( بقلم : حميد الشاكر )
هذه الكلمة اشهر من نار على علم ، وهي لعلي بن ابي طالب سيد العلماء ومفكر المفكرين عليه السلام ، ويبدوا ان قدر هذا الرجل انه يبقى حيا الى ان يرث الله الارض ومن عليها !. طبعا حيّا بفكره وعلمه وروحه ..... وامتداداته الاخرى التي تفرض على الحياة ان تتكيف مع وجود علي ع ، وليس ان يتكيّف علي ع مع الحياة !.
انها حقا معادلة صعبة ، فبينما العالم الانساني كله يجب ان يتكيّف مع الحياة ومتطلباتها ، نجد ان الاستثناء في هذه القاعدة علي بن ابي طالب والقليل من البشر كالانبياء والرسل وباقي الربانيين في هذه الدنيا ، فان الحياة هي التي تتكيف مع افكارهم وطروحاتهم العابرة للازمان وللاماكن وللانسان ، وذالك من منطلق ان هذه الثلة من البشر هي الضوابط لحركة الحياة وليس العكس صحيحا ، فكلما استمرت حركة الحياة قدما ، وذهبت بالتفاعل مع المتطلبات الاجتماعية ظهرت بوادر الانحراف هنا او الانعطافة هناك في الحركة ، عندها يرجع الى البوصلة لارجاع عجلة المسيرة في الحياة الى سكتها القويمة وهكذا تستمر الحياة بالمسير بين الفينة والاخرى بفضل تلك البوصلة التي تقوّم من المسيرة كلما انحرفت عن جادة الاستقامة والاستمرار !.
نعم علي بن ابي طالب عليه السلام بوصلة الحياة الفكرية والعلمية والنفسية والروحية ، ومن اجل هذا استحق علي ع وامثاله القليل ، ان تتكيف الحياة معهم بدلا من ان يتكيّفوا هم مع الحياة !.
يقول علي ع في رؤيته الاجتماعية الفكرية هنا :(( الناس اعداء ماجهلوا !.))
انها حقا كلمة ومع ان العالم كله يتداول بها ولربما يوميا من الكلمات التي تختزل بداخلها اكثر من معنى غامض وغريب وجديد ، يستحق - هذا الغامض والجديد والغريب - ان نتوقف عنده ، ونتأمله ونقلبه ونسير معه اينما سار بنا هو، وليس مانسير به نحن لنرى : لماذا يكون الناس اعداء ماجهلوا ؟.
او كيف يكون الناس اعداء ماجهلوا ؟.
وهل يجهل الناس الا كل مالايستحق الجهل منهم ؟.
أم ربما يجهل الناس ما يجب ان يجهله كل الناس ؟.
لماذا وكيف يكون الناس اعداء ماجهلوا ؟.
وهل المعنى ان الناس تعادي ما تجهله في هذه الحياة ؟.
أم ان الجهل هو سبب العداء بين الناس انفسهم ، ولذالك الناس متعادين مازالوا جاهلين ومتحابين مازالو عالمين او متعلمين ، لهذا كان ولم يزل الناس اعداء ... بينهم ... ما جهلوا ، ومابقوا جاهلين ؟.
ان هذه الكلمة او الجوهرة من كلام علي بن ابي طالب ربيب الرسالة والنبوة المحمدية عليهم السلام جميعا تشبه كثيرا النخلة العراقية الجميلة التي تمتلك اكثر من وجه ، ومن اي مكان نظرت لها من الزواية المختلفة فانك سترى وجهها الجميل وبدون تغير في المنظر ، مضافا لذالك فان من منافع النخلة الثمرة الطيبة والظلال الباردة وكذا الوقود لبرد الشتاء القارص ، فكل النخلة جميلة ، كما ان كل الحروف في كلام علي بن ابي طالب جميلة ايضا !.
نعم :(( الناس اعداء ماجهلوا ))!.
علي عليه السلام يقرر حقيقة اجتماعية انسانية غاية في الاهمية تقول : ان العدو الحقيقي للانسان والانسانية هو (( الجهل )) باعتباره العقبة الكبيرة امام الزاحف الانساني للمستقبل وللحياة ، والناس بطبيعتهم يرتعبون ويخشون ويرهبون مما لايدركون ابعاده التامة في هذه الحياة الدنيا المليئة بالمخاطر !.
الناس اعداء الحياة ان جهلوا فلسفتها !.
الناس اعداء الحب ان لم يدكوا معناه !.
الناس اعداء العمران ان جهلوا غايته !.
الناس اعداء العلم ان جهلوا اهميته !.
الناس اعداء الثقافة ان لم يدركوا ثمرتها !.
الناس اعداء الناس ان لم يتعارفوا على بعضهم البعض !.
الناس اعداء النظام ان لم يفهموا اهميته !.
الناس اعداء علي بن ابي طالب ان جهلوا مكانته !.
الانسان عدو نفسه ان جهل نفسه !............... الخ .
صحيح : حقا ان من عرف نفسه فقد عرف ربه ، ومن جهل نفسه كان اعدى اعداءه نفسه التي بين جنبيه وعدوا المرء نفسه التي بين جنبيه !.
ان المعرفة كما يراها علي ع هي (( الصديق )) الحقيقي لحركة الانسان والمجتمع في هذه الحياة ، وكما ان الناس اعداء ماجهلوا ، فكذا الناس اصدقاء ماعرفوا ، والمعرفة بهذا المعنى هي الاطمئنان وهي السكينة وهي الطريق المعبدة لعدم خشية الناس وخوفهم وعدائهم للمجهول ، فكلما فهم الناس وادركوا وتوضحت امامهم الطريق كلما ساروا بطمأنينة الى الامام وبلا خوف من عدوا مضمر او ظاهر للعيان !.
ان المشكلة الحقيقية لعدم اقدام الناس في الحياة انهم يخشون ماجهلوا ، ويخافون من السير في الطريق التي لايدركون الى اين هي توصل ، كما ان صاحب التجارة لايضع رأس ماله الثمين في صفقة لايدرك كل ابعادها الحقيقية او هو يجهل كل تفاصيلها الواقعية ، فالناس اعداء ماجهلوا !.
الا ان نفس هؤلاء الناس ان تمكنوا من معرفة قوانين لعبة الحياة ، وفهموا معاني الارشادات والاوامر في الدولة والمجتمع والى اين بامكانها ان تصل بالناس فانهم اول من سوف يكون صديقا لهذه المسيرة ومدافعا عن السير فيها والى الامام !.
كذا الحال عندما يعادي الناس الفلسفة فانهم يمقتون الدعاة اليها ، بسبب جهلهم لااكثر ولا اقل لمفاهيم الفلسفة !.
والحال منطبقة ايضا على اعداء الاسلام والشريعة لالسبب الا لكونهم لم يدركو هذا الدين الرباني العظيم ومايختزله من احكام وشرائع وتنظيمات واوامر ونواهي وفلسفات وتكافل اجتماعي وحب انساني منقطع النظير ، لكنهم اعداء ماجهلوا وليس اعداء للاسلام كيفما فهمه علي بن ابي طالب ع نفسه وصادقه وانفتح من خلال معرفته به وعلمه باصوله وفروعه !.
(( الناس اعداء ماجهلوا ))
بكل تأكيد ان الجهل سبب اصيل في تفكك المجتمع وذوبان لحمة الحب والتآخي فيما بينه وبين البعض الاخر !.
الناس عندما يرتقي مستواها الثقافي الى مرحلة الفهم والادراك والوعي للاشياء العالمية سينعكس بكل قوة على ادراكها لبعضها والبعض الاخر ، وانفتاحها بكل اريحية بين افرادها الاجتماعيين لتكون فسحة المعرفة والادراك اكبر فيما بين افراد هؤلاء المجتمع العارفين بكل منهم مع الاخر !.
اعرف الدين فلا اجهل حقوق الفقراء والمساكين في المجتمع الذي انتمي اليه ، والرحمة فيما بين الفرد والاخر في هذا المجتمع !.
اعرف القانون فلا اعتدي على حرية جاري الشخصية وانتهك حرمة اسرته بكل وقاحة !.
اعرف الحقوق فلا اجهل على من يختار نمط حياة معين يريد ان يعيش في داخل اطاره وبكل حرية !.
اعرف الاداب فاراعي التقاليد واحيي سير المجتمع وارتضي العيش في داخل كيانه !.
اعرف الشر فلا امارس الرذيلة وانحطاط الاعمال وتهديم اقتصاد الامة !.
كل هذا عندما اكون عارفا ، أما عندما اكون جاهلا فالناس اعداء .... ماجهلوا !.
اعادي جاري لعدم معرفتي بحقوقه !.
اعادي امتي وادمر اقتصاده لعدم معرفتي بواجبي داخل هذه الامة !.
اعادي الفن لعدم ادراكي بقيمته !.
اعادي الكون والانسان والمجتمع ونفسي لعدم معرفتي باي شيئ منها !.
الناس اعداء فيما بينهم والبين الاخر بسبب جهلهم ، فالناس اعداء ماجهلوا ؟.
حقا انها كلمة اشبه بالجوهرة الثمينة التي ينبغي بين الفينة والاخرى اخراجها من الخزانة وتنظيفها والنظر الى محاسنها قبل ارجاعها الى الدرج مجددا :(( الناس اعداء ماجهلوا )) فالنجعل المعرفة الطريق الى صداقة الانسان مع الكون والحياة والانسان والطبيعة والحيوان والجماد والنفس والروح وباقي الاشياء الوجودية !.
________________________________16/02/2008م