( ادب الوصية : قراءة اجتماعية لوصية الحاج عبيد الراشد) حميد
الشاكر .
_________________________
((1))
يتناول
في بعض مفاصله، ومحاوره علم الاجتماع الحديث العوائد والتقاليد والاعراف الاجتماعية
، والدينية ، والاقتصادية و..... حتى السياسية التي تختلف عليها الازمان والاماكن
لتتحول هي بدورها او تتطور( تلك التقاليد والاعراف ) او ربما تندثر لتختص بزمان
دون اخر !!.
فعلم
الاجتماع ايضا يلاحق هذه الظواهر الاجتماعية في حاضرها ان كانت لم تزل قائمة ، او
في تاريخها ان كان لهذه الظواهرذكر في تاريخ امة من الامم ثم اندثرت هذه الظواهراو
ان كانت لم تزل مستمرة وموجودة الا انها ضعفت وانزوت ولم تبقى تُمارس ، ألاّ على
سبيل التقاليد المختصة ببعض التراتبية الكلاسيكية الاجتماعية الدينية ، او ببعض
الطبقات الاقتصادية او السياسية او المجتمعية او ... غير ذالك ، فعلم الاجتماع هو
العلم المختص بدراسة هذه العوائد ، والتقاليد والاعراف ، التي تشكل سلوك وافكار
الفرد والجماعة او تساهم في هذا التشكيل من حيث :
اولا
: اسباب نشأة هذه التقاليد او الظواهر والسلوكيات الاجتماعية .
ثانيا
: عوامل ومتطلبات وحاجات وجودها :
ثالثا
: اسباب قدرة استمرارها او اندثارها .
رابعا:ماهية
تطورها (لماذا بعض الظواهر قادرة على التشكل والتكّيف مع متغيرات الاجتماع
وتقلباته والبعض الاخر ليس كذالك ) او موتها .
خامسا
: مدى سلطتها او فعليتها وتاثيرها على سلوك الفرد والجماعة .
سادسا
: .... الخ . وهكذا !!.
والحقيقة
ان (( ادب وتراث الوصية = على اعتبار انها من ضمن الظواهر المجتمعية العراقية
التاريخية والحاضرة)) لاسيما في المجتمعية الاسلامية (سنه شيعةعلى اختلاف فقهي
يبحث في مضانه في البقاء والنسخ وماهية هذا النسخ) هي من ضمن الظواهر المجتمعية
التقليدية ، والدينية العراقية التي كانت ، ولم تزل موجوده ومتحركة بشكل ، او اخر وان ضعفت داخل الاجتماع
العراقي اليوم فهي تعتبرمن ضمن الظواهرالاجتماعية التي يمكن تناول (مفاعيلها
الاجتماعية) على اكثر من صعيد من جهة ، ويمكن كذالك تناول ظاهرتها الاجتماعية،
ولماذية اشتداد حضورها (مثلا) في بداية بناء الدولة العراقية الحديثة داخل العائلة
العراقية في عشرينات القرن العشرين المنصرم ، عندما كان المجتمع العراقي لم يزل (كلاسيكيا
تقليديا ) يتمسك بالاصالة ويحافظ على
التقاليد ، ؟ ، ولماذا بعد قيام الجمهورية ابان نهاية الخمسينات انزوت كثيرامن
ظواهرالاجتماع العراقي التقليديه تحت مطرقة التحديث والتطوروالتقدم ، بما في ذالك
تراث وادب الوصية الذي كان يمثل سلوكا او(اتكيتا) اجتماعيادينيا واقتصادياينبغي
المحافظة عليه والاستمرار في انعاش وجوده !!.
(( 2
))
طبعا
ربما كان للجوانب (( الدينية او الاقتصادية)) ومتطلبات هذه الجوانب بالخصوص اهمية
كبرى في موضوعة ، او نشأة او اسباب وجود
ظاهرة (( الوصية )) التي نص الشرع الاسلامي عليها (( اذا حضر احدكم الموت ان ترك
خيرا الوصية...الخ )) من جهة ، وتطلبتها الضرورات الاقتصادية بالخصوص((باعتبار
السوق وتداول الاموال فيه والذمم التجارية وعمليات الاستدانه و.. باقي اشكاليات
التجارة وانواع واساليب عملها )) من جانب
اخر !!.
لكن
هذا لا يعني ان الوصية تختص فقط بالتراتبية الاجتماعية الدينية او الاقتصادية
وخصوصا داخل الاجتماع العراقي ، فبغض النظر ان النصوص الدينية (( اوجبت هذا الادب
في الوصية)) على جميع المتقين وكذا اوجبت الضرورات الاقتصادية ذالك لحفظ الحقوق
الماليةعلى جميع المتعاملين الا ان ل((ظاهرة الوصية )) حضور كذالك في مخيال ، وسلوك
جميع الطبقات والتنوعات ، والتراتبيات الاجتماعية العراقية ((نذكر هنا على سبيل
المثال وصية رئيس الوزراء العراقي الملكي عبد المحسن السعدون، 1929م )) باعتبار ان
الوصية (هي ما لايمكن قوله)في حياة الانسان لذالك هو يرتاي ان يقوله للاخرين بعد
وفاته او باعتبار ان الوصية المكتوبة (هي
الوثيقة الدامغة ، والحاضرة للشهادة ) حتى
بعد موت الموصي ، او موت شهوده وخروجهم من هذه الحياة لحفظ الحقوق والواجبات الاسرية والاجتماعية
والاقتصادية او تنظيم هذه العلاقات الاجتماعية والاسرية او....الخ !!.
فاذن
(( للوصية)) اكثر من وظيفة اجتماعية يمكن ان تقوم بها واذا اردنا تطبيق (( المنهج البنائي الوظيفي ))،
لمدارس علم الاجتماع الحديث على (( مفهوم ، ومضمون الوصية )) اجتماعيا ، يمكن وصف
سلوك وظاهرة (الوصية المكتوبة) داخل
المجتمع على ان لها اكثر من بُعد بنائي ووظيفي تقوم به داخل الاسرة والمجتمع !!.
(( 3
))
انتخبنا
وصية الحاج المرحوم عبيد الراشد (( جدي لوالدي المرحوم شاكر الحاج عبيد الراشد ))
لتكون مادة لبحثنا هذا في ادب الوصية لعدة اسباب علمية يطول شرحها ، ولكن يكفي ان
نشير هنا الى :
اولا
: ان المرحوم الحاج عبيد الراشد عاصركلا حقبتي التطورات العراقية الحديثة فهو من
مواليد 1887م ، ووفاة 1968 او 1969م ، اي انه من الافراد الذين عاصروانهايات
العصرالعثماني وبدايات العهد الملكي العراقي وبناء الدولة والمجتمعية العراقية
الحديثة ومن ثم الجمهوري في 1958م بعد انقلاب المرحوم الجنرال عبد الكريم قاسم على
النظام الملكي !!.
وفي
هذه الحقب الثلاث ((العثماني والملكي والجمهوري)) يمكن الجزم ان شخصية المجتمع
العراقي الحديث قد صيغت بشكل تمكن اي عالم اجتماع او اي مدرسة اجتماعية ان تتناول
هذه الشخصية الاجتماعية بكل ابعادها المتكاملة البنيان حتى اليوم ويمكن رصدتطورات
المجتمع العراقي الحديث بكافة اشكال هذا التطوراو التغير المجتمعي سياسيا فكريا
اقتصاديا تقاليديا اعرافا اسريا نفسيا ......الخ مما يهيئ لعالم الاجتماع تكامل
سبل الدراسة والبحث واستخلاص النتائج !!.
ثانيا
: انتخابنا لهذه الوصية باعتبار : وثاقتها التاريخية لدينا ومصداقيتها العلمية من
جهة ومعرفة جميع مفاصل حياة الموصي( نشأته وفاته نوعية محيطه الاسري
والمجتمعي...الخ)من جانب اخر فلا شك اننا عندما ندرس وثيقة بهكذا مصداقية ، واحاطة
بكل ملابساتها ، فانها ستكون اكثر علمية مما لو درسنا وثيقة منسوبة ، لهذا الجانب
او ذاك ، ويمكن الاتكاء والثقة بمضامينها الاجتماعية، بالاضافة الى ميزاتها الاخرى
!.
ثالثا
: الحاج المرحوم ((عبيد الراشد )) تاجر واقتصادي تقليدي عاش في قصبة سوق الشيوخ ،
اي هو ووصيته يجمعان ، بين الدوافع
الاقتصادية والدينية والاجتماعية والاسرية للانسان التقليدي العراقي في حيز واحد
ما يجعل لوصيته اكثر من بعد اجتماعي يمكن دراستها من خلاله !.
وايضا
هناك الكثير من الاسباب، والدوافع التي تدفعنا لدراسة هذه الوثيقة غير ذالك اعرضنا
عن ذكرها لعدم الاطالة او سوف نذكرها في طي تحليلنا لمواد هذه الوصية الرائعة !.
((4))
نص
وصية الحاج عبيد الراشد في سنة 1968م 1388 هجرية الى ولده المرحوم شاكر الحاج عبيد
الراشد :
بسم الله الرحمن
الرحيم ................ تحت البسملة على اليسار مكتوب : اعترف الحاج عبيد بما
فيها لدىّ الجاني (( الشيخ )) يوسف عبد الحسين.
الحمد
لله الذي امر بالوصية قبل حلول المنية ، وصلى الله على محمد واله سادات البرية
وبعد فاقول ، وانا الفقير الى الله الغني حاج عبيد الراشد اني اشهد ان لااله الا
الله وحده لاشريك له وان محمداصلى الله عليه واله عبده ورسوله وان عليا امير
المؤمنين واولاده الاحد عشر المعصومين اوصياء رسوله وحجج الله على عباده ، وان
الساعة اتية لاريب فيها وان الله يبعث من في القبور واليه النشور هذا امر الاخرة
واما الدنيا فعندي من حطامها داري اللتي اسكنها في قصبة سوق الشيوخ المعلومة ،
ونقود وديون على الناس معلومه، وطعام عند الناس ايضا بطريق البيع والشراء واثاث
فرش واواني وفرشات ، ومسدس وصندوق حديد ، وقد جعلت الوصي من بعدي ولدي شاكر والناظر عليه ولدي حسين ، فعلى الوصي ان يقوم
بتجهيزي ، ونقلي الى النجف الاشرف ، وان ثلثي الف دينار يلزم الوصي اخراجها وانفاقها في خمسين سنه صلاة
وخمسين شهر صيام وما يبقى من الالف ينفق
في ردّالمظالم كل ذالك بنظرالعالم الديني في البلد اما الاثاث المذكورة اعلاه فهي
وقف على الديوان توليتها بيد الوصي ، اما المسدس وصندوق الحديد مجردا فهما للوصي
دون باقي ورثتي وبعد اخراج المذكورات تقسم تركتي ، بين ورثتي ، على حكم الكتاب المجيد
، واني وصيّ عن ابنتي المرحومة فاطمة ، وقد اوصت اليّ باداء حجة ، وصلاة
وصيام ورد مظالم وقد تركت ماة وثلث وثمانين دينارا ، ومخشلات (( ذهب )) الجميع
عندي اللازم على الوصي اداء الحجة من اصل تركتها المزبورة، ثم يقسم الباقي منها
اثلاثا ثلث للصلاة والصوم ورد المظالم وثلثان ميراثي منها انا وامها ولامها سهم
واحد من الثلثين ، وخمسة سهام هي لي ، حالها
حال تركتي فتقسم بين ورثتي على حكم الكتاب كما انه يلزم اخراج مأة وخمسين دينار
زواجا لولدي مصعب ، وايضا يخرج الى رستم مأة وخمسين دينارا زواجا له اما الكَبان
ابو العربانه، وقبان التكان (الدكان) مع توابعهما من الاوزان فهما الى ولدي شاكر، فمن
بدله بعدما سمعه فانما اثمه على الذين يبدلونه . 8/7/1968 . ..... 12/ 4/ 1388
هجري.
نعم
قبلت الوصية والتزمت بما فيها : شاكر الحاج عبيد . توقيع . على الجانب الايسر :
قبلت
الوصية والتزمت بما فيها : حسين الحاج عبيد الراشد . توقيع : على الجانب الايسر من
الوصية :
عن
اقرار حاج عبيد الراشد .
في
الاسفل :
شهد
: نعيم الحاج نصيف : توقيع . الى جانبه الايسر :
شهد
بذالك : رستم الحاج عبيد الراشد : تحت توقيع .
تحت
توقيع الحاج عبيد طابعان من فئة المئتي فلس اخضر اللون
الى
الجانب الايسر من الوصية شهد كل من :
شهد
بذالك : حاج حسين الجابر : بصمة ابهام .
شهد
بذالك : ثجيل الفروخ : بصمه .
شهد
بذالك : سيد حمد السيد موسى : توقيع .
شهد
بذالك : حاج محمد امين شهربلي : توقيع .
شهد
بذالك : رحيم الحاج نصيف : توقيع
((5))
يمكن
تسليط الاضواء ، من خلال هذه الوصية على عدة محاور : اجتماعيا وعقدية دينية واقتصادية
وكذا شخصية فردية واسرية منها :
اولا
: بداية وصية الحاج عُبيد الراشد رحمه الله تبدأ بالاعتراف او الاقرار الديني بانه
مسلم موحد بالله ، وشاهدا لمحمد بالرساله ، وكذا شاهدا لاهل بيته بالامامه مما
يطلعنا على ان الحاج عبيد قبل وفاته كان ينتمي للمذهب الشيعي الامامي الاثني عشري
، الذي يؤمن بامامة اهل بيت الرسول بعده بالقيادة الدينية والسياسية !.
وكذا
في بداية الوصية يذكرالحاج عُبيد بانه مقر ومعترف بان الوصية امر ديني وان الله
يبعث من في القبور وان القيامة حق وان اليه النشور... الخ .
وهذه
الصيغة في بعض الوصايا الدينية (في الحقيقة ) بداية عرفية ودينية يكتبها الكاتب
حسب املاء عالم الدين له باعتبارها الصيغة الشرعية لحبكة ادب الوصية التقليدية في
المذهب الشيعي الامامي !.
ثانيا
: تنتقل الوصية من الاقرار والاعتراف الديني الى فحواها ومقصدها وهدفها الحقيقي ،
وهو ذكر ما سيُترك بعد وفاة الموصي من امور تتعلق بالاحياء وليس بالاموات هذه
المرة !!.
اي
ان الوصية في مفهومها الاجتماعي مع انها امرديني ومع ان شروعها لابد ان يبدأ من الاقراروالاعتراف
الديني العقدي الا انها في هدف وجودها الاكبر ليس هذا الشأن الديني فحسب وانما هو
الشأن الدنيوي، ولهذا بدأت وصية الحاج عبيد الراشد رحمه الله بالتوسعة في (( اما الدنيا )) !!.
نعم
فيما يوحيه مفهوم الوصية اجتماعيا وفكريا ايضا
الا انه غير مكتوب ولا منطوق من
قبل الموصي رحمه الله ، ان الوصية هي ايضا : تعبير عن الرغبة والمخيال الانساني
للاستمرار في هذه الحياة ، او استمرار
المنهج الذي قاد به الموصي سفينة عائلته على نفس المنوال والفكرة لتقاد العائلة
ويدبر شانها الاقتصادي والاجتماعي، بنفس ما كان يسير عليه ويرغب به المتوفي قبل
وفاته ووصيته ،ولهذا تمثل فكرة الوصية ذالك البعد الممزوج بالفطرة الانسانية، وحبها
للبقاء والخلود في الحياة ، ولكن وبما ان الموت هو الحقيقة التي لااختلاف ولااجتهاد
بشأنهافي حياتنا الدنياهذه فقد جاءت الوصية لتقوم ب ( وظيفة ) الامتداد الانساني
بعد الموت او بوظيفة اشباع غريزة حب البقاء عند الانسان ، او بوظيفة استمرار
السوق بنفس الالية المالية او ... لتقنعه
ان نفس ((فكره وتخطيطه وتمنياته و ...الخ)) سوف تستمر بعد وفاته من خلال الوصية
وما تحمله من سلطة اجتماعية ودينية تلزم
(الموصى له) بان يقوم بما فات الوصي او ماترك من اعمال تجعل من حياة المجتمع عجلة
مستمرة بالدوران ومتوالية بالحركة والوجود !.
ثالثا
: تتحدث الوصية في اهم محاورهاالشخصية والاقتصادية عن ما كان يملكه المرحوم حاج
عبيد الراشد ،فمن خلال الوصية ادركنا ان له بيتا في قصبة سوق الشيوخ ونقود ، وديون
( ترك الجد عبيد رحمه الله الكثير من السندات بهذا الشان) وطعام عند الناس بطريق
البيع والشراء/ باعتبار انه كان تاجر غلات / ) !.
ثم
تتحدث الوصية بعد اموال السوق والتجارة العامةعن ممتلكات شخصية في بيت الموصي وهي
عبارة عن: اثاث وفرش واواني وفرشات ومسدس شخصي ،
وصندوق حديد كان يعرف داخل العائلة بانه صندون اب العائلة وكبيرهافلا
احديقترب منه ابدالاحتوائه على المدخرات والسندات والاموال و ... كل امر مهم !.
رابعا
:في محورها الرابع تتحدث الوصية عن الموصى اليه وهو (( شاكر ابن الحاج عبيد الراشد
)) ، وهو الابن الثاني بعد البكر للحاج عبيد الراشد وكذا تشيرالوصية الى ان
الناظروالمراقب والمستشاروالمعين للموصى له هو الابن الخامس في الترتيب وهوحسين ابن الحاج عبيد
الراشد وصريح فحوى الوصية يتحدث عن الاتي :
اولا
: على الموصى له ان يقوم بتجهيز الاب بعد وفاته ، والقيام بكافة
المستلزمات المالية ، ونقله الى النجف الاشرف باعتبار طهارة بقعتها عند الشيعة
الامامية لوجود ضريح الامام علي بها .
وهذا
عرف في الحقيقة درجت عليه العائلة العراقية ، والعربية والاسلامية بصورة عامة ، من
تحمل مسؤولية الابن الاكبر ، او من ينوب عنه بتحمل مسؤولية اكرام الاب، وارساله
الى مثواه الاخير بعد وفاته من جهة ، وهو عرف درجت عليه العائلة العراقية ايضا في
تنصيب، او تسليم الموصى له قيادة العائلة بعد الاب وتكون هذه المسؤولية مؤشر او
دلالة او قرينه على وصية الاب بذالك .
اما
ما يتعلق بالناظرية لاخي الموصى له عليه ((حسين ابن الحاج عبيد )) فهي من ضمن
التقاليد العائلية انذاك، والتي تهدف الى شد الرباط الاسري بعد رحيل الاب عن هذه
الدنيا من جهة ، وتدلل كذالك (مثل هذه
الناظرية) والوصية بها على اشعار الموصى له(شاكر)بانه ملزم بالعودة والاستشارة والمراقبة
والاخذ براي الناظر، وعدم الاستبداد بالشأن الاسري بعد تسلمه لقيادة دفة العائلة
!!.
ومثل
هذا الاجراءيدل بمالا لبس فيه على حكمة الحاج عبيدالراشد الفطرية في هذا الاجراء
الذي فيه اكثر من بعد !.
ثانيا
: اخراج ثلثي الف دينار (( من مال الوصية )) لانفاقها بخمسين سنة صلاه ، وخمسين شهر صيام / عموما تكون نسبة السنين هنا
على سبيل الاحتياط لبراءة الذمة في الشؤون الدينية/ اما مايتبقى من الالف فينفق في
رد المظالم تحت اشراف العالم الديني في البلدة .
ثالثا
: اما مايتعلق بالاثاث وهوعبارة عن فرش ارضية (سجاجيد) ومساند ومتكئات خشبية كانت
تستخدم في مجالس الضيوف للبيوت العراقية، فهي وقف على الديوان(مكان مخصص لاستقبال
الضيوف) والتصرف فيها بيد الوصي ، وفي هذا المفصل من الوصية يمكننا استشفاف
مايولية المرحوم عبيد الراشد او عموم ارباب العوائل العراقية التقليدية وخاصة في قصبة
سوق الشيوخ من اهمية لموضوعة الديوان واستقبال الضيوف وضرورة ان يستمرهذا المكان
باعتباره ((التواصل الاجتماعي )) الذي يمتد من قلب العائلة وبيتها المحدود ، الى
فضاء المجتمع وتنوعاته المختلفة العشائرية والتجارية ، والمدينية التي تجتمع في
هذا المكان ، ربما يوميا للتداول في الشؤون العامة التي تبتدأ من الشان الديني
الفكري العقائدي الى السياسي والاقتصادي التجاري ، و ... حتى الاجتماعي في فض
للنزاعات الى اقامة الافراح ومجالس الحزن الى ايلام الولائم الى ....الخ .
وهكذا
، في نفس هذا المحور (( الشخصي ، والعام )) لوصية الحاج عبيد الراشد في موضوعة
اثاث الديون يذكرصاحب الوصية ماهو اكثر شخصية في موضوع الارث (المادي والمعنوي)
والحفاظ عليه الا وهو (( المسدس السلاح الشخصي للمرحوم الحاج عبيد وصندوق الحديد
مجردا)) ليتركهما المرحوم خصيصا للموصى اليه كملك ينتقل بالخصوص لولده شاكر الحاج
عبيد الراشد !.
والحقيقة
يمثل السلاح ، والوصية به للولد في الاعراف العربية ، وكذا في اعراف ، وتقاليد
مدينة سوق الشيوخ الاصيلة ، وكذا صندوق المدخرات الشخصية لاسيما المصنوع من
الحديد، تراث توارث مفهومه ومعناه ابناء سوق الشيوخ من التاريخ العريق لهذه الامة
العربية الاسلامية، التي كانت ترى في السلاح عزا وفي صندوق الاب كتابوت طالوت ع
الذي يحمل ارث ماترك ال موسى ع لبني اسرائيل !!.
وعندما
يولي اهتماما (المرحوم عبيد الراشد) بسلاحه الشخصي وصندوقه الحديد فارغا ، ليوصي
بهما في وصيته ، وليكونا لولده شاكر الحاج
عبيد خصيصا ، فانه يريد بذالك ان يشير لمعنوية ومفهوم وتراث هذا الشان في داخل
((اعراف وتقاليد الاسرة العراقية)) اكثر من ارادة اعطاء قيمة مادية لهذا الامر
،ولهذا وجدنا كيفية محافظة ارباب العوائل العراقية وحتى نهاية ستينات القرن
العشرين المنصرم على تقاليد (الاصالة الكلاسيكية العربية) وهي تتمثل بما يتركه لنا الاجداد من ((وصايا
المحافظة )) على مثل هذه التقاليد العربية
، والاسلامية الدينية (( ربما مثل هذه
الوصايا مقتبسة من قصة التابوت في القران الكريم وتاثيراتهاالفكرية على المجتمعية
التقليدية في سوق الشيوخ انذاك )) !!.
نعم
مع الاسف بعد قيام الجمهورية في العراق وما صاحب ذالك من موجة ثقافية وفكرية
وقيمية و .... عاتية للتمرد على الاصالة العراقية وتقاليدها وموروثها الاجتماعي
النقي اندثرت اليوم الكثير من تلك
التقاليد التاريخية العريقة تحت مسميات التحديث والتقدمية و ...الخ !!.
خامسا:ركن
مهم من اركان وصيةالمرحوم عبيد الراشد ذاك الذي خصصه لذكر ابنته المرحومة (فاطمة)
، ففي الوصية تذكير الى ان الحاج عبيد هو وصي لابنته فاطمةالتي توفيت في وقت
مبكرمن شبابهاوعليه تنتقل وصية فاطمة الى الموصى اليه ، للقيام ايضا بمهام وصية
اخته مع وصية الاب !.
ويبدو
ان فاطمة امراءة كانت ثرية ، او مدبرة بمقاييس عصرها في سوق الشيوخ ، وكان لها
استقلال مالي ، حيث انها تركت من ارثها لابيها وامها (ماة وثلث وثمانين دينارا
ومصوغات ذهبية) ، واوصت والدها قبل وفاتها باداء صلاة وصوم وحجة !!.
وهذا
يعني فيما يعنيه :
اولا
: كان للمراة في ذالك الزمن(فاطمة ولادة 1917م) وفي داخل العائلة المدينية
التجارية في سوق الشيوخ على التحديد ( وضع المراءة انذاك في المجتمع الريفي
والقبلي مختلفا ) كان لها نوعا من
الاستقلال المالي الذي يمكنها من ان تكون مستقلة في ذمتها المالية ، ومتصرفة فيها حسب ما ترتاي!.
ثانيا
: حتى لو كان الدافع ( للحاج عبيد الراشد) في ذكر فاطمة في وصيته العاطفة نحوها
، او مخافة الله وخشيته كعامل ديني يدفعه
الى ذكر وصية ابنته ، ليحمل مسؤوليتها من بعده الى ولده شاكر، لكن هذا لاينفي ما
كان للمراءة داخل الاسرة السوكاوية ( نسبة الى سوق الشيوخ ، وباعتبار ان فاطمة نموذجا للمراءة داخل الاسرة
في المدينة ) ، وان ما لم يزل ينقل لنا تشويها للحقبة التاريخية التقليدية من ان
((اسم المراءة ))كان يمثل عورة بالنسبة للمجتمعية العراقية فضلا عن حضورها
الاجتماعي المحافظ ، مثل هذه الرؤى للمجتمعية العراقية ، التي عاصرت نهاية عهد
الدولة العثمانية وبداية ، ونهاية العهد الملكي كانت مجرد قلة وعي حقيقي من قبل
مطلقي مثل هذه الافكار القاصرة بالنسبة ل(قيمة المراءة) داخل الاسرة والمجتمع
العراقي الجنوبي بالتحديد انذاك !!.
ففاطمة
وما مثلته لوالدها، واسمها الذي ذكر بالوصية وذمتها المالية ، بل ووصيتها التي وجد
الحاج عبيد الراشد انها لاتختلف قيمة عن وصيته هو الشخصية بضرورة ، ووجوب العمل بها من قبل الموصى اليه ، كل ذالك ( نعم ) يدل على
تطور متقدم انذاك لفكر ووعي ، وقيم الحاج عبيد الراشد بالنسبة للمراءة ابنته ،لكنه
من جانب اخر ايضا يدل على ان المراة فاطمة وبكل مانعرف عن (قوة شخصيتها وحضورها الاسري
والاجتماعي) كانت ايضا تمثل نموذج المراءة المألوف داخل المجتمعية السوكاوية انذاك
فهي وداخل اطار ما تسمح به تقاليد واعراف المجتمع كانت حاضرة في حياتها وحضرت في
وصية الحاج عبيد الراشد بعد وفاتها !.
سادسا
: تختتم وصية المرحوم الحاج عبيدالراشد كمابدأت بالشأن الاسري والاجتماعي فاخراج
((مأة وخمسين دينارلكل من ولديه مصعب ورستم )) للزواج كانت هي خاتمة الوصية قبل ان
يوقع عليها الموصى اليه واخوته ولفيف من الشهود الذكور ، الذين يمثلون انذاك اعيان
وشخصيات وسكنة وابناء سوق الشيوخ !!.
لم
تزل العائلة العربية ، والعراقية بصورة عامة ، والعائلة في مدينة سوق الشيوخ باربابهايرون
ان على العائلةتقع مسؤولية تزويج ابنائهم والانفاق على هذا الزواج ، وربما
اختيارالزوجات ايضا لهم ، او المساهمة في
هذا الاختيار !!.
وقليل
من فئات العوائل داخل المجتمع العراقي ،
وبمختلف اديانه واعراقه ومذاهبه وقومياته و ....من غادرت هذا التقليد العراقي في
الزواج ليستقل ابنائها في تكوين حياتهم المالية الشخصية ، ومن ثم لاختيار الزواج بعيدا عن سلطة العائلة
وقيمها التقليدية !.
ولم
تشذ وصية (عبيد الراشد )بهذا الصدد فهو ، وحتى بعد كتابته لوصيته يضمن هذه الوصية
موضوعة زواج ابناءه، الذين لم يزالوا بعيدا عن اطار تكوين العائلة المستقلة !!.
مئة
وخمسون دينارا عراقيا في ستينات القرن
المنصرم ، هو المبلغ الذي كان يكلف العائلة المتوسطة الدخل ، او المرتفع اعلى من
المتوسط قليلا بحسبة الزواج انذاك ، وهذا
الرقم ، عندما ذكره الحاج عبيد الراشد لتكلفة الزواج في وصيته قد اسدى خدمةجليلةلاصحاب
البحوث الاجتماعية الذين يحاولون ادراك ومعرفة هذه التفاصيل الدقيقة لموضوعة
الزواج وتكاليفه المالية وكيفية تطور هذه التكاليف منذ الستينات حتى اليوم !!.
نعم
لم يقصد المرحوم عبيد الراشد ذكر هذا المعنى
للدراسات الاجتماعية طبعا ، لكن حكمته الفطرية الهمته ان يقدر تكليف زواج
ابناءه ليترك لعلم الاجتماع وثيقة لاتقدر بثمن في هذا المضمار !!.
اخيرا
: في موضوعة الشهود السته ، مع ختم الشيخ يوسف عبد الحسين (عالم جليل ومن عائلة
علمائية مرموقة في سوق الشيوخ ) ختمت وصية الحاج (( عبيد الراشد )) ليضاف الى سلطة
الوصية وسلطة الدين وسلطة الاعراف والتقاليد ايضا سلطة المجتمع بشهوده الذين شهدوا
على الوصية ليكونوا مراقبين ومذكرين على تنفيذ ماجاء فيها .
والبعد
الاجتماعي في الوصية ، يكون هو المتمم
، لجميع ابعادها الدينية المعتمدة على
ضمير الموصى اليه ، والبعد القانوني حيث ان هذه الوصية مصدقة في دوائر الدولة ،
بدليل طابعيها الاخضرين ، الذين يعلوهما شعار الجمهورية العراقية !.
والحقيقة
ان للمجتمع وسلطته بغض النظرعن الوصية وديباجتها القانونية والدينية التي تتطلب
الشهود ، هي سلطة يعتمد عليها في المطلق المجتمع التقليدي الكلاسيكي حتى اليوم في
ضبط الفردوسلوكه واخضاعه لمتطلباته وهيبته والايفاء بعهوده وتعهداته امامه !!.
وحتى
اليوم في المجتمعات الحديثة المتطورة ، او
التقليدية الكلاسيكية لم يزل ، لسلطة
المجتمع الكعب الاعلى المقدم ، حتى على
القانون وسلطته المدنية والدينية في ضبط الفرد وتوجهاته الفردية !!.
واذا
كان لفلسفة الوصية وشهودها من المجتمع العام
هدف رئيس يحاول الزام الفرد (الموصى له ) بما كان في وثيقة الوصية من محاور
ومواضيع والتزامات قانونية ومعنوية ،فذالك لاينفي ايضا ما للشهود في الوصية من
تعزيز ل (وظيفة الرقابة الاجتماعية)
للمجتمع على الفرد للقيام بمسؤلياته القانونية والاجتماعية على التحديد !.
انتهى
.
لابداء
الملاحظات راسلنا على
مدونتي فيها المزيد على الرابط
http://7araa.blogspot.com/