((25))
يختلف التراكم المعتقدي التاريخي للتركيبة الدينية اوالثقافية
اوالفكرية او القيمية او .. بهشاشته او صلابته لهذا الاجتماع الانساني ، او ذاك حسب ماهية ، ونمطية
، وموضعية هذا الاجتماع ، لاسيما الموضعية الجغرافية ، والبيئية التي تحيط باي دائرة
اجتماع انسانية وماتسمح او لا تسمح به هذه الجغرافية الطبيعية ، والاجتماعية
من داخل وخارج المنتج االفكري
الانساني او العقائدي او الفلسفي او .... غير ذالك مما يتصل بصناعة وصياغة فكرالفرد
والمجتمع هناوهناك تاريخيا وحتى اليوم !!.
فما بين (( التوالي والتراكم التاريخي لاسيما الفكري والمعتقدي الديني
منه وما بين الجغرافي والبيئي )) علاقة ربما لم يلتفت لها بعض ممن نظرّوا لعلم
الاجتماع الحديث الا انه وحتى منذ تاسيس
اللبُنات الاولى لعلم العمران البشري والاجتماع الانساني على يد (( عبد الرحمن ابن
خلدون / 732 هج / 808 هج )) كانت الاشارات
العلمية الاجتماعية واضحة لهذه العلاقة بين ماهوجغرافي طبيعي ومجتمعي ، وبين ماهو
فكري تراكمي انساني معتقدي ، او سلوكي فني تربوي / : انظر مثلا ابن خلدون/ المقدمة/المقدمة الثالثة
في المعتدل والمنحرف من الاقاليم وتاثير الهواء في الوان البشر والكثير من احوالهم/
دار الجيل ص 91 !!.
ولعلنا قد اشرنا في الفصل السابق لفكرة : ( الجغرافية البيئية والدين
) وضربنا مثلا للدائرة الاجتماعية الصحراوية البدوية او الجبلية القبلية نصف البدوية ، واختلاف انماط وصناعة تفكيرها عن نمط وصناعة
المجتمع الحضري والمدني لهذا الفكر الديني الانساني !.
وهنا في هذا الفصل ينبغي علينا ان نزيدالفكرة تماما لنظيف: ان البيئة
الجغرافية لاي مجتمع ليست فقط هي معنية بالاسهام في صناعة الفكر الديني، وصياغته
بشكل مختلف بين هذه الجغرافية الاجتماعية او تلك فحسب ، بل ان لهذه الجغرافية
مدخلية في صياغة وصناعة التراكمية التاريخية الفكرية كذالك ونوعية هذه التراكمية
وصلابتها او هشاشتها امام الداخل والخارج من الافكارالمجتمعية العقدية والدينية
هنا وهناك !!.
فمثلا في مجتمعية حضرية مستقرة ، ولطبيعة تشكل العمران البشري وتنوعه
، وترابط مصالحه الاقتصادية مع منافعه
الاجتماعية ، وكذا صياغته لقوانينه السياسية المنسجمة مع طبيعته المستقرة ، وهكذا
بناء قيمه التربوية الاسرية والفردية و..كل ذالك يفرض على هذا الاجتماع الحضري
ان(يحتفظ) بتراكمه وتجاربه التاريخية ليصنع فيمابعد حالة من الصلابة، والاستقرار
لمكونه الثقافي والعقدي والقانوني والسياسي والاقتصادي ، و .... حتى يصل لصناعة
هوية اجتماعية قوية ومميزة وذات معالم واضحة في قبالة وامام باقي الهويات الاجتماعية القومية والدينية
العقدية والسياسية والقانونية و .... غير ذالك !!.
وكل ذالك ينشأ من طبيعة الاستقرار
الاجتماعي ، الذي ينتج بطبيعته (( ضبطا
اجتماعيا مدنيا )) لكل بناه الفكرية
والعقدية والقيمية الفوقية في البناء الاجتماعي وكذاضبطا لبناه السلوكية
والاقتصادية والتربوية الاسرية و ...الخ التحتية بحيث ان النظام الاجتماعي المدني
الحضري المستقر يقوم تلقائيا بعملية ووظيفة الضبط الاجتماعي لكل ماهو داخل وخارج
من الافكار (( ويرفض هذا النظام الاجتماعي المدني بطبيعته ضرب الاستقرار وخاصة
العقدي الفكري منه بل ويعتبر ان اي داخل عقدي فكري ماهو الا بدعة ينبغي مقاومتها
وتنقية المعتقد الديني منها )) وبما في ذالك الافكار، والفلسفات المنتجه داخليا من
عمق متطلبات المجتمع فكريا وقانونيا ودينيا ...الخ !!.
وهذا بعكس طبيعة العمران والاجتماع
البدوي الصحراوي او الجبلي نصف البدوي الغيرمستقرعادة اوالمفتقرلمتطلبات
الاجتماع الحضري المدني التجارية والقانونية والسياسية والتربوية و.. والذي عادة
لايجد من نفسه (ضرورة ) ، الاحتفاظ بتجاربه التاريخية ولا حفظ تراكماته التاريخية ( ان وجدت )
الثقافية او الفلسفية اوالعلمية او الدينية العقدية مما يفقد هذا الاجتماع
الانساني البدوي الصحراوي او الجبلي النصف بدوي ميزة صلابة واستقرارالافكار(وبكل
تنوعاتها العقدية والقانونية والفلسفية و.... ) ومتانه وحصانة هويتها الاجتماعية (
المستقلة ) امام باقي هويات المجتمعات والشعوب الحضرية المستقرة !!.
وهنا في هذا المفصل تكمن (( هشاشة ومرونة ، وعدم مقاومة الهوية الفكرية بصورة عامة
)) للمجتمعات غير الحضرية ، وعدم قدرة هذه الهوية الفكرية القبلية الصحراوية والجبلية
القبلية النصف البدوية على لعب وظيفة ودور((الضابط الاجتماعي الفكري/ وهذا سبب عدم
اهلية النظام الاجتماعي القبلي الصحراوي ، والجبلي على ان يكون مؤهلا لتعلم شرائع السماء كما ورد في
القران ب واجدر الا يعلموا حدود ما انزل الله على رسوله )) امام اي افكار
داخلة او منتجة خارجة منه !.
وهذا هو ما يفسر لنا في
النهاية (( ظاهرة التعقيد المعتقدية
الدينية )) لنظم الاجتماع القبلية البدوية الصحراوية والجبلية وكيف انها من جهة
مرتعا لكل البدع الدينية الجديده فكريا/الوهابية البدوية الحديثة نموذجا والعلي
الاهية الكاكائية والصوفية السحرية الجبلية و ...... كما سنبينه لاحقا / ، ومن جانب اخر انها مجتمعات يمكن اختراق
بنيتها الفكرية فلسفيا وعقديا دينيا وقيميا و.. لعدم وجود بنية فكرية مستقرة ، وصلبة
ومقاومة !!.
نعم بنفس الوقت يمكن ان تكون هذه البنية الفكرية المعتقدية البدوية او
الجبلية المنعزلة ايضا ( حاضنةً ) لفكر سلالي
قبلي اجتماعي متكلس وجامد تاريخيا ومستمر
تلقائيا بفعل قوة النظام القبلي رافضا بطبيعته للتنقية ، او الاجتهاد الفكري ( كما هي متطلبات
المجتمع الحضري ) يطور، او يغير او يقنن ويضبط من هذه الافكار ويخضعها لمتطلبات المجتمع
المتغيرة !!.
وعلى هذا الاساس : يمكننا ، اضافة لكل ما ادركناه سابقا من تعقيدات
البنية الفكرية العقدية الدينية لنظام
البداوة ، والجبل النصف بدوي ان ندرك ، ونعي
ايضا تعقيد ظاهرة (( اجتماع التدين ، والتشدد والتمسك تقاليديا لهذه المجتمعات
البدائية بالسلوك القشري والمفرغ من الروح الحضرية والمدنية للدين من
جهة ودخول ، ورتوع الهرطقات والبدع والخرافات و..الخ وانتاجهافي نفس هذه المجتمعات
القبلية الصحراوية او الجبلية المنعزلة اللامنضبطة حضريا من جانب اخر)) !.
(( 26 ))
في المجتمعات القبلية الجبلية النصف بدوية بصورة عامة ، والمجتمع
القبلي الكردي العراقي القديم ، والحديث بصورة خاصة تبرز للعيان ثلاث ظواهر اجتماعية دينية مميزة
للاجتماع الكردي العراقي هي :
اولا : ظاهرة التداخل الديني اللامنضبط تاريخيا ( من الزرادشتية الى
الاسلام وما بعده في المنطقة ) .
ثانيا : ظاهرة ميل هذه
المجتمعات الجبلية بصورة عامة والمجتمع الجبلي الكردي العراقي بصورة خاصة الى نوع من التصوف الديني وغلبة هذه الطرق
الصوفية (( لاسيما الطريقة الجيلانية ، والنقشبندية وتفرعاتهما في العصر الحديث ))
وهيمنة هذه الطرق الصوفية على حيزه العقدي
الفكري والسلوكي الاجتماعي .
ثالثا : ظاهرة الهرطقة (كما يطلق مارتن فان بروبسين الانثربولوجي
الهولندي المتخصص في التاريخ والمجتمع الكردي الحديث في الكرد والاسلام ) على التنوعات
الفكرية العقدية من ايزيدية او يزيدية وعليّ اللاهية او كاكائية او صوفية سحرية
او( الحادية ) في العصر الحديث حيث تبرز ظاهرة الالحاد وانكار المعتقدات الدينية
بشكل بارز لاسيما في العقدين الاخيرين من حاضرهذه المجتمعيةالكردية العراقي لاسيما
داخل الاحزاب السياسية الحاكمة اليوم في شمال العراق .
والحقيقة : ان ظاهرة التداخلات الفكرية ، والسلوكية العقدية التاريخية
، وحتى اليوم في المجتمع الكردي العراقي الحديث ، ظاهرة (( ذكرنا اسبابها
الجغرافية الطبيعية ، والاجتماعية انفا ،
وكيفية ان ابتعاد هذه التجمعات الانسانية
عن البناءات الحضرية ، وحماية البيئة
الجغرافية الجبلية او الصحراوية لهامن سلطة المجتمع المنضبط عقديا كان سببا لغياب الضبط
واستمرارية ماهو قديم متداخل بالحديث عقديا)) بارزة وتحدّث عنها وبحثها معظم السوسيولوجيين وبما
فيهم علماء الاجتماع الكرد انفسهم كالذي بحثه السوسيولوجي الكردي (احمد محمود
الخليل في : الشخصية الكردية ) وما تناوله من تداخلات تاريخية في المخيلة العقدية
الدينية الكردية الحديثة ، وتاثيرات الزرادشتية التاريخية عليها ( الاهريمان
الزرادشتي في الشخصية الكردية) وكيف ان هذه الفلسفة العقدية التاريخية لم تزل
((فاعلة ومؤثرة)) في صناعة وصياغة هذه الشخصية الجبلية الكردية الحديثة / راجع ص
263 )) !.
كذا يقال في التداخلات التاريخية العقدية للموروث((اليهودي)) الديني ((
الذي لم يشر له احد من السوسيولوجيين الكرد / مع الاسف )) على الشخصية الفكرية
والعقدية الدينية الكرديةالحديثة لاسيما العراقية منها (( معلوم ان اليهود واليهودية
منذ السبي البابلي الاشوري الاول 697 ق م/ وحتى الثاني في حكم نبوخذ نصر 586 ق م تمددت من العراق الى جنوب روسيا وشمال القوقاز تاريخيا
، وتمكنت سياسيا في مملكة الخزر 740 ميلادية / التي ذكرها المسعودي/ في تاريخه زمن
خلافة الرشيد/ من ان تصنع دولة يهودية في ذاك الصقع الجبلي الوعر وكان اخرخروج لليهود (( واليهودية كثقافة )) من جميع محافظات
العراق 1951م / حيث كان يقطن التجمع الاكبر
ليهود العراق في تلك الحقبة بمنطقة
العمادية )) ، وماهية التاثيرات الايدلوجيه والتي لم تزل قائمه في المخيال المعتقدي
الاسطوري الديني الكردي ، ويكفي ان نذكرهنا او نذّكر بما دوناه في هذه السلسلة من
البحوث (( الفصل الرابع : في اصل الكرد)) بان هذه الاسطورة(اصل الكرد جنّ
سليمان) كانت من ضمن نتاج وبقايا (الثقافة العقدية اليهودية) التي استوطنت جبال
شمال العراق لاكثر من الفي سنه ، ولم
تزل تاثيراتها حتى اليوم فاعلة في المخيال العلمي والاسطوري الديني الكردي
العراقي الحديث :/ راجع الدراسة التفصيلية القيمة ، التي كتبها : اريك بروار ، ورافائيل باتاي / يهود كردستان/ دارئاس للطباعة
والنشر/ ط الاولى / اربيل 2002م جزئان!!.
في جذورواصول الفكروالمعتقد الديني ( للايزيدية : نسبة الى جذرهم الآري
حسب ما يروج له السوسيولوجيين الكرد، او اليزيدية حسب ما يطرحه بعض اليزيديين
انفسهم من نسبهم العربي ليزيدالاموي) مابعد الاسلام ايضا يرى الكثيرمن علماء
الاجتماع : ان
صياغة وصناعة هذه العقيدة ((ينسب هذا المعتقد تاريخيا للشيخ عدي بن مسافر 1162 م /
557 هج / ولد في لبنان ودرس في بغداد وتعرف على الشيخ عبد القادر الجيلاني
واختارفيما بعد العزلة في وادي لالش وسط كردستان ليخرج فيمابعد بطريقته الصوفية
الجديدة وحسب : مارتن فان بربسين المذكورانفا فان ((الشيخ عدي)) كان مسلما سنيا
تقليديا قبل ان يتحول ضريحه لمكان مقدس ، ويتحول هو نفسه تجسيدا للروح الاكثر
قدسية عند اتباعه)) ماهي الا انعكاس لتداخلات الزرادشتية التاريخية القديمة وبقاء
رؤيتها الفلسفية في موضوعة (( الخير والشر او موضوعة الله والشيطان )) !!.
فالايزيدية كما هو مرتشح من افكارها الدينية ان لها موقفا فكريا عقديا
مغايرا عن الاسلام لكن ليس بعيداعنه ومختلفا من صانع الشرّ الازلي ( الشيطان
اوابليس ) ويرون ان ابليس طاووس الملائكة ينبغي التودد اليه اتقاء شره ، ولا ينبغي
معاداته ، او لعنه بسبب قدرته الكبيرة على الحاق الاذى بكل اعدائه وقدرته المستقلة عن الله كذالك على صناعة الشر
وفرضه على الانسان ان شاء ذالك !!.
_______________________ راسلنا على :
مدونتي فيها المزيد