(( بمناسبة صدور قانون منع التدخين في الاماكن العامة في العراق ))
ربما غالبية المجتمع العراقي ، إن لم نقل معظمه هم ، ومع الاسف من اللذين ابتلوا بوباء ومرض وعادة التدخين المضرّة بصورة ليس فقط غيرصحية بل هي انتحارية في واقع الامر والحقيقة ولعلنا لانغالي ان قلنا ان من اكثر المجتمعات ممارسة لعادة التدخين السيئة وبشكل عام مع شمول جميع فئات المجتمع لها تقريبا وبلا استثناء هو المجتمع العراقي ، فالكاسب البسيط والطالب والمرأة في البيت والتاجر والفنان والسياسي والدكتور ...الخ وحتى رجال الدين ايضا من الفئات التي تمارس شراهة عادة التدخين بشكل غريب وعجيب !!.
وهذه الممارسة من تدخين التبغ ، هي ظاهرة اجتماعية لا نعلم يوم ولادتها بالتحديد او نشأتها التاريخية كظاهرة متفشية في المجتمع العراقي ولكننا ولدنا نحن وخرجنا الى هذه الحياة ، فوجدنا الاباء ، والامهات ، والجدّات والاجداد والاخوة الكبار ممن يمارس هذه العادة الحارقة ، ليملئ فضاء البيت ، والشارع ، والمدرسة ، والاماكن العامة برائحة الدخان القاتلة !!.
هل هي ظاهرة اتت مع الاستعمار الغربي البريطاني للعراق ؟.
أم انها عادة عربية واسلامية قديمة قدم الاحتلال العثماني للعراق او قبل ذالك ؟.
لايهم المهم انها اليوم ظاهرة سلبية عراقية بامتياز بحاجة الى وقفة وتأمل ومعالجة ترتقي الى ابعد بكثير من مجرد صدور قوانين تجريم جزائية لحماية الاماكن العامة والخاصة والانسان من شرورها وشرور القائمين بها !!.
ولعلي هنا لااريد ان استفيض بتناول الاثار السلبية لظاهرة التدخين (الخبيثة ) على اكثرمن صعيد يبدأ بالتربوي من داخل الاسرة وطبعا لايقف عندالسلبيات الاقتصادية والصحية والاجتماعية الاخلاقية .......، ولكنني اريد هنا ان اتناول هذه الظاهرة من خلال بعدين فقط :
الاول : وهو البعد الفردي الشخصي باعتبار انني صاحب تجربة مع وباء التدخين قبل الاقلاع عنه بصورة تحريمية شخصية ؟.
الثاني : وهو البعد التربوي والاجتماعي وانعكاسات ظاهرة التدخين صحيا وتربويا على اطفالنا داخل المنازل وفي الاماكن العامة !!.
والحقيقة وقبل البدء بالحديث عن ظاهرة التدخين وممارسته وعادته السيئة ينبغي ان ان نحيي كل من ساهم واقترح وكتب وقدم قانون منع وحظر التدخين في الاماكن العامة لمجلس النواب العراقي بل ونقف له ولجهوده التي بذلت وقفة احترام وتقدير عالية القيمة فمثل هذه القوانين وإن لم تكن كافية الا انها ستساهم بسحب الشرعية القانونية من ظاهرة التدخين الخبيثة ، وحماية المجتمع ونظافته من اوساخ الدخان وامراضه في المجتمع العراقي !!.
نعم مكافحة ظاهرةالتدخين هي ثقافية وفكرية ودينيةوتربوية اكثرمنها قانونية وهذا صحيح ، لكن ايضا لسنّ القوانين بعدٌ عظيم ، وكبير في مناهظة هذه الظاهرة الوباء على مجتمعنا العراقي بحاتجة الى تفعيله بقوة وقد حصل !!.
اما ماذانقصدعندما نقول ان ظاهرةالتدخين بحاجة الى مكافحة ثقافيةوفكرية ودينية وتربوية ، وليس قانونية فقط لبناء مجتمع نظيف وصحي ونقي ونشط وتنطلق منه الروائح الزكية ، فاليك قارئي العزيز مختصر الحكاية :
في عائلة يمتهن الوالدان والجدان ، والاخوة الكبار ممارسة ظاهرة التدخين ويروج لهذه الظاهرة في مجتمعاتنا العشائرية ، والقبلية على اساس انها من سمات البلوغ والرجولة من جهة ، ويروج لهذه الظاهرة دينيا في ايام عاشوراء ومع احزان اهل البيت عليهم السلام كل سنة من محرم الحرام على اساس انها من صفات المواسات وعلائم الحزن العاشورائي السنوي من جانب اخر لا يمكن لطفل ينشأفي داخل وظل هذه الاجواء ان يخرج سالما من محرقة التدخين ،فكل الدوافع الاجتماعية والاسرية والتربوية والثقافية .... تدفعه لممارسة هذه الظاهرة بلاريب فهي على هذا الاساس (اقصد ظاهرة التدخين) ليست متعارضة مع التربية السليمة مازال العائلة من الاباء والامهات والاخوة الكبار يمارسون هذه الظاهرة داخل البيت ،وهي كذالك لاتتعارض مع المجتمع وعاداته وتقاليده ، لانها في العرف الاجتماعي سمة الرجولة والنضوج في مصطلحات تربيتنا القبلية ، والعشائرية ، وهي هكذا بالنسبة ، لثقافتنا الفكرية والعقدية الدينية ، بحيث ان التدخين وخصوصا في المواسم العاشورائية توزع حتى على الاطفال لتكون عنوان مواسات لاهل البيت ع ، عند اظهار الحزن على اساس انه متجسدا بالتدخين ( لااعلم ما علاقة الحزن والتعبير عنه والتدخين وحرق التبغ في الهواء) وهكذا هناك شائعة في العراق يرّوج لها ان للتدخين دخل كذالك ليصبح الانسان مفكرا ومبدعا ومتألقا ، لاسيما اذا قرن مع احتساء الخمور ، وكل ما يورث التنبلة والسطل والنوم في الطرقات وقرب المجاري الاسنة !!.
وعلى اي حال فكل المعطيات ، التي ذكرناها هي مشجع عظيم على ممارسة ظاهرة التدخين منذ الصبى لتربح اكثر شركات التبغ الاجنبية وغير الاجنبية ومن هنا ولدت انا وولد معي جيل ، اكثر من ثمانين بالمئة منه يدخن التبغ ليفقد صحته ويفقد ماله ويلوث بيته وبيئته ويؤذي غيره وتتعفن رائحته وتضمر حتى ابتسامته لان اسنانه لاتشرف ان يراها احد من وساخة وتدمير التدخين لها !!.
وحتى على المستوى الديني الارقى ( مع الاسف ) الذي من المفروض ان يكون كما قال القرآن الكريم عن وظيفته ، ووظيفة حامله الرسول او الامام او عالم الدين في المجتمع بقوله : ((يتلو عليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة )) وجدنا انه لا الدين يحرّم ممارسة من اقذرالممارسات الانسانية ولا رجل الدين والعلم ثبت لديه حرمة هذه الممارسة فوجدناه هو ايضا متمتع بتدخين التبغ وممارسة عادة التدخين ليعطيها شرعية دينية اكثر مما اعطتها باقي المعطيات التربوية السيئة والاجتماعية والثقافية تلك الشرعية !!.
وعيت على هذا العالم ، وانا من المدمنين على تدخين التبغ ، ولكن فطرتي وتركيبة الفسلجية والطبيعية وصمامات القلب لديّ كانت لاتعمل بصورة طبيعية عندما ادخن السيجار ، ولكنه الادمان !!.
نعم ادمان النيكوتين ودخول بعض الموادالكحوليةالمحرمةعلى تركيبة التبغ المدخن هي اكبرعائق يمنع اي مدخن عن الامتناع عن ممارسة عادة التدخين وكنت اتمنى لوان رجال العلم والفقه والدين ومايتمتعون به من سلطةروحية وثقافية واجتماعية لو كانوا يساهمون في تحريم هذه الظاهرة ، وذالك على الاقل يكونون من العاملين فعلا ب (( يزكيهم )) كما يعلمون الناس الكتاب ، والحكمة كما ورد في نص القرآن الكريم ، فالتزكية للمجتمع ، هي ايضا تنظيف وتطهير له من ادران وقاذورات الممارسات الاجتماعية السيئة التي تؤثر على نظافته المادية والمعنوية وتستهلك صحته الجسدية وتدمر اخلاقيات تربيته الاسرية .... وغير ذالك ، لكن كان جلّ ما حصلت عليه ان هناك رايين في الفقه الاسلامي :
الاول : لم يثبت لديه حرمة الدخان ، وهذا طبعا اجتهادهم .
الثاني : راي ارحم من الاول ، وهو حرمة التدخين ابتداءا ، وهذا جيد على اي حال !!.
لكن بقت ظاهرة التدخين المجرمة والوسخة والقذرة ... تضحك علينا ملئ الاشداق وهي ترى كل العوامل الانسانية ، والاجتماعية والدينية بصالحها الى ان قررت ان استمع ، لراي ديني اسلامي من خارج الدائرة الضيقة ، للمدرسة الفقهية الاسلامية الشيعيةعسى ولعلّ اقنع نفسي واجتهادي الشخصي بحرمة ممارسة ظاهرة التدخين !!.
جلست ابحث الى ان وصلت الى هذا الراي الفقهي القائل جوابا لسؤال : هل التدخين حرام شرعا ام انه مباح الممارسة ؟.
الجواب : قال سبحانه : ( ويحلّ لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ) والتدخين من الخبائث فهو حرام شرعا !!.
كانت هذه الفتوى بغض النظر عن مناقشتها فقهيا ، وبغض النظر عن قيمة مداركها الشرعية ، وهل هي من الاستحسان المرفوض فقهيا عند مدرسة اهل البيت او غير ذالك بغض النظر عن كل هذه الخلفيات وما ينبغي ان يدرس في داخلها ،وقعت على نفسي كماء بارد ، والزمت ضميري الديني الشخصي امام الله سبحانه : بان حرمة التدخين اصبحت واضحة وضوح الشمس لديّ ،وعلى هذا الاساس كان الفراق بيني وبين التدخين وانشاء الله الى الابد !!.
نعم هل يجرئ احد ان يقول ان التدخين من الطيبات ؟.
اتحدى ان يكون هناك عالم دين فقيه اوانسان كاسب بسيط يتحدث بفطرته ان يفتينا بان التدخين وظاهرته من الطيبات وليس من الخبائث ؟.
او ان يفتينا : ان التدخين من المطهرات الزاكيات ، وليس من الاوساخ والقاذورات ؟.
او ان التدخين يدعم الصحة الانسانية ،ولا يجلب القلب ، والسرطان والتدرن وسوء التغذية والرائحة الكريهة وتدمير الاسنان والعادات التي تبدأ بالتدخين لتكون مدخل لادمان المخدرات وشرب الخمور وباقي الموبقات ؟.
نعم فقط ذالك الشيخ المتطرف في رايه ( وياهلا به من تطرف ضد سرطان التدخين وطهارة المجتمع وتزكيته من افة هذه الظاهرة ) هو الذي استطاع انقاذي شخصيا من كارثة ادمان التدخين ولعنته وارجوا من الله ان يبحث هذا الراي فقهيا واسلاميا وعلى اعلى المستويات لطرح فتوى تحريم التدخين وممارسته لضرره البالغ صحيا ونفسيا وحتى جسديا ونظافيا وبغض النظر عن كوارثه الخبائثية التي تزرع الخبث في كل شيئ !.
ان الدين ووظائفه وتشريعاته وقادة الدين ومستنبطيه ومستلهمي افكاره واخلاقه لم يأتوا لهذا العالم ليشرعوا حليّه ممارسة عادات التدخين المضرة ، او اي عادة فيها روائح الخبائث تزكم الانوف ، ليقال لم تثبت حرمة التدخين وظاهرته بل قادة الدين ورواده والدين وتشريعاته كما انها تحمي المجتمع من كل ماهوفيه اضرار بالانسان وحياته وعقله وشرفه وكرامته ، وماله ...، كذالك هو خريطة لتطهير ونظافة حياة الانسان وتزكية وتطهير بيئته وبيته ، ومجتمعه من كل رائحة خبث او دخان مضرة بصحة الانسان وببيئته وبمجتمعه وبماله وحتى بتربية اطفاله !!؟.
ان الاطفال في بيوتنا وكذالك الزوجة اذا لم تكن من ممارسي هذه الظاهرة هم الاكثر ضررا صحيا ونفسيا من الاب المدخن او من الابن المدخن داخل الاسرة ، ولا تفرق ظاهرة التدخين داخل البيت والاسرة وضررها من ضرر شرب الخمور والعياذ بالله وانعكاستها الكارثية النفسية ، والتربوية على الاسرة ، وعلى الاطفال داخل الاسرى بالخصوص ونعم التدخين ينبغي ان يعالج من داخل الاسرةاذا اردنا ان نصنع وننتج جيلا يبتعد تلقائيا ومن نفسه وبارادته عن ظاهرة التدخين بشكل نهائي ويقلع تماما عن التفكير بتجربة هذه الظاهرة الخبيثة ،وليعلم من يريد ان يعلم وبغض النظر عن كل ماذكرناه انفامن جوانب دينية وثقافية وفكرية وتربويةواقتصادية وصحية سلبية لظاهرة التدخين ، ان انتاج مجتمع اليوم خالي من رائحة ، وادران وخبائث التدخين يعد الخطوة الاولى لانتاج مجتمع صحي وراقي واخلاقي ويتمتع بذهن غير مشوش وبنشاط يلهمه الاستمرارفي العمل الجادوالمنتج والمستمربلا كسل وخمول وغيبوبة لم تاتي لنا ، الا بالمزيد من الاتكاليين والمكتئبين ، والفاقدي الشعور ، والاحساس بالاخرين !!.
ان مجتمعا يفهم ان شخصيته ، ورقيه وحضارته تبدأ بالمحافظة على نظافة اسنانه ولمعان بياضها الذي يدفعه للابتسام بوجه الاخرين بلا خجل ، وان مجتمعا رائحته طيبه وملابسه لاتعطنها روائح النيكوتين وان مجتمعا ينظر ، لظاهرة التدخين على انها ممارسة سيئة ومسيئة وملوثة للبيئة ، ومضرة على الاخرين وينبغي ان يخجل القائمين بها وليس يفتخر بها كماهوحاصل في مجتمعنا العراقي والعربي مع الاسف مثل هذا المجتمع هو الذي يصنع المستحيل ويرتقي الى الاحترام ويكون مدعاة للانتاج الحقيقي والكبير !!.
اما مجتمعايملئه المدمنين من المدخنين وتملئه روائح الخبث في كل مكان في البيت وفي النادي وفي الشارع وفي الدوائر الحكومية وفي المدارس ... وحتى في بيوت الله سبحانه التي ينبغي ان تكون روائحها زاكية واماكنها طاهرة من خبائث التدخين فان مثل هذا المجتمع ، لا يمكن ان يكون مجتمعا يشعر بالاخرين ، او تنموا بداخله ثقافة او سلوك حضاري او تربية بامكانها ان تصنع المستحيل او حتى رجل بامكانه ان يمارس رجولته بكامل طاقتها وصحتها وجذبها ، ورائحتها الطيبة داخل اسرته والتدخين هلك حتى فحولته !!!!!.