كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي بحث مناقش / القسم الاول
بقلم : حميد الشاكر
التوطئة
هذا بحث قُرأ ونوقش في غرفة الثقافة العراقية (( نظام البالتوك)) بادارة الدكتور خيرالله سعيد صاحب موسوعة (( الوراقة والورّاقون في الحضارة العربية الاسلامية)) نطرحه كتابة لقرائنا الكرّام لأعادة انتاج ثقافة عراقية علمية خالية من الغموض
______________
*********************
الحديث حول مدرسة اجتماعية عراقية او البحث حول هذه المدرسة هو مع الاسف حديث مرة واحدة مضحك بالنسبة ليّ على الاقل وباقي المرّات هو حديث شجن وألم بالنسبة للحقيقة المغيبة عن فكر الثقافة العراقية المعاصرة وبنيتها المعقدة !!.
مضحك بسبب انه : هل فعلا نحن في تاريخ العراق الحديث ، ومنذ تأسيس شبه الدولة العراقية ، وحتى اليوم نمتلك اكاديميا وعلميا وفكريا منتجا علميا أسمه (( علم الاجتماع )) ؟.
أم أننا في العراق ومنذ تشكل لبُناته السياسية والثقافيةالحديثة في سنة 1921م وحتى اليوم مارست علينا الثقافة او الثقافات المؤدلجة ومنابرالاعلام المُسيسة نوع من تغييب الوعي العلمي الممنهج سياسيالأيهامنا كعراقيين مهتمين بشأن العلم والثقافة والفكر ومن خلال تكرار واجترار يومي اعلامي لمصطلحات (تأسيس علم الاجتماع العراقي الحديث) و (مؤسس علم الاجتماع الحديث) و (( يذكر في علم الاجتماع العراقي الحديث ))..... لنتوهم في النهاية أننا بالفعل نمتلك الريادة والسيادة في الشرق العربي والاسلامي بتأسيس علم اجتماع عراقي اكاديمي وعلمي سبق الكلّ في هذا المضمار !!.
سؤال ربما يستغربه الكثير اليوم من المثقفين والمفكرين والكتّاب والمهتمين العراقيين بالشأن والهمّ العلمي العراقي ، لاسيما أولئك المثقفون الذين وعوا ونشأوا وتربوا ... على وهم فكرةٍ مطلقة ومقدسة وغير متزعزعة صنعت عقولهم بوحي امتلاك الفكر العراقي الحديث لعلم وعالم اجتماع ، ومؤسس لهذا العلم الاجتماعي العراقي الجديد اسمه عليّ الوردي !!.
فكيف وبعد اكثر من ستة عقود ثقافية وسياسية وفكرية وآيدلوجية متواصلة نسمع ونقرأ فيها ونكتب أفكارنا وتصوراتنا تحت فيئها في كل شأن يتعلق بالعراق ، ومجتمعه تحت مسمى ( علم الاجتماع العراقي الحديث ) ومن خلال منطلق ( مؤسس علم الاجتماع الحديث ) ، وعلى اساس تأثرنا برؤى وتصورات وافكار واستنتاجات ( مصطلحات علم الاجتماع العراقي المعاصر ) ... الخ فكيف بعد هذا كله يأتي لنا اليوم من يطرح تساؤلا من قبيل : هل نمتلك نحن في العراق فعلا مدرسة اجتماعية علمية عراقية حديثة او غير حديثة اسمها علم الاجتماع ؟؟.
وكيف بعد هذا التاريخ الحافل بكل مصطلحات ومفردات ماسُمي بعلم الاجتماع العراقي العتيد وصناعتها ايدلوجيا من ((لمحات اجتماعية وازدواجية شخصية الفرد العراقي وتناشزات تركيبة الاجتماع العراقي والصراع بين البداوة والحضارة ..الخ)) الذي لايوجد في الواقع صفحة في دفاترنا منذ ذالك الزمان وحتى اليوم الا ومكتوبا فيهاشيئا حول عبقرية العلم الاجتماعي العراقي الذي حلل كل ماهو مجتمعي عراقي .....فكيف بعد هذا يأتي من يطرح وبكل جرأة وصراحة وجدية واخلاص : بأننا كعراقيين نخبة وكتّاب وقرّاء وعامة وسياسيين ومثقفين... قد خدعنا بمقولة (( وجود علم في العراق اسمه علم الاجتماع )) فضلا عن خديعتنا الكبرى بكذبة وجود (( مؤسس لهذا العلم الاجتماعي المزعوم )) ؟!!.
طبعا انا شخصيا لا الوم او اتهم اي مثقف او مفكر اوكاتب مهتّم بالشأن العلمي العراقي بالخرف او الوهم عندما يعتقد بوجود علماً للاجتماع في العراق بالامس وحتى اليوم فضلا عن وجود ريادة او مؤسس في هذا الاطار في العراق الحديث !!.
كذالك لا الوم او اتهم من يعتقد او يؤمن بانه كمثقف عراقي يمتلك ترسانة فكرية وعلمية هائلة من مصطلحات او قوانين علم الاجتماع الحديث لا اتهمه بأنه انسان بسيط الادراك والمعلومةاو انه انسان اُسُتغفل بفعل الاعلام الخمسيني والستيني العراقي المسيس والمؤدلج وما بعده وحتى اليوم الذي غيب وعيه من التفكير النقدي والعلمي الصحيح تماما !!.
فمثل هذا الانسان العراقي او ذاك حاله كحالي ، وكحال معظم العراقيين عندما كنت مغيبا ايضا لسنون فكرية وثقافية وعلمية طويلة تحت اغلال الثقافة العراقية المؤدلجة والمسيسة فكريا والمتخلفة والبدائية والمتحجرة ابداعيا ونقديا علميا !!.
فكلنا كنّا ولم يزل الكثير منّا حتى اليوم يؤمن بأن علم الاجتماع الانساني الحديث الذي أسس له اوجست كونت وقننه دوركايم وشيده فيبر وسبنسر .....الخ ماهو الا (( لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث )) وان علم الاجتماع وتعريفه يكمن في مؤلف (( شخصية الفرد العراقي )) !!.
وهكذا الكثير منّا عندما تسألهم عن مواضيع علم الاجتماع وغايته واهدافه كعلم وتخصص اكاديمي ؟.
سيتبادر الى اذهانهم على الفور وقهريا لااراديا وبلا حتى شعور مميز للعلم وادراك واعي لمعنى علم الاجتماع الحديث : بأن علم الاجتماع ومواضيعه والغاية من نشأته هي مؤلفات (مهزلة العقل البشري ، ومنطق ابن خلدون ، واسطورة الادب الرفيع ، والاحلام بين العلم والخرافة ، ووعاظ السلاطين ، وخوارق اللاشعور ، .... الى اخره ) !!.
هل حقا هذا هو علم الاجتماع تأريخا وتأسيسا وهوية وماهية وتعريفا ومواضيعا واهدافا وغايات ووظيفة ومدارس واتجاهات ومناهج بحث علمية واكاديمية بحثية ؟؟.
وهل هذه المؤلفات الفكرية الثقافية الفوضوية هي مايسمى بعلم الاجتماع العراقي الحديث الذي لم يزل قطاع واسع وعظيم من المثقفين والمفكرين والكتاب ... العراقيين يعتقدون بان الممثل لعلم الاجتماع الانساني بالعموم والاوربي بالخصوص هي هذه القصيقصات من الافكار المشتتة التي لايربطها رابط غير الاهداف الايدلوجية والسياسية فحسب ؟.
أم ان علم الاجتماع العالمي الحديث هوشيئ لاعلاقة له اساسابكل هذا التخليط الايدلوجي وانه علم يبدأ بنشأة وتعريف ويعتمد على مواضيع علمية وينتهج اساليب بحث اكاديمية ويرمي ويهدف الى فهم واقعي وعلمي لمركبات المجتمع الانسانية بصورة عامة والعراقية بصورة خاصة من خلال مناهج علمية تعتمدالمهنية والحرفية والتخصص في رصدوتحليل الظواهر الاجتماعية الثابتة والمتغيرة لاغير ؟!!.
واذا كان علم الاجتماع عالميا وعلميا كما ذكرنا انفا هو شيئ مختلف تمام الاختلاف ( وهذا ما سنتناوله بالبحث لاحقا ) عن افكار من قبيل مافُرض علينا كعراقيين وما فُرض على ادمغتنا سياسيا وآيدلوجيا باسم علم الاجتماع فما هذا الذي ورثناه من اباءنا الفكريين والمثقفين الاولين الخمسينيين والستينيين باسم علم الاجتماع العراقي الحديث ؟.
وهل حقا : ان العقل الثقافي العراقي والفكري والعلمي بهذه السذاجة والسطحية من الوعي والادراك لتمرر عليه كذبة (( علم الاجتماع العراقي ومؤسس علم الاجتماع )) بدون ان يسأل نفسه ولو على سبيل اعادة انتاج الوعي مرة اخرى : هو اين علم الاجتماع اساسا في الثقافة العراقية اولا ، قبل ان تحدثونا عن مؤسس لهذا العلم في العراق الحديث ؟؟.
والحقيقة ((سيداتي وسادتي الكرام)) لاغرابة في كل الاسألة التي من هذا القبيل وما يتبعها من اجوبة صادمة للوعي العراقي المغيّب ايدلوجيا فقط لوتنبهنا الى حقيقة : ان ماكنة اعلامية خمسينية ايدلوجية مسيسة مستمرة حتى اليوم تتعمد تقديم هذا الكمّ المهمل من المؤلفات على انه هو لاغيره يعبر عن علم الاجتماع الحديث وحقيقته اقول فقط لو تنبه العقل الثقافي العراقي لهذه الحقيقة ، فعندئذ سندرك جميعا لماذا لايوجد حيز في فكر الانسان العراقي يتسع لرؤية شيئ مختلف حول علم الاجتماع وحقيقته وماهيته الواقعية وان علم الاجتماع لايمت بصلة لكل ما مطروح باسمه عراقيا تحت هذا المسمى !!.
بل يمكننا القول ايضا ان هناك منابر اعلام مسيسة ومؤدلجة ومنغلقة وميتة فكريا ورثناها من الحقبة الخمسينية والستينية الارهابية الفكرية المظلمة ، والتي يبدو انها غيرت من جلدها لتستلم ادمغتنا ، وثقافتنا ووعينا وفكرنا العراقي من جديد من خلال اعادة تسلقها لمنابر اعلام العراق مابعد التغيير الكبير هي لاغيرها لم تزل تحاول غلق جميع منافذ فكر الانسان العراقي المتطلع للمعرفة الصحيحة ، والبحث عنها وحشرها فقط بنافذة تأيخية واحدة ضيقة وخانقة ومعتمة ليتنفس منها هذا الانسان ثقافيا وفكريا وعلميا ... فحسب ولتكون هي المقرر اخيرا لما كان ولماهو كائن ولما ينبغي ان يكون في جميع شؤون الفكر والثقافة العراقية ، وبما في ذالك طبعا علم الاجتماع العراقي ، وكيف ينبغي ان يكون ؟ ، وماهية كينونته ؟ واهدافه وتعاريفه وكيف ينبغي ان يقرأ ؟ ، ... وغير ذالك !!.
عندئذ لاينبغي ان نلوم مَن لم تفتح امامه نوافذ الفكر والثقافة ليتنفس منها الهواء المعرفي الطلق والحقيقي على انه : لماذا يستغرب من وجود طرح آخر يعلن له خديعته الكبرى بمسمى علم الاجتماع العراقي الحديث ولا نلوم من يستغرب حتى اليوم طرح سؤال هل فعلا نحن في العراق الحديث نمتلك علما يسمى بعلم الاجتماع فضلاعن امتلاكنا لمؤسس لهذا العلم الاجتماعي الكبير ؟.
أم اننا وقعنا ضحية تدجيل ثقافي ايدلوجي كتب وقنن وطرح باسم علم الاجتماع الحديث مرّة وباسم النظريات العلمية الجديدة والمنطق الجديد والعصر الجديد والعقل الجدي
د .... الخ مئات المرّات لتمرر علينا كذبة علم الاجتماع اخيرا ونحن غائبون عن الوعي والادراك الواقعي لماهية علم الاجتماع ووظائفه وغاياته واهدافه ..كما رسمته مدارس علم الاجتماع الانسانية الحديثة والقديمة ، والتي كانت من المفروض ان تكون هي المرجع والمقياس الاعلى لكل مايكتب ، او يطرح باسم علم الاجتماع هنا وهناك ؟.
هذا هو الامر الاول المضحك بالنسبة ليّ على الاقل !!.
أما الامر المحزن بالنسبة للحقيقة المغيبة حول وهم (( علم الاجتماع العراقي الحديث )) فتبدأ من ان في العراق الحديث وجد وصنع فيه ثقافيا وفكريا وايدلوجيا وسياسيا الكثير الكثير من الافكار والتصورات والنظريات... باسم وتحت بند مسمى ( علم الاجتماع) ولكن كان الغائب الحقيقي عن الساحة العلمية والفكرية العراقية هو علم الاجتماع نفسه وهذه هي المفارقة المهزلة اجتماعيا حقا ، عندما يكون الحاضر بالاسم هو نفسه الغائب في الحقيقة على الادق !!.
هل هذا كان نوعا من صناعة الكذب الذي يصبح حقيقة على مرّ الزمان ؟.
أم ان ظاهرة صناعة الوجود والغياب للشيئ الواحد نفسه سمة اساسية في عقل الادلجة السياسية العراقية الخمسينية وحتى اليوم والتي امتهنت التدجيل على البسطاء من الناس والتسويق للوهم بشكل محترف على انه من الحقائق الانسانية المطلقة والعلمية التي لايمكن الشك بواقعيتها ، كما اوهمونا بالمجتمع المشاعي السعيد في يوم من الايام ، والاشتراكية الحلم والامة العربية الواحدة .... الخ ، ولم نفق من هذا الوهم الا بعد خراب البصرة ؟؟.
في تاريخنا العربي والاسلامي ظاهرة اجتماعية فكرية وعقلية وثقافية غاية في الغرابة واللطافة وهي ان اكثر ما نعتقده اليوم على انه حقائق ومقدسات كبيرة وخطوط حمراء لا ينبغي الاقتراب منها هي كانت في الاصل كذبات بدأت صغيرة ، وتأسست ونشأت في ظروف وملابسات ليلية غاية في الغموض والدقة لكن سرعان ماتطورت ونمت وتحولت هذه الكذبات الصغيرة الى مصالح ومنافع لتيارات ومنتفعين واحزاب ومتورطين داخل المجتمع ومن ثم لتصنع هذه الاحزاب ، والتيارات المنتفعة تأريخا جديدا ، ونشأة جديدة لهذه الكذبات ، ولتُمكيج ولتزّوق ولتلمع ولينّظر لها فكريا ويبنى حولها قداسيا ... الى ان تصل الى حد الحقائق المطلقة التي لايمكن التشكيك بقدسيتها !!.
عندئذتصل الينا هذه الكذبات بفعل التدحرج التاريخي على شكل اقنومات ثابتة وطوطميات لايمكن تصورالا الايمان بها لنصبح على ملايين من البشر وهي تؤمن بها على اساس انها مقدسات ايمانية وعقدية وفكرية وثقافية واجبة الاحترام والتقديرومن ثم لاتسمح هذه البحار المغيبة والهائجة من البشر ان تُنتقد هذه المقدسات اويتعرض لها احد بالبحث عن جذورها اويشكك في مصداقيتها او يحاول ان يعلن لاواقعيتها من الاساس !!.
الحال التاريخية هذه للمجتمعية الانسانية بصورة عامة ، والعربية بصورة خاصة هي التي صنعت من الحجر اوثانا والهة في يوم من الايام قبل عبادتها وتقديسها في نهاية المطاف وهي نفس الحالة التاريخية للمجتمعية الاسلامية التي ورثت صناعة الكذب من الجاهلية قبل قلبه الى حقائق ومقدسات ، وهي نفسها ايضا الحالة العراقية في تاريخنا الحديث عندما كذبنا كذبة (( علم الاجتماع العراقي الحديث)) لمصالح سياسية وايدلوجية فكرية ثم وبعد ان آمن بها قطاع واسع من المنتفعين والمتحزبين والايدلوجيين ويتبعهم البسطاء والمغفلين أصبحت تلقائيا هذه الكذبة من الحقائق والمقدسات ، التي لايمكن التشكيك بحقيقتها او البحث في جذورها الوهمية او القول اوالطرح : بأن علم الاجتماع العراقي الحديث وبمافيه مؤسس هذا العلم ماهو الا كذبة فكرية وثقافية وسياسية من كبريات كذبات القرن العشرين المنصرم الذي روجت لها تيارات منتفعة والذي لم يزل العظيم من العراقيين يعتقدون بحقيقتها واصالتها وقدسية وجودها في البنية الثقافية والفكرية العراقية !!.
وهذه الكذبة في الحقيقة لايتسنى للفكرالعراقي العلمي اليوم ان يكشف النقاب عنها ما لم يُعيدبحثه من جديد في علم الاجتماع وعلى اسس علمية وباخلاص وتجرد واكاديمية وشجاعة ادبية بعيدا عن الادلجة والتسييس ، وليُرى من ثمّ هل ما كتب باسم علم الاجتماع الحديث منذ الخمسينيات والستينيات العراقية وحتى اليوم هو يمت بصلة واقعية علمية لعلم الاجتماع الانساني والعلمي والاكاديمي الذي اسس له (كونت ) ورفع من جدرانه (دوركايم وسبنسر وفيبر ) ...الخ ؟؟.
أو ان ما كتب باسم علم الاجتماع العراقي ماهو الا خديعة حاولت تيارات مؤدلجة سياسيا استغلال مسمى علم الاجتماع لتمرر خداعها الايدلوجي الفكري على المجتمعية العراقية باسم علم الاجتماع ومن تحت ذقنه ، وذقن مسمى النظريات الحديثة والعلم الحديث والمنطق الجديد ....... كما تعود من سُمي بمؤسس علم الاجتماع العراقي استخدام هذه المصطلحات بكثافة في طرح مؤلفاته وفكره السياسي المؤدلج والمدمر دوما ايضا ؟؟!.
والحقيقة قبل الولوج في صلب اجوبتنا الفكرية الاجتماعية لمثل هذه الاسئلة ، وقبل البحث في نشأة علم الاجتماع ، وماهية هذا العلم ومواضيعه العلمية ومناهجه البحثية المتخصصة ، ومميزات علم الاجتماع العالمي الحديث ، وكيف يتسنى لنا فهم ووعي العلم الاجتماعي ؟... الخ لنمّيز او لندرك مدى الشقة والبعد بين ما سُمي بعلم الاجتماع من افكار ايدلوجية او مؤدلجة سياسيا طرحت في العراق الخمسيني ، وحتى اليوم باسم علم الاجتماع زورا وبين حقيقة العلم الاجتماعي وتوجهاته العلمية الخالية من كل الشوائب السياسية المؤدلجة علينا ان ندرك او نشير او نفهم محورا غاية في الاهمية في موضوعة ((استغفال العقل العراقي الثقافي والعلمي والفكري قبل الاجتماعي)) لاكثر من ستين سنة خلت بخدعة ماسُمي (( بعلم الاجتماع العراقي الحديث )) اولا !!.
وثانيا لنعي جواب سؤال : كيف مررت هذه الكذبة الكبرى على العقل الاجتماعي العراقي بهذه السرعة والبساطة والتلقائية ؟؟
وماهي العوامل التاريخية العراقية التي ساعدت على قلب الايدلوجي المسيّس فكريا الى علم ومنهج بحيث اختلطت الرؤية في المجتمعية العراقية بين ماهو مسيّس وماهو علمي اكاديمي تخصصي ممنهج ينبغي ان يكون بعيدا عن التسييس والأدلجة ؟.
ان في زمن بذر بذرة هذه الكذبة المسماة ب( علم الاجتماع العراقي ) كان العراق الخمسيني مجتمعيا وسياسيا وثقافيا وفكريا في بداية مراحل النهضة البدائية المتطلعة لانشاء حياة عراقية عصرية حديثة وعلمية وكان الوعي العراقي الاجتماعي الثقافي والفكري والعلمي في بدايات طريقه للتعرف على العلوم البشرية الجديدة ، والمتعددة المشارب والاتجاهات التي اتت اليه عبر البحار وعلى ظهور دبابات المستعمر الغربي انذاك ، لاسيما ان العراق قبل انشاء الدولة العراقية الحديثة قبع لقرون متطاولة تحت مطامير السلطة العثمانية البائدة التي انزلت المجتمعية العراقية للعيش في اقبيتها المتخلفة والمظلمة بعيدا عن كل ماهو جديد وحديث وعلمي ، وهكذا ما ان اندحرت العثمانية البائدة عن صدر العراقيين ، ليؤسس لهم عراق جديد متطلع لكل ماهو علمي وحديث ومتطور وما ان سمع العراقيون وقرأوا حول ذالك التطور العلمي الغربي المهول انذاك ،وكيف انه سبب التفوق الغربي وهيمنته على العالم حتى شُغف العراقيون بسماع وقراءة وتتبع ..هذا الكمّ المهول من التطور العلمي الغربي المتسارع في كل شيئ في النظريات والايدلوجيات والعلوم ... ، وباقي المتطورات الغربية وكان لهذا الشغف العراقي المتطلع للتجديد والعصرنة في المجتمعية العراقية اثره النفسي والفكري ، والعاطقي البالغ على شخصية الانسان العراقي ، وتهيئتها لقبول اي فكرة او طرح او ايدلوجية ..... تطرح تحت مسميات :(( العلم الحديث ، والنظريات الجديدة ، والمنطق العصري .... وهكذا )) ولهذا ففي عصر الاربعينيات والخمسينيات العراقية كان اي كاتب يكتب او اي شاعر ، او اي خطيب يخطب او اي منظر ينظر او اي متحزب يدعوا لحزبه او اي جنرال يخطط لانقلاب على الدولة ... الخ كان اي واحد من هؤلاء وبمجرد ان يضمن خطابه او دعوته او رؤيته او كتابته ... بين سطر واخر مصطلح من قبيل (( النظريات الحديثة ومقولاتها ، او العلم الحديث ومكتشفاته ، او المنطق الجديد وتطوراته .... الخ )) إلا وكان العقل الجمعي العراقي مسارعا للايمان بكل ماقيل له تحت بند اطار (( العلم الجديد والنظريات الحديثة والمنطق العصري الغربي المتفوق )) !!.
وبهذه الاجواء النفسية والروحية والعاطفية والاخلاقية... للمجتمعية العراقية ُطرح فكرا تحت مسمى (( علم الاجتماع العراقي الحديث)) ولتلتف من ثم حوله تيارات فكرية وحزبية وسياسية تنتمي لنفس منظومة الادلجة السياسية لهذا الفكر امتلكت فيما بعد امكانيات سياسية واعلامية ومجتمعية وثقافية وفكرية .... ضخمة في الخمسينات من تاريخ العراق الحديث ولتطلق على طارحه مسمى (( مؤسس علم الاجتماع العراقي الحديث )) وهكذا أُسس لاكبر كذبة سياسية في القرن العشرين المنصرم تحت مسمى (( علم الاجتماع العراقي الحديث ومؤسسه )) اعتمادا في تمرير هذه الكذبة تماما على أمرين :
الاول : بدائية الفكر العراقي العلمي انذاك ، وعدم ادراكه واطلاعه التام على المنتج العلمي والفكري العالمي بالعموم والغربي بالخصوص وخصوص الاخص فيمايتعلق بماهية العلوم الاجتماعية لتمريركل هذا الايدلوجي المسيّس لهذه التيارات والاحزاب السياسية لذهن الانسان العراقي واخضاعه لعملية خداع ممنهجة ، وايهامه ان كل مايقال ويطرح ويكتب وينظر له تحت هذا المسمى (( علم الاجتماع )) ماهو الا منتج علمي حتمي قانوني لايقبل الشك او اعادة التفكير بصدده !!.
الثاني : وهو امر روح العصر الجارفة وتياراتها السياسية والفكرية والثقافية الجامحة والتي لم تكن لتسمح ان يقف بوجهها اي شيئ يحاول التقاط الانفاس او مجرد التوقف والسؤال والتفكير المتوازن في كل مايطرح انذاك فكريا او باسمه وعلميا او باسم العلم واجتماعيا او تحت مسمى علم الاجتماع !!.
كان التوجه الفكري والعاطفي والروحي والنفسي .... للمجتمعية العراقية في الاربعينات وخمسينيات القرن العشرين المنصرم متوجهة تماما للترحيب بكل ماهو قادم تحتى مسميات العلم والنظريات الجديدة ومنطق العقل العصري ...الخ ، بلا ادنى تفكير وروية ووعي وكافرة ونافرة عن او من كل شيئ يتصف او يُسمى بمسمى القديم والتقليدي والكلاسيكي ...الخ ، وهذه الحالة النفسية والفكرية هي التي هيئت الارضية الفكرية والثقافية العراقية لاستقبال كل مايكتب تحت تلك المسميات وبما في ذالك طبعا كان كل ما يطرح تحت مسمى علم الاجتماع الحديث !!.
بمعنى اخر : ان ناسجي كذبة علم الاجتماع العراقي الحديث ومؤسسه ، كانوا تقليديين تماما حتى في نسج كذباتهم وتمريرها على المجتمعية العراقية بحيث انهم لم يكونوايختلفوا عن اي مخادع يمتهن التدجيل ويحاول خداع الناس من خلال اسم الدين والمقدس ، وهويعتمد على جهل الناس بالدين ، ومواضيعه واهدافه ... من جهة ويستغل نفسية المخدوع ووضعه الاجتماعي وبساطته وانجرافه للتصديق بكل مايقال له تحت مسمى قراءة الغيب في هذه الحالة النفسية البائسة !!.
كذالك مَن طرح اكذوبة ((علم الاجتماع ومؤسسه)) على المجتمعية العراقية في اربعينيات وخمسينيات القرن المنصرم فهو لم يبتعدكثيرا عن التدجيل على المجتمع العراقي ولكن هذه المرّةباسم العلم وتطوره ومنظوره الحديث من جهة ومستغلا في ذالك جهل المجتمعية العراقية وبدائية الفكر والثقافة العراقية باكثر تفاصيل هذه العلوم الاجتماعية الحديثة وعدم تمكنهم من التمييز آنذاك بين ماهو علمي اجتماعي حقيقي وبين ماهو غير ذالك من جانب اخر فمرت الخدعة حتى اليوم ولاسيما بعد ان اصبحت الكذبة حقيقة في بنية الثقافة العراقية (التي هي بحاجة بالفعل لهدم واعادة بناء وانتاج جديد) ، ولها من ينتصرو يدافع عنها بكل حماس وتفاني واخلاص حاله في ذالك حال المخدوع بعقيدة مزيفة لكنه يعتقد فيها الحقيقة المطلقة المقدسة !!.
والآن وبعد ان اوضحنا كمقدمة او توطئة لموضوع بحثنا هذا ( كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه المزعوم علي الوردي ) وأكدنا على انه لاعلم هناك في الواقع العلمي العراقي اسمه (علم الاجتماع ) وانما هناك افكار مسيسة ومؤدلجة طرحت تحت مسمى العلم الاجتماعي للخديعة لاغير واشرنا الى العوامل التي ساعدت بصناعة هذه الكذبةوتمريرها الى بنية الثقافة العراقية الحديثة وتثبيت اركانها داخله بالخداع والفهلوة والشطارة السياسية ، يتبقى علينا طرح الملامح الرئيسية والمرتكزات العلمية الحقيقية للعلم الاجتماعي الاصيل الذي نبه له ((ابن خلدون)) في مقدمته وأسس لبنيانه الفيلسوف الفرنسي المادي ((اوجست كونت )) واقام من جدرانه ، ورفع من شأنه الفيلسوف الفرنسي ايضا ((أميل دوركايم )) ليتضح للقارئ الكريم بعد الشقة بين مسمى علم الاجتماع على حقيقته العالمية العلمية وبين ماطرح عراقيا ثقافيا تحت هذا الاسم من جهة وليكون للباحث وطالب المعرفة وصاحب الهمّ الفكري والعلمي العراقي ميزانا من خلاله يدرك ماهو علم الاجتماع على الحقيقة !!.
نعم لايفوتنا ان نذكر قبل الانتقال لمناقشة صلب الموضوع ايضا : اننا هنا في هذا البحث ، وغيره من بحوثنا الفكرية الاخرى نتجنب كثيرا ان نقع فيما وقع فيه الاخرون من تسييس البحوث الفكرية والعلمية والانتقال بهذه البحوث من توجهاتها العلمية والفكرية الثقافية الى اخضاعها للرؤى والتوجهات الادلجية والسياسية فنحن ناهضنا في بحثنا هذا فكرة اخضاع مسمى العلم الاجتماعي للفكر السياسي والادلجي باعتبار ان للعلم مضماره المختلف عن مضمار الايدلوجي والسياسي ،ومن الخطأ العلمي والمهني الكبيرادخال بعض العلوم بعضها مع البعض الاخر للخلط والتشويه وهذا لايعني بطبيعة الحال اننا نقصي حق المفكر والعالم والمثقف في ان ينتمي لفكرسياسي او ايدلوجي معين بل من حق الانسان بما هو انسان ان يكون منتميا لفكر سياسي وايدلوجي عقدي مهما كان نوعه واختلف شكله ، لكن خلافنا مع من يحاول الخلط بين ماهو علمي منهجي ، او فكري ثقافي من جانب وبين ماهو ايدلوجي يخضع لرؤية (( ماينبغي ان يكون )) بدلا من العلمي التوصيفي لماهو كائن فحسب في العلوم ومناهجها العلمية !!.
بمعنى اخر : ان بحثنا هذا يناقش اشكالية الايدلوجي واختلافه عن العلمي مهما كان العلمي ومناهجه العلمية المتعددة ، فالعلم ومناهجه يختلف بطبيعة المنهج وزوايا التفكير ومناحي الموضوعات والتوجهات ... عن الايدلوجي السياسي الذي له مناحي وزوايا وتوجهات فكرية مختلفة تماماعن العلم ومناهجه البحثية ولهذا نحن نرى انها لجريمة علمية وفكرية وادبية ... ادخال الايدلوجي في العلمي او ادخال العلمي تحت مسمى الايدلوجي ،وذالك بسبب ان ادخال العلمي تحت مناهج الايدلوجي المسيّس هوتدمير في الحقيقة للايدلوجي وللعلمي على السواء فالعلم تحت الايدلوجيا يموت ويضمر ويتعثر ويتخبط في طريقه ويضيع بوصلة مسيره الى الابد ، وهكذا الايدلوجي ايضا عندما ينزو على العلمي ليمتطيه للوصول الى غاياته السياسية فسرعان ما سيكبوا هذا الايدلوجي ويقع وينهار جثة هامدة !!.
وهذا مع الاسف ماوقع في تجربتنا الفكرية والعلمية العراقية في اربعينيات وخمسينيات القرن العشرين المنصرم عندما هبت احزاب وتيارات سياسية مؤدلجة وكذا مثقفين ومفكرين مؤدلجين لطرح العلم او طرح الايدلوجي تحت مسمى العلم الاجتماعي ابتغاءا منهم للوصول الى الاهداف السياسية والايدلوجية بعيدا عن الغايات والاهداف العلمية ، وبالخصوص للعلم الاجتماعي الذي يختلف تماما بعد تأصيله علميا على يد علماء الاجتماع الاوربيين ، واخراجه من حيز الادلجة والتسييس الى حيز العلم ومناهجه العلمية الصارمة عن الايدلوجي بشكل كبير !!.
في نهاية هذا القسم نقول : اننا هنا نبحث لاعادة انتاج مدرسة اجتماعية علمية حقيقية لاغير وهذاهو هدفنا وغايتنا الحقيقية من تناول هذا الموضوع بالبحث والتدقيق ، ونحن هنا غير معنيين ((ابدا مطلقا)) بتصفية حسابات ايدلوجية او سياسية مع ايّا كان من احزاب العراق السياسية التاريخية وحتى اليوم ، بل ما يعنينا هو الهم العلمي والفكري والثقافي فحسب ، وكيف يمكننا اعادة انتاج مؤسسة علمية ترتقي بهذا الوطن والمجتمع العراقي الى مصاف الامم المتقدمة !!.
نعم هذا هو هدفنا الحقيقي من بحث كذبة علم الاجتماع العراقي الذي نرى ان المرحوم علي الوردي وبأدلوجيته المسيسة الى حد النخاع قد اساءلمشروع علم الاجتماع العراقي الحقيقي الذي كان يتطلع له المجتمع العراقي ابان اربعينيات القرن العشرين المنصرم ، بل ولنؤكد بلا ادنى شك : ان من سمته بعض التيارات السياسية العراقية بالامس وتصر حتى اليوم على تسميته ب(مؤسس علم الاجتماع العراقي الحديث ) لغايات سياسية في نفسها لاغير ، هو لاغيره مع الاسف من اجهض مشروع علم الاجتماع العراقي الحديث ، وهو نفسه من الغى امكانية ان تُبنى مدرسة اجتماعية عراقية علمية مستمرة ، ونشطة حتى اليوم بسبب اخضاع هذا العلم الكبير لاهوائه السياسية ، وتمحلاته الفكرية وسطحيته العلمية وتحليلاته المبكية والمضحكة في الان الواحد وهذا بكل الم نقول هذا ما يفسر لنا كعراقيين لماذا وصل علم الاجتماع العراقي الى القاع والى العقم المستدام في انتاج المعرفة والعلم الاجتماعي المفيد ؟ ، ولماذا لم تنتج مدرسة علم الاجتماع العراقي ولا تلميذا مبدعا واحدا منذ اختطاف علي الوردي لمسمى علم الاجتماع ووفاته وحتى اليوم ؟؟، ولماذا ... ولماذا ... ولماذا ؟؟.
******************
مدونتي
http://7araa.blogspot.com/
alshakerr@yahoo.com
هناك 3 تعليقات:
نسأل الله ان يكون استاذنا حميد الشاكر و كل أحبته في عراقنا الحبيب بأتم صحة و عافية
تلميذتكم ..
وكل عام وانتم باتم صحة وعافية وشكرا لكم
يا انصار دولة القانون لقد سلبتو ودمرتو كل شئ في بلدي فلاعجب في مقالك.. ارجو من الصغير ان يرعاك بعطفه الابوي لانكم تحملون نفس الحقد المتعجرف ضد الوردي جسدا وافكارا
إرسال تعليق