حميد الشاكر
المزاج الانتخابي العراقي القادم ليس لُغزا محيرا ، بحيث يصعب على الراصدين ،لتوجهاته من فهم خطوته القادمة نحو القوائم السياسية ، التي سوف يختارها وببرامجها المعروفة ، كممثلين له في دورة المجلس النيابي التشريعي القادم ، والحاكمين لامره لاربع سنوات قادمة في العراق الجديد !!!.
بل ان الشعب العراقي ، ومنذ مايقارب الاربعة سنوات خلت ، وهو يرنوا بنظره الى تحقيق معادلتين في المشروع السياسي العراقي الجديد باعتبارهما مقدمتين ضرورتين لحياته السياسية القادمة وهما :
الاولى : هي معادلة توحيد القرار السياسي لرمز قيادي محدد يتميز بفردية القرار مع تعددية الرؤى .
الثانية : هي معادلة قيام شوكة الدولة والشعور بهيبتها وسوطها بالواقع المعاش له !.
والحقيقة انه ليس غريبا على شعب كالشعب العراقي ان (يتطلع) من جديد ، وفي تجربته مع عراقه المختلف بعد الاطاحة بالدكتاتورية البعثية الى الشعور بحاجة وجود الدولة كقوّة قانون حازمة ومنظمة لحركة المجتمع من جهة وتطلعه لرؤية ((الرمز السياسي القيادي )) ، الذي يستطيع جمع القرار السيادي للدولة بيد واحدة منفردة من جانب اخر !.
فالعراقيون وباعتبار ان تاريخهم مع قيام الدولة يتجاوز مرحلة السبعة الاف سنة فلايمكن لهم ان يتصوروا حركة الحياة بدون وجود هذه المؤسسة السياسية العريقة الوجود في داخلهم النفسي والفكري والروحي والعاطفي وهكذا حتى في موضوعة هيبة الدولة ، وليس فقط في وجودها وقيامها ، يرى الفرد العراقي ضرورة ان يكون من هوية وجود وقيام الدولة ، ك((راعي وحامي للمجتمع والامة)) ان يكون لها هيبة ، لاتقلّ منسوبا وحضورا عن منسوب وجودها الفعلي على ارض الواقع وارض حركة حياة الناس الطبيعية كلها !!.
وهكذا يقال ايضا بالنسبة للحالة الفكرية ، والنفسية والروحية للمجتمع العراقي ، وملاصقتها التاريخية لموضوعة (( الرمز او القدوة او القيادة ...)) فهذا الاجتماع البشري ، ومنذ الازل اعتمد على فكرة ( الامامه او الزعامة او الملك او النبي او الخليفة او الطاغية .... الفرد )باعتبار انه عنوان ، لايمكن لاي وجود اجتماعي سياسي الفراغ من مضمونه لقيام المجتمع والدولة وعلى الاقل في ذاكرة وذهن الفرد والجماعة في العراق بل إن العراقيين ومن ضمن ثقافتهم السياسية الراسخة عن صورة وماهية وهوية (القائد ) ان يكون جماع الامر كله في الحياة السياسية والاقتصادية والتربوية .... راجعه اليه وحده ، بحيث ان وجد في داخل الدولة اكثر من رأس للحكم والقرار ، فان العراقيون يرون في مثل هذه الحالة انها حالة شاذة وليس لها من ثقافة واصالة الدولة وقيامها وهيبتها اي رصيد فعلي ومثل هذه الرؤى العراقية كما يدرك الجميع ترتد بجذورها الثقافية الى الاف السنين من الممارسة لنوع معين من الحكم تشرّبت متجذرة في ثقافة هذه الامة التي هي بطبيعتها مختلفة عن امم اليونان والرومان التي كان فيها تعدد مصادر القرار داخل الدولة يشكل حالة طبيعية ، لبناء الدولة بينما ، وفي بلد كالعراق او مصر ،او بلاد فارس الشرقية القديمة نجد ان تفرد رأس هرم السلطة والدولة بالقرار والحكم من اهم مميزات ثقافة وهوية الدولة داخل هذه الاقطار والاقاليم الاجتماعية الحضارية القديمة ،بل ومن اساسيات شرعية قيام الدول وهيبتها ان يكون قرارها بيد حاكم واحد منه تصدر الامور واليه ترجع !!.
وعلى هذا الاساس يكون بعدي ((الدولة والحاكم )) في ثقافة الاجتماع العراقي من اهم الابعاد التي يرى فيها الفرد العراقي قبل جماعته استحالة حركة حياته الطبيعية بدونها ، او استحالة قيام الحياة بكل مفاصلها بدون وجود دولة مؤسسة لها هيبتها وقوة بطشها من جانب ، ووجود حاكم رمز منفرد ، تجتمع فيه القيادة ويكون هو وحده مصدر الحكم والقرار في النتيجة النهائيةعلى سبيل الطغيان والتفرد اوعلى سبيل الشورى وتعدد الاراء التي تشكل الخلفية الغير ظاهرة لقرار الحاكم النهائي من جانب اخر !!.
ولعل الكثير ممن رصدوا حركة وميول وتوجهات الاجتماع العراقي خلال الاربع السنوات الفائتة لاحظوا ان هناك ميل قوي جدا داخل الفرد والجماعة العراقية السياسية الى بعض القوائم السياسية العراقية التي استطاعت وبذكاء كبير ان تعزف على الاوتار الخفية والنفسية والفكرية والتاريخية ، والسياسية الداخلية لهذا المجتمع في موضوعي (الدولة والحاكم)لاسيما في وقت الفوضى العارمة التي عصفت بالشعب العراقي بعد الاطاحة بالدكتاتورية الصدامية المقبورة وتفهم تلك القوائم للحاجات النفسية والفكرية الملحة للمجتمع العراقي سياسيا وطرحها فيما بعد مشروعي (( الدولة والقانون )) باعتبارهما شعار المرحلة السياسية القائمة !!.
وبالفعل استطاعت هذه القوائم السياسية ، وبفترة قصيرة جدا ، ان تحصد ثمار الفكرة بشكل اذهل الجميع من باقي الاطراف السياسية الاخرى ، التي طرحت مشاريعا سياسية غير مدروسة بعمق نفسي وتاريخي لهذا الشعب ، ولا اخذة بنظر الاعتبارالرؤية التاريخية والثقافية والنفسية للشعب العراقي وتعلقه في الحياة السياسية ببعض المفردات عن غيرها امثال مفردتي ( الدولة والقانون ) ، وبهذا استطاعت بعض الحركات السياسية العراقية ان تحصد ثمار الذكاء بطرح الشعار السياسي المناسب امام الشعب العراقي المتطلع في ظرفه الحرج لعودة الدولة بقوّة ، وعودة الحاكم ايضا بقوّة من جانب اخر !!.
إن ما يغيب اليوم عن اذهان بعض التكتلات السياسية العراقية في برامجها من جهة ، وفي ممارستها من جانب اخر ،انها ولهذا اليوم تطرح مشاريعها السياسية وهي بعيدة عن دراسة انعكاس هذه المشاريع والممارسات على الداخل النفسي للفرد والجماعة في العراق ولهذا تأتي جلّ برامجهم السياسية ظعيفة الانعكاس على الشارع ومن ثم الناخب العراقي وهذابعكس المشاريع التي ادركت مبكرا لسرّ التوجهات الروحية والفكريةوالنفسية للمجتمع العراقي وبدأت تلعب على هذه الاوتارالحساسة في شعاراتها السياسية وبرامجها الانتخابيةلجذب اكبر قدرممكن من توجهات الناخب العراقي ، لاسيما منها وتر الدولة وقيامها وهيبتها وسطوتها وقدرتها ... من جانب ، والوتر الاخر والاهم والذي لم يزل هو العامل الاساس في اضعاف الكثير من الائتلافات والتوجهات والقوائم العراقية السياسية .. على ميول الناخب العراقي الا وهو وتر (( الحاكم ))!!.
نعم فان ائتلافات سياسية عراقية وطنية قوية في كل شئ اعني قوية بشخصياتها السياسيةوقوية بكوادرها الحزبية وكذا الاعلامية والاقتصادية ......، ولكنها مع ذالك تصاب بنكسة قوية امام صندوق الاقتراع او جذب ميل الناخب العراقي الى صفها بقوّة كالتي تصادفه بعض القوائم الهزيلة في كل شئ الا بشئ شعار ( الدولة والحاكم ) ، وهذا يرجع الى سرّ ليس بمعقد جدا بقدر ماهو سرّ في الممارسة لهذه القائمة او تلك من القوائم المؤثرة على الناخب العراقي الجديد !!.
والحقيقة ان الناخب العراقي يرقب الساحة السياسية بشعاراتها وممارساتها بشكل جيد ، وهو يحمل بداخله ثقافة الدولة والحاكم وضرورة صناعة النموذج التاريخي من جديد ،لتستقر حياته ويستأنف نشاطه الطبيعي في الحياة بقوّة وبينما تنزل بعض القوائم او الائتلافات العراقية بشعار الدولة ، تمارس من الجانب الاخر ثقافة (( الحاكم )) الذي يقود ائتلافه بمفرده ومن خلال سطوته التي تدفعه الى المقدمةكرأس واحدة لاغير هي صاحبة القرار والنفوذ والسلطة والمشروع والحكم !!.
بينما في الائتلافات والقوائم السياسية القوية العراقية الوطنية الاخرى ، ومع انها تطرح شعار الدولة ايضا ، الا ان ممارستها الفعلية تقوم على اكثر من قيادة واكثر من حاكم واكثر من رأس وتوجه مما يضعف الائتلاف بصورة مباشرة داخل الميول العراقية الشعبية الانتخابية ، ويدفع الناخب العراقي للنظر الى هذه الائتلافات على اساس انها تفتقر الى اهم عنصر من عناصر قيام الدولة والحكم الحق الا وهو الحاكم الفرد !!.
نعم في ائتلاف تكون قيادته واحدة وبارزة وفارضة سطوتها السياسية والسياديةليس هي بالحتم لها نفس الانعكاس الشعبي العراقي لائتلافات لها اكثر من راس واكثر من قيادة واكثر من قرار ، او ان ليس لها لهذه اللحظة قيادة حاكم اوحد بامكانه ان يقود المسيرة السياسية باتجاه الميول العراقية ليكسبها الى صفه في معركة انتخاب الدولة والحاكم في اجندة الفرد العراقي الانتخابية القادمة !!.
بمعنى اخر ،ان سرّ قوة بعض التكتلات السياسية العراقية ، وتأثيرها على الناخب العراقي ، لكسب تأييده المطلق لمشاريعها السياسية ، هو لا يكمن في قوّة هذه التكتلات السياسية الحقيقية ، بقدر كمونها داخل العراقيين انفسهم وما يتطلعون اليه من صناعة عراق جديد يحكمه حاكم واحد وقرار واحد وراس واحدة ، في دولة قوية صاحبت هيبة وبطش وهيلمان ، وهذا هو بالفعل نفسه ، ضعف باقي مشاريع وبرامج القوى ، والائتلافات العراقية الاخرى التي تفتقد للقيادة الموحده والحاكم الواحد والراس المتفردة في القراروالحكم وليس بالضرورة على اساس صيغته الدكتاتورية الطاغوتية ، بل يكفي ان يكون القرار الاخير لحاكم واحد يتمكن من الحكم فعلا للدولة ، وليس مجرد ديكور لدولة بلا حاكم ، وعلى من يريد ان يجتذب ميول الفرد والجماعة العراقية له ولمشروعه السياسي الجديد ان يطرح (( قيام دولة قوية ، ووجود حاكم يمتلك القرار الاخير في دفع عجلة الدولة ،للحركة والحياة )) ، اما من يطرح دولة بعدة رؤوس ،او ائتلافات ليس لها لهذه اللحظة رأس يعرف امام العراقيين ، باعتباره هو الحاكم القادم بلا منازع ، او رأس لدولة ضعيفة فانه حتما سيفشل في انتخاب العراقيين له لانه طرح نموذجا سياسيا غريبا على مزاج وثقافة ومعرفة وروح العراقيين للدولة والحكم في هذا البلد الذي يفهم الدولة بحاكم واحد ويفهم الحكم بدولة قادرة على حماية ابنائها بالقوّة مرة وبالتدبير مرة اخرة !!.