(( ورقة الملك فيصل الاول لانشاء الدولة العراقية الحديثة )) المقالة الثانية . حميد الشاكر
كثيرة هي تلك المدونات وتلك الكتب التي كتبت حول حقبة وسياسة وادارة وحنكة وتاريخ وتربية ونشأة ... الخ ، الملك فيصل الاول وعلاقته القدرية بصناعة تاريخ العراق السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي ....... الحديث !!.
كما انه كثيرٌ اولئك اللذين حللواالعراق الملكي سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وفكريا وادبيا وفنيا ..... وحتى نفسيا ، الى ان اصبح وكأن العراق الملكي ماثلا امام نواظر كل قارئ ومطلع وباحث ومؤرخ !!.
الا انه بقيت لدينا حتى اليوم (ورقة) واحدة فقط من تاريخ هذه الحقبة تحمل بصمات وجينات وانامل الملك (فيصل الاول) نفسه وهي تتحدث عن رؤية الملك الشخصية ، لحقبة تاريخ الامة العراقية ورؤيته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في بناء دولة هذا الشعب الحديثة !!.
والحقيقة ان (( ورقة الملك فيصل الاول )) هذه كشف النقاب عنها العلامة ومؤرخ تاريخ العراق السياسي الحديث السيد((عبد الرزاق الحسني/ رحمه الله )) في كتابه ((تاريخ الوزارات العراقية / ج 3 / ط الاولى)) المطبوع في سنة 1939م ، ثم اعاد نشر نسخة هذه الورقة الملكية السيد الحسني في مقدمة كتابه : (( تاريخ العراق السياسي الحديث / ج الاول / ص 16 / ط السابعة / بيروت 2008م)) والمنشورة طبعته الاولى في سنة 1945 م بعد خروجه من سجن العمارةالذي كان معتقلا فيه بسبب الحرب العالمية الثانية كما تحدث السيد نفسه عن اسباب اعتقاله في الكتاب المذكور !!.
اما الكيفية التي حصل عليها (الحسني) رحمه الله على هذه الورقة الفيصلية الاولى واليتيمة من تاريخ رجل امتلأ بالحركة والنشاط والعمل في الحجاز وتركيا واوربا ثم العراق ، فلندع العلامة عبد الرزاق الحسني نفسه يتحدث عن ذالك بقوله : (( وكانت لصاحب الجلالة الملك فيصل الاول باعث مجد العراق ، ومؤسس كيانه الغالي (مذكرات خطيرة) كتبها في ظروف خاصة واويقات مختلفة سطت عليها ايدي السوء بُعيدارتحاله الى دارالبقاء في ليلة اليوم الثامن من شهر ايلول لسنة 1933م فجعلتها خبرا من الاخبار ، وكان صاحب الجلالة الملك ((علي))تفضل عليّ باحدى المذكرات المتعلقة بتكون الدولة العراقية ، وكيفية ادارة شؤونها ، والسير بها قدما فنشرتها في كتابي الاخر (تاريخ الوزارات العراقية) الذي اصدرته في عام 1939م وقد رايت ان اعيد نشرهافي هذا الكتاب فاجعلها مقدمة له لما تضمنته من اراء سديدة وافكار سامية واتجاهات سليمة / تاريخ العراق الحديث ج1 ص 16 )) !.
اذن كان هناك مذكرات كتبها الملك(فيصل الاول) رحمه الله بخط يده وكان للمحيط العائلي الملكي ، والفكري والسياسي العراقي معرفة بذالك ، ولكن وحسب ما ذكره الحسني رحمه الله انفا فان( يد السوء ) قد سطت على هذه المذكرات الفيصلية ( الخطيرة ) حسب تعبيرالعلامة الحسني لتصادرها من الوجود ولم يبقى منها سوى (مذكرة او ورقة) واحدة مما تركه الملك فيصل الاول من مذكرات مخطوطة بيده ، وصلت للحسني عن طريق (( علي بن الحسين شقيق الملك فيصل))لتكون هي الوثيقةالوحيدة التي تعبربكل مباشرة عن رؤية الملك فيصل الاول في بناء دولة العراق الحديثة من جهة ورؤيته الاجتماعية والاقتصادية ، والسياسية لادارة هذه الدولة من جانب اخر !!.
وقد بقيت(حقيقة ً)هذه الورقة بعد ذالك هي المرجع الاصيل لمعظم من كتب في تاريخ العراق السياسي الحديث او اراد ان يكتب عن التركيبةالاجتماعية او الفكرية او الاقتصادية العراقية في تاريخ هذا الوطن المعاصر !!.
نعم لماذا اصبحت هذه المذكرات اوهذه الورقة الفيصليةمن الخطورة بحيث تُهدد من قبل ايدي السوء والخيانه ؟.
ولماذا اطلق بعض الباحثين بالتاريخ العراقي الحديث على نفس هذه الورقة صفة ( المذكرة السرية ) / انظر حنا بطاطوا / العراق الكتاب الاول / ص 44 / ترجمة عفيف الرزاز ط الثانية ؟.
فهذا امرلجوابه عدة اتجاهات ومناحي فكرية لسنابصددالاستفاضة بمطاردته لكن يكفي هناالاشارة الى ان هذه الورقة الفيصلية تكتسب خطورتها وقيمتها العالية جدابالنسبة لتاريخ العراق الحديث من عدة اسباب وعوامل من اهمها :
اولا : انها ورقة كتبت من خلال فكروانامل ملك كان مطلعاعلى كل شاردة وواردة في بناء هذا العراق الجديد بكل ملفاته المعقدة ، ومطلعا ايضا على كل لبنة وحجر ، وكيفية وضعه في بناء الدولة العراقية الحديثة في 1921م !.
ثانيا: للملك فيصل تجربة سياسية عميقة جدامن خلال نشأته تحت كنف ابيه في الحجاز كامير لبعض نواحي الحجاز ، وكعامل من عمال الامبراطورية العثمانية انذاك ، وكقائد حرب قاد الكثير من الحروب واخرها الحرب التي اطاحت بالخلافة العثمانية ، وكدبلماسي ومحاور سياسي محنك ، عندما قاد حملته السياسية في اوربا لنيل حقه في الملكية ... الخ يمكن وصفها بالنسبة لي على الاقل على انها التجربة السياسية التي تتمكن من صناعة (( سياسي بالفطرة )) له من حنكة الادارة وحسن التدبير وقوة الشكيمة ، ما لم تستطع اي جامعة في العالم ان تهبه لسياسي ارستقراطي عرف السياسة من خلال التنظير ليمارسها من وراء المكاتب والقصور !!.
ثالثا : في هذه الورقة شيئ اخر غير ما اتصف به الملك فيصل من صفات ذاتية ، لعله هو الذي جعل من هذه الورقة ، او وهب لهذه الورقة صفة (( الخطورة والسرية )) وذالك ما اشار له الملك فيصل الاول رحمه الله نفسه عندما ذكر في مقدمة هذه الورقة سبب كتابته لهذه المذكرة بقوله :
(( كنت منذ زمن طويل أحس بوجود افكار، واراء حول كيفية ادارة شؤون الدولة عند بعض وزرائي ورجال ثقتي غير افكاري وارائي ........ لذالك رايت من الضروري ان افضي بافكاري ، واشرح خطتي في مكافحة تلك الامراض ، وتكوين المملكة على اساس ثابت ، واطلع عليها أخصائي ممن اشتركوا واياي في العمل ... )) !!.
وهذا يعني ان هذه الورقة كانت موجهة من قبل الملك فيصل الاول للخلص ورجال الثقة في دولته فحسب بعيدا عن رجال الهدم السياسي في داخل هذه الدولة ، والذي ايضا اشار لهم الملك في ورقته هذه ، واللذين هم موجودون في كل دولة لابد لها من التعامل معهم بشكل او باخر ، ولهذا وباعتبار ان هذه الورقة يمكن اعتبارها( البرنامج ) الفكري والسياسي والاجتماعي الذي يحاول الملك فيصل ايجاد( الاجماع السياسي المؤثر ) على تطبيقه وتحويله الى واقع متحرك فقدارتاى ان تكون هذه الورقة بصورة خاصة في خطابها وفي ارسالها الى بعض رجال الدولة الثقات القادرون على العمل مع الملك كمجموعة متجانسة ومنسجمة واحدة في بناء هذه الدولة والوطن والمجتمع !!.
ومن هنا نفهم : ان السرية في هذه الورقة ليس باعتبارها ورقة تحمل من الاسرار السياسية او العسكرية او الاقتصادية ... الشيئ الذي يمس المملكة العراقية في امنها او استقرارها او كيانها القائم ،وانما كان منشأ السرية في كونها (برنامج سياسي) اذا لم تتظافر الجهود السياسية المخلصة في تطبيقه وادراك فحواه فلا يمكن لدولة العراق الحديثة القيام من جهة ، ولكون هذه الورقة (كبرنامج سياسي متكامل الرؤية) بحاجة الى العمل بموجبها ولكان سيفقد الكثير من فاعليته اذا اطلع عليه (اصحاب الاغراض والنوايا السيئة) من الداخل العراقي ، والخارج العراقي ايضا (لاعاقته) من الاثمار والعمل بايجابية وانسياب بلا عوائق سياسية او استعمارية انذاك مفتعلة !!.
ان ورقة الملك فيصل الاول رحمه الله قد تناول افكارها ، وفحوى نقاطها (( الاحد عشرة )) المذكورة فيها ، الكثير من الكتاب والمفكرين والمثقفين والمؤرخين العراقيين قبل عقودوحتى اليوم ولكن ومع الاسف وهذامايدعونا اليوم لاعادة قراءة هذه الورقة ، مع ماذكرناه : انها ورقة تحمل بين طياتها الجينات الاولى لانشاء الدولة العراقية الحديثة ، نقول :
ان معظم من تناولوا هذه الورقة تناولوها بعقلية لاتمت بصلة واقعية الى ما قصده الملك فيصل من كتابة هذه الورقة ، وطرحها كبرنامج سياسي لبناء الدولة العراقية الحديثة ، وتطوير مجتمعها والتعامل معه بكل ايجابية !!.
بمعنى آخر ان هناك الكثيرممن ذكرهذه الورقة الفيصلية السياسية او جعلها مرجعا لفكره السياسي التقييمي لتاريخ العراق السياسي الحديث من كتابنا او مفكرينا او مثقفينا او مؤرخينا .... تعامل مع هذه الورقة اما :
اولا : بان اجتزأ فقرة من هذه الورقة الفيصلية ، لاسيما الفقرة الاولى من هذه الورقة ، ليتخذ من هذه الفقرة منطلقا لرؤية نقدية فحسب تشن الحملات الانفعاليةعلى تركيبةالاجتماع العراقي وانها تركيبة قد وصفها الملك فيصل بانها لاتمتلك (( الوحدة الوطنية )) وانها تركيبة ممزقة طائفيا وقوميا ودينيا ومناطقيا ....... وعلى هذا الاساس فان التجريبة الاجتماعية بقت لاتجمعها جامع وطني ولا وحدة عليا حتى اليوم كما ذكره الملك فيصل !!.
بينما كان طرح الملك فيصل الاول كمانفهمه نحن ونحاول طرحه في هذه المقالات وخاصة في ((الفقرة الاولى)) من ورقته السياسية في تقييم الواقع العراقي انذاك طرحالاعلاقة له بكل هذه المنزلقات الفكريةالمعقدة والمتخلفة في علم الاجتماع السياسي حول المجتمعية العراقية ، وتركيبتها الطبقية او الدينية او القومية ... !!.
ثانيا : هناك من ذكر هذه الورقة الفيصلية في بناء الدولة العراقية الحديثة لكنه ومع الاسف عندما اراد ان يتعامل مع فقراتها القيمة وجدناه رافعا لكل هذه الورقة من مميزاتها التاريخية اولا وغير ملتفتا تماما الى ان نجاح هذه الورقة الفيصلية في بناءالكيان العراقي الحديث اوعبقرية رؤيتها له جناحان ،الاول ما حملته من افكاركانت انعكاسا لواقع تاريخي معين للكيان العراقي ، وثانيا : هذه (المجتمعية العراقية) التي كانت مهيئة للتجاوب مع هذا الفكر السياسي الفيصلي والبرنامج الفكري ، الذي تطلع لتطبيقه فيصل وحكومته وتحويلة الى (واقع متحرك اجتماعي يعيش بين الناس) وبجهودهم وبتقبلهم للفكر السياسي الحديث !.
بمعنى اوضح : ان اللذين كتبوا عن تاريخ الدولة العراقية الحديثة ، والذين اشادوا بعبقرية فيصل الاول رحمه الله وفكره في بناء دولة عصرية حديثة في غضون عقد واحد من جهده لاغيرنسوا او تناسواعامدين ان هذا النجاح لايمكن ان يحسب لجهد فيصل الاول رحمه الله فحسب بل هو نجاح يشترك في صناعته الاجتماع العراقي ،او مكونات الاجتماع العراقي المتنوعة التي خرجت من عباءة الاستعمار العثماني البغيض ، والمتخلف مبعثرة ممزقة متناحرة متباعدة متنافرة ..... الخ ولكن سرعان ، وما ان شعرت ان هناك ملكا ، وقائدا يحاول بناء عراق جديد ، وعصري وحديث وعربي ومتطور فستجابت بشكل مباشر يندر حصوله في مجتمعات كثيرة ، لتتنازل عن كل متنافراتها الطائفية والقومية .. لتصنع امة واحدة وتنضوي تحت لواء وحدة وطنية فاعلة ومنتجه ومثمرة !!.
نعم كانت جهود الملك فيصل مخلصة للعراقيين في بناء وحدتهم وتطورهم لكن ايضاكانت استجابةالاجتماع العراقي هي الرافعة التي حولت من افكار فيصل الى واقع ، وعند هذه الحالة لااعلم شخصيا هل كان من حسن حظ العراقيين انذاك ان وهبهم ملكا حكيما كالملك فيصل الاول ام من حسن حظ الملك فيصل انه وهب شعبا ليّن الطينة في استقبال الحداثة والجديد !!.
وفي ختام هذه المقالة الثانية نقول ان تقييم الشعوب ياتي من خلال تاريخها الطويل البعيد ، والقريب في جمودها وحركتها وفي كبوتها ونهضتها وفي عقمها وانتاجها وفي حياتها وبعثها او موتها وانقبارها ..... وللعراق تاريخ عنقاء يشهد التاريخ له ولقياماته المتعددة ولايمكن الحكم على شعب بلحظته الانية التي ربما تكون ميتة او معاقة من الحركة ،او سائرة ببطئ وعلاجية فمثل هذه الاحكام لايطلقها الاالجاهلون بالتاريخ والشعوب والتجارب وسنن الاجتماع والايام والعراقيون اليوم عادوا كما استلمهم اول يوم الملك فيصل الاول رحمه الله بعد انجلاء الغمة العثمانية عنهم ، فهم مبعثرون وممزقون ، ومتمترسون كل خلف قوميته او دينه او طائفته او مصالحه... وهم اليوم بحاجة اكثر من اي وقت مضى ان يسعوا جميعا لقيام دولتهم ،دولة القانون والعدل ، والمواطنة ودولة البرامج والمشاريع ، والرؤى ودولة الخلص من ابناء هذا الوطن التي هي السرّ في وحدتهم وقوتهم وغياب ضعفهم وتشتتهم والسر في ابداعهم وهيبتهم وعودة مجدهم من جديد !!.
http://7araa.blogspot.com/
alshakerr@yahoo.com
كثيرة هي تلك المدونات وتلك الكتب التي كتبت حول حقبة وسياسة وادارة وحنكة وتاريخ وتربية ونشأة ... الخ ، الملك فيصل الاول وعلاقته القدرية بصناعة تاريخ العراق السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي ....... الحديث !!.
كما انه كثيرٌ اولئك اللذين حللواالعراق الملكي سياسيا واجتماعيا واقتصاديا وفكريا وادبيا وفنيا ..... وحتى نفسيا ، الى ان اصبح وكأن العراق الملكي ماثلا امام نواظر كل قارئ ومطلع وباحث ومؤرخ !!.
الا انه بقيت لدينا حتى اليوم (ورقة) واحدة فقط من تاريخ هذه الحقبة تحمل بصمات وجينات وانامل الملك (فيصل الاول) نفسه وهي تتحدث عن رؤية الملك الشخصية ، لحقبة تاريخ الامة العراقية ورؤيته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية في بناء دولة هذا الشعب الحديثة !!.
والحقيقة ان (( ورقة الملك فيصل الاول )) هذه كشف النقاب عنها العلامة ومؤرخ تاريخ العراق السياسي الحديث السيد((عبد الرزاق الحسني/ رحمه الله )) في كتابه ((تاريخ الوزارات العراقية / ج 3 / ط الاولى)) المطبوع في سنة 1939م ، ثم اعاد نشر نسخة هذه الورقة الملكية السيد الحسني في مقدمة كتابه : (( تاريخ العراق السياسي الحديث / ج الاول / ص 16 / ط السابعة / بيروت 2008م)) والمنشورة طبعته الاولى في سنة 1945 م بعد خروجه من سجن العمارةالذي كان معتقلا فيه بسبب الحرب العالمية الثانية كما تحدث السيد نفسه عن اسباب اعتقاله في الكتاب المذكور !!.
اما الكيفية التي حصل عليها (الحسني) رحمه الله على هذه الورقة الفيصلية الاولى واليتيمة من تاريخ رجل امتلأ بالحركة والنشاط والعمل في الحجاز وتركيا واوربا ثم العراق ، فلندع العلامة عبد الرزاق الحسني نفسه يتحدث عن ذالك بقوله : (( وكانت لصاحب الجلالة الملك فيصل الاول باعث مجد العراق ، ومؤسس كيانه الغالي (مذكرات خطيرة) كتبها في ظروف خاصة واويقات مختلفة سطت عليها ايدي السوء بُعيدارتحاله الى دارالبقاء في ليلة اليوم الثامن من شهر ايلول لسنة 1933م فجعلتها خبرا من الاخبار ، وكان صاحب الجلالة الملك ((علي))تفضل عليّ باحدى المذكرات المتعلقة بتكون الدولة العراقية ، وكيفية ادارة شؤونها ، والسير بها قدما فنشرتها في كتابي الاخر (تاريخ الوزارات العراقية) الذي اصدرته في عام 1939م وقد رايت ان اعيد نشرهافي هذا الكتاب فاجعلها مقدمة له لما تضمنته من اراء سديدة وافكار سامية واتجاهات سليمة / تاريخ العراق الحديث ج1 ص 16 )) !.
اذن كان هناك مذكرات كتبها الملك(فيصل الاول) رحمه الله بخط يده وكان للمحيط العائلي الملكي ، والفكري والسياسي العراقي معرفة بذالك ، ولكن وحسب ما ذكره الحسني رحمه الله انفا فان( يد السوء ) قد سطت على هذه المذكرات الفيصلية ( الخطيرة ) حسب تعبيرالعلامة الحسني لتصادرها من الوجود ولم يبقى منها سوى (مذكرة او ورقة) واحدة مما تركه الملك فيصل الاول من مذكرات مخطوطة بيده ، وصلت للحسني عن طريق (( علي بن الحسين شقيق الملك فيصل))لتكون هي الوثيقةالوحيدة التي تعبربكل مباشرة عن رؤية الملك فيصل الاول في بناء دولة العراق الحديثة من جهة ورؤيته الاجتماعية والاقتصادية ، والسياسية لادارة هذه الدولة من جانب اخر !!.
وقد بقيت(حقيقة ً)هذه الورقة بعد ذالك هي المرجع الاصيل لمعظم من كتب في تاريخ العراق السياسي الحديث او اراد ان يكتب عن التركيبةالاجتماعية او الفكرية او الاقتصادية العراقية في تاريخ هذا الوطن المعاصر !!.
نعم لماذا اصبحت هذه المذكرات اوهذه الورقة الفيصليةمن الخطورة بحيث تُهدد من قبل ايدي السوء والخيانه ؟.
ولماذا اطلق بعض الباحثين بالتاريخ العراقي الحديث على نفس هذه الورقة صفة ( المذكرة السرية ) / انظر حنا بطاطوا / العراق الكتاب الاول / ص 44 / ترجمة عفيف الرزاز ط الثانية ؟.
فهذا امرلجوابه عدة اتجاهات ومناحي فكرية لسنابصددالاستفاضة بمطاردته لكن يكفي هناالاشارة الى ان هذه الورقة الفيصلية تكتسب خطورتها وقيمتها العالية جدابالنسبة لتاريخ العراق الحديث من عدة اسباب وعوامل من اهمها :
اولا : انها ورقة كتبت من خلال فكروانامل ملك كان مطلعاعلى كل شاردة وواردة في بناء هذا العراق الجديد بكل ملفاته المعقدة ، ومطلعا ايضا على كل لبنة وحجر ، وكيفية وضعه في بناء الدولة العراقية الحديثة في 1921م !.
ثانيا: للملك فيصل تجربة سياسية عميقة جدامن خلال نشأته تحت كنف ابيه في الحجاز كامير لبعض نواحي الحجاز ، وكعامل من عمال الامبراطورية العثمانية انذاك ، وكقائد حرب قاد الكثير من الحروب واخرها الحرب التي اطاحت بالخلافة العثمانية ، وكدبلماسي ومحاور سياسي محنك ، عندما قاد حملته السياسية في اوربا لنيل حقه في الملكية ... الخ يمكن وصفها بالنسبة لي على الاقل على انها التجربة السياسية التي تتمكن من صناعة (( سياسي بالفطرة )) له من حنكة الادارة وحسن التدبير وقوة الشكيمة ، ما لم تستطع اي جامعة في العالم ان تهبه لسياسي ارستقراطي عرف السياسة من خلال التنظير ليمارسها من وراء المكاتب والقصور !!.
ثالثا : في هذه الورقة شيئ اخر غير ما اتصف به الملك فيصل من صفات ذاتية ، لعله هو الذي جعل من هذه الورقة ، او وهب لهذه الورقة صفة (( الخطورة والسرية )) وذالك ما اشار له الملك فيصل الاول رحمه الله نفسه عندما ذكر في مقدمة هذه الورقة سبب كتابته لهذه المذكرة بقوله :
(( كنت منذ زمن طويل أحس بوجود افكار، واراء حول كيفية ادارة شؤون الدولة عند بعض وزرائي ورجال ثقتي غير افكاري وارائي ........ لذالك رايت من الضروري ان افضي بافكاري ، واشرح خطتي في مكافحة تلك الامراض ، وتكوين المملكة على اساس ثابت ، واطلع عليها أخصائي ممن اشتركوا واياي في العمل ... )) !!.
وهذا يعني ان هذه الورقة كانت موجهة من قبل الملك فيصل الاول للخلص ورجال الثقة في دولته فحسب بعيدا عن رجال الهدم السياسي في داخل هذه الدولة ، والذي ايضا اشار لهم الملك في ورقته هذه ، واللذين هم موجودون في كل دولة لابد لها من التعامل معهم بشكل او باخر ، ولهذا وباعتبار ان هذه الورقة يمكن اعتبارها( البرنامج ) الفكري والسياسي والاجتماعي الذي يحاول الملك فيصل ايجاد( الاجماع السياسي المؤثر ) على تطبيقه وتحويله الى واقع متحرك فقدارتاى ان تكون هذه الورقة بصورة خاصة في خطابها وفي ارسالها الى بعض رجال الدولة الثقات القادرون على العمل مع الملك كمجموعة متجانسة ومنسجمة واحدة في بناء هذه الدولة والوطن والمجتمع !!.
ومن هنا نفهم : ان السرية في هذه الورقة ليس باعتبارها ورقة تحمل من الاسرار السياسية او العسكرية او الاقتصادية ... الشيئ الذي يمس المملكة العراقية في امنها او استقرارها او كيانها القائم ،وانما كان منشأ السرية في كونها (برنامج سياسي) اذا لم تتظافر الجهود السياسية المخلصة في تطبيقه وادراك فحواه فلا يمكن لدولة العراق الحديثة القيام من جهة ، ولكون هذه الورقة (كبرنامج سياسي متكامل الرؤية) بحاجة الى العمل بموجبها ولكان سيفقد الكثير من فاعليته اذا اطلع عليه (اصحاب الاغراض والنوايا السيئة) من الداخل العراقي ، والخارج العراقي ايضا (لاعاقته) من الاثمار والعمل بايجابية وانسياب بلا عوائق سياسية او استعمارية انذاك مفتعلة !!.
ان ورقة الملك فيصل الاول رحمه الله قد تناول افكارها ، وفحوى نقاطها (( الاحد عشرة )) المذكورة فيها ، الكثير من الكتاب والمفكرين والمثقفين والمؤرخين العراقيين قبل عقودوحتى اليوم ولكن ومع الاسف وهذامايدعونا اليوم لاعادة قراءة هذه الورقة ، مع ماذكرناه : انها ورقة تحمل بين طياتها الجينات الاولى لانشاء الدولة العراقية الحديثة ، نقول :
ان معظم من تناولوا هذه الورقة تناولوها بعقلية لاتمت بصلة واقعية الى ما قصده الملك فيصل من كتابة هذه الورقة ، وطرحها كبرنامج سياسي لبناء الدولة العراقية الحديثة ، وتطوير مجتمعها والتعامل معه بكل ايجابية !!.
بمعنى آخر ان هناك الكثيرممن ذكرهذه الورقة الفيصلية السياسية او جعلها مرجعا لفكره السياسي التقييمي لتاريخ العراق السياسي الحديث من كتابنا او مفكرينا او مثقفينا او مؤرخينا .... تعامل مع هذه الورقة اما :
اولا : بان اجتزأ فقرة من هذه الورقة الفيصلية ، لاسيما الفقرة الاولى من هذه الورقة ، ليتخذ من هذه الفقرة منطلقا لرؤية نقدية فحسب تشن الحملات الانفعاليةعلى تركيبةالاجتماع العراقي وانها تركيبة قد وصفها الملك فيصل بانها لاتمتلك (( الوحدة الوطنية )) وانها تركيبة ممزقة طائفيا وقوميا ودينيا ومناطقيا ....... وعلى هذا الاساس فان التجريبة الاجتماعية بقت لاتجمعها جامع وطني ولا وحدة عليا حتى اليوم كما ذكره الملك فيصل !!.
بينما كان طرح الملك فيصل الاول كمانفهمه نحن ونحاول طرحه في هذه المقالات وخاصة في ((الفقرة الاولى)) من ورقته السياسية في تقييم الواقع العراقي انذاك طرحالاعلاقة له بكل هذه المنزلقات الفكريةالمعقدة والمتخلفة في علم الاجتماع السياسي حول المجتمعية العراقية ، وتركيبتها الطبقية او الدينية او القومية ... !!.
ثانيا : هناك من ذكر هذه الورقة الفيصلية في بناء الدولة العراقية الحديثة لكنه ومع الاسف عندما اراد ان يتعامل مع فقراتها القيمة وجدناه رافعا لكل هذه الورقة من مميزاتها التاريخية اولا وغير ملتفتا تماما الى ان نجاح هذه الورقة الفيصلية في بناءالكيان العراقي الحديث اوعبقرية رؤيتها له جناحان ،الاول ما حملته من افكاركانت انعكاسا لواقع تاريخي معين للكيان العراقي ، وثانيا : هذه (المجتمعية العراقية) التي كانت مهيئة للتجاوب مع هذا الفكر السياسي الفيصلي والبرنامج الفكري ، الذي تطلع لتطبيقه فيصل وحكومته وتحويلة الى (واقع متحرك اجتماعي يعيش بين الناس) وبجهودهم وبتقبلهم للفكر السياسي الحديث !.
بمعنى اوضح : ان اللذين كتبوا عن تاريخ الدولة العراقية الحديثة ، والذين اشادوا بعبقرية فيصل الاول رحمه الله وفكره في بناء دولة عصرية حديثة في غضون عقد واحد من جهده لاغيرنسوا او تناسواعامدين ان هذا النجاح لايمكن ان يحسب لجهد فيصل الاول رحمه الله فحسب بل هو نجاح يشترك في صناعته الاجتماع العراقي ،او مكونات الاجتماع العراقي المتنوعة التي خرجت من عباءة الاستعمار العثماني البغيض ، والمتخلف مبعثرة ممزقة متناحرة متباعدة متنافرة ..... الخ ولكن سرعان ، وما ان شعرت ان هناك ملكا ، وقائدا يحاول بناء عراق جديد ، وعصري وحديث وعربي ومتطور فستجابت بشكل مباشر يندر حصوله في مجتمعات كثيرة ، لتتنازل عن كل متنافراتها الطائفية والقومية .. لتصنع امة واحدة وتنضوي تحت لواء وحدة وطنية فاعلة ومنتجه ومثمرة !!.
نعم كانت جهود الملك فيصل مخلصة للعراقيين في بناء وحدتهم وتطورهم لكن ايضاكانت استجابةالاجتماع العراقي هي الرافعة التي حولت من افكار فيصل الى واقع ، وعند هذه الحالة لااعلم شخصيا هل كان من حسن حظ العراقيين انذاك ان وهبهم ملكا حكيما كالملك فيصل الاول ام من حسن حظ الملك فيصل انه وهب شعبا ليّن الطينة في استقبال الحداثة والجديد !!.
وفي ختام هذه المقالة الثانية نقول ان تقييم الشعوب ياتي من خلال تاريخها الطويل البعيد ، والقريب في جمودها وحركتها وفي كبوتها ونهضتها وفي عقمها وانتاجها وفي حياتها وبعثها او موتها وانقبارها ..... وللعراق تاريخ عنقاء يشهد التاريخ له ولقياماته المتعددة ولايمكن الحكم على شعب بلحظته الانية التي ربما تكون ميتة او معاقة من الحركة ،او سائرة ببطئ وعلاجية فمثل هذه الاحكام لايطلقها الاالجاهلون بالتاريخ والشعوب والتجارب وسنن الاجتماع والايام والعراقيون اليوم عادوا كما استلمهم اول يوم الملك فيصل الاول رحمه الله بعد انجلاء الغمة العثمانية عنهم ، فهم مبعثرون وممزقون ، ومتمترسون كل خلف قوميته او دينه او طائفته او مصالحه... وهم اليوم بحاجة اكثر من اي وقت مضى ان يسعوا جميعا لقيام دولتهم ،دولة القانون والعدل ، والمواطنة ودولة البرامج والمشاريع ، والرؤى ودولة الخلص من ابناء هذا الوطن التي هي السرّ في وحدتهم وقوتهم وغياب ضعفهم وتشتتهم والسر في ابداعهم وهيبتهم وعودة مجدهم من جديد !!.
http://7araa.blogspot.com/
alshakerr@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
HTML