لم يختلف الفكرالانساني في شئ من الاشياء كأختلافه حول الدين ومشروعه في هذه الحياة الانسانية الممتدة تأريخيا منذ وجود الانسان المفكر على هذه الارض وحتى يومنا القائم !!.
ولعل هناك الكثيرمن العوامل الايدلوجية ، والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والنفسية ....الخ هي التي ساهمت في القديم والحديث في تنويع رؤية الافراد والجماعات نحو الدين ومشروعه ،ولذالك وجدنا الرؤية نحو هذا الشئ المسمى ( دينا )مختلفة بصورة حادة ، وربما متناقضة وفي القليل من الاحيان منسجمة وطبيعية ،في رؤيتها البشرية النسبية نحو الدين ونحو مشروعه وهي تبحث في المعاني الاتية :
ماهو الدين ؟.
وماهي منابعه الواقعية ؟.
وهل هو مشروع توبيا خرافية لااكثر ولا اقلّ ؟.
أم انه مشروع واقعية وانسانية واجتماعية لاصلاح الحياة ؟.
هل الدين صناعة راسمالية صرفة ابتكرهااصحاب النفوذ والسلطة للهيمنة على المجتمع وبقاء تركيبته الطبقية على ماهي عليه كما يذهب له كارل مردوخ ماركس في شيوعيته الالحادية الراديكالية ؟.
أم انه ابتكارطبقات مسحوقة وجماهير مُدّمرة بالاساس ،كمادة تعويض فكرية لظاهرة الحرمان التي تعيشها البشرية في الماضي وحتى الحاضر كما يذهب اليه الفيلسوف الالماني نيتشة ؟.
أوإن الامر لاهذا ولاذاك وانماالدين ظاهرة لاهوتية ووحي منزل مما وراء المحسوس ولها صلة بالعقيدة التي تنظّر لعالم مختلف في اهدافه وغاياته عن عالم الماديين والملحدين والراسماليين والمعقدين وغير ذالك ؟؟.
هل المشروع الديني ظاهرة بالنقيض لظاهر الاستبداد والاستغلال والدكتاتورية والتفرعن والطغيان في تاريخها الطويل ؟.
أم انها ظاهرة هي من خلق الاستبداد والدكتاتورية والتفرعن والطغيان في هذه الدنيا ؟.
ماهو مشروع الدين الحق في هذا العالم بالنسبة الى الانسان ؟؟.
وهل هو اختطاف الانسان من الواقع ورميه في أتون الغيب والغيبوية عن الناس والمجتمع والعالم ؟.
أم انه مشروع لاستعباد الانسان لطاقة غير مرئية فحسب ، لصناعة مخلوق يؤمن بالاستذلال والاستعباد لجميع الكوائن الخارقة ومن ثم المستبدة والمهيمنة الطاغوتية على هذه الارض ؟.
أوإن الامر ليس كذالك مطلقا في كلا المتناقضين من الاسئلة ، وانما الدين مشروع اصيل لتحريرالانسان في هذا العالم لصناعة انسان حرّ ومختار وقادر وفاعل وممتلك لدماغه وقراره وصياغة رؤيته بنفسه بقوة واقتدار فحسب ؟؟.
واذا مافرضنا الدين هذا او ذاك ،فكيف لنا فهم الحقيقة الدينية التي تتمكن من تحرير الانسان وليس تدجينه واخضاعه للطاغوت والاستبداد والاستغلال ... ؟؟.
وهل الماهية الدينية التي تتحدث عن تحريرالانسان ، وليس استعباده لاغير ، هي ماهية موجودة بكل مايطلق عليه دين في هذه الحياة الاجتماعية الانسانية العالمية وبمختلف اديان البشرية المتناقضة وربما الخرافية كذالك ؟.
أم ان الحقيقة الدينية ، وحسب ماتطرحه الرؤية الاسلامية ،عنوان مختصر فقط على خاتم الاديان على الحقيقة الا وهو الاسلام باعتبار انه الدين الرسمي اللاهوتي ( المعترف به غيبيا )انه الدين الحق لقوله سبحانه : (( إن الدين عند الله الاسلام / 19 / ال عمران / )) ومن هنا لايمكننا اطلاق الصفة الدينية على اي فكرة غير الاسلام ليتحمل تبعات الرؤية الدينية امام البشر ؟؟.
ثم اذا كان الاسلام كدين صاحب مشروع تحريرالانسان من هيمنة الطاغوت في هذه الارض ، فماهو الطاغوت الذي كافحه الدين اولا وما هي الكيفية الفكرية والعملية التي رأى فيها الاسلام انها الطريقة المثلى لتحرير هذا الكائن من الاستعباد ثانيا ؟.
وهل تحرير الانسان حسب الرؤية الاسلامية تبدأ من رفع جميع الضوابط القانونية والاخلاقية والاقتصادية والسياسية التي تقف عائقا امام انفلات الحرية البشرية الفكرية والسلوكية وانغماسها بكامل سعة الفضاء المفتوح امامها لتلعب كيفما اشتهت ؟.
أم ان مشروع التحرّرالاسلامي للانسان مشروع واقعي ومختلف ومدروس ومنظم ...... بحيث يبدأ بتحريرالانسان من الداخل ثم لينتقل الى الخارج ليقلّم اظافر العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تفرض على الانسان الهيمنة والاستنزاف لطاقته وتكبيل حريته الحقيقية من التعبير عن ذاتها بشكل تلقائي وبلا قيود مرئية وغير مرئية ؟.....الخ .
إن اهمية البحث حول المشروع الديني وماهيته وجميع متعلقاته الفكرية وغير الفكرية ،تكمن في كون الدين كائن ملتصق بحياة الانسانية بشكل عميق جدا ولايمكن لنا ولالغيرنا عندما نريد تناول البحث في الانسان ان نهمل اهم العوامل الداخلة على حياته الا وهو الدين ليس باعتباره فقط المقدس في حياة الانسان وشؤونه القانونية والاجتماعية ... بل وباعتباره الاكبر الا وهو: (إن الدين هو الموّجه الحقيقي لحياة البشرية بصورة شعبية عامة منذ خلقت ،وحتى اليوم شئنا ذالك ام ابينا وكفرنا بهذه الحقيقة أم آمنا بها ) !!.
وعلى هذا الاساس لايتسنى لفيلسوف ولا لمفكر ولا لصاحب العلم الاقتصادي ،ولا لحامل القلم الاجتماعي او الطبيب النفسي أو صاحب السلطة والسياسي ، او ..الخ ، ان يمرّ على مبحث فهم الانسان وحركته ومسيرته بدون الالتفات للعامل القداسي الديني في داخل حياة هذه الامة او ذالك الفرد القابع او المتحرك في حيز الحياة ، فالمفتاح يبدو انه دائما يبدأ من (الدين) وينتهي عنده لنفهم الانسان ومسيرته وهدفه وغاية وجوده في هذه الحياة بصورة اعمق واوسع واشمل واكثر وضوحا !!.
لا وبل يمكننا الجزم قائلين : انه لايمكننا ايضا فهم دورة التاريخ البشرية سلبا أوايجابا ولماذا هي هنا مترديةوهي هناك صاعدة ومتطورة ؟ اذا لم نرجع بالتحليل النهائي الى رؤية هذه الامة او تلك الدينية وماتحمل هذه الرؤية من افكارومشاريع قداسية مرّة تصلح لان تكون مطوّرة للحياة الاجتماعية وأخرى تكون مدمرّة ومعيقة لهذا التطور والنهوض ، كالذي حصل (مثلا) مع الديانة والكهنوت الكنسي الاوربي ( نسميها دين باعتبارها مقدس لدى المؤمنين بها ولكن حسب الرؤية الاسلامية لادين سوى الاسلام عند الله ) الذي كان عاملا مقيدا لتطور تلك الامم العلمي والفكري والمادي... ولم تستطع هذه الشعوب الانعتاق من ربقة التخلف والاستبداد الا عندما تخلصت من اغلال المشروع الكنسي اللاهوتي الذي كان يجثم على صدرهذه الشعوب والامم الاوربية لقريب من العصروهذا طبعا ليس بسبب غامض غير سبب :ان المشروع الديني الكهنوتي الكنسي وباعتبارانه مقدس وصاحب مشروع ميّت ولايهب الحياةالانسانيةاي اليات لتطويرالواقع والدفع به نحو الانفتاح على العلم وسنن الحياةجعل من هذا الدين ومشروعه في العالم متحولا الى صخرة عمياء في طريق تطور هذه الامم ولم تستطع ان تنهض هذه الامم الا بعد ان اتخذت القرار الصائب في الثورة على الاغلال الدينية الكنسية الكهنوتية ، وتنحيته تماماعن الحياة باعتبار انه مشروع لايصلح مطلقا للتدخل في حياة الانسان فضلا عن تطويرها او تقديم الحرية لها ولكن ومع ذالك لايخفى اليوم عودة الروح الدينية لهذا العالم الذي يدرك انه امام اغلال قداسية باسم الدين من جانب ،ولكن من الجانب الاخر يدرك ايضا انه لايمكن للحياة الاستمرار بلا دين يهب الحياة المعنى والاكثر من الغايات المادية في هذا العمران العالمي !!.
وهذه الحقيقة مختلفة تماما عن حقيقة الدين ومشروعه في الرؤية الاسلامية الذي جاء لا ليعيق تطورالحياة ولاليساند الاستبداد والدكتاتورية ولا ليفرض القيود والاغلال على الفكر والحركة والبناء الانسانية بل وكما قال الاسلام نفسه عن مشروعه الديني انه جاء ل((يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطيّبات ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم .../ 157/ الاعراف ))
أي وبمعنى اكثر وضوحا : إن الدين الحق الذي يُنزله الله ليقوم الناسُ بالقسط وليقود حياتهم وينظمها بشكل يؤّمن لها الحرية الحقيقية ، ويزيل عن طريقها كل أغلال الطاغوت والاستغلال لايمكن ان يكون هو نفسه سببا في استغلالهم وتسليط الطواغيت عليهم ، او إعاقة تطورهم واعمارهم وبنائهم لهذه الحياة !!!.
نعم صحيح من الجانب الاخر للرؤية الاسلامية حول (الدين ومشروعه) تقرّ الاطروحة الاسلامية بأن هناك ماكنة وعملية صراع ازلية بين الطاغوت والاستبداد والتفرعن والدكتاتورية من جهة ، وبين الدين ومشروعه التحرري من جانب آخر كما ان الرؤية الاسلامية تجزم بأنه ليس هناك قوّة على هذه الارض بامكانها ان تنتصر على الدين ومشروعه التحرري القويم :(( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ، إنهم لهم المنصورون ، وإن جندنا لهم الغالبون )) إلاّ في حالة واحدة لاغير ،وهي اذا استطاعت قوى الطاغوت والاستبداد والتفرعن ان تناورفي عملية الصراع تلك لتتحايل على الدين ومشروعه وبدلا من المواجهة مع الدين وضد مشروعه بصورة مباشرة تنتهج استراتيجية الصراع معه من خلال الالتفاف عليه وتبني قداسته زيفا واستبداداوعلوا في الارض ليصبح الدين ومشروعه ،اذا قبل التحريف والتزييف عندئذ ، بدلا من كونه محررا للعبيد من البشر مساهما ( مع الاسف ) بهذا الاستعباد والاستغلال والتفرعن .... ، وليتحول فيما بعد الى مادة اعاقة لنهضة البشرية ورقيها المنشود ، وهذا هو واقع الاديان المزيفة او المحرّفة التي تحولت من كونها اليات تحرر وانعتاق من ذلّ الطاغوت والدكتاتورية ،الى كونها اديان ( مدّجنة ) لهذا الطاغوت وقابعة تحت عباءته ومعلنة الولاء والخدمة له باسم المقدس في حياة البشر !!.
أما الدين الذي خرج للوجود الانساني بهيئة محصنة من اختراق الطاغوت، والاستغلال والاستبداد له ، كالذي هو واقعا موجودا بالنسبة للاسلام المحمدي الاصيل ، والذي نزل معتمدا على قادة معصومين عن الزلل ( حسب الرؤية الامامية الاسلامية الشيعية التي تذهب الى : ان كفتي ميزان الاسلام هما القرآن واهل البيت ع المعصومين ) فإن مثل هذا الدين لايمكن لاي طاغوت في هذا العالم ان يخترق بنيانه التحرري البشري المتين ، اذا اعتصم المؤمنون بالاسلام ومبادئه القويمة بالقرآن والعترة الطاهرة الذي اوصى بهما رسول الاسلام العظيم محمد ص من بعده ، واعتبرهما ضمان بقاء الاسلام نقيا من التدليس والتحريف وابتعدوا عن كل فكرة استطاعت ان تجيّر الدين للطاغوت والسلطان ، بدلا من ان يكون السلطان والطاغوت تحت حوافر الدين ومشروعه!!.
والحقيقة ان اشكالية الدين القويم ومشروعه التحرري من جهة ، مع الطاغوت والتفرعن ومشروعه الاستغلالي من جانب اخر في التاريخ البشري القديم وحتى عصرنا القائم ملخصةً في فكرة بسيطة وواضحة جدا مفادها :(ان الطاغوت كان ولم يزل ينظر الى الدين ومشروعه على اساس انه الندّ الحقيقي والعائق الكبير جدا امام مشروعه التسلطي على البشرية جمعاء ، وادارة هذه البشرية سياسيا كيفما ترتأيه مصالح الطاغوت والهيمنة ايدلوجيا واقتصاديا واجتماعيا ونفسيا ايضا !!!.).
اي وبمعنى اخر اكثر صراحة : ان الصراع الازلي القائم بين الطاغوت والاستبداد والانحلال والتفرعن ( حسب ماتطرحه الرؤية الاسلامية القرآنية ) وبين الدين والرسل ومشروع التحرر الالهي للبشرية مازال ولم يزل على قيادة هذه البشرية وكيفية ادارتها حسب مشروع مدروس ومقنن بقوانين عقدية وسياسية واقتصادية واجتماعية !!.
وبينما ينظر المشروع الديني للانسان انه كائن مخلوق لغاية وهدف اسمى من وجوده الآني الدنيوي القصير ولهذا جاء التنظير الديني وكل مشروعه الفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي مرتبطابهذه الغايات ينظرالمشروع الطاغوتي ان الانسان كائن متحرك داخل شركة او معمل او مملكة لاغيرمنقطعا تماماعن غايات لاتتصل بغايات خدمة الطاغوت والاستبداد والتفرعن وعليه ان يساهم بخدمة هذه المملكة او الانتاج في ذالك المعمل ، او بذل الجهد لتضخيم هذه الشركة لصاحب راس المال والسلطة شاء ذالك ام ابى وعند هذا المفصل يتضارب كلاالمشروعين الديني والطاغوتي على(الفوز) بالانسان فكرا وسلوكا وعلى جميع الصعد والمستويات لاسيما منها المستويات التالية كساحات للصراع بين المشروع الديني والاخر الطاغوتي وهن :
اولا : المستوي الفكرية العقدي
ففي هذه الساحة الانسانية الذهنية المفتوحة تكون حلبة الصراع على اشدّها بين المشروع الديني الذي يحاول زرع فكرة الغائية في الفكر والعقيدة الانسانية لوجود هذا الانسان وربطها تلقائيا بفكرة (الله) سبحانه وتعالى الذي لم يخلق هذا العالم عبثا وانما خلقه لحكمة ومن ثم توحيده سبحانه الذي يوجب على الانسان ان ينظر لمشروعه الخلقي على اساس انه مشروع ممتد من دنيا الى اخرة او من عيش في حياة ماديةالى عيش وانتقال لحياة معنوية ليس لها انقطاع زمني ابدامما يفرض على الانسان الايمان ومن ثم الارتباط والانتماء لاطروحة (ترسم له الطريق) وتضع له القوانين وتبني اليه السلوك والاخلاق التي ينبغي ان يسلكها للوصول الى تلك الغاية العظمى من وجوده كانسان خلق لهدف وغاية وحكمة !!.
بينما وفي النقيض من ذالك يرى الطاغوت والاستبداد والاستغلال في هذه الارض ان انتماء فكر الانسان وانخراطه بمشروع هو بعيدا عن مشروع الطاغوت ورؤيته لادارة الحياة الانسانية بالشكل ، الذي يضمن القدرة والقوةّ والاستمرارية لسلطة وملك هذا الطاغوت او ذاك ..يرى في مثل ذاك الايمان اللاهوتي لاي انسان وفي ذالك المشروع الديني الذي يؤسس لاخلاقية العمل الصالح والابتعاد عن الاعمال المختصرة غاياتها على الشؤون المادية الدنيوية فحسب ...كل ذالك يراه اي طاغوت انه الصخرة الحقيقية التي تقف امام اي مشروع يحاول :( اختطاف الانسان ) ودماغه ، واللعب بفكره ليقطعه نهائيا عن العوامل الاخلاقية والسلوكية الايمانية في حياته التي ترتبط بمصدر الامر غير مصادر الاوامر الاستبدادية والاستغلالية والطاغوتية على هذه الارض !!.
وبالفعل في مرحلة من مراحل الصراع ، بين المشروع الديني والمشروع الطاغوتي حاول الطاغوت السفسطة والتشكيك بالفكرة العقدية اللاهوتية الدينية ، لاسقاط مفاعيلها ومؤثراتها القداسية عن طريقه، وبعد صراع مرير عاد الطاغوت ليناور في معاركه المستمرة مع الدين ومشروعه ولكن ليس بصورة مباشرة ،ليدخل الطاغوت نفسه لداخل الدين ويتبنى مشروعه زورا وليمارس الفرعنه والتألة واستعباد البشر للطاغوت باسم الدين نفسه عدوه الازلي (( ظاهرة الشرك بالله سبحانه كمنتج طاغوتي صنمي وثني من اختراع فراعنة وطواغيت العصور القديمة باعتبار ان الفراعنة ابناء لله او هم الوسيلة اليه)) وهذا كان تاريخيا طرح الطاغوت في فترة من فترات صراعه مع الدين لتفريغ الدين وفكره ومحتواه من مشروعه الاصيل في مناهضة الاستبداد واعلان الثورة على طاعتهم المستبدة ، ومقاومة الطاغوت وتحرير الانسان من هيمنة الاستعباد لسلطة المستكبرين والمستبدين في هذا العالم من راسماليين وماديين ودكتاتوريين !!.
وكذالك في العصر الحديث ، ولادراك قوى التغوّل الاستبدادية ، ان الدين ومشروعه هو اكبر عائق امام اختطافهم للانسان ورسم معالمه كيفما ترتأى ماكنة الطاغوت العالميةحاولت قوى الاستغلال البشرية ان تطرح فكرا مناقضا لفكر الانتماء والايمان الديني للانسان لتفريغ ذاكرته من فكرةالغاية والهدف وضرورة الالتزام من قبل ذهنه العقدي وسحبه لفكرة اللامنتمي فطرحت الليبرالية الغربية الراسمالية الحديثة مفهوم الحرية باعتبارها الميزان والمقياس الاعلى لحياة الانسان والحاكم لكل كيانه الفكري والعقدي ايضا في سبيل الوصول الى فك عقد حبال الاتصال بين الانسان ومشروعه الديني وارتباطه بهذا المشروع الذي يؤّمن للانسان ملامح طريق واضحة للوصول الى حريته الحقيقية !!.
نعم في الجانب الاخر طرحت فلسفةً مادية اشتراكية دكتاتورية ،ونظرية معرفة تقف عند حدود كل ماهو مادي لتقطع الطريق من الجانب الاخر على الانسان في طريقه الصاعد الى الله والدين ومشروعه ولتصنع في مصانعها المادية انسان خالي من كل ماهو متصل دينيا ، اواخلاقيا بهذه المشروع او ذاك الديني ، وليصبح الانسان في مدارسها هذه ، اطوع من طينة ميتة يوجهها الطغاة والمستبدين اينما رأوا وكيفما اقتضت مصالحهم السياسية للهيمنة على الانسان ومقدراته وخيراته حيثما كانت !!.
ثانيا : المستوى الاقتصادي
إن ساحة الصراع المفتوحة بين المشروع الديني وكذا المشروع الاستغلالي المستبدلم تقف عند ساحة الصراع الفكرية والعقدية لاغير مع ان تلك الساحة الفكرية والعقدية هي اهم ساحات المعارك ، بين الدين واعداءه من المستغلين والظلمة باعتبار ان قياد الانسان واخضاعه والسيطرة عليه .... تبدأ من دماغه وعقله واذا استطاع الطغاة اللعب في دماغ الانسان نحو الدين ومشروعه سقطت عندئذ القداسات من جميع كيانه وفكره وتوجهه ممايسهّل قياد الانسان وتوجيهه ،واللعب فيه كيفما ارتأت ماكنة الاعلام الطاغوتية والسياسية وكذا الاقتصادية لصالح مشاريعهم الاستعبادية للناس جميعا !!.
فمعلوم ان فلسفةً كالفلسفة الليبرالية الغربية ، وإن كانت غاياتها الحقيقية هي الهيمنة الرأسمالية الاقتصادية ، إلا انها مع ذالك لم تطرح في بداية مشروعها الاقتصادي غير الاسس الفلسفية للايدلوجية النفعية ل (( جيرمي بنتام ، وجون ستويرت مل ....) وغيرهم من اساطين الفلسفية النفعية الذين مهدوا الارضية لرؤية كل شيئ في العالم على اسسها النفعية لاغير ، وحتى الدين واخلاقه وكل افكاره ومشاريعه في الفكر النفعي الراسمالي الليبرالي كان ولم يزل ينظر اليه على اساسه النفعي وليس القداسي بالنسبة لهذه المدرسة وبحيث ان الدين فيه منافع مادية واجتماعية للواقع الطاغوتي القائم فانه مرحب به ومدعوم من الماكنة الطاغوتية مادام هو يتحرك في اطار المنفعة للوضع الاستغلالي القائم اما اذا اراد الدين او مشروعه ان يخرج من دائرة النفعية الراسمالية القائمة ،وليتحول الى مناهض للاستغلال النفعي والراسمالي فانه وعلى الفور سيناهظ ويحارب ويباد باعتى الوسائل واشنع الاجندات التي تبدأ برمي الدين بالتخلف ولتنتهي عند وسمه بالارهاب والاعتداء على حرية الافراد المقدسة !!.
إن الفلسفة الليبرالية كلها التي قامت وقدست فلسفيا الحريات البشرية الاربعة (الفكرية والسياسية ،والاقتصادية ، والشخصية ) لم تكن عينها الاخرى ، الا متوجهة لفتح الطريق لماهو الاهم والغاية من فلسفة الحرية الانسانية وتقديس وجودها الى هذا الحد المفرط بالمشاريع الاستغلالية والطاغوتية ، الا وهي : (( غاية الوصول الى فتح الطريق على مصراعيه لجيوب الافراد واسواق الجماعات والشعوب والبلدان العالمية كافة))ولهذا بدأت الفلسفة الليبرالية بتقديس الحرية كالاه مقدس لايمكن السماح بالوقوف بوجهه او الاعتداء على حركته باعتبار ان الانسان خلقه الله ووهبه الحرية او وهبته الطبيعة هذه الحرية ولايمكن لمؤسسة او قانون الوقوف بوجه هذه الحرية لتنتهي كل العملية بالمطالبة ب(( تحرير التجارة العالميةورفع التعرفة الجمركية وفتح الاسواق لسلع الانتاج الراسمالية المهولة في عالم العولمة الراسمالية العملاقة اليوم !!)).
وبهذا ضمن الطاغوت الراسمالي الاقتصادي ومن خلال الفلسفة الليبرالية وما اهاله من قداسة على الحرية المطلقة ،ان يلجم اي فم يريد الحديث عن حرية الانسان الحقيقية وكيفية ضمانها بلا ضغوطات سياسية واقتصادية مفتعلة !!.
أما الدين ومشروعه التحرري فهو يناضل في الجانب الاقتصادي الاخر لتحرير الانسان من براثن الهيمنة الاقتصادية الراسمالية اليوم ، وكما خاض معركة الفكر والعقيدة مع الطغاة لتحرير دماغ الانسان من هيمنة الفكر الاستغلالي له كذالك هنا وفي الساحة الاقتصادية حاول ولم يزل الدين يطرح مشاريعه التحررية التي تعري استغلال الراسمال الحديث للانسان ، وتفضح كل مخططاته واغلاله التي تحيط بالانسان من كل جهة لتوهمه اخيرا بشعار الحرية وانه حرّ وقادر ومختار لصناعة حياته كيفما شاء !!.
إن الدين ومشروعه يؤمن بان الانسان اذا لم يستطع ان ينتصر على حاجاته المادية الاقتصادية بشكل معقول فانه من المستحيل عليه ان يكون حرّا حقيقيا وقادرا على صناعة قراراته بشكل طبيعي وممتاز ،أمام ماكنة اقتصادية عملاقة تملك على الانسان كل حاجاته الاقتصادية والمادية ، ولهذا قرر الدين منذ البداية :(ان الانسان عبدٌ لجاجته) واينما تكون السلطة على حاجات الانسان لاسيما الاقتصادية يكون ولائه وانتمائه مقرونا الى هذه الجهة ، وعلى هذا الاساس كثف المشروع الديني من افكار كيفية تحرير الانسان ( من الداخل )من حاجاته المادية الاقتصادية والتصاقه وارتهانه لها بشكل عميق من خلال اطروحات(( الزهد في الترف وعدم الانقياد للشهوات الجنسية والمادية ، والتحرز من الشره وحب الدنيا والتكالب عليها ...الخ))وكل هذه الافكار والارشادات الدينية كانت ولم تزل هدفها الاول والاخيرهو كيفية صناعة انسان قادر على تحرير نفسه من اغراءات المادة في هذا العالم ومن ثم ليتحرر بالفعل من هيمنة الطاغوت الاقتصادي في الخارج والانتصار على استعبادة لارادة الانسان وحريته !!.
في هذا المضمار يُذكر كلمة ، لتلميذ الدين ومشروع الاسلام علي بن ابي طالب ع ،تختصر كل اهداف المشروع الديني التحررية للانسان وهي مقولته عليه السلام التي تقول :(( لاتكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرّا ))وطبيعي ان كون الله خلق وجعل الانسان حرّا لابسبب غيبي فحسب وانما بسبب واقعي اجتماعي انساني ايضا ، مفاده ان تعاليم الله سبحانه وتعالى والدين وافكار العقائد
هي وحدها التي تصنع منك انسانا حرّا على الحقيقة ، فهذه التوجيهات والافكار الدينية هي التي تهيئ السبل لصناعتك اولا من الداخل وتحرر طاقاتك وحاجاتك الطبيعية ان تكون العوبة بيد صاحب ومالك الحاجات الاقتصادية العملاقة الخارجية ، وثانيا هذا الدين ومشروعه هووحده من يقف شوكة امام افكار الاحتكار والاستغلال والاستعباد التي يريد اصحاب الراس مال الطاغوتي ان تهيمن على اسواقك وحاجاتك الطبيعية ،ومن هنا حكم الدين بتحريم وتجريم الاحتكار لحاجاتك الطبيعية الاقتصادية كي لايتلاعب بالاسعار حسب العرض والطلب في السوق الحرّة وليضمن للانسان استقراره الاقتصادي المعقول لاستمرار حياته بحرية وبدون ارهاب ورعب الاسواق الراسمالية الحرّة التي تتاجر باستقرارالبشر النفسي الاقتصادي والطبيعي المادي كيفما ارتأت مصالحهم الاستغلالية التي لاتدرك سوى كيفية جني الارباح والابتعاد عن الخسائر ؟؟.
إن هذا الواقع الديني ومشروعه التحرري الانساني هو مايقلق اصحاب رؤوس الاموال والشركات العملاقة التي ترى في حاجات الانسان الفكرية والنفسية والمادية والجنسية ......الخ ،مادتها وسوقها الاساس التي من خلالها تهيمن على مافي جيوب الناس وقدراتهم الشرائية وكون يأتي مشروعا دينيا يريد ان يحرر الانسان من ضغط حاجاته المادية من جهة ويحاول ان يطرح افكارا من قبيل تجريم الاحتكار ولعنة التبذير والترف وتوفير المعيشة واستقرارالسعر الاقتصادي للانسان كاحد اعمدة الاقتصاد الديني في الاسلام من جانب اخر من دون ان يرى الطاغوت الراسمالي خطرا عليه من هذا الدين ومشروعه ؟!!.
فذالك شيئ صعب الادراك لتناقض كلا المشروعين الديني والراسمالي الطاغوتي ،فالراسمال الاقتصادي الطاغوتي لم يرفع شعار الحرية للانسان الا وغايته فتح الاسواق لبضائعه وسلعه التجارية وتحرير اسعارها وضمان مميزات الاحتكار له ولسلعه القيمة ومن ثم التلاعب بحاجات الانسان الضروريةوالترفية لسلب الانسان ارادته امام الاغراءات الاعلامية العملاقة التي تختطف ارادة الانسان امامها اقتصادياوعندما يأتي الدين ليدمر كل هذا المخطط للاستيلاء على الانسان ومايملك باسم حريةالتملك والاستهلاك في الراسمالية ،فحتما سيكون الدين ومشروعه التحرري هو الكابوس الذي يقلق اصحاب رؤوس الاموال التجارية العملاقة التي تريد لسلعها اسواقا ولانتاجها افواها ،....الخ ثم يأتي الدين وبلمسة بسيطة اسمها (تجريم وتحريم التبذير) ليغلق جميع محلات الخردة من السلع التي ضخت للسوق لتجنى الارباح لالتعود بالخسارة لمصانعها التجارية !!.
وهكذا يصطدم المشروع الديني التحرري بالمشروع الطاغوتي الفكري والاقتصادي والسياسي ، وبمستوياته الاخرى الاجتماعية والاسرية والفردية والنفسية ....الخ ، ليحقق بعد الدراسة والبحث والتأمل في داخله وخارجه غرض واحد في مشروعه الثوري هذا لاغير وهو مشروع تحرير الانسان مما حوله من صناعة الطغاة والمتفرعنين والظلمة !!.
والخلاصة : ان مشروع تحرير الانسان في الرؤية الاسلامية من كل المؤثرات الطاغوتية الخارجية والداخلية التي تمارس عليه هو مشروع يصب في دائرة الفلسفة الاسلامية الكبرى لوجودالانسان كخليفة على هذه الارض فالانسان خلق حرّاومختارا ليختار طريقه الى الله او العكس بكامل ارادته وحريته الطبيعية وبدون ضغوط ودكتاتوريات تمارس عليه باسم الاقتصاد او السياسة او الاجتماع او حتى باسم الحرية ، التي تريد استعباد الانسان للرأسمال الطاغوتي الحديث وعلى هذا المنطلق اخذ الدين ومشروعه الالهي على عاتقه ان يهيئ الطريق للانسان ويحرر داخله وخارجه من المؤثرات التي تعيق او تزيف من حرية الانسان وارادته لانتخاب طريقه في هذه الحياة :(( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )).
________________________
alshakerr@yahoo.co
للمزيد من البحوث والدراسات الاسلامية : مدونة حميد الشاكر .
ولعل هناك الكثيرمن العوامل الايدلوجية ، والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والنفسية ....الخ هي التي ساهمت في القديم والحديث في تنويع رؤية الافراد والجماعات نحو الدين ومشروعه ،ولذالك وجدنا الرؤية نحو هذا الشئ المسمى ( دينا )مختلفة بصورة حادة ، وربما متناقضة وفي القليل من الاحيان منسجمة وطبيعية ،في رؤيتها البشرية النسبية نحو الدين ونحو مشروعه وهي تبحث في المعاني الاتية :
ماهو الدين ؟.
وماهي منابعه الواقعية ؟.
وهل هو مشروع توبيا خرافية لااكثر ولا اقلّ ؟.
أم انه مشروع واقعية وانسانية واجتماعية لاصلاح الحياة ؟.
هل الدين صناعة راسمالية صرفة ابتكرهااصحاب النفوذ والسلطة للهيمنة على المجتمع وبقاء تركيبته الطبقية على ماهي عليه كما يذهب له كارل مردوخ ماركس في شيوعيته الالحادية الراديكالية ؟.
أم انه ابتكارطبقات مسحوقة وجماهير مُدّمرة بالاساس ،كمادة تعويض فكرية لظاهرة الحرمان التي تعيشها البشرية في الماضي وحتى الحاضر كما يذهب اليه الفيلسوف الالماني نيتشة ؟.
أوإن الامر لاهذا ولاذاك وانماالدين ظاهرة لاهوتية ووحي منزل مما وراء المحسوس ولها صلة بالعقيدة التي تنظّر لعالم مختلف في اهدافه وغاياته عن عالم الماديين والملحدين والراسماليين والمعقدين وغير ذالك ؟؟.
هل المشروع الديني ظاهرة بالنقيض لظاهر الاستبداد والاستغلال والدكتاتورية والتفرعن والطغيان في تاريخها الطويل ؟.
أم انها ظاهرة هي من خلق الاستبداد والدكتاتورية والتفرعن والطغيان في هذه الدنيا ؟.
ماهو مشروع الدين الحق في هذا العالم بالنسبة الى الانسان ؟؟.
وهل هو اختطاف الانسان من الواقع ورميه في أتون الغيب والغيبوية عن الناس والمجتمع والعالم ؟.
أم انه مشروع لاستعباد الانسان لطاقة غير مرئية فحسب ، لصناعة مخلوق يؤمن بالاستذلال والاستعباد لجميع الكوائن الخارقة ومن ثم المستبدة والمهيمنة الطاغوتية على هذه الارض ؟.
أوإن الامر ليس كذالك مطلقا في كلا المتناقضين من الاسئلة ، وانما الدين مشروع اصيل لتحريرالانسان في هذا العالم لصناعة انسان حرّ ومختار وقادر وفاعل وممتلك لدماغه وقراره وصياغة رؤيته بنفسه بقوة واقتدار فحسب ؟؟.
واذا مافرضنا الدين هذا او ذاك ،فكيف لنا فهم الحقيقة الدينية التي تتمكن من تحرير الانسان وليس تدجينه واخضاعه للطاغوت والاستبداد والاستغلال ... ؟؟.
وهل الماهية الدينية التي تتحدث عن تحريرالانسان ، وليس استعباده لاغير ، هي ماهية موجودة بكل مايطلق عليه دين في هذه الحياة الاجتماعية الانسانية العالمية وبمختلف اديان البشرية المتناقضة وربما الخرافية كذالك ؟.
أم ان الحقيقة الدينية ، وحسب ماتطرحه الرؤية الاسلامية ،عنوان مختصر فقط على خاتم الاديان على الحقيقة الا وهو الاسلام باعتبار انه الدين الرسمي اللاهوتي ( المعترف به غيبيا )انه الدين الحق لقوله سبحانه : (( إن الدين عند الله الاسلام / 19 / ال عمران / )) ومن هنا لايمكننا اطلاق الصفة الدينية على اي فكرة غير الاسلام ليتحمل تبعات الرؤية الدينية امام البشر ؟؟.
ثم اذا كان الاسلام كدين صاحب مشروع تحريرالانسان من هيمنة الطاغوت في هذه الارض ، فماهو الطاغوت الذي كافحه الدين اولا وما هي الكيفية الفكرية والعملية التي رأى فيها الاسلام انها الطريقة المثلى لتحرير هذا الكائن من الاستعباد ثانيا ؟.
وهل تحرير الانسان حسب الرؤية الاسلامية تبدأ من رفع جميع الضوابط القانونية والاخلاقية والاقتصادية والسياسية التي تقف عائقا امام انفلات الحرية البشرية الفكرية والسلوكية وانغماسها بكامل سعة الفضاء المفتوح امامها لتلعب كيفما اشتهت ؟.
أم ان مشروع التحرّرالاسلامي للانسان مشروع واقعي ومختلف ومدروس ومنظم ...... بحيث يبدأ بتحريرالانسان من الداخل ثم لينتقل الى الخارج ليقلّم اظافر العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تفرض على الانسان الهيمنة والاستنزاف لطاقته وتكبيل حريته الحقيقية من التعبير عن ذاتها بشكل تلقائي وبلا قيود مرئية وغير مرئية ؟.....الخ .
إن اهمية البحث حول المشروع الديني وماهيته وجميع متعلقاته الفكرية وغير الفكرية ،تكمن في كون الدين كائن ملتصق بحياة الانسانية بشكل عميق جدا ولايمكن لنا ولالغيرنا عندما نريد تناول البحث في الانسان ان نهمل اهم العوامل الداخلة على حياته الا وهو الدين ليس باعتباره فقط المقدس في حياة الانسان وشؤونه القانونية والاجتماعية ... بل وباعتباره الاكبر الا وهو: (إن الدين هو الموّجه الحقيقي لحياة البشرية بصورة شعبية عامة منذ خلقت ،وحتى اليوم شئنا ذالك ام ابينا وكفرنا بهذه الحقيقة أم آمنا بها ) !!.
وعلى هذا الاساس لايتسنى لفيلسوف ولا لمفكر ولا لصاحب العلم الاقتصادي ،ولا لحامل القلم الاجتماعي او الطبيب النفسي أو صاحب السلطة والسياسي ، او ..الخ ، ان يمرّ على مبحث فهم الانسان وحركته ومسيرته بدون الالتفات للعامل القداسي الديني في داخل حياة هذه الامة او ذالك الفرد القابع او المتحرك في حيز الحياة ، فالمفتاح يبدو انه دائما يبدأ من (الدين) وينتهي عنده لنفهم الانسان ومسيرته وهدفه وغاية وجوده في هذه الحياة بصورة اعمق واوسع واشمل واكثر وضوحا !!.
لا وبل يمكننا الجزم قائلين : انه لايمكننا ايضا فهم دورة التاريخ البشرية سلبا أوايجابا ولماذا هي هنا مترديةوهي هناك صاعدة ومتطورة ؟ اذا لم نرجع بالتحليل النهائي الى رؤية هذه الامة او تلك الدينية وماتحمل هذه الرؤية من افكارومشاريع قداسية مرّة تصلح لان تكون مطوّرة للحياة الاجتماعية وأخرى تكون مدمرّة ومعيقة لهذا التطور والنهوض ، كالذي حصل (مثلا) مع الديانة والكهنوت الكنسي الاوربي ( نسميها دين باعتبارها مقدس لدى المؤمنين بها ولكن حسب الرؤية الاسلامية لادين سوى الاسلام عند الله ) الذي كان عاملا مقيدا لتطور تلك الامم العلمي والفكري والمادي... ولم تستطع هذه الشعوب الانعتاق من ربقة التخلف والاستبداد الا عندما تخلصت من اغلال المشروع الكنسي اللاهوتي الذي كان يجثم على صدرهذه الشعوب والامم الاوربية لقريب من العصروهذا طبعا ليس بسبب غامض غير سبب :ان المشروع الديني الكهنوتي الكنسي وباعتبارانه مقدس وصاحب مشروع ميّت ولايهب الحياةالانسانيةاي اليات لتطويرالواقع والدفع به نحو الانفتاح على العلم وسنن الحياةجعل من هذا الدين ومشروعه في العالم متحولا الى صخرة عمياء في طريق تطور هذه الامم ولم تستطع ان تنهض هذه الامم الا بعد ان اتخذت القرار الصائب في الثورة على الاغلال الدينية الكنسية الكهنوتية ، وتنحيته تماماعن الحياة باعتبار انه مشروع لايصلح مطلقا للتدخل في حياة الانسان فضلا عن تطويرها او تقديم الحرية لها ولكن ومع ذالك لايخفى اليوم عودة الروح الدينية لهذا العالم الذي يدرك انه امام اغلال قداسية باسم الدين من جانب ،ولكن من الجانب الاخر يدرك ايضا انه لايمكن للحياة الاستمرار بلا دين يهب الحياة المعنى والاكثر من الغايات المادية في هذا العمران العالمي !!.
وهذه الحقيقة مختلفة تماما عن حقيقة الدين ومشروعه في الرؤية الاسلامية الذي جاء لا ليعيق تطورالحياة ولاليساند الاستبداد والدكتاتورية ولا ليفرض القيود والاغلال على الفكر والحركة والبناء الانسانية بل وكما قال الاسلام نفسه عن مشروعه الديني انه جاء ل((يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطيّبات ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم .../ 157/ الاعراف ))
أي وبمعنى اكثر وضوحا : إن الدين الحق الذي يُنزله الله ليقوم الناسُ بالقسط وليقود حياتهم وينظمها بشكل يؤّمن لها الحرية الحقيقية ، ويزيل عن طريقها كل أغلال الطاغوت والاستغلال لايمكن ان يكون هو نفسه سببا في استغلالهم وتسليط الطواغيت عليهم ، او إعاقة تطورهم واعمارهم وبنائهم لهذه الحياة !!!.
نعم صحيح من الجانب الاخر للرؤية الاسلامية حول (الدين ومشروعه) تقرّ الاطروحة الاسلامية بأن هناك ماكنة وعملية صراع ازلية بين الطاغوت والاستبداد والتفرعن والدكتاتورية من جهة ، وبين الدين ومشروعه التحرري من جانب آخر كما ان الرؤية الاسلامية تجزم بأنه ليس هناك قوّة على هذه الارض بامكانها ان تنتصر على الدين ومشروعه التحرري القويم :(( ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين ، إنهم لهم المنصورون ، وإن جندنا لهم الغالبون )) إلاّ في حالة واحدة لاغير ،وهي اذا استطاعت قوى الطاغوت والاستبداد والتفرعن ان تناورفي عملية الصراع تلك لتتحايل على الدين ومشروعه وبدلا من المواجهة مع الدين وضد مشروعه بصورة مباشرة تنتهج استراتيجية الصراع معه من خلال الالتفاف عليه وتبني قداسته زيفا واستبداداوعلوا في الارض ليصبح الدين ومشروعه ،اذا قبل التحريف والتزييف عندئذ ، بدلا من كونه محررا للعبيد من البشر مساهما ( مع الاسف ) بهذا الاستعباد والاستغلال والتفرعن .... ، وليتحول فيما بعد الى مادة اعاقة لنهضة البشرية ورقيها المنشود ، وهذا هو واقع الاديان المزيفة او المحرّفة التي تحولت من كونها اليات تحرر وانعتاق من ذلّ الطاغوت والدكتاتورية ،الى كونها اديان ( مدّجنة ) لهذا الطاغوت وقابعة تحت عباءته ومعلنة الولاء والخدمة له باسم المقدس في حياة البشر !!.
أما الدين الذي خرج للوجود الانساني بهيئة محصنة من اختراق الطاغوت، والاستغلال والاستبداد له ، كالذي هو واقعا موجودا بالنسبة للاسلام المحمدي الاصيل ، والذي نزل معتمدا على قادة معصومين عن الزلل ( حسب الرؤية الامامية الاسلامية الشيعية التي تذهب الى : ان كفتي ميزان الاسلام هما القرآن واهل البيت ع المعصومين ) فإن مثل هذا الدين لايمكن لاي طاغوت في هذا العالم ان يخترق بنيانه التحرري البشري المتين ، اذا اعتصم المؤمنون بالاسلام ومبادئه القويمة بالقرآن والعترة الطاهرة الذي اوصى بهما رسول الاسلام العظيم محمد ص من بعده ، واعتبرهما ضمان بقاء الاسلام نقيا من التدليس والتحريف وابتعدوا عن كل فكرة استطاعت ان تجيّر الدين للطاغوت والسلطان ، بدلا من ان يكون السلطان والطاغوت تحت حوافر الدين ومشروعه!!.
والحقيقة ان اشكالية الدين القويم ومشروعه التحرري من جهة ، مع الطاغوت والتفرعن ومشروعه الاستغلالي من جانب اخر في التاريخ البشري القديم وحتى عصرنا القائم ملخصةً في فكرة بسيطة وواضحة جدا مفادها :(ان الطاغوت كان ولم يزل ينظر الى الدين ومشروعه على اساس انه الندّ الحقيقي والعائق الكبير جدا امام مشروعه التسلطي على البشرية جمعاء ، وادارة هذه البشرية سياسيا كيفما ترتأيه مصالح الطاغوت والهيمنة ايدلوجيا واقتصاديا واجتماعيا ونفسيا ايضا !!!.).
اي وبمعنى اخر اكثر صراحة : ان الصراع الازلي القائم بين الطاغوت والاستبداد والانحلال والتفرعن ( حسب ماتطرحه الرؤية الاسلامية القرآنية ) وبين الدين والرسل ومشروع التحرر الالهي للبشرية مازال ولم يزل على قيادة هذه البشرية وكيفية ادارتها حسب مشروع مدروس ومقنن بقوانين عقدية وسياسية واقتصادية واجتماعية !!.
وبينما ينظر المشروع الديني للانسان انه كائن مخلوق لغاية وهدف اسمى من وجوده الآني الدنيوي القصير ولهذا جاء التنظير الديني وكل مشروعه الفكري والسياسي والاقتصادي والاجتماعي مرتبطابهذه الغايات ينظرالمشروع الطاغوتي ان الانسان كائن متحرك داخل شركة او معمل او مملكة لاغيرمنقطعا تماماعن غايات لاتتصل بغايات خدمة الطاغوت والاستبداد والتفرعن وعليه ان يساهم بخدمة هذه المملكة او الانتاج في ذالك المعمل ، او بذل الجهد لتضخيم هذه الشركة لصاحب راس المال والسلطة شاء ذالك ام ابى وعند هذا المفصل يتضارب كلاالمشروعين الديني والطاغوتي على(الفوز) بالانسان فكرا وسلوكا وعلى جميع الصعد والمستويات لاسيما منها المستويات التالية كساحات للصراع بين المشروع الديني والاخر الطاغوتي وهن :
اولا : المستوي الفكرية العقدي
ففي هذه الساحة الانسانية الذهنية المفتوحة تكون حلبة الصراع على اشدّها بين المشروع الديني الذي يحاول زرع فكرة الغائية في الفكر والعقيدة الانسانية لوجود هذا الانسان وربطها تلقائيا بفكرة (الله) سبحانه وتعالى الذي لم يخلق هذا العالم عبثا وانما خلقه لحكمة ومن ثم توحيده سبحانه الذي يوجب على الانسان ان ينظر لمشروعه الخلقي على اساس انه مشروع ممتد من دنيا الى اخرة او من عيش في حياة ماديةالى عيش وانتقال لحياة معنوية ليس لها انقطاع زمني ابدامما يفرض على الانسان الايمان ومن ثم الارتباط والانتماء لاطروحة (ترسم له الطريق) وتضع له القوانين وتبني اليه السلوك والاخلاق التي ينبغي ان يسلكها للوصول الى تلك الغاية العظمى من وجوده كانسان خلق لهدف وغاية وحكمة !!.
بينما وفي النقيض من ذالك يرى الطاغوت والاستبداد والاستغلال في هذه الارض ان انتماء فكر الانسان وانخراطه بمشروع هو بعيدا عن مشروع الطاغوت ورؤيته لادارة الحياة الانسانية بالشكل ، الذي يضمن القدرة والقوةّ والاستمرارية لسلطة وملك هذا الطاغوت او ذاك ..يرى في مثل ذاك الايمان اللاهوتي لاي انسان وفي ذالك المشروع الديني الذي يؤسس لاخلاقية العمل الصالح والابتعاد عن الاعمال المختصرة غاياتها على الشؤون المادية الدنيوية فحسب ...كل ذالك يراه اي طاغوت انه الصخرة الحقيقية التي تقف امام اي مشروع يحاول :( اختطاف الانسان ) ودماغه ، واللعب بفكره ليقطعه نهائيا عن العوامل الاخلاقية والسلوكية الايمانية في حياته التي ترتبط بمصدر الامر غير مصادر الاوامر الاستبدادية والاستغلالية والطاغوتية على هذه الارض !!.
وبالفعل في مرحلة من مراحل الصراع ، بين المشروع الديني والمشروع الطاغوتي حاول الطاغوت السفسطة والتشكيك بالفكرة العقدية اللاهوتية الدينية ، لاسقاط مفاعيلها ومؤثراتها القداسية عن طريقه، وبعد صراع مرير عاد الطاغوت ليناور في معاركه المستمرة مع الدين ومشروعه ولكن ليس بصورة مباشرة ،ليدخل الطاغوت نفسه لداخل الدين ويتبنى مشروعه زورا وليمارس الفرعنه والتألة واستعباد البشر للطاغوت باسم الدين نفسه عدوه الازلي (( ظاهرة الشرك بالله سبحانه كمنتج طاغوتي صنمي وثني من اختراع فراعنة وطواغيت العصور القديمة باعتبار ان الفراعنة ابناء لله او هم الوسيلة اليه)) وهذا كان تاريخيا طرح الطاغوت في فترة من فترات صراعه مع الدين لتفريغ الدين وفكره ومحتواه من مشروعه الاصيل في مناهضة الاستبداد واعلان الثورة على طاعتهم المستبدة ، ومقاومة الطاغوت وتحرير الانسان من هيمنة الاستعباد لسلطة المستكبرين والمستبدين في هذا العالم من راسماليين وماديين ودكتاتوريين !!.
وكذالك في العصر الحديث ، ولادراك قوى التغوّل الاستبدادية ، ان الدين ومشروعه هو اكبر عائق امام اختطافهم للانسان ورسم معالمه كيفما ترتأى ماكنة الطاغوت العالميةحاولت قوى الاستغلال البشرية ان تطرح فكرا مناقضا لفكر الانتماء والايمان الديني للانسان لتفريغ ذاكرته من فكرةالغاية والهدف وضرورة الالتزام من قبل ذهنه العقدي وسحبه لفكرة اللامنتمي فطرحت الليبرالية الغربية الراسمالية الحديثة مفهوم الحرية باعتبارها الميزان والمقياس الاعلى لحياة الانسان والحاكم لكل كيانه الفكري والعقدي ايضا في سبيل الوصول الى فك عقد حبال الاتصال بين الانسان ومشروعه الديني وارتباطه بهذا المشروع الذي يؤّمن للانسان ملامح طريق واضحة للوصول الى حريته الحقيقية !!.
نعم في الجانب الاخر طرحت فلسفةً مادية اشتراكية دكتاتورية ،ونظرية معرفة تقف عند حدود كل ماهو مادي لتقطع الطريق من الجانب الاخر على الانسان في طريقه الصاعد الى الله والدين ومشروعه ولتصنع في مصانعها المادية انسان خالي من كل ماهو متصل دينيا ، اواخلاقيا بهذه المشروع او ذاك الديني ، وليصبح الانسان في مدارسها هذه ، اطوع من طينة ميتة يوجهها الطغاة والمستبدين اينما رأوا وكيفما اقتضت مصالحهم السياسية للهيمنة على الانسان ومقدراته وخيراته حيثما كانت !!.
ثانيا : المستوى الاقتصادي
إن ساحة الصراع المفتوحة بين المشروع الديني وكذا المشروع الاستغلالي المستبدلم تقف عند ساحة الصراع الفكرية والعقدية لاغير مع ان تلك الساحة الفكرية والعقدية هي اهم ساحات المعارك ، بين الدين واعداءه من المستغلين والظلمة باعتبار ان قياد الانسان واخضاعه والسيطرة عليه .... تبدأ من دماغه وعقله واذا استطاع الطغاة اللعب في دماغ الانسان نحو الدين ومشروعه سقطت عندئذ القداسات من جميع كيانه وفكره وتوجهه ممايسهّل قياد الانسان وتوجيهه ،واللعب فيه كيفما ارتأت ماكنة الاعلام الطاغوتية والسياسية وكذا الاقتصادية لصالح مشاريعهم الاستعبادية للناس جميعا !!.
فمعلوم ان فلسفةً كالفلسفة الليبرالية الغربية ، وإن كانت غاياتها الحقيقية هي الهيمنة الرأسمالية الاقتصادية ، إلا انها مع ذالك لم تطرح في بداية مشروعها الاقتصادي غير الاسس الفلسفية للايدلوجية النفعية ل (( جيرمي بنتام ، وجون ستويرت مل ....) وغيرهم من اساطين الفلسفية النفعية الذين مهدوا الارضية لرؤية كل شيئ في العالم على اسسها النفعية لاغير ، وحتى الدين واخلاقه وكل افكاره ومشاريعه في الفكر النفعي الراسمالي الليبرالي كان ولم يزل ينظر اليه على اساسه النفعي وليس القداسي بالنسبة لهذه المدرسة وبحيث ان الدين فيه منافع مادية واجتماعية للواقع الطاغوتي القائم فانه مرحب به ومدعوم من الماكنة الطاغوتية مادام هو يتحرك في اطار المنفعة للوضع الاستغلالي القائم اما اذا اراد الدين او مشروعه ان يخرج من دائرة النفعية الراسمالية القائمة ،وليتحول الى مناهض للاستغلال النفعي والراسمالي فانه وعلى الفور سيناهظ ويحارب ويباد باعتى الوسائل واشنع الاجندات التي تبدأ برمي الدين بالتخلف ولتنتهي عند وسمه بالارهاب والاعتداء على حرية الافراد المقدسة !!.
إن الفلسفة الليبرالية كلها التي قامت وقدست فلسفيا الحريات البشرية الاربعة (الفكرية والسياسية ،والاقتصادية ، والشخصية ) لم تكن عينها الاخرى ، الا متوجهة لفتح الطريق لماهو الاهم والغاية من فلسفة الحرية الانسانية وتقديس وجودها الى هذا الحد المفرط بالمشاريع الاستغلالية والطاغوتية ، الا وهي : (( غاية الوصول الى فتح الطريق على مصراعيه لجيوب الافراد واسواق الجماعات والشعوب والبلدان العالمية كافة))ولهذا بدأت الفلسفة الليبرالية بتقديس الحرية كالاه مقدس لايمكن السماح بالوقوف بوجهه او الاعتداء على حركته باعتبار ان الانسان خلقه الله ووهبه الحرية او وهبته الطبيعة هذه الحرية ولايمكن لمؤسسة او قانون الوقوف بوجه هذه الحرية لتنتهي كل العملية بالمطالبة ب(( تحرير التجارة العالميةورفع التعرفة الجمركية وفتح الاسواق لسلع الانتاج الراسمالية المهولة في عالم العولمة الراسمالية العملاقة اليوم !!)).
وبهذا ضمن الطاغوت الراسمالي الاقتصادي ومن خلال الفلسفة الليبرالية وما اهاله من قداسة على الحرية المطلقة ،ان يلجم اي فم يريد الحديث عن حرية الانسان الحقيقية وكيفية ضمانها بلا ضغوطات سياسية واقتصادية مفتعلة !!.
أما الدين ومشروعه التحرري فهو يناضل في الجانب الاقتصادي الاخر لتحرير الانسان من براثن الهيمنة الاقتصادية الراسمالية اليوم ، وكما خاض معركة الفكر والعقيدة مع الطغاة لتحرير دماغ الانسان من هيمنة الفكر الاستغلالي له كذالك هنا وفي الساحة الاقتصادية حاول ولم يزل الدين يطرح مشاريعه التحررية التي تعري استغلال الراسمال الحديث للانسان ، وتفضح كل مخططاته واغلاله التي تحيط بالانسان من كل جهة لتوهمه اخيرا بشعار الحرية وانه حرّ وقادر ومختار لصناعة حياته كيفما شاء !!.
إن الدين ومشروعه يؤمن بان الانسان اذا لم يستطع ان ينتصر على حاجاته المادية الاقتصادية بشكل معقول فانه من المستحيل عليه ان يكون حرّا حقيقيا وقادرا على صناعة قراراته بشكل طبيعي وممتاز ،أمام ماكنة اقتصادية عملاقة تملك على الانسان كل حاجاته الاقتصادية والمادية ، ولهذا قرر الدين منذ البداية :(ان الانسان عبدٌ لجاجته) واينما تكون السلطة على حاجات الانسان لاسيما الاقتصادية يكون ولائه وانتمائه مقرونا الى هذه الجهة ، وعلى هذا الاساس كثف المشروع الديني من افكار كيفية تحرير الانسان ( من الداخل )من حاجاته المادية الاقتصادية والتصاقه وارتهانه لها بشكل عميق من خلال اطروحات(( الزهد في الترف وعدم الانقياد للشهوات الجنسية والمادية ، والتحرز من الشره وحب الدنيا والتكالب عليها ...الخ))وكل هذه الافكار والارشادات الدينية كانت ولم تزل هدفها الاول والاخيرهو كيفية صناعة انسان قادر على تحرير نفسه من اغراءات المادة في هذا العالم ومن ثم ليتحرر بالفعل من هيمنة الطاغوت الاقتصادي في الخارج والانتصار على استعبادة لارادة الانسان وحريته !!.
في هذا المضمار يُذكر كلمة ، لتلميذ الدين ومشروع الاسلام علي بن ابي طالب ع ،تختصر كل اهداف المشروع الديني التحررية للانسان وهي مقولته عليه السلام التي تقول :(( لاتكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرّا ))وطبيعي ان كون الله خلق وجعل الانسان حرّا لابسبب غيبي فحسب وانما بسبب واقعي اجتماعي انساني ايضا ، مفاده ان تعاليم الله سبحانه وتعالى والدين وافكار العقائد
هي وحدها التي تصنع منك انسانا حرّا على الحقيقة ، فهذه التوجيهات والافكار الدينية هي التي تهيئ السبل لصناعتك اولا من الداخل وتحرر طاقاتك وحاجاتك الطبيعية ان تكون العوبة بيد صاحب ومالك الحاجات الاقتصادية العملاقة الخارجية ، وثانيا هذا الدين ومشروعه هووحده من يقف شوكة امام افكار الاحتكار والاستغلال والاستعباد التي يريد اصحاب الراس مال الطاغوتي ان تهيمن على اسواقك وحاجاتك الطبيعية ،ومن هنا حكم الدين بتحريم وتجريم الاحتكار لحاجاتك الطبيعية الاقتصادية كي لايتلاعب بالاسعار حسب العرض والطلب في السوق الحرّة وليضمن للانسان استقراره الاقتصادي المعقول لاستمرار حياته بحرية وبدون ارهاب ورعب الاسواق الراسمالية الحرّة التي تتاجر باستقرارالبشر النفسي الاقتصادي والطبيعي المادي كيفما ارتأت مصالحهم الاستغلالية التي لاتدرك سوى كيفية جني الارباح والابتعاد عن الخسائر ؟؟.
إن هذا الواقع الديني ومشروعه التحرري الانساني هو مايقلق اصحاب رؤوس الاموال والشركات العملاقة التي ترى في حاجات الانسان الفكرية والنفسية والمادية والجنسية ......الخ ،مادتها وسوقها الاساس التي من خلالها تهيمن على مافي جيوب الناس وقدراتهم الشرائية وكون يأتي مشروعا دينيا يريد ان يحرر الانسان من ضغط حاجاته المادية من جهة ويحاول ان يطرح افكارا من قبيل تجريم الاحتكار ولعنة التبذير والترف وتوفير المعيشة واستقرارالسعر الاقتصادي للانسان كاحد اعمدة الاقتصاد الديني في الاسلام من جانب اخر من دون ان يرى الطاغوت الراسمالي خطرا عليه من هذا الدين ومشروعه ؟!!.
فذالك شيئ صعب الادراك لتناقض كلا المشروعين الديني والراسمالي الطاغوتي ،فالراسمال الاقتصادي الطاغوتي لم يرفع شعار الحرية للانسان الا وغايته فتح الاسواق لبضائعه وسلعه التجارية وتحرير اسعارها وضمان مميزات الاحتكار له ولسلعه القيمة ومن ثم التلاعب بحاجات الانسان الضروريةوالترفية لسلب الانسان ارادته امام الاغراءات الاعلامية العملاقة التي تختطف ارادة الانسان امامها اقتصادياوعندما يأتي الدين ليدمر كل هذا المخطط للاستيلاء على الانسان ومايملك باسم حريةالتملك والاستهلاك في الراسمالية ،فحتما سيكون الدين ومشروعه التحرري هو الكابوس الذي يقلق اصحاب رؤوس الاموال التجارية العملاقة التي تريد لسلعها اسواقا ولانتاجها افواها ،....الخ ثم يأتي الدين وبلمسة بسيطة اسمها (تجريم وتحريم التبذير) ليغلق جميع محلات الخردة من السلع التي ضخت للسوق لتجنى الارباح لالتعود بالخسارة لمصانعها التجارية !!.
وهكذا يصطدم المشروع الديني التحرري بالمشروع الطاغوتي الفكري والاقتصادي والسياسي ، وبمستوياته الاخرى الاجتماعية والاسرية والفردية والنفسية ....الخ ، ليحقق بعد الدراسة والبحث والتأمل في داخله وخارجه غرض واحد في مشروعه الثوري هذا لاغير وهو مشروع تحرير الانسان مما حوله من صناعة الطغاة والمتفرعنين والظلمة !!.
والخلاصة : ان مشروع تحرير الانسان في الرؤية الاسلامية من كل المؤثرات الطاغوتية الخارجية والداخلية التي تمارس عليه هو مشروع يصب في دائرة الفلسفة الاسلامية الكبرى لوجودالانسان كخليفة على هذه الارض فالانسان خلق حرّاومختارا ليختار طريقه الى الله او العكس بكامل ارادته وحريته الطبيعية وبدون ضغوط ودكتاتوريات تمارس عليه باسم الاقتصاد او السياسة او الاجتماع او حتى باسم الحرية ، التي تريد استعباد الانسان للرأسمال الطاغوتي الحديث وعلى هذا المنطلق اخذ الدين ومشروعه الالهي على عاتقه ان يهيئ الطريق للانسان ويحرر داخله وخارجه من المؤثرات التي تعيق او تزيف من حرية الانسان وارادته لانتخاب طريقه في هذه الحياة :(( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )).
________________________
alshakerr@yahoo.co
للمزيد من البحوث والدراسات الاسلامية : مدونة حميد الشاكر .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
HTML