مدونة فكرية سياسية واجتماعية تحاول أثارة العقل العراقي والعربي والاسلامي للتفكير المتطلع لبناء المستقبل من خلال رؤية لاتهمل التاريخ والحاضر !.
الثلاثاء، أكتوبر 11، 2011
(( من التمهيد الفلسفي لفكر السيد محمد باقر الصدر )) 9 حميد الشاكر
يأخذ السيد الصدر في تمهيده الفلسفي لكتاب فلسفتنا مؤاخذة فلسفية وفكرية اساسية على النظام الديمقراطي الراسمالي الفردي ويعتبر هذه المؤاخذة انها المدخل الذي من خلاله ندرك قصور المذهب الراسمالي الديمقراطي وكيفية ان يكون او لايكون بمصاف المدارس الفكرية الكاملة ، التي من حقها التحدث بشكل مذهب ، او نظام اجتماعي من جهة ومن جهة اخرى يتكئ محمدباقرالصدرعلى هذه المؤاخذة بالذات ليستنتج (( مادية المذهب الديمقراطي الراسمالي ، او الحاديته الفكرية )) في نهاية المطاف !!.
فياترى ماهي هذه المؤاخذة ، التي كشفت ظهر المذهب الراسمالي الديمقراطي بهذا الشكل الفاضح وجردته من ادعاء المذهبية وفضحت ماديته التي حاول هذا النظام الراسمالي الفردي المخادع بشتى الطرق التنكر لها او الهروب منها ؟.
اولا : ماهي هذه المؤاخذة ؟.
ثانيا:كيف ولماذا كانت هذه النقطة دليلاعلى مادية الاطروحة الراسمالية الاقتصادية الديمقراطية والحادية توجهاتها الفكرية ؟.
ان هذه المؤاخذة كما عبرعنها السيدالفيلسوف الصدرهي افتقار المذهب الديمقراطي الراسمالي للقاعدة المركزية الفكرية ، التي تستطيع شرح الحياة وواقعها وحدودها ووجودها وغاياتها واهدافها ، او كما عبر الامام السيد الصدر رصي الله عنه بقلمه الشريف بالقول : (( إن المسألة الاجتماعية للحياة تتصل بواقع الحياة ولاتتبلور في شكل صحيح ، إلا اذا أقيمت على قاعدة مركزية تشرح الحياة ، وواقعها وحدودها والنظام الراسمالي يفقد هذه القاعدة فهو ينطوي على خداع وتضليل او على عجلة وقلة اناة حين تجمد المسألة الواقعية للحياة وتدرس المسالة الاجتماعية منفصلةعنها مع ان قوام الميزان الفكري للنظام بتحديد نظرته ، منذ البداية الى واقع الحياة التي تمون المجتمع بالمادة الاجتماعية وهي العلاقات المتبادلة بين الناس وطريقة فهمه لها واكتشاف اسرارها وقيمها ...)) . 1 .
أما أسئلة :
لماذا لاتتبلور الحياة في شكلها الصحيح ، الا اذا اقيمت على قاعدة مركزية تشرح هذه الحياة وواقعيتها وحدودها اولا ؟.
ولماذا فقد النظام الراسمالي الديمقراطي الفردي هذه القاعدة المركزية ، ليشرح لنا رؤيته للحياة قبل ان يدعونا لمذهبه الاجتماعي القائم على ماينبغي فعله ؟.
وهل بالفعل كانت دوافع هذا النظام الراسمالي بعدم ذكره لقواعده الفكرية والفلسفية لشرح الحياة تتأرجح بين الخداع او قصور الفهم لاهمية القاعدة الفكرية للمذهب ؟.
أم ان هذا النظام المادي على وعي تام لخطواته المذهبية وانه تعمدعدم ذكرقواعده الفكرية لادراكه تماما انه لايمكن لمذهب اجتماعي يقوم بدون قاعدة فكرية تسنده وتقيد من توجهه ، ولهذا السبب بالتحديد وهروبا من القيد لم يذكر اي قاعدة لمذهبه كي لايتقيد باي قاعدة فكرية تفضح من خداعه وتضليله وماديته المفضوحة ؟.
ولماذا يرى السيد الشهيد محمد باقر الصدر فكريا استحالة تجميد المسألة الواقعية للحياة ودراسة هذه الحياة منفصلة عنها ؟.
وكيف نفهم مقولة الامام السيد (رض) ان قوام الميزان الفكري لاي نظام اجتماعي يتحدد بنظرته لواقع الحياة منذ البداية ؟.
ولماذا ينبغي على النظام الاجتماعي ان يكون مدركا لماهية وقيم واسرار العلاقات الاجتماعية قبل ان يضع حجرعلى حجر في بناءه الاجتماعي القانوني اوالتشريعي او السياسي او الاداري او غير ذالك ؟.
كل هذه الاسئلة بحاجة الى وقفة واجابة وشرح لنفهم ما قصده السيد الصدر بافتقار الراسمالية لقاعدة فكرية من جهة ، واستنتاجه لمادية والحادية الافكار الراسمالية المذهبية التي تناولت الحياة الاجتماعية وهي بعيدة عن مبادئها وغاياتها من جانب اخر !!.
نعم عندمايُقال لابد للنظام اولاي مذهب اجتماعي من رؤية لواقع الحياة الاجتماعية او واقع الحياة بصورة عامة فأنما يُراد من ذالك أمران :
الاول : هوالطرح والرؤية الاسلامية العامة لواقعية الحياة !.
وهذا ما طرحه السيد الصدر في تمهيده الفلسفي في معرض جواب اعتراضه على فقدان الراسمالية لهذه الرؤية ، التي تمثل القاعدة للمذهب وللنظام الاجتماعي وكان جوابه ذاهبا لطرح المسألة الواقعية للحياة بصورة عامة ليقول : (( وأيضا فان هذه الحياة المحدودة إن كانت بداية الشوط ، لحياة خالدة تنبثق عنها ، وتتلون بطابعها وتتوقف موازينها على مدى اعتدال الحياة الاولى ونزاهتها فمن الطبيعي أن تنظم الحياة الحاضرة ، بما هي بداية الشوط ، لحياة لا فناء فيها ، وتقام على اسس القيم المعنوية والمادية معا )) . 2 .
اي ان المفكر الصدر رحمه الله ، يطرح مسألة الحياة بشموليتها ، وعنوانهاالاصيل والوجودي ، لكل شيئ داخل في هذه الحياة العامة ، وليقررمن ثم المسألة بطرحها العقلي والفطري البسيط ليقول : ان كان لهذه الحياة او للانسان خالقا مدبرا مهيمنا قائما على توجيهه ...... فمن الطبيعي ان تكون رؤيتنا وقاعدتنا الفكرية التقيمية والنظرية والقانونية ، لهذه الحياة التي ترتبط بحياة اخرى بعدها وهذا الانسان الذي له نوع ارتباط بخالقه (( مختلفة )) عما لو كنا ننظر للانسان منفصلا عن هذا الآله والايمان به وتدخله بشؤون الانسان والحياة !!.
واختلاف نظرتنا هذه لمسألة الحياة او الانسان مرتبطا بالحتم بقاعدتنا الفكرية التي ننظر من خلالها للانسان والحياة ، فإن كانت نظرتنا للانسان ، والحياة معتمدة منذ البداية على الايمان بوجود خالق لهذه الحياة وبوجود رابط اخر لحياتنا المادية هذه وبوجود صلة بين الانسان وخالقه اعمق من مجرد الايجاد فقط ليصل الى الايجاد والاشراف والتوجيه لهذا الانسان .... يصبح لزاما علينا وقبل اي تعريف للانسان او للحياة ان نضع في حساباتنا الفكرية هذه الوقائع ، وننظر للحياة ونظمها ونضع قوانينها ونزن حركتها .... بالشكل الذي ينسجم مع هذه الوقائع والحقائق المعنوية والمادية والفكرية للحياة وللانسان !!.
أما اذاوجدنا اي طرح مذهبي لاي نظام اجتماعي يأخذالمسألة الاجتماعيةاو المسألة الانسانية او الحياة بصورة عامة منفصلة تماما عن شرح واقعها وحقائقها الفكرية وان يدعونا لمذهب او نظام ليس فيه اي رائحة رؤية تدل على وجود قاعدة بهذه المسائل الواقعية للحياة واشيائها ، بل ووجدنا ان المذهب الاجتماعي يدعي للانسان ارادة انسانية فردية ، غير مرتبطة لابخالق ولابمخلوق فمثل هذا النظام الذي يقنن القوانين لهذه الحياة وهو غير ملتفت تماما ، ولا معترف اطلاقا بوجود حياة اخرى لهذه الحياة ، او ان لهذه الحياة ووجودها غايات واهداف ترتبط بها ..... كل ذالك سيحتم علينا اصدارقرار الحكم الفكري بمادية هذا النظام ومادية هذا المذهب بدون تردد او تشكيك وهذا ما ذهب اليه الامام الصدر، عندما فرّق بين مادية والحادية هذا المذهب الراسمالي المخادع وبين المذهب المادي الماركسي في مسألة النظام والمجتمع فإن الماركسية الاشتراكية والشيوعية بنظر السيد الصدرقد اعلنت ماديتها والحاديتها في رؤيتها لواقعية الحياة بشفافية ، من خلال قاعدة المادية الفكرية كما نظرّت لكيفية مادية الحياة ؟، ولماذا ينبغي علينا ان نأخذ الحياة ، والانسان منقطعا عن فكرة الله والغيب والايمان واليوم الاخر...من خلال غلق دائرة نظرية المعرفة في المدرسة الفكرية الماركسية !!.
وهذا بخلاف الراسمالية الديمقراطية الفردية ، التي اخذت الانسان والحياة منفصلة عن واقعيتها ، ووجودها وكل شؤونها المعنوية بدون ان تطرح لنا ماديتها الفكرية او تعلن على رؤوس الاشهاد كفرها بكل القيم المعنوية وغير المعنوية ، لهذا العالم وهذا ما دفع السيد الصدر ليستنتج مادية والحادية النظام الراسمالي الديمقراطي في توجهاته وتنظيراته وتأملاته المذهبية لنظام المجتمع عندما فصل بين واقعية الحياة ومسألتها الاجتماعية بشكل مخادع !!.
الثاني : هو الامر الاجتماعي الخاص في المسألة الاجتماعية !.
وهو الامر الذي نفهمه وندركه من استحالة الفصل فكريا بين واقع الحياة ونظامها ومجتمعيتها بصورة خاصة وضرورة ان يكون هذا الربط بين واقعية الحياة وبين ماهية اسرار وقيم علاقات المجتمع فيما بينه والبين الاخر !!.
بمعنى : انه لايمكن لنا ان نضع اي تشريع قانوني لادارة المجتمع ، ولايمكننا ان نقيّم ماهية المجتمع ، او التخطيط لحركته ، او هندسة واستثمار تطلعاته ، او القيام بتوجيهه ، ووضع المناهج التربوية او المعالم الاقتصادية لتطويره او الحديث عن حقوقه وواجباته او ..... ما لم ننتهي اولا وقبل كل شيئ من صياغة مفهوم لوجود المجتمع وماهيته وندرك منذ ماقبل الخطوة الاولى جواب ألاسئلة التالية :
ماهو المجتمع ؟.
وماهي تراكيبه الاساسية ؟.
وهل الانسان في داخل هذا المجتمع انتماءه بالطبع والفطرة ؟.
أم انه انسان اجتماعي ايضا لكن اجتماعيته بالصناعة والمنفعة لاغير ؟.
وهل تركيبة الاجتماع الانساني تكون الاصالة الواقعية فيها للفرد ، وما المجتمع الا أمرانتزاعي اعتباري ليس له اي قيمة واقعية حقيقية مؤثرة في صلب حركة الحياة والافراد ؟.
أم ان الاصالة الواقعية للمجتمع وما الفرد الا امر انتزاعي لاينبغي ان يؤخذ دوره واهميته بعين الاعتبار عند النظر للمجتمع وحركته العامة ؟ .....الخ . 3 .
فكل هذه الاسئلة واجوبتها في الحقيقة داخلة في صيرورة التعامل مع هذا المجتمع والاحتكاك المباشر بحياته ومن دون معرفة ماهية المجتمع او وضع تعريف محدد وواضح لماهيته ، لا يمكن لنا ان نتعامل مذهبيا مع هذا المجتمع ، وبدون تعاريف محددة كما فعلت الراسمالية الفردية عندما اعلنت اصالة الفرد بدون حتى ان تضع لنا تعريفا اوليا لماهية وشخصية وهوية المجتمع القائمة ؟.
وكذا لايمكن لاي مشرّع قانوني ، او تربوي اخلاقي او سياسي محنك ان يضع اي تخطيط سياسي اواداري او اقتصادي لادارةالمجتمع والتطلع الى تطويره والنهوض به اذا لم يفهم ومنذ ما قبل اللحظة الاولى لمن هي الاصالة في هذا الوجود المسمى بالمجتمع ليحددعلى ضوء هذا الفهم موقفه من المجتمع وحياته فإن كانت الاصالة ثابتة فكريا وفلسفيا وعلميا للفرداقام كل وجوده الاجتماعي على هذاالاساس وشرع بتوجيه الدولة والحكم ، وسن التشريعات والقوانين ، وهندسة الاقتصاد على اساس هذه الفردية ، وفي خدمتها وحماية اصالتها ، بدون الالتفات بقوة ، لوجود منظومة المجتمع الوهمية !!.
أما اذا كانت الاصالة للمجتمع ، وما الفردية ومصطلحها الا وهم مخترع راسمالي فتحتم على القانوني المشرّع ، والاقتصادي المخطط والسياسي الاداري والتربوي الاخلاقي داخل هذا المجتمع ان يبذل مابوسعه من اجتهاد ، وجد في سبيل النهوض بهذا المجتمع واعطائه حقوقه كاملة ، والنظراليه كمحرك للنهضة وصانعا لحاضر ومستقبل الامة ، والاعراض عن مصالح الافراد الانية وتذويبها قانونيا وتشريعيا واداريا وتربويا في خدمة المجتمع !!.
وهكذا اذا امتلكنا رؤية ، كالرؤية الاسلامية الاجتماعية التي تذهب في نظريتها الى القول باصالة الفردوالمجتمع معا لتطرح لنا هذه المدرسة الدلائل الاسلامية القاطعة بان للفرد داخل المجتمع اصالة ودور وماهية وشخصية معتبرة ، كما ان للمجتمع وجود وماهية واصالة ومسؤولية وشخصية معتبرة ايضا ، فعندئذ حتما ستتغير كل تركيبتنا الاجتماعية وتقنينها القانوني ، وترتيبها الاداري ، والتعامل معها اقتصاديا وسياسيا وتربويا وفكريا واخلاقيا واجتماعيا ونفسيا... بشكل يختلف بتفاصيل دقيقة لمن ينتمي لاصالة المجتمع على الافراد او اصالة الفرد على المجتمع !!. 3 .
ان المعروف بحثيا ان النظام الراسمالي الديمقراطي قد تبنى الفردية باعتبار ان لها الاصالة المطلقة قُبال المجتمع بدون ان يرتكز على رؤية فلسفيا او رؤية علمية او فكرية تذكر وليشرح لنا من ثم ماهية هذه الاصالة الفردية ولماذا اعطت الراسمالية الاصالة للفرد على المجتمع بحيث غلّبت مصالحه على مصالح مفهوم المجتمع ؟.
ودعتنا فيما بعدوكأننا حفنة من البله والمغفلين لاغيرلتبّني موقفها بحرارة باعتباره الموقف الذي فيه نجاة البشرية وكرامتها وخلاصها السعيد !!.
ومعروف ايضا ان هذا الخداع الراسمالي المفضوح ، هو مادفع النظام الاشتراكي الماركسي المادي وكردة فعل صنعتها وحشية النظام الراسمالي الفردي لتبنّي الضد الفكري النوعي ، لهذه الاطروحة وليعلن هو من جانبه الاخر انتماءه وتبنيه لفكرة اصالة المجتمع قُبالة وهم مصطلح الوجود الفردي ،وخرافة حقوقه الطبيعية في الحريةالتي وهبته اياه الطبيعة كمانظرّت لها المدرسةالليبراليةالراسمالية الاقتصادية الاوربية القديمة والحديثة !!.
الخلاصة هي القول : ان الراسمالية الديمقراطية ، وبكل طرحها المذهبي ونظامها الاجتماعي الفردي ماهي ، الا محاولة راسمالية اقتصادية مخادعة صرفة حاولت ولم تزل طرح نفسها على اساس فكري ولكنها فشلت فشلا ذريعا في ميدان الفكر والعلم والفلسفةعلى ايدي امثال الفيلسوف الصدروغيره من مفكري العالم والبشرية ثم هي حتى الان في مدرستها الاقتصادية المادية بالاساس تحاول طرح المفردات والمفاهيم والمصطلحات الاخلاقية ، والانسانية كالحرية والكرامة البشرية والسعادة والاستقرار ....الخ وغير ذالك وليس عينها في الحقيقة الا على اتخاذ هذه العناوين الاخلاقية والفطرية كواجهة ، للوصول في واقع الامر لجيوب الزبائن ومايمتلكونه من نقد ، وانتاج واستهلاك في هذه الحياة ، وما اسطوانة الحرية داخل الديمقراطية الراسمالية الفردية ، ودفاعها المستميت عن هذه الحرية البشرية الا الخطوة الاولى حسب ماتراه وتخطط له هذه المدرسة الراسمالية للوصل الحقيقي لحرية الاقتصاد والتجارة العالمية التي تهيئ بدورها الاسواق لبضائع المنتجين الراسماليين الضخمة التي لم تزل تبحث عن فتح اسواق جديدة وتبحث عن جيوب تنهب تبدأ باسم حرية الانسان الفردية لتنتهي عند فرض حرية التجارة العالمية على البشرية جمعاء !!.
http://7araa.blogspot.com/
alshakerr@yahoo.com
1: فلسفتنا / للسيد الصدر / مصدر سابق / ص 13.
2: فلسفتنا / للسيد الصدر / مصدر سابق / ص 13 .
3 : للاطلاع على وجهة النظر الاسلامية الاجتماعية بهذا الصدد راجع / المجتمع والتاريخ / للمفكر الاسلامي الشيخ الشهيد مرتضى المطهري / دار المرتضى / ج1/ ص 19 / الطبعة 1408 هجرية .