((10))
مثلت ولم تزل موضوعة ( اصل الكرد ) في الدراسات الانثربولوجيه
والسوسيولوجيه محورا من اهم المحاورالبحثية التي تستقصي اويمكن ان تستقصي ( ماهية الشخصية المجتمعية الكردية
العراقية ) بصورة خاصة والكوردية السورية
والتركية والايرانية بصورة عامة !!.
والحقيقة ان مابذل من مجهود
بحثي ، ودراسي على موضوعة اصل الكرد ،وجذورهم السلالية يمكن اطلاق صفة (المجهود
المتعب) عليه منطلقاً من الكمية والاهتمام البالغ ، الذي استقطبته هذه الموضوعه بالذات بالنسبة للمستشرقين ، الذين
تناولوا موضوعة الكرد ، وبالنسبة للكتّاب الكرد انفسهم ايضا !!.
اما سبب او اسباب هذا الاهتمام ،
وماهية الكمية الكبيرة من المجهود الفكري والعلمي الذي بذل بهذا الصدد ،
فهو لسببين :
الاول:لان معظم هذه الدراسات والابحاث قارنت تنظيراتهاوتاسيساتها الاولية
ولادة الايدلوجيات القومية في بداية القرن العشرين المنصرم فكانت هذه
الدراسات انعكاس طبيعي لمااولته الفكرةالقومية من اهتمام بموضوعة (( اصول الاقوام ، وجذورهم السلالية )) باعتبار
ان هذه الاصول والجذور السلالية هي التي كانت تمثل ( الشرعية السياسية ) انذاك ، والتي من خلالها تبنى الدول القومية الحديثة
!!.
ومن هذاالمفصل اهتم الكتّاب الكردكثيرابموضوعة الاصول والجذور السلالية
، وبشكل جعل كل بواصل تفكيرهم الحديثة
متجهة نحو هذا الصوب في تعميقه ،والتفنن
في ابرازه للعيان على امل ان تساعد هذه التنظيرات السلالية باعطاء شرعية دولية
لاقامة دولة قومية للكرد في العصر الحديث !.
ثانيا : موضوعة ( اصل الكرد) حالها
حال باقي المواضيع التاريخية التي يكثرحولها الاجتهادوتفتقرهي في نفسهاالى القطع
واليقين والدليل فعندئذ وعندما يفتح باب الاجتهاد الفكري ، والتنظيري لاي موضوع لايمتلك مادة
الحسم بداخله ، فستكثر وتتوالد النظريات حوله الى ما لا نهاية !!.
واصل الكرد ، كما هو مدون في
هذه الدراسات ، والبحوث موضوع في الحقيقة اتعب
كباراصحاب هذاالفن الانثربولوجي والسوسيولوجي الحديث ، وحتى الكتاب والبحاثة
السوسيولوجيين الكرد انفسهم ايضا يختلفون
في موضوعة الجذر السلالي للكرد ، وبشكل اكثر تعقيدا من غيرهم ولهذا نرى (الدكتور
ابراهيم الداقوق/في كتابه : اكراد تركيا ) يذكر عدة اراء متباينة في موضوعة اصل
الكرد ، وليقول بهذا الصدد بعد ان يؤكد ان الاكراد ليسوا قوما طارئين على هذه
المنطقة بان : (( المؤرخ العثماني /احمد وفيق / يذهب الى ان الكاشيين هم اصل الكرد
اما العلامة الكردي /أمين زكي/ فيرى ان / الكوتيين / هم اجداد الكرد وهذا بخلاف الاثاري / طه باقر / الذي ذهب الى ان
/ اللولبيين / هم اجداد الاكراد ، وهكذا الاثاري/وليد الجادر/ الذي اكد ان/
الحوريين / هم اجداد الكرد ./ ص 41))
والواقع ان الخلافات في وجهات النظر، التي يطرحها الداقوق لم تقف عند
موضوعة فقط(الاصل السلالي) للجماعة الكردية لاغير بل هناك ايضا التسمية ((الكرد))
واصل نشأتها وهل هي من ((كردوخ )) اسم اطلق على مجموعةمن المحاربين اتخذهم اوصنعهم
ملوك الاشوريين كي يكونوا حرسا خاص لبلاطهم الملكي ؟ ام انها من ((كردوخ)) اسم
مكان لقرية انتشر منها الكرد ؟ ام انها من ((كوردا)) احد الهة الاكراد ايام
الميديين او الكيشيين او الحوريين ؟. / ص 43)).
وهكذا في نظرية السوسيولوجي الكردي / د احمد محمود الخليل / في كتابه
:الشخصية الكردية/ الذي ذهب الى ان الكرد بسلالتهم المعروفة اقدم من السومريين
في جنوب العراق بل هم ربما يشكلون الاساس للسلالة السومرية التي يشكك
الخليل بسلالتهم السامية / ص 32 . !!.
وعلى اي حال ترسوابنا سفن موضوع(اصل الكرد)اخيرا عند مرافئ الباحث
والمتخصص في حقل الدراسات الكردية المحاضر في جامعة هارفرد الاستاذ الكردي/ مهرداد
ايزادي/ ليحسم لنا نزاع القوم بالقول : ((
من هنا يمكن القول بانه لايوجد تجانس عرقي كامل في المجتمع الكوردي ويتضح ذالك من الفروق بين الكرد في مختلف
مواطنهم ... فهم رشات من الصفات المغولية / انظر : الشخصية الكردية ص 50 )) !.
والحقيقة نحن نميل الى ما طرحه الاستاذ (مهرداد ) في موضوعة (( اصل
الاكراد ))لاسيما ان ادركنا ان المنطقة الجغرافية الجبلية الواقعة في شمال العراق
اليوم بصورة خاصة وشمال غرب ايران ، وجنوب
تركيا صاعدا شرقا الى القفقازهي تاريخيا وحتى الوقت الحديث ممرا (( لطريق الحرير
)) التجاري التاريخي ، الذي كان يربط بين الشرق والغرب في تجارته ، بالاضافة الى ان هذه الجغرافية الجبلية
الوعرة على التحديدكمايصفها معظم المؤرخين كانت ولوقت قريب جدا ممرا لموجات من الهجرات البشرية النازلة والصاعدة
والمتغيرة دوما من خلال ((سكانها الرحل)) على طول الزمان من جهة ، وممرا للجيوش
المتصارعة (( من الحروب البابلية ، الى الفارسية للملك كورش والى الاشورية حتى
حروب الاسكندر و .. هلم جرا )) بين الشرق والغرب من جانب اخر !!.
وهذا يؤكد : ان هناك موجات
متنوعة من السلالات البشرية اختلطت انسابها ودمائها وثقافاتها ولغاتها في هذا الصقع من الجغرافية
لشمال العراق ، وغرب وشمال غرب ايران بالتحديد
، وان البحث عن نقاء سلالي ، او
اصل (قومي موحد للكرد) ماهو الاعبث لاطائل علمي او تاريخي منه !.
ولعلّ الاسطورة الشعبية الكردية التي ارجعت اصل الكرد الى (الجنّ)
ودعت الدكتورة الاستشراقية الامريكية(مارغريت كان) تسمية كتابها (( ابناء الجن)) هي
الملخص النهائي لاشكالية البحث عن اصل موحد للكرد!.
((11))
يهتم عادة علم الاجتماع الحديث ((بالاساطير الشعبية المتوارثة)) لاي
مجتمع ، او امة قائمة ( بقدر اهتمامه ) بمنتجات
الدراسات والبحوث الانثربولوجيه العلمية المختبرية ، التي تتناول المجتمع من عدة زوايا واتجاهات ثقافية
، وفكرية ودينية وفنية وفلكلورية و.....الخ ، بما في ذالك زاوية او موضوعة (( اصل الاقوام
وجذورهم السلالية )) !.
وطبعا اهتمام (( علم الاجتماع )) بالجانب الاسطوري الشعبي للحكاية
التاريخية بصورة خاصة لا ينطلق من كون هذا العلم يرى بالاساطير الشعبية انها
موثقات علمية تاريخية اكثروثاقة من الدراسات والبحوث الاجتماعية الانثربولوجية
الحديثة ويمكن البناءالعلمي والنظري عليها اكثر من غيرها !.
بل تستقطب الاسطورة الشعبية الاجتماعية التاريخية
اهميتها في علم الاجتماع ودراساته البحثية من كونها :
اولا : الاكثر تاثيرا فنيا
على المخيال والشعوروالشخصية الاجتماعية الشعبيه الروحية العامه .
وثانيا : لكون الاسطورة
الشعبية تعبرعن (سلطة روحية) وفنية داخل المجتمع تتمكن من (صياغة وصناعة الظواهر
والسلوك الاجتماعي ) بشكل يتفوق ولا سيما
في المجتمعات التقليدية الكلاسيكية على سلطة القانون والعلم !.
ولهذا يدرس علم الاجتماع الاساطير الشعبية بنوع من الاهتمام اذا لم
نقل ان احد محاوردراساته الاساسية هي الاساطيروالتقاليد والاعراف الاجتماعية التاريخية
التي تساهم في تشكيل وصناعة وبلورة السلوك
والظواهر الاجتماعية العامة في مثل هذه
المجتمعات المخيالية !.
(( 12))
ان الاسطورة الشعبية التي تتحدث ، او تؤرخ لاصل الكرد والتي ذكر فحواها
صاحب مروج الذهب (( المسعودي ج 2 ص 130 /
مؤسسة الاعلمي ط اولى))في تاريخه وكذا ذكرهاصاحب((محاضرات الادباء / الراغب
الاصفهاني ج1 ص 160 / )) ،وعرج عليها (( البدليس في / شرف نامه / ص 12)) بشكل فيه
شيئ من الاختلاف التقني ، والتي نعتقدان المسعودي نفسه استقاها من التراث الاسطوري
الشعبي للكرد انفسهم تتحدث عن قوم تنازعت اصولهم ، او تجمعات اصولهم ثلاث حكايات شعبية اسطورية (( غارقة
في المخيال السحري )) والتراثي الغريب وهي
:
اولا : اسطورة تتحدث عن اماء لسليمان ابن داوود النبي خرجن عن جادة الصواب ، وليمارسن ( الجنس المدنس
) مع الشيطان ابان فقدان سليمان لملكه فترة من الفترات ليكردهن سليمان النبي ، ومن
ثم ليلدن للشيطان ذرية اصبحوا فيما بعد جذرا للسلالة الكردية اليوم !!.
ثانيا: اسطورة نقلها شرف خان البدليس في كتابه/ شرف نامه/ تتحدث ايضا
عن سليمان وجنوده (من الجن )عندما ارسلهم الى عالم الافرنج لياتوا له من عذارى
الفتيات الجميلات ، ليضمهن الى حريمه ،
ولكن عندما وصل (العفاريت) عائدون
بالجميلات من الافرنج كان سليمان النبي قد توفي فتزوجهن الجن وليلدن من ثم الكرد !.
ثالثا: اسطورة تتحدث عن ملك ايراني اوعربي(على اختلاف الرواية) غشوم
اسمه(الضحاك)كان مربيا لافعتين ضخمتين يضعهماعلى كتفيه ويقدم لهما كل يوم دماغ
شابين من المساكين لتاكلاه ، وكان للضحاك
وزيرا عطوفارحيما يرأف بهؤلاء المساكين فارتاى ان
يقدم مخ شاب يقتله مع دماغ شاة او
اي حيوان اخر في سبيل انقاذ شاب مسكين من القتل ، ويدفع من نجا من هذه المذبحة الى
اقاصي الجبال لينجو بنفسه وهكذا تكاثر هؤلاء الشباب في الجبال حتى كونوا مجتمعا وليصبحوا فيما بعد اصلا للسلالة
الكردية !!.
ان في مثل هذه الاساطير الشعبية الكردية التي لم تزل تحكى للاطفال داخل
الاسرةالكردية قبل النوم وفي اوقات الفراغ والفكاهة الاجتماعية في داخلهامن
المعاني الاجتماعيةالشيئ الكثيرالذي ربما يشرح ويفسر الغامض من الظواهرالفكرية
والنفسية الروحية والسلوكية الاجتماعية التي لم تزل حتى اليوم هي بحاجةالى
معرفةوادراك خلفياتهاوقواعدها وجذورها التاريخية والحديثة !.
ولهذا يمكن ان نثير ، او نسلط الاضواء على زاويتين لهذه الاساطير الثلاثة :
الاولى: هي زاوية ماهية الاسطورة السليمانية في اصل الكرد؟ وكيف ، ومن
اين دخلت تاريخيا هذه الاسطورة (( اليهودية )) الى الجغرافية المجتمعية
الكردستانية ؟.
الثانية:ماهية تنوع هذه الاسطرة الشعبية لتاريخ اصل الكرد؟ وتنوعها
بين ماهو ديني سليماني واخر سياسي طاغوتي ملكي (للضحاك) ؟.
في الحقيقة بالنسبة للزاوية الاولى فمعروف على الصعيد التاريخي ان ((
اليهودية )) وبكل ما لها من اسطرة
انثربولوجيه لم تكن بعيدة عن تاريخ الجغرافية ( الاجتماعية العراقية الحضارية
التاريخية) بصورة عامة والجغرافية الاجتماعيةالكردستانية العراقية بصورة خاصة فمنذ
السبي البابلي الاول لليهود( تقريبا 697 ق
م ) وتشتت مملكة سليمان النبي ( بعد 931 ق
م ) ، وحتى اليوم كان الفضاء الاسطوري الديني
اليهودي باسطا جناحيه على هذه
الجغرافية العراقية ، ويعتقد انه من بابل (الاشورية انذاك) صعدت اليهودية بثقافتهاالدينية ويهودها شمالا
الى كردستان حتى وصولهم الى القفقاس وما بعد ذالك !.
ويذكرتاريخيا ان اليهود الهاربين من القمع الرومي المسيحي الوسيط استطاعوا ، ومن خلال ايمان احد ملوك الخزر باليهودية اقامة
مملكة يهودية ( 740 م) فيما بين القوقاز والفولجا وكانت مملكة قوية وتلعب دورا
حيويا ، وقويا بين المسلمين انذاك والبيزنطيين
( راجع : القبيلة الثالثة عشر ويهود اليوم : لارثر كيستلر . ، ومملكة الخزر
اليهودية / محمد عبد الشافي ) !!.
وحتى مطالع العصرالحديث بقيت اليهوديةبثقافتها ومخيالها السليماني
السحري ، وخاصة في شمال العراق لاعبا سياسيا ، واقتصاديا وثقافيا رئيسيافي جبال
هذه الجغرافية الوعرة((طالع :يهود كردستان / ايريك بروار – رافائيل باتاي /
مجلدان، دراسة لاحقت يهود الشمال العراقي حتى عام 1951م ابان هجرة اليهود من
العراق )) !.
ومن هذا فنحن نعتقد : ان الاسطورة السليمانية، التي تتحدث عن الجنّ
كآباء سلاليين اسطوريين للكردهي في الحقيقة اسطورةكانت من خلق وابداع العقل
اليهودي الكردي ، الذي استوطن هذه
الجغرافية الجبلية منذ الاف السنين ، وساهم
وبشكل مباشر في صناعة المخيال الكردي بصورة عامة ، والمخيال الكردي العراقي بصورة خاصة لاسيما في
موضوعة اصل الكرد قبل ان يتلاقفها ((
الاسرائيليات )) المؤرخون العرب ، كالمسعودي
وغيره ، ليطرحوها على اساس انها من ضمن
الانثربولوجيا الشعبية الكردية ، التي تتحدث عن تاريخ واصل نشأتهم الكردية !!.
اما فيما يتعلق بالزاوية والجانب الاخر من الاسطورة ، والتي تتحدث عن
الجانب (( السياسي لاسطورة اصل الكرد )) وكيفية تكوين النواة الاساس ، لصناعة
المجتمع الكردي ، ففي ثنايا هذه الاسطورة يطالعنا ذالك الهاجس والدرس التاريخي
البليغ والعميق لفهم ((المخيلة الجبلية الكردية )) التي تتوجس خيفة من فكرة ((
السلطة المركزية بسلطانها الذي يحاول سلب حرية مواطنيه ، ومن ثم الاقتيات والعيش
على اكل جماجمهم او اطعامها الى افاعيه المرعبة )) !!.
انه ليس عبثا (في الواقع ) ان تتحدث الاسطورة الكردية السياسية عن سبب
نشأتهم وارجاع اصولهم السلاليةالى تلك الاسطورة التي تصور كل ما له علاقة ( بحاكم
يعبث بجماجم شعبه من جهة ، وبشعب التجأ الى الجبال حفاظا على حياته من طاغوت
الحاكم والسلطة الجائرة من جانب اخر )) !!.
ولعل هذه الصورة الاسطورية ل( نشأة واصل المجتمع الكردي ) هي القادرة
وحدها ، او التي ستعيننا فيما بعد على تفسير ظاهرة ( النفور
السياسي الطبيعي ) لدى كرد الجبل ، وحتى
اليوم من اي فكرة داعية للخضوع (( للدولة ، ومركزيتها ، او لسلطتها الادارية او القانونية
او السياسية او ......)) باعتباران المخيال الكردي الاجتماعي السياسي لم يزل يخضع
ل (سطوة اسطورة الحاكم) الذي لايتعامل مع الكرد اليوم الا بالكيفية التي تعامل بها
مع اجدادهم عندما كان يصنع من جماجمهم طعاما لافاعيه السياسية المرعبة !!.
_______________________ راسلنا على :
مدونتي فيها المزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
HTML