مدونة فكرية سياسية واجتماعية تحاول أثارة العقل العراقي والعربي والاسلامي للتفكير المتطلع لبناء المستقبل من خلال رؤية لاتهمل التاريخ والحاضر !.
الاثنين، أكتوبر 17، 2011
(( من التمهيد الفلسفي لفكر السيد محمد باقر الصدر )) 10 حميد الشاكر
كما استنبط السيدالصدر رحمه الله في تمهيده الفلسفي مادية النظام الراسمالي الديمقراطي الفردي ، وإلحادية افكاره المذهبية من افتقار هذا المذهب لوجود قواعد فكرية بداخله تشرح مسائله الواقعية ، كذالك عندما تناول السيد محمد باقرالصدر رحمه الله ، موضوع الحريات الاربع في الراسمالية الديمقراطية فانه ايضا استوحى من شكل ولون ورائحة ...هذه الحريات الاربع الممنوحة للفرد لا أخلاقية هذه الراسمالية الديمقراطية التي تنفصل بالانسان تماما عن واقعية هذه الحياة الاجتماعية الاخلاقية للانسان ومسائلها الفردية والاجتماعية داخل هذا المجتمع !!.
ولهذا تناول السيد الشهيد رحمه الله الراسمالية ببحثين بعد ان شرح حريات الديمقراطية الراسمالية الاربعة المزعومة وهما :
الاول : بحث الاتجاه المادي في هذه الراسمالية .
الثاني : هوبحث موضع الاخلاق من الراسمالية وكيفية اقصائها من حسابات هذه الراسمالية واحلال المنفعة واللذةالشخصية مكانها كبديل اخلاقي راسمالي نفعي عن معنوية الاخلاق الانسانية السامية .
يتبقى ان نقول ان السيد الشهيد لم يكتفي طبعافي تمهيده الفلسفي لكتاب فلسفتنا فقط بالاشارة الى مادية ولا أخلاقية هذه الراسمالية بافكارها المذهبية فحسب بل ، انه نزل الى عمق المسألة الفكرية الراسمالية في بحث (( مآسي النظام الراسمالي))ايضا ليناقش في هذا البحث حقيقة الراسمالية الديمقراطية الفكرية الجشعة ، وكيف انها في نهاية المطاف ستؤول حتما الى الدكتاتورية والظلم والاستبداد والكارثية ... كنتيجة طبيعية لمقدمات الراسمالية المادية وحريتها الاقتصادية المطلقة !!.
طبعا في الرؤية اليونانية الافلاطونية وربما هذا لتلاقي النتائج الحتمية ايضا ينتهي افلاطون في بحثه للنظام الديمقراطي الى نفس النتيجة ، التي يطرحها الامام الصدر في ( مآسي النظام الراسمالي ) الديمقراطي عندما يقرر حتمية انزلاق الديمقراطية الراسمالية للدكتاتورية بنهاية المطاف لكن فلاسفة اليونان انذاك (( سقراط وتلميذه افلاطون )) يختلفون طبعا في تناول موضوع النظام الديمقراطي بشكل عام ويختلفون ايضا بفهم ماهية الاسباب التي سينتهي اليها هذا النظام ليتحول تلقائيا الى الدكتاتورية !!.
ومعروف على هذا الصعيدالبحثي للديمقراطية اليونانية انهاديمقراطية مختلفة تماما في تفاصيلها وماهيتها عن الديمقراطية الراسمالية الغربية الحديثة التي ولدت ما بعد دخول الصناعة للعالم الانساني ، ويُخادع ويُضلل من ينسب ديمقراطية الراسمال اليوم لديمقراطية التراث اليوناني القديم ونحن قد ذكرنا فيما مضى بعض ملامح الديمقراطية اليونانية انذاك ، وانها آتية بالمنزلة بعد حكم الراسمال الجركي الاقتصادي المبغوض يونانيا ، وانها ايضا ديمقراطية الفقراء وحكم العامة وليس ديمقراطية (حكم الراسمال والتجار) كما هي اليوم الديمقراطية الراسمالية الغربية ، وبهذا اختلفت ديمقراطية اليونان القديمة عن خداع ، وتضليل ديمقراطية الراسمال اليوم ، وان هذه الديمقراطية الراسمالية اليوم هي : خليط غيرمتجانس (حسب التصورات الافلاطونية اليونانية ) بين حكم الراسمال على الحقيقة وحكم عامة الشعب من الفقراء صوريا واين هذا من ذاك !!.
نعم كذالك في الاسباب التي ستنتهي بالنظام الديمقراطي للزوال بعد ان تحوله لديكتاتورية مدمرة ، فايضا هنا يختلف التناول ، وشرح الاسباب المودية بهذا النظام الى الزوال ، بين الامام الصدر رحمه الله في تمهيده الفلسفي ، وبين ماتناوله التراث الفلسفي اليوناني انذاك بهذا الصددفبينما اتفق أفلاطون يونانيا مع استاذه سقراط ان الفوضوية المفرطة في الحرية حتماستدفع بهذا المجتمع الذي تحكمه الديمقراطية ، للتفسخ والانحلال والتهشم من الداخل ، وليتسنى لاصحاب الراسمال التجاري من ثم الهيمنة على الحكم وممارسة الدكتاتورية والافضاء الى الاقصاء والحكم بالقوة ، اوعلى حد تعبيرافلاطون : (( وكما ان السعي الجنوني وراء المال يقضي على الحكم الالجركي ، كذالك يقضي على الديمقراطية التطرف في الحرية )) 1 . ، كنتيجة سببية سياسية طبيعية او ربما حتمية ايضا لزوال النظام الديمقراطي !! .
أما سيدنا الصدر في تمهيده الفلسفي لكتاب فلسفتنا ، فقد تناول الاسباب التي ستدفع بالنظام الديمقراطي الراسمالي الى الدكتاتورية ، ومن ثم الزوال بشكل مختلف عن ما طرحته المدرسة الفلسفية السياسية اليونانية ، لانهيار النظام الديمقراطي ، فهو يذهب رحمه الله الى تناول (مآسي الراسمالية ) وكوارثها من زاويتين :
الاولى: الزاوية التقليدية في بحث الديمقراطية باعتبارانها حكم الاكثرية الذي سيهمش مصالح الاقلية .
الثانية : الزاوية الاقتصادية الطاردة للحرية ولمعنى الديمقراطية الحقيقية .
ففي الزاوية الاولى يبدو الصدر محمد باقر ، وكأنه تقليديا او ربما يونانيا في مناقشة سلبيات الحكم الديمقراطي القائم على حكم الاكثرية في مقابل الاقلية ونرى في هذه الزاوية الامام الصدر واقفا الى جانب تلك الاقلية التي تحكمها الاكثرية في النظام الديمقراطي الراسمالي المادي واللاأخلاقي ، الذي حتما سيميل مع هذه الاكثرية ومصالحها وتطلعاتها ، التي ستهمل وتتجاوز وتطأ بكل ثقلها على مصالح وحقوق تلك الاقلية اوالاقليات المحكومة قهرا والتابعة قانونا لهذه الاكثرية !! .
لكن وفي الزاوية الاخرى من مناقشة الامام الصدر لمآسي النظام الديمقراطي الاقتصادية يعتدل ميزان المناقشة الفكرية في داخله ليناقش هذا النظام بحقيقته الراسمالية الواقعية وليس بتأملات الديمقراطية الشعاراتية التي تفترض حكم الاكثرية للاقلية ليصل الى حقيقة مَن يحكم هذا النظام الديمقراطي المزعوم في الواقع ؟.
وهل ان اكثريةالشعب هي التي تحكم بالفعل هذاالنظام الديمقراطي الراسمالي المادي ؟.
أم ان حفنة صغيرة ممن استولواعلى النفوذ والقوة هم من يحكم على الحقيقة كاقلية تُخضع اكثرية الشعب لسلطانها ونفوذها واستيلائها على مقدرات البشر وقوتهم لينتهي الحكم الديمقراطي الافلاطوني القديم ، وليبدأ حكم الدكتاتورية الجركية الراسمالية على انقاضه ؟.
هنا الامام الصدر في تمهيده الفلسفي يطرح الراسمالية الديمقراطية بمراحلها الانتقالية الطبيعية ، التي تترتب مرحلة على مرحلة بعدها ليصل الى النتائج التي لالبس فيها في حتمية دكتاتورية الراسمال في النهاية وحكم الاقلية على الاكثرية وليس العكس فيطرح :
اولا : التناقض الواضح بين الديمقراطية كحكم للشعب ، وحرية قرار لسيادته وبين الراسمالية كمنحى تسلط ولاغي لارادة الامة بقوله :
(( بل ان الامر تفاقم واشتد حين برزت المسألة الاقتصادية في هذا النظام بعد ذالك ، فقررت الحرية الاقتصادية على النحو ، الذي عرضناه سابقا وأجازت مختلف أساليب الثراء والوانه مهما كان فاحشا ........ فانكشف الميدان عن ثراء فاحش من جانب الاقلية من افراد الامة مما أتاحت لهم فرص وسائل الانتاج الحديث وزودتهم الحريات الراسمالية غير المحدودة بضمانات كافية لاستثمارهاواستغلالها الى ابعد حد والقضاء بها على كثيرمن فئات الامة التي اكتسحت الالة البخارية صناعتها وزعزعت حياتها ، ولم تجد سبيلا للصمود في وجه التيار ما دام ارباب الصناعات الحديثة مسلحين بالحرية الاقتصادية وبحقوق والحريات المقدسة كلها وهكذا خلا الميدان ، الا من تلك الصفوة من ارباب الصناعة والانتاج وتضاء لت الفئة الوسطى ، واقتربيت الى المستوى العام المنخفض وصارت هذه الاكثرية المحطمة ، تحت رحمة تلك الصفوة التي لاتفكر ولاتحسب الا على الطريقة الديمقراطية الراسمالية ....الخ )) 2 .
وهكذا يضع الصدر رحمه الله انمله على معقد التناقض الحقيقي داخل ادعاء هذا النظام الراسمالي بالحرية لجميع الافراد ، وضمانها داخل مجتمعه بينما هو في الجانب الاخر قد اقام حياته الاقتصادية والقانونية والتشريعية على كل ماهو ضامن للاستغلال ، لفئة راسمالية صناعية صغيرة بالنتيجة ستكون هي الفاعل الحقيقي والمقرر الاوحد لحياة عامة الناس عندما تمتلك قوتهم وعملهم وحياتهم ووجودهم .... الخ ، ليرهن ويجير هذا الوجود العام في كل مايصب في مصالح هذه الفئة الراسمالية ومنافعها الشخصية والفئوية لاغير !.
ثانيا : مصادرة الراسمالية لحق الامة الديمقراطي السياسي .
ويشير الامام الصدر رحمه الله في هذه النقطة من بحثه في : (( مآسي النظام الراسمالي )) الى الواقعية في طرح الراسمالية ، ومؤثراتها السياسية الحقيقية على ارادة الامة والجمهور وكيفية رؤية الراسمال لضرورة سلب هذه الارادة من المجتمع ، وتركيزها بيد الراسمال ومصالحه الاقتصادية بشكل حتمي ؟، فيقول :
(( وهنا يتبلورالحق السياسي للامة من جديد بشكل آخر فالمساواة في الحقوق السياسية بين أفراد المواطنين ، وان لم تمح من سجل النظام غير انها لم تعد بعد هذه الزعازع ( سيطرة الراسمال على مقدرات الشعب وقوته ) الا خيالا وتفكيراخالصا فان الحرية الاقتصادية حين تسجل ماعرضناه من نتائج تنتهي الى الانقسام الفضيع الذي مر في العرض وتكون هي المسيطرة على الموقف والماسكة بالزمام ، وتقهر الحرية السياسية أمامها . فان الفئة الراسمالية بحكم مركزها الاقتصادي من المجتمع وقدرتها على استعمال جميع وسائل الدعاية وتمكنها من شراء الانصار والاعوان ..... تهيمن على تقاليد الحكم في الامة وتتسلم السلطة لتسخيرها في مصالحها والسهر على ماربها ويصبح التشريع والنظام الاجتماعي خاضعا لسيطرة رأس المال ، بعد ان كان من المفروض في المفاهيم الديمقراطية ، أنه حق الامة جمعاء . وهكذا تعود الديمقراطية الراسمالية في نهاية المطاف حكما تستأثر به الاقلية ، وسلطانا يحمي به عدة من الافراد كيانهم على حساب الاخرين ، بالعقلية النفعية التي يستوحونها من الثقافة الديمقراطية الراسمالية )) . 2 .
ثالثا : طغيان الراس مال الديمقراطي الفردي ، ودكتاتوريته الزاحفة عندما تتجاوز الحدود الداخلية والجغرافية للامة ، ولتبحث لها عن اسواق وثروات خارج حدودها للنهب والسيطرة !!.
وفي هذا المحور من بحث الامام الصدر في تمهيده الفلسفي (( لمآسي النظام الراسمالي)) يطرح السيدالمفكر الصدررض نظرته الشمولية لمبادئ ومفاهيم الراسمالية الديمقراطية الحديثة لا ليرها طبعا بشكل نظام او مذهب اجتماعي محلي فحسب ، بل ليراها ويبحثها وينقدها كمصانع واذرع الات انتاج عالمية ونظام يتطلع للكونية ويدعولتجربته المذهبية على اساس انها التجربة الوحيدة التي بامكانها ان تنقذالعالم من العبودية وتوفر له الكرامة والاستقلال والحرية بينما في الحقيقة والواقع تمارس على الشعوب والامم اسوأ انواع الاستغلال والعبودية والتجهيل والاستنزاف والتبعية !!.
وهنا فحسب يرتقي الامام الصدر بخطابه الفكري والنقدي للراسمالية ليطرح وجهها العالمي القبيح ، والمشوه والمخادع على اصوله الحقيقية ، ومن خلال معادلة اشبه ماتكون بالرياضية الغير قابلة في نتائجها للخطأ فيقول :
(( ونصل هنا الى افضع حلقات المأساة ، التي يمثلها هذا النظام ، فان هؤلاء السادة الذين وضع النظام الديمقراطي الراسمالي في ايديهم كل نفوذ وزودهم بكل قوة وطاقة سوف يمدون انظارهم للافاق ... لسببين )) 3 . :
الاول : ان وفرة الانتاج تتوقف على مدى توفر المواد الاولية وكثرتها وهذه المواد منتشرة في بلاد الله العريضة واذا كان من الواجب الحصول على هذه المواد فاللازم ايضا السيطرة على البلاد ، التي تمتلك المواد ، وامتصاصها واستنغلالها .
ثانيا : كثرة الانتاج ووفرته ، التي تكون هدف اي راسمالي يحاول الحصول على كثرة الدخل والارباح بالصورة الاساس تخلق نوعا من اختناق الاسواق المحلية الغير قادرة على اسيعاب هذه الكمية الضخمة من الانتاج مما يدفع باصحاب رؤوس الاموال الصناعية والتجارية العملاقة ، للبحث عن اسواق خارجية تستوعب هذه المنتجات لامتصاص الوفرة والفائض في الانتاج من جهة ولتزيد الدخول والارباح لجيوب اصحاب الراسمال من جانب اخر !!.
وبهذا تفتح اسواق الدول والشعوب الاخرى عنوة وتحت مسميات ما انزل الله بها من سلطان ، كالعولمة اليوم ، او تحرير التجارة العالمية ، لتغرق اسواق المستهلكين البائسين في الارض ، ببضائع الديمقراطيين الصناعيين القادمين من وراء البحار، لتصريف بضائعهم ، وليزداد من ثم اهل الثراء ثروة واهل الشقاء شقوة وهذا طبعا سيستلزم في نهاية المطاف ان يفكر اصحاب رؤوس الاموال : في الكيفية التي تجعل من اسواق ، وشعوب هذه الدول المستهلكة مستهلكة على الدوام ومنهوبة الموارد الخام دوما ولاتفكرابدا ان ترتقي لتكون مصنعة او منتجة لاي سلعة يحتكرها اصحاب المصانع والتكنلوجيا المتقدمة !!.
نعم هذا ما طرحه الامام الصدر رحمه الله في بحثه التمهيدي الفلسفي لمآسي النظام الراسمالي العالمي الجديد ، وهي مآسي لم تكتفي باطرها وجغرافيتها المحلية ، لتنتهي الحكاية عند شعب يحوله راس المال الديمقراطي الى اذرع مكائن لصناعة الراسمال لجيوب السادة فحسب ، بل وامتد شره للافاق ليرى في كل بقعة ارض تضم بعضا من موارد الانتاج الخام انها المغنم الذي لابد من السيطرة عليه لمصانعها العملاقة وجيوبها الواسعة كي تملأ وتتحرك تلك المصانع ، وتنتج وكل هذا مع الاسف يسحق امامه ملايين الملايين من البشر دمارا واستعبادا وحروبا وظلما وقهرا ....الخ !!.
ولمَ لا والديمقراطية الراسمالية مادية العقيدة ولا اخلاقيةالوسائل في الوصول الى جمع الثروة وكنزها واشباع النفعية والمصالح الشخصية لاغير ؟!.
فمثل هكذا نظام وهكذا مذهب اجتماعي يسمى بالنظام الديمقراطي الراسمالي الفردي لايكتفي ان يحفز المنتمين والمؤمنين بمبادئه ، كي يكونوا من عتاة المجرمين فحسب ، بل انه النظام الذي يتمكن من قتل فطرة اي انسان ليحول رؤيته لكل ماهو قبيح وغير اخلاقي في هذا العالم الى ماهو جميل في ثقافة الديمقراطية الراسمالية !!.
http://7araa.blogspot.com/
alshakerr@yahoo.com
1 : قصة الحضارة / ول ديورانت / ج 7/ ص 483/ ترجمة محمد بدران / دار الجيل / بيروت .
2 : فلسفتنا / السيد الصد محمد باقر / ص 21 / مصدر سابق
3 : فلسفتنا / ص 22 / نفس المصدر .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)