(( العراق ما بين دولة المستضعفين وحكومة ودولة المستخَلفين .... رؤية قرآنية . !)) حميد الشاكر
_______________________________________
تتعدد الافاق الفكرية والزوايا العلمية والمباحث العقدية التي تتناولها المدرسة القرآنيةفي شأني التأريخ بصورة عامة والاجتماع الانساني بصورة خاصة لاسيما تلك المواضيع ، والمباحث التي تعتبر من صلب واساسيات علمي الاجتماع والتاريخ في عصرنا الحاضر من قبيل :
ماهوالتاريح ؟.
وهل لحركة التاريخ سنن وقوانين حتمية ؟.
أم ان حركة التاريخ قائمة على المصادفات والاتفاقات الفوضوية لاغير ؟.
ومن ثم ماهي عوامل وعناصر محركات التاريخ الواقعية ؟.
وهل التاريخ مادي الوجود والحركة ؟.
ام انه معنوي المحركات والتكامل ؟........ الخ !.
وهكذا في موضوعة الاجتماع ، وفلسفته الوجودية فإن لفكر المدرسة القرآنية رؤى واسعة ، وشاملة في علم الاجتماع الانساني ايضا تبدأ من مقولة :
ماهو المجتمع ؟.
وهل لشخصية المجتمع حقيقة مستقلة عن شخصية الافراد ؟.
أم ان شخصية المجتمع اعتبارية مجازية وليس هناك عنوان اصيل لمسمى المجتمع ؟.
ومن ثم ماهي تركيبة هذا المجتمع ؟.
وهل هي فردية اصيلة ؟.
أم انها اجتماعية قائمة بذاتها وما الفردية الا انعكاس لهذه المجتمعية لاغير ؟.
واذا ما كانت الاصالة للمجتمع ، ولاعنوان للفرد داخله الا مجرد مظهر من مظاهر تركيبة المجتمع ، فهل لهذه المجتمعية نفسها متطلبات معينة عندما نحاول اصلاح المجتمع او قياده بايدلوجيا معينة ؟.
أم ان كل فكرة تصلح للمجتمع ، وكل شعار قابل للتركيب حتى وان كان مختلفا ومتناقضا مع تركيبة المجتمع هذه او تلك ؟.
ثم كيف يمكننا ادراك تركيبة المجتمع القائمة وتقسيمها تراتبيا ؟.
وهل هي تركيبة طبقية ؟.
ام انها تركيبة سياسية ؟. أم قبلية ؟.أم نفعية ؟.
ام لاهذا ولاذاك وانما هي تركيبة عقدية فطرية ، ترتكز على رؤية مزدوجة الاصالة لكلا القائمتين الفردية والاجتماعية داخل اي مجتمع ؟.
وهل للمجتمع حاجات معنوية اكثر منها مادية ؟.
أم ان حاجات المجتمع لاتعدو كونها مادية حتى على مستوى المثل الاعلى كمحرك للمجتمع ؟........الخ !.
كل هذا وغيره بحوث مطروحة في المدرسة القرآنية وهي ايضا دراسات مثارة اسلاميا هنا وهناك داخل ساحات الفكر الاسلامي المتعددة ، ولعلّ ابرز من ركز ثقافيا وفكريا وكتابيا ، ونظّر عقديا ..الخ في القرن العشرين المنصرم لمثل هذه البحوث التاريخية والاجتماعية المهمة للعمل الاسلامي هما شهيدي الفكر والعقيدة ، وامامي العصر الحديث ، الشهيد السعيد محمد باقر الصدر في بحوثة القيمة ((التفسير الموضوعي ، والفلسفة الاجتماعية في المدرسة القرآنية )) والحجة الطاهر الشهيد مرتضى مطهري في بحوثه المعمقة ((المجتمع ، والتاريخ )) الذي سرد فيها الكثيرمما يتصل بعلمي التاريخ والمجتمع وفتق فيها العميق من الاسألة في هذا المضمار ، لاسيما الاسألة والمحاور التي طرحها القرآن الكريم نفسه في موضوعتي !!.
اولا : سنة الصراع القائمة بين المستضعفين والمستكبرين من جهة ، والمؤمنين والكافرين من جانب آخر .
ثانيا : قيام الدول وتعدد نوعيتها وماهياتها .... ، كنتائج حتمية لعمليات الصراع الاجتماعية والتاريخية تلك !.
والحقيقة ان هذين الموضوعين من اهم الموضوعات الاسلامية القرآنيةالتي كثف النص القرآني تسليط الاضواء على مضامينها الفكرية والعقدية باعتبار انهما :
اولا : من السنن التاريخية والاجتماعية الاصيلة في قوله سبحانه((ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين / 251/ البقرة )) والمتجددة ايضا في كل مجتمع قائم ومتحرك في هذا العالم .
ثانيا:بسبب إن هذين الموضوعين همامَن سينتج حتما ثمرة إما دولة المستضعفين التي ذكرها القرآن الكريم كاحد مظاهر الجلال والعدل الالهي في هذه الحياة وإما دولة المستخَلفين التي كانت دوما هي حلم الانبياء والمرسلين على مرّ العصور ومدى دورات التاريخ الطويلة والمتكررة ، وهي الغاية الحقيقية من انزال الكتب السماوية وارساء القواعد الدينية والشرعية لهذا الانسان !.
ولهذاكان لزاما على كل مفكروباحث ودارس يسعى لادراك واقعه الانساني والاجتماعي والسياسي القائم او يحاول فهم ملابسات صراعاته الاجتماعية واشكالياته الطبقية واين هو يقف الان ؟ولماذا هو واقف ؟. وماينبغي عليه فعله لتطوير هذا الواقع ؟...الخ أن يستوعب بدقة الافكار القرآنية ، التي تناولت التاريخ وسننه من جانب، والمجتمع وفلسفة قيامه ونوعية صراعاته من جانب آخر وبالخصوص موضوعي (سنةالصراع الاجتماعية بين المستضعفين والمستكبرين واختلافها عن سنة الصراع بين المؤمنين والكافرين) و( ودولة المستضعفين وكيف انها مختلفة نوعاً وماهية ومقدمات واهداف عن دولة المستخَلفين التي يذكرها القرآن الكريم بهذه الاختلافات ) !.
ولكنّ قبل ذكرنا ودخولنا لصلب الموضوع لابد من الاشارة الى : إن مفكري الاسلام العظام ، كالسيد الشهيد الصدر والفيلسوف آية الله مطهري في ابحاثهما التي ذكرناها آنفا لم يفرقا في بحوثهما التاريخية والاجتماعية بين عنواني ((الاستضعاف وصراعه مع الاستكبار تاريخيا من جهة وبين دولة المستخَلفين ودولة المستضعفين من جانب آخر )) بل السيد الشهيد محمد باقر الصدر تعرّض لدولة المستخلفين فحسب واعرض عن البحث في تناول المستضعفين الا في جانب صراعهم السلبي مع المستكبرين اما هل ان لهم دولة مختلفة عن المستخلفين ؟ وماذا يعني كون الاختلاف بين كلا الدولتين ؟، وهل هناك نتائج مترتبة على اختلاف ماهية ونوعية دولة المستضعفين عن المستخلفين ؟، وهل ان الحكومتين مختلفتان ،من حيث التأسيس والاستقلال بالعمل ؟، أم انهم جزء من دولة وحكومة واحدة ؟،..... الخ فلم يتعرض الشهيد لهذا البحث ؟!.
وكذالك الشهيد السعيد مرتضى مطهري، عندما تناول نضال المستضعفين ضد المستكبرين ، فانه اشار بوضوح ان المستضعفين وثمرة نضالهم ماهي الا عملية متصلة بدولة المستخلفين لاغير في قوله سبحانه وتعالى :((ونريد ان نمنّ على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين / القصص / 6)) !!.
نعم قد ذهب الشهيد السعيد مطهري الى ان منطق اية ( المستضعفين ) مختلف عن منطق اية ( المستخلفين) في قوله سبحانه : وعدالله الذين آمنوا منكم وعملواالصالحات ليستخلفنهم في الارض كمااستخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ..../ 55/ النور ) من عدة محاور :
المحور الاول : هو نوعية حركة المستضعفين التاريخية الطبقية واختلافها عن نوعية وميكانيكية حركة المستخلفين .
والمحور الثاني : هو ان منطق حركة المستضعفين التاريخية والاجتماعية في النص القرآني يحتمل ان المراد من المستضعفين كل مستضعفي الانسانية بغض النظرعن عقائدهم واديانهم او لااديانهم في هذه الحياة فهذا النضال للمستضفين ضد المستكبرين محكوم عليه قرانيا بالنصر ايضا ، وهذا بخلاف منطق القرآن عندما تحدث عن مستخلفين مؤمنين عقائديين ، وانتصارهم على الكافرين والطغاة والمستبدين !!.
وصحيح مع ذالك حاول الشهيد مطهري ، تقييد آية المستضعفين والمنّة الالهية فيها ،بما قبلها من آي يتحدث عن بني اسرائيل فحسب ، ولكنه مع ذالك لامس مقاصد الآي الشريف ( حسب مانعتقد ) في استقلال اية المستضعفين وصراعهم مع المستكبرين في موضوعها عن آي المستخلفين وصراعهم مع الكافرين وهذا ممتاز وخطوة متقدمة الى مانذهب اليه من : ان حركة وصراع ودولة المستضعفين ، الذي يتحدث عنها القرآن الكريم ، ليس مختلفا فحسب في معطياته وآلياته بل ان هذا الصراع هو صراع مستقلّ تماما ، عن عملية صراع المؤمنين المستخَلفين مع الكافرين اصلا ، وربما اتصل الصراعان (( قرآنيا )) في منعطف من المنعطفات الاجتماعية الانسانية الا انه حتما مختلف في محطات اخرى كثيرة سوف نشير لها تباعا وهذا مانريد ابرازه وتسليط الاضواءعليه ليكون خطوة لبحث التنوع الفكري للقرآن في تناوله لظاهرتي الصراع وسنته ونشأة الدول وتغايرها بين ان تكون دولة مستضعفين لعنوان المستضعفين فحسب أو انها دولة مستخَلفين حسب المنطوق القرآني ، ولنبدأ بهذا السؤال :
ما المقصود من سنة صراع المستضعفين مع المستكبرين واختلافها عن سنة صراع المستخلفين مع الكافرين ؟.
ثم ماهو الاختلاف بين قيام دولة المستضعفين ، وإنها مختلفة النوعية والآليات والاهداف والحركة عن دولة المستخَلفين ؟.
إن المقصود من سنة ( الصراع ) الاجتماعية والتاريخية بشكلها العام هي تلك القوانين المتحكمة في الحياة الانسانية منذ قديم الازل مع تنوع دوافع هذا الصراعات الاجتماعية تاريخيا ليكون مرّة :
اولا :بدوافع سياسية وطبقية وقومية بحتة لاغيرويعبر عنه (قرآنيا) بصراع المستكبرين مع المستضعفين كما اشار الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه لهذا الصراع بقوله :((إن فرعون علا في الارض وجعل اهلها شيعا يستضعف طائفة منهم ، يذبّح ابنائهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ونريدان نمنّ على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمةونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض ونُري فرعون وهامان وجنودهما منهم ماكانوا يحذرون / 4، / سورة القصص)) !.
ومرّة اخرى :
ثانيا : تكون دوافع الصراع والتدافع الاجتماعية ، وسنته من خلال خلفيات عقدية وفكرية وايدلوجية أكثر منها خلفيات ودوافع اقتصادية او سياسية ، ويكون عنوان الصراع هذا عادة في القرآن الكريم ، هو عنوان الانبياء والرسل والقوم المؤمنين بهم مع الكافرين والطغاة والمستبدين ،وانصارهم من المستضفين وغير المستضعفين وهذا الصراع وماينتج عنه اجتماعيا وتاريخيا هو المشار اليه قرآنيا بقوله سبحانه وتعالى : (( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما أستخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني ولايشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذالك أولئك هم الفاسقون / 128 ، 129 / الاعراف )) .
أما ماهي الفوارق الجوهرية بين حركة ومسار صراع المستضعفين مع المستكبرين تاريخيا ، واختلافه عن حركة واليات صراع المستخلفين مع الكافرين ؟.
ولماذا تلك الحركة سُميت بحركة المستضعفين وهذه سُميت بحركة المستخلفين ؟.
فهذا في الحقيقة لعدة اسباب ومعطيات فكرية واجتماعية وعقدية قرآنية وسياسية ايضا ، ومن اهمها :
اولا :كانت عملية الصراع تاريخيا واجتماعيا ولم تزل تستلهم تسمياتها وعناوينها الرئيسية من اسباب الصراع الواقعية ولماذا اساسا نشب صراع على هذه ، او تلك من الساحات الاجتماعية ؟، فان كانت اسباب الصراع ، ناشئة من تفرعن سياسي يحاول استضعاف طائفة من المجتمع لمبرر سياسي او اخر كالذي ذكره القرآن لطغيان فرعون مصر، وان سبب طغيانه هو العلو لاغير والافساد في الارض ، بغض النظر عن عامل العقيدة والايمان ، سُميت عملية الصراع هذه بين الفرعون ومَن يريد استضعافهم بالصراع بين المستضعفين والمستكبرين !!.
أما إن كانت اسباب ودوافع وعوامل ....الصراع عقدية كالصراع الذي يقوده الانبياء والمؤمنون مع الكافرين والمستبدين والذي يغلب عليه دائما طابع الصراع الفكري والعقدي الايماني في قول الانبياء (( اعبدوا الله وحده )) وقول المؤمنين بخط الاستخلاف (( ومانقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد / البروج 8)) ، فإن مثل هذا الصراع الموجه ، بين العقيدة والايمان من جهة وبين الجحود والكفر من جانب آخر يسمى بالصراع بين المستخلفين والكافرين من جانب آخر !!.
وحتى النموذج الفرعوني الذي يذكره القرآن بكثافة على اساس انه نموذج العلو والفساد في الارض ضد طائفة من مواطنية من بني إسرائيل آنذاك لم يكن صراعه ابدا موجها ضدهذه الطائفة من الشعب على الاسس العقدية الفكرية التي يحملها بنو اسرائيل وانما كان صراعُ طغيانٍ وعلو وفساد لاغيربدليل ان النص القرآني لم يشر مطلقا قبل ارسال موسى النبي الى فرعون إن فرعون كان في وارد صناعة صراع ايدلوجي وعقدي مع طائفة من شعبه ، وانما كان صراع استضعاف واستذلال واستثمار وقمع لاغير وفي حال ذكر القرآن صراعا ايدلوجيا بين فرعون وموسى ،فهذا موجه بإن موسى النبي باعتباره من المستخلفين هو الذي ادار الصراع مع فرعوني ، من جانبه السياسي الذي كان يمارسه فرعون ضد طائفة من شعبه ، الى جانبه العقدي الفكري الايدلوجي الذي اصبح فيه فرعون في جانب الدفاع في طغيانه من عملية الصراع وليس في جانب الطغيان والفساد والعلو فحسب !!.
نعم في ذكر القرآن لعملية الصراع التي نشبت بين الفرعون وسحرته فيما بعد ايمان هذه السحرة ، وتغليب صراعهم مع فرعون على اسسه العقدية ذكر القرآن نوعية هذا الصراع على اساس انه صراع (استخلاف) وايمان وليس صراع استكبار واستضعاف بين الفرعون والسحرة بقوله سبحانه :(( وما تنقم منّا إلا أن ءامنا بئايات ربنا لما جاءتنا ...)) فوجه القرآن بدقته المعهودة ان سبب نقمة فرعون في هذا الموضع وعلى المقربين من حاشيته ،وقومه الفرعونيين السحرة كان هو (( الايمان )) والعقيدة التي اعتنقها هؤلاء المؤمنين من قوم فرعون انفسهم الذين لاينتمون لطائفة المستضعفين من بني اسرائيل وهذا بعكس الصراع الذي اعلنه الفرعون على طائفة من الناس وانه صراع لاستضعاف هذه الطائفة واستغلالها واستعبادها واستثمارها وامتهان كرامتها بدوافع سياسية لاغير !!.
إذن بين صراع المستضعفين مع المستكبرين ، واختلافه عن صراع المستخلفين مع الكافرين تقف العقيدة كمميز اساسي لصراع المستخلفين مع الكافرين ، ويقف الظلم السياسي والقومي والطبقي كمميز لصراع المستضعفين مع المستكبرين الفاسدين !.
ثانيا : من مميزات عملية صراع المستضعفين التاريخية والاجتماعية مع المستكبرين، واختلافها عن عملية صراع المستخلفين مع المجرمين الكافرين ، ان صراع المستضعفين وبغض النظر ان سبب هذا الصراع كان مُسمّى باسم الاستضعاف ونقمة هؤلاء المستضعفين على المستكبرين ، لمجرد استكبارهم لاغير ، اي ان الصراع دائر فقط بين عنواني الاستضعاف والتفرعن فحسب وليس لسبب عقدي او ايدلوجي او ايماني اخر كالايمان والكفر ، بغض النظر عن ذالك ، فإن مايميز حركة الصراع الاستخلافية التاريخية عن حركة الاستضعاف الانسانية ايضا ، إن خط الاستخلاف الرسالي والنبوي والايماني ابدا لم يوصف في القرآن كله بانه خط (( حركة مستضعفة )) من قبل المستكبرين والمتفرعنين التاريخيين وغير التاريخيين ،وانما خط المستخلفين التاريخي وصف دوما بانه خط العزّة والايمان والقوّة والثبات والصبر والامل والتطلع للمستقبل في القرآن الكريم !!.
وصحيح ان خط (( الاستخلاف )) في القرآن هو دائما القيادة لخط المستضعفين لكن نفس خط الخلافة وافتراقه وتميزه عن خط الاستضعاف انه غير مُسمى بخط المستضعفين ، مع انه المخلص لهذا الخط والامل الاخير له في الحقيقة ولعلّ المغزى من وراء عدم تسمية خط المستخلفين وصراعهم مع الكافرين والمستكبرين ايضا ب(( المستضعفين )) لان خط المستضعفين مختلف في حركته ودوافعه للصراع عن خط سيرحركة وصراع المستخلفين فالمستضعفون يحركهم القهروالاستذلال والحقد وارادة الخلاص فحسب من جور الجائرين وتفرعن وفساد الطغاة الظالمين بينما المستخلفين تحركهم المسؤولية امام الله واوامر شريعته الغرّاء وحب اقامة العدل بين عباد الله اجمعين وحتى مع عدم شعورهم بالغبن أو وقوعهم مباشرة تحت الظلم والاستضعاف الشخصي او الطبقي المباشر، الذي يقع عليهم من قبل الجبّارين كما هو ممثل له في نهضة سحرة فرعون ، او انتفاض موسى النبي عليه السلام نفسه ضد الظلم مع انه ينتمي تربويا وشخصيا لسلالة الامراء والمترفين !!.
ولهذا وبصورة تمييزية قرآنية رائعة بين خط الاستخلاف الموسوي ورؤيته لعملية الصراع مع الكافرين وبين خط المستضعفين وارادة الخلاص فحسب من المتفرعنين والمستكبرين يصوّر لنا القرآن الفرق بين منطق المستخلفين ومنطق المستضعفين بهذا المشهد القرآني الرائع بقوله سبحانه : (( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ، إن الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ، قالوا أُذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ماجئتنا ، قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الارض فينظر كيف تعملون / 128، 129 / الاعراف ؟!)).
أي ان منطق المستخلف موسى عليه السلام هوالاستعانة بالله القوي اولا على العدو والصبرفي سبيله ثم ان هذه الارض يورثها سبحانه لمن يشاء ، وليس المهم في منطق المستخلفين بعد ذالك وراثة الارض بقدر وراثة العاقبة التي هي للمتقين !!.
أما منطق المستضعفين من قوم موسى فهو غير ملتفت لا الى الاستعانة بالله ولابقدرة الصبر على سبيله ، ولا الاعتناء بميراث العاقبة التي هي للمتقين ، وانما هو ملتفت الى (( الاذى )) الى الاستضعاف الى الاحساس والشعور بالقهرومتى ساعة الخلاص منه والانتقال الى حياة الاطمئنان والراحة والسيادة والحكم ؟:(( قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا)) والتحقنا بقيادتك وتبعنا طريقتك ياموسى على أمل خلاصنا من الاستضعاف والذلّة والمهانة تحت حكم فرعون ، ولكن مع الاسف (( ومن بعد ماجئتنا )) ايضا لم نزل تحت وطأة القهر والاستضعاف والذلة والمهانة !!.
وبهذاحكم النص القرآني على ان دوافع حركةالمستخلفين وصراعهم مع الكافرين والطغاةوالظلمة وحتى غاياتهم في الاستخلاف والحكم والدولة ، مختلفة تماما عن دوافع وغايات واهداف صراع المستضعفين مع المستكبرين !!.
ثالثا :لاريب إن القارئ من خلال ماذكرناه في النقطتين المتقدمتين قد لاحظ إن مايميزحركة وصراع ومنطلقات المستخلفين عنها من حركة وصراع واهداف المستضعفين هوفي كون المستخلفين ودائمافي المنطق القرآني يصوّرون على انهم اصحاب مشروع وفكر وطريق واضحة تسبق عملية نهضاتهم الاصلاحية ، وثوراتهم التغييرية في التاريخ وداخل المجتمع ، بينما الملاحظ قرآنيا حول حركة وصراع المستضعفين مع المستكبرين تاريخيا واجتماعياانهم اولا واخيرا نتاج ضغوط استكباريةوردّات فعل سياسية او اجتماعية فحسب ، وولادات قصرية ينتجها التفرعن ،والطغيان اكثر من انتاجها من خلال الفكر والايمان والرؤية والمشروع المسبق ، ويبدو هذا جليا وواضحا في النصوص القرآنية ، التي ذكرناها سابقا ، فبينما تكون حركة المستضعفين مسبوقة دائما بالقول :(( إن فرعون علا في الارض وجعل اهلها شيعا يستضعف طائفة منهم .....)) باعتبار ان الاستكبار الفرعوني هو سبب انتاج طبقة المستضعفين ، واخراجها للوجود التاريخي والاجتماعي ، يكون تيار المستخلفين ، وحركتهم التاريخية والاجتماعية مسبوقا على الاطلاق بالقول : (( الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض ...........الخ ) ليتقدم الايمان اولا بالمشروع ، ويتقدم العمل الصالح ، وتتقدم الرؤية ، ويتقدم الصبر والاستعانة بالله سبحانه ........الخ ، على عملية الاستخلاف والصراع والنهضة والتفكير بالتمكين والانتصار على الكافرين والمستبدين والمستكبرين والظلمة !!.
وهذا يفسر بوضوح الاختلاف بين منطق وحركة ونهضة .....الخ موسى النبي والذين امنوا معه من المستخلفين في قوله تعالى :(( استعينوا بالله واصبروا ان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين )) في تقديم الاستعانة بالله والالتفات الى مشروعه ، والتقوى والعاقبة ..وباقي مصطلحات ورؤى المستخلفين وبين منطق المستضعفين وفراغهم الفكري من كل مشروع وافتقارهم الكبير لاي رؤية ، وعدم التفاتهم لاي معنى مرتبط بفكرة الاستخلاف لله سبحانه وتعالى عندما ذكروا آلامهم واذيتهم وارادة الخلاص من اذلال المفسدين فحسب بقولهم :(( اوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ماجئتنا ..)) !.
اي ان من مميزات المستضعفين الاساسية انهم تيارات اجتماعيةفارغة المحتوى الفكري تماما الا من الشعوروالاحساس بحرارة الضغوط المادية السياسية والاجتماعية التي انتجتهم للوجود وساهمت في صناعتهم في هذا العالم ، وما انخراطهم في اي حالة نضال او استعداد للمقاومة او مناهضة للظلم والاستغلال الا من خلال امل الانعتاق من التفرعن والشعور بالحرية !.
رابعا :عندما نذكر ان من مميزات حركة المستخلفين التاريخيةوالاجتماعية عن المستضعفين انها حركة وتيار وعي وفكر يسبق اي عملية نهضة وحركة لهذا المدّ التاريخي والاجتماعي ، وانهم نتاج ايمان وعمل صالح في الرؤية القرآنية ، وليس نتاج قهر وضغوط سياسية فحسب ، فاننا حتما نريد ذكر ماينتج من اثار بعد التمكين في دولة المستخلفين ،وفي مقابلهم في حركة ودولة المستضعفين فيما بعد !!.
أي ان منطق المستخلفين القرآني ، وسواء كانوا تاريخيين من رساليين وانبياء وأئمة وقادة عظام ، او مؤمنين فيما بعدهم كان دائما يربط النتائج بالمقدمات ، او يربط مابعد الدولة والتمكين في الارض ، بما قبل هذا التمكين ، من نضال ومقاومة ومناهضة للكفار والمستكبرين والمتفرعنين والظلمة ، وتكون دائما رؤية المستخلفين ، فيما قبل وبعد التمكين ملاحظة بقوّة : إن مشروع المستخلفين قائم على اساس الرؤية والفكرة والمشروع والايمان ،الذي يربط بين حركة المستخلفين وغاياتهم واهدافهم في هذه الحياة ، وانهم دائما مستخلفين بعد التمكين وليس مستقلين ومنفلتين عن هذا الاستخلاف !!.
ولهذا يذكر القرآن ويشير بكثافة لمفهوم ( التمكين )ومابعده في حركة المستخلفين باعتبار ان قيام دولة المستخلفين تتميز انها صاحبة مشروع مستمر للمستخلفين ، ولا قطع بين نضال المستخلفين وحركتهم الثورية التغييرية ضد الكافرين والمستبدين من قبل التمكين وقيام الدولة ومابعدها !!.
يقول سبحانه :((وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني ولايشركون بي شيئا، ومن كفر بعد ذالك أولئك هم الفاسقون / 55/ النور ))
وفي هذا النص القرآني لمشروع المستخلفين اكثر من حقيقة من اهمها :
اولا : ان خلافة المستخلفين ووعدهم بالتمكين ناتج حتمي عن الايمان بالله سبحانه والعمل الصالح ولم يكن تمكين المستخلفين ناتج ضروري لاستضعافهم وقهرهم من قبل المتفرعنين والمستكبرين حتى وان مارس الكافرون ضد المؤمنين الاستكبار والظلم والعنف والقهر .
ثانيا : ان تمكين وقيام دولة المستخلفين وانتصارهم على الكافرين والجاحدين ،لم يكن انتصارا للمستخلفين بما هم مستضعفين ليوهبوا حريتهم وانعتاقهم من الاغلال والقيودالسياسية والاجتماعيةومن ثم ليتمتع المستخلفين بمغانم النصروالرفاه الاجتماعي والمادي وانما كان انتصار المستخلفين انتصار لمشروعهم الايماني واستمرارا لعملهم الصالح في الحياة وفي التاريخ (( ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم )) فدولة المستخلفين ناظرة الى تمكين المشروع ، ونضالهم ضد الكافرين نضال في سبيل المشروع والفكرة والايمان والعمل الصالح ،وليس نضالا من اجل انعتاق من اغلال ، ولافي سبيل تخلص من ذل وعبودية فرعونية لاغير وانما هو انعتاق وحرية لدين الله الذي ارتضاه سبحانه للمستخلفين في هذ الارض !!.
ثالثا : وحتى رفع الخوف عن المستخلفين في دولتهم وتمتعهم بالامن وبعيدا عن ارهاب الكفرة والظالمين فيكون في مصطلحات ومفاهيم المستخلفين هو أمن لطاعة الله ورفاه لعبادته والاستمرار في مشروعه !!.
رابعا : وكما قال المستخلف موسى الكليم لانصاره من المستضعفين وهو يرشدهم الى خطة مابعد التمكين وقيام الدولة (( عسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم في الارض فينظر كيف تعملون ))كذالك اشار القرآن الكريم بقوّة الى ان مابعد التمكين في دولة المستخلفين هو مشروع ((الذين إن مكناهم في الارض أقامواالصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور / 41/ الحج ))
أما تمكين المستضعفين وقيام دولتهم وحكومتهم المرجوة ، فمع انها سنة من سنن التاريخ والمجتمع ، وان المستضعفين حتما كتب الله بعدله وجبروته انتصاره للمظلوم من عباده وخلقه ومهما كانت عقائدهم وتوجهاتهم او ....لينصرنّهم على المستكبرين والظالمين ليظهر صفة من صفات جبروته على المستكبرين ((ولاتحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون)) ولكن ومع ذالك ولخلو دولة المستضعفين من المشروع الالهي والانساني الكبيركتب الله والقرآن لدولةالمستضعفين ان تنتصرولكن بمواصفات مختلفة كثيرا عن دولة المستخلفين فقال سبحانه : (( ونريد ان نمنّ على الذين أستضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض ونُري فرعون وهامان وجنودهما منهم ماكانوا يحذرون / 6/ القصص )).
وفي هذا النص تبرز الحقائق التالية حول تمكين ودولة المستضعفين منها :
اولا : إن ارادة الله سبحانه تعلقت بالمنّة على عباده المستضعفين ومن جميع البشر انهم لمنصورون ، وان نصر الله لهم لابعمل استحقوه ولابوعد اعطوه كما في (( وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم ..)) وانما بسنة الاهية اقتضت ان الله قاصم الجبارين ومبير المتفرعنين وناصر المستضعفين !!.
ثانيا : ماهية الصراع القائم بين المستضعفين والمستكبرين تقتضي مداولة التمكين وقيام دولة المستضعفين على انقاض دولة المتفرعنين ، وجعلهم الائمة والقيادة في هذه الدولة بعدما كانوا العبيد ، والتبع لامامة الظالمين والمتفرعنين (( ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين )).
ثالثا : بما ان المستضعفين نتاج قهر وظلم سياسي وتمييز عنصري وليس هم نتاج مشروع وايمان وفكر ومدرسة وعمل صالح يكون التمكين لهم انفسهم وليس لاي مشروع يمتلكونه في دولة المستضعفين ليملكواامرهم ويديرواانفسهم بالحريةالتي طلبوها من خلال نضالهم وصراعهم مع المستكبرين من اجلها ، ولهذا جاء النص دقيقا بقوله :(( ونمكن لهم في الارض)) ولم يقل كما ذكر في دولة المستخلفين: (( وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم )) باعتبار ان المستضعفين نضالهم من اجل انفسهم فحسب وهم لايمتلكون اصلا مشروعا ليحكموه في دولتهم ، كما انهم نتاج قهر وظلم وتفرعن ، وليس نتاج فكر ومشروع وايمان ودين ليمكن لهم دينهم وانما هم مستضعفون فمكن لهم في الارض وعقب ب(نري فرعون وهامان وجنودهما)بسبب ان قضية صراع المستضعفين مع المستكبرين كلها لم تكن ، لاسباب ايدلوجية ليقال : (( فينظر كيف تعملون )) كما جاء على لسان المستخلف موسى ع وانما كان صراع بين مظلومين ، وظالمين لااكثر ولا اقلّ ، فكان غاية نصر المستضعفين للنكاية بفرعون والمتجبرين من قبل الله سبحانه ومنةً على المستضعفين فقال :(( ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ماكانوا يحذرون )) وقال (( ودمرنا ماكان يصنع فرعون وقومه وماكانوا يعرشون / 37 / الاعراف )) !.
رابعا : وهو اخر محور لبحثنا هذا في الاختلاف ، بين حركة ونهضة ودولة المستخلفين في القرآن الكريم ، وبين حركة وصراع ونهضة وتمكين ودولة المستضعفين ، الا وهو محور استمرارية وصفاء ونقاء تجربة دولة المستخلفين ، وتعثر وانهيار وموت دولة المستضعفين !!.
وهو المحور المهم جدا لفهم ظواهر دولة المستخلفين الرسالية ، واختلافها عن ظواهر دولة المستضعفين على هذه الارض !.
والحقيقة ان القرآن الكريم ،عندما تحدث عن ظاهرة نضال المستضعفين ضد المتفرعنين الفاسدين في التاريخ البشري اكدّ على حقائق جوهرية في تركيبة هذه المجتمعية المستضعفة والمقهورة فذكر انها :
اولا : منتج للقهر والظلم .
ثانيا :ان في داخل تركيبة الاستضعاف المجتمعية تنشأ حوامل ادمان استعباد فيكون من المستضفين اعوان للظلمة والمتفرعنين وهم يحملون نفس مسؤولية الظلم ودوامه واستمراره في هذه الحياة :(( فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبع فهل انتم مغنون عنا من عذاب الله شيئا )) وقال :(( لو ترى اذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم الى البعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا انتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد اذ جاءكم بل كنتم مجرمين ...))
اي ان هناك رواسب اجرام في تركيبة المستضعفين هي التي دفعتهم للانتصار للظالمين !.
ثالثا :هناك وداخل تركيبة المجتمعية المستضعفة توجد صفات اجتماعية هي التي هيئت الارضية ليكون هؤلاء مستضعفين ومن طبقة المسحوقين والمهمشين ، الا وهي صفة التواكل والاستسلام والانهزامية ...امام مسؤوليات التغيير في المجتمع وفي داخل انفس المستضعفين انفسهم ،وهؤلاء ليسوا ظلمة على مستوى اعانة ظالميهم بسلبيتهم فحسب وانما ظلمة لانفسهم ايضا وعدم التفاتهم للشعور بعزتهم وكرامتهم وامكانياتهم وطاقاتهم وابداعهم وقدرتهم على التغيير في حياتهم ، وحياة المجتمع من حولهم ولهذا وصفهم القرآن بالقول :(( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي انفسهم قالوا فيم َ كنتم ،قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا الم تكن ارض الله واسعة ، فتهاجروا فيها فاولئك ماواهم جهنم وساءت مصير ، الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لايستطيعون حيلة ولايهتدون سبيلا ...))
ومن كل ذالك نفهم ان خط حركة صراع المستضعفين في التاريخ وفي المجتمع لايخلوا من التلوث بالظلم ، بل انه وبسبب عدم امتلاكه للرؤية والمشروع مسبقا ، وعند تمكينه وقيام دولته سينخرط لامحالة بالتنكيل بظالميه واخذ دور المتفرعنين لامحالة في تداول السلطة بعد برهة من الزمن ليريوا طواغيتهم الفرعونيين ماكانوا يحذرون من تسلط هذه الفئة المستضعفة عليهم ان هم انتصروا عليهم وكل ذالك منتج طبيعي لتمكين ودولة المستضعفين على فراعنتهم المستبدين لعدم وجود الضوابط الاخلاقية والالهية الرسالية التي يوفرها المشروع والايمان والفكر قبل التمكين والدولة !!.
وهذا بعكس تمامادولة المستخلفين ومايتمتع به خط وتمكين المؤمنين حسب التصوير القرآني لهم فالمستخلفون لم يذكر القرآن انهم من اعوان الظلمة المجرمين قبل تمكنهم في الارض ولم يكونواهم اساسا نتاج مشروع قهرواضطهاد بل ان خط الاستخلاف دائما وبنص القرآن هو الذي يبادرالى عملية النهضة والتغيير وهو الذي يفكر بكيفية قيادة التغيير وتحقيقه على الارض باعتبار ان هذا التغيير وعد الهي وسنة من سنن التاريخ والمجتمع التي يستحقهاالمستخلفون بجدارة وبعدالتغيير والتمكين وقيام الدولة لاتكون دوافع الحقد الطبقي ،او السياسي هي المسيطرة على ادارة وسياسة المستخلفين في ادارة المجتمع وانما يكون المشروع او الدين او الفكرة او القانون هو الحاكم (( ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى ...)) ولهذا فدولة المستخلفين من مميزاتها الصلابة والقوّة والقانون ، كما ان من مميزات مجتمعها الوعي والادراك والوحدة والتلاحم وتقديم مصالح المشروع على مصالح الطبقة او الحزب او الجماعة ( فينظر كيف تعملون ) باعتبار انه مجتمع قائم بمشروع ومدرك لاهدافه وخطواته وما يريد ان يصل اليه ولايتخبط تخبط المجتمع الجاهل ، الذي كان يناضل من اجل الانعتاق والحرية والاطاحة بالظالمين والمستكبرين ، وعندما وصل للغاية لم تهبه تطلعاته واماله وحريته اي رؤية لمابعد مشروع الاستضعاف والتمكين وقيام الدولة !!.
___________________________
alshakerr@yahoo.com
_______________________________________
تتعدد الافاق الفكرية والزوايا العلمية والمباحث العقدية التي تتناولها المدرسة القرآنيةفي شأني التأريخ بصورة عامة والاجتماع الانساني بصورة خاصة لاسيما تلك المواضيع ، والمباحث التي تعتبر من صلب واساسيات علمي الاجتماع والتاريخ في عصرنا الحاضر من قبيل :
ماهوالتاريح ؟.
وهل لحركة التاريخ سنن وقوانين حتمية ؟.
أم ان حركة التاريخ قائمة على المصادفات والاتفاقات الفوضوية لاغير ؟.
ومن ثم ماهي عوامل وعناصر محركات التاريخ الواقعية ؟.
وهل التاريخ مادي الوجود والحركة ؟.
ام انه معنوي المحركات والتكامل ؟........ الخ !.
وهكذا في موضوعة الاجتماع ، وفلسفته الوجودية فإن لفكر المدرسة القرآنية رؤى واسعة ، وشاملة في علم الاجتماع الانساني ايضا تبدأ من مقولة :
ماهو المجتمع ؟.
وهل لشخصية المجتمع حقيقة مستقلة عن شخصية الافراد ؟.
أم ان شخصية المجتمع اعتبارية مجازية وليس هناك عنوان اصيل لمسمى المجتمع ؟.
ومن ثم ماهي تركيبة هذا المجتمع ؟.
وهل هي فردية اصيلة ؟.
أم انها اجتماعية قائمة بذاتها وما الفردية الا انعكاس لهذه المجتمعية لاغير ؟.
واذا ما كانت الاصالة للمجتمع ، ولاعنوان للفرد داخله الا مجرد مظهر من مظاهر تركيبة المجتمع ، فهل لهذه المجتمعية نفسها متطلبات معينة عندما نحاول اصلاح المجتمع او قياده بايدلوجيا معينة ؟.
أم ان كل فكرة تصلح للمجتمع ، وكل شعار قابل للتركيب حتى وان كان مختلفا ومتناقضا مع تركيبة المجتمع هذه او تلك ؟.
ثم كيف يمكننا ادراك تركيبة المجتمع القائمة وتقسيمها تراتبيا ؟.
وهل هي تركيبة طبقية ؟.
ام انها تركيبة سياسية ؟. أم قبلية ؟.أم نفعية ؟.
ام لاهذا ولاذاك وانما هي تركيبة عقدية فطرية ، ترتكز على رؤية مزدوجة الاصالة لكلا القائمتين الفردية والاجتماعية داخل اي مجتمع ؟.
وهل للمجتمع حاجات معنوية اكثر منها مادية ؟.
أم ان حاجات المجتمع لاتعدو كونها مادية حتى على مستوى المثل الاعلى كمحرك للمجتمع ؟........الخ !.
كل هذا وغيره بحوث مطروحة في المدرسة القرآنية وهي ايضا دراسات مثارة اسلاميا هنا وهناك داخل ساحات الفكر الاسلامي المتعددة ، ولعلّ ابرز من ركز ثقافيا وفكريا وكتابيا ، ونظّر عقديا ..الخ في القرن العشرين المنصرم لمثل هذه البحوث التاريخية والاجتماعية المهمة للعمل الاسلامي هما شهيدي الفكر والعقيدة ، وامامي العصر الحديث ، الشهيد السعيد محمد باقر الصدر في بحوثة القيمة ((التفسير الموضوعي ، والفلسفة الاجتماعية في المدرسة القرآنية )) والحجة الطاهر الشهيد مرتضى مطهري في بحوثه المعمقة ((المجتمع ، والتاريخ )) الذي سرد فيها الكثيرمما يتصل بعلمي التاريخ والمجتمع وفتق فيها العميق من الاسألة في هذا المضمار ، لاسيما الاسألة والمحاور التي طرحها القرآن الكريم نفسه في موضوعتي !!.
اولا : سنة الصراع القائمة بين المستضعفين والمستكبرين من جهة ، والمؤمنين والكافرين من جانب آخر .
ثانيا : قيام الدول وتعدد نوعيتها وماهياتها .... ، كنتائج حتمية لعمليات الصراع الاجتماعية والتاريخية تلك !.
والحقيقة ان هذين الموضوعين من اهم الموضوعات الاسلامية القرآنيةالتي كثف النص القرآني تسليط الاضواء على مضامينها الفكرية والعقدية باعتبار انهما :
اولا : من السنن التاريخية والاجتماعية الاصيلة في قوله سبحانه((ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين / 251/ البقرة )) والمتجددة ايضا في كل مجتمع قائم ومتحرك في هذا العالم .
ثانيا:بسبب إن هذين الموضوعين همامَن سينتج حتما ثمرة إما دولة المستضعفين التي ذكرها القرآن الكريم كاحد مظاهر الجلال والعدل الالهي في هذه الحياة وإما دولة المستخَلفين التي كانت دوما هي حلم الانبياء والمرسلين على مرّ العصور ومدى دورات التاريخ الطويلة والمتكررة ، وهي الغاية الحقيقية من انزال الكتب السماوية وارساء القواعد الدينية والشرعية لهذا الانسان !.
ولهذاكان لزاما على كل مفكروباحث ودارس يسعى لادراك واقعه الانساني والاجتماعي والسياسي القائم او يحاول فهم ملابسات صراعاته الاجتماعية واشكالياته الطبقية واين هو يقف الان ؟ولماذا هو واقف ؟. وماينبغي عليه فعله لتطوير هذا الواقع ؟...الخ أن يستوعب بدقة الافكار القرآنية ، التي تناولت التاريخ وسننه من جانب، والمجتمع وفلسفة قيامه ونوعية صراعاته من جانب آخر وبالخصوص موضوعي (سنةالصراع الاجتماعية بين المستضعفين والمستكبرين واختلافها عن سنة الصراع بين المؤمنين والكافرين) و( ودولة المستضعفين وكيف انها مختلفة نوعاً وماهية ومقدمات واهداف عن دولة المستخَلفين التي يذكرها القرآن الكريم بهذه الاختلافات ) !.
ولكنّ قبل ذكرنا ودخولنا لصلب الموضوع لابد من الاشارة الى : إن مفكري الاسلام العظام ، كالسيد الشهيد الصدر والفيلسوف آية الله مطهري في ابحاثهما التي ذكرناها آنفا لم يفرقا في بحوثهما التاريخية والاجتماعية بين عنواني ((الاستضعاف وصراعه مع الاستكبار تاريخيا من جهة وبين دولة المستخَلفين ودولة المستضعفين من جانب آخر )) بل السيد الشهيد محمد باقر الصدر تعرّض لدولة المستخلفين فحسب واعرض عن البحث في تناول المستضعفين الا في جانب صراعهم السلبي مع المستكبرين اما هل ان لهم دولة مختلفة عن المستخلفين ؟ وماذا يعني كون الاختلاف بين كلا الدولتين ؟، وهل هناك نتائج مترتبة على اختلاف ماهية ونوعية دولة المستضعفين عن المستخلفين ؟، وهل ان الحكومتين مختلفتان ،من حيث التأسيس والاستقلال بالعمل ؟، أم انهم جزء من دولة وحكومة واحدة ؟،..... الخ فلم يتعرض الشهيد لهذا البحث ؟!.
وكذالك الشهيد السعيد مرتضى مطهري، عندما تناول نضال المستضعفين ضد المستكبرين ، فانه اشار بوضوح ان المستضعفين وثمرة نضالهم ماهي الا عملية متصلة بدولة المستخلفين لاغير في قوله سبحانه وتعالى :((ونريد ان نمنّ على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين / القصص / 6)) !!.
نعم قد ذهب الشهيد السعيد مطهري الى ان منطق اية ( المستضعفين ) مختلف عن منطق اية ( المستخلفين) في قوله سبحانه : وعدالله الذين آمنوا منكم وعملواالصالحات ليستخلفنهم في الارض كمااستخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ..../ 55/ النور ) من عدة محاور :
المحور الاول : هو نوعية حركة المستضعفين التاريخية الطبقية واختلافها عن نوعية وميكانيكية حركة المستخلفين .
والمحور الثاني : هو ان منطق حركة المستضعفين التاريخية والاجتماعية في النص القرآني يحتمل ان المراد من المستضعفين كل مستضعفي الانسانية بغض النظرعن عقائدهم واديانهم او لااديانهم في هذه الحياة فهذا النضال للمستضفين ضد المستكبرين محكوم عليه قرانيا بالنصر ايضا ، وهذا بخلاف منطق القرآن عندما تحدث عن مستخلفين مؤمنين عقائديين ، وانتصارهم على الكافرين والطغاة والمستبدين !!.
وصحيح مع ذالك حاول الشهيد مطهري ، تقييد آية المستضعفين والمنّة الالهية فيها ،بما قبلها من آي يتحدث عن بني اسرائيل فحسب ، ولكنه مع ذالك لامس مقاصد الآي الشريف ( حسب مانعتقد ) في استقلال اية المستضعفين وصراعهم مع المستكبرين في موضوعها عن آي المستخلفين وصراعهم مع الكافرين وهذا ممتاز وخطوة متقدمة الى مانذهب اليه من : ان حركة وصراع ودولة المستضعفين ، الذي يتحدث عنها القرآن الكريم ، ليس مختلفا فحسب في معطياته وآلياته بل ان هذا الصراع هو صراع مستقلّ تماما ، عن عملية صراع المؤمنين المستخَلفين مع الكافرين اصلا ، وربما اتصل الصراعان (( قرآنيا )) في منعطف من المنعطفات الاجتماعية الانسانية الا انه حتما مختلف في محطات اخرى كثيرة سوف نشير لها تباعا وهذا مانريد ابرازه وتسليط الاضواءعليه ليكون خطوة لبحث التنوع الفكري للقرآن في تناوله لظاهرتي الصراع وسنته ونشأة الدول وتغايرها بين ان تكون دولة مستضعفين لعنوان المستضعفين فحسب أو انها دولة مستخَلفين حسب المنطوق القرآني ، ولنبدأ بهذا السؤال :
ما المقصود من سنة صراع المستضعفين مع المستكبرين واختلافها عن سنة صراع المستخلفين مع الكافرين ؟.
ثم ماهو الاختلاف بين قيام دولة المستضعفين ، وإنها مختلفة النوعية والآليات والاهداف والحركة عن دولة المستخَلفين ؟.
إن المقصود من سنة ( الصراع ) الاجتماعية والتاريخية بشكلها العام هي تلك القوانين المتحكمة في الحياة الانسانية منذ قديم الازل مع تنوع دوافع هذا الصراعات الاجتماعية تاريخيا ليكون مرّة :
اولا :بدوافع سياسية وطبقية وقومية بحتة لاغيرويعبر عنه (قرآنيا) بصراع المستكبرين مع المستضعفين كما اشار الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه لهذا الصراع بقوله :((إن فرعون علا في الارض وجعل اهلها شيعا يستضعف طائفة منهم ، يذبّح ابنائهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ونريدان نمنّ على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمةونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض ونُري فرعون وهامان وجنودهما منهم ماكانوا يحذرون / 4، / سورة القصص)) !.
ومرّة اخرى :
ثانيا : تكون دوافع الصراع والتدافع الاجتماعية ، وسنته من خلال خلفيات عقدية وفكرية وايدلوجية أكثر منها خلفيات ودوافع اقتصادية او سياسية ، ويكون عنوان الصراع هذا عادة في القرآن الكريم ، هو عنوان الانبياء والرسل والقوم المؤمنين بهم مع الكافرين والطغاة والمستبدين ،وانصارهم من المستضفين وغير المستضعفين وهذا الصراع وماينتج عنه اجتماعيا وتاريخيا هو المشار اليه قرآنيا بقوله سبحانه وتعالى : (( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما أستخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني ولايشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذالك أولئك هم الفاسقون / 128 ، 129 / الاعراف )) .
أما ماهي الفوارق الجوهرية بين حركة ومسار صراع المستضعفين مع المستكبرين تاريخيا ، واختلافه عن حركة واليات صراع المستخلفين مع الكافرين ؟.
ولماذا تلك الحركة سُميت بحركة المستضعفين وهذه سُميت بحركة المستخلفين ؟.
فهذا في الحقيقة لعدة اسباب ومعطيات فكرية واجتماعية وعقدية قرآنية وسياسية ايضا ، ومن اهمها :
اولا :كانت عملية الصراع تاريخيا واجتماعيا ولم تزل تستلهم تسمياتها وعناوينها الرئيسية من اسباب الصراع الواقعية ولماذا اساسا نشب صراع على هذه ، او تلك من الساحات الاجتماعية ؟، فان كانت اسباب الصراع ، ناشئة من تفرعن سياسي يحاول استضعاف طائفة من المجتمع لمبرر سياسي او اخر كالذي ذكره القرآن لطغيان فرعون مصر، وان سبب طغيانه هو العلو لاغير والافساد في الارض ، بغض النظر عن عامل العقيدة والايمان ، سُميت عملية الصراع هذه بين الفرعون ومَن يريد استضعافهم بالصراع بين المستضعفين والمستكبرين !!.
أما إن كانت اسباب ودوافع وعوامل ....الصراع عقدية كالصراع الذي يقوده الانبياء والمؤمنون مع الكافرين والمستبدين والذي يغلب عليه دائما طابع الصراع الفكري والعقدي الايماني في قول الانبياء (( اعبدوا الله وحده )) وقول المؤمنين بخط الاستخلاف (( ومانقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد / البروج 8)) ، فإن مثل هذا الصراع الموجه ، بين العقيدة والايمان من جهة وبين الجحود والكفر من جانب آخر يسمى بالصراع بين المستخلفين والكافرين من جانب آخر !!.
وحتى النموذج الفرعوني الذي يذكره القرآن بكثافة على اساس انه نموذج العلو والفساد في الارض ضد طائفة من مواطنية من بني إسرائيل آنذاك لم يكن صراعه ابدا موجها ضدهذه الطائفة من الشعب على الاسس العقدية الفكرية التي يحملها بنو اسرائيل وانما كان صراعُ طغيانٍ وعلو وفساد لاغيربدليل ان النص القرآني لم يشر مطلقا قبل ارسال موسى النبي الى فرعون إن فرعون كان في وارد صناعة صراع ايدلوجي وعقدي مع طائفة من شعبه ، وانما كان صراع استضعاف واستذلال واستثمار وقمع لاغير وفي حال ذكر القرآن صراعا ايدلوجيا بين فرعون وموسى ،فهذا موجه بإن موسى النبي باعتباره من المستخلفين هو الذي ادار الصراع مع فرعوني ، من جانبه السياسي الذي كان يمارسه فرعون ضد طائفة من شعبه ، الى جانبه العقدي الفكري الايدلوجي الذي اصبح فيه فرعون في جانب الدفاع في طغيانه من عملية الصراع وليس في جانب الطغيان والفساد والعلو فحسب !!.
نعم في ذكر القرآن لعملية الصراع التي نشبت بين الفرعون وسحرته فيما بعد ايمان هذه السحرة ، وتغليب صراعهم مع فرعون على اسسه العقدية ذكر القرآن نوعية هذا الصراع على اساس انه صراع (استخلاف) وايمان وليس صراع استكبار واستضعاف بين الفرعون والسحرة بقوله سبحانه :(( وما تنقم منّا إلا أن ءامنا بئايات ربنا لما جاءتنا ...)) فوجه القرآن بدقته المعهودة ان سبب نقمة فرعون في هذا الموضع وعلى المقربين من حاشيته ،وقومه الفرعونيين السحرة كان هو (( الايمان )) والعقيدة التي اعتنقها هؤلاء المؤمنين من قوم فرعون انفسهم الذين لاينتمون لطائفة المستضعفين من بني اسرائيل وهذا بعكس الصراع الذي اعلنه الفرعون على طائفة من الناس وانه صراع لاستضعاف هذه الطائفة واستغلالها واستعبادها واستثمارها وامتهان كرامتها بدوافع سياسية لاغير !!.
إذن بين صراع المستضعفين مع المستكبرين ، واختلافه عن صراع المستخلفين مع الكافرين تقف العقيدة كمميز اساسي لصراع المستخلفين مع الكافرين ، ويقف الظلم السياسي والقومي والطبقي كمميز لصراع المستضعفين مع المستكبرين الفاسدين !.
ثانيا : من مميزات عملية صراع المستضعفين التاريخية والاجتماعية مع المستكبرين، واختلافها عن عملية صراع المستخلفين مع المجرمين الكافرين ، ان صراع المستضعفين وبغض النظر ان سبب هذا الصراع كان مُسمّى باسم الاستضعاف ونقمة هؤلاء المستضعفين على المستكبرين ، لمجرد استكبارهم لاغير ، اي ان الصراع دائر فقط بين عنواني الاستضعاف والتفرعن فحسب وليس لسبب عقدي او ايدلوجي او ايماني اخر كالايمان والكفر ، بغض النظر عن ذالك ، فإن مايميز حركة الصراع الاستخلافية التاريخية عن حركة الاستضعاف الانسانية ايضا ، إن خط الاستخلاف الرسالي والنبوي والايماني ابدا لم يوصف في القرآن كله بانه خط (( حركة مستضعفة )) من قبل المستكبرين والمتفرعنين التاريخيين وغير التاريخيين ،وانما خط المستخلفين التاريخي وصف دوما بانه خط العزّة والايمان والقوّة والثبات والصبر والامل والتطلع للمستقبل في القرآن الكريم !!.
وصحيح ان خط (( الاستخلاف )) في القرآن هو دائما القيادة لخط المستضعفين لكن نفس خط الخلافة وافتراقه وتميزه عن خط الاستضعاف انه غير مُسمى بخط المستضعفين ، مع انه المخلص لهذا الخط والامل الاخير له في الحقيقة ولعلّ المغزى من وراء عدم تسمية خط المستخلفين وصراعهم مع الكافرين والمستكبرين ايضا ب(( المستضعفين )) لان خط المستضعفين مختلف في حركته ودوافعه للصراع عن خط سيرحركة وصراع المستخلفين فالمستضعفون يحركهم القهروالاستذلال والحقد وارادة الخلاص فحسب من جور الجائرين وتفرعن وفساد الطغاة الظالمين بينما المستخلفين تحركهم المسؤولية امام الله واوامر شريعته الغرّاء وحب اقامة العدل بين عباد الله اجمعين وحتى مع عدم شعورهم بالغبن أو وقوعهم مباشرة تحت الظلم والاستضعاف الشخصي او الطبقي المباشر، الذي يقع عليهم من قبل الجبّارين كما هو ممثل له في نهضة سحرة فرعون ، او انتفاض موسى النبي عليه السلام نفسه ضد الظلم مع انه ينتمي تربويا وشخصيا لسلالة الامراء والمترفين !!.
ولهذا وبصورة تمييزية قرآنية رائعة بين خط الاستخلاف الموسوي ورؤيته لعملية الصراع مع الكافرين وبين خط المستضعفين وارادة الخلاص فحسب من المتفرعنين والمستكبرين يصوّر لنا القرآن الفرق بين منطق المستخلفين ومنطق المستضعفين بهذا المشهد القرآني الرائع بقوله سبحانه : (( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ، إن الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ، قالوا أُذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ماجئتنا ، قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الارض فينظر كيف تعملون / 128، 129 / الاعراف ؟!)).
أي ان منطق المستخلف موسى عليه السلام هوالاستعانة بالله القوي اولا على العدو والصبرفي سبيله ثم ان هذه الارض يورثها سبحانه لمن يشاء ، وليس المهم في منطق المستخلفين بعد ذالك وراثة الارض بقدر وراثة العاقبة التي هي للمتقين !!.
أما منطق المستضعفين من قوم موسى فهو غير ملتفت لا الى الاستعانة بالله ولابقدرة الصبر على سبيله ، ولا الاعتناء بميراث العاقبة التي هي للمتقين ، وانما هو ملتفت الى (( الاذى )) الى الاستضعاف الى الاحساس والشعور بالقهرومتى ساعة الخلاص منه والانتقال الى حياة الاطمئنان والراحة والسيادة والحكم ؟:(( قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا)) والتحقنا بقيادتك وتبعنا طريقتك ياموسى على أمل خلاصنا من الاستضعاف والذلّة والمهانة تحت حكم فرعون ، ولكن مع الاسف (( ومن بعد ماجئتنا )) ايضا لم نزل تحت وطأة القهر والاستضعاف والذلة والمهانة !!.
وبهذاحكم النص القرآني على ان دوافع حركةالمستخلفين وصراعهم مع الكافرين والطغاةوالظلمة وحتى غاياتهم في الاستخلاف والحكم والدولة ، مختلفة تماما عن دوافع وغايات واهداف صراع المستضعفين مع المستكبرين !!.
ثالثا :لاريب إن القارئ من خلال ماذكرناه في النقطتين المتقدمتين قد لاحظ إن مايميزحركة وصراع ومنطلقات المستخلفين عنها من حركة وصراع واهداف المستضعفين هوفي كون المستخلفين ودائمافي المنطق القرآني يصوّرون على انهم اصحاب مشروع وفكر وطريق واضحة تسبق عملية نهضاتهم الاصلاحية ، وثوراتهم التغييرية في التاريخ وداخل المجتمع ، بينما الملاحظ قرآنيا حول حركة وصراع المستضعفين مع المستكبرين تاريخيا واجتماعياانهم اولا واخيرا نتاج ضغوط استكباريةوردّات فعل سياسية او اجتماعية فحسب ، وولادات قصرية ينتجها التفرعن ،والطغيان اكثر من انتاجها من خلال الفكر والايمان والرؤية والمشروع المسبق ، ويبدو هذا جليا وواضحا في النصوص القرآنية ، التي ذكرناها سابقا ، فبينما تكون حركة المستضعفين مسبوقة دائما بالقول :(( إن فرعون علا في الارض وجعل اهلها شيعا يستضعف طائفة منهم .....)) باعتبار ان الاستكبار الفرعوني هو سبب انتاج طبقة المستضعفين ، واخراجها للوجود التاريخي والاجتماعي ، يكون تيار المستخلفين ، وحركتهم التاريخية والاجتماعية مسبوقا على الاطلاق بالقول : (( الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض ...........الخ ) ليتقدم الايمان اولا بالمشروع ، ويتقدم العمل الصالح ، وتتقدم الرؤية ، ويتقدم الصبر والاستعانة بالله سبحانه ........الخ ، على عملية الاستخلاف والصراع والنهضة والتفكير بالتمكين والانتصار على الكافرين والمستبدين والمستكبرين والظلمة !!.
وهذا يفسر بوضوح الاختلاف بين منطق وحركة ونهضة .....الخ موسى النبي والذين امنوا معه من المستخلفين في قوله تعالى :(( استعينوا بالله واصبروا ان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين )) في تقديم الاستعانة بالله والالتفات الى مشروعه ، والتقوى والعاقبة ..وباقي مصطلحات ورؤى المستخلفين وبين منطق المستضعفين وفراغهم الفكري من كل مشروع وافتقارهم الكبير لاي رؤية ، وعدم التفاتهم لاي معنى مرتبط بفكرة الاستخلاف لله سبحانه وتعالى عندما ذكروا آلامهم واذيتهم وارادة الخلاص من اذلال المفسدين فحسب بقولهم :(( اوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ماجئتنا ..)) !.
اي ان من مميزات المستضعفين الاساسية انهم تيارات اجتماعيةفارغة المحتوى الفكري تماما الا من الشعوروالاحساس بحرارة الضغوط المادية السياسية والاجتماعية التي انتجتهم للوجود وساهمت في صناعتهم في هذا العالم ، وما انخراطهم في اي حالة نضال او استعداد للمقاومة او مناهضة للظلم والاستغلال الا من خلال امل الانعتاق من التفرعن والشعور بالحرية !.
رابعا :عندما نذكر ان من مميزات حركة المستخلفين التاريخيةوالاجتماعية عن المستضعفين انها حركة وتيار وعي وفكر يسبق اي عملية نهضة وحركة لهذا المدّ التاريخي والاجتماعي ، وانهم نتاج ايمان وعمل صالح في الرؤية القرآنية ، وليس نتاج قهر وضغوط سياسية فحسب ، فاننا حتما نريد ذكر ماينتج من اثار بعد التمكين في دولة المستخلفين ،وفي مقابلهم في حركة ودولة المستضعفين فيما بعد !!.
أي ان منطق المستخلفين القرآني ، وسواء كانوا تاريخيين من رساليين وانبياء وأئمة وقادة عظام ، او مؤمنين فيما بعدهم كان دائما يربط النتائج بالمقدمات ، او يربط مابعد الدولة والتمكين في الارض ، بما قبل هذا التمكين ، من نضال ومقاومة ومناهضة للكفار والمستكبرين والمتفرعنين والظلمة ، وتكون دائما رؤية المستخلفين ، فيما قبل وبعد التمكين ملاحظة بقوّة : إن مشروع المستخلفين قائم على اساس الرؤية والفكرة والمشروع والايمان ،الذي يربط بين حركة المستخلفين وغاياتهم واهدافهم في هذه الحياة ، وانهم دائما مستخلفين بعد التمكين وليس مستقلين ومنفلتين عن هذا الاستخلاف !!.
ولهذا يذكر القرآن ويشير بكثافة لمفهوم ( التمكين )ومابعده في حركة المستخلفين باعتبار ان قيام دولة المستخلفين تتميز انها صاحبة مشروع مستمر للمستخلفين ، ولا قطع بين نضال المستخلفين وحركتهم الثورية التغييرية ضد الكافرين والمستبدين من قبل التمكين وقيام الدولة ومابعدها !!.
يقول سبحانه :((وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني ولايشركون بي شيئا، ومن كفر بعد ذالك أولئك هم الفاسقون / 55/ النور ))
وفي هذا النص القرآني لمشروع المستخلفين اكثر من حقيقة من اهمها :
اولا : ان خلافة المستخلفين ووعدهم بالتمكين ناتج حتمي عن الايمان بالله سبحانه والعمل الصالح ولم يكن تمكين المستخلفين ناتج ضروري لاستضعافهم وقهرهم من قبل المتفرعنين والمستكبرين حتى وان مارس الكافرون ضد المؤمنين الاستكبار والظلم والعنف والقهر .
ثانيا : ان تمكين وقيام دولة المستخلفين وانتصارهم على الكافرين والجاحدين ،لم يكن انتصارا للمستخلفين بما هم مستضعفين ليوهبوا حريتهم وانعتاقهم من الاغلال والقيودالسياسية والاجتماعيةومن ثم ليتمتع المستخلفين بمغانم النصروالرفاه الاجتماعي والمادي وانما كان انتصار المستخلفين انتصار لمشروعهم الايماني واستمرارا لعملهم الصالح في الحياة وفي التاريخ (( ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم )) فدولة المستخلفين ناظرة الى تمكين المشروع ، ونضالهم ضد الكافرين نضال في سبيل المشروع والفكرة والايمان والعمل الصالح ،وليس نضالا من اجل انعتاق من اغلال ، ولافي سبيل تخلص من ذل وعبودية فرعونية لاغير وانما هو انعتاق وحرية لدين الله الذي ارتضاه سبحانه للمستخلفين في هذ الارض !!.
ثالثا : وحتى رفع الخوف عن المستخلفين في دولتهم وتمتعهم بالامن وبعيدا عن ارهاب الكفرة والظالمين فيكون في مصطلحات ومفاهيم المستخلفين هو أمن لطاعة الله ورفاه لعبادته والاستمرار في مشروعه !!.
رابعا : وكما قال المستخلف موسى الكليم لانصاره من المستضعفين وهو يرشدهم الى خطة مابعد التمكين وقيام الدولة (( عسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم في الارض فينظر كيف تعملون ))كذالك اشار القرآن الكريم بقوّة الى ان مابعد التمكين في دولة المستخلفين هو مشروع ((الذين إن مكناهم في الارض أقامواالصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور / 41/ الحج ))
أما تمكين المستضعفين وقيام دولتهم وحكومتهم المرجوة ، فمع انها سنة من سنن التاريخ والمجتمع ، وان المستضعفين حتما كتب الله بعدله وجبروته انتصاره للمظلوم من عباده وخلقه ومهما كانت عقائدهم وتوجهاتهم او ....لينصرنّهم على المستكبرين والظالمين ليظهر صفة من صفات جبروته على المستكبرين ((ولاتحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون)) ولكن ومع ذالك ولخلو دولة المستضعفين من المشروع الالهي والانساني الكبيركتب الله والقرآن لدولةالمستضعفين ان تنتصرولكن بمواصفات مختلفة كثيرا عن دولة المستخلفين فقال سبحانه : (( ونريد ان نمنّ على الذين أستضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض ونُري فرعون وهامان وجنودهما منهم ماكانوا يحذرون / 6/ القصص )).
وفي هذا النص تبرز الحقائق التالية حول تمكين ودولة المستضعفين منها :
اولا : إن ارادة الله سبحانه تعلقت بالمنّة على عباده المستضعفين ومن جميع البشر انهم لمنصورون ، وان نصر الله لهم لابعمل استحقوه ولابوعد اعطوه كما في (( وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم ..)) وانما بسنة الاهية اقتضت ان الله قاصم الجبارين ومبير المتفرعنين وناصر المستضعفين !!.
ثانيا : ماهية الصراع القائم بين المستضعفين والمستكبرين تقتضي مداولة التمكين وقيام دولة المستضعفين على انقاض دولة المتفرعنين ، وجعلهم الائمة والقيادة في هذه الدولة بعدما كانوا العبيد ، والتبع لامامة الظالمين والمتفرعنين (( ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين )).
ثالثا : بما ان المستضعفين نتاج قهر وظلم سياسي وتمييز عنصري وليس هم نتاج مشروع وايمان وفكر ومدرسة وعمل صالح يكون التمكين لهم انفسهم وليس لاي مشروع يمتلكونه في دولة المستضعفين ليملكواامرهم ويديرواانفسهم بالحريةالتي طلبوها من خلال نضالهم وصراعهم مع المستكبرين من اجلها ، ولهذا جاء النص دقيقا بقوله :(( ونمكن لهم في الارض)) ولم يقل كما ذكر في دولة المستخلفين: (( وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم )) باعتبار ان المستضعفين نضالهم من اجل انفسهم فحسب وهم لايمتلكون اصلا مشروعا ليحكموه في دولتهم ، كما انهم نتاج قهر وظلم وتفرعن ، وليس نتاج فكر ومشروع وايمان ودين ليمكن لهم دينهم وانما هم مستضعفون فمكن لهم في الارض وعقب ب(نري فرعون وهامان وجنودهما)بسبب ان قضية صراع المستضعفين مع المستكبرين كلها لم تكن ، لاسباب ايدلوجية ليقال : (( فينظر كيف تعملون )) كما جاء على لسان المستخلف موسى ع وانما كان صراع بين مظلومين ، وظالمين لااكثر ولا اقلّ ، فكان غاية نصر المستضعفين للنكاية بفرعون والمتجبرين من قبل الله سبحانه ومنةً على المستضعفين فقال :(( ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ماكانوا يحذرون )) وقال (( ودمرنا ماكان يصنع فرعون وقومه وماكانوا يعرشون / 37 / الاعراف )) !.
رابعا : وهو اخر محور لبحثنا هذا في الاختلاف ، بين حركة ونهضة ودولة المستخلفين في القرآن الكريم ، وبين حركة وصراع ونهضة وتمكين ودولة المستضعفين ، الا وهو محور استمرارية وصفاء ونقاء تجربة دولة المستخلفين ، وتعثر وانهيار وموت دولة المستضعفين !!.
وهو المحور المهم جدا لفهم ظواهر دولة المستخلفين الرسالية ، واختلافها عن ظواهر دولة المستضعفين على هذه الارض !.
والحقيقة ان القرآن الكريم ،عندما تحدث عن ظاهرة نضال المستضعفين ضد المتفرعنين الفاسدين في التاريخ البشري اكدّ على حقائق جوهرية في تركيبة هذه المجتمعية المستضعفة والمقهورة فذكر انها :
اولا : منتج للقهر والظلم .
ثانيا :ان في داخل تركيبة الاستضعاف المجتمعية تنشأ حوامل ادمان استعباد فيكون من المستضفين اعوان للظلمة والمتفرعنين وهم يحملون نفس مسؤولية الظلم ودوامه واستمراره في هذه الحياة :(( فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبع فهل انتم مغنون عنا من عذاب الله شيئا )) وقال :(( لو ترى اذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم الى البعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا انتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد اذ جاءكم بل كنتم مجرمين ...))
اي ان هناك رواسب اجرام في تركيبة المستضعفين هي التي دفعتهم للانتصار للظالمين !.
ثالثا :هناك وداخل تركيبة المجتمعية المستضعفة توجد صفات اجتماعية هي التي هيئت الارضية ليكون هؤلاء مستضعفين ومن طبقة المسحوقين والمهمشين ، الا وهي صفة التواكل والاستسلام والانهزامية ...امام مسؤوليات التغيير في المجتمع وفي داخل انفس المستضعفين انفسهم ،وهؤلاء ليسوا ظلمة على مستوى اعانة ظالميهم بسلبيتهم فحسب وانما ظلمة لانفسهم ايضا وعدم التفاتهم للشعور بعزتهم وكرامتهم وامكانياتهم وطاقاتهم وابداعهم وقدرتهم على التغيير في حياتهم ، وحياة المجتمع من حولهم ولهذا وصفهم القرآن بالقول :(( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي انفسهم قالوا فيم َ كنتم ،قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا الم تكن ارض الله واسعة ، فتهاجروا فيها فاولئك ماواهم جهنم وساءت مصير ، الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لايستطيعون حيلة ولايهتدون سبيلا ...))
ومن كل ذالك نفهم ان خط حركة صراع المستضعفين في التاريخ وفي المجتمع لايخلوا من التلوث بالظلم ، بل انه وبسبب عدم امتلاكه للرؤية والمشروع مسبقا ، وعند تمكينه وقيام دولته سينخرط لامحالة بالتنكيل بظالميه واخذ دور المتفرعنين لامحالة في تداول السلطة بعد برهة من الزمن ليريوا طواغيتهم الفرعونيين ماكانوا يحذرون من تسلط هذه الفئة المستضعفة عليهم ان هم انتصروا عليهم وكل ذالك منتج طبيعي لتمكين ودولة المستضعفين على فراعنتهم المستبدين لعدم وجود الضوابط الاخلاقية والالهية الرسالية التي يوفرها المشروع والايمان والفكر قبل التمكين والدولة !!.
وهذا بعكس تمامادولة المستخلفين ومايتمتع به خط وتمكين المؤمنين حسب التصوير القرآني لهم فالمستخلفون لم يذكر القرآن انهم من اعوان الظلمة المجرمين قبل تمكنهم في الارض ولم يكونواهم اساسا نتاج مشروع قهرواضطهاد بل ان خط الاستخلاف دائما وبنص القرآن هو الذي يبادرالى عملية النهضة والتغيير وهو الذي يفكر بكيفية قيادة التغيير وتحقيقه على الارض باعتبار ان هذا التغيير وعد الهي وسنة من سنن التاريخ والمجتمع التي يستحقهاالمستخلفون بجدارة وبعدالتغيير والتمكين وقيام الدولة لاتكون دوافع الحقد الطبقي ،او السياسي هي المسيطرة على ادارة وسياسة المستخلفين في ادارة المجتمع وانما يكون المشروع او الدين او الفكرة او القانون هو الحاكم (( ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى ...)) ولهذا فدولة المستخلفين من مميزاتها الصلابة والقوّة والقانون ، كما ان من مميزات مجتمعها الوعي والادراك والوحدة والتلاحم وتقديم مصالح المشروع على مصالح الطبقة او الحزب او الجماعة ( فينظر كيف تعملون ) باعتبار انه مجتمع قائم بمشروع ومدرك لاهدافه وخطواته وما يريد ان يصل اليه ولايتخبط تخبط المجتمع الجاهل ، الذي كان يناضل من اجل الانعتاق والحرية والاطاحة بالظالمين والمستكبرين ، وعندما وصل للغاية لم تهبه تطلعاته واماله وحريته اي رؤية لمابعد مشروع الاستضعاف والتمكين وقيام الدولة !!.
___________________________
alshakerr@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق