ان من بين اهم الابحاث التي تناولت العلم الاجتماعي الحديث هوبحث (( تعريفات )) هذا العلم ودراسة ماهية تنوعاتها المتعددة الاتجاهات منذ تاسيس ونشأة علم الاجتماع وحتى اليوم !!.
ف((دوركهايم )) مؤسس علم الاجتماع الفرنسي الحديث عرّف علم الاجتماع بانه : (( علمُ النظم الذي يبحث في طريقة نشأتها وفي وظائفها . / قواعد المنهج في علم الاجتماع / ص 44 )) .
اما (( فيبر)) مؤسس علم الاجتماع الالماني الحديث ، فعرّف علم الاجتماع بانه : ((علمٌ يهدف الى فهم الفعل الاجتماعي بطريقة شارحة ، ويفسر بذالك اسبابه في تتابعه وتأثيراته./ماكس فيبر/ مفاهيم اساسية في علم الاجتماع / ص 58 )) .
وفي عصرنا القائم عرّف عالم الاجتماع البريطاني ((انتوني جدنز)) علم الاجتماع بانه((الدراسة المنهجية للمجتمعات البشرية مع التاكيد بصورة خاصة على النظم الصناعية الحديثة . / علم الاجتماع / ص 78 )) .
وفي الاطار العربي والاسلامي لعلم الاجتماع والتاريخ الذي اسسه (( ابن خلدون )) واسماه ب (( علم العمران )) ولم يصادف هذا المشروع حسن الطالع ليستمر ويتكامل ويتطور،فقدعرّف ابن خلدون علم العمران بانه ((ما يعرض لطبيعة ذالك العمران من الاحوال / مقدمة ابن خلدون / تحقيق درويش الجويدي )) .
وهكذا ما طرحه (محمد الجوهري) حول تعريف هذا العلم الحديث على انه (( هو الدراسة العلمية للعلاقات التي تقوم بين الناس ولما يترتب على هذه العلاقات من اثار . / المدخل الى علم الاجتماع / ص 7 )) .....الخ .
والحقيقة ان الغاية من ذكرنا لهذا التنوع الثري في موضوعة (( التعريف )) لعلم الاجتماع الحديث لم يكن ليهدف الى بحث ، ومناقشة ماهيات هذه التعاريف ؟ او لماذية هذه المختلفات التعريفية ؟ وعلى اي فلسفة ورؤية نظرية اجتماعية قامت ؟.
فهذا ماقام به الكثيرمن علماء الاجتماع المحدثون والقدامى الذين تناولوا بالبحث هذه التعددية في التعريفات العلمية لعلم الاجتماع، والتنوع في طروحاتها (( انظر مثلا : اسس علم الاجتماع / للدكتور محمود عودة ))، بل ان هناك من طرح من جانب اخر استحالية ( طرح تعريف للعلم الاجتماعي) ، بسبب انه علم يقوم على المتحرك ((الجدلي )) المتغير دائما في الاطار الاجتماعي من جهة والمعقد الذي لا يمكن فكريا وضع تعريف محدد له (( هذه الفكرة قامت على جدلية ان الانسان ابن وصناعة المجتمع فكيف له تعريف صانعه وهو صنيعته / انظر تيودور ادرنو /محاضرات في علم الاجتماع)) مع ان نفس المنتمين لفكرة محالية وضع تعريف محدد لوظيفة علم الاجتماع اقروا من جانب اخر : بان هذا العلم يمتلك موضوعا ومنهجا علميا لا يمكن انكاره كعلم مستقل ومثمر ومنتج ... ولكن مع ذالك ينغلق تعريف موضوعه !!.
اقول لم اشأ ان اطرح هذا البحث المهم جدا لاي باحث في علم الاجتماع كمفتاح يدخل من خلاله لفهم علم الاجتماع الحديث بكافة مساراته العلمية ولم اشر لهذه المقدمة كي اتوسع في ماهية وتنوعات هذه التعريفات ومكامن الخلل او الاصابة فيها !!.
بل كانت اشارتنا الى تعدد ، وتنوع هذه التعاريف لموضوع علم الاجتماع الحديث لتسليط الاضواءعلى زاويةاصبحت اليوم من مسلمات بحث علم الاجتماع الحديث الا وهي : ان هذا التنوع في مُعرّفات العلم الاجتماعي الحديث ان دلت على شيئ فانماتدل على مالهذا العلم من عمق وتعقيدات وتداخلات مع باقي العلوم الانسانية والطبيعية من جهة ، وعلى ما لهذا العلم من اتصالات وانشغالات .... مع جميع جوانب حياة الانسان الاجتماعية والفردية ، والنفسية ، والاقتصادية والسياسية والاسرية والتاريخية .... الخ من جانب اخر !!.
اي وبمعنى اخر يتفق ، حتى غير علماء الاجتماع اليوم على ان : موضوع علم الاجتماع ، وتناولاته العلمية من السعة والتعقيد بحيث انه لايمكن النظر الى هذا العلم إلاّعلى اساس حضوره في اكثرمن مجال من مجالات الحياة الانسانية وغير الانسانية وهذا ما يجعل من علم الاجتماع بالتحديد على انه علم مركب اكثر من اي علم حديث اخر ، ويصعب حصر تعريفه بزاوية محددة !!.
فعلم الاجتماع هو علم ليس بعيدا عن التاريخ وعلمه ، وكذا هو علم يتداخل مع حياة الانسان النفسية الفردية ،والاسرية ، والاجتماعية ، والاقتصادية والسياسية والعقدية والجغرافية والطبية ... وحتى المستقبلية والتاملية لهذا الانسان وعلى هذا الاساس فمن الصعب تحديد وتعريف هذا العلم لتعقد ( مركبات موضوعاته ) من جهة ، وتوسع تدخلات علم الاجتماع في شؤون انسانية واجتماعية مختلفة يرى انها من صلب تناولات موضوعاته العلمية من جانب اخر !!.
وهذا ما يجعل من تقريبا معظم التعريفات ، التي طرحت للعلم الاجتماعي الحديث على اساس انها مورد بحث ومناقشة وجدل ونقد ونقض .... وغير ذالك !!.
ولعل ما يلفت النظرفي موضوعة (التنوع في التعريفات) للعلم الاجتماعي الحديث والتعدد في توجهاتها الفكرية هو : حقيقة انه والى اللحظة الراهنة لايمكن وضع تعريف (( جامع مانع )) للعلم الاجتماعي الحديث ، اما بسبب ان هذا العلم بالفعل معقد ومركب ومتداخل بشكل كبيرجدا بحيث يصعب حصراذرعه العاملة والمتصلة مع اكثر من مجال ، واما بسبب انه علم حديث، ولم يزل في طور التكامل لاسيما ان المنظومة الاجتماعية سواء الانسانية العامة ، او المحلية الخاصة كل يوم هي في شأن جديد ومتغير ومعطى لم يكن حاضرا من قبل ولهذا وتبعا لحركة وتطور هذه المنظومة الاجتماعيةالانسانية يتطورالعلم الاجتماعي الحديث ويتوسع ليشمل الاكثروالاكثرمن النظم والافاق الاجتماعية الجديدة التي تؤثرفي تعريفه وتشخيص افاق عمله من ثم .
نعم ربما(( ومن وجهة نظري الشخصية )) ان من مميزات علم الاجتماع الحديث انه العلم الذي ((يتكامل تعريفه)) كلما ازدادت المعرفة الانسانية بالمجتمع ونظمه وقوانينه وظواهره ومتطلباته ومتغيراته .... ، ولهذا نرى هذه التنوعية الكثيفة والمتعددة لتعريف علم الاجتماع وافاق عمله المتنامية !.
ولنضرب لذالك مثلا : التعريف الذي ذكره صاحب (( المدخل الى علم الاجتماع )) عندما عرف علم الاجتماع على انه: (( هو الدراسة العلمية للعلاقات ، التي تقوم بين الناس ولما يترتب على هذه العلاقات من آثار / ذكرنا المصدر )) !.
ففي مثل هذا التعريف للعلم الاجتماعي الحديث الكثيرمن الاختصارالمخل بوظائف ، وافاق العلم الاجتماعي الحديث (( لا اقول ان الدكتور الجوهري لم يبحث علاقة المجتمع بباقي الافاق غير الانسانية ولكن اقول ان صياغة التعريف فيها نقص )) الذي يفرض نفسه بشكل اوسع من مجرد انه (( علم يدرس ويبحث فقط العلاقات الانسانية )) !!.
اي انه ، واذا توافقنا تماما مع هذا التعريف للعلم الاجتماعي الحديث على اساس انه ((الدراسة العلمية)) الامبيريقية ، فاننا لانتوافق مطلقا مع ان مشروع وهدف ونظام .. هذه الدراسة العلمية الاجتماعية هو فقط (العلاقات الانسانية) ففي العلم الاجتماعي القديم ، والحديث هناك اكثر من علاقة غير الانسانية جغرافية طبيعية او تاريخية او صناعية حديثة ، او .... مع الانسان ، وتؤثر في مساراته الفكرية والنفسية والاخلاقية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية... كلها يدرسها ويبحثها علم الاجتماع القديم ، والحديث ، وهذا ما قام به مؤسس العلم الاجتماعي العربي الاسلامي ((ابن خلدون )) وحتى (( انطوني جدنز )) الذي حصر معظم عمل العلم الاجتماعي الحديث ب(( علاقة المجتمع مع الصناعة الحديثة ))، وما احدثته هذه الحداثة الصناعية من مؤثرات فكرية واخلاقية واسرية ومجتمعية .....الخ !!.
بمعنى اكثر اختصارا ووضوحا ، فان ابن خلدون لم يدرس في (( علم العمران )) الاجتماعي مثلا ، او لم يحدد هذا العلم بعلاقة (افراد المجتمع بعضهم مع البعض) الاخر فحسب ، بل هو بحث علاقة الجغرافيا ، والتاريخ والاقتصاد بالانسان ايضا وجعل لهذه العلاقات الجغرافية ، والتاريخية والاقتصادية ..... مؤثرات وتاثيرات فيما بينها وبين منظومة المجتمع الانساني !!.
وهكذا اليوم عندما اراد ان يبحث ((انطوني جدنز)) او ان يعرّف العلم الاجتماعي ومهام وظائفه الاجتماعية فانه لم يكتف بان عرّف علم الاجتماع بانه ((علاقة او دراسة لعلاقة تقوم بين الناس،ومايترتب على ذالك)) فحسب ، بل انه عرّف هذا العلم بانه:(( علم اجتماعي ينصب اهتمامه الرئيس على دراسة النظم الاجتماعية التي تخلقت بفعل التحولات الصناعية التي حدثت ابان القرنين او الثلاثة الماضية . / مقدمة نقدية في علم الاجتماع / ص 27/ القاهرة 2002م )) !!.
ليبرز ( جدنز) ما للحداثة الصناعية من ((علاقة)) اثرت بشكل مباشر على وجود المجتمع وبنيته وتراكيبه النفسية والاسرية والفكرية ... وغير ذالك ، حتى يصل الى الاعلان بان : علم الاجتماع ماهو الا علم الحداثة الصناعية لاغير !!.
والمهم هو القول ان علم الاجتماع لايمكن (على الاقل في العصر الحديث) تعريفه والنظر اليه على انه دراسة وبحث لعلاقات اجتماعيةونظم داخلية انسانية فحسب لان علم الاجتماع يبحث بشكل اكثركثافة وموضوعية علاقات المجتمع مع محيطه الطبيعي والصناعي ومؤثرات هذا المحيط على بنية الاجتماع وتراكيبه المعقدة !.
وحتى التاريخ هو ليس بعيدا عن علم الاجتماع ، باعتبار ان التراكمات التاريخية هي صانعة الحاضرالاجتماعي بمعظم ابعادظواهره الاجتماعية العقدية والتقديسية والنفسية والقانونونية والتقاليدية ...... والى ماهنالك من وجود اجتماعي منبني تماما على هذه التاريخية الماضية !!.
و لايفرق كثيرا ما اذا قلنا ان (للتامل المستقبلي) للمجتمع ايضاعلاقة في تراكيب بنيته الاجتماعية والاخلاقية والعلمية والقانونية ... الخ ، ففي مثل هذه التطلعات المستقبلية سواء منها العلمية او الفلسفية الادبية علاقة بحركة المجتمع وتطوره او تراجعه وانطوائه كذالك !!.
اذاً هناك للمجتمع، وللعلم الذي يتناول هذا الاجتماع علاقات داخلية انسانية ونظم تفاعلات فردية واسرية وجالياتية واجتماعية ... يرصدها العلم الاجتماعي حركيا وتأثيراتيا تغيرا ونموا وانتكاسا ..، كما ان هناك للمجتمع وللعلم الاجتماعي ايضا ((علاقات خارجية)) مع المحيط الطبيعي البيئي والكوني ، والصناعي الاقتصادي والتكنلوجي ...تشكل عوامل اتصال وعلاقة وتاثير وتاثر بهذا الخارج الاجتماعي يرصدها ، ويبحثها ، ويدرسها بعمق العلم الاجتماعي الحديث باعتبار انها علاقة ربما تكون هي الاقوى في تحديد وتشكل العلاقات الاجتماعية الداخلية !!.
وعلى هذا الاساس ، فاي تعريف للعلم الاجتماعي الحديث لاياخذ بنظرالاعتبار كل هذه الابعاد ، التي لها علاقة ، وصلة بالمجتمع وعلمه الاجتماعي فسيكون حتما تعريفا ناقصا او مبتورا اوهو تعريف لايعبر عن حقيقة هذا العلم ووظائفه العلمية والمهنية التي يهدف لتحقيقها في دراساته وابحاثه ،كما ان كل رؤية لاتنظر لعلم الاجتماع الحديث بهذه السعة وبهذه المرونة ،وبهذا الافق الواسع ، ستكون رؤية بعيدة تماما عن واقع هذا العلم والمسؤوليات التي من اجلها انشأ هذا العلم وتمت ولادته على اساسه !!.
alshakerr@yahoo.com
مدونتي فيها المزيد :
http://7araa.blogspot.com/
ف((دوركهايم )) مؤسس علم الاجتماع الفرنسي الحديث عرّف علم الاجتماع بانه : (( علمُ النظم الذي يبحث في طريقة نشأتها وفي وظائفها . / قواعد المنهج في علم الاجتماع / ص 44 )) .
اما (( فيبر)) مؤسس علم الاجتماع الالماني الحديث ، فعرّف علم الاجتماع بانه : ((علمٌ يهدف الى فهم الفعل الاجتماعي بطريقة شارحة ، ويفسر بذالك اسبابه في تتابعه وتأثيراته./ماكس فيبر/ مفاهيم اساسية في علم الاجتماع / ص 58 )) .
وفي عصرنا القائم عرّف عالم الاجتماع البريطاني ((انتوني جدنز)) علم الاجتماع بانه((الدراسة المنهجية للمجتمعات البشرية مع التاكيد بصورة خاصة على النظم الصناعية الحديثة . / علم الاجتماع / ص 78 )) .
وفي الاطار العربي والاسلامي لعلم الاجتماع والتاريخ الذي اسسه (( ابن خلدون )) واسماه ب (( علم العمران )) ولم يصادف هذا المشروع حسن الطالع ليستمر ويتكامل ويتطور،فقدعرّف ابن خلدون علم العمران بانه ((ما يعرض لطبيعة ذالك العمران من الاحوال / مقدمة ابن خلدون / تحقيق درويش الجويدي )) .
وهكذا ما طرحه (محمد الجوهري) حول تعريف هذا العلم الحديث على انه (( هو الدراسة العلمية للعلاقات التي تقوم بين الناس ولما يترتب على هذه العلاقات من اثار . / المدخل الى علم الاجتماع / ص 7 )) .....الخ .
والحقيقة ان الغاية من ذكرنا لهذا التنوع الثري في موضوعة (( التعريف )) لعلم الاجتماع الحديث لم يكن ليهدف الى بحث ، ومناقشة ماهيات هذه التعاريف ؟ او لماذية هذه المختلفات التعريفية ؟ وعلى اي فلسفة ورؤية نظرية اجتماعية قامت ؟.
فهذا ماقام به الكثيرمن علماء الاجتماع المحدثون والقدامى الذين تناولوا بالبحث هذه التعددية في التعريفات العلمية لعلم الاجتماع، والتنوع في طروحاتها (( انظر مثلا : اسس علم الاجتماع / للدكتور محمود عودة ))، بل ان هناك من طرح من جانب اخر استحالية ( طرح تعريف للعلم الاجتماعي) ، بسبب انه علم يقوم على المتحرك ((الجدلي )) المتغير دائما في الاطار الاجتماعي من جهة والمعقد الذي لا يمكن فكريا وضع تعريف محدد له (( هذه الفكرة قامت على جدلية ان الانسان ابن وصناعة المجتمع فكيف له تعريف صانعه وهو صنيعته / انظر تيودور ادرنو /محاضرات في علم الاجتماع)) مع ان نفس المنتمين لفكرة محالية وضع تعريف محدد لوظيفة علم الاجتماع اقروا من جانب اخر : بان هذا العلم يمتلك موضوعا ومنهجا علميا لا يمكن انكاره كعلم مستقل ومثمر ومنتج ... ولكن مع ذالك ينغلق تعريف موضوعه !!.
اقول لم اشأ ان اطرح هذا البحث المهم جدا لاي باحث في علم الاجتماع كمفتاح يدخل من خلاله لفهم علم الاجتماع الحديث بكافة مساراته العلمية ولم اشر لهذه المقدمة كي اتوسع في ماهية وتنوعات هذه التعريفات ومكامن الخلل او الاصابة فيها !!.
بل كانت اشارتنا الى تعدد ، وتنوع هذه التعاريف لموضوع علم الاجتماع الحديث لتسليط الاضواءعلى زاويةاصبحت اليوم من مسلمات بحث علم الاجتماع الحديث الا وهي : ان هذا التنوع في مُعرّفات العلم الاجتماعي الحديث ان دلت على شيئ فانماتدل على مالهذا العلم من عمق وتعقيدات وتداخلات مع باقي العلوم الانسانية والطبيعية من جهة ، وعلى ما لهذا العلم من اتصالات وانشغالات .... مع جميع جوانب حياة الانسان الاجتماعية والفردية ، والنفسية ، والاقتصادية والسياسية والاسرية والتاريخية .... الخ من جانب اخر !!.
اي وبمعنى اخر يتفق ، حتى غير علماء الاجتماع اليوم على ان : موضوع علم الاجتماع ، وتناولاته العلمية من السعة والتعقيد بحيث انه لايمكن النظر الى هذا العلم إلاّعلى اساس حضوره في اكثرمن مجال من مجالات الحياة الانسانية وغير الانسانية وهذا ما يجعل من علم الاجتماع بالتحديد على انه علم مركب اكثر من اي علم حديث اخر ، ويصعب حصر تعريفه بزاوية محددة !!.
فعلم الاجتماع هو علم ليس بعيدا عن التاريخ وعلمه ، وكذا هو علم يتداخل مع حياة الانسان النفسية الفردية ،والاسرية ، والاجتماعية ، والاقتصادية والسياسية والعقدية والجغرافية والطبية ... وحتى المستقبلية والتاملية لهذا الانسان وعلى هذا الاساس فمن الصعب تحديد وتعريف هذا العلم لتعقد ( مركبات موضوعاته ) من جهة ، وتوسع تدخلات علم الاجتماع في شؤون انسانية واجتماعية مختلفة يرى انها من صلب تناولات موضوعاته العلمية من جانب اخر !!.
وهذا ما يجعل من تقريبا معظم التعريفات ، التي طرحت للعلم الاجتماعي الحديث على اساس انها مورد بحث ومناقشة وجدل ونقد ونقض .... وغير ذالك !!.
ولعل ما يلفت النظرفي موضوعة (التنوع في التعريفات) للعلم الاجتماعي الحديث والتعدد في توجهاتها الفكرية هو : حقيقة انه والى اللحظة الراهنة لايمكن وضع تعريف (( جامع مانع )) للعلم الاجتماعي الحديث ، اما بسبب ان هذا العلم بالفعل معقد ومركب ومتداخل بشكل كبيرجدا بحيث يصعب حصراذرعه العاملة والمتصلة مع اكثر من مجال ، واما بسبب انه علم حديث، ولم يزل في طور التكامل لاسيما ان المنظومة الاجتماعية سواء الانسانية العامة ، او المحلية الخاصة كل يوم هي في شأن جديد ومتغير ومعطى لم يكن حاضرا من قبل ولهذا وتبعا لحركة وتطور هذه المنظومة الاجتماعيةالانسانية يتطورالعلم الاجتماعي الحديث ويتوسع ليشمل الاكثروالاكثرمن النظم والافاق الاجتماعية الجديدة التي تؤثرفي تعريفه وتشخيص افاق عمله من ثم .
نعم ربما(( ومن وجهة نظري الشخصية )) ان من مميزات علم الاجتماع الحديث انه العلم الذي ((يتكامل تعريفه)) كلما ازدادت المعرفة الانسانية بالمجتمع ونظمه وقوانينه وظواهره ومتطلباته ومتغيراته .... ، ولهذا نرى هذه التنوعية الكثيفة والمتعددة لتعريف علم الاجتماع وافاق عمله المتنامية !.
ولنضرب لذالك مثلا : التعريف الذي ذكره صاحب (( المدخل الى علم الاجتماع )) عندما عرف علم الاجتماع على انه: (( هو الدراسة العلمية للعلاقات ، التي تقوم بين الناس ولما يترتب على هذه العلاقات من آثار / ذكرنا المصدر )) !.
ففي مثل هذا التعريف للعلم الاجتماعي الحديث الكثيرمن الاختصارالمخل بوظائف ، وافاق العلم الاجتماعي الحديث (( لا اقول ان الدكتور الجوهري لم يبحث علاقة المجتمع بباقي الافاق غير الانسانية ولكن اقول ان صياغة التعريف فيها نقص )) الذي يفرض نفسه بشكل اوسع من مجرد انه (( علم يدرس ويبحث فقط العلاقات الانسانية )) !!.
اي انه ، واذا توافقنا تماما مع هذا التعريف للعلم الاجتماعي الحديث على اساس انه ((الدراسة العلمية)) الامبيريقية ، فاننا لانتوافق مطلقا مع ان مشروع وهدف ونظام .. هذه الدراسة العلمية الاجتماعية هو فقط (العلاقات الانسانية) ففي العلم الاجتماعي القديم ، والحديث هناك اكثر من علاقة غير الانسانية جغرافية طبيعية او تاريخية او صناعية حديثة ، او .... مع الانسان ، وتؤثر في مساراته الفكرية والنفسية والاخلاقية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية... كلها يدرسها ويبحثها علم الاجتماع القديم ، والحديث ، وهذا ما قام به مؤسس العلم الاجتماعي العربي الاسلامي ((ابن خلدون )) وحتى (( انطوني جدنز )) الذي حصر معظم عمل العلم الاجتماعي الحديث ب(( علاقة المجتمع مع الصناعة الحديثة ))، وما احدثته هذه الحداثة الصناعية من مؤثرات فكرية واخلاقية واسرية ومجتمعية .....الخ !!.
بمعنى اكثر اختصارا ووضوحا ، فان ابن خلدون لم يدرس في (( علم العمران )) الاجتماعي مثلا ، او لم يحدد هذا العلم بعلاقة (افراد المجتمع بعضهم مع البعض) الاخر فحسب ، بل هو بحث علاقة الجغرافيا ، والتاريخ والاقتصاد بالانسان ايضا وجعل لهذه العلاقات الجغرافية ، والتاريخية والاقتصادية ..... مؤثرات وتاثيرات فيما بينها وبين منظومة المجتمع الانساني !!.
وهكذا اليوم عندما اراد ان يبحث ((انطوني جدنز)) او ان يعرّف العلم الاجتماعي ومهام وظائفه الاجتماعية فانه لم يكتف بان عرّف علم الاجتماع بانه ((علاقة او دراسة لعلاقة تقوم بين الناس،ومايترتب على ذالك)) فحسب ، بل انه عرّف هذا العلم بانه:(( علم اجتماعي ينصب اهتمامه الرئيس على دراسة النظم الاجتماعية التي تخلقت بفعل التحولات الصناعية التي حدثت ابان القرنين او الثلاثة الماضية . / مقدمة نقدية في علم الاجتماع / ص 27/ القاهرة 2002م )) !!.
ليبرز ( جدنز) ما للحداثة الصناعية من ((علاقة)) اثرت بشكل مباشر على وجود المجتمع وبنيته وتراكيبه النفسية والاسرية والفكرية ... وغير ذالك ، حتى يصل الى الاعلان بان : علم الاجتماع ماهو الا علم الحداثة الصناعية لاغير !!.
والمهم هو القول ان علم الاجتماع لايمكن (على الاقل في العصر الحديث) تعريفه والنظر اليه على انه دراسة وبحث لعلاقات اجتماعيةونظم داخلية انسانية فحسب لان علم الاجتماع يبحث بشكل اكثركثافة وموضوعية علاقات المجتمع مع محيطه الطبيعي والصناعي ومؤثرات هذا المحيط على بنية الاجتماع وتراكيبه المعقدة !.
وحتى التاريخ هو ليس بعيدا عن علم الاجتماع ، باعتبار ان التراكمات التاريخية هي صانعة الحاضرالاجتماعي بمعظم ابعادظواهره الاجتماعية العقدية والتقديسية والنفسية والقانونونية والتقاليدية ...... والى ماهنالك من وجود اجتماعي منبني تماما على هذه التاريخية الماضية !!.
و لايفرق كثيرا ما اذا قلنا ان (للتامل المستقبلي) للمجتمع ايضاعلاقة في تراكيب بنيته الاجتماعية والاخلاقية والعلمية والقانونية ... الخ ، ففي مثل هذه التطلعات المستقبلية سواء منها العلمية او الفلسفية الادبية علاقة بحركة المجتمع وتطوره او تراجعه وانطوائه كذالك !!.
اذاً هناك للمجتمع، وللعلم الذي يتناول هذا الاجتماع علاقات داخلية انسانية ونظم تفاعلات فردية واسرية وجالياتية واجتماعية ... يرصدها العلم الاجتماعي حركيا وتأثيراتيا تغيرا ونموا وانتكاسا ..، كما ان هناك للمجتمع وللعلم الاجتماعي ايضا ((علاقات خارجية)) مع المحيط الطبيعي البيئي والكوني ، والصناعي الاقتصادي والتكنلوجي ...تشكل عوامل اتصال وعلاقة وتاثير وتاثر بهذا الخارج الاجتماعي يرصدها ، ويبحثها ، ويدرسها بعمق العلم الاجتماعي الحديث باعتبار انها علاقة ربما تكون هي الاقوى في تحديد وتشكل العلاقات الاجتماعية الداخلية !!.
وعلى هذا الاساس ، فاي تعريف للعلم الاجتماعي الحديث لاياخذ بنظرالاعتبار كل هذه الابعاد ، التي لها علاقة ، وصلة بالمجتمع وعلمه الاجتماعي فسيكون حتما تعريفا ناقصا او مبتورا اوهو تعريف لايعبر عن حقيقة هذا العلم ووظائفه العلمية والمهنية التي يهدف لتحقيقها في دراساته وابحاثه ،كما ان كل رؤية لاتنظر لعلم الاجتماع الحديث بهذه السعة وبهذه المرونة ،وبهذا الافق الواسع ، ستكون رؤية بعيدة تماما عن واقع هذا العلم والمسؤوليات التي من اجلها انشأ هذا العلم وتمت ولادته على اساسه !!.
alshakerr@yahoo.com
مدونتي فيها المزيد :
http://7araa.blogspot.com/