مدونة فكرية سياسية واجتماعية تحاول أثارة العقل العراقي والعربي والاسلامي للتفكير المتطلع لبناء المستقبل من خلال رؤية لاتهمل التاريخ والحاضر !.
الجمعة، يناير 20، 2012
(( السلفية هل هي مشروع لادارة الدولة المجتمع أم انها ذراع لحماية الطاغوت وشرعيته ؟ )) حميد الشاكر
اتعجب عندما اسمع هذه الايام مصطلح (( حكم السلفية )) ، وهو يتداول في الكثير من الاصقاع العربية والاسلامية ،مثلا في مصر او هناك في افغانستان او تونس او ليبيا او الاردن ... فهناك تخوف في كل مكان اسلامي اليوم تقريبا من حكم السلفية الاسلاموية السياسية من التيارات الاسلامية المعتدلة او الليبرالية او الاشتراكية او القومية العربية وغير العربية !!.
والحقيقة ان سبب تعجبي بسيط وغيرمعقد وهوان اؤلئك الذين يعتقدون بان السلفية الاسلاموية التاريخية ، والحديثة سوف تحكم في يوم من الايام في هذه المنطقة من العالم او في غيرها من المناطق ، واقعون في الواقع تحت إصر اشكاليتين :
الاولى : اشكالية جهل عميق في تاريخ نشأة السلفية واسباب هذه النشأة ؟ وكيفية فهم ارتباط السلفية بنشأتها التاريخية ولا أمكانيتها ان تكون حركة واقع اومستقبل او حركة توظف تاملاتها لصناعة المستقبل لتتمرد على الماضي وتصوراته ؟.
والثانية : هي اشكالية الوعي التام ، لتركيبة السلفية القديمة والحديثة ، وادراك ان لاامكانية فكرية في التركيبة العقدية الدينية السلفية لادارة الحياة والمجتمع ، وانما ما موجود في تركيبة السلفية هو تصورات عن مشاركة في الحكم وليس الاستقلال في الادارة والسلطة وقيادة المجتمع !!.
ولعل هاتين الاشكاليتين ان فهمهما اي دارس او مطلع او باحث او مفكر في البنية الفكرية والتاريخية للسلفية الدينية القديمة والحديثة سيختصر الكثير من العناء في ادراك السلفية على حقيقتها الواقعية بدون النظر للقشور والسطحية السياسية التي تظهر هنا ، وهناك في خطابات السلفية السياسية نفسها ، التي تنتمي للسلفية بدون وعي وادراكوفهم حقيقي لماهيتها وبنيتها الفكرية والسياسية والاجتماعية !!.
نعم عند دراستنا للنشأة التاريخية للسلفية القديمة سنكتشف وبلا لبس في الرؤية : ان الحركة السلفية كان سبب ولادتها خاضع لمتطلبين تاريخيين اساسيين :
الاول : وهي كون السلفية منتج سلطوي سياسي طبيعي انبذرت اول براعم ولادتها تحت رعاية واشراف السلطة السياسية الدينية التي نشأت بعدرحيل الرسول الاعظم محمد صلى الله عليه واله للرفيق الاعلى ، وصعود بعض صحابته للحكم في ظروف اشكالية عقدية واسلامية خطيرة جدا عندئذ ولد تيار سياسي مناصر للوضع الجديد تحت ظلال هذه السلطة الجديدة لصناعة مشروعية دينية عقدية قداسية للحكم القائم وبلورت هذه السلفيةالتي تدين بالولاء للوضع السياسي القائم افكارا تعتمد كليا على فكرة : ان المصادر الشرعية الدينية والسياسية الوحيدة تمر من خلال وعبر بوابة السلطة الحاكمة المتجسدة بصحابة الرسول فقط لاغير !!.
وبعد ذالك اخذ مصطلح (( السلفية )) والسلف الصالح ياخذ اشكاله العقدية النهائية في هذه المدرسة ليصبح تيارا في الامة يلزم مجتمعيتها عقديا ، وسياسيا بعدم اخذ الشريعة والشرعية السياسية وغير السياسية من خارج سياقات السلف ، الذي حكم الامة سياسيا بغض النظرعن اشكاليات هذه السلطة في صلاحها اوفسادها الاخلاقي والديني والسياسي ، وغير ذالك ، وبقيت هذه الحالة من متبنيات هذه المدرسة التي سميت باسم السلف !!.
وهذه هي كانت البدايات او اللبنات الاولى لتأسيس فكرة ((السلفية )) باعتبار انها القائم على التنظير واعطاء الشرعية للحكم القائم بعد وفاة الرسول الاسلامي العظيم محمد بن عبد الله صلى الله عليه واله والتي استمرت في مشروعها لتكون دائما في ظلال السلطة القائمة حتى اليوم ، تهبها الشرعية السياسية باسم السلفية من جهة وتقاسم السلطة مغانمها من جانب آخر !.
الثاني : وهومتطلب سياسي بحت ، حيث ان المطلع على اشكاليات نقل السلطة في التاريخ الاسلامي بعد وفاة الرسول الاعظم محمد (ص) يدرك ما رافق هذا الانتقال للخلافة ، وللسلطة السياسية من تجاذبات عقدية وسياسية واجتماعية .... غاية في الخطورة والمصير ، مما دفع بالتجاذبات الاسلامية الى حدتها القصوى لتنشطر الى جانبين ، جانب يرى في الخلافة السياسية والاستيلاء عليها من خلال القوة والدهاء والمكر ،وشرعية الصحبة للرسول لاغير ، وهذا الجانب هو الذي ناصرته المدرسة السلفية في بدايات نشأتها ، وحتى اليوم ، وجانب نظر للامامة السياسية على اسس عقدية ودينية ، ورسالية لاغير ، بحيث ان هذا التيار الاسلامي كان يعتقد ان مسألة السلطة ، والخلافة بعد الرسول محمد ص قد حسمت في زمن الرسول وان الخلافة بقرارونص الاهي هي لاهل بيته الذين اذهب الله عنهم الرجس وفي ممثلهم علي بن ابي طالب اول الناس اسلاما واشدهم تضحية واقربهم لحمة لبيت الرسالة والنبوة !!.
في هذا المفصل تحتم ان تقوم مدرسة للتنظيرلشرعيةالحكم الذي يقابل فكرة الامامة والنص في المدرسة المعارضة للحكم القائم فتبلورت (السلفية) كمدرسة تحاول ان تنزع الشرعية من الآخر من جهة لتركزها بيد السلطة والحكم الذي يستمد شرعيته من القوة ، والجمهور والمصالح السياسية الطافية على السطح الاجتماعي العربي والاسلامي من جانب اخر !.
نعم ان هذه النشأة واسبابها للمدرسة السلفية اذا ادركناها بما قدمنا له من متطلبات استطعنا من الجانب الاخر فهم ماهيةواهداف المدرسة السلفية التي لازمتها تاريخيا وحتى اليوم ، فهذه المدرسة السلفية من مميزاتها التاريخية والحاضرة انها مدرسة وجدت في ركاب السلطة القائمةولايمكنها بعدهذه النشأة ان تكون او تعيش منفصلة عن مستنقعات اسباب وجودها ونشأتها التاريخية ، فالسلفية والسلطة في كل تقريبا التاريخ والفكر الاسلامي ومعتقديته قرينان لايمكن فصل بعضهما عن الاخر ومهما تغيرت عناوين السلطة القائمة !!.
اي بمعنى اخر : ان في عمق الفكر السلفي العقدي سيجد اي باحث فكرة (( الولاء للسلطة القائمة واعطاء الشرعية لها واطاعة ولي الامر سواء كان مؤمنا او فاجرا )) وهذه الفكرة تحلّ الكثير من الرمزية التاريخية والعقدية للمدرسة السلفية ، فهي فكرة تنبئ كل دارس عن الجذورالتاريخية الحقيقية لهذه المدرسة اولا وتضع انامل كل باحث عن الرابطة المصيرية بين السلطة والسلفية ثانيا ، فالسلفية بهذا المعنى لاترى في نفسها وجودا بغير السلطة القائمة ، ومعنى هذه السلطة طبعا انها شيئ خارج عن سياقات ( المنتج للمدرسة السلفية نفسها ) فالسلفية وحتى حسب دراسة معتنقيها انفسهم تؤمن بالولاء للسلطةوولي الامرالقادم من خارج المدرسة السلفية دوما ولا تدّرس المدرسة السلفية ابدا تلامذتها والمنتمين لها على اساس انها ممثل للسلطة ، او انها هي الممثل الشرعي لهذه السلطة ، بل دائما في دراسات وابحاث وعقائد ، وفتاوى المدرسة السلفية ، تهجن تلامذتها والمؤمنين بها وتخضعهم على فكرة ان هناك وليّا للامرخارج عن دائرة السلفية ينبغي الخضوع له واعطائه الولاء والطاعة ،سواء كان ولي الامر اتيا للسلطة من خلال شورى او من خلال جبر وقوة او من خلال ملكية وولاية عهد او من خلال نص وشريعة فلا يهم في فكر المدرسة السياسية السلفية ، كيفية وصول الحاكم للسلطة بقدر اهمية كيفية اظفاء الشرعية على حكمه في مناهج الدراسات العقدية والفقهيةوالفكرية للمدرسة السلفية القديمة والحديثة !!.
وهذا طبعا بعكس المدارس الاسلامية الاخرى كالمدرسة الاسلامية الامامية الشيعية (مثلا) فان في صلب معادلاتها العقدية والفقهية الدراسية لهذه المدرسة يجد الباحث ان هذه المدرسة من اساسيات مناهج دراساتها العقدية ، هو كيفية صناعة السلطة من داخل دائرة المدرسةالاسلامية الامامية الشيعيةولا تدِّرس هذه المدرسةتلامذتها والمؤمنين بها ضرورة الانقياد ، للحكم وللسلطة السياسية القائمة ، ووجوب طاعة السلطةوالحكم القائم وكيفماكانت هويته بل من مميزات المدرسة الاسلامية الشيعية الامامية هوالتركيز على صلاحية الحكم وان يكون حكماقائمابالعدل ويتصف بصفات الايمان والعلم والفقاهة بالدين والالتزام بشريعة رب العالمين ...الخ !!.
وهذا المنهج ، بطبيعة الحال للمسلمين الشيعة ، ينبئ ايضا عن حالة الاستقلال بين السلطة والمدرسة الاسلامية الشيعية ، كما انبأنا المنهج السلفي بالعكس عندما بين لنا مفهوم الارتباط المصيري ، بين السلطة والمدرسة السلفية وتبعيتها للحكم القائم كيفما اتفق !!.
ان هذا الارتباط الذي استوحيناه من العلاقة التاريخية بين المدرسةالسلفية والسلطة القائمة بالاضافة الى ما استنبطناه من فكرالمدرسة السلفية ورؤيتها للسلطة القائمة على اساس انها دائما ينبغي ان تكون سلطة من خارج الدائرة السلفية ، وليس من داخلها يوصلنا الى النتيجة التي قدمناها في بحثناهذا سالفا حول فكرة : ان السلفية لايمكن ان تكون مشروع حكم وادارة ، بل انها لا يمكن ان تكون غير ذراع لحماية السلطة والطاغوت القائم لاغير !!.
ففي بنية المدرسةالفكرية السلفية لايوجد ذالك التراث العقدي للحكم وادارته لتتمكن السلفية من صناعةرؤية متكاملة للحكم والادارة الاجتماعية وهذا منطلق كما اسلفنا به لان المدرسة السلفية في نشأتها ، وفي تنظيرها ووجودها التاريخي وحتى اليوم لم تفكر في يوم من الايام ، انها مدرسة مستقلة في فكرها عن السلطة والية نعمتها والمتفضلة عليها بالوجودوالاستمراربل ان كل فقههاالسلطاني والسياسي قائم على فكرة طاعة ولي الامر، الذي يفرض نفسه بهذا الاسلوب ، او ذاك على الحكم وادارة الدولة اما المدرسة السلفية نفسها ورؤيتها المستقلة عن السلطة القائمة ،فلا يوجد تراث حقيقي لكيفية ادارة السلطة مستقلا في المدرسة السلفية القديمة والحديثة !!.
نعم صحيح يوجد خطاب سياسي حديث يتحدث عن ( حكم السلفية ) حتى على لسان بعض الجهلة من السلفية ، الذين لا يدركون مفاهيم مدرستهم السياسية ، لكن هذا الادعاء لايعني ان للسلفية رؤية حكم مستقلة ومتكاملة لادارة الحياة !!.
وحتى بعد ان جرّب بعض قادة السلفية الحديثة (القاعدة وطالبان) من الجهلاء بهذه الحقيقة ادارة المجتمع ، والدولة تحت اطار الفكر السلفي اليوم ، كالذي حدث من محاولات في افغانستان ، او في بعض البلاد العربية والاسلامية ، الذي توهمت فيها بعض التيارات السلفية المتطرفة ، انها تمتلك رؤية شرعية سياسية متكاملة لادارة الحياة ، وبعيدة عن كنف حكم السلطة القائمة ، وقادت بالفعل عنف سياسي اوصلها للحكم ، والقيادة في هذا البلد او ذاك لكن ولان السلفية ، وتركيبتها الفكرية وبنيتها العقدية منبنية اصلا ، لارجاع المجتمعات الاسلامية الى الماضي وليس العيش فيها بالحاضر ، او قيادتها الى المستقبل بالاضافة الى ان السلفية اصلا لا تملك مفاهيم الدولة العصرية ولايساعد تراثها العقدي على رؤية متكاملة لكيفية الحكم وجدنا ان هذه التجارب السلفية سرعان ما انهارت ، او دمرت نفسها بنفسها ، عندما سحبت مشاريع الغزو والارهاب والاعتداء على الاخرين من الماضي الى الحاضر لتعتقد ان هذه الاساليب ، هي من صلب قيام الحكم ، والدولة في الاسلام ، ما جعلها غير قابلة للاستمرار ( هذه التجارب السلفية ) في العصر الحديث ، فاندثرت وماتت في مهدها لتعود ، الى سيرتها الاولى في بعض البلدان العربية والاسلامية ، تحت غطاء سلطة السياسة لتمارس اعطاء الشرعية لهذه النظم الحاكمة لاغير وتقاسم السلطة القائمة في مغانمها فحسب كما بدأت اول مرّة !!.
ومما تقدم ندرك ان السلفية لايمكن ان تكون مشروع ادارة وحكم للمجتمع لاعصريا ولا تاريخيا ايضا ، وذالك للاسباب التالية :
اولا:السلفية تعني الرجوع الى الماضي وفهم الدين حسب معطيات فهم السلف الذي تعتقد السلفية انه الفهم المطلق للدين ، والغير مقيد بزمان ولا بمكان ، بينما السلف ورؤيتهم على احسن التقادير، هو في حقيقته مرتبط زمانيا ومكانيا بحقبة احسن ما يقال عنها انها بدائية المعطيات الفكرية وهذه اول نقطة يجعل من المدرسة السلفية وتصوراتها الفكرية والدينية ، والسياسية والاجتماعية ، كيان يعيش خارج معطيات العصور القديمة والعصرالحديث ومتطلباته فضلا عن تصورات المستقبل وما ينبغي له من مقدمات .
ثانيا : السلفية بنيت اساسا لتكون ذراع لحماية السلطة والدفاع عنها ، ولم تخلق السلفية طبيعيا كاستجابة للمجتمع الاسلامي لتصوغ رؤيتها الفكرية والسياسية والاجتماعية بصورة متكاملة ، ولهذا مازالت ولم تزل السلفية ذيل للسلطة وبعيدا عن المجتمع وتطلعاته الطبيعية .
ثالثا : البنية الفكرية للمدرسة السلفية ليس فيها اي تفكير لكيفية النضال والوصول الى الحكم وادارته مما جعل السلفية عاجزة ومفتقرة لفكرة سياسية ناضجة تاريخيا واجتماعيا وعقديا !.
رابعا : نعم السلفية تتصادم مع السلطة اذا شعرت بالتهميش من قبل السلطة وعدم اشراك السلطة لها في مغانم الدولة والحكم لكنهاسرعان ما تعود الى حضن السلطة اذا وجدت من السلطة بابا مفتوحا للمشاركة لها في مغانم الحكم وعلى هذا الاساس لايمكن تصور انقلاب السلفية على السلطة دائما ، وانما يمكن تصور تضارب ينشأ على ضفاف مطالب سياسية للسلفية اذا وفره الحكم فالسلفية ستعود لوظيفتها الطبيعية ككلب حارس للسلطة وشرعيتها !!.
خامسا:من يتصوران بامكان السلفية ان تحكم فماعليه الا ان يترك للسلفية الفرصة ويفتح لها الباب على مصراعيه وسيكتشف ان السلفية والسلفيين انفسهم يرغمون السلطة والحكم على العودة ولو بالفوضى والقوة ، وانهم سيعلنون فشلهم من خلال اطروحاتهم المفتقرة للحياة مع الحاضر والمستقبل !!.
http://7araa.blogspot.com/
alshakerr@yahoo.com
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)