كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم السادس عشر
حميد الشاكر
(( القصور المعرفي الفلسفي لعلي الوردي ))
1
***********************
(( رجائي من النقاد أن يبحثوا عما في كتبي من اخطاء تاريخية واجتماعية / علي الوردي /لمحات من تاريخ العراق الحديث / مقدمة ج 4 ص 5 ))
من الاخطاء الاجتماعية التي تتصل بمنهجية علم الاجتماع الحديث بصورة عامة لدى المرحوم علي الوردي هي دمجه بصورة قصدية ، او لاقصدية ((اي عن جهل)) بين ماهو فلسفي ايدلوجي ، ويدخل في العلم الفلسفي من مصطلحات ورؤى وتوجهات وافكار .. ، وبين ما هو اجتماعي وينتمي لعلم الاجتماع او الذي ينبغي ان ينتمي لهذا العلم بصورة خاصة وبعملية تخصصية اكتسبها العلم الاجتماعي الحديث بعد تاسيسه على يد صاحب الفلسفة الحسية المادية الوضعية اوجست كونت !!.
وهذا الدمج ، او الخلط في فكر المرحوم علي الوردي هو ما سلطنا الاضواء عليه من خلال الاقسام البحثية المكثفة وابرزناه على اساس انه عورة من عورات الفكر الوردي المطروح باسم علم الاجتماع من جهة والذي يتكئ وينطلق من اسس وقواعد فلسفية وايدلوجية (( فكرة الصراع الهيجلية مثلا / او فكرة المنفعة الراسمالية لوليم جيمس او ..... الخ )) ليس لها علاقة بمنطلقات علم الاجتماع الحديث من جانب آخر !.
نعم ماهو اعمق اشكالية ايضا من هذا الدمج المنهجي اوالخلط الفكري للمرحوم علي الوردي بين ماهو اجتماعي او ينبغي ان ينتمي لعلم الاجتماع وبين ماهو بعيدا عن علم الاجتماع وهو الايدلوجي الفلسفي كان (القصور المعرفي الاجتماعي) للمرحوم الوردي في مفاهيم ومصطلحات واهداف وغايات .. العلم الاجتماعي الحديث ، مما اورثه تحليلات اجتماعية غاية في السذاجة والتصنع ( = اي صناعة التحليلات وتركيب مصطلحاتها ) للمجتمع العراقي بصورة خاصة ، والمجتمع العربي بصورة عامة والبعد عن اي منهج علمي اجتماعي معروف وهذا ما اسميناه في كل بحوثنا السابقة ب (( الفوضوية الفكرية )) التي اعتمد عليها المرحوم الوردي في كل رؤاه وتصوراته الشخصية المطروحة في مؤلفاته ومدوناته !!.
طبعا لايشكل على قارئنا المحترم اننا هنا وفي هذه البحوث المطولة تناولنا فكر المرحوم (علي الوردي ) فقط من زاوية العلم الاجتماعي الحديث ، ولم نتناوله كمؤرخ تاريخي كي نسلط الاضواء على كتبه ومنهجيته التاريخية في تناول الحدث وقراءته وتحليله وهكذا نحن لم نتناول المرحوم الوردي من زاوية (علم النفس الحديث) ليكون لنا وقفات وجولات حول كتبه النفسية او التي كتبت في علم النفس الحديث كمنطلقات وقواعد في فهم ((شخصية الفرد والمجتمع في العراق)) بل اكدنا ومنذ البداية اننا نتناول الوردي اجتماعيا باعتبار انه يطرح نفسه كعالم ومتخصص من متخصصي العلم الاجتماعي الحديث ، ولهذا قارنا بين افكار المرحوم علي الوردي ، التي ينسبها لعلم الاجتماع وبين علم الاجتماع الحديث نفسه بمؤسسيه الفعليين (( كونت ، دوركايم ، سبنسر ...)) ومناهجه وتاسيساته ومنطلقاته ومصطلحاته وافكاره فقط لنصل الى نتائج غاية في الخطورة الفكرية من جهة وغاية في الامتهان للفكر والثقافة العراقية الحديثة ، التي كان يحاورها الوردي باسم العلم الاجتماعي الحديث من جانب اخر بينما لاعلاقة حقيقية للعلم الاجتماعي الحديث بكل طرح المرحوم علي الوردي ، الذي اسماه بالاجتماعي ، وهذا اذا كان يعني شيئا فكريا وعلميا واخلاقيا انما يعني احد امرين :
اولا : اما ان يكون حدود فهم وادراك المرحوم علي الوردي للعلم الاجتماعي الحديث قاصرا تماما ولذا هوانطلق من منطلقات ليست لها علاقة بالعلم الاجتماعي واتكئ على قواعد غاية في البعد عن كل ما التزم به واسس له العلم الاجتماعي الحديث !.
ثانيا : واما ان يكون المرحوم الوردي صاحب مشروع ايدلوجي فلسفي اراد اقناع او خداع الثقافة والفكر العراقي الحديث به فاستغل او جيّر او استخدم...اسم العلم الاجتماعي الحديث ليمرر انتمائه الايدلوجي ويطرحه على اساس انه الممثل وصاحب الاسس والمنطلقات العلمية للعلم الاجتماعي الحديث !!.
في الاحتمال الاول طرحنا ماتقدم من اقسام تثبت (القصور المعرفي الاجتماعي لعلي الوردي ) وانه رجل بالفعل ليس له علاقة علمية اكاديمية مختصة بالعلم الاجتماعي الحديث وتاريخ تاسيسه وقواعده ومنطلقاته ومناهجه التطبيقية او تعريفاته الفكرية وهذا ما قدمناه للقارئ المحترم بالادلةالواقعية العلمية من افتقاركل اطروحات الوردي ومؤلفاته لمجرد تعريف للعلم الاجتماعي او للمجتمع .... ، حتى غياب المنهج من هذه المؤلفات الى غياب المنطلقات ... الخ !!.
اما حول المحور الثاني وهو : الايدلوجي الفلسفي في منطلقات علي الوردي الفكرية فنقول :
ان الباحث فيما طرحه المرحوم الوردي حول الفكر الفلسفي والايدلوجي في كتبه ومدوناته ومخطوطاته سيلحظ بلا ادنى ريب او غموض كثافة الافكاروالرؤى والتصورات الفلسفية والايدلوجية التي طرحها وتناولها المرحوم الوردي بالنقد مرات ومرات وبالاشادة ايضا مرات ومرات ، لاسيما ماطرحه في كتابه ((مهزلة العقل البشري)) ، وكتاب ((منطق ابن خلدون)) لكن ماهو بارز في نقد المرحوم الوردي للفكر الفلسفي بصورة خاصة هو ميله وايمانه ودفاعه المستميت عن كل ماهو ايدلوجي فلسفي مادي ، او حسي غربي بالخصوص باعتبار انه هو العلمي لا غير من وجهة نظر المرحوم الوردي ، وانتقاصه من كل ماهو فلسفي عقلي وفكري وارسطي وعربي واسلامي بالخصوص من جانب اخر باعتبار انه هو الخرافي ، وغير النافع والطوبائي والعاجي ... الخ !!.
والحقيقة ان هذه الملاحظة لمتناولات علي الوردي الفلسفية والايدلوجية لاتدلل بالضرورة ان منهج المرحوم علي الوردي كان منهجا ماديا او حسيا او وضعيا وينتمي لهذه الفلسفة سواء كانت ماركسية او غير ماركسية مادية تاريخية ، وهذا في الواقع ما تناولناه في قسم (( تركيبة الشخصية الفكرية لعلي الوردي )) ، فالمرحوم الوردي لم يكن صاحب منهجية علمية ثابتة في كل متناولاته الفكرية وعلى تنوعها الغريب والعجيب ، بل كان (وهذا ما اثبتناه علميا ) صاحب (( شخصية فكرية مزدوجة )) تدمج بين ماهو مادي علمي فلسفي من جهة وبين ماهو خرافي ميتافيزيكي واسطوري من جانب اخر وهذا ما اشرنا اليه في كتابه (( خوارق اللاشعور )) ، الذي هو عبارة عن سباحة في عالم الخيال ، والاسطورة والخرافة وارجاع كل حركة الانسان ووعيه ووجوده وابداعه وطاقته ... لهذا العالم الغارق بالدروشة والتصوف وباقي الغيبيات ولكن ايضا على عادة الوردي في الباس افكاره وتصوره رداء او صورة العلمي والمنطقي والجديد والمنتمي للعلم الاجتماعي الحديث ....الخ !!.
والآن : لماذا كان المرحوم الوردي في مؤلفاته وكتبه ورؤاه غارقا بين ماهو ايدلوجي فلسفي وينتمي لعلم ومصطلحات عالم الفلسفة والادلجة ، وبين ماهو علمي والذي كان ينبغي ومن الضروري ان يكون صاحب الية تفكير ومنهجية عمل وموضوع مختلف تماما عن الفلسفي واتجاهاته العقلية ؟.
بمعنى آخر هذا الخلط او الدمج في فكر المرحوم الوردي بين ماهو فلسفي ايدلوجي كالانتماء مثلا لنظرية (( الصراع الهيجلية )) كمنطلق لتحليل المجتمع ، ومعرفة تراكيبه وحركته وتعقيداته ، او كالانتماء للنظرية (( النفعية الجيمسية / كما اشرنا اليه في القسم الثالث عشر )) ، وبين ماهو علمي او ينبغي ان ينتمي للعلم تخصصا وموضوعا ومناهج كالعلم الاجتماعي الحديث هل كان من خلال ((وعي علمي)) تام من قبل المرحوم الوردي بحيث انه كان مدركا لماهو فلسفي وما هو علمي في العصر الحديث ، ولذالك اخترع منهجية جديدة تسمح بالدمج بين ماهو فلسفي ايدلوجي وآخر علمي وتخصصي ؟.
أم ان المرحوم علي الوردي اصلا ومن الاساس والقواعد الفكرية التي كان يملكها كان لايدرك ماهو الفرق المنهجي والعلمي بين مواضيع الفلسفة وابوابها المعقدة ، وبين العلوم ومواضيعها وتخصصاتها الدقيقة ،فلذالك اعتقد هذا المرحوم انه بامكانه استخدام الافكار والنظريات الفلسفية المعقدة داخل اطر العلوم الطبيعية او الفيزيائية او الاجتماعية ؟.
هذا اولا !!.
ثانيا : عندما دمج المرحوم الوردي في فكره ومناهجه ورؤاه وكتبه ومؤلفاته بين ماهوعلمي وماهو فلسفي فهل كان المرحوم الوردي مستوعبا وواعيا وملما ومحيطا ... فعلا بما تعنيه افكار وتصورات عالم الفلسفة ، وما تعنيه وتهدف اليه افكار علم الاجتماع الحديث ، ولهذا هو طرح هذا الدمج بعد وعي والمام واحاطة حقيقية بكلا هذين العلمين ؟.
أم ان المرحوم الوردي كان قاصرا تماما في فهم المفردات الاولية في عالم الفلسفة العميق ، كما رايناه واكدنا عليه وبحثناه واستدللنا حوله في عالم ((علم الاجتماع )) الذي كان القصور المعرفي الاجتماعي للمرحوم الوردي فاضحا في ساحته وعالمه ومصطلحاته ومفرداته كما ادركناه سابقا ؟.
ثالثا : لو فرضنا ان المرحوم الوردي ومن خلال ما طرحه فكريا وتصوريا تاليفا وكتابة ، ومن خلال ما سوف ندرسه ونبحثه من فكره حول الفلسفة ومناهجها وغاياتها واهدافها ...، انه رجل ليس له علاقة علمية او تخصصية حقيقية لا بالفلسفة ولا بعلومها ولا بتعقيداتها التاريخية او مفاهيمها الفكرية او انعكاس اطروحاتها على المجتمع والفكر الانساني بصورة عامة فهل يعني هذا ان المرحوم الوردي كان مجرد قشري وانسان بسيط وسطحي بالنسبة للفلسفة فضلا عن نقده لها او نقده لاساطين مفكريها وقادتها ومؤسسيها منذ سقراط وافلاطون وارسطوا حتى الكندي والفارابي وابن سينا وابن طفيل وابن رشد .... الخ ؟.
أم ان المرحوم الوردي عندما ينتقد ((المنطق الاستنباطي الارسطي/ تقريبا لايخلوا كتاب من كتب الوردي الفكرية لايشير فيه الى المنطق الاستنباطي وخرافيته من مهزلة العقل البشري حتى منطق ابن خلدون الى اسطورة الادب الرفيع ..الخ )) بصورة لايصدقها عقل انسان ((متزن علميا )) وعندما ينتقد الفارابي في (( المدينة الفاضلة )) وعندما يستهزء بابن طفيل الفيلسوف والطبيب والرياضي والفيزيائي والفلكي والمجتهد والقاضي وصاحب نظرية (( التربية الطبيعية )) والذي عرف غربيا برائعته ((حي بن بقظان )) التي سبقت (( روبنسن كروز )) ويعتبرها منتج خرافي لاغير وعندما ينتقد ابن رشد .... الخ اقول عندما ينتقد المرحوم علي الوردي كل هذا التراث الفلسفي العقلي التاريخي الضخم بصورة اقرب للاستهزاء منها للمنهج العلمي فهل هذا رجل احاط فعلا بكل هذا التراث ، وادرك معانيه وغاياته وناقش ادلته وبراهينه ..... ولهذا هو توصل الى نتيجة ضرورة هي صرّ كل هذا التراث الفلسفي ورميه في سلة المهملات لعدم جدواه او نفعه للبشرية والعلم الحديث ؟.
أم ان هذا الرجل بالفعل مهووس بكل ما طرحه الغربيون حول هذه الفلسفة ومنطقها الاستنباطي ،وهو ببغائيا تماما ونقل نقدا غربيا لهذه الفلسفة ومنطقها لاعلم له بمنطلقاته ، ولا اختصاص له بماهيته ولا اطلاع علمي كافي له على موضوعاته ؟.
رابعا : ماذا يعني هجوم المرحوم علي الوردي الغيرمسبوق عراقيا / باعتبار ان الفكرالعراقي في الحضارة العباسية هو اول من اعاد انتاج الفلسفة الارسطية وصنعهاعقليا عربيا واسلاميا وانشأ قواعدها للحضارة والعالم العربي والاسلامي والانساني كذالك في القرون السالفة وحتى اليوم / اقول ماذا يعني هذا الهجوم من قبل الوردي وفي معظم مؤلفاته على الفلسفة وخاصة منها الفلسفة العقلية الارسطية العربية والاسلامية ، ودفاعه في المقابل عن محاور واتجاهات فكرية اسلامية صوفية وسلفية حجرية ورجعية دينية مشهورة في التاريخ العربي والاسلامي القديم والحديث بانها هي من دمر الحضارة العربية والاسلامية في النتيجة وجعلها فكريا وحضاريا وانتاجيا وحتى اليوم في خلفيات الامم والشعوب المتحضرة ؟.
بمعنى اخر كيف يعجب المرحوم الوردي ، ويدافع بشراسة عن (( ابن تيمية)) مثلا ومنهجه الفكري السلفي التكفيري الحجري المنغلق والطارد لكل فكر حر ومنفتح ومستقبليوبناء ... وكذا يدافع بعمق عن (( الغزالي )) ومنهجه الصوفي الباطني الغيبي والانعزالي والفردي .. (( انظر الفصل الثاني / من منطق ابن خلدون / المنطق الارسطي في الاسلام )) بينما هو يشن حملة شعواء على كل الفلاسفة العقليين من الفارابي الى ابن سينا الى ابن طفيل الى ابن رشد .....الخ الذين بنوا الحضارة العربية والاسلامية فكريا وبنيويا ونفسيا واخلاقيا وروحيا وانفتاحا عقليا من الداخل على الاخر المختلف وبنوها وبنوا معها الانسان من الخارج ، بل وملؤوها طبا وفلكا وفيزياءا وهندسة وبناءا وعمرانا وكيمياءا ورياضيات وقضاءا واجتهادا وقانونا وسياسة .... الخ حتى وصلت الى ما نحن اليوم نفتخر به حتى اللحظة امام جميع الامم ؟؟!.
اقول كانت الهندسة والرياضيات والطب والقانون والكيمياء والعمارة والاجتهاد والسياسة ... الخ منتج من منتجات الفلسفة العقلية ، وفلاسفتها العقليون الارسطيون في حضارتنا العربية والاسلامية ، فما من فيلسوف الا وكان برفسورا في عدة علوم طبيعية او طبية او هندسية او رياضية او قانونية .. ومن ثم العلوم الطبيعية والمادية والحسية ، فابن باجة وابن طفيل وابن رشد في الاندلس لهم الفضل في تطور الفلك والهندسة والطب والرياضيات والقانون والاجتهاد.. وحتى قضايا حقوق الانسان والمراءة في العالم والحضارة العربية والاسلامية بصورة خاصة والعالم الغربي فيما بعد بصورة عامة بل ان هؤلاء الفلاسفة لهم الفضل حتى في بناء وتطور وتقدم الحضارة العربية والاسلامية التي امتد تطورها وتقدمها لتستفاد اليوم الحضارة والعقل الغربي منه ، فكيف وعلى اي اسس فكرية او منطقية او علمية فرضت على المرحوم علي الوردي ان يقدم على هؤلاء (( ابن تيمية والغزالي )) في منهجية التفكير واصابة الحقيقة ليصبح من لم يقدم للبشرية والعلم غير الدمار ، والخراب والانطوائية والرجعية والانغلاق والدعوة الى السلفية والرجوع الى الخلف ورؤية العقل والعلم على اساس انهما الزندقة لاغير يقدم هؤلاء على الفلاسفة والبنائين والمعماريين والقانونيين والاطباء والعقليين ........ واعتبارهم ما هم الا طوبائيون وساكنون ولا متحركون ولا متحررون ولا مفكرون ؟.
هذا ما سنتناول الاجابة عليه فلسفيا هذه المرّة في القسم القادم انشاء الله باعتبار ان الحيز الفلسفي في فكر ومؤلفات وكتب المرحوم الوردي اكثر بكثير من الحيز الاجتماعي العلمي !!.
__________________________________________
alshakerr@yahoo,com
مدونتي ( حراء ) تتشرف بزيارتكم للمزيد
http://7araa.blogspot.com/
حميد الشاكر
(( القصور المعرفي الفلسفي لعلي الوردي ))
1
***********************
(( رجائي من النقاد أن يبحثوا عما في كتبي من اخطاء تاريخية واجتماعية / علي الوردي /لمحات من تاريخ العراق الحديث / مقدمة ج 4 ص 5 ))
من الاخطاء الاجتماعية التي تتصل بمنهجية علم الاجتماع الحديث بصورة عامة لدى المرحوم علي الوردي هي دمجه بصورة قصدية ، او لاقصدية ((اي عن جهل)) بين ماهو فلسفي ايدلوجي ، ويدخل في العلم الفلسفي من مصطلحات ورؤى وتوجهات وافكار .. ، وبين ما هو اجتماعي وينتمي لعلم الاجتماع او الذي ينبغي ان ينتمي لهذا العلم بصورة خاصة وبعملية تخصصية اكتسبها العلم الاجتماعي الحديث بعد تاسيسه على يد صاحب الفلسفة الحسية المادية الوضعية اوجست كونت !!.
وهذا الدمج ، او الخلط في فكر المرحوم علي الوردي هو ما سلطنا الاضواء عليه من خلال الاقسام البحثية المكثفة وابرزناه على اساس انه عورة من عورات الفكر الوردي المطروح باسم علم الاجتماع من جهة والذي يتكئ وينطلق من اسس وقواعد فلسفية وايدلوجية (( فكرة الصراع الهيجلية مثلا / او فكرة المنفعة الراسمالية لوليم جيمس او ..... الخ )) ليس لها علاقة بمنطلقات علم الاجتماع الحديث من جانب آخر !.
نعم ماهو اعمق اشكالية ايضا من هذا الدمج المنهجي اوالخلط الفكري للمرحوم علي الوردي بين ماهو اجتماعي او ينبغي ان ينتمي لعلم الاجتماع وبين ماهو بعيدا عن علم الاجتماع وهو الايدلوجي الفلسفي كان (القصور المعرفي الاجتماعي) للمرحوم الوردي في مفاهيم ومصطلحات واهداف وغايات .. العلم الاجتماعي الحديث ، مما اورثه تحليلات اجتماعية غاية في السذاجة والتصنع ( = اي صناعة التحليلات وتركيب مصطلحاتها ) للمجتمع العراقي بصورة خاصة ، والمجتمع العربي بصورة عامة والبعد عن اي منهج علمي اجتماعي معروف وهذا ما اسميناه في كل بحوثنا السابقة ب (( الفوضوية الفكرية )) التي اعتمد عليها المرحوم الوردي في كل رؤاه وتصوراته الشخصية المطروحة في مؤلفاته ومدوناته !!.
طبعا لايشكل على قارئنا المحترم اننا هنا وفي هذه البحوث المطولة تناولنا فكر المرحوم (علي الوردي ) فقط من زاوية العلم الاجتماعي الحديث ، ولم نتناوله كمؤرخ تاريخي كي نسلط الاضواء على كتبه ومنهجيته التاريخية في تناول الحدث وقراءته وتحليله وهكذا نحن لم نتناول المرحوم الوردي من زاوية (علم النفس الحديث) ليكون لنا وقفات وجولات حول كتبه النفسية او التي كتبت في علم النفس الحديث كمنطلقات وقواعد في فهم ((شخصية الفرد والمجتمع في العراق)) بل اكدنا ومنذ البداية اننا نتناول الوردي اجتماعيا باعتبار انه يطرح نفسه كعالم ومتخصص من متخصصي العلم الاجتماعي الحديث ، ولهذا قارنا بين افكار المرحوم علي الوردي ، التي ينسبها لعلم الاجتماع وبين علم الاجتماع الحديث نفسه بمؤسسيه الفعليين (( كونت ، دوركايم ، سبنسر ...)) ومناهجه وتاسيساته ومنطلقاته ومصطلحاته وافكاره فقط لنصل الى نتائج غاية في الخطورة الفكرية من جهة وغاية في الامتهان للفكر والثقافة العراقية الحديثة ، التي كان يحاورها الوردي باسم العلم الاجتماعي الحديث من جانب اخر بينما لاعلاقة حقيقية للعلم الاجتماعي الحديث بكل طرح المرحوم علي الوردي ، الذي اسماه بالاجتماعي ، وهذا اذا كان يعني شيئا فكريا وعلميا واخلاقيا انما يعني احد امرين :
اولا : اما ان يكون حدود فهم وادراك المرحوم علي الوردي للعلم الاجتماعي الحديث قاصرا تماما ولذا هوانطلق من منطلقات ليست لها علاقة بالعلم الاجتماعي واتكئ على قواعد غاية في البعد عن كل ما التزم به واسس له العلم الاجتماعي الحديث !.
ثانيا : واما ان يكون المرحوم الوردي صاحب مشروع ايدلوجي فلسفي اراد اقناع او خداع الثقافة والفكر العراقي الحديث به فاستغل او جيّر او استخدم...اسم العلم الاجتماعي الحديث ليمرر انتمائه الايدلوجي ويطرحه على اساس انه الممثل وصاحب الاسس والمنطلقات العلمية للعلم الاجتماعي الحديث !!.
في الاحتمال الاول طرحنا ماتقدم من اقسام تثبت (القصور المعرفي الاجتماعي لعلي الوردي ) وانه رجل بالفعل ليس له علاقة علمية اكاديمية مختصة بالعلم الاجتماعي الحديث وتاريخ تاسيسه وقواعده ومنطلقاته ومناهجه التطبيقية او تعريفاته الفكرية وهذا ما قدمناه للقارئ المحترم بالادلةالواقعية العلمية من افتقاركل اطروحات الوردي ومؤلفاته لمجرد تعريف للعلم الاجتماعي او للمجتمع .... ، حتى غياب المنهج من هذه المؤلفات الى غياب المنطلقات ... الخ !!.
اما حول المحور الثاني وهو : الايدلوجي الفلسفي في منطلقات علي الوردي الفكرية فنقول :
ان الباحث فيما طرحه المرحوم الوردي حول الفكر الفلسفي والايدلوجي في كتبه ومدوناته ومخطوطاته سيلحظ بلا ادنى ريب او غموض كثافة الافكاروالرؤى والتصورات الفلسفية والايدلوجية التي طرحها وتناولها المرحوم الوردي بالنقد مرات ومرات وبالاشادة ايضا مرات ومرات ، لاسيما ماطرحه في كتابه ((مهزلة العقل البشري)) ، وكتاب ((منطق ابن خلدون)) لكن ماهو بارز في نقد المرحوم الوردي للفكر الفلسفي بصورة خاصة هو ميله وايمانه ودفاعه المستميت عن كل ماهو ايدلوجي فلسفي مادي ، او حسي غربي بالخصوص باعتبار انه هو العلمي لا غير من وجهة نظر المرحوم الوردي ، وانتقاصه من كل ماهو فلسفي عقلي وفكري وارسطي وعربي واسلامي بالخصوص من جانب اخر باعتبار انه هو الخرافي ، وغير النافع والطوبائي والعاجي ... الخ !!.
والحقيقة ان هذه الملاحظة لمتناولات علي الوردي الفلسفية والايدلوجية لاتدلل بالضرورة ان منهج المرحوم علي الوردي كان منهجا ماديا او حسيا او وضعيا وينتمي لهذه الفلسفة سواء كانت ماركسية او غير ماركسية مادية تاريخية ، وهذا في الواقع ما تناولناه في قسم (( تركيبة الشخصية الفكرية لعلي الوردي )) ، فالمرحوم الوردي لم يكن صاحب منهجية علمية ثابتة في كل متناولاته الفكرية وعلى تنوعها الغريب والعجيب ، بل كان (وهذا ما اثبتناه علميا ) صاحب (( شخصية فكرية مزدوجة )) تدمج بين ماهو مادي علمي فلسفي من جهة وبين ماهو خرافي ميتافيزيكي واسطوري من جانب اخر وهذا ما اشرنا اليه في كتابه (( خوارق اللاشعور )) ، الذي هو عبارة عن سباحة في عالم الخيال ، والاسطورة والخرافة وارجاع كل حركة الانسان ووعيه ووجوده وابداعه وطاقته ... لهذا العالم الغارق بالدروشة والتصوف وباقي الغيبيات ولكن ايضا على عادة الوردي في الباس افكاره وتصوره رداء او صورة العلمي والمنطقي والجديد والمنتمي للعلم الاجتماعي الحديث ....الخ !!.
والآن : لماذا كان المرحوم الوردي في مؤلفاته وكتبه ورؤاه غارقا بين ماهو ايدلوجي فلسفي وينتمي لعلم ومصطلحات عالم الفلسفة والادلجة ، وبين ماهو علمي والذي كان ينبغي ومن الضروري ان يكون صاحب الية تفكير ومنهجية عمل وموضوع مختلف تماما عن الفلسفي واتجاهاته العقلية ؟.
بمعنى آخر هذا الخلط او الدمج في فكر المرحوم الوردي بين ماهو فلسفي ايدلوجي كالانتماء مثلا لنظرية (( الصراع الهيجلية )) كمنطلق لتحليل المجتمع ، ومعرفة تراكيبه وحركته وتعقيداته ، او كالانتماء للنظرية (( النفعية الجيمسية / كما اشرنا اليه في القسم الثالث عشر )) ، وبين ماهو علمي او ينبغي ان ينتمي للعلم تخصصا وموضوعا ومناهج كالعلم الاجتماعي الحديث هل كان من خلال ((وعي علمي)) تام من قبل المرحوم الوردي بحيث انه كان مدركا لماهو فلسفي وما هو علمي في العصر الحديث ، ولذالك اخترع منهجية جديدة تسمح بالدمج بين ماهو فلسفي ايدلوجي وآخر علمي وتخصصي ؟.
أم ان المرحوم علي الوردي اصلا ومن الاساس والقواعد الفكرية التي كان يملكها كان لايدرك ماهو الفرق المنهجي والعلمي بين مواضيع الفلسفة وابوابها المعقدة ، وبين العلوم ومواضيعها وتخصصاتها الدقيقة ،فلذالك اعتقد هذا المرحوم انه بامكانه استخدام الافكار والنظريات الفلسفية المعقدة داخل اطر العلوم الطبيعية او الفيزيائية او الاجتماعية ؟.
هذا اولا !!.
ثانيا : عندما دمج المرحوم الوردي في فكره ومناهجه ورؤاه وكتبه ومؤلفاته بين ماهوعلمي وماهو فلسفي فهل كان المرحوم الوردي مستوعبا وواعيا وملما ومحيطا ... فعلا بما تعنيه افكار وتصورات عالم الفلسفة ، وما تعنيه وتهدف اليه افكار علم الاجتماع الحديث ، ولهذا هو طرح هذا الدمج بعد وعي والمام واحاطة حقيقية بكلا هذين العلمين ؟.
أم ان المرحوم الوردي كان قاصرا تماما في فهم المفردات الاولية في عالم الفلسفة العميق ، كما رايناه واكدنا عليه وبحثناه واستدللنا حوله في عالم ((علم الاجتماع )) الذي كان القصور المعرفي الاجتماعي للمرحوم الوردي فاضحا في ساحته وعالمه ومصطلحاته ومفرداته كما ادركناه سابقا ؟.
ثالثا : لو فرضنا ان المرحوم الوردي ومن خلال ما طرحه فكريا وتصوريا تاليفا وكتابة ، ومن خلال ما سوف ندرسه ونبحثه من فكره حول الفلسفة ومناهجها وغاياتها واهدافها ...، انه رجل ليس له علاقة علمية او تخصصية حقيقية لا بالفلسفة ولا بعلومها ولا بتعقيداتها التاريخية او مفاهيمها الفكرية او انعكاس اطروحاتها على المجتمع والفكر الانساني بصورة عامة فهل يعني هذا ان المرحوم الوردي كان مجرد قشري وانسان بسيط وسطحي بالنسبة للفلسفة فضلا عن نقده لها او نقده لاساطين مفكريها وقادتها ومؤسسيها منذ سقراط وافلاطون وارسطوا حتى الكندي والفارابي وابن سينا وابن طفيل وابن رشد .... الخ ؟.
أم ان المرحوم الوردي عندما ينتقد ((المنطق الاستنباطي الارسطي/ تقريبا لايخلوا كتاب من كتب الوردي الفكرية لايشير فيه الى المنطق الاستنباطي وخرافيته من مهزلة العقل البشري حتى منطق ابن خلدون الى اسطورة الادب الرفيع ..الخ )) بصورة لايصدقها عقل انسان ((متزن علميا )) وعندما ينتقد الفارابي في (( المدينة الفاضلة )) وعندما يستهزء بابن طفيل الفيلسوف والطبيب والرياضي والفيزيائي والفلكي والمجتهد والقاضي وصاحب نظرية (( التربية الطبيعية )) والذي عرف غربيا برائعته ((حي بن بقظان )) التي سبقت (( روبنسن كروز )) ويعتبرها منتج خرافي لاغير وعندما ينتقد ابن رشد .... الخ اقول عندما ينتقد المرحوم علي الوردي كل هذا التراث الفلسفي العقلي التاريخي الضخم بصورة اقرب للاستهزاء منها للمنهج العلمي فهل هذا رجل احاط فعلا بكل هذا التراث ، وادرك معانيه وغاياته وناقش ادلته وبراهينه ..... ولهذا هو توصل الى نتيجة ضرورة هي صرّ كل هذا التراث الفلسفي ورميه في سلة المهملات لعدم جدواه او نفعه للبشرية والعلم الحديث ؟.
أم ان هذا الرجل بالفعل مهووس بكل ما طرحه الغربيون حول هذه الفلسفة ومنطقها الاستنباطي ،وهو ببغائيا تماما ونقل نقدا غربيا لهذه الفلسفة ومنطقها لاعلم له بمنطلقاته ، ولا اختصاص له بماهيته ولا اطلاع علمي كافي له على موضوعاته ؟.
رابعا : ماذا يعني هجوم المرحوم علي الوردي الغيرمسبوق عراقيا / باعتبار ان الفكرالعراقي في الحضارة العباسية هو اول من اعاد انتاج الفلسفة الارسطية وصنعهاعقليا عربيا واسلاميا وانشأ قواعدها للحضارة والعالم العربي والاسلامي والانساني كذالك في القرون السالفة وحتى اليوم / اقول ماذا يعني هذا الهجوم من قبل الوردي وفي معظم مؤلفاته على الفلسفة وخاصة منها الفلسفة العقلية الارسطية العربية والاسلامية ، ودفاعه في المقابل عن محاور واتجاهات فكرية اسلامية صوفية وسلفية حجرية ورجعية دينية مشهورة في التاريخ العربي والاسلامي القديم والحديث بانها هي من دمر الحضارة العربية والاسلامية في النتيجة وجعلها فكريا وحضاريا وانتاجيا وحتى اليوم في خلفيات الامم والشعوب المتحضرة ؟.
بمعنى اخر كيف يعجب المرحوم الوردي ، ويدافع بشراسة عن (( ابن تيمية)) مثلا ومنهجه الفكري السلفي التكفيري الحجري المنغلق والطارد لكل فكر حر ومنفتح ومستقبليوبناء ... وكذا يدافع بعمق عن (( الغزالي )) ومنهجه الصوفي الباطني الغيبي والانعزالي والفردي .. (( انظر الفصل الثاني / من منطق ابن خلدون / المنطق الارسطي في الاسلام )) بينما هو يشن حملة شعواء على كل الفلاسفة العقليين من الفارابي الى ابن سينا الى ابن طفيل الى ابن رشد .....الخ الذين بنوا الحضارة العربية والاسلامية فكريا وبنيويا ونفسيا واخلاقيا وروحيا وانفتاحا عقليا من الداخل على الاخر المختلف وبنوها وبنوا معها الانسان من الخارج ، بل وملؤوها طبا وفلكا وفيزياءا وهندسة وبناءا وعمرانا وكيمياءا ورياضيات وقضاءا واجتهادا وقانونا وسياسة .... الخ حتى وصلت الى ما نحن اليوم نفتخر به حتى اللحظة امام جميع الامم ؟؟!.
اقول كانت الهندسة والرياضيات والطب والقانون والكيمياء والعمارة والاجتهاد والسياسة ... الخ منتج من منتجات الفلسفة العقلية ، وفلاسفتها العقليون الارسطيون في حضارتنا العربية والاسلامية ، فما من فيلسوف الا وكان برفسورا في عدة علوم طبيعية او طبية او هندسية او رياضية او قانونية .. ومن ثم العلوم الطبيعية والمادية والحسية ، فابن باجة وابن طفيل وابن رشد في الاندلس لهم الفضل في تطور الفلك والهندسة والطب والرياضيات والقانون والاجتهاد.. وحتى قضايا حقوق الانسان والمراءة في العالم والحضارة العربية والاسلامية بصورة خاصة والعالم الغربي فيما بعد بصورة عامة بل ان هؤلاء الفلاسفة لهم الفضل حتى في بناء وتطور وتقدم الحضارة العربية والاسلامية التي امتد تطورها وتقدمها لتستفاد اليوم الحضارة والعقل الغربي منه ، فكيف وعلى اي اسس فكرية او منطقية او علمية فرضت على المرحوم علي الوردي ان يقدم على هؤلاء (( ابن تيمية والغزالي )) في منهجية التفكير واصابة الحقيقة ليصبح من لم يقدم للبشرية والعلم غير الدمار ، والخراب والانطوائية والرجعية والانغلاق والدعوة الى السلفية والرجوع الى الخلف ورؤية العقل والعلم على اساس انهما الزندقة لاغير يقدم هؤلاء على الفلاسفة والبنائين والمعماريين والقانونيين والاطباء والعقليين ........ واعتبارهم ما هم الا طوبائيون وساكنون ولا متحركون ولا متحررون ولا مفكرون ؟.
هذا ما سنتناول الاجابة عليه فلسفيا هذه المرّة في القسم القادم انشاء الله باعتبار ان الحيز الفلسفي في فكر ومؤلفات وكتب المرحوم الوردي اكثر بكثير من الحيز الاجتماعي العلمي !!.
__________________________________________
alshakerr@yahoo,com
مدونتي ( حراء ) تتشرف بزيارتكم للمزيد
http://7araa.blogspot.com/