاتي مرحلة الثورة الفعلية على كل من يرفع شعار الطائفية والتمذهب والتقسيم الاسلامي ومن اي منطلق ومبرر كان !!.
وهذه المرحلة الاخيرة هي من اهم المراحل التي تصنع مخاض التحوّل الكبير في منطقتنا العربية والاسلامية والعراق بالخصوص ، باعتبار انها مرحلة توجيه الثورة الاجتماعية الحقيقية ( الغضب على الوضع القائم عربيا واسلاميا ) من ثورة تاكل بعضها لبعض في حرب الفتن الداخلية الطائفية الاسلامية ، الى ثورة تنتقل لتماسك الجبهة الداخلية الاسلامية وبناء لحمة الوحدة ومن ثمّ الوثوب على الخارج الاسلامي من انظمة سياسية عربية واسلامية تمون الارهاب الطائفي ودعاة دين ووعاظ سلاطين تكفيريين يعملون في خدمة من يدفع اكثر واعلاميات وهيئات واحزاب تقتات على اضعاف هذه الامة من الداخل !!!.
هنا في هذه المرحلة ( مرحلة المخاض ) ستكون النظم الدكتاتورية في منطقتنا العربية والاسلامية والنظم السياسية والهيئات الاعلامية والنظم المدنية والاحزاب اللااسلامية شيوعية وعلمانية قومية ....الخ هي في ساعة الاستنفار القصوى ضد صحوة الامة وانتقالها وحركتها من واقع الى اخر ، اي ان هذه السُلط السياسية والاحزاب الالحادية وغير ذالك ستوظف جميع طاقاتها الفكرية والاعلامية والسياسية والحزبية في سبيل بقاء هذا المجتمع الاسلامي في مكانه من الفتنة الذي يحاول الخروج منها بكل طريقة ممكنة ليستنقذ وجوده الجديد لتبدأ فيما بعد عملية الصراع بين هذه الهيئات والاحزاب والسياسات والُسلط التي تريد هذه الامة وبقائها في دائرة الفتنة باعتبار انها هي دائرة المعتقل التي تلهي وتغيّب الامة عن كل مطالبها الجديدة ( وحدة الاسلام وقوته ) التي سوف تسحق حتما تلك الهيئات بطريقها في التوحد والقوة والالتفاف حول الاسلام وقوته اكثر فاكثر ، وبين المجتمع الاسلامي الذي وصل الى قناعة ضرورة ان ينتقل من مرحلة الضياع والفتنة والحرب الداخلية الى مرحلة القوة والبأس والجديد الذي يخلق لها الكيان والمعلم والشوكة بين العالمين !!.
إن الصراع الذي نعيشه في اللحظة الراهنة عراقيا وعربيا واسلاميا بين قوى التطرف والتكفير والطائفية والتقسيم ونظم الاستبداد العربية مضافا لها ورديفا معها الاحزاب الالحادية الشيوعية والقومية الرجعية بمساندة الاستعمار الخارجي ، وبين مجتمعاتنا الاسلامية وماتطمح له من الالتحاق بالاسلام ( وليس العودة اليه فالاسلام في المستقبل منتظرنا وليس في الماضي يريد ان يرجعنا اليه ) هذا الصراع و صورته هو ماذكرناه من مخاض وحركة وانتقال من عمق هلوكوست الفتنة الذي نصبه لنا اعداء الاسلام الخارجيون والداخليون ، الى سلام الاسلام ووحدته وبناءه وقوته ، وعلى المؤمنين بالاسلام بالدفع بحركة المجتمع الاسلامي للوصول الى واقعه الجديد في الوحدة مع الالتفات الى ان المعركة مع قوى التخلف والفتنة لم تزل قائمة ، وعلينا جميعا الالتفات للاطاحة بالوضع الفتنوي العربي السياسي الطائفي وبجميع ادواته الرجعية الالحادية والحزبية والاستعمارية لنتمكن من الانتقال الى مابعد الفتنة وعندها ستكون خريطة الوحدة والقوة لعالمنا العراقي والعربي والاسلامي خريطة مختلفة جدا فيما بعد المستقبل القريب وبادوات واليات نستطيع ان نسميها مابعد القوة والوحدة الاسلامية ، فافهم هذا بارك الله لنا ولك وجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون احسنه !!.
_______________________________
alshakerr@yahoo.com

(( تجاذبات العلاقة السورية العراقية ؟!.)) حميد الشاكر

(( تجاذبات العلاقة السورية العراقية ؟!.)) حميد الشاكر
__________________________
يمكن تشبيه العلاقة السورية العراقية تاريخيا وحتى اليوم برأسي خط مستقيم كلما ارادا الالتقاء في نقطة واحدة وجب إما ليّ عنق الخط لنشكل دائرة بيضاوية مضغوطة وقابلة للارتداد العكسي ، وإما ان نقوم بعملية مسح لخط المستقيم تماما لتبقى لدينا فقط نقطة التقاء بلا مسافة تذكر ، أي ان نحرق المسافة الفاصلة بين الرأسين ليتحد كلا الراسين في نقطة واحدة !!!.
في عام 1979م كان مقررا ان تقوم وحدة اندماجية نهائية بين العراق وسوريا وعند نقطة الالتقاء الاخيرة التي حرقت ومسحت جميع الخط المستقيم لالتقاء النقطتين في حيز واحد وفجأة أطاح المقبور صدام حسين بأحمد حسن البكر من السلطة وليستلم هو قيادة البلاد بالقوّة ليضع مع ذالك حدّا فاصلا للعلاقة السورية العراقية ، وأن يزيد من الخط المستقيم مسافة بين سوريا والعراق لتعود الامور اسوأ مما كانت عليه قبل التفكير بالاندماج والوحدة !!.
وفي عام 2009 م قام رئيس الوزراء العراقي نوري كامل المالكي بزيارة تاريخية الى سوريا ، وليعقد من ثم صفقات سياسية وتجارية وامنية وثقافية ومائية .....الخ ، بين البلدين الى حدّ وصول هذه الاتفاقيات الى إقامت اواصر شبه اندماج استراتيجي بين العراق وسوريا وعلى جميع الاصعدة والمستويات ، وفي اليوم الثاني من عودة رئيس الوزراء العراقي من زيارته لسوريا حدثت انفجارات 19 آب في الاربعاء الاسود ، لتتلاحق على اثر هذه الانفجارات التداعيات وليلقى القبض على الشبكة البعثية الصدامية المنفذة للارهاب
ولتعترف بان المخططين والممونين هم بعثية العراق المتواجدين في سوريا وبمساعدة اجهزة امن سورية ايضا !!!.
وعلى الفور انهار كل شيئ في العلاقة السورية العراقية المُراد انشاءها بين نقطتي الخط المستقيم بين سوريا والعراق وقبل حتى ان يجفّ حبر الاتفاقيات المبرمة بين البلدين ولتعود العلاقات اسوأ من سابق عهدها في تنافر الاتجاهات واختلاف المسارات !!.
ربما انها تلك المعادلة المعقدة التي بين سوريا والعراق في نقطتي الخط المستقيم التي لاتقبل الالتقاء في نقطة واحدة الا بأن تحرق المسافة بينهما او تمسح تماما لتكونا نقطة واحدة ، ويبدو ان هذا الشيئ صعب جدا على العراق وسوريا ان يتنازل كلا البلدين عن جميع خطوط الفصل بينهما ، أو بأن تلوى عنق الخطوط ليلتقي البلدان على نقطة واحدة ولكن مع خلق ضغط القوس او الوتر المشدود بين البلدين في هذه العلاقة ما يعني توقع ارتداد في العلاقة بين البلدين بقوّة التوتير والثني الذي حصل لراسي البلدين كي يلتقيان مما يأتي دوما بارتدادة قوية جدا في العلاقة ولأدنى سبب كلما اعتقدنا ان نقطتي العراق وسوريا وصلا الى نقطة التقاء واحدة !!.
او ربما العلاقة السورية العراقية ليس بحاجة الى تشبيهها بمعادلات رياضية وقوانين فيزيائية تصور لنا الارتداد والالتقاء في العلاقة ، وانما هي الظروف السياسية الداخلية والاقليمية والعالمية لكلا البلدين تفرض هذا النوع من العلاقة الغير مستقرة على طول الخط ، مايعني ان سرّ ظاهرة الالتقاء بين العراق وسوريا التي تستهلك الجهد الدبلماسي الكبير والفترة الزمنية الطويلة في الالتقاء ، بعكس ظاهرة الارتداد والتنافر التي ليس هي بحاجة الى اكثر من تفخيخ سيارة تنفجر في بغداد او حلب ، هذه الظاهرة خاضعة في واقعيتها لتلك المعادلات السياسية العراقية السورية الداخلية والخارجية والاقليمية وغير ذالك ، وليس هناك كما ربما يتوهم البعض قوانين قدرية ورياضية هي التي تتحكم بهذه العلاقة !!.
على اي حال لابد لنا ان نسلّم جميعا ان هناك معادلة تتحكم في العلاقة السورية العراقية ، وهي معادلة معقدة ويجب البحث فيها وفي اسبابها الجوهرية والاخرى العرضية التي تتبلور في الظروف السياسية الداخلية والخارجية لكلا البلدين وايضا الاقليمية والعالمية وغير ذالك هي التي تحدد مسار سياسات العراق وسوريا ، ولماذا ودائما وحيث لانشعر تنفجر الخلافات بين البلدين في الوقت الذي فيه يكون البلدان بامس الحاجة الى هذه العلاقة !!.
نعم سوريا بحاجة فعلا الى عمقها الشرقي في العراق وهي لم تزل تخوض صراعها مع المحتل الصهيوني لارضها ، وهي ايضا بحاجة الى حلقة الوصل التي يوفرها العراق مع حليفها الاستراتيجي الايراني الذي اصبحت علاقته بسوريا ليس محل شك مطلقا ، وكذالك سوريا بحاجة الى العراق ليكون لها منفذا بحريا اخر على الخليج العربي مع منفذها الغربي على البحر الابيض ، وسوريا بحاجة الى العراق لموارده النفطية واسواقه التجارية ، وسوريا بحاجة الى العراق باعتبار ان العراق يشكل نصف وجهه خليجي والاخر عربي قومي مايعني معادلة حيوية جدا لسوريا ان تكسب العراق الى جانبها ليكون هو وليس غيره المنفذ البري الطبيعي لسوريا الى الخليج العربي ، وسوريا بحاجة الى العراق ......الخ ، كل هذا يوفره العراق لسوريا بقدر ماتوفر سوريا للعراق مثل ذالك في حاجة العراق لمنافذ بحرية غربية صاعدة حتى البحر الابيض ، وحاجة العراق لجسر الهوة بينه وبين لبنان من خلال الفضاء السوري ، وحاجة العراق للخبرات والاسواق والمياه وخطوط التجارة السورية .....الخ ، كل ذالك هو حاجات متبادلة بين العراق وسوريا ومع ذالك فإن كلا البلدين استسلمى تماما لقدر العلاقة المتنافرة اكثر من الايمان بامكانية الالتقاء بين القطبين على معادلة مغايرة لنقطتي الخط المستقيم ، مما يدفعنا وبقوّة الى اعادة السؤال اكثر من مرّة ب : لماذا قدر العلاقة السورية العراقية ان تكون بهذا الشكل من التنافر على طول الخط السائر افقيا ومهما تغيرت المسارات ؟.
هل بسبب ان قادة كلا البلدين ولطول فترات التقاطع على فترات الالتقاء اصبح هناك إدمان واستلذاذ عملية التباعد اكثر من عملية التقارب والالتقاء ؟.
أم ان هناك عوامل اقليميا وداخلية ودولية لكلا البلدين ترى في تقارب العلاقة السورية العراقية ضرب لمصالحها الانية ولهذا تعمل هذه الاصابع على تهديم اي جسور يُراد لها ان تربط بين العراق وسوريا ؟.
بمعنى آخر : هل ان العلاقة السورية العراقية اذا اُريد لها ان تبُنى بشكل مختلف وقوي ومتميز في منطقتنا هذه ، فيجب ان يكون هذا الامر على حساب مصالح دول ومنظمات وتجمعات اخرى قائمة في داخل كلا البلدين وبين اقليم كلا الوطنيين ولهذا نرى تلك الاصابع الاقليمية والداخلة والعالمية التي سوف تتضرر من قيام تلك العلاقة بين العراق وسوريا هي التي تتحرك دوما في اخر دقيقة لضرب هذه العلاقة والاتيان عليها من القواعد ؟.
أم إن تشكيلة كلا البلدين العراق وسوريا وبغض النظر عن الاصابع الخارجية والداخلية التي سوف تتضرر ان فكر البلدان باقامة علاقة استراتيجية وقوية هذه التشكيلة هي من الاساس قائمة على قواعد تتنافر او تتصارع او تتدافع ..فيها مصالح العراق وسياساته مع مصالح سوريا وسياساتها المعلنة ؟.
بمعنى آخر : هل بسبب ان كلا البلدين يشتركان بفضاء فكري وثقافي وجغرافي واحد فانهما لايتسعان الا لقيادة واحدة لاغير اما في العراق واما في سوريا ولذالك تنشأ صرعات السيطرة بين البلدين على القيادة فيهما بحيث ترى القيادة في سوريا ضرورة ان يكون العراق تابعا لمخططاتها السياسية ، كما ترى القيادة في العراق استحالة ذالك الامر فتتشكل الصراعات القيادية بين البلدين ؟.
أم ان الموضوعة ليس بهذا الصدد بالتمام وانما هناك سوء تخطيط دبلماسي وتنسيق سياسي خارجي ليس الاّ بين البلدين هو الذي يساهم دوما بابتعاد كلا البلدين عن نقاط الالتقاء والتحاور والتنسيق في المواقف السياسية والتكاملات الاقتصادية وغير ذالك ؟.
إن هناك في الحقيقة الكثير من الاسألة التي يمكن ان تثار حول العلاقة السورية العراقية ، كما ان هناك الكثير من المحاور التي بحاجة الى تسليط الاضواء على عتمتها وتجريف تربتها لنتعّرف على ماهية هذه التربة ولماذا هي ومنذ زمن طويل لاتقبل الزرع ولاتصلح لان تكون الارض الصالحة لزراعة العلاقة بين البلدين ؟، كما ان هناك شيئ يختص في الثقافة السياسية العراقية وكذا السورية وهو : نقص مكتبتنا الثقافية السياسية العراقية قبل السورية الى الطروحات التي تتناول هذه العلاقة في التاريخ وحتى اليوم مع اشكالياتها وكافة صورها وازماتها ولماذياتها ووضع الحلول والكيفيات للتغلب عليها ...الخ؟،ما جعل مفهوم العلاقة السورية العراقية من المفاهيم الثقافية السياسية القليلة التواجد في مفردات العقل السياسي العراقي التي تؤسس لافق ورؤية هذه العلاقة وكيف بدأت ولماذا دائما تنتهي بهذا الشكل التراجيدي الخطير ؟.
______________________-
alshakerr@yahoo.com