(( 13))
قبل ان ابدأ بطرح هذا القسم الخامس في سوسيولوجياالمجتمع الكردي
العراقي تنازعتني في الحقيقة اولويتان في هذا القسم :
الاولى : اولوية طرح فكرة
الدولة في السوسيولوجيا الكردية العراقية الحديثة ولماذية عدم قيامها كرديا
تاريخيا وحتى اليوم ؟ .
الثانية:هي اولوية طرح التراتبية الاجتماعية قبل طرح ظاهرة الدولة داخل تاريخانية الاجتماع الكردي العراقي الحديث !!.
اما لماذا هذا النزاع بين طرح
المحورين واولوية احدهماعلى الاخر فلاسباب
من اهمها :
ان معظم السوسيولوجيين الكردعلى الخصوص في العصرالحديث قد
تناولوا(ظاهرة غياب الدولة تاريخيا داخل المجتمعية الكردية)ودرسوا وبحثوا في
ماهيتها (الفكرية ، والسياسية ، والاجتماعية
) قبل تناولهم للتراتبية وللتقسيمات الاجتماعية الكردية وتنظيمها الى((قبلية
اقطاعية وفلاحية رعوية وموظفين مدنيين)) باعتبار ان معظم السوسيولوجيين الكردالمحدثين
كانوا ولم يزالوا يرون : (( ان غياب ظاهرة الدولة من الوجودالمجتمعي الكردي تاريخيا
، وحتى اليوم كان سببه سياسيا اكثر منه اجتماعيا )) !.
اما نحن فرؤيتنا مختلفة تماما في تحليل وتاويل وتفسير ظاهرة غياب (الدولة المستقلة
للكرد) داخل تاريخ وحاضر هذه المجتمعية الانسانية / سنتناول الاشكالية بشكل موسع في قسم ظاهرة الدولة / باعتبار ان اسباب هذه الظاهرة( وجهة نظرنا
الاجتماعية)هي جغرافية اجتماعية بالاساس ، وليست سياسية ، كما يطرحه الكثير من
قادة الفكر الكردي الحديث لاسيما الاجتماعي والسياسي منهم !!.
ولهذا كانت اولويتنا في تناول الموضوع تقدم دراسة وبحث التراتبية الاجتماعية الكردية على موضوع
وتناول ظاهرة الدولة داخل تاريخ وحاضر
المجتمعية الكردية الى اليوم من منطلق تقديم اسباب وعوامل الظاهرة ، قبل تناول
الظاهرة نفسها منفصلة ، او متقدمة على
اسبابها الواقعية !.
فمثل هذا التناول الذي ننتهجه هوالاقرب الى روح علم الاجتماع اولا وهو الاقدرعلى اي
حال على اعطاء رؤية علمية منسقة وغيرمرتبكة او مشوشة او مؤخرة ومقدمة في موضوع
المجتمع وظواهره العامة بما في ذالك ظاهرة
الدولة ، باعتبارها من اهم الظواهر
الاجتماعية التاريخية وحتى اليوم !!.
(( 14 ))
نعم هناك ايضا ملاحظة (منهجية علمية مهمة في تناول علم الاجتماع الحديث
لهيئة المجتمع ) لا بد من الاشارة اليها ، قبل تناول التراتبية الاجتماعية الكردية
العراقية الحديثة الا وهي :
اننا سوف نستخدم مصطلح : (( التراتبية الاجتماعية )) عند اي تقسيم
اجتماعي سنتحدث عنه ، او سنتناوله في دراساتنا
وبحوثنا لاي دائرة اجتماع قائمة داخل المجتمعية العراقية الحديثة وهذابدوره
سيبعدنا عن استخدام مصطلحات من قبيل ((الطبقية او الطبقات الاجتماعية )) في تناولنا
بحثيا وتنظيمنا وتقسيمنا لتراتبية هذا او ذاك المجتمع !!.
اما لماذا هذا الاجراء فهو لاسباب علمية منهجية منها :
اولا : ان مصطلح الطبقية او الطبقات هو من مخترعات او تنظيرات المدرسة
الايدلوجية السياسية الماركسية ، التي
حاولت تقسيم المجتمع ( لا على اساسه الواقعي القائم ، وانما على اساسه الايدلوجي
السياسي المفترض )، الذي ينخرط هو بدوره ( المجتمع وحركته ) داخل اطار الرؤية
الايدلوجية الماركسية الشاملة الفلسفية والتاريخية والاقتصادية و .......الخ ،
لتفضي في النهاية الى فكرة صراع الطبقات الاجتماعية الحتمي باعتباره قانون الحركة
الديالكتيكية التاريخية الشاملة في الفكر الماركسي الحديث !!.
اما مصطلح ( التراتبية الاجتماعية ) فهو المصطلح الاقرب لتنظيرات علم
الاجتماع الحديث، وهوالالصق بمفردات منهجية هذا العلم البعيدة عن الافكار
الايدلوجية المسبقةعلى دراسة الواقع كما هو قائم والبعيدة عن التاطيرالسياسي الذي
يحاول ان يرى المجتمع بما ينبغي ان يكون عليه وليس كما هو قائم !.
ثانيا : ان مفهوم الطبقية والطبقات
في الفكر الغربي على التحديد قبل ان يصبح مصطلحا مستخدما في الفكر العربي ،
والاسلامي والشرقي بصورة عامة قدحددمفهومه وتوجهات حركته الاجتماعية على اساس انه
(( طبقيه يصنعها الوضع الاقتصادي بالخصوص وتأخذ موضعها الاجتماعي ، والايدلوجي والحركي
من خلال هذه الصناعة )) ولهذا قسمت المجتمعات الانسانية ، حسب الترتيب والتقسيم الماركسي الى
(( طبقة بروليتارية عمالية )) واخرى ((راسمالية )) مهيمنه ثم سلط الضوء بعد ذالك ، بكثافة على الطبقة
البروليتارية داخل المصانع وما احدثته القفزة الاقتصادية الصناعية الحديثة في العالم الاجتماعي من متغيرات !!.
اما اذا اردنا نحن هنا ان ندرس، ونبحث في المجتمع الكردي العراقي الذي
عاش (كما سنبينه) لاكثر من الاف السنين باعتبار القسم الاعظم منه مجتمع متحرك (غير
مستقر مرتحل)، والقسم الاخر منه لم يغادر النظام القبلي القروي حتى العصر الحديث
فمن الصعب عندئذ التحدث عن طبقية اجتماعية عمالية ، او اسقاط هذه المفاهيم الطبقية
الصناعية على مجتمع الزراعة والرعي فحسب !.
نعم لازمت المجتمعيةالكردية العراقيةبصورةخاصة والكردية بصورة عامة
(نظام الاقطاع القبلي)وكان لهذا الاقطاع الدور البارز في حركة الاجتماع الكردي
القديم ، والحديث الا انه نظام يمثل (( عمود الوجود الكردي وليس مفردة من تناقضاته
الطبقية)) لنتمكن من اسقاط مفاهيم الطبقية الاجتماعية عليه !.
وعلى هذا سنتناول تقسيمات/ المجتمع الكردي العراقي الحديث / على اساس
تراتبيته ( التاريخية الطبيعية ) التي انتجت التراتبية الاجتماعية الكردية
العراقية الحديثة حتى اليوم ، وبدون ان نتقيد (برؤية ايدلوجية مسبقة تفترض حتمية
وجودبذرة صراع طبقي اقتصادي حتمي داخل اي
مجتمع قائم ) !.
((15))
تختلف (في الحقيقة ) التراتبية الاجتماعية الكردية العراقية
وتقسيماتها النوعية الحديثة بين ما طرحته اقلام الانثربولوجيين والسوسيولوجيين
المستشرقين سواء كانو شرقيين/روس انذاك/اوغربيين عن التقسيمات والتراتبيات
الاجتماعية الكردية ، التي تطرحها اقلام
السوسيولوجيين الكرد اليوم !.
وماهية هذه الاختلافات تتمحور حول الاتي :
اولا : كان المستشرقون الانثربولوجيون والسوسيولوجيون ك((باسيل نكتين
الروسي في كتابه الكرد ومينورسكي ، والحاكم البريطاني دبليو ارهي في مذكراته وعالم
الاجتماع هلموت كريستوف ووليام هيغلتون في كتابه القبائل الكردية و ...)) ، عندما
يتناولون التراتبية الاجتماعية الكردية ،
فانهم يقسمونها الى قسمين او تراتبيتين رئيسيتين :
الاولى : رتبة الاغاوات القبليون الاقطاعيون .
ثانيا : رتبة الرعاة ، والمزارعون والحرفيون البسطاء .
ولهذا ذكرعالم الاجتماع ( هلموت كريستوف ) التقسيمات الاجتماعية
الكردية على اساس ان ((هناك اربعة نماذج للاكراد 1/رعاة المواشي في الهضبة الكردية
الارمنية العليا ..... 2 / رعاة المواشي في منحدر طوروس الجنوبي . 3، / الاكراد
المحاربون عند مناطق الحدود . 4/ الاكراد
انصاف البدو ./ انظر نكتين : الكرد / الفصل الرابع / ص 57 / تقديم صلاح برواري /
منشورات مجله 1993)).
وهذا نفس ماذكره احمد تاج الدين في كتابه/الكرد تاريخ شعب وقضية وطن/عن
كريستوف/عندما قسم التراتبية الاجتماعي الكردية الى ان :
(الاكراد رعاة المواشي والاكراد المزارعين وهناك المحاربون الذين يعيشون
في المدن ، وعلى المناطق الحدودية ، ويعتمدون في تامين معيشتهم الشخصية احيانا على القتال
والسلب والنهب ../ ص 51).
اما (( دبليو ار هي )) الحاكم البريطاني لاربيل في مذكراته فيبين في تقسيماته للمجتمع الكردي العراقي ما
بعد الاستعمار البريطاني بالقول : (( انه شعب مكون من ثلاث صنوف هي /1 الاغاوات
الصالحون . 2 / الاغاوات الطالحون . 3/ وعامة القوم / انظر احمد محمود الخليل /
الشخصية الكردية / ص 211)) .
ثانيا : اما ما طرحه ، ويطرحه
السوسيولوجيين الكرد اليوم للتراتبية
الاجتماعية الكردية بصورة عامة ، فيغلب عليها (( التقسيم الثلاثي او الرباعي )) الابعاد
الاجتماعية الذي ياخذ الشكل التالي :
1: ابناء المدن من الطبقة المتوسطة مثقفين وموظفين .
2 : ابناء العشائر قاطنوا القرى والجبال .
3 : الرؤساء والامراء والاغوات والبكوات والكوخات . / انظر احمد تاج
الدين : الاكراد تاريخ شعب وقضية وطن / ص 52 .
وهكذا الخليل في كتابه (الشخصية الكردية)وهو كردي سوري انتخب
التراتبية الطبقية لتقسيمات المجتمعية الكردية الحديثة ، ليصنفها على الاساس الفئوي التالي :
اولا : فئة الرعاة الريفيين / القسم الاعظم .
ثانيا : فئة التجار والحرفيين / الاكثر تواجدا في المدن .
ثالثا : فئة المثقفين / علماء دين وموظفين .
رابعا:فئة الاقطاع/ الاغاوات اصحاب السلطة والمال/راجع الشخصية
الكردية / د احمد محمود الخليل / دار موكرياني للبحوث ط اولى ص 210 .
والحقيقة ان الاختلافات النوعيةبين التراتبيةالبحثيةالاولى للمستشرقين
والتراتبية الثانية ، للسوسيولوجيين الكرد
المعاصرين هي : في اظافة عنصر((التجار والتجارة وفئة المثقفين والموظفين)) وهذا
امر طبيعي من جهة وفيه دلالة اجتماعية من جانب اخر !.
اولا : اما الطبيعي فلكون عصر المستشرقين والباحثين في المجتمعية الكردية
كان معظمه دارسا للمجتمعية الكردية قبل قيام الدول الحديثة او ابانها وفي هذا
العصرلم تزل المنطقة الجبلية الكردية برمتها تعيش الحالة الرعوية تماما التي ينفقد
فيها عنصرالاستقرار اوعنصر تكوين المدن وغياب الدولةوالسلطة من وجود وحياة الانسان
الجبلي الكردي ولهذا لا يمكن الحديث عن تقسيمات اجتماعية كردية
قائمة الا على اساسهاالواقعي الذي
يصنف المجتمع انذاك ((الى زعماءقبائل واقطاع من جهة وفلاحون وقبليون رحل من جانب اخر )) !.
صحيح قبل قيام دول المنطقة الحديثة بعد الحرب العالمية الاولى كان هناك ما يسمى
بالخلافة العثمانية ، باسطة هيمنتها على جغرافيا الجبل الكردستانية من العراق حتى
حدود ايران الى ارمينيا الى القفقاس الى تركياالى سوريا لكن لايمكن النظر الى هذه
الهيمنة السلطوية العثمانية المنتمية للقرون الوسطى على اساس انها(نظام دولة حديث)
قد اثرفي صناعة المجتمع الكردي ، وتطويره
كما حصل فعليا في اطر الدولة الحديثة فيما بعد اسقاط تلك الخلافة !!.
وعليه يمكن الحديث عن اقليم جغرافي جبلي بطبيعته ترك اهمل على فطرته
الطبيعية لحقب ممتدة لالاف السنين ، انفقدت منه اطر السلطة المركزية للدول داخل هذه
الجغرافية تاريخيا وحتى قيام الدول الحديثة مما اثر على نموه وتطوره وبقاءه على
فطرته الطبيعية !.
ثانيا : اما الدلالة فهي كون
الذين تحدثواعن (فئة مثقفين وتجار مدن)
داخل التراتبية الاجتماعية الكردية ، بصورة عامة (( مع الاسف )) لم يتحدثواعن
التطورات المجتمعية الكردية لاسيما العراقية الذي احدثته قيام الدولة الحديثة في
هذه المنطقة والجغرافية، وكيف انها استطاعت ( الدولة الحديثة بحدودها السياسية ) تثبيت دعائم الاستقرار النسبي الذي
ساهم بخلق (( الطبقة المثقفة من جهة ، وتجار المدينة من جانب اخر )) في المجتمعية
الكردية العراقية !.
والواقع ان ظاهرة فئة (المثقفين الموظفين وظاهرة التجارة والراسمال
المستقر ) هذه من اهم الظواهر التي تولد بين احضان النظم السياسية المركزية التي
تسمى ب(( الدولة )) من منطلق انه لولا وجود الدولة وتخطيطهامن ثم بسط النظام على المجتمع
وفض نزاعاته الاجتماعية بالطرق القانونية الحديثة فلا يمكن الحديث عن طبقات او
فئات مثقفة وفكرية من جانب او الحديث عن تجارة وتداول وسلع واسواق و .... من جانب
اخر ،فكل هذه الظواهر الفكرية والتنظيمية وكذا الاقتصادية مرتبطة تمامابظاهرة
الدولة او السلطة المركزية التي تقوم على ادارة المجتمع بشكل مختلف تماماعن نظام
الاقطاع والقبيلةالذي يساهم اكثر فاكثربتشتت قوى المجتمع واضعاف روح الاستقرار
والابداع والثقافة والفن و ....الخ !.
فدلالة الحديث عن فئات مثقفة داخل الاجتماع الكردي العراقي لايمكن
الاشارة اليها بعيداعن(ظاهرة الدولة العراقية الحديثة) بصورة خاصة وظاهرة دول
المنطقة ( ايرانية تركية سورية.. ) بصورة عامة ، وكذا ظاهرة التجارة والسوق وما
يحدثه هذا السوق من مدينيه لايمكن ايضا الحديث عنه بدون قيام سلطةالسوق اولامن
جهةوسلطة الدولة المديرة والمشرفة ثانيا !.
فالتراتبية الاجتماعية الكردية العراقيةعلى هذه الرؤية صناعة لدفعتين
تاريخيتين مختلفتين ، لايمكن دراسة الاجتماع الكردي بدون اخذهما بنظر الاعتبار :
الاولى : وهي الدفعة التاريخية
الكلاسيكية والممثلة بالقبلية الرعوية والاقطاعية الزراعية بنظامها
الذي استمر لاكثرمن ثلاثين قرنا والذي لم يزل مستمرابتاثيراته الاجتماعيةحتى اليوم
سياسياوفكريا واقتصاديا وتراثيا وفنيا و....الخ على المجتمع الكردي العراقي
بالخصوص .
الثانية : وهي الدفعة التاريخية الحديثة التي لايتجاوزعمرها العقود من
الحياة بعد قيام الدولة العراقية الحديثة وما احدثته هذه الحقبة القصيرة من
تاثيرات فكريةواقتصاديةواجتماعيةعلى المجتمع الكردي العراقي بكل ظواهره الفكرية ((
فئة المثقفين والموظفين )) والسياسية (( فئة الاقطاعيين الذي تطورت لديهم فكرة
الدولة والسلطة )) والاقتصادية (( فئة التجار وسوق الراسمال والاستيطان في المدن الكبيرة وظمور ظاهرة
الترحل بشكل كبير )) والاجتماعية ميل الاسرة للهدوء والتمتع بترف الحياة وهدوئها
!!.
_______________________ راسلنا
على :
مدونتي فيها المزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
HTML