كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم الثامن
حميد الشاكر
في المحور الاول من القسم السابق طرحنا(( اشكالية فوضوية التأسيس )) في (قسم علم الاجتماع الحديث) الذي شرعت كلية العراق الاولى ( كلية الاداب والعلوم ) في 1952م بتأسيسه وتدريس مادته العلمية كأحد المواد الاساسية لهذه الكلية العريقة في العراق ، باعتباره من اهم (( اشكاليات علم الاجتماع العراقي الحديث )) !.
وقد ذكرنا انذاك : ان عامل حرق المراحل وعدم وضع استراتيجية رصينة للتعليم الاجتماعي في العراق الحديث انذاك مضافا لأنتداب المرحوم (علي الوردي) للاشراف على هذا القسم ((قسم علم الاجتماع)) بدون ان يكون للرجل اي صلة علمية حقيقية نلمسها في تاليفه ونتاجه الثقافي المدّون ( سوى صلة التحدث باسمه في كل شيئ ) او حتى فكرية بالعلم الاجتماعي الحديث الذي اسسه ((اوجست كونت)) ، وقننه ودعم من اسسه ((دوركهايم)) ونظر لمدرسته بشكل مختلف (( سبنسر )) ... كانت له نتائج وخيمة على مشروع (( علم الاجتماع )) في العراق الحديث ، الذي بدأ كمشروع واعد في بداية الخمسينات ، الا انه سرعان ما تدهور وتراجع ثم مات فعليا في الستينات بفعل فوضوية التأسيس وعدم وضع الدراسات الكافية لكيفية تاسيس علم اجتماع عراقي حديث بامكانه ان يكون (علما) ويتم بناءه وتطويره مع الاجيال المتلاحقة من خلال انتداب علماء اجتماع مدركين وفاهمين وواعين لماهية هذا العلم وماهية تخصصه والالتزام بمناهجه والقيام على العمل للوصول الى اهدافه العلمية الاجتماعية المهمة !!.
والحقيقة ان ظاهرة (موت ماسُمي بعلم الاجتماع العراقي) في الستينات لم يكن ظاهرة غير ملفتة للنظر لو كان الفكر العراقي مهتما بشأنه الفكري والعلمي العراقي الحديث وملاحقاً لكل تطوراته او تراجعاته ، وكذالك عدم انجاب ((قسم علم الاجتماع )) في كلية الاداب العراقية منذ الخمسينات وحتى اليوم لاي مبدع او عالم او مفكر... منذ تاسيسه وحتى اليوم في علم الاجتماع الحديث بالامكان الاشارة له بالبنان ايضا ظاهرة ليست بالطبيعية ، التي لاتستحق الوقوف عندها ودراستها ودراسة اسبابها بنوع من التدقيق والتأمل والفكرية... لو كان الفكر العراقي يشعر بحالة صحية في مسار حياته العلمية ، ولكن يبدو ان الفكر العراقي انذاك كان يعيش في ((غيبوبة ثقافية حقيقية )) هي التي جعلته مخدرا او مغيبا تماما عن الالتفات لمثل هذه الكوارث الفكرية والثقافية التي حلت بساحته لاسيما ما يختص ب (( العلم الاجتماعي العراقي )) الحديث !!.
ويبدو انه ايضا وبعد مرور اكثر من ستة عقود مظلمة وحتى اليوم لايرغب ( الفكر العراقي العلمي والثقافي) ان يصحو من غيبوبته تلك ، ويعيد حساباته الفكرية ويبدأ من حيث بدأ الخلل ليصلحه ، ويشرع من جديد لاستقبال الحياة العلمية بنوع من الاحترام لمستقبل الاجيال العراقية القادمة ، اوعلى الاصح لا يرغب من يدعون الفكر ويقدمون انفسهم للعالم انهم رجال العلم والثقافة في العراق اليوم ان يخرجوا من تيههم ، الذي دخلوا بصحراءه في الخمسينات ، ليستأنفوا حياة الفكر والعلم والثقافة الحقيقية التي لا تعترف بشرعية مهما كان لونها عقديا ، او ايدلوجيا او سياسيا او اجتماعيا او نفسيا .... الا لشرعية العلم وبحثه النقدي ، واعادة انتاجه وتجديده لنفسه كل يوم بانتاج فكر نقدي يقرأ القديم بوعي ليضيف له هنا شيئا جديدا او ليلغي منه هناك علما لانافعا ، او ليثور على فكرا في تلك الساحة كاذبا ومزيفا بين البينين ... وهكذا !!.
وعلى اي حال كان المحورالاول (لأشكالية العلم الاجتماعي) في العراق الحديث هومحور فوضوية التأسيس التي ينبغي العودة عراقيا فكريا ، وعلميا ومهنيا لها (لدراسة مرحلتها الزمنية) لمناقشتها واعادة بناء وتأسيس قسم علم اجتماع عراقي حقيقي في جامعاتنا ، وكلياتنا التربوية العراقية يختلف عما انبنى عليه في السابق من ايدلوجيات ، وافكار فوضوية لاعلاقة لها بعلم الاجتماع كي لانبقى نسير في الطريق الخاطئ الى ما لانهاية ونحن نلهج فقط بعبقرية كذبة علمنا الاجتماعي العراقي العريق وعبقرية مؤسسه المرحوم علي الوردي الذي لم يؤسس في الحقيقة اي علم للاجتماع !!.
اما المحور الثاني الذي طرحناه انذاك في (( اشكالية علم الاجتماع في العراق الحديث )) فهو محور: عبثية التنظير باسم علم الاجتماع !.
وما نقصده في الحقيقة ب (عبثية التنظير باسم هذا العلم) هو ما طرحه المرحوم علي الوردي تاليفا وتدوينا وتنظيرا وتثقيفا ..... باسم علم الاجتماع مستندا في ذالك ومتكئا على (شرعية) ادارته لقسم علم الاجتماع في كلية الاداب والعلوم في العراق الحديث من سنة 1953م وما بعدها من جهة ومتكئا على ما طرحه من مؤلفات وافكار تتحدث باسم هذا العلم من جانب اخر والى تاريخ 1970م ، عندما يذكرلنا تاريخ المرحوم علي الوردي الغير موثق والغير مدون بان المرحوم الوردي قدم استقالته لهذه الكلية بدواعي التفرغ للتأليف والكتابة الخاصة بمشاريعه الفكرية !!!.
والحقيقة عندما نقول : ان هناك عبثية في التنظير تمت تحت اسم علم الاجتماع وقد مارسها المرحوم علي الوردي فعليا وهو متكئ على شرعيةاكاديمية لانعني بهذا القول اي اساءة لطرح المرحوم علي الوردي الفكري والثقافي مطلقا وانما نريد التأكيد على ان ((اشكالية علم الاجتماع العراقي)) دخلت في مرحلة الاشكالية (( المركبة فكريا )) وليست البسيطة عندما اصبح هناك جهة رسمية (( قسم علم الاجتماع في كلية الاداب )) تهب الشرعية الاكاديمية لطرح المرحوم علي الوردي الفكرية باعتباره طرحا يمت بصلة ((اكاديمية وعلمية )) للعلم الاجتماعي الحديث !!.
بينما الواقع ان طرح المرحوم علي الوردي الفكري والثقافي المدون والمكتوب والمقروء .....حتى اليوم لايمكن نسبته علميا باي عنوان من العناوين لمحاور ومناهج ومواضيع واهداف وافكار...العلم الاجتماعي الحديث ( الذي اسسه كونت ودوركهايم وسبنسر..الخ) للاختلاف الجذري بين طرح علم الاجتماع الحديث لمواضيعه ومناهجه المتخصصة وبين ماطرحه علي الوردي من مواضيع لاعلاقة لها بمسمى علم الاجتماع كخوارق اللاشعور وشخصية الفرد العراقي ومنطق ابن خلدون....الخ التي هي مواضيع اقرب لتناول الافراد نفسيا وفكريا وسلوكيا وتحليليا اوتناول التاريخ واحداثه تأمليا منها الى تناول المجتمع وظواهره الاجتماعية وارجاعها الى قوانين علم الاجتماع الثابت منها والمتغير !!.
ونعم فكرالمرحوم الوردي بالامكان نسبته لاجتهاده الشخصي وثقافته المتنوعة ، وبالامكان اعتبار ما طرحه المرحوم الوردي من افكار وثقافة وتصورات وانطباعات ... في اكثر من اتجاه علمي من ضمن طرحه الثقافي المتنوع والمرسل على عواهنه اما نسبة هذا الطرح للعلم الاجتماعي الحديث ، واعطاءه صبغة رسمية اكاديمية علمية ، فهذا يعني التغرير والتضليل المتعمد للقارئ العراقي البسيط ولانصاف المثقفين بان ما يطرح هو من صميم علم الاجتماع الحديث وانه صاحب مصداقية وشرعية رسمية اكاديمية عالية القيمة ، وهذا اول تراكيب الاشكالية وتعقيداتها الاجتماعية العراقية التي خدعت الاجتماع العراقي بان طرح المرحوم الوردي الفكري والثقافي انما هو (طرح علمي واجتماعي) وليس طرحا شخصيا لاعلاقة له بعلم الاجتماع وهذا اولا !!.
ثانيا:لاريب اننا عندما نقول ان لكلية الاداب وقادتها الذين سمحوا للمرحوم علي الوردي ان يمتطي قسم علم الاجتماع ليتخذه منصة رسمية اكاديمية لطرح افكاره الشخصية باسم علم الاجتماع ومن ثم التغرير بالعقل العراقي الخمسيني الثقافي واعطاءه مادة لاعلاقة لها بعلم الاجتماع الحديث على اساس ان هذا هو ((علم الاجتماع الحديث )) الذي اسسه العالم الغربي الصناعي الحديث بقيادة (كونت ودوكهايم وباقي قادة المدارس الاجتماعية االمتنوعة )) اقول لاريب ان على اؤلئك القادة التعليميين في العراق الحديث تقع مسؤولية كبرى في تضليل الراي والفكر العراقي المعاصر بشأن العلم الاجتماعي الحديث !!.
بل لم تزل وحتى اليوم المسؤولية قائمة على جامعاتنا وكلياتنا التعليمية العراقية ، وكذا على كل استاذ جامعي عراقي مختص بالعلم الاجتماعي الحديث ان يقدم رؤيته وتقييمه بشأن ماطرحه المرحوم علي الوردي باسم العلم الاجتماعي مقارنا بمدارس علم الاجتماع الحديثة وعلى ما اوسس عليه هذا العلم وكيف أسس المؤسسون هذا العلم وهل هذا المطروح ورديا يمت بصلة علمية لعلم الاجتماع الحديث او لمواضيعه او لمدارسه الفكرية او لمناهجه المعروفة او لاهدافه وغاياته ؟.
ام انه طرح شخصي للمرحوم علي الوردي طرحه كتأملات فردية وافكارفي مواضيع شتى متفرقة لاعلاقةلها بالعلم الاجتماعي الحديث ، وتصطدم مع تخصصية علم الاجتماع ومواضيعه واهدافه واكاديميته الحديثة ، وان المرحوم الوردي قد ضلل الفكر العراقي عندما طرح هذا الكم المتناشز والمؤدلج والمسيس من الافكار باسم العلم الاجتماعي ؟؟.
نعم على قادة التعليم العالي حتى اليوم في العراق مسؤولية كبرى تحتم عليهم اصلاح الخلل الذي وقع على علم الاجتماع في العراق الحديث ، وانتج لنا اجيال من الشباب والطلبة وانصاف المتعلمين ، عندما تطرح امامهم سؤال : من هو مؤسس علم الاجتماع الحديث ؟.
فتلقائيا سيجيبك الكل ببلاهة البليد الكسول عن البحث ، والاجتهاد بانه العملاق مؤسس علم الاجتماع العراقي المرحوم علي الوردي !!.
((يحكى ان في الثمانينات من القرن المنصرم ابان الحرب العراقية الايرانية سأل استاذ مصري منتدب من قبل الدولة للتدريس في العراق عن صانع حضارة بابل العراقية القديمة ومؤسس لبناتها الكبيرة ؟، فاجابه تلاميذ الصف السادس الابتدائي بصوت عالي وموحد : انه الرئيس القائد المهيب الركن البطل صدام حسين ، ثم صفق جميع التلاميذ بحرارة وقوة !!. ويبدو ان هذا ما تصنعه ثقافة التغييب والخداع والاستبداد والدكتاتورية في عقول الناشئة والابرياء دوما )) .
واذا سألته عن دور ( كونت او دركهايم او سبنسر او كوهين او تالكوت ...) في تاسيس علم الاجتماع العالمي الحديث الذي كان من المفروض ان يكون علي الوردي احد تلامذتهم باعتبار شهادة الدكتوراه ، التي حصل عليها في هذا العلم لابد ان تمر عبر دراسة افكارهم ومدارسهم ومناهجهم .... ، تجده يفر باذنيه من لغة الجنّ الجديدة هذه على ثقافته وسمعه وبصره !!.
فمثقفونا وطلبتنا لايعرفون ( كونت كمؤسس ولا دوركهايم كصاحب مدرسة ولا سبنسر كمنظر في علم الاجتماع) انما يعرفون علي الوردي وازدواجية الشخصية العراقية وطبيعتها الشيطانية التي يأست من رحمة الله وجنته فقط !!.
وهكذا اذا سألت طلبتنا في الجامعات ماهي مواضيع علم الاجتماع الحديث ؟، او كم هي مدارس علم الاجتماع العالمية الحديثة ؟ ، او لماذا ينبغي ان ننظر لظواهر المجتمع كوحدة او كوحدات متماسكة وحية وشاعرة ومتأثرة ومتطورة في علم الاجتماع الحديث ولا ننظر للافراد بافكارهم المنعزلة ولا لسلوكهم او نفسياتهم منقطعة عن الكل الاجتماعي ؟؟.
فترى مثقفينا وطلبتنا الجامعيين ، وحتى الدارسين للعلم الاجتماعي الحديث في حيص بيص ، لايكاد احدهم يفهم او يدرك من علم الاجتماع اي مفردة ، الا ما طرحه المرحوم علي الوردي في مؤلفاته ، وكتبه عن القروي الذي دخل المدينة فاصابه وباء الاختلال في المعايير بين مايؤمن به من بداوة وما يمارسه من سلوك متمدين مفتعل !!.
ومن اجل هذا كله نحن نقول بضرورة العودة من جديد لطرح و(( تاسيس علم اجتماع عراقي حديث )) له صلة حقيقية بمنتج العلم الاجتماعي العالمي الحديث وبعيدا عن عبثيات المرحوم علي الوردي الفكرية والتاملية والثقافية والشخصية .... ليفهم طلبتنا ماهو علم الاجتماع ؟ وما تاريخ نشاته ؟ ومن هم مؤسسوه وماهي مناهجه ومواضيعه واهدافه وغاياته ومصطلحاته ومفرداته وتخصصه.... الخ وكل مجالاته الدراسية العلمية التي تلتزم المناهج في رصد وملاحظة الظواهر الاجتماعية وفهمها وقرائتها وتحليلها بشكل علمي ومهني واحصائي ووضع الدراسات ومن ثم التوصيات في تدعيمها او معالجتها ان كانت هذه الظواهر نتيجة ظروف اجتماعية مصطنعة وغير طبيعية اجتماعية او انها ظواهر طبيعية ومتطورة وخالية من الاعراض !!.
ثالثا : محور هشاشة البناء وعدم صلاحية ما تبقى منه للديمومة العلمية .
ان بناءا يقوم على الفوضوية الفكرية كماحصل بالفعل ل((مسمى العلم الاجتماعي العراقي)) على يد المرحوم علي الوردي في العراق الحديث لايمكن له ان يكون بناءا علميا رصينا صالحا ، لان يكون اساسا للبناء عليه واستمرار مشروعه وانتاج هذا المشروع لكل ماهو مفيد ومجدد وقابل للحياة !!.
اي بمعنى اخر ان المحور الثالث الذي ذكرناه تحت عنوان (هشاشة البناء) واعتباره احد اركان اشكالية علم الاجتماع العراقي الحديث ،هو محور يحاول ان يبرز عدة حقائق تتعلق بموضوع العلم كعلم في ماهيته وفي وظيفته وفي استمراره وفي اهدافه وغايته ، وباعتبار ان هذه المحاور الثلاثة شكلت مركبا معقدا لاشكالية علم الاجتماع العراقي الحديث فمن الطبيعي ان تكون هناك تركيبة بين المحور الاول الذي اسس للاشكالية وهو (فوضوية التاسيس) والمحورالثاني الذي انبنى على هذه الفوضوية ليطرح (عبثية التنظير) ، لنصل الى نتيجة طبيعية ومحورا ثالثا مفاده ( هشاشة البناء ) وضعفه وعدم قدرته على الاستمرار والتجدد على هذه الاسس الفكرية والثقافية ، التي طرحت باسم العلم الاجتماعي لمدة زمنية قصيرة جدا بعض الافكار المبعثرة التي ما لبثنا ان راينا كيف بدات وكيف انتهت بمجرد مرورعقد واحد فقط لاغير على مشروع العلم الاجتماعي العراقي الحديث في عراق الخمسينات والستينات !!.
وهنا الفكرة بصورة اوضح :
ان العلم سُمي علما سواء كان فكريا فلسفيا او عقديا او ايدلوجيا او تجريبيا طبيعيا او سيسلوجيا اجتماعيا ... واخذ وخاصة في العصر الحديث الانساني بعد الثورة العلمية الصناعية الغربية صفة العلم لانه يمتاز ببعدين اساسيين لقيامته العلمية :
الاول : وهو بُعد المنهج او التنظيم ( حسب تعبير ارسطو العلم هو المعرفة المنظمة ) .
الثاني : وهو بعد التخصص .
فكل علم في هذا العالم الانساني اذا انفقدت فيه المنهجية اوغابت عنه التخصصية في محاورموضوعاته العلمية فحتما لايمكن ان يسمى علما من جهة ، ولايمكن له الاستمرار والحياة مع الزمن باعتبار ان فاقد التأسيس والمنهجية والتخصص والتحديد لايحمل بذرة او جينة الصراع من اجل البقاء في الحياة العلمية الانسانية !!.
ولهذا عرف العصر الصناعي والعلمي الحديث بان العلم هو المنهج ، فلا علم بلا منهج ولا منهج بلا علم !!.
وعلى هذا الاساس نفهم ، وندرك لماذا بقيت مثلا الفلسفة ( التي يهزء بها كثيرا المرحوم علي الوردي وبشرنا بحتمية موتها في العصر الحديث لكن مع الاسف اندثر الوردي وبقيت الفلسفة كعلم ومنهج) وعلمها الاف السنين في الحياة الانسانية وحتى اليوم ، او لماذا بقي علم الفلك وتطور ليصل الى الفيزياء وقوانينها الذرية ، ولماذا تطور علم الكيمياء والطبيعة حتى احدث هذه القفزة البشرية الهائلة على يد الطبيعي (جارلس داروين )بينما اندثرت الكثير من الرؤى والافكار التي لم يكن لها نصيب من التنظيم والمنهجية والتخصص والهدف والغاية من باقي الافكار والعلوم او ماسُمي بالعلوم الاخرى !!.
فكل فكر لايحمل منهجا يصلح لان يكون اساسا ولايحمل تخصصا يصلح لان يكون تنظيما فلايمكن له ان يكون علما اولا ولا يمكن له ان يوهب ماء الحياة والاستمرار والتطور ثانيا !!.
وفي الحقيقة هذا ما فهمته الحضارة العلمية الصناعية الحديثة حول العلم وامكانية اشادته ، وهذا ما بنت عليه هذه الحضارة المعاصرة كل رؤاها الفكرية والعلمية الحديثة لما بين يديها من فكر وفلسفة وعلم وتصورات !!.
نعم هناك من غالى في تطبيق ((المنهج )) على العلوم الانسانية في العصر الحديث وهناك من تبنى منهجية معينة في العلوم الانسانية ك(المنهجية المادية) ليرى ان كل علم لايحمل منهجية مادية فهو ليس بعلم ، ولهذا شنّ الوضعيون ( منهم اوجست كونت) والماديون حملة شعواء على الفلسفة وعلومها الواسعة باعتبار ان افكارها العقلية والمنطقية لاتخضع للمادة وتقنيتها التجريبية المعاصرة ولكن مع ذالك بقيت المنهجية ( اي منهجية ) منظمة هي روح العلم واساسه وقاعدته المكينة التي يبنى عليها ليضاف لها التخصص في العصر الحديث ليكون هو ايضا ماء الحياة لمفهوم العلم المتخصص في العصر الحديث !!.
اوجست كونت الفيلسوف ومؤسس علم الاجتماع الحديث ادرك هذه الحقيقة حول العلم ، وادرك انه اذا اراد ان يقيم للاجتماع (علما ) فلابد عليه اولا ان يفكر في وضع المنهج العلمي كي يكون اساسا وقاعدة لهذا العلم من جهة ، وان يؤطر هذا العلم بالتخصص كي يكون اطارا لمواضيع هذا العلم الجديد على العلوم الانسانية !!.
وبهذا بدأ ( كونت ) اولا خطواته العلمية بوضع التعريف للعلم الاجتماعي ، وثنى بوضع المناهج له (مناهج البحث وادواته) كاساس لاقامة بناء العلم الاجتماعي الحديث ، وهكذا عبّد طريق موضوعاته ، وخصص توجهاته ومساراته (ظواهر المجتمع الانساني بصورة عامة) ووضح اهدافه وغاياته ( فهم قوانين وحركات وتطورات ونكسات المجتمع الانساني ) ....الخ وبهذا اقام (كونت ) علما اسمه : علم الاجتماع الحديث !.
هذا العلم جاءه بعد ( اوجست كونت ) من راى فيه كل صفات ، ومميزات العلم وقواعده التي يمكن البناء عليها والتطوير من الياتها ونظرياتها ومعارفها وعلومها ، فكان (دوركهايم) الحلقة الثانية لدفع مشروع علم الاجتماع (الكونتي) فبنى على اسس (كونت) ما كان ضروريا لدفع هذا العلم نحو التطوروبنفس الوقت التماسك والقوة ، فقنن من علم الاجتماع وشذب من زوائده وصقله ليكون علما للاجتماع فقط بعيدا عن شظايا الفلسفة الكونتية وما تركته من تاثير على نظرات العلم الاجتماعي وبعيدا عن الايدلوجي والسياسي وتطفله على مناهج وتصورات هذا العلم الجديد .....الخ !.
(هربرت سبنسر) صاحب المدرسة الاجتماعية البريطانية ، كان صاحب النظرية البيلوجية في علم الاجتماع ، الذي نقلت علم الاجتماع من النظرية الوضعية لاوجست كونت الى النظرية الداروينية التطورية الاجتماعية في مدرسة سبنسر ... وهكذا !.
الغرض هو القول ان الفكر اذا توفرت فيه ((المنهجية والتخصصية )) يصبح تلقائيا ((علما )) يحمل في جيناته امكانية البقاء والاستمرار والتطور والعطاء والنماء .... !!.
اما اذا كان الفكر فوضويا لامنهجيا وليس له اي صلة باي تخصص او مصطلحات محددة ، فمن الطبيعي ان لايكون هذا الفكر ولا يستطيع ان يكون علما وليس بمقدوره ان يستمر في صراع الافكار من اجل البقاء في هذه الحياة ، او ان يكون له نصيب من التجديد او ان يكون قادرا على تحمل اعباء البناء على كاهله فيما بعد .... الخ ، وهذا ماحصل بالفعل لفكر المرحوم علي الوردي الفوضوي الذي طرحه باسم علم الاجتماع بلا منهج ولا تخصص ولاهدف ولامواضيع ولاغايات محددة !!.
فمن الطبيعي الآن وعلى هذا الاساس : ان نفهم لماذا لم يثمر العلم الاجتماعي العراقي الحديث ؟ .
ولماذا نحن اطلقنا الكذبة على هذا العلم الاجتماعي الذي هو لاعلم ولا منهج ولاتخصص اساسا ؟ .
ولماذا كانت هناك هبة مؤقتة ( خدمها الاعلام ومكر الرجل ) لفكر المرحوم الوردي وردود افعال اجتماعية مفتعلة سرعان ما خبت وانطفأت حتى اليوم ؟ .
ولماذا لم يتمكن اي باحث او عالم اجتماع او تلميذغرّ ان يستمر بمشروع المرحوم علي الوردي الذي اسماه زورا بالاجتماعي او ان يضيف عليه او ان يطوره الى حالة علميا ارقى واثبت اساسا واقوى بنيانا وتشييدا !!.....الخ .
وكيف يستطيع احدنا ان يطور مشروعا اساسه الفوضوية الفكرية التي ليس لها بداية وليس لها نهاية محددة ؟.
وكيف يتمكن اي باحث يحترم نفسه او اي عالم او مفكر او مثقف يفهم معنى العلم ان يطرح على فكر المرحوم علي الوردي مسمى العلم الاجتماعي وهو يدرك ان فكرالمرحوم الوردي لايمتلك اي اساس علمي حتى يبنى عليه وليس فيه رائحةتخصص كي تبين مواضيعه وتنظم وليس من صفاته اي هدف يبتغى الوصول اليه سوى هدف التشويش والسفسطة الغريبة والعجيبة فكريا على العلم نفسه !؟؟.
ان هذه الحقائق التي ذكرناها في محور (هشاشة البناء ) في اشكالية العلم الاجتماعي العراقي الحديث حول فكر المرحوم علي الوردي الفوضوي ، هي ما سوف تبين للقارئ الكريم الاجوبة الكثيرة على اسألتنا التي سألناها فيما سبق كاشكاليات على ما سُمي بعلم الاجتماع العراقي الحديث ، فهي القادرة على ان تجيب عن سؤال : لماذا انتهى مشروع علم الاجتماع العراقي قبل حتى ان يولد بصورة علمية ؟.
والجواب ببساطة : لانه لايوجد علم للاجتماع من الاساس بني في العراق الحديث ليتم البناء عليه او قدرة تطويره او امكانية استمراره مع الاجيال المتلاحقة !!.
وهي القادرة ايضا على جواب سؤال : لماذا بعد الستينات من القرن العشرين المنصرم برزت ظاهرة (العقم الفكري) للمرحوم الوردي نفسه بحيث اننا وبعد الستينات لم نعد نقرأ ونسمع لفكر المرحوم الوردي الاجتماعي اي حس او نفس مشاكس !!.
ولماذا ..... ؟. الخ
نعم في الستينات بقت لفكر المرحوم الوردي اطلالات باهتة هنا وهناك وقد كتب الرجل بالفعل اجزاء من اللمحات الاجتماعية من تاريخ العراق الحديث وملاحق هذا المنتج التاريخي في الستينات كما ذكره الوردي نفسه في ملاحق الاجزاء الستة لكتابه الشهير (( ملامح اجتماعية من تاريخ العراق الحديث)) لكن كان هذا منتجا فكريا تعلوه سمات وملامح شيخوخة فكر المرحوم علي الوردي ، وبوادر موتها المحققة وكأنه يودع قراءه من العراقيين الى رحيله وغيبته التي دامت الى يوم وفاته في 1995م رحمه الله !!.
في بدء بحثنا هذا ذكرنا ان المرحوم (علي الوردي) قدّم استقالته بالفعل في سنة 1970 م لكلية الاداب في بغداد لاسباب ذُكر منها تفرغه للتاليف والكتابة !!.
والحقيقة ان زمن السبعينيات من القرن العشرين المنصرم بالنسبة للمرحوم الوردي فكريا كان هو زمن نهاية تراجيدية وعقم فكري غاية في الغرابة ومدعاة للتساؤل والاستفهام ، فلماذا انزوى فعليا المرحوم الوردي عن الانتاج الفكري ؟، سؤال لايمكن لنا اغفاله ونحن نتناول حياة وفكر رجل له من الاهمية ما للوردي في المجتمعية العراقية الحديثة !!.
نعم نحن نفهم وندرك تاريخيا ان ماقبل السبعينات قد انتهى المرحوم علي الوردي فكريا ومن ذكر سبب تقديم استقالة الوردي لكلية الاداب في بغداد على اساس التفرغ (للتاليف والكتابة) فهو انسان افاك ويحاول التدليس على الشعب العراقي واستغفال ذاكرته الثقافية العامة ، لان الرجل بعد السبعينات لم يكن له حس فضلا عن تاليف او تفرغ للكتابة والابداع !!.
ونعم ايضا حسب الحقائق ، التي ذكرناها في هذا البحث ندرك ونفهم فكريا لماذا انتهى ابداع المرحوم علي الوردي ثقافيا في فترة وجيزة وقصيرة تماما لانه وبسبب ان المرحوم الوردي كان يتمتع بقدرة نثر الافكار فوضويا ، والكتابة بمواضيع لارابط علمي منظم لها فمن الطبيعي والحال هذه ان تنتهي طاقة الابداع الفكري لمثل هكذا اشخاص لديهم طاقة فكر مكبوتة سرعان ما تنفجر لتحدث دويا وشظايا في كل اتجاه لكنها بنفس الوقت تموت وتندثر في لحظة انجلاء غبار الانفجار وينتهي كل تاثير لها بزمن محدد وقصير جدا !!.
فليس هناك شخص يحمل جرثومة الابداع بالامكان استنزاف طاقاته الابداعية الحقيقية او ايقافها او قتلها بزمن محدد وتحت كتابة مواضيع متعددة لاغير ، كما انه ليس هناك قوة على هذه الارض تتمكن من خنق ابداع المبدع المفكر من طرح ابداعه الى اخر لحظة في حياته الفكرية وتحت اي ظرف واسباب ، ولكن من يعتقد انه مبدعا وهو لايحمل الابداع والتطور والتنظير والتجدد الفكري ... في جرثومة فكره العلمي ، ذالك هو الذي يظهر على الساحة مؤقتا ثم ما يلبث ان يزول اثره من الوجود !!.
وطبعا هنا ، وفي هذا المفصل من حياة المرحوم علي الوردي الفكرية هناك من حاول ان يدخل العامل السياسي في موضوعة عقم فكر المرحوم الوردي عن الانتاج الفكري الفوضوي فضلا عن الاجتماعي بعد الستينات من القرن المنصرم ، ولينّظر الى : ان مواقف المرحوم علي الوردي النضالية ، والبطولية المساندة لحق الطبقات المستضعفة في العراق ، هي التي جعلت من الدولة العراقية الندّ الحقيقي لتحجيم فكرالوردي من الانسياب في الابداع والتدفق في الكتابة والتاليف الاجتماعي والفكري بعد الستينات من القرن المنصرم ؟.
فهل كانت بالفعل مواقف المرحوم علي الوردي النضالية السياسية المدافعةعن حقوق طبقة المستضعفين في العراق هي سبب تحجيم فكر الوردي من تدفقه الابداعي فيما بعد الستينات من القرن المنصرم في العراق ؟.
أم ان المرحوم علي الوردي هواساسا كان مثقف سلطة وواعظ من وعاظ سلاطينها المتنوعين الذين جهدوا في خدمة السلطة على حساب الفقراء والمعدمين والمحرومين في العراق الحديث ؟.
هذا ما سنتناولة في القسم القادم انشاء الله قبل ان ندخل في اقسام مناقشة ((فكر المرحوم علي الوردي)) في مقدمات فهم هذا الفكر ، وبيان تناقضاته وتحليلاته السطحية ، والمتناقضة مع ابسط قواعد العلم الرصين واتكاءه على الايدلوجي في كل فكره المطروح باسم علم الاجتماع !.
************************
alshakerr@yahoo.com
زورو مدونتي لقراءة المزيد :
http://7araa.blogspot.com/
حميد الشاكر
في المحور الاول من القسم السابق طرحنا(( اشكالية فوضوية التأسيس )) في (قسم علم الاجتماع الحديث) الذي شرعت كلية العراق الاولى ( كلية الاداب والعلوم ) في 1952م بتأسيسه وتدريس مادته العلمية كأحد المواد الاساسية لهذه الكلية العريقة في العراق ، باعتباره من اهم (( اشكاليات علم الاجتماع العراقي الحديث )) !.
وقد ذكرنا انذاك : ان عامل حرق المراحل وعدم وضع استراتيجية رصينة للتعليم الاجتماعي في العراق الحديث انذاك مضافا لأنتداب المرحوم (علي الوردي) للاشراف على هذا القسم ((قسم علم الاجتماع)) بدون ان يكون للرجل اي صلة علمية حقيقية نلمسها في تاليفه ونتاجه الثقافي المدّون ( سوى صلة التحدث باسمه في كل شيئ ) او حتى فكرية بالعلم الاجتماعي الحديث الذي اسسه ((اوجست كونت)) ، وقننه ودعم من اسسه ((دوركهايم)) ونظر لمدرسته بشكل مختلف (( سبنسر )) ... كانت له نتائج وخيمة على مشروع (( علم الاجتماع )) في العراق الحديث ، الذي بدأ كمشروع واعد في بداية الخمسينات ، الا انه سرعان ما تدهور وتراجع ثم مات فعليا في الستينات بفعل فوضوية التأسيس وعدم وضع الدراسات الكافية لكيفية تاسيس علم اجتماع عراقي حديث بامكانه ان يكون (علما) ويتم بناءه وتطويره مع الاجيال المتلاحقة من خلال انتداب علماء اجتماع مدركين وفاهمين وواعين لماهية هذا العلم وماهية تخصصه والالتزام بمناهجه والقيام على العمل للوصول الى اهدافه العلمية الاجتماعية المهمة !!.
والحقيقة ان ظاهرة (موت ماسُمي بعلم الاجتماع العراقي) في الستينات لم يكن ظاهرة غير ملفتة للنظر لو كان الفكر العراقي مهتما بشأنه الفكري والعلمي العراقي الحديث وملاحقاً لكل تطوراته او تراجعاته ، وكذالك عدم انجاب ((قسم علم الاجتماع )) في كلية الاداب العراقية منذ الخمسينات وحتى اليوم لاي مبدع او عالم او مفكر... منذ تاسيسه وحتى اليوم في علم الاجتماع الحديث بالامكان الاشارة له بالبنان ايضا ظاهرة ليست بالطبيعية ، التي لاتستحق الوقوف عندها ودراستها ودراسة اسبابها بنوع من التدقيق والتأمل والفكرية... لو كان الفكر العراقي يشعر بحالة صحية في مسار حياته العلمية ، ولكن يبدو ان الفكر العراقي انذاك كان يعيش في ((غيبوبة ثقافية حقيقية )) هي التي جعلته مخدرا او مغيبا تماما عن الالتفات لمثل هذه الكوارث الفكرية والثقافية التي حلت بساحته لاسيما ما يختص ب (( العلم الاجتماعي العراقي )) الحديث !!.
ويبدو انه ايضا وبعد مرور اكثر من ستة عقود مظلمة وحتى اليوم لايرغب ( الفكر العراقي العلمي والثقافي) ان يصحو من غيبوبته تلك ، ويعيد حساباته الفكرية ويبدأ من حيث بدأ الخلل ليصلحه ، ويشرع من جديد لاستقبال الحياة العلمية بنوع من الاحترام لمستقبل الاجيال العراقية القادمة ، اوعلى الاصح لا يرغب من يدعون الفكر ويقدمون انفسهم للعالم انهم رجال العلم والثقافة في العراق اليوم ان يخرجوا من تيههم ، الذي دخلوا بصحراءه في الخمسينات ، ليستأنفوا حياة الفكر والعلم والثقافة الحقيقية التي لا تعترف بشرعية مهما كان لونها عقديا ، او ايدلوجيا او سياسيا او اجتماعيا او نفسيا .... الا لشرعية العلم وبحثه النقدي ، واعادة انتاجه وتجديده لنفسه كل يوم بانتاج فكر نقدي يقرأ القديم بوعي ليضيف له هنا شيئا جديدا او ليلغي منه هناك علما لانافعا ، او ليثور على فكرا في تلك الساحة كاذبا ومزيفا بين البينين ... وهكذا !!.
وعلى اي حال كان المحورالاول (لأشكالية العلم الاجتماعي) في العراق الحديث هومحور فوضوية التأسيس التي ينبغي العودة عراقيا فكريا ، وعلميا ومهنيا لها (لدراسة مرحلتها الزمنية) لمناقشتها واعادة بناء وتأسيس قسم علم اجتماع عراقي حقيقي في جامعاتنا ، وكلياتنا التربوية العراقية يختلف عما انبنى عليه في السابق من ايدلوجيات ، وافكار فوضوية لاعلاقة لها بعلم الاجتماع كي لانبقى نسير في الطريق الخاطئ الى ما لانهاية ونحن نلهج فقط بعبقرية كذبة علمنا الاجتماعي العراقي العريق وعبقرية مؤسسه المرحوم علي الوردي الذي لم يؤسس في الحقيقة اي علم للاجتماع !!.
اما المحور الثاني الذي طرحناه انذاك في (( اشكالية علم الاجتماع في العراق الحديث )) فهو محور: عبثية التنظير باسم علم الاجتماع !.
وما نقصده في الحقيقة ب (عبثية التنظير باسم هذا العلم) هو ما طرحه المرحوم علي الوردي تاليفا وتدوينا وتنظيرا وتثقيفا ..... باسم علم الاجتماع مستندا في ذالك ومتكئا على (شرعية) ادارته لقسم علم الاجتماع في كلية الاداب والعلوم في العراق الحديث من سنة 1953م وما بعدها من جهة ومتكئا على ما طرحه من مؤلفات وافكار تتحدث باسم هذا العلم من جانب اخر والى تاريخ 1970م ، عندما يذكرلنا تاريخ المرحوم علي الوردي الغير موثق والغير مدون بان المرحوم الوردي قدم استقالته لهذه الكلية بدواعي التفرغ للتأليف والكتابة الخاصة بمشاريعه الفكرية !!!.
والحقيقة عندما نقول : ان هناك عبثية في التنظير تمت تحت اسم علم الاجتماع وقد مارسها المرحوم علي الوردي فعليا وهو متكئ على شرعيةاكاديمية لانعني بهذا القول اي اساءة لطرح المرحوم علي الوردي الفكري والثقافي مطلقا وانما نريد التأكيد على ان ((اشكالية علم الاجتماع العراقي)) دخلت في مرحلة الاشكالية (( المركبة فكريا )) وليست البسيطة عندما اصبح هناك جهة رسمية (( قسم علم الاجتماع في كلية الاداب )) تهب الشرعية الاكاديمية لطرح المرحوم علي الوردي الفكرية باعتباره طرحا يمت بصلة ((اكاديمية وعلمية )) للعلم الاجتماعي الحديث !!.
بينما الواقع ان طرح المرحوم علي الوردي الفكري والثقافي المدون والمكتوب والمقروء .....حتى اليوم لايمكن نسبته علميا باي عنوان من العناوين لمحاور ومناهج ومواضيع واهداف وافكار...العلم الاجتماعي الحديث ( الذي اسسه كونت ودوركهايم وسبنسر..الخ) للاختلاف الجذري بين طرح علم الاجتماع الحديث لمواضيعه ومناهجه المتخصصة وبين ماطرحه علي الوردي من مواضيع لاعلاقة لها بمسمى علم الاجتماع كخوارق اللاشعور وشخصية الفرد العراقي ومنطق ابن خلدون....الخ التي هي مواضيع اقرب لتناول الافراد نفسيا وفكريا وسلوكيا وتحليليا اوتناول التاريخ واحداثه تأمليا منها الى تناول المجتمع وظواهره الاجتماعية وارجاعها الى قوانين علم الاجتماع الثابت منها والمتغير !!.
ونعم فكرالمرحوم الوردي بالامكان نسبته لاجتهاده الشخصي وثقافته المتنوعة ، وبالامكان اعتبار ما طرحه المرحوم الوردي من افكار وثقافة وتصورات وانطباعات ... في اكثر من اتجاه علمي من ضمن طرحه الثقافي المتنوع والمرسل على عواهنه اما نسبة هذا الطرح للعلم الاجتماعي الحديث ، واعطاءه صبغة رسمية اكاديمية علمية ، فهذا يعني التغرير والتضليل المتعمد للقارئ العراقي البسيط ولانصاف المثقفين بان ما يطرح هو من صميم علم الاجتماع الحديث وانه صاحب مصداقية وشرعية رسمية اكاديمية عالية القيمة ، وهذا اول تراكيب الاشكالية وتعقيداتها الاجتماعية العراقية التي خدعت الاجتماع العراقي بان طرح المرحوم الوردي الفكري والثقافي انما هو (طرح علمي واجتماعي) وليس طرحا شخصيا لاعلاقة له بعلم الاجتماع وهذا اولا !!.
ثانيا:لاريب اننا عندما نقول ان لكلية الاداب وقادتها الذين سمحوا للمرحوم علي الوردي ان يمتطي قسم علم الاجتماع ليتخذه منصة رسمية اكاديمية لطرح افكاره الشخصية باسم علم الاجتماع ومن ثم التغرير بالعقل العراقي الخمسيني الثقافي واعطاءه مادة لاعلاقة لها بعلم الاجتماع الحديث على اساس ان هذا هو ((علم الاجتماع الحديث )) الذي اسسه العالم الغربي الصناعي الحديث بقيادة (كونت ودوكهايم وباقي قادة المدارس الاجتماعية االمتنوعة )) اقول لاريب ان على اؤلئك القادة التعليميين في العراق الحديث تقع مسؤولية كبرى في تضليل الراي والفكر العراقي المعاصر بشأن العلم الاجتماعي الحديث !!.
بل لم تزل وحتى اليوم المسؤولية قائمة على جامعاتنا وكلياتنا التعليمية العراقية ، وكذا على كل استاذ جامعي عراقي مختص بالعلم الاجتماعي الحديث ان يقدم رؤيته وتقييمه بشأن ماطرحه المرحوم علي الوردي باسم العلم الاجتماعي مقارنا بمدارس علم الاجتماع الحديثة وعلى ما اوسس عليه هذا العلم وكيف أسس المؤسسون هذا العلم وهل هذا المطروح ورديا يمت بصلة علمية لعلم الاجتماع الحديث او لمواضيعه او لمدارسه الفكرية او لمناهجه المعروفة او لاهدافه وغاياته ؟.
ام انه طرح شخصي للمرحوم علي الوردي طرحه كتأملات فردية وافكارفي مواضيع شتى متفرقة لاعلاقةلها بالعلم الاجتماعي الحديث ، وتصطدم مع تخصصية علم الاجتماع ومواضيعه واهدافه واكاديميته الحديثة ، وان المرحوم الوردي قد ضلل الفكر العراقي عندما طرح هذا الكم المتناشز والمؤدلج والمسيس من الافكار باسم العلم الاجتماعي ؟؟.
نعم على قادة التعليم العالي حتى اليوم في العراق مسؤولية كبرى تحتم عليهم اصلاح الخلل الذي وقع على علم الاجتماع في العراق الحديث ، وانتج لنا اجيال من الشباب والطلبة وانصاف المتعلمين ، عندما تطرح امامهم سؤال : من هو مؤسس علم الاجتماع الحديث ؟.
فتلقائيا سيجيبك الكل ببلاهة البليد الكسول عن البحث ، والاجتهاد بانه العملاق مؤسس علم الاجتماع العراقي المرحوم علي الوردي !!.
((يحكى ان في الثمانينات من القرن المنصرم ابان الحرب العراقية الايرانية سأل استاذ مصري منتدب من قبل الدولة للتدريس في العراق عن صانع حضارة بابل العراقية القديمة ومؤسس لبناتها الكبيرة ؟، فاجابه تلاميذ الصف السادس الابتدائي بصوت عالي وموحد : انه الرئيس القائد المهيب الركن البطل صدام حسين ، ثم صفق جميع التلاميذ بحرارة وقوة !!. ويبدو ان هذا ما تصنعه ثقافة التغييب والخداع والاستبداد والدكتاتورية في عقول الناشئة والابرياء دوما )) .
واذا سألته عن دور ( كونت او دركهايم او سبنسر او كوهين او تالكوت ...) في تاسيس علم الاجتماع العالمي الحديث الذي كان من المفروض ان يكون علي الوردي احد تلامذتهم باعتبار شهادة الدكتوراه ، التي حصل عليها في هذا العلم لابد ان تمر عبر دراسة افكارهم ومدارسهم ومناهجهم .... ، تجده يفر باذنيه من لغة الجنّ الجديدة هذه على ثقافته وسمعه وبصره !!.
فمثقفونا وطلبتنا لايعرفون ( كونت كمؤسس ولا دوركهايم كصاحب مدرسة ولا سبنسر كمنظر في علم الاجتماع) انما يعرفون علي الوردي وازدواجية الشخصية العراقية وطبيعتها الشيطانية التي يأست من رحمة الله وجنته فقط !!.
وهكذا اذا سألت طلبتنا في الجامعات ماهي مواضيع علم الاجتماع الحديث ؟، او كم هي مدارس علم الاجتماع العالمية الحديثة ؟ ، او لماذا ينبغي ان ننظر لظواهر المجتمع كوحدة او كوحدات متماسكة وحية وشاعرة ومتأثرة ومتطورة في علم الاجتماع الحديث ولا ننظر للافراد بافكارهم المنعزلة ولا لسلوكهم او نفسياتهم منقطعة عن الكل الاجتماعي ؟؟.
فترى مثقفينا وطلبتنا الجامعيين ، وحتى الدارسين للعلم الاجتماعي الحديث في حيص بيص ، لايكاد احدهم يفهم او يدرك من علم الاجتماع اي مفردة ، الا ما طرحه المرحوم علي الوردي في مؤلفاته ، وكتبه عن القروي الذي دخل المدينة فاصابه وباء الاختلال في المعايير بين مايؤمن به من بداوة وما يمارسه من سلوك متمدين مفتعل !!.
ومن اجل هذا كله نحن نقول بضرورة العودة من جديد لطرح و(( تاسيس علم اجتماع عراقي حديث )) له صلة حقيقية بمنتج العلم الاجتماعي العالمي الحديث وبعيدا عن عبثيات المرحوم علي الوردي الفكرية والتاملية والثقافية والشخصية .... ليفهم طلبتنا ماهو علم الاجتماع ؟ وما تاريخ نشاته ؟ ومن هم مؤسسوه وماهي مناهجه ومواضيعه واهدافه وغاياته ومصطلحاته ومفرداته وتخصصه.... الخ وكل مجالاته الدراسية العلمية التي تلتزم المناهج في رصد وملاحظة الظواهر الاجتماعية وفهمها وقرائتها وتحليلها بشكل علمي ومهني واحصائي ووضع الدراسات ومن ثم التوصيات في تدعيمها او معالجتها ان كانت هذه الظواهر نتيجة ظروف اجتماعية مصطنعة وغير طبيعية اجتماعية او انها ظواهر طبيعية ومتطورة وخالية من الاعراض !!.
ثالثا : محور هشاشة البناء وعدم صلاحية ما تبقى منه للديمومة العلمية .
ان بناءا يقوم على الفوضوية الفكرية كماحصل بالفعل ل((مسمى العلم الاجتماعي العراقي)) على يد المرحوم علي الوردي في العراق الحديث لايمكن له ان يكون بناءا علميا رصينا صالحا ، لان يكون اساسا للبناء عليه واستمرار مشروعه وانتاج هذا المشروع لكل ماهو مفيد ومجدد وقابل للحياة !!.
اي بمعنى اخر ان المحور الثالث الذي ذكرناه تحت عنوان (هشاشة البناء) واعتباره احد اركان اشكالية علم الاجتماع العراقي الحديث ،هو محور يحاول ان يبرز عدة حقائق تتعلق بموضوع العلم كعلم في ماهيته وفي وظيفته وفي استمراره وفي اهدافه وغايته ، وباعتبار ان هذه المحاور الثلاثة شكلت مركبا معقدا لاشكالية علم الاجتماع العراقي الحديث فمن الطبيعي ان تكون هناك تركيبة بين المحور الاول الذي اسس للاشكالية وهو (فوضوية التاسيس) والمحورالثاني الذي انبنى على هذه الفوضوية ليطرح (عبثية التنظير) ، لنصل الى نتيجة طبيعية ومحورا ثالثا مفاده ( هشاشة البناء ) وضعفه وعدم قدرته على الاستمرار والتجدد على هذه الاسس الفكرية والثقافية ، التي طرحت باسم العلم الاجتماعي لمدة زمنية قصيرة جدا بعض الافكار المبعثرة التي ما لبثنا ان راينا كيف بدات وكيف انتهت بمجرد مرورعقد واحد فقط لاغير على مشروع العلم الاجتماعي العراقي الحديث في عراق الخمسينات والستينات !!.
وهنا الفكرة بصورة اوضح :
ان العلم سُمي علما سواء كان فكريا فلسفيا او عقديا او ايدلوجيا او تجريبيا طبيعيا او سيسلوجيا اجتماعيا ... واخذ وخاصة في العصر الحديث الانساني بعد الثورة العلمية الصناعية الغربية صفة العلم لانه يمتاز ببعدين اساسيين لقيامته العلمية :
الاول : وهو بُعد المنهج او التنظيم ( حسب تعبير ارسطو العلم هو المعرفة المنظمة ) .
الثاني : وهو بعد التخصص .
فكل علم في هذا العالم الانساني اذا انفقدت فيه المنهجية اوغابت عنه التخصصية في محاورموضوعاته العلمية فحتما لايمكن ان يسمى علما من جهة ، ولايمكن له الاستمرار والحياة مع الزمن باعتبار ان فاقد التأسيس والمنهجية والتخصص والتحديد لايحمل بذرة او جينة الصراع من اجل البقاء في الحياة العلمية الانسانية !!.
ولهذا عرف العصر الصناعي والعلمي الحديث بان العلم هو المنهج ، فلا علم بلا منهج ولا منهج بلا علم !!.
وعلى هذا الاساس نفهم ، وندرك لماذا بقيت مثلا الفلسفة ( التي يهزء بها كثيرا المرحوم علي الوردي وبشرنا بحتمية موتها في العصر الحديث لكن مع الاسف اندثر الوردي وبقيت الفلسفة كعلم ومنهج) وعلمها الاف السنين في الحياة الانسانية وحتى اليوم ، او لماذا بقي علم الفلك وتطور ليصل الى الفيزياء وقوانينها الذرية ، ولماذا تطور علم الكيمياء والطبيعة حتى احدث هذه القفزة البشرية الهائلة على يد الطبيعي (جارلس داروين )بينما اندثرت الكثير من الرؤى والافكار التي لم يكن لها نصيب من التنظيم والمنهجية والتخصص والهدف والغاية من باقي الافكار والعلوم او ماسُمي بالعلوم الاخرى !!.
فكل فكر لايحمل منهجا يصلح لان يكون اساسا ولايحمل تخصصا يصلح لان يكون تنظيما فلايمكن له ان يكون علما اولا ولا يمكن له ان يوهب ماء الحياة والاستمرار والتطور ثانيا !!.
وفي الحقيقة هذا ما فهمته الحضارة العلمية الصناعية الحديثة حول العلم وامكانية اشادته ، وهذا ما بنت عليه هذه الحضارة المعاصرة كل رؤاها الفكرية والعلمية الحديثة لما بين يديها من فكر وفلسفة وعلم وتصورات !!.
نعم هناك من غالى في تطبيق ((المنهج )) على العلوم الانسانية في العصر الحديث وهناك من تبنى منهجية معينة في العلوم الانسانية ك(المنهجية المادية) ليرى ان كل علم لايحمل منهجية مادية فهو ليس بعلم ، ولهذا شنّ الوضعيون ( منهم اوجست كونت) والماديون حملة شعواء على الفلسفة وعلومها الواسعة باعتبار ان افكارها العقلية والمنطقية لاتخضع للمادة وتقنيتها التجريبية المعاصرة ولكن مع ذالك بقيت المنهجية ( اي منهجية ) منظمة هي روح العلم واساسه وقاعدته المكينة التي يبنى عليها ليضاف لها التخصص في العصر الحديث ليكون هو ايضا ماء الحياة لمفهوم العلم المتخصص في العصر الحديث !!.
اوجست كونت الفيلسوف ومؤسس علم الاجتماع الحديث ادرك هذه الحقيقة حول العلم ، وادرك انه اذا اراد ان يقيم للاجتماع (علما ) فلابد عليه اولا ان يفكر في وضع المنهج العلمي كي يكون اساسا وقاعدة لهذا العلم من جهة ، وان يؤطر هذا العلم بالتخصص كي يكون اطارا لمواضيع هذا العلم الجديد على العلوم الانسانية !!.
وبهذا بدأ ( كونت ) اولا خطواته العلمية بوضع التعريف للعلم الاجتماعي ، وثنى بوضع المناهج له (مناهج البحث وادواته) كاساس لاقامة بناء العلم الاجتماعي الحديث ، وهكذا عبّد طريق موضوعاته ، وخصص توجهاته ومساراته (ظواهر المجتمع الانساني بصورة عامة) ووضح اهدافه وغاياته ( فهم قوانين وحركات وتطورات ونكسات المجتمع الانساني ) ....الخ وبهذا اقام (كونت ) علما اسمه : علم الاجتماع الحديث !.
هذا العلم جاءه بعد ( اوجست كونت ) من راى فيه كل صفات ، ومميزات العلم وقواعده التي يمكن البناء عليها والتطوير من الياتها ونظرياتها ومعارفها وعلومها ، فكان (دوركهايم) الحلقة الثانية لدفع مشروع علم الاجتماع (الكونتي) فبنى على اسس (كونت) ما كان ضروريا لدفع هذا العلم نحو التطوروبنفس الوقت التماسك والقوة ، فقنن من علم الاجتماع وشذب من زوائده وصقله ليكون علما للاجتماع فقط بعيدا عن شظايا الفلسفة الكونتية وما تركته من تاثير على نظرات العلم الاجتماعي وبعيدا عن الايدلوجي والسياسي وتطفله على مناهج وتصورات هذا العلم الجديد .....الخ !.
(هربرت سبنسر) صاحب المدرسة الاجتماعية البريطانية ، كان صاحب النظرية البيلوجية في علم الاجتماع ، الذي نقلت علم الاجتماع من النظرية الوضعية لاوجست كونت الى النظرية الداروينية التطورية الاجتماعية في مدرسة سبنسر ... وهكذا !.
الغرض هو القول ان الفكر اذا توفرت فيه ((المنهجية والتخصصية )) يصبح تلقائيا ((علما )) يحمل في جيناته امكانية البقاء والاستمرار والتطور والعطاء والنماء .... !!.
اما اذا كان الفكر فوضويا لامنهجيا وليس له اي صلة باي تخصص او مصطلحات محددة ، فمن الطبيعي ان لايكون هذا الفكر ولا يستطيع ان يكون علما وليس بمقدوره ان يستمر في صراع الافكار من اجل البقاء في هذه الحياة ، او ان يكون له نصيب من التجديد او ان يكون قادرا على تحمل اعباء البناء على كاهله فيما بعد .... الخ ، وهذا ماحصل بالفعل لفكر المرحوم علي الوردي الفوضوي الذي طرحه باسم علم الاجتماع بلا منهج ولا تخصص ولاهدف ولامواضيع ولاغايات محددة !!.
فمن الطبيعي الآن وعلى هذا الاساس : ان نفهم لماذا لم يثمر العلم الاجتماعي العراقي الحديث ؟ .
ولماذا نحن اطلقنا الكذبة على هذا العلم الاجتماعي الذي هو لاعلم ولا منهج ولاتخصص اساسا ؟ .
ولماذا كانت هناك هبة مؤقتة ( خدمها الاعلام ومكر الرجل ) لفكر المرحوم الوردي وردود افعال اجتماعية مفتعلة سرعان ما خبت وانطفأت حتى اليوم ؟ .
ولماذا لم يتمكن اي باحث او عالم اجتماع او تلميذغرّ ان يستمر بمشروع المرحوم علي الوردي الذي اسماه زورا بالاجتماعي او ان يضيف عليه او ان يطوره الى حالة علميا ارقى واثبت اساسا واقوى بنيانا وتشييدا !!.....الخ .
وكيف يستطيع احدنا ان يطور مشروعا اساسه الفوضوية الفكرية التي ليس لها بداية وليس لها نهاية محددة ؟.
وكيف يتمكن اي باحث يحترم نفسه او اي عالم او مفكر او مثقف يفهم معنى العلم ان يطرح على فكر المرحوم علي الوردي مسمى العلم الاجتماعي وهو يدرك ان فكرالمرحوم الوردي لايمتلك اي اساس علمي حتى يبنى عليه وليس فيه رائحةتخصص كي تبين مواضيعه وتنظم وليس من صفاته اي هدف يبتغى الوصول اليه سوى هدف التشويش والسفسطة الغريبة والعجيبة فكريا على العلم نفسه !؟؟.
ان هذه الحقائق التي ذكرناها في محور (هشاشة البناء ) في اشكالية العلم الاجتماعي العراقي الحديث حول فكر المرحوم علي الوردي الفوضوي ، هي ما سوف تبين للقارئ الكريم الاجوبة الكثيرة على اسألتنا التي سألناها فيما سبق كاشكاليات على ما سُمي بعلم الاجتماع العراقي الحديث ، فهي القادرة على ان تجيب عن سؤال : لماذا انتهى مشروع علم الاجتماع العراقي قبل حتى ان يولد بصورة علمية ؟.
والجواب ببساطة : لانه لايوجد علم للاجتماع من الاساس بني في العراق الحديث ليتم البناء عليه او قدرة تطويره او امكانية استمراره مع الاجيال المتلاحقة !!.
وهي القادرة ايضا على جواب سؤال : لماذا بعد الستينات من القرن العشرين المنصرم برزت ظاهرة (العقم الفكري) للمرحوم الوردي نفسه بحيث اننا وبعد الستينات لم نعد نقرأ ونسمع لفكر المرحوم الوردي الاجتماعي اي حس او نفس مشاكس !!.
ولماذا ..... ؟. الخ
نعم في الستينات بقت لفكر المرحوم الوردي اطلالات باهتة هنا وهناك وقد كتب الرجل بالفعل اجزاء من اللمحات الاجتماعية من تاريخ العراق الحديث وملاحق هذا المنتج التاريخي في الستينات كما ذكره الوردي نفسه في ملاحق الاجزاء الستة لكتابه الشهير (( ملامح اجتماعية من تاريخ العراق الحديث)) لكن كان هذا منتجا فكريا تعلوه سمات وملامح شيخوخة فكر المرحوم علي الوردي ، وبوادر موتها المحققة وكأنه يودع قراءه من العراقيين الى رحيله وغيبته التي دامت الى يوم وفاته في 1995م رحمه الله !!.
في بدء بحثنا هذا ذكرنا ان المرحوم (علي الوردي) قدّم استقالته بالفعل في سنة 1970 م لكلية الاداب في بغداد لاسباب ذُكر منها تفرغه للتاليف والكتابة !!.
والحقيقة ان زمن السبعينيات من القرن العشرين المنصرم بالنسبة للمرحوم الوردي فكريا كان هو زمن نهاية تراجيدية وعقم فكري غاية في الغرابة ومدعاة للتساؤل والاستفهام ، فلماذا انزوى فعليا المرحوم الوردي عن الانتاج الفكري ؟، سؤال لايمكن لنا اغفاله ونحن نتناول حياة وفكر رجل له من الاهمية ما للوردي في المجتمعية العراقية الحديثة !!.
نعم نحن نفهم وندرك تاريخيا ان ماقبل السبعينات قد انتهى المرحوم علي الوردي فكريا ومن ذكر سبب تقديم استقالة الوردي لكلية الاداب في بغداد على اساس التفرغ (للتاليف والكتابة) فهو انسان افاك ويحاول التدليس على الشعب العراقي واستغفال ذاكرته الثقافية العامة ، لان الرجل بعد السبعينات لم يكن له حس فضلا عن تاليف او تفرغ للكتابة والابداع !!.
ونعم ايضا حسب الحقائق ، التي ذكرناها في هذا البحث ندرك ونفهم فكريا لماذا انتهى ابداع المرحوم علي الوردي ثقافيا في فترة وجيزة وقصيرة تماما لانه وبسبب ان المرحوم الوردي كان يتمتع بقدرة نثر الافكار فوضويا ، والكتابة بمواضيع لارابط علمي منظم لها فمن الطبيعي والحال هذه ان تنتهي طاقة الابداع الفكري لمثل هكذا اشخاص لديهم طاقة فكر مكبوتة سرعان ما تنفجر لتحدث دويا وشظايا في كل اتجاه لكنها بنفس الوقت تموت وتندثر في لحظة انجلاء غبار الانفجار وينتهي كل تاثير لها بزمن محدد وقصير جدا !!.
فليس هناك شخص يحمل جرثومة الابداع بالامكان استنزاف طاقاته الابداعية الحقيقية او ايقافها او قتلها بزمن محدد وتحت كتابة مواضيع متعددة لاغير ، كما انه ليس هناك قوة على هذه الارض تتمكن من خنق ابداع المبدع المفكر من طرح ابداعه الى اخر لحظة في حياته الفكرية وتحت اي ظرف واسباب ، ولكن من يعتقد انه مبدعا وهو لايحمل الابداع والتطور والتنظير والتجدد الفكري ... في جرثومة فكره العلمي ، ذالك هو الذي يظهر على الساحة مؤقتا ثم ما يلبث ان يزول اثره من الوجود !!.
وطبعا هنا ، وفي هذا المفصل من حياة المرحوم علي الوردي الفكرية هناك من حاول ان يدخل العامل السياسي في موضوعة عقم فكر المرحوم الوردي عن الانتاج الفكري الفوضوي فضلا عن الاجتماعي بعد الستينات من القرن المنصرم ، ولينّظر الى : ان مواقف المرحوم علي الوردي النضالية ، والبطولية المساندة لحق الطبقات المستضعفة في العراق ، هي التي جعلت من الدولة العراقية الندّ الحقيقي لتحجيم فكرالوردي من الانسياب في الابداع والتدفق في الكتابة والتاليف الاجتماعي والفكري بعد الستينات من القرن المنصرم ؟.
فهل كانت بالفعل مواقف المرحوم علي الوردي النضالية السياسية المدافعةعن حقوق طبقة المستضعفين في العراق هي سبب تحجيم فكر الوردي من تدفقه الابداعي فيما بعد الستينات من القرن المنصرم في العراق ؟.
أم ان المرحوم علي الوردي هواساسا كان مثقف سلطة وواعظ من وعاظ سلاطينها المتنوعين الذين جهدوا في خدمة السلطة على حساب الفقراء والمعدمين والمحرومين في العراق الحديث ؟.
هذا ما سنتناولة في القسم القادم انشاء الله قبل ان ندخل في اقسام مناقشة ((فكر المرحوم علي الوردي)) في مقدمات فهم هذا الفكر ، وبيان تناقضاته وتحليلاته السطحية ، والمتناقضة مع ابسط قواعد العلم الرصين واتكاءه على الايدلوجي في كل فكره المطروح باسم علم الاجتماع !.
************************
alshakerr@yahoo.com
زورو مدونتي لقراءة المزيد :
http://7araa.blogspot.com/
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
HTML