مدونة فكرية سياسية واجتماعية تحاول أثارة العقل العراقي والعربي والاسلامي للتفكير المتطلع لبناء المستقبل من خلال رؤية لاتهمل التاريخ والحاضر !.
الجمعة، سبتمبر 23، 2011
(( من التمهيد الفلسفي لفكر محمد باقر الصدر )) حميد الشاكر
القارئ لكتاب ( فلسفتنا ) للسيد محمد باقر الصدر رحمة الله عليه لابد وان يلفت نظره وهو يستعد لسبر اغوار نظرية الصدر المعرفية ، والعالمية في هذا الكتاب ذالك التمهيد ، الذي وضعه الامام الصدر في بداية كتابه ليكون مدخلا من خلاله يطرح الصدر فيما بعد فكره الفلسفي والاسلامي في نظرية المعرفة والعالم !!.
والحقيقة انا احد الذين تكررت لديهم متعة المطالعة ، لهذا السفر الفلسفي الكبير الذي الفه السيد الامام الصدر (قدس) ليطرح من خلاله رؤية الاسلام الفلسفية في اهم مفصلين فكريين من مفاصل الفلسفة الانسانية ، الا وهما :
اولا : مفصل نظرية المعرفة وقيمتها الواقعية من جهة .
وثانيا : مفصل المفهوم الفلسفي للعالم من جانب آخر .
وانا ايضا حقيقة ممن لفت نظره وهويبدأ تصفح الكتاب ذالك التمهيد الذي صدّره الامام الفيلسوف لكتابه ( فلسفتنا ) بشكل يوحي ان الكتاب مكون من ثلاث بحوث على الحقيقة ، وليس من بحثين وتمهيدا ، كما ذكره الامام نفسه في مقدمة كتابه المذكور عندما قال (( فلسفتنا هو مجموعة مفاهيمنا الاساسية عن العالم وطريقة التفكير فيه . ولهذا كان الكتاب – باستثناء التمهيد – ينقسم الى بحثين : احدهما نظرية المعرفة ، والاخر المفهوم الفلسفي للعالم )).
لكن الامام الصدر وعلى غير مألوف المقدمات لمثل هكذا بحوث فلسفية لم يكتفي بالتنويه فحسب ، لصلب بحوثه الفلسفية في نظرية المعرفة ، والمفهوم الفلسفي للعالم لتكون من ثم هي التمهيدوالمدخل لكتابه الفلسفي الكبير بل آثر طرحُ تمهيدٍ ناقش فيه فكرة ((النظام الاجتماعي الاصلح للانسانية)) مما جعلني وغيري ربما الكثيريستوقفه هذا التمهيد الصدري المختلف عن موضوعه ( لان الموضوع كان فلسفتنا في نظرية المعرفة والعالم ، بينما كان التمهيد مرتبطا بالنظام الاجتماعي الامثل الذي يدخل في اطار او يقترب من بحوث علم الاجتماع اكثر من دخوله في الفلسفة حسب التقسيمات الحديثة للعلوم الانسانية ) والذي يبدو ان الامام الصدر كان واعيا تماما لوضعه كتمهيد لرؤيته الفلسفية اولا وللرؤية الاسلامية في هذا الاطار ثانيا ، ومن بعد ذاك ليرغمنا على ان نسأل ، ومنذ بداية التمهيد في كتاب فلسفتنا ب :
ماهي الغاية والهدف الذي دفع بالامام الصدر كي يرى ضرورة ان يطرح تمهيدا من هكذا نوع فكري يتصل بالنظام الاجتماعي للبشر ، مع ان بحوثه كانت تصب في الاطار الفلسفي والنظري للعالم لهذين الموضوعين لاغير ؟.
وهل كان الصدر محمد باقر ومن خلال رؤيته الفلسفية والفكرية على الخصوص يرى ان فكرة وبحوث النظام الاجتماعي العقدي والسياسي والاقتصادي ..... هي فكرةلاتنفصل بحال من الاحوال عن الفكرالفلسفي للمعرفة والعالم وحاله في ذالك حال الفلاسفة اليونان ، الذين كانوا يدرسون الفلسفة من ضمن السياسة ونظامها الامثل ولهذا مهد الصدر للفلسفة ببحث النظام الاجتماعي الاصلح للانسانية ؟.
أم ان الصدر(قدس سره الشريف)ارتأى أن لاتكون بحوثه الفلسفيةبحوثا تجريدية نظرية بعيدة عن المساس بالواقع الاجتماعي المباشر ، ولذا هو اراد ومنذ البداية ان يكون واضحا في مشروعه الفلسفي في : ان الفلسفة ، ومشروعها هي جزء لايتجزأ او لاينبغي ان يتجزأعن مشروع النظام الاجتماعي الانساني المباشر الذي يلامس بعمق حياة الناس ، وهمومهم اليومية ، وتطلعاتهم المستقبلية ومعاناتهم البشرية ...الخ ولهذا جاء التمهيد الذي يطرح النظام الاجتماعي الاصلح للبشرية ضروريا في فكرالصدرومقدماته الفلسفية كي يكون هو التمهيد الواقعي والحقيقي لفهم الغايةوالغرض من الفلسفةومشروعها النظري الكبيروان هناك صلة وتكامل ما بين الفلسفة ونظام المجتمع الانساني ؟.
الواقع انا من وجهة نظري الشخصية وجوابا على مثل هكذا اسألة ارى ان الامام الصدر هو :
اولا : كان واعيا تماما ان موضوع النظام الاجتماعي وعلومه الانسانية ، مختلف من حيث الموضوع في العصرالحديث عن موضوع الفلسفة وموادها ومواضيعها البحثية لكن امثال الصدروباعتبار امتلاكه لفكر فلسفي يتمردعلى قيود التقسيمات العلمية الحديثة المتحجرة كان لايمكن له الا التمرد على هذه القيود العصرية التي تقسم العلوم الانسانية من جهةوتفصل عرى التكامل بين هذه العلوم الانسانية من جانب اخر ، ولهذا لايمكن لمفكر كالصدر يريد ان يتناول البحث الفلسفي بصورة مفكره ومتكاملة وانسانية اجتماعية ان يكون بعيدا عن التفكيربصلة هذه الفلسفة بحياة الانسان ونظامه الاجتماعي !!.
ثانيا: السيد الصدر من وجهة نظرالكثير ممن كتب عنه وعن فكره كان ولم يزل من المفكرين القلائل في هذا العالم ، الذي كان يرى انه لاينبغي ان يكون علما او فكرا او فلسفة في هذه الحياة بعيدة ، او منفصلة عن الانسان وحركته وهمومه وتطلعاته والآمه ...البشرية في هذه الحياة وهذا الكون ولهذا يبدو لي ولغيري ايضاممن قرأ السيدالصدر فكرا ومفكرا ومن خلال ما لمسته على الاقل لفكرالامام الصدر (قدس) بشكل شخصي انه نوع فكري يحاول دائما ان يكون وفي اي مجال من مجالات العلوم البشرية ملتفتا بقوة لشأن الانسان وسعادته او شقاءه باعتبار ان الاستقراء تقريبا ، ولكل فكر محمد باقر الصدر ، وعلى تنوعه الكبيرفي الفقه والاصول وفي التفسير وفي الفلسفة وفي الاقتصاد والمجتمع ....الخ لايخلو فكر الصدر دائما من تمهيد ومقدمة تتناول الانسان ونظامه وفكره الاجتماعي في كل مؤلفات السيد الصدر المتنوعة وحتى ان كانت مؤلفات بطبيعتها المنهجية بعيدة عن الخوض في غمار الانسان ونظامه الاجتماعي الافضل والاصلح ، لكننا نجد للسيد الصدر منهجه الخاص في هذا السبيل الذي يتمرد على التقليدية ليدخل كل ماهو اجتماعي انساني في كل ماهو علمي ومنهجي ومتخصص في جانب معين من هذه الانسانية ، وهذا ماحصل مثلا في رسالة الامام الصدر العملية في الفتيا المسماة (( الفتاوي الواضحة )) التي جرى العرف التقليدي في زمن معينة من خلوها من كل تمهيد ومقدمات فكرية او اجتماعية ، لكن الصدر وحده وفي احلك الظروف قسوة ، وبعدا عن الانسان ونظامه الاجتماعي ، والفكري طرح رسالته العمليةبتمهيد مختلف تمامافي موجز للاصول الدينية التي من خلالها بحث الصدر فكرة المُرسل والرسول والرسالة ، وليتحدث فيها عن معتقد الانسان وصلته بالله ورسالته ومشروعه ونظامه الذي ينبغي ان يسير فيه في هذه الحياة !!.
وهكذا هنا في كتاب فلسفتنا الذي مهد فيه السيدالصدر لفلسفته المعرفية والكونية برؤية اجتماعيةوسياسية خالصةتبدأ بالانسان ونظامه الاجتماعي الافضل وتنتهي عند نفس هذا الانسان وهمومه والآمه وتطلعاته ، التي سيطرت على فكر الامام محمد باقر الصدر اينما التفت وفي اي اتجاه كتب !!.
نعم لم يكن تمهيد الامام الصدرلفلسفته اعتباطيا عندما كتب عن النظام الاجتماعي الاصلح لهذه الانسانيةالمعذبة في هذاالعالم وليجعله من ثم منصةلتحليقه الفلسفي والفكري في موضوعة نظرية المعرفة ، والمفهوم الفلسفي للعالم والكون والحياة وكذا لم يكن تمهيدالامام الصدر لكتابه فلسفتنا ، وهو يكتب عن النظام الاجتماعي غيرمثيرا لاكثرمن سؤال يردفه اخرفي العمق وفي التحليل وملاحقة كل مايطرحه هذا الفيلسوف المهموم بقضايا البشرية من البداية ، وحتى والنهاية !!.
والحق انه كما شدّنا الامام الصدر في تمهيده للسؤال حول : لماذية تمهيد الصدر لفلسفته بموضوعة النظام الاجتماعي ؟.
فانه كذالك (قدس) مرة اخرى يشدنابفكره التكاملي والشامل حول مضمون سؤاله الذي ابتدأ به تمهيده حول النظام الاجتماعي الافضل لنسأل نحن بدورنا ليس عن ماهية موضوع النظام الاجتماعي ودخوله على البحث الفلسفي في فكر الصدر ؟، بل هذه المرّة يدخلنا فكر الصدرالفلسفي والفكري والاجتماعي في رحاب مضمون سؤال الصدر نفسه في التمهيد لنسأل :
ما الذي حاول الفيلسوف الصدر ان يطرحه في تمهيده ، عندما ابتدأ هذا التمهيد بسؤال : ماهو النظام الذي يصلح للأنسانية وتسعد به في حياتها الاجتماعية ؟.
ولماذا كان ينظر الامام الصدر الى ان مشكلة العالم التي تملأ فكر الانسانية اليوم وتمس واقعها بالصميم هي مشكلة النظام الاجتماعي ؟.
وهل فعلا ان النظام الاجتماعي هواكبر واخطر مشكلةواجهة البشرية في العصر الحديث ؟.
أم ان هذا النظام الاجتماعي ، هو مجرد حلقة في سلسلة طويلة الذيل من مشاكل العالم والبشرية في عصرنا المعاش ؟.
اخيرا: لماذا كان يطرح الامام الصدر في تمهيده النظام الاسلامي على اساس انه النظام الاصلح لادارة هذه البشرية المعذبةبين سندان النظام الاشتراكي الماركسي المادي آنذاك، وبين مطرقة النظام الراسمالي الديمقراطي المستغلّ والجشع ؟.
وكيف استطاع الامام الصدر تشخيص علل كلا النظامين المادي الماركس ، وكذا الراسمالي الديمقراطي المستغلّ بحيث انه وصل الى نتيجةعدم قدرة كلا النظامين على توفير السعادة والصلاح لهذه البشرية ؟.
طبعا للجواب على مثل هكذا اسألة يطرحها الصدرقدس في تمهيده الفلسفي ، لابد ان نستوحي في جوابها روح فكر الصدر الاسلامي والفلسفي ونحن نحاول قراءة فكر السيد الصدر العالمي ، وعلى هذا الاساس لابد ان نقرر ومن البداية :
ان مشكلة النظام الاجتماعي الاصلح للبشرية التي طرحها السيد الصدر قدس في تمهيده الفلسفي هي ليس في واقعها اشكالية عصرية للانسان الحديث فحسب بل هي اشكالية انسانيةعاصرت حركة هذا الانسان (حسب الرؤية الاسلامية العامة ) منذ بداية مسيرته الانسانية وحتى الان وهذا يبدوجليا من قراءتنا للفكر الاسلامي والقرآني الذي يؤكد على حقيقة حاجة الانسان الازلية ( لنظام اجتماعي ) يهيئ له الطريق لبناء حياة اسعد وافضل واصلح !.
أما ماهو هذا النظام الاجتماعي ؟.
وماهي لبنات مركباته الايدلوجية والسياسية والاجتماعية ؟.
وكيف نظر الاسلام نفسه لتركيبة هذا النظام ؟.
وعلى اي اساس طرح الاسلام نظامه الاجتماعي الامثل والاصلح للبشرية والقائم على بعدي التشريع كقانون وفكر وعقيدة وتنظير ...وبعد التنفيذ كقيادة وقيمومة وسلطة وحكومة ؟..... الخ !.
فكل هذه اسألة تنطوي تحت سؤال الامام الصدر رضي الله عنه في اول سطر من تمهيده الفلسفي الذي سأل فيه : ماهو النظام الذي يصلح للإنسانية وتسعد به في حياتها الاجتماعية ؟.
http://7araa.blogspot.com/
alshakerr@yahoo.com
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)