الأحد، سبتمبر 08، 2013

((محنة الدرس الفلسفي في جامعاتنا العلمية وحوزتنا الدينية)) 1/ 2

((محنة الدرس الفلسفي في جامعاتنا العلمية وحوزتنا الدينية)) 1/ 2  حميد الشاكر


منذ تاسيس(مشروع الفلسفة) انسانيا وحتى وصوله الى شكله التقني المهني الاكاديمي يونانيا ((تقريبا من 450 ق م والى 300 ق م سقراط ، افلاطون ، ارسطوا )) ، ومرورا باتساعه وتشعباته عربيا واسلاميا (( من 170 هج 786م بريادة  فيلسوف العرب الكندي، الى 595 هج ، نهاية عصر الفلسفة عربيا اسلاميا ، ابن رشد 1198م )) ، وانتقاله الى العالم الاوربي الوسيط بقيادة (( بيكون )) حتى عصر النهضة الصناعية الحديثة .....، والى اليوم تعرض هذا المشروع لحملات مناهضة، متعددة الاشكال ومتنوعة الاسباب والاساليب والدوافع !!.

والحقيقة ان المتابع لتاريخ الفلسفة الانسانية في بداياتها وتطوراتها وتنقلاتها البشرية   .... سيكتشف الكثير والعظيم من الاشكاليات التي اعترضت هذه الفلسفة وفي محطات اجتماعية وسياسية وانسانية ودينية ...... متنوعة ولا يجمعها جامع سوى مناهضة هذا الخط العقلي الفلسفي، الذي لم ينهض  في مسيره الطويل الا ليؤكد ( كرامة الانسان )  وادميته في عقله وفكره لاغير ولكن، ومع ذالك ومع نبل اهداف المشروع ، وسمو معانيه واصالة دوافعه ونظافة وسائله ... كان نصيبه من المعاناة تأريخيا وحتى اليوم كئيبا بالفعل الى درجة ، ان كثيرا من المفاصل التاريخية المهمة  لهذا المشروع  كانت التضحيات فيه جسيمة جدا ، ابتدأت بالحكم بالاعدام (انتحارا) على مؤسس الفلسفة العقلية اليونانية (سقراط) ولم تقف عند سجن وتعذيب وقتل الفلاسفة في العصرالعربي من (ابن سينا) والى ابن طفيل ، وحرق مؤلفات ابن رشد ونفيه وفرض الاقامة الجبرية عليه والى استشهاد السهروردي وحتى حرق عظام موتى فلاسفة اوربا ، والمطالبة بدفنهم مع حظائر الخنازير في اوربا !!.

نعم عانت الفلسفة وبجميع تنوعات ((فلاسفتها العقليين)) الكبارلحقب طويلة وشنت لابادة الفلسفة ،  وكل من ينتمي لها ايمانا وفكرا وتدريسا ومناصرة ودعوة .... الخ ، حملات لم تقف حتى اليوم ، وباساليب غاية في الارهاب والظلامية والتنوع في الكيد والمكر والقسوة ، لربيبة ووليدة العقل الانساني المستنير المسماة ب (( الفلسفة )) !.

في العصر اليوناني حكم على (سقراط)  من قبل النظام السياسي والقضائي اليوناني الديمقراطي بالموت بتهمة : (افساد شباب اثينا / 1) مع ان سقراط الحكيم كان هو في اطار تاسيس مشروع مناهض للافساد  والفوضوية التي كانت تقوده (المدرسة السوفسطائية) اليونانية التي بالفعل شرذمت من روح ((الوحدة الفكرية للمجتمع الاثيني)) انذاك ،ولكن وبدلا من ان يكون ضحية هذا الافساد الفكري قادة المدرسة السوفسطائية المشككة بكل الحقائق العقلية البشرية  كان الموت والحكم به من نصيب مؤسس المدرسة الفلسفية العقلية (( سقراط )) الذي اسس تلميذ تلميذه افلاطون (ارسطو)  المنطق الارسطي لها وقعد من اصول التفكير البشري ، واوصله الى الثبات والايمان بحقائق الحياة الاساسية والذي بالنتيجة اعاد لاثينا ومجتمعها اليوناني انذاك ووحدته الفكرية والوطنية وحتى الانسانية ، ورفع من مجد الامة اليونانية لاكثر من الفي وخمسمائة سنة متواصلة  لزعامة الامة الاثينية للفكر الفلسفي العالمي البشري حتى اليوم !!.

ليس الحال بافضل مما كان في العصر اليوناني على فلاسفته ، عندما تسيد العالم تاريخيا العصرالعربي الاسلامي الذي بدأبثورة تجديدية عقليه تنويرية قادها العباسيون / 132 هجرية ،على الظلامية القبلية الجاهلية الاموية التي لم تكن تحمل اي تطلعات حضارية اسلامية عقلية كبرى ، وما ان استقرت الدولة العباسية ، وفتحت ابواب نهضتها للعقل وفلاسفته ، وساهمت بادخال المنتوج الفكري الفلسفي اليوناني للعالم العربي ، والاسلامي ، وبرزت اول براعم النهوض الفكري الفلسفي العربي بولادة  فيلسوف العرب ابو يوسف يعقوب ابن اسحاق الكندي / 185 هج ، 256 هجرية / ،  حتى بدأت حالة التقهقر الحضاري تعود دورتها على الحضارة العربية ، والاسلامية لتصعد على اثرذالك نتوءات التراجع والانحطاط الفكرية ، بقيادة نفعيون لايحملون اي مشروع سياسي ، انساني عالمي كبير ، الى بروز ظواهر الذيلية  لتلك التراجعات ، من قبيل صعود التيارات السلفية التكفيرية الدينية المنغلقة التي تساهم كعادتها باعطاء الشرعية للسلطة الفاسدة القائمة من جهة ، وتبنى بيد اخرى مشروعها الظلامي الاقصائي المدمر  ضد كل ماهو فكري او عقلي او فلسفي او علمي او مجتمعي مستنير من جانب اخر !!.

بدأت مقصلة التراجعات العربية ، والاسلامية مبكرا ،  لحزّر قاب الفلاسفة وفلسفتهم العقلية في تاريخ هذه المجتمعات والدول وبدأت مطاردتهم سياسيا اولا : ((بسبب صلة الفلسفة بالتنظير السياسي للدولة الفاضلة ،  وجمهورية القانون والعدالة والفلاسفة ...)) ، لتتحول بعد ((ابن سينا))  لمطاردة دينية يحاول الساسة من خلال وعاظ سلاطينهم مطاردة الفلسفة على انها(( خطر على الدين والعقيدة في الاسلام))ليحشدوا اكبر قدر ممكن من جمهورالحشد والبساطة ، لدعم مشروع  تغييب العقل ، وادخال الامة في ظلامية الانقياد والتبعية السياسية العمياء  فانتهز (وعاظ السلاطين من الدينيين التكفيريين) هذه الفرصة للانقضاض على المشروع الفلسفي التنويري، الذي يعتقد كثير من رجال الدين الرسميين  انه المنافس الابرز ، لنفوذهم الفكري والمعنوي على الجمهور فكانت فرمانات((الغزالي/ 450 هج 505 هج)) في ((تهافت الفلاسفة)) وتكفيرهم ، ومن بعده  فتوى (( ابن الصلاح ))، التي حكمت ب (( ان الفلسفة شرّ مطلق )) ، ثم جاءت فتوى ((ابن تيمية / 728 هجرية )) التي حرّمت قراءة الفلسفة ورمي ابن سينا بالتحديد بالالحاد المطلق ....الخ !.

وهكذا دارت عجلة الارهاب الفكري ((بداية من 232 هجرية قيادة المتوكل العباسي )) في التاريخ العربي الاسلامي بملاحقة لكل ماهو فلسفي فكري ، حتى تصفيت الجيوب السرية لهذا المشروع الفلسفي الذي انتهى بالفعل مع اوعلى الادق((مقارنة)) بسقوط الحضارة العربية الاسلامية على يد المغول في عاصمة الحضارة الاسلامية بغداد في العراق انذاك !!.
والحقيقة ان ما يلفت النظر تاريخيا  بقوة في ظاهرة ولادة ونهوض وتطور .. المشروع الفلسفي العربي والاسلامي قبل اسقاط هذا المشروع  هو ليس تلك الاساليب الملتوية ، التي استخدمت سياسيا وسلفيا دينا ظلاميا للاجهاز على الفلسفة ومشروعها عربيا ، بل ما يلفت النظر الفكري ماهو اعمق من ذالك بكثير وهو (( التقارن )) الذي بدى واضحا بين بناء الحضارة العربية والاسلامية من جهة و((ولادة الفلسفة ، ومساهمتها الاصيلة)) في هذا البناء الحضاري الكبير من جانب اخر !!.

اي انه ومع ان اساليب اعداءالفلسفة ومشروعها كانت من الهبوط الاخلاقي بحيث كان يتم فيهااستخدام السياسة والدين من اجل ضرب مشروع الفلسفة العقلية ومحاصرة كل حركيتها التنويرية ومع ان دعوى: الخطر على الدين من قبل الفلسفة كانت مجرد دعوى فارغة ولا اساس لها من الواقعية بسبب ان معظم الفلاسفة كانوا ولم يزالوا من كباررجال الفكرالاسلامي والمؤمنين به المنافحين عن حوزته بكل اخلاص وتفان وبوعي اسلامي قراني يحترم العقلنة ويقدس من كينونتها .... على الرغم من خطرية كل ذالك وضرورة دراسته بشكل معمق لادراك ماعاناه المشروع الفلسفي من حصارات ، لكن تبقى السمة الابرز ، لظواهرمشروع الفلسفة في التاريخ العربي والاسلامي هي تلك السمة (التقارنية)  بين هذا المشروع الفكري العقلي العلمي الفلسفي من جهة وبناء دعائم الحضارة العربية الاسلامية من جانب اخر !!.      
وهذا في الحقيقة ما يدفعنا لتسليط الاضواء على هذه الظاهرة  والسؤال عن فحواها ب : لماذا ؟ ، وماهي الاسباب الواقعية  التي حتمت اقتران نهوض الحضارة العربية الاسلامية عمرانيا وسياسيا واقتصاديا وعلميا وفنيا وادبيا ..... في تاريخ العرب والمسلمين بين (( التفكير الفلسفي وولادته في ذالك العالم )) من جهة ، وبروز دواميك النهضة لهذه الامة حضاريا مع ان هذه الامة للتو خرجت من التاريخ الاموي لنفس المسلمين ولكن ببنية اجتماعية قبلية بدوية اشبه بالجاهلية لعهد قريب من جانب اخر  ؟.
بمعنى آخر: كيف لنا ونحن ندرس تاريخ هذه الامة مابعد الوجود الاسلامي ان ندرك عوامل واسباب النهضة العربية الاسلامية وفي كل الاتجاهات في بدايات العهد العباسي العربي الاسلامي بالتحديد ؟.
وهل هي اسباب وعوامل سياسية في الحقيقة فقط ؟.
ام ان هناك اسباب اقتصادية واجتماعية وعقدية ايضا ؟.
او ان الاسباب ، والعوامل التي خلقت او ساهمت بصناعة مشروع النهضة الحضاري العربي الاسلامي عمرانياوسياسيا واقتصاديا وفنيا...كانت اسبابا وعوامل تتصل بالجانب الفكري وبالخصوص الجانب الفلسفي الذي غيرمن رؤية ونظرة الانسان العربي والاسلامي انذاك للحياة والعالم والانسان ؟.
هذا ما سنحاول الاجابة عليه لاحقا ...!.


مدونتي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

HTML