كذبة علم الاجتماع العراقي ومؤسسه علي الوردي / القسم التاسع
حميد الشاكر
ليس من السهل ادراك وتحليل وبحث المواقف السياسية والايدلوجية للمرحوم علي الوردي في تاريخ العراق الحديث !!.
كما انه ليس بالامرالهيّن ان يستبين احدنا حقيقة مواقف المرحوم الوردي السياسية وهل هي بالتحديد كانت مواقفا جماهيرية شعبية اجتماعية او طبقية ، ومع العراقيين المحرومين ، وبجانب مصالحهم الحقيقية ضد ممارسات الحكم التعسفية وادواته الدكتاتورية في العراق انذاك ؟.
ام ان مواقف المرحوم علي حسين الوردي السياسية كانت تقف الى جانب خطط ومناورات ومؤامرات الساسة واصحاب الحكم ضد الشعب العراقي ومصالحه وارادته وتطلعاته... الخ في هذا البلد الذي ابتلي بفساد ودكتاتورية قادة الحكم في عراقه القديم والحديث من جهة وفساد وتغريب وغيبوبة مثقفيه ومفكريه وانصاف متعلميه من جانب آخر ؟؟.
والحقيقة قبل الاجابة على هكذا اسئلة تختص بتوجهات علي الوردي الايدلوجية السياسية نحن ملزمون ان نجيب (قبل ذالك) على ماهية سؤال يستبطن بداخله عدة محاورفكرية اساسية توضح من جانب لماذية البحث في التوجهات السياسية للمفكرين والعلماء والباحثين والمثقفين بصورة عامة ؟.
ولتوضح من جانب آخر ايضا اننا هنا بصدد بحث علمي وفكري بالدرجة الاساس ، وليس بصدد بحث او نقد يحاول محاكمة الانتماءات السياسية للمرحوم الورد ويتخذ المواقف العلمية والفكرية على اساس ذالك !!.
والسؤال هو :
لماذا ينبغي علينا ملاحقة وبحث ومعرفة التوجهات والانتماءات والولاءات السياسية الايدلوجية ، لأي مفكر او مثقف او عالم في القديم من تاريخ العراق او العالم او في الحديث الجديد من تاريخ هذا الوطن العزيز اساسا ؟؟.
طبعا معروف على هذا الصعيد ان الانتماءات (الايدلوجية السياسية) لاي انسان منا بغض النظر عن صفته العلمية او الفكرية او الثقافية بصورة عامة بانها ليست بالامر الهامشي او العارض في تركيبة الانسان الفكرية اوالعلمية او الفلسفية او العقدية او الاجتماعية .... او حتى النفسية الفردية السلوكية !!.
بل ما زالت ولم تزل الانتماءات الايدلوجية السياسية تُعتبر من الاركان الاساسية في :
اولا : بناء الشخصية الفكرية والسلوكية الانسانية .
وثانيا : تحديد ملامح هذه الشخصية و(توجهاتها الفكرية) الفردية الخاصة والتربوية الاجتماعية العامة في هذه الحياة .
وعلى هذا الاساس كان البحث والتنقيب عن الانتماءات والميول السياسية للمفكرين والمثقفين والعلماء واصحاب الشأن العام وادراك وفهم توجهاتهم السياسية والايدلوجية من العوامل المساعدة كثيرا في فهم ، ووعي مسارات المنتوج الفكري والعلمي لهذا المفكر او ذاك العالم من جهة ومسارات السلوك والمماسة في هذه الحياة لهذا المفكر او ذاك من جانب آخر وهذا اولا .
اما ثانيا : فينبغي هنا الاشارة الى ان الانتماءات السياسية الايدلوجية لاي انسان مدني في هذه الحياة الانسانية وبالاخص ما يتعلق باصحاب الفكر والعلم والثقافة ... فانه يعتبر ومما لاريب فيه حق من الحقوق الانسانية الفطرية والطبيعية والصناعية الاجتماعية التي لاينبغي ابدا انتزاعها او مصادرتها من اي انسان في هذه الحياة وهذا فضلاعن كون الانتماء السياسي ايضا يُعدّ من جانب آخر من اهم الميزات الحضارية الانسانية لاي مجتمع بشري ومدني متنوع ومتزاحم ومتداخل ومتطور في هذه الحياة الدنيا !!.
وكون فلان المفكر او ذاك المثقف له توجه وانتماء سياسي لهذا الاتجاه او تلك المدرسة الايدلوجية فلاشك ان هذا يعتبر من الشؤون الطبيعية الانسانية ، التي لاتعاب على رجل الفكر والثقافة في الماضي وحتى عصرنا الحاضر بل ويعتبر هكذا انتماء من صميم ماهية المفكر والمثقف التي لاينبغي ان يكون لاحد منا عليها مغمز فكري ، او اي نقد خارج سياقات الفهم الفكري والحقوقي لحق الانتماء السياسي او العقدي او المجتمعي او ....الخ الانساني العام !!.
نعم ما ينبغي ان يُؤاخذ في موضوعة الانتماءات والولاءات الفكرية او السياسية هو محوران :
الاول : هو (عدم التوازن) في هذه الولاءات الطبيعية الفطرية الانسانية ، سواء كانت انتماءات وولاءات عقدية او سياسية او اقتصادية او مجتمعية طبقية او غير طبقية وزحف وطغيان بعض الولاءات على باقي الانتماءات العلمية او الفكرية او العقدية الاخرى بشكل يخلّ بالتوازن الفكري او العلمي او المجتمعي لهذا المثقف او ذالك من بني الفكر البشري !.
والثاني :هو(تعدد او لاتعدد الولاءات والانتماءات السياسية الايدلوجية) بحيث اننا نصادف انسانا يمتلك اكثر من انتماء وولاء سياسي مؤدلج يتضارب بعضه مع البعض الاخر ، او لايمتلك اي مرجعية فكرية ولا رؤية سياسية ولا موقفا اجتماعيا ..... محددا وواضحا يصلح ان يكون مرجعية تحدد من شخصية الانسان الفكرية وبناءه الايدلوجي والعقدي في هذه الحياة ، فمثل هذا الانسان سواء كان على مستوى الفكروالثقافة والعلم اوكان على مستوى البساطة وعدم التعقيد في موقعه الاجتماعي فان كليهما يشكلان عدم توازن بالنسبة لموضوعة الولاءات واشكالياتها البحثية والمعرفية والتحليلية العلمية على السواء !!.
وعلى اساس ضوء رؤيتنا الفكرية هذه يمكننا تناول ماهية مواقف المرحوم علي الوردي الايدلوجية السياسية ومدى علاقتها بفكره الذي اسماه اجتماعيا ونسبه للعلم الاجتماعي الحديث ويمكننا ايضا ان نعي ماهية الكثير الكثير مما كتبه المرحوم علي الوردي رحمه الله ولماذا هو في معظمه يميل للتضارب والتناقض في المواقف السياسية الايدلوجية بالخصوص ونفهم ماهي البداية ولماذا كانت بمثل هذا الكيف للمرحوم الوردي النهاية .....الخ ؟؟.
ولنبدأ من نقطة الشروع الاولى لنجيب على :
اولا : لماذا نتناول بالبحث مواقف المرحوم الوردي السياسية هنا بالتحديد ؟.
وماذا نقصد بمواقف المرحوم علي الوردي السياسية ؟.
وهل نقصد بمواقفه انتماءه الايدلوجي العام لمدرسة فكرية وسياسية معينة ، كأن يكون انتماءه للمدرسة الراسمالية الليبرالية او الشيوعية المادية او القومية .... الخ ؟.
أم نقصد مواقفه السياسية الشخصية المجتمعية العراقية لاغير بعيدا عن الايدلوجيا الفكرية لها ؟.
ثانيا : لماذا وصفنا هذا التوجه للمرحوم علي الوردي السياسي بانه من الصعب ادراكه والبحث فيه ؟.
ومن اين وفي اين تكمن الصعوبة في بحث هذه المواقف السياسية لعلي الورد ؟.
ثالثا : ماهي حقيقة مواقف المرحوم الوردي السياسية ، وكيف لنا ان نفهم اسرار تراكيبها الفكرية السياسية المعقدة ؟.
في معرض الجواب على هذه الاسئلة نقول :
اولا:لانقصد في بحثنا هذا تناول الجانب الايدلوجي (سنتناول الايدلوجية في فكر الوردي لاحقا) لمواقف المرحوم علي الوردي السياسية كما اننا لانريد تكرار ما طرحه قبلنا الجيل السابق ، عندما بحث مواقف علي الوردي الفكرية والسياسية ( بلا رؤية او قراءة شمولية لفكر الوردي ولا قواعد للبحث العلمي) فضاع او(ضيعه المرحوم علي الوردي نفسه) متعمدا في متاهات فكر الوردي الفوضوي ليراه (( جيل مفكري العراق السابقين )) مرّة بانه ينتمي للفكر الشيوعي الماركسي المادي ، واخرى للفكر الراسمالي الليبرالي وثالثة للقومي العروبي .... الخ لنرى في المحصلة المرحوم الوردي مأنوس بهذا الضياع والتخبط الذي دخل فيه منتقدوه ليؤكدوا ما اراده الوردي نفسه انذاك بانه رجل فكر لامنتمي وانه رجل ثقافة محايدة ... والى ما هنالك من خداع ومراوغة في تفسير هذه الظاهرة لمنتقدي الوردي الفكريين !!.
بل نقصد هنا بالتحديد مواقف المرحوم الوردي السياسية الشخصية العراقية المحلية التي تتخذ المواقف إما بجانب السلطات القائمة ب((الدعم الفكري والثقافي)) لها ضد ارادة وتطلعات وامال الشعب العراقي المظلوم ؟.
وإما الى جانب مطالب الشعب وصراعاته مع السلطات القائمة من خلال الفكر والثقافة !!.
ومن هنا كان بحثنا هذا ملاحقا لهذه الزاوية بالتحديد من فكر علي الوردي ومواقفه السياسية الغير معلنة !.
نعم تتناقض مواقف المرحوم الوردي الايدلوجية السياسية اشدّ التناقض ولاسيما فيماطرحه من فكرسياسي في كتبه ومؤلفاته المتنوعة بحيث يحار المتتبع لها في تصنيف ايدلوجية المرحوم علي الوردي والى اي جهة هي تنتمي وكيف لنا ان نفهم هذه التناقضات السياسية لانتماءات الوردي المتناحرة ؟.
ولنضرب لذالك مثلا من تراث المرحوم الوردي الفكري نفسه ليتبين القارئ بعض هذه التناقضات الايدلوجية والكيفية العلمية الصحيحة التي ينبغي توفرها في فهم التوجهات السياسية للمرحوم الوردي !!.
معلوم لقارئ فكر المرحوم الوردي ولاسيما في مؤلفاته التي عاصرت بداية الخمسينات كمؤلف ((مهزلة العقل البشري)) كيف ان المرحوم الوردي في بداية الخمسينات كان داعية ومبشرا لايشق له غبارللراسمالية الفرديةالديمقراطية حتى انه عقد فصلا كاملا في كتاب مهزلة العقل البشري (( الفصل العاشر)) تحت عنوان (( الديمقراطية في الاسلام )) خلاصته : ان الديمقراطية هي المصير المحتوم للبشرية في العصر الحديث .
ولم يترك المرحوم الوردي شيئا من دين ودنيا ، واسلام وعلي بن ابي طالب وابي بكر وعمر والعلم الحديث والمنطق الجديد ... الا وجيره لصالح فكرة الديمقراطية الراسمالية الفردية وكيف انها الحل الوحيد للبشرية في العصر الحديث !.
لكننا وفي بداية الستينات من القرن الماضي نجد ميول المرحوم الوردي السياسية تلعن هذه الراسمالية المجرمة التي تضرب فيها العدالة الاجتماعية وتنتفي منها الاشتراكية في الثروة والحكم ويتجلى هذا الموقف الايدلوجي السياسي بابهى صوره في مؤلفه الشهير ((لمحات اجتماعية من تاريخ العراق الحديث / من اواخر ما الف المرحوم الوردي في بداية الستينات )) عندما تناول المرحوم الوردي الايدلوجية الاشتراكية الماركسية بالتحليل والاعجاب والقول :
(( الواقع أني اجد في الماركسية جوانب مشرقة تجذبني اليها ، وقد اتيح لي ان ازور بعض البلاد الاشتراكية كروسيا والصين وجيكوسلوفاكيا وبولونيا فلم املك نفسي من الاعجاب بما شاهدت فيها من مزايا قلما نجد لها مثيلا في البلاد ( الرأسمالية ) وأعترف اني عندما درست مؤخرا بعض معالم الاشتراكية في بولونيا هتفت من اعماق نفسي قائلا : هنا يكمن مستقبل العالم . فاني لم اجد فيها تلك المناظر البشعة التي توجد عادة في البلاد الرأسمالية فليس فيها جموع العاطلين الذين لايجدون عملا او الاف الفقراء الذين يسكنون في بيوت لاتليق بالبشر .... / انظر ج 5 / القسم الثاني / الملحق الثالث / ص 293/ )) .
والان وبعد قرائتنا لكلا الموقفين الايدلوجيين للمرحوم الوردي فهل يمكنناتصنيف المرحوم الوردي على انه كان صاحب ميول راسمالية ديمقراطية ام صاحب انتماء ايدلوجي ماركسي اشتراكي ؟.
طبعا اي مثقف وواعي ومفكر ونصف متعلم يدرك التناقض الواضح بين الراسمالية الديمقراطية وفكرها الايدلوجي السياسي ، وبين الماركسية الاشتراكية الشيوعية التي اعلنت الحرب على الديمقراطية الراسمالية وضرورة زوال طبقتها من الوجود لكن مع ذالك وجدنا المرحوم الوردي مرة داعية ومبشر للديمقراطية الراسمالية ، واخرى من اشد المعجبين والداعين للاشتراكية الماركسية المادية ، التي هي النقيض الواضح للراسمالية من بداية القرن العشرين حتى نهايته فهل من تفسير يشرح لنا هذا التناقض الصارخ في انتماءات ومواقف المرحوم الوردي السياسية ؟.
الحقيقة وبدون اسهاب في توضيح هذه النقطة من حياة المرحوم الوردي الايدلوجية السياسية يمكننا القول بكل صراحة : ان المرحوم علي الوردي لاينتمي لاي ايدلوجيا سياسية في هذه الحياة غير الايدلوجيا السياسية الوردية فحسب !!.
اي ان امثال المرحوم الوردي ومن خلال متابعتنا الفكرية والعلمية لمنتوجهم الفكري والثقافي ، واكتشاف تقلبات هذا المنتوج الفكرية مع الزمن ، وتطوراته السياسية في العراق الحديث ندرك : ان المرحوم الوردي رجل لاينتمي اصلا لقواعد علمية ولا لايدلوجيا سياسية ثابتة في حياته العملية الشخصية بل هو انسان اينما تكمن السلطة هو مثقفها والمروج لافكارها الايدلوجيا ، وهذا وحده هو الذي يفسر لنا لماذا كان المرحوم الوردي من اشد المبشرين للديمقراطية الراسمالية في العهد الملكي عندما كان توجه السلطة ديمقراطيا اقطاعيا راسماليا بريطانيا استعماريا وكان المرحوم الوردي من اشد المعجبين بنور السعيد كما كان نوري السعيد معجبا بالوردي ؟.
ولماذا المرحوم الوردي نفسه تحول الى اشتراكيا ماركسيا ماديا ... ، عندما حدث انقلاب الجنرال قاسم ليثني الوسادة لسلطة الاشتراكيين الشيوعيين في العراق بعد 1958 م ؟.
وهكذا لكل تقلبات المرحوم علي الوردي الفكرية والثقافية بعد مجيئ الانقلاب والمدّ القومي 1964م وما جاء بعده من سلطة حزب البعث العربي الاشتراكي 1968م ، وكيف ان المرحوم الوردي قد تمكن ان يتلون مع جميع الالوان ، ويبدل جلده حسب متطلبات الظروف وتغيرات السياسة والحكم في العراق من ايدلوجية الى اخرى !!.
بمعنى اخر : لايمكن لنا ان نعي ، وندرك ونفهم تناقضات مواقف علي الوردي السياسية والايدلوجية الا مع ربطها بالتغيرات السياسية والايدلوجية في العراق الحديث وبهذا وحده نفهم لماذا احتار ناقدي فكر الوردي في تناقضاته الايدلوجية والسياسية ، وكيف ان علي الوردي وبمكره السياسي المعروف اراد تزييف تفسير ظاهرة اتهام الوردي باكثر من انتماء وتوجه ليحرف الظاهرةويجيرها لصالحه على اساس ان العطب الفكري في منتقديه وليس في مواقفه الايدلوجيةوالسياسية المتقلبةبينما الحق ان اتهام المرحوم الوردي بالانتماء الى اكثر من ايدلوجيا ، واكثر من سياسة في مواقفه الفكرية والثقافية دليل على ان الرجل صاحب (انتماء نفعي) ، وليس له مبدأ ثابت في الحياة السياسية وهو مستعد لخدمة السلطة القائمة بفكره كيفما كان توجهها مختلفا سواء كانت سلطة راسمال وفردية وديمقراطية او سلطة اشتراكية وماركسية وقومية وحتى بعثية !!.
ثانيا : يتذكر قارئنا المحترم عندما تناولنا في القسم السابق ماهية (عقم) فكرالمرحوم الوردي من الابداع والتطورفي ستينات القرن المنصرم وموته الابداعي في السبعينات من نفس القرن ، كنا قد ارجعنا هذه الظاهرة الفردية في فكر المرحوم الوردي الى (( الفوضوية الفكرية )) التي كان ينتهجها المرحوم علي الوردي في طرحه الثقافي ومؤلفاته المتنوعة ، بالاضافة لغياب ((المنهجية العلمية)) لهذا الطرح الفكري الذي لايمكن له ان يتطور ويستمر بدون منهج مما ادى بطبيعة الحال الى توقف هذا التدفق الانفجاري في فكرالوردي الذي بلغ اوجه في منتصف الخمسينات الا انه سرعان ماخبى وانتهى في بداية الستينات وما بعدها من القرن العشرين المنصرم !!.
لكن كان هناك من يرّوج من محازبي المرحوم الوردي الفوضويين ايضا من جانب اخر لعامل مختلف في تفسير ظاهرة العقم الفكرية للمرحوم الوردي ليطرح (( العامل السياسي العراقي الداخلي )) باعتبار انه احد اهم العوامل ، التي تفسر لنا عقم فكر المرحوم الوردي وانقطاعه عن الاستمرار والتدفق الابداعي على مستوى التاليف والتنظير والكتابة .... ، وهذا من منطلق ما (( عُرف )) حسب طارحي هذا التفسير عن المرحوم علي الوردي من مواقف مساندة فكريا وداعمة تنظيريا وثقافيا لمظلومي ومستضعفي ومهمشي ... الشعب العراقي وحقوقهم السياسية والمدنية المشروعة ضد تعسف السلطات العراقية القائمة انذاك مما دفع السلطات العراقية الدكتاتورية الغاشمة بتحجيم فكر الوردي ومنعه من التدفق والابداع المستمر !!.
ولهذا جاء بحثنا هنا حول مواقف المرحوم علي الوردي السياسية الايدلوجية ، لنستبين حقيقة العامل (الفكري والعلمي) الذي يقف خلف ظاهرة عقم فكرالمرحوم الوردي عن الابداع في الستينات وموته في السبعينات وحتى اليوم وهل هو بالفعل عامل سياسي بامتياز ام انه عامل علمي وفكري لاغير وهذا لانستطيع ان نستبينه بدون وعي وفهم وادراك حقيقة مواقف المرحوم علي الوردي السياسية هذه ؟!!.
وفي الحقيقة تتميز مواقف المرحوم علي الوردي السياسية في كتاباته ، ومؤلفاته واطروحاته الثقافية بالكثير من الملابسات الفكرية الدقيقة التي بحاجة بالفعل الى متعمق وواعي ومحيط وناقد وفاهم ومدرك .... لماهية فكر المرحوم الوردي وغاياته وما يرمي اليه سياسيا وفكريا ليستطيع سبر اغوار الفكر الذي طرحه الوردي وهل هو فكر يصبّ بالنهاية في صالح مجتمع وشعب وجمهور وطبقة وأمة كما (( يوحيه )) او يحاول الايحاء به فكر المرحوم علي الوردي نفسه ؟.
ام انه فكر يتجه لخدمة مصالح ومناورات ومخططات سلطة وسلطان وحكومة ومنتفعين ؟.
طبعا للجواب على هذا السؤال علينا ان نلتفت الى ظاهرة غاية في الاهمية في فكر وتاريخ المرحوم علي الوردي وهي ظاهرة : (( ما اثاره فكر المرحوم علي الوردي من انعكاسات اجتماعية مدنية عراقية من جهة وسلطوية حكومية من جانب اخر)) .
بمعنى اخر : لماذا عندما ندرس ما طرحه المرحوم علي الوردي من ثقافة وفكر باسم العلم الاجتماعي ، وفي جميع مؤلفاته المتنوعة ، وندرس كذالك انعكاسات هذا الفكر الاجتماعية والسلطوية في العراق الحديث نجد ان افكار المرحوم الوردي كانت لها انعكاسات سلبية ومتنافرة جدا في مخيلة الطبقة العامة من المجتمعية العراقية بل وكانت ردود افعال الجمهورالعراقي على فكر المرحوم الوردي ردود افعال ناقمة ومحتقنة على كل ما طرحه المرحوم الوردي حول الاجتماع العراقي وهذا بعكس تماما ردود افعال السلطة الحاكمة والقائمة انذاك التي عاصرت نفس هذه المؤلفات للمرحوم الوردي والتي كانت حائزة على رضى السلطة الحاكمة ومباركتها ودعمها بكل ما اوتيت من قوة بحيث ودليل على ذالك لم نقرأ او نسمع يوما ان السلطات العراقية المتعاقبة ، والمنقلب بعضها على البعض الاخر كان ناقما ، او متعرضا بالاذى للمرحوم الوردي في حياته كلها بسبب مؤلفاته وطرحه الثقافي المتنوع ؟؟.
فياترى لوكان المرحوم الوردي كاتب جمهور وشعب ومجتمع عراقي ولم يكن كاتب سلطةوحكم ودكتاتورية وواعظ من وعاظ سلاطينها المتنوعين ، فكيف انقلبت الاية لينقم الجمهور العراقي العام على فكر الوردي بينما تباركه السلطة وتدعمه بكل قوة وسلاسة وبدون ان تتعرض للمرحوم الوردي باي اذى او اعتقال او تحجيم له ؟.
اولا :هل كانت فعلا المجتمعية العراقية المدنيةهي الناقمة على فكر المرحوم الوردي بينما كانت السلطة تبارك بنمو واستمرار هذا الفكر الوردي السياسي ؟.
وثانيا : اين يكمن الخلل في فكر الوردي الذي يوحي لقارئه انه يقف بكل قواه مع المظلومين والطبقات المسحوقة من الشعب العراقي ، ولكن مع ذالك اختار (( العقل الجمعي العراقي )) ان يكون نافرا من فكر الوردي ، لتحتضنه السلطة الحاكمة كبديل عن الشعب العراقي ؟.
ثالثا : ما الذي اكتشفه العقل الجمعي العراقي الفطري بفكر الوردي المنحاز للسلطة ، والذي لم يتمكن جميع مفكري ومنتقدي طرح المرحوم الوردي من العراقيين ان يصلوا لمغازيه واسراره كما توصل له العقل الجمعي العراقي بفطرته البسيطة والغير معقدة ؟.
في احد مؤلفاته يذكر المرحوم الوردي ظاهرة نقمة الاجتماع العراقي على ما يطرحه من فكر ، وثقافة باسم هذا الجمهور مرّة وباسم علم الاجتماع من جانب اخر قائلا ((طلبت في العام الفائت من احد طلبة الصف الرابع في فرع الفلسفة من كلية الاداب والعلوم ان يكتب تقريرا عني يجمع فيه مايقول الناس عن مؤلفاتي بصراحة لارياء فيها... وبعد مدة غير قصيرة جاء الطالب وهو آسف يقول بانه سوف لن يقدم لي تقرير باي حال من الاحوال ، وسبب ذالك انه جمع اقوال الناس واراءهم عني فوجد معظمها تتجه الى ناحية الذم والانتقاص والشتيمة .../ مهزلة العقل البشري /الفصل السادس/ القوقعة البشرية ص 107)).
والحقيقة انه عندما نقرأ نحن من لسان الوردي رحمه الله هذه الظاهرة التي اثارتها اطروحاته ومؤلفاته لدى الشارع العراقي من حقنا ان نتسائل عندئذ بلماذا هذه النقمة الجماهيرية على كاتب ملأ كتبه بالدفاع عن المظلومين ضد السلاطين ووعاظهم لصالح المحرومين وحقوقهم المشروعة ؟.
وهل كان دفاع الوردي عن المظلومين في العراق خديعة اكتشفها الجمهور العراقي لذالك لم يتفاعل معها ؟.
ام ان الجمهور العراقي ناكرا للجميل وحاقدا حتى على كل المدافعين عن حقوقه ومظلوميته ؟.
هنا ايضا يوجد من ينبري ليفسر لنا هذه الظاهرة بشكل مخادع وبعيد عن حقيقة الموقف وواقعه العراقي ، ليقول : بسبب ان علي الوردي شرّح جثة المجتمع العراقي ، واخرج جميع عيوبها بعلمية وشجاعة ، لذالك نقم الجمهور العراقي وليس السلطة القائمة عليه وعلى كل مؤلفات ونتاجات المرحوم الوردي الفكرية !!.
والواقع ان هذا التفسيرلظاهرة نقمة الاجتماع العراقي على علي الوردي ومؤلفاته تفسير لايدرك من تحليل الظواهرالاجتماعية اي بعد من ابعادها الواقعية ، فمعروف ( مثلا ) ان جميع الابطال التاريخيين والاسطوريين والانبياء والقادة العظام في التاريخ وحتى اليوم يتعرضون لامراض مجتمعاتهم العقلية والاخلاقية والسلوكية بالنقد والتحليل المؤلم في احيان كثيرة ، ولكن وبما ان هؤلاء القادة العظماء وقفوا الى جانب حقوق شعوبهم وجمهورهم المستضعف ، وناضلوا بشرف ضد السلطات الدكتاتورية القائمة ، وضحوا من اجل هذه المواقف ، وجدنا هذا الحب والالتفاف لهذه الجماهير حول زعمائهم الفكريين بدون ان نرى ان انتقادات هؤلاء العظام لنواقص مجتمعاتهم قد اثرت على مواقف الجمهور الايجابية نحوهم !!.
فاسطوري كعلي بن ابي طالب ( مثلا ) لم يترك حجرا على حجر في شخصية المجتمع العراقي لم ينتقدها باشد العناوين ولكن مع ذالك اسأل اي فرد من الجمهور العراقي اليوم عن علي بن ابي طالب ، او عن حبه او عن الايمان به فهل ستجد ان هناك ذم لبطل الدفاع عن المظلومين علي بن ابي طالب ؟.
فلماذا اذا يذمّ المجتمع العراقي ويشتم علي الوردي ومؤلفاته مع انها توحي كثيرا بوقوفها الى جانب الضعفاء من بني البشر ضد المستكبرين امثال هارون الرشيد ومعاوية وعبد الملك بن مروان ... وهلم جرّا ؟؟!.
في العراق يبدوان العقل الجمعي العراقي لم تنطلي عليه اساليب المرحوم الوردي السياسية الماكرة التي توحي من جهة بانها مع المظلومين ضد الظالمين بينما هي بالجانب الاخرتنظر لمشروعية ودكتاتورية السلطة عندما تطرح طبيعة الفرد والمجتمع العراقي على اساس نظرية الطبيعة المتوحشة والحيوانية التي لايمكن رياضتهاباساليب الحكم السلميةوالديمقراطية والمنفتحة !!.
ولهذا هناك ظاهرة في جميع مؤلفات المرحوم الوردي وبدون استثناء وهي ان المرحوم الوردي عندمايريد نقد السلطة والحكم فانه لايتعرض ابدا للسلطة والحكم القائم ودكتاتوريتهما التي تمارس على الحاضر العراقي بل هو دائما عندما يوحي بالدفاع عن المظلومين فانه يرتدّ بفكره الى التاريخ لينتقد هارون الرشيد او ينتقد دكتاتورية معاوية بن ابي سفيان ويتناول بالتجريم ممارسات مروان ابن الحكم ويزيد بن معاوية ... ليدافع عن الحسين بن علي او عن العبيد وثورتهم في البصرة او عن اناس لا وجود ولا صلة لهم في الحاضر العراقي ، وبهذا يبتعد تماما المرحوم علي الوردي عن اي ذكر للسلطة والحكم القائم فهو لايقصد بنقده السياسي في جميع مؤلفاته لاالمرحوم نوري السعيد في العهد الملكي ولا المرحوم قاسم في العهد الجمهور ولا صدام حسين في العهد البعثي ... وانما يقصد اموات حكموا باسم اللاهوت لاغير ، اما من يحكم باسم الديمقراطية او القومية او الشيوعية او البعثية .... فكل هؤلاء رجال حكم علمانيون ولايمارسون ابدا ما كان يمارسه هارون الرشيد من اجرام باسم اللاهوت لذالك لم يتعرض المرحوم علي الوردي لحاضرهم باي نقد على الاطلاق !!.
اما الجانب الاخرمن فكر الوردي السلطوي فهو بالفعل الفضيحة التي اعجب شخصيا كيف لم يتنبه لها الفكر العراقي المعاصر للمرحوم الوردي ليفضح نواياها السياسية الخبيثة ، وترويجها للديكتاتورية السياسية باسم العلم الاجتماعي ، ودراسة الفرد وطبيعة المجتمع في العراق واقصد بذالك :((تنظير المرحوم الوردي لاقبح النظريات في تناول الطبيعة الانسانية بصورة عامة وطبيعة الفرد العراقي بصورة خاصة)) !.
انظر الى اهم المرتكزات الفكرية لرؤى وتصورات المرحوم الوردي حول الطبيعة البشرية في جميع مؤلفات المرحوم الوردي ستجده المنظر الاساس لنظرية (( توماس هوبز )) في الطبيعة البشرية المتوحشة التي لايردعها رادع غير القوة والبطش ، ومثل هذه النظريات (اللاعلمية) معروف منشأها السياسي وكيف انها النظريات التي اسست للدكتاتوريات وحكومات الاستبداد بجميع صنوفها السياسية ، فليس هناك من نظر لهذه النظريات حول الطبيعة البشرية المتوحشة ، الا وكان داعية لايشق له غبار بدعم دكتاتورية السلطات القائمة ، وتبرير جميع انتهاكاتها للحقوق البشرية العادلة ، ولهذا فعندما يتبنى المرحوم علي الوردي مثل هذه النظرية ويقيم كل دراسته للمجتمع والفرد العراقي على اساسها فمن حق السلطات الدكتاتورية القائمة في العراق ان تصفق بحرارة لمشروع الوردي السياسي بل وتدعمه بكل ما اوتيت من قوة ، لا لسبب معقد الا ان السلطات الدكتاتورية التي تعاقبت على العراق لايسعدها اكثر من منظر يحلل لها جميع المبررات السياسية بقمع المجتمعات الانسانية تحت ذريعة طبيعة التوحش الانسانية التي جبل عليها الانسان فلا مفر من استخدام العنف والدكتاتورية والقوة لحفظ النظام والامن والسلم الاجتماعي !!.
وهذا بالتحديد ما روجت له جميع مؤلفات المرحوم الوردي ونظرّت له (( من طبيعة الفرد العراقي الى التنظير للازدواجية في شخصية الفرد العراقي الى التناشز الاجتماعي ....الخ )) خدمة للسلطة القائمة وتزلفا لمشاريعها الدكتاتورية ، وهذا ايضا ما جعل جميع السلطات الحاكمة في العراق تنظر بعين التقارب بين مشروع الوردي الفكري وبين رؤيتها الدكتاتورية لممارسة الحكم والسلطة على راس المجتمع العراقي المسكين !!.
نعم بالفطرة والعقل الجمعي فهم الاجتماع العراقي ماهية الميول السياسية للمرحوم الوردي فعامله بمقتضاها باللعن والطرد من محبة الشعب العراقي ، وبالفطرة وبالعقل الجمعي العراقي ايضا كشف الجمهور العراقي خديعة علي الوردي في دفاعه التاريخي عن المظلومين وتبريره لقمع واحتقار المظلومين والنظر اليهم كمتوحشين في حاضر مؤلفاته وكتبه واطروحاته حول طبيعة الفرد العراقي فلم ينال ابدا المرحوم الوردي احترام شعبه وتقديره بالمستوى المطلوب !!.
**********************
alshakerr@yahoo.com
http://7araa.blogspot.com/