(( قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله ))
(( ان كنتم صادقين ، بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمّا يأتهم ))
(( تأويله ...... / قران كريم / 38 - 39 / يونس ))
......................
الاعجاز والتوظيف : - آقرأ
يستغرب كثير من المفكرين والفلاسفة والعلماء في العصر الحديث ، وبعد هذا التطور الهائل للتكنلوجيا الصناعية ، وبعد هذا التقدم الملموس للعقل الانساني فكريا وعلميا وفنيا واجتماعيا ...، من عودة الموضوعة الدينية بصورة عامة ، والاستغراب - حقيقة - يشتدّ كلما برزت الموضوعات الدينية التفصيلية شيئا فشيئا الى حيز الوجود الفكري والسياسي والعلمي والاجتماعي ...، لتناقش القضايا الدينية بكل تفاصيلها من جديد بعد ان أعتقد أولئك المفكرون والفلاسفة ان قضية الدين وخرافاته الاسطورية قد دفنت بلا رجعة ؟.
والحقيقة ان هذه الدهشة والاستغراب من ماهية الكينونة الدينية وقابليتها اللامعقولة على الاستمرار في الحياة ، بالاضافة الى مقدرة هذا المارد الاسطوري المسمى بالدين على التشّكل مع الزمن بصور جديدة ومتنوعة كل آن ، قد جعلت من ذالك الاستغراب علامة استفهام علمية ، وقوس ولادة لبحث يعود من جديد لدراسة الموضوعة الدينية بشكل مختلف وبروح جديدة ، تختلف عن سابقاتها التي وصلت او ربما اعتقدت انها وصلت للنهاية في دراسة المشروع الديني ؟.
نعم ربما نتسأل نحن بدورنا هذه المرة عن الماهية التي يمتلكها هذا العنوان المسمى بالدين ؟. ولماذا هو لاينتهي ؟. ومتى نحتفل جميعا بالأجل المسمى للمشروع الديني ، ونقيم مأتمه الختامي ؟. أليس المشروع الديني هو مجموعة من الكتل الاسطورية والاعجازية الخرافية التي اتت لزمان معين كانت العلوم وتكنلوجيا الصناعة غير مهيئة لمعرفة بعض قوانين الطبيعة مما دفع الانسان للاعتماد على الخرافة والدين ليعلل بعض الظواهر الكونية والاجتماعية الانسانية التي لم يكن يحيط بقوانينها الطبيعية ؟.
فاذا كيف لم يزل الدين ومواضيعه التفصيلية فاعلة ومؤثرة على الاجتماع الانساني الكوني حتى بعد ان تمكن الانسان من شطر الذرة نصفين ؟.
الحق ان مثل هذه الاسئلة حول المشروع الديني هي أسئلة قديمة جديدة على الفكر الانساني ، فقد استغرب احد المفكرين بقوله :( عندما نستمع في صباح الاحد الى دقات النواقيس القديمة ، نتساءل : أهذا ممكن ؟. ان كل ذالك من أجل يهودي صلب منذ الفي عام ، كان يقول انه ابن الله ، وهو زعم يفتقر الى البرهان ؟.....، فلنتصور الها ينجب أطفالا من زوجة فانية ، وخطايا ترجع الى الاه ، ويحاسب عليها نفس الاله ؟... وخوفا من عالم آخر يكون الموت هو المدخل اليه ؟.. ، لكم يبدو لنا كل ذالك مخيفا ، وكأنه شبح قد بعث من الماضي السحيق . أيصدق أحدا أن شيئا كهذا لايزال يصدقّ ؟./ نيتشه / أمور انسانية ).
ان لنيتشه - حقيقة - الحق بهذا التساؤل ، كما ان للبعض الاخر الحق ايضا عندما يتساءل بنفس الصيغة ولكن من زاوية وجانب وجهة وجبهة أخرى ليطرح :أيعقل ان يكون الانسان مستمرا بتصديق معاجز الانبياء ونزول وصعود الملائكة والبعث بعد الموت لحياة جديدة ؟.
وهل يعقل ان الملايين من بني الانسان لم يزل للدين عليهم هذه السيطرة العظيمة ؟. واين الفعل العلمي والتكنلوجي على الانسان في العصر الحديث بقبال الفعل الديني الخرافي ؟. ولماذا لم تنتصر تكنلوجيا العصر وتقدم العلوم على الرؤى والتصورات الدينية التي تسيطر على الانسان حتى مع ادراكه وقناعته ان الله لايمكن ان يكون ظالما او متجسدا باقنوم بشري فاني ؟. ولماذا وبالعكس هذه المرة من مقولة المتفلسفة ، كلما تقدم العلم اصبحت الحاجة اكثر الحاحا للدين والتدين وليس العكس ؟. هل حقا اننا بحاجة للدين ؟.
ان الجواب عن كل تلك الاسئلة وغيرها وبكل صراحة وموضوعية هو : بالايجاب ؟.
نعم لم يزل للدين ومواضيعه التفصيلية قوة تفوق بكثير هذيان نيتشه ونوبات الصرع لسارتر ، وخدع وتذاكي ماركس ، وتذبذب وخلط باروخ سبينوزا ؟.
الحقيقة بغض النظر عن ماركس باعتباره سياسيا اكثر منه مفكرا ، فاننا نتساءل وبموضوعية حول تلك القائمة من المفكرين والفلاسفة لنقول : هل تساءل حقا أولئك الفلاسفة والمفكرون ليصلوا للبّ القضية الانسانية الكبيرة والتي تسمى الدين ؟. وهل حقا ان أولئك المفكرين كانوا يمتلكون فكرا واعيا في قبال الموضوعة الدينية أم انهم حفنة من السياسيين الذين ركبوا نهضة الموجة العلمية ليصبحوا بين ليلة وضحاها من متسكعين فكريين الى فلاسفة النهضة والتنوير الحديث ؟. ولماذا لم يصل فكر عمالقة الفكر الغربي الى حقيقة الماهية الدينية وليست قشور المسألة فحسب ؟. .....الخ ؟.
تنتابنا الغرابة ونحن نقرأ هذه الرؤى الساذجة لما يسمى فلاسفة التنوير الحديث في الشأن الديني ، ونتساءل : هل كان الافتقار في موضوعة المسألة الدينية متأتيا من ان أولئك الفلاسفة لم يتمكنوا من الوصول الى الماهية الدينية الحقيقية ولذالك اعتقد نيتشة - مثلا - بان الدين مرض ، ومارك من ان الدين أفيون وانتاج طبقي ؟. أم ان الموضوعة بخلاف ذالك تماما ، بل كان أولئك المفكرون على دراية ووعي تام وعالي للموضوعة الدينية وكيفية تناولها ومعالجة افكارها وظواهرها الانسانية ، ولكن في الاطار الديني المنغلق لأولئك المفكرين ، أطار عدم استطاعتهم التخلص من بيئتهم التربوية الدينية المنغلقة والاعتقاد ان اديانهم المحلية هي مطلق الاديان الانسانية والاصدق تعبيرا عن المشروع الديني ، ولذالك هم بنوا على قواعد وأسس..، خاطئة في الموضوع فحتما سيصلون الى النتائج والمؤشرات الخاطئة ايضا ؟.
قصدي هو: هل استطاع اولئك المفكرون من استيعاب كل الرؤى المطروحة حول المشروع الديني انسانيا بما فيها الرؤية الاسلامية ليتمكنوا من اطلاق الاحكام الدقيقة بصدد المسألة الدينية ،؟. أم انهم أكتفوا بدراسة اديانهم المحلية والتي في اعتقادنا ان كل ماقيل فيها فلسفيا فهو حق.
ولماذا في كل الطرح الفلسفي الغربي حول الدين لم نكد نجد طرحا يناقش الموضوعة الدينية على اساس ما طرح اسلاميا بصدد هذه الموضوعة من ان الدين ( فطرة ) انسانية وليس منتجا صناعيا من هنا او هناك - نقصد على يد فلاسفة التنوير وليس الان بعد ان توصل العلم نفسه لهذه الحقيقة التي تقول ان الدين والتدين فطرة وحاجة طبيعية للانسان - ؟.
ونعم لايعقل او يصدق : ( ان الاه ينجب اطفالا من زوجة فانية ؟. ولايعقل او يصدق : ان خطايا ترجع الى الاه ويحاسب عليها نفس الاله ...../ كما طرح نيتشه ) ، ولكن هل يصدق :( ان الاه ليس كمثله شيئ وكامل من جميع الجهات ؟. هل يصدق ان الاه الكون لم يلد ولم يولد وان جميع البشر من خلقه ؟. وهل يصدق او يعقل : ان الاه يأمر بالعدل والاحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر ...، وانه لايظلم مثقال ذرة في الارض او في السماء ؟.)
يبدو ان المعادلة لو كانت مطروحة أمام نيتشة أوغيره من فلاسفة اوربا بالشكل الثاني لكان الامر مختلفا نوعا ما ؟. كذا لوكان الدين مطروحا وحسب الرؤية الاسلامية كمنطلق واطروحة ثورية ونهضوية ضد الاستغلال والظلم والترف ، ودعوة للعلم والانفتاح والمطالبة بالحقوق ... لكان الامر ايضا مختلفا بالنسبة لماركس ، ولما كان موقفه من الموضوعة الدينية بهذا الشكل اللاعلمي ؟.
ان الاطروحة الاسلامية عندما تطرح المشروع الديني أمام الفكر الانساني فانها تطرحه ومنذ البداية بنوع من النظرة العلمية الدقيقة لتؤكد : ان الدين فطرة انسانية وطبيعة خلقية ولاسبيل لاي عامل في الوجود الانساني سواء كان فكريا او علميا ..، من تذويب تلك الفطرة الدينية ، وان المشروع الديني في اساسه مشروع نهضة ومطالبة ودفاع عن حقوق المظلومين والمستضعفين في الارض ضد المستغلين والظلمة ، وانه مشروع متكامل مع العقل الانساني ومنتجات الفكر البشري ، وانه مشروع يدعوا للعلم والابداع والابتكار والانفتاح على الكون والانسان ، وانه .....الخ ؟.
عندئذ وبهذه الرؤية لامبرر لدهشة واستغراب الفكر الانساني عندما يرى المشروع الديني حالة متجددة ومتعسرة على الموت الابدي بسبب كونه فطرة وطبيعة انسانيا وحاجة روحية ونفسية ؟. ولا مبرر للاعتقاد بان التقدم العلمي كفيل بقتل المشروع الديني ، بسبب ان الرؤية الدقيقة للفكر الاسلامي تقول بان العلم وتطوره ما هو الا ذراع وجندي ( ومايعلم جنود ربك الاهو ) داخل في اطار الخدمة للمشروع الديني ، وقد خدع اولئك الفلاسفة الذين قدسوا العلم في سبيل التخلص من الدين ، واستدرجوا بسذاجة الى فخ الاطمئنان للعلم والاخذ بكل مقالاته ليكتشفوا متاخرا ان العلم يدعوا للايمان بالدين وليس العكس ؟. كما انه لامبرر للنظر ة القائلة ان الدين افيون ومخدر اخترعته الطبقة المستغلة لمصادرة حقوق المظلومين ، بسبب ان الدين كما تطرحه الرؤية الاسلامية بعكس ذالك تماما بل هو نهضة ومطالبة ودعوة الى ترك الغفلة والركون للاستسلام للظلم والاستغلال ، وانبياء وقادة ومناضلي الاطروحة الاسلامية هم خير دليل وبرهان على هذا الطرح الثوري والنهضوي ؟.
اما لو اريد مصادرة الدين باسم التصورات الظلامية للقرون الوسطى ، وباسم الكنيسة في الماضي ، فهذا شأن بالامكان قبوله للعالم الغربي ، ولكن تعميمه وفرضه كحالة انسانية عامة وكرؤية رسمية للدين السماوي ، فهذا أمر غير مبرر ولا مقبول في حقيقته ، باعتبار ان ليس كل الاديان السماوية الانسانية تحمل مضامين وتصورات الكنيسة في القرون الظلامية الغابرة ، وكذا ليس كل المشاريع الرسالية السماوية هي تؤمن بالاه ظالم ، وتعاليم هي في حقيقتها تفتقر لكل مايمت الصلة بالمشاريع الرسالية السماوية الصادقة ؟.
ومن هذه الرؤية تتجدد نظرتنا - حقيقة - للمشروع الديني لننفتح بافق اكثر مرونة على التعاليم الدينية الحقة ، ولنتساءل من ثم عن كل المفردات الفكرية والعلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية ، التي يطرحها فكرنا الاسلامي ، وبكل المناحي والاتجاهات المعرفية ونحن مطمأنون تماما بأن الدين مشروع الاهي ، نزّل لخير الانسانية المعذبة ، وان شيئا او فكرة او تصورا ...، لاينسجم مع هذا التوجه الانساني المحترم فسندرك ان يد الخيانة الانسانية تدخلت لتزوّر من هذه الحقائق اللاهوتية الاخلاقية ؟.
ان السؤال عن ماهية الدين وهل هو حقيقة مشروع الاهي ، سؤال جدّ طبيعي ومحترم في المنظور الاسلامي ، وربما يرتقي مثل هذا السؤال حول المشروع الديني الى مستوى الواجب الاخلاقي على الانسان الواعي ، فلا يقبل والحال هذه اي فكرة تدّعي اتصالها بالسماء من غير ان يطلب البرهان والدليل على مثل هذه الادعاءات الخطيرة ، بسبب ان اقناع العقل الانساني وأطمأنان النفس البشرية احد المفردات التي تستهدفها المشاريع الرسالية السماوية في تحركها على ارض الانسان ، ولاريب عندئذ من اقناع هذه الاقانيم الفكرية والروحية ليتحصل التصديق والايمان في المشروع الرسالي اللاهوتي ، وعلى هذا الاساس من النظرة بنيت مداخل ومخارج موضوعة المعجزة والاعجاز في المشاريع الرسالية السماوية وحسب الرؤية الاسلامية المباركة ؟.
نعم من حق الفكر الانساني قديما وحديثا في الفكر الاسلامي ، بل ومن الواجب عليه ان يسأل عن الدليل والبرهان العقلي والحسي الذي يؤكد له صدق دعوة الاديان ، والذين يمثلون هذه الاديان ويعلنون صلتهم بالسماء ، وان يقدموا للعالم الانساني ، وللعقل البشري الادلة التي تثبت صدق دعواهم تلك ولتكون هذه الادلة والبراهين من ثم دلالات كافية لاقناع الضمير الانساني واطمئنانه ، ومن بعد ذاك وصوله الى حقيقة ان وجوده في هذه الحياة هو لغاية وهدف اسمى بكثير من مجرد الاكل والشرب ، وانظف بكثير من مجرد اللعب وارتكاب الجرائم باسم الذكاء والفرصة ؟.
ومن هنا كانت الشعوب والامم في الماضي السحيق تسأل وتطلب من انبيائهم ورسلهم والذين بعثوا للانذار والتبشير لحقيقة الانسان ، الادلة والايات التي تؤكد صدق دعواهم وصدق رسالتهم الانسانية العظيمة ، وكان على القادة والانبياء والرسل التاريخيون ، ان يخضعوا لهذا المطلب المنطقي والعقلي والواقعي من قبل الاجتماع الانساني ، واعتباره مطلبا شرعيا في عالم الانسان ، ومن ثم تكون عملية اظهار الوثائق والدلالات والايات الكبيرة سواء كانت كونية او طبيعية او انسانية ، سندا ووثيقة يطلّع عليها الانسان ومن ثم ليؤمن ان ما جاء به هذا النبي او الرسول او القائد اللاهوتي هو امر لاتستطيعه المقدرة البشرية الطبيعية العادية الا بلحاظ مساندة من قوة هي اقوى بكثير من قوى الانسان الطبيعية والتي تسمى قوة الله الخالق القادر العالم المنفذ القوي .......الخ ؟.
ان تعريف معادلة ( الاعجاز او المعجزة ) الرسالية السماوية ، هو الاخر بعدا معرفيا يهب الرؤية لموضوعة المعجزة الرسالية ، ويوضح المقصد ويقربه للعقل المفكر والمتفلسف الانساني ، كما ان بحث الموضوعة بكافة حيثياتها يدخلنا الى عالم الغريب في الفكر الديني ، والكيفية الصحية التي من خلالها ينبغي ان ننظر للمسألة برمتها ، وعليه كان لزاما ان ننطلق مبدأيا من التعريف لهذه المعادلة ، ثم ننتقل الى التقسيم ، لندرك فلسفة تغيرّ معادلة الاعجاز الرسالية السماوية ، ولماذا هناك هي معجزة كونية ، وهنا انسانية ، واخرى فكرية علمية نظرية مقروءة ، كما هو الحال في معجزة الاطروحة الاسلامية الخاتمة ، والمتمثلة بمعجز القران الكريم ؟.
ان هناك من يرى : ( ان المعجزة ماهي الا أعمال مناقضة لنظام الطبيعة ) اي ان التعريف المستخلص من هذه الرؤية يقول :( ان المعجزة عبارة عن نقض للنظام والقانون الطبيعي فحسب / أنظر : رسالة في اللاهوت والسياسة / سبينوزا / الفصل السادس عشر/ص 225 ؟.) .
وهذا التعريف بغض النظر عن انه بدائي ، وهو لايمت بالصلة للعملية الاعجازية ، فهو كذالك تعريف غير واقعي بالنسبة لمفهوم المعجزة ، فالاعجاز في المفهوم الاسلامي خصوصا هو ليس نقضا ، او خروجا على قوانين النظام الكوني او الانساني ، وانما المعجزة ومن خلال التعريف الاسلامي هي :( عملية يتم من خلالها خرقا للعادة والمألوف الانساني ؟.) وليس خرقا لمنظومة النظم الطبيعية والقانونية التي تسّير حركة النظام الكوني والطبيعي ، فللنظام الكوني والطبيعي شبكة معقدة من النظم القانونية والتي تشرف على حركة الطبيعة ، وهذه الشبكة المعقدة من القوانين الكونية والطبيعية ، لايمكن نقضها او خرقها او رفعها من عملية الحركة الطبيعية والكونية الموجودة في هذا الوجود الذي يعيش فيه الانسان ، لاعتبار ان تلك القوانين قائمة على مبدأ العلية والسببية الحتمي العمل والنتائج ، وعلى هذا الاساس ينظر الانسان لحركة الطبيعة والكون بانتظام ، وبنوع من الالفة العادية ، ولكن ومن خلال النظرة العميقة لشبكة القوانين الطبيعية والكونية ، يكتشف العلم ان هذه القوانين بالامكان اكتشاف اليات حركتها في الوجود ، كما انه بالامكان استثمار هذه المعرفة بالقوانين الكونية للوصول الى عمليات تركيب تدخل في صلب المعادلة القانونية ، لنصل الى نتائج مركبة من نفس القوانين الطبيعية الثابتة للوصول الى صناعات واكتشافات عظيمة وعملاقة ، بدون ان نكون قد نقضنا بهذا التركيب اي من القوانين الطبيعية او الكونية ، وكمثال على ذالك ، فان الماء كمادة سائلة ، قد الف حركتها الانسان منذ الازل القديم ، واعتاد على رؤية الماء بمادته الطبيعية ، ولكن ومن خلال التجربة ادرك الانسان الفطري ان معادلة قانونية معينة بأمكانها ان تحول الماء الى مادة صلبة وغير سائلة متحركة ، كما انه بمعادلة قانونية اخرى بالامكان تحوّل الماء الى بخار له من القوانين الخاصة به ما لم يكن موجودا ، عندما كان مادة سائلة ....، وهكذا كل قوانين الطبيعة والكون لها شبكة من القوانين المعقدة والمتداخلة مع بعضها والبعض الاخر ، كما انه بالامكان وبعد تمكن الانسان من اكتشاف بعض القوانين الطبيعية والكونية ، من الانتفاع والتركيب الصناعي ليكتشف قوانين هي اكثر عمقا وفاعلية في هذا الكون العجيب ، بدون ان يكون هناك اي نقض لقانون كوني او طبيعي معين ، ومع ذالك تكون هذه الاكتشافات الكبيرة لقوانين الحياة وما ينتج عن هذه المعرفة من قدرة وتمكن انساني ، الشيئ العجيب بالنسبة لادراكات الانسان الساذج ( وربما يتساءل البعض : اذا هل بامكان الاكتشافات العلمية ان تصل في يوم من الايام لماهية قوانين المعاجز الرسالية للرسل لتصبح هذه المعاجز من القوانين الطبيعية المعروفة للانسان ؟. الجواب لا بسبب ان قوانين المعاجز الرسالية قوانين غالبة دائما ) ؟.
ان قول الفكر الاسلامي وتعريفه لمعادلة ( المعجزة ) الكونية او الطبيعية ، على اساس انها ( الامر الخارق للعادة ؟./ انظر الطباطبائي / ج 1 / ص 75 ومابعده ). هو تعبير دقيق بالاضافة الى انه تعبير اسلامي - اي - ان الاسلام ينظر للعالم وشبكته القانونية على اساس انه نظام قائم على الدقة المتناهية من التقدير الالهي ، وهذا التقدير المحكم لايمكن نقضه او تخلف عمله القانوني :( انا كل شيئ خلقناه بقدر ) ( وخلق كل شيئ فقدره تقديرا ) ( والذي خلق فسوى والذي قدر فهدى ......الخ ) ، وعليه كان الفكر الاسلامي يتعامل مع قانون العلية والسببية الكوني والطبيعي بواقعية ، فلكل شيئ سبب طبيعي في منظومة الفكر الاسلامي وان كان في النهاية ولغايات تعبدية وتوحيدية يرجع الاسلام كل شيئ لله سبحانه وتعالى ، ولكنه مع ذالك لايقول بأمكانية نقض او خرق المنظومة القانونية المقدرة والمحكمة لهذا العالم ، ولكنه يقول من جانب اخر ب(غالبية الامر الالهي ) وهو ما يسمى في الاطروحة الاسلامية بالمعجزة ، اي ان للكون والعالم قوانين هي بشكل او بآخر عناوين لأمر الخالق واطلاق تقديره ....، وباقي العناوين التي يدركها العلم الالهي المحيط بهذا العالم او قوانينه الطبيعية ، والتي ومن خلال حدث معين تكون بعض القوانين الطبيعية والكونية اكثر غلبة وقدرة وتغلب على باقي القوانين الطبيعية والكونية الاخرى في عالم الانسان ، ومن خلال هذه الغلبة تكون عملية اعجاز الانبياء والرسل لاقوامهم لايصال رسالة مفادها : ان هذا العمل المعجز واللامألوف لبني الانسان ، كفلق البحر ، وتحويل العصا الى ثعبان حي ، او ابراء مريض ، او احياء ميت ....الى اخره من المعاجز المذكورة قرانيا لانبياء ورسل ، ماهي الا خوارق للعادة الانسانية بحاجة الى قدرة اكبر وعلم اوسع ...، بامكانه غلبة القانون الطبيعي او الكوني بقانون اعمق واكبر واقدر فعلا :( والله غالب على أمره ولكن اكثر الناس لايعلمون / يوسف :21/ قران كريم ) .
اذا التعريف الذي يطرحه الكادر الفلسفي و ( التنويري ) الاوربي ، لموضوعة ( المعجزة ) الرسالية بالاضافة لكونه تعريفا لاعلميا ، كذالك هو تعريفا ظلاميا منحدرا من الاديان التي وعى على افكارها اولئك الفلاسفة والمفكرون ، وعليه بنى سبينوزا كل مطارحته الفكرية لمعادلة ( المعجزة ) على هذه المقدمة الخاطئة ، ليصل اخيرا الى نتائج مشوهة ، لينفي وجود شيئ اسمه معجزة باعتبار :( ان القوانين العامة للطبيعة ، ليست الامجرد أوامر الهية تصدر عن ضرورة الطبيعة الالهية وكمالها ، واذن فلو حدث شيئ في الطبيعة يناقض قوانينها العامة كان هذا الشيئ مناقضا ايضا لأمر الله وعقله وطبيعته / ص 223 / ومن ذالك نستطيع ان نستنتج مرة اخرى ان اي معجزة ( تناقض ) الطبيعة او تتجاوز الطبيعة هي امتناع محض ، وبالتالي لانستطيع تفسير المعجزة في الكتب المقدسة الا بوصفها عملا للطبيعة يتجاوز الفهم الانساني او نعتقد انه كذالك / ص 227؟.).
وربما يلاحظ البعض على هذه النتيجة والاشكالية التي يقول بها سبينوزا ، ان اعتقدنا بوجود معجزة خارقة للقانون الطبيعي ، مع العلم ان ليس هناك ما يسمى خرقا للقانون في عملية الاعجاز الرسالي حسب المنظور الاسلامي لمعادلة المعجزة ؟.
كذالك ربما هناك من لاحظ الرؤى الظلامية الدينية والتي ينطلق منها الفيلسوف التنويري سبينوزا في ادراك وفهم معادلة الاعجاز الرسالي فهو يقول : بان القوانين الطبيعية ما هي الا انعكاس ل( اوامر الله وكمالها ... فلو حدث شيئ في الطبيعة يناقض قوانينها العامة كان هذا الشيئ مناقضا ايضا لأمر الله وعقله وطبيعته ؟) ولا يمكن - حقيقة - فهم هذه النقطة بالذات في فكر سبينوزا الا اذا رجعنا الى معتقديته الدينية الشخصية ورؤيته اللاهوتية لهذا الاله الذي هو ( روح العالم وقوانينه وطبيعته الثابتة ) ، فبأعتبار ان فكر سبينوزا ينطلق من الديانة اليهودية الظلامية والمنغلقة ، فانها تعتقد ان : الله قد احكم العالم بشكل صارم وآلي بحيث لامجال بعد ذالك الاحكام للعالم من ان يغير فيه شيئا على الاطلاق وليس هناك قوة حتى قوة الله نفسه من ان تستطيع ان تغير او تعدل من قوانين هذا العالم وتلك الحياة ، فقد فرغ الله من كتابة ووضع كل شيئ في هذا العالم والوجود وانتهى الامر ، وسار وسيضل يسير على وتيرة وقانون واحد الى ان تنتهي الحياة ؟.
وهذه الرؤية التلمودية ل( الله ) والعالم والقانون والانسان هي ما جعلت سبينوزا يجزم بان ليس هناك ( حدث بامكانه ان ينقض القانون الطبيعي والكوني باعتباره اوامر الله وطبيعته التي ركبت العالم ولامبدل لهذه آلالية من ثم ؟) ، وهذه هي الجبرية الكونية نفسها التي رصدها القران الكريم للمعتقدية اليهودية في قوله سبحانه :( وقالت اليهود يد الله مغلولة ../ انظر الميزان ج 6 ص 40 / الطباطبائي : روايات أئمة اهل البيت ان المعنى : كانوا يقولون قد فرغ من الامر لايحدث غير ماقدره في التقدير الاول / وكذا ماذكره الفخر الرازي في تفسير النص القراني المسألة الرابعة ج 4 / ص 394 ..) .
وعلى هذه الرؤية البدائية قال سبينوزا بفكرة وتعريف المعجز الرسالي ، كما انه ومن نفس المنطلق نظر للقانون الكوني والطبيعي على اساس انه قانون يسير على وتيرة واحدة حاكمة حتى على الوجود الالهي العاجز ( ولذالك لايسمح المعتقد اليهودي القول بالنسخ في الكون او الاحكام ، كما انه لايسمح بفكرة ان الله يفعل مايشاء وانه في كل يوم هو في شأن ، وانه هو الحاكم على القانون وله الامكانية في نقضه ان فرض ان المعجزة هي نقض القوانين ؟. كما ان سبب نقمة اليهود على سبينوزا ليس لانه انتقد الفكر اليهودي ، بل لانه كان يعتقد بان الله رب الناس جميعا ويساوي بينهم بالحقوق ، ولذالك كان سبينوزا خارجا على المتعارف من ان لله شعبا واحدا له الخصائص والمميزات في التعامل وهذا الامر قد كتب في القانون ولايمكن تغييره حتى من قبل الله نفسه فالامر قد حسم ولا يد بامكانها ان تغير من المعادلة ؟. ...الخ ) ايضا من تحريك قوانين الكون والحياة بأي شكل من الاشكال ليتمكن من ثم لاحداث عمل معين يخرق العادة الانسانية او على حد تعبيره يخرق القانون الطبيعي هذا ؟.
وهكذا حتى يراكم فلاسفة التنوير الظلمات على عقولنا البسيطة في كل فكرة تتصل بالمشروع الديني ، ليوصلونا الى نتيجة هي اكثر ظلمة من سابقاتها التي ذكرت بمسألة وحيدة من المسائل الدينية الا وهي معادلة الاعجاز الرسالي ليتقرر :( واذن فالمعجزات اذا عرفناها بانها أعمال مناقضة لنظام الطبيعة ، يستحيل ان تكون وسيلة لاثبات وجود الله ؟./ رسالة في اللاهوت والسياسة / سبينوزا / ص 225 ) .
وبغض النظر من ان المعجزة ليست هي عملية نقض لقانون ونظام الطبيعة كما ذكرنا ، فنحن امام هذه الظلمة الجديدة من الاعتقاد الفلسفي الساذج الذي يرى ان وظيفة المعجزة الرسالية السماوية ماهي الا لاثبات وجود الله ؟.
والحقيقة هي ان المعاجز الرسالية السماوية لم تكن اصلا ناظرة للمسألة الوجودية لهذا الاله او ذاك ، وانما كانت ولم تزل وظائف المعاجز الرسالية السماوية تتحرك في اطار دعم الرسل - كما ذكرنا سابقا - في دعواهم انهم متصلون في السماء ولهم نوع من الاتصال المباشر مع خالق الوجود ، ولذالك كانت المطالبة من الاجتماع الانساني وعلى مدى التاريخ هي القول : وما الدليل على اتصالكم بالسماء ؟. وعندئذ يؤيد الرسل والانبياء بنوع من الاعجاز الخارق للعادة أمام الاجتماع الانساني ليتأكد الاجتماع الانساني من صدق مدعى الرسول او النبي او القائد اللاهوتي هذا او ذاك ؟.
اذا اي شيئ قد طرحه فلاسفة التنوير الغربي عن الموضوعة الدينية يحمل تنويرا او على الاقل يحمل وعي تاما للموضوعة الدينية ؟.
وأليس غريبا ان يطرح مفكرا او فيلسوفا بمنزلة اسبينوزا او غيره من فلاسفة اوربا المرموقين ، مواضيع ليس له اي وعي او ادراك ناضج حول هذه المواضيع ؟.... الى اخر هذه الاسئلة والتي تضعنا وجه لوجه مع مفكري وفلاسفة اوربا المتقدمة ؟.
ألم يعلم سبينوزا وغيره ان موضوعة اثبات وجود الخالق لم تحتج ولن تحتاج لاي معجزة خارقة للعادة لتأكيد هذه الحقيقة الواضحة ؟. وألم يفرق سبينوزا بين المواضيع التي يختص بها العقل والفكر الانساني ليقرر ما اذا كانت تلك المواضيع صادقة او كاذبة ، وبين المواضيع التي هي بحاجة فعلا لمعاجز سماوية تدعم من هذا الموضوع او ذاك ؟.
وعلى العموم وبعد هذه الجولة الطويلة نوعا ما مع معادلة الاعجاز الرسالية نتوصل الى حقيقة : ان المعاجز الرسالية هي واقع لاينكره منطق الاحتمالات العقلي الانساني ، كما انها ليست نقض للقوانين والنظم الكونية والطبيعية ، وانما هي عمليات تنفذ من خلال قوانين ونظم ايضا كونية وطبيعية ولكنها اكثر عمقا واكبر غلبة على قوانين الطبيعة الظاهر ، وهي القوانين الغالبة كما يسميها الطرح الاسلامي :( والله غالب على امره ) يؤيد من خلالها هذا الطرح الرسالي السماوي او ذاك ليتقبله المجتمع الانساني بنوع من الاطمئنان الذي يناسب سذاجتهم الفكرية التي تخضع للمحسوس من البراهين والادلة وتعجز عن الوصول للحقائق من خلال التفكير والاجتهاد والتأمل ؟.
وأذ استطعنا ان نناقش موضوعة الاعجاز بنوع يقرّب من المدلولات الفكرية لهذه العملية ، فعلينا الان ان نتناول الشق الاخر من الموضوعة ، وهي : لماذا تغيرّت المعادلة الاعجازية لرسالة الرسل ، لتنتقل من المعجزة الخارقة للعادة البشرية طبيعيا وكونيا ، الى المعجزة الكلامية الخارقة للعادة البشرية فكريا وروحيا ايضا ؟.
وكيف نتمكن من فهم ان تكون الكلمة معجزة تستطيع اقناع العقل والوجدان البشري وترغمه على الاعتراف بأن هذه الكلمة هي معجزة ودليل صدق على رسالية خاتم النبيين وسيد المرسلين محمد بن عبدالله ص ؟. ولماذا لم تبقى كلمة الاعجاز الكونية والطبيعية هي الدليل على صدقية الدعوة الرسالية الخاتمة ؟.
ان الاعجاز الكوني والطبيعي ، وكما هو المعروف هو اعجاز آني يقيده الزمان والمكان ، ويكون حقا حجة ودليلا على من شاهد تلك المعاجز الرسالية ، اما من لم يحضر هذه المهرجانات الاعجازية فله حق الشك والانكار لمثل تلك المعاجز الحسية ، فمادية معاجز الرسل التاريخيون ، هي مركبة اساسا على دلالات الحس والمادة في كيان الانسان ، كما انها معاجز ومن الجانب الاخر اتت لمراحل زمنية كان الانسان فيها يحبو في مرحلة الطفولة الانسانية ، واعتمادها الكلي على الدلائل والبراهين التي تتلائم ونموه العقلي والفكري المادي البدائي ، ولذالك كانت مميزات تلك المعاجز الرسالية ، انها آنية ومقيدة ومادية ، وليس لها حجة على من لم يشهدها عمليا الا النقل التاريخي ، فليس هناك دلالة بالنسبة لي ترغمني على الاطمئنان والايمان بان شخصا ما كان يحيي الموتى ويبرئ الاكمه والابرض ويعالج المرضى بشكل يفوق معالجات العقاقير الطبية الحديثة الا ثقتي بالنقل التاريخي وانه موثوق النقل ؟. اما من يريد الشك في عملية النقل التاريخية فله الحق في ذالك ؟.
ومن هذه الرؤية انبنت فلسفة ختم النبوة ، كما انبنت معادلة اعجازية هذه النبوة الخاتمة ، وما يناسبها من معجزة تكون اكثر تناسبا مع نمو العقل الانساني من جهة ، واخذ هذه المعجزة بنظر الاعتبار حالة التقدم والتكامل التي سيصلها العقل الانساني فكريا وعلميا وفنيا واجتماعيا ونفسيا في مستقبل الحياة العقلية للانسان من جهة أخرى ( سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم ) ؟.
فكانت معجزة ختم النبوة مميزة في كونها : معجزة لها صفة الاستمرارية مع الانسان - كما ان الرسول الخاتم له نفس هذه الاستمرارية الرسالية ايضا - ، فكما ان القران معجز قبل الف واربعمائة عام على زيد من البشر ، هو كذالك معجز او دليل اعجاز نبوي عليّ في القرن الواحد والعشرين من هذا العصر الحديث ؟.، وكذا يقال بالنسبة لكون هذه الدلالة الاعجازية هي دلالة فكرية وعقلية وفنية اكثر منها دلالة حسية ومادية ، فللعقل الانساني والفكر الانساني حكمه الاول والاخير على هذه الدلالة الاعجازية الخاتمة ، وليس للحس والمادة تلك الدلالة التي كانت لمعاجز الانبياء السابقين (لقوم يتفكون ) ؟.، ويقال ايضا ان من مميزات هذه الدلالة الاعجازية الخاتمة انها دلالة وبرهان وآية مقروءة ، وليست مشهوده ، مما يترتب عليه بعض النتائج التي هي مقدمات لادراك دلالة الاعجاز الخاتمة لرسالة الرسالات السماوية ؟.
وهنا يكون السؤال مشروعا حول الكيفية التي من خلالها يتمكن هذا المقروء من ان يرقى الى مستوى الدلالة الاعجازية على صدقية دعوة رسالية واتصال محمد رسول الله بالعالم اللاهوتي العلوي والذي اتصل به من قبل رسل وانبياء اخرين ، فكيف والحال هذه كان المقروء من الكتب معجزة تخترق العادة البشرية لتؤكد صدقية الرسالة الخاتمة ؟.
ان معرفة ماهية الاعجاز القراني هي التي تؤهلنا لمعرفة الكيفية التي استطاع من خلالها المقروء ان يكون معجزا لباقي البشر من الاتيان بمثله ، وموضوعة النداء والاعلان القراني والتحدي الذي يطرحه هذا المقروء على الناس كافة لعدم مقدرتهم الاتيان مثله لهو الامر الغريب حقيقة في عالم الاعجاز الرسالي الخاتم ؟.
نعم ربما نصادف مشعوذا له من القدرة على ادارة فن الخداع والتمويه ما يجعلنا في حيرة من أمرنا ، ومما نراه من الاعاجيب الذي يأتي بها ذالك الفنان المخادع ، حتى نصل الى مرحلة الشك لما نراه هل هو شيئ يدخل في اطار الخارق للعادة البشرية والمتغلب على القوانين الطبيعية ، ام هو امر يدخل في اطار فن الخداع والتموية ؟.
اما ان نأتي بكتاب مقروء ونضعه بين يدي الانسانية لنقول لهم : ان هذه معجزة الرسالة الخاتمة فهلموا وأتوا بمثله ان كان لكم شك في هذه المسألة ، فأن مثل هذه التحدي يلفت النظر ويثير الكثير من الكّتاب والمفكرين على التأمل في هذه الدعوة ؟.، اما من يتقن فن الخداع والدجل فليس له نصيب في هذه المعادلة المقامة بين كتاب معجز ومفكرين وكتاب واصحاب كلمة لهم القدرة على الادراك والوعي لمضمون الكلمة المقروءة ؟.
اذاماهو ذالك السرّ الذي تحمله الكلمة القرانية ؟. كما انه ما هي القوة التي ترتكز عليها تلك الكلمة لتكون موقنة تماما بقدرة الغلبة على كل من يريد تجربة عملية التحدي تلك ؟. وكيف لنا ان نفهم اشكالية التحدي والاعجاز هذه :(وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين / قران كريم ) و (فليأتوا بحديث مثله ان كانوا صادقين ) و ( افلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا / قران كريم ) والغريب هذا التحدي الذي يذهب الى ابعد من المدى البشري المحسوس :( قل لئن اجتمعت الانس والجن - باعتبار ان بعض الدعوى الجاهلية تقول بتعليم الجن للرسول هذه الكلمات الفوق العادة - على ان يأتوا بمثل هذا القرءان لايأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا / 88 / الاسراء ).
هل حقا كون الكلمة قادرة على خرق العادة البشرية ؟.
هناك من يستشكل على مقولة ان تكون الكلمة صالحة لتتبلور الى مادة اعجازية ، وذالك بسبب انه من المعقول القول : ان خرق العادة البشرية طبيعيا وكونيا ، هو امر ممكن ، باعتبار ان الطبيعة والكون من الفعل الالهي ، وعندما يكون للعالم بعض القوانين ( الباطنية ) والتي تدخل في معادلة الشبكة المعقدة لقوانين الكون والطبيعة ، وتفاعل تلك القوانين فيما بين بعضها والبعض الاخر لتخلق لنا ظاهرة طبيعية او كونيا ملفتة للنظر ، فان مثل هذه المقولات وان كانت صعبة الا انها تحوز لنوع من المقبولية العقلية والفكرية ، باعتبار ان عجز القدرة البشرية عن الاتيان بمثل هذه الاعجازيات الكونية امر طبيعي ، فالكون والطبيعة هي صنع وخلق اخر يوازي ان لم نقل يفوق الخلقة الانسانية ، وكل ظاهرة طبيعية او كونية عالية التقنية ستضطر الانسان بقبول مقولة عدم مقدرته على الاتيان بهذا الفعل ؟.
ولكن ياترى هل للكلمة التي اخترعها الانسان ، وتدخل في حيز مقدرته الفعلية ، ان تكون اكبر في يوم من الايام من مقدرته العملية لتشكل أطار المعجز لعمله الانساني ؟. أليس الكلمة فعل لغوي اخترعه الانسان ليكّون له وسيلة تواصل مع الاخر الانساني ، فما المعجز التي تتمكن منه اللغة الانسانية لتقهر القدرة الانسانية على الخضوع الابداعها الفكري او الفني او الطبيعي ... الى اخر هذه المفردات من عناوين اللغة الانسانية ؟.
الحقيقة ان الذين تناولوا الاعجاز القراني فقد تناولوه من عدة جوانب وزوايا لغوية وفنية وتاريخية وغيبية وعلمية .....الخ ، ولكن ما يهمنا هو مناقشة ذالك الاشكال الذي طرحه العقل الانف الذكر لنقول : نعم ان اللغة اختراع وفعل بشري هو اقرب بكثير للقدرة الانسانية من قدرة الانسان على الطبيعة والكون ، ولكن أليس هذه المعادلة نفسها تؤكد قوة الاعجاز اللغوي القراني ، اكثر بكثير من مقولة اعجاز ية الظاهرة الكونية والطبيعية ؟. ، بمعنى : ان هنا سيكون مشروع التحدي هو اكثر حيوية بالنسبة لجميع الطاقات الانسانية ، باعتبار ان ما تحدّت به الرسالة السماوية الاسلامية الخاتمة هو أمر اقرب للانسان وللمقدرة الانسانية من كل امر اخر بالامكان ان يكون بعيدا عن التناول الانساني ، لتقول لنا هذه الاطروحة الرسالية الخاتمة بما معناه : الان وانتم من اخترع واوجد الكلمة المنطوقة والمسموعة والمقروء ، ساتحداكم بما انتم الاقدر عليه وساجعل معجزتي بالمفردات التي خلقتها السنتكم ، فهل تستطيعون والحال هذه ان تأتوا بما انتم الخالقين له في هذه الحياة ( فتبارك الله احسن الخالقين ) ؟. ربما يقول بعضكم لانستطيع ان نأتي بما تقوم به الطبيعة والكون من فعل اعجازي ، ولكم الحق في ذالك ، فما بالكم ونحن نأتي بمعجز هو اقرب اليكم من حبل الوريد ( لغتكم ) فهل يبقى من عذر لعجز الانسان وقدرة الله المطلقة في صياغة معاجزه ودلائله وبراهينه لدعم رسله وانبيائه لتصديق دعواهم والاقتداء بهم ؟؟.
نعم من هذه الزاوية ستكون عملية اعجاز الكلمة ( ان تحققت ) اكبر وقعا بكثير ما لو كانت المعجزة طبيعية او كونية ، وعليه علينا اذا ان ندرك ماهية الاعجاز القراني لغويا اولا ، ولنترك باقي المعاجز العلمية والفنية والتاريخية والغيبية للكلمة القرانية الاسلامية .....، الاخرى لفرصة او لتاءه يبحث عن الاسرار التي توصله بالعالم المجهول ؟.
ان معجزة الكلمة القرانية ليست لانها لغة بشرية ، كما ان اللغة باعتبار انها وسيلة تخاطب انساني لاتملك اصلا ان تكون معجزة ، وانما تملك ان تكون وسيلة اتصال فحسب ، وعليه كانت اللغة ببعض الاضافات الفكرية والفنية والادراكية الانسانية بامكانها ان تكون اكثر جمالية او تعبيرا صادقا ، ولكنها ومع ذالك ليست معجزة ، فالفن يتذوقه الانسان من خلال اللغة المنظومة والمنثورة ، كما ان التاريخ بالامكان نقله والاحتفاض به من خلال اللغة المكتوبة ، وكذا يقال للبحث العلمي وكيفية تمكن اللغة من صياغة المفردات العلمية المحددة والصارمة في نقل الصورة العلمية بكثير او قليل من الامانة اللغوية ، وكل ذالك صحيح ؟.
ولكن هل يتمكن الانسان صانع اللغة والمفردة المنطوقة والمسموعة والمكتوبة ، ان يجمع في لغة واحدة بين جمال الفن ، ودقة وصدق الحدث التاريخي بالاضافة الى صرامة وجفاف وحقيقة التجربة العلمية بنفس الظرف اللغوي ؟.
نعم اللغة بامكانها ان تعبر ، ولكن ما هي مقدرة ذالك التعبير الجمالي والفني من جهة والدقيق والحقيق من جهة اخرى في المقدرة الانسانية ؟.
ولذالك ربما تجد انسانا تاريخيا يجيد تماما فن الكتابة التاريخية ، ولكن هل له القدرة ان يضمن من خلال لغته المكتوبة دقة وحقيقة الصورة التاريخية كما وقعت بالفعل التاريخي ؟.، كما انه هل له المقدرة بصياغة تاريخه المكتوب بلغة فنية راقية بحيث تفوق لغة اي عملاق بلاغي في هذه اللغة نفسها ؟. وربما يكون ذاك الانسان التاريخي خارقا للعادة البشرية ومحدوديتها الادراكية والجمالية ، فهل يتمكن ذالك التاريخي الفني نفسه ان يجمع الى ذاته ومداركه البشرية ايضا عامل العلمية الكونية والطبيعية والتاريخية والنفسية ليشرح لنا تاريخ السماء وما فيها وقوانين الارض وماعليها ، وتاريخ الانسان الفسلوجي والطبيعي والنفسي ؟.
الحقيقة ان وجد ذالك الانسان الخارق للطبيعة البشرية ، فمن حقنا ان ندرك ان الاعجاز القراني ايضا هو معجزة الهيا ، مع وجود ذالك الانسان اللاطبيعي ؟.
نعم الكلمة القرانية ارتقت الى الاعجاز البشري والطبيعي لكونها كلمة استطاعت ان تجمع بين كل الصفات الجمالية والفنية والعلمية التاريخية والكونية والطبيعية والنفسية ، بدون ان تخرج من كونها لغة يتخاطب بها الانسان في هذه الحياة ؟.
ان القران الكريم يصف الكلمة القرانية نفسها بانها ليست كلمة بشرية ، قد صنعت آليا في معامل الادراك الانساني ؟.
بل انها ( حديث منزل ) من القدس العالي يقول سبحانه :( قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين فان لم يستجيبوا لكم فاعلموا انما أنزل بعلم الله / هود / 13- 14 ) .
فظاهر التحدي لكون القران ( نازلا ) لا كلاما تقوله بشر ، وانما نزوله هو بعلم اكبر احاطة واعظم جمالية وافخم دقة ، هو بعلم الله ؟.
وكذا هو حديث وكلام نازل ، له خصوصية التجميع لكل مناحي الحياة الانسانية من جهة ، وله كذالك الابعاد العميقة التي تتوالد وحسب المقدرة العقلية الانسانية من الادراك والجمالية والحقيقة :( قل فأتوا بسورة _ ان لم تستطيعوا الاتيان بعشر سور _ وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين - انه كلام بشري وليس كلام الاهي - بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمّا يأتهم تأويله / يونس 39 )
وعليه ومن المنظور القراني هذا تكون عملية استحالة القدرة البشرية على الاتيان بمثل هذا القران ، منحصرة بعدم قدرة البشر ، ومحدودية طاقاتهم الفكرية والجمالية والنفسية بحدود الزمان والمكان الطبيعيين ، والذي يبرّز حالة الاتساع والاحاطة للكلمة القرانية علميا وتاريخيا ولغويا وجماليا ...، وامتلاكها لبعد ( التأويل ) الذي هو ودائما اوسع بكثير من مدارك البشرية المحدودة ( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله ؟) . اي ان الكلمة القرانية كلمة تتميز بدائمية السبق العلمي ، والذي يحتاج الانسان لفترات زمنية متطاولة للوصول الى هذه الحقائق العلمية ؟.
وكذا هو حديث ولغة وكلمات ، الا انها معجزة لاتضارب او اختلاف او تنافر ....، فيها ، فربما لفنان وشاعر ان ينظم في اول حياته قصيدة هي غاية في الجمال والروعة ، ولكن هل يستطيع ذالك المبدع ان يحافظ على خط الابداع لجميع مراحل حياته الفنية ، ولا نكتشف ان تلك القصيدة هي اجمل من هذه ، وندرس الظروف والملابسات التي جعلت من الانتاج الادبي والفني يضعف في مرحلة ويتألق في اخرى ؟.
وكذا ربما نصادف مؤرخا ديدنه الصدق والامانة ، ولكن الا يهفو هفوة ، ويداهن اخرى ، ويغلبه التعصب هنا والحب او البغض هناك ..، لنكتشف التضارب والاختلاف او التنافر في نقله او تحليله التاريخي هذا او ذاك ؟.
اما تأريخ وكلمة ولغة القران فهي من عند الله ( أفلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا / 82/ النساء ) ؟.
فلنمسك اول كلمة نزلت في القران الكريم ( آقرأ ) ونقارنها حقيقة وصدقا وجمالا مع كل القران حتى اخره فهل تجد اختلافا في روعة الجمال ودقة التعبير وحقيقة التصوير ، مع العلم ان هناك ظروفا جوعا وألما وحربا وسلما وفرحا وحزنا .....، قد تخللت الكلمة القرانية في مسيراتها الطويلة نسبيا ؟.
وهكذا تكون اللغة التي صنعها الانسان ، والكلمة المستعمله عنده في كل لحظة حجة ومعجزة يستدل بها الانسان على صدق مدعى النبوة والرسالة ، من خلال ما ذكرناه لها من مميزات اضفاها القران على الكلمة المنطوقة ليكون صنع الانسان وفعله حجة عليه ؟.
عندئذ لامصداقية لطارحي الاشكال القائل بغرابة ان تكون اللغة اعجازا مع انها فعل انساني ، فاللغة طبيعية عندما تكون مفردات تخاطب ساذجة اما عندما تركّب ، فتصبح جملا جميلة او قبيحة صادقة او كاذبة ( حسب مصطلحات علم المنطق ) حقيقة او متوهمة ....الى اخر هذه العناوين التي يتفاوت بها الادراك الانساني الجمالي والعلمي والتاريخي ، ونعم عندذاك هذا الفنان ارقى من ذاك تعبيرا وفنا ، وهذا التاريخي اصدق نقلا ولهجة عن ذاك ...، ولكل طاقة ابداعية منتهى تقف عنده ، الا الوصول الى اعجاز الكلمة القرانية فانها الطاقة والقدرة التي لم تزل تدعوا هي الى التحدي ب ( آقرأ )
الحقيقة كون القران الكريم معجزة الرسالة الخاتمة شيئ ، وكون الكلمة ( آقرأ ) معجزة المعجزة شيئ اخر ؟.
ليس لكون النبي الرسول محمد رسول الله ص ( روحي له الفدى) ، كان اميا لايقرأ ولايكتب ، ومع ذالك اتى بالعلوم والتواريخ والجمال ...الخ ، مما لايقدر عليه الاجتماع الانساني برمته فحسب ، ولكن ايضا لكون الكلمة القرانية ( آقرأ) هي المفتاح والبوابة التي يتعرف من خلالها العالم الانساني على معجزة الرسالة السماوية الاسلامية الخاتمة ؟.
ففعل الكلمة القرانية (آقرأ) في مرحلة ختم النبوة والرسالة ، وبأعتبار انها العملية الوحيدة المفتوحة اليوم وغدا للتعرف على معجزة السماء ، يرتقى بالفعل (آقرأ) الى مستوى كونه فعلا ان أجيد فعله ، ان ينقل الانسان المفكر والقارئ الى مرحلة الاطلاع على الاعجاز الرسالي كظاهرة اخترقت المألوف والعادي من الفعل البشري ، وذالك يرجعنا الى مرحلة من شاهد الاعجاز الكوني تاريخيا وكيفية تمكن القوانين الطبيعية والكونية من ولادة ظاهرة المعجز الكوني ، فكذا القراءة بامكانها ان تنقل القارئ الى المشاهدة الفكرية للاعجاز الحقيقي ؟.
نعم ان الفعل (آقرأ) ككلمة قرانية تهدف الى الدعوة لقراءة المنتوج السماوي ، بأمكانها ان تنقل الانسان واقعيا لادراك العملية الاصغر للفعل الاعجازي الرسالي الكوني والطبيعي ، وصحيح ان لذّة المشاهدة الحسية هي اكثر اثارة وتشويقا لمدارك الانسان المادية الساذجة ، الا ان الفعل او الكلمة القرانية ومن خلال التدبر والادراك المطلوب يكون لها الفعل الاعمق والتاثير الاكبر على المخيال والفكر والعقل والتامل الانساني بظاهرة الاعجاز الرسالية الخاتمة المتمثلة بكلمة القران المقروء ؟.
وليس هناك حقيقة مفتاح او بوابة اخرى غير طريق (آقرأ) القرانية للتوصل الى هذه الحقائق الاعجازية الكونية والطبيعية والعلمية والفكرية والفنية والنفسية .....الخ ، التي يذكرها القران الكريم ، ولكن بشريطة ان تكون العملية مبدوءة بالكلمة والعملية (آقرأ) القرانية ، وما تحويه من مضامين فعل القراءة المفكرة والمتدبرة والواعية والفنية ...؟.
ان القران المقروء يطرح فنا خاصا لقراءته الفكرية والعلمية والجمالية ، تبدأ بقراءة متدبرة ، فكريا - اي - بمعنى اخر مدبرة للكلمة المقروءة ، وكانما هي انسان بحاجة الى من يدير ويدبر شؤونه الفكرية والنفسية والمعاشية ، ليكون هناك نوع من الصلة او القراءة التي تخترق عملية المرور الساذج للكلمة ، لتنتقل الى المعايشة الروحية الحقيقية للمادة المقروءة وتأكيد هذا الفعل (آقرأ) ؟.
كما انه يطرح الفعل (آقرأ) على اساس انه فعل وجداني تفتح له افاق القلب البشري لتحتضنه ، بدون عقد او مواقف مسبقة ضد الكلمة القرانية المقروءة ،( افلا يتدبرون القرآن أم على قلوب اقفالها / محمد / 24 ) ، فليس هناك ما يدعوا انسانا لاتخاذ مواقف معادية ضد كلمة مقروءة تشرح وتعطي وجهة نظر وتنقل حادثة وتؤرخ لموضوعة وتلفت نظر الانسان الى قوانين الكون وتفتح افاقه للخطاب مع الوجود حوله وتوصله بخالقه وتهبه النظره والهدف في الحياة ....الخ ، فليس هناك والحال هذه ما يدعوا الانسان الى الخوف من الكلمة ( وان كان فعل الكلمة اليوم يخيف حتى الطاغوت الاكبر ) او الانغلاق عنها ، فانها وان اتت او ذهبت تبقى كلمة بحاجة الى من يقرأها بحب ( وانّا أواياكم لعلى هدى او في ضلال مبين / سبأ/ 24 )
الحقيقة هناك من يعتقد ( كاتب هذه السطور شخصيا ) انه لو لم تكن في المعجزة الرسالية الخاتمة سوى كلمة (آقرأ) لكانت تكفي دليلا على صدق خاتم الرسل والانبياء محمد رسول الله ص في دعوته السماوية ، ولكانت (آقرأ) معجزة اكبر بكثير من فلق بحر ، او تحويل عصى الى ثعبان او ابراء مريض او نفخ الروح في ميت انتهت قوانين الحياة بالنسبة لجسده الطبيعي ؟.
وذالك من منطلق ان الاعجاز يقيّم من خلال الوظيفة التي يقوم فيها لبناء وتشييد الحياة الانسانية والكونية والطبيعية ، وعليه فدعنا نأخذ الكلمة القرانية (آقرأ) ونضعها في قبال :كان هناك شخصا ما يبرئ المرضى او له امكانية الاتيان بالغريب من الشؤون الطبيعية ؟. فماذا تكون وظيفة معجزة تختصر بابراء مريض ، كعيادة دكتور متنقلة ، او وظيفة متمكن بأمكانه ان يقيم مسرحا الهيا بأمكانه ان يقيم حفلا لمدة نصف ساعة ، يأتي به بالغريب العجيب على الطبيعة الانسانية ، ثم يذهب كل الى سبيله وهو مبتهج لهذه الامسية اللاهوتية اللطيفة ؟.
بعكس ذاك ما لو اتتك انسانية كاملة تطلب منك الغريب والعجيب من امور الكون والانسان ، فتخرج لهم ورقة مكتوب فيها (آقرأ) وتوزعها على الحضور وتقول لهم : اذهبوا هذه هي معجزة السماء ومفادها ( كل منكم يجب ان يكون قارئا ، للكون او الحياة او الطبيعة او الانسان او المقروء ؟.) ؟.
فمن هو الاكثر قيمة انسانية ، كما انه من هو المشهد الاعجازي الذي بامكانه ان يخلق بدلا من المعجزة الواحدة المعجزات التي لاتحصى كثرة ، عندما نرى المجرم اصبح مدافعا عن القانون ، والمتسوّل فيلسوفا ومفكرا ، وصاحب العين الواحدة حكيما يطبب المرضى والمعاقين ....؟.
نعم ان الله في المنظور الاسلامي لايحتاج الى معجزة كونية او طبيعية ليكون قريبا من البشر ، انما يحتاج مفكرا تقول له الطبيعة بنظامها المتناسق والجميل ان لهذا القانون منظما الاها له القدرة على التنظيم ؟.
كما ان الله يريد فيلسوفا ينظر او يقرأ الكون بنظامه العظيم ليدرك ان هذا الكون بنظامه اكبر معجزة يستدل بها على وجود الخالق وعظمة حكمته اللامتناهية ( أولم ينظروا في ملكوت السموات والارض وما خلق الله من شيئ ...)
ان (آقرأ) حقا معجزة ولكن للقارئ الجيد وللحديث بقية ؟.
(( ان كنتم صادقين ، بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمّا يأتهم ))
(( تأويله ...... / قران كريم / 38 - 39 / يونس ))
......................
الاعجاز والتوظيف : - آقرأ
يستغرب كثير من المفكرين والفلاسفة والعلماء في العصر الحديث ، وبعد هذا التطور الهائل للتكنلوجيا الصناعية ، وبعد هذا التقدم الملموس للعقل الانساني فكريا وعلميا وفنيا واجتماعيا ...، من عودة الموضوعة الدينية بصورة عامة ، والاستغراب - حقيقة - يشتدّ كلما برزت الموضوعات الدينية التفصيلية شيئا فشيئا الى حيز الوجود الفكري والسياسي والعلمي والاجتماعي ...، لتناقش القضايا الدينية بكل تفاصيلها من جديد بعد ان أعتقد أولئك المفكرون والفلاسفة ان قضية الدين وخرافاته الاسطورية قد دفنت بلا رجعة ؟.
والحقيقة ان هذه الدهشة والاستغراب من ماهية الكينونة الدينية وقابليتها اللامعقولة على الاستمرار في الحياة ، بالاضافة الى مقدرة هذا المارد الاسطوري المسمى بالدين على التشّكل مع الزمن بصور جديدة ومتنوعة كل آن ، قد جعلت من ذالك الاستغراب علامة استفهام علمية ، وقوس ولادة لبحث يعود من جديد لدراسة الموضوعة الدينية بشكل مختلف وبروح جديدة ، تختلف عن سابقاتها التي وصلت او ربما اعتقدت انها وصلت للنهاية في دراسة المشروع الديني ؟.
نعم ربما نتسأل نحن بدورنا هذه المرة عن الماهية التي يمتلكها هذا العنوان المسمى بالدين ؟. ولماذا هو لاينتهي ؟. ومتى نحتفل جميعا بالأجل المسمى للمشروع الديني ، ونقيم مأتمه الختامي ؟. أليس المشروع الديني هو مجموعة من الكتل الاسطورية والاعجازية الخرافية التي اتت لزمان معين كانت العلوم وتكنلوجيا الصناعة غير مهيئة لمعرفة بعض قوانين الطبيعة مما دفع الانسان للاعتماد على الخرافة والدين ليعلل بعض الظواهر الكونية والاجتماعية الانسانية التي لم يكن يحيط بقوانينها الطبيعية ؟.
فاذا كيف لم يزل الدين ومواضيعه التفصيلية فاعلة ومؤثرة على الاجتماع الانساني الكوني حتى بعد ان تمكن الانسان من شطر الذرة نصفين ؟.
الحق ان مثل هذه الاسئلة حول المشروع الديني هي أسئلة قديمة جديدة على الفكر الانساني ، فقد استغرب احد المفكرين بقوله :( عندما نستمع في صباح الاحد الى دقات النواقيس القديمة ، نتساءل : أهذا ممكن ؟. ان كل ذالك من أجل يهودي صلب منذ الفي عام ، كان يقول انه ابن الله ، وهو زعم يفتقر الى البرهان ؟.....، فلنتصور الها ينجب أطفالا من زوجة فانية ، وخطايا ترجع الى الاه ، ويحاسب عليها نفس الاله ؟... وخوفا من عالم آخر يكون الموت هو المدخل اليه ؟.. ، لكم يبدو لنا كل ذالك مخيفا ، وكأنه شبح قد بعث من الماضي السحيق . أيصدق أحدا أن شيئا كهذا لايزال يصدقّ ؟./ نيتشه / أمور انسانية ).
ان لنيتشه - حقيقة - الحق بهذا التساؤل ، كما ان للبعض الاخر الحق ايضا عندما يتساءل بنفس الصيغة ولكن من زاوية وجانب وجهة وجبهة أخرى ليطرح :أيعقل ان يكون الانسان مستمرا بتصديق معاجز الانبياء ونزول وصعود الملائكة والبعث بعد الموت لحياة جديدة ؟.
وهل يعقل ان الملايين من بني الانسان لم يزل للدين عليهم هذه السيطرة العظيمة ؟. واين الفعل العلمي والتكنلوجي على الانسان في العصر الحديث بقبال الفعل الديني الخرافي ؟. ولماذا لم تنتصر تكنلوجيا العصر وتقدم العلوم على الرؤى والتصورات الدينية التي تسيطر على الانسان حتى مع ادراكه وقناعته ان الله لايمكن ان يكون ظالما او متجسدا باقنوم بشري فاني ؟. ولماذا وبالعكس هذه المرة من مقولة المتفلسفة ، كلما تقدم العلم اصبحت الحاجة اكثر الحاحا للدين والتدين وليس العكس ؟. هل حقا اننا بحاجة للدين ؟.
ان الجواب عن كل تلك الاسئلة وغيرها وبكل صراحة وموضوعية هو : بالايجاب ؟.
نعم لم يزل للدين ومواضيعه التفصيلية قوة تفوق بكثير هذيان نيتشه ونوبات الصرع لسارتر ، وخدع وتذاكي ماركس ، وتذبذب وخلط باروخ سبينوزا ؟.
الحقيقة بغض النظر عن ماركس باعتباره سياسيا اكثر منه مفكرا ، فاننا نتساءل وبموضوعية حول تلك القائمة من المفكرين والفلاسفة لنقول : هل تساءل حقا أولئك الفلاسفة والمفكرون ليصلوا للبّ القضية الانسانية الكبيرة والتي تسمى الدين ؟. وهل حقا ان أولئك المفكرين كانوا يمتلكون فكرا واعيا في قبال الموضوعة الدينية أم انهم حفنة من السياسيين الذين ركبوا نهضة الموجة العلمية ليصبحوا بين ليلة وضحاها من متسكعين فكريين الى فلاسفة النهضة والتنوير الحديث ؟. ولماذا لم يصل فكر عمالقة الفكر الغربي الى حقيقة الماهية الدينية وليست قشور المسألة فحسب ؟. .....الخ ؟.
تنتابنا الغرابة ونحن نقرأ هذه الرؤى الساذجة لما يسمى فلاسفة التنوير الحديث في الشأن الديني ، ونتساءل : هل كان الافتقار في موضوعة المسألة الدينية متأتيا من ان أولئك الفلاسفة لم يتمكنوا من الوصول الى الماهية الدينية الحقيقية ولذالك اعتقد نيتشة - مثلا - بان الدين مرض ، ومارك من ان الدين أفيون وانتاج طبقي ؟. أم ان الموضوعة بخلاف ذالك تماما ، بل كان أولئك المفكرون على دراية ووعي تام وعالي للموضوعة الدينية وكيفية تناولها ومعالجة افكارها وظواهرها الانسانية ، ولكن في الاطار الديني المنغلق لأولئك المفكرين ، أطار عدم استطاعتهم التخلص من بيئتهم التربوية الدينية المنغلقة والاعتقاد ان اديانهم المحلية هي مطلق الاديان الانسانية والاصدق تعبيرا عن المشروع الديني ، ولذالك هم بنوا على قواعد وأسس..، خاطئة في الموضوع فحتما سيصلون الى النتائج والمؤشرات الخاطئة ايضا ؟.
قصدي هو: هل استطاع اولئك المفكرون من استيعاب كل الرؤى المطروحة حول المشروع الديني انسانيا بما فيها الرؤية الاسلامية ليتمكنوا من اطلاق الاحكام الدقيقة بصدد المسألة الدينية ،؟. أم انهم أكتفوا بدراسة اديانهم المحلية والتي في اعتقادنا ان كل ماقيل فيها فلسفيا فهو حق.
ولماذا في كل الطرح الفلسفي الغربي حول الدين لم نكد نجد طرحا يناقش الموضوعة الدينية على اساس ما طرح اسلاميا بصدد هذه الموضوعة من ان الدين ( فطرة ) انسانية وليس منتجا صناعيا من هنا او هناك - نقصد على يد فلاسفة التنوير وليس الان بعد ان توصل العلم نفسه لهذه الحقيقة التي تقول ان الدين والتدين فطرة وحاجة طبيعية للانسان - ؟.
ونعم لايعقل او يصدق : ( ان الاه ينجب اطفالا من زوجة فانية ؟. ولايعقل او يصدق : ان خطايا ترجع الى الاه ويحاسب عليها نفس الاله ...../ كما طرح نيتشه ) ، ولكن هل يصدق :( ان الاه ليس كمثله شيئ وكامل من جميع الجهات ؟. هل يصدق ان الاه الكون لم يلد ولم يولد وان جميع البشر من خلقه ؟. وهل يصدق او يعقل : ان الاه يأمر بالعدل والاحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر ...، وانه لايظلم مثقال ذرة في الارض او في السماء ؟.)
يبدو ان المعادلة لو كانت مطروحة أمام نيتشة أوغيره من فلاسفة اوربا بالشكل الثاني لكان الامر مختلفا نوعا ما ؟. كذا لوكان الدين مطروحا وحسب الرؤية الاسلامية كمنطلق واطروحة ثورية ونهضوية ضد الاستغلال والظلم والترف ، ودعوة للعلم والانفتاح والمطالبة بالحقوق ... لكان الامر ايضا مختلفا بالنسبة لماركس ، ولما كان موقفه من الموضوعة الدينية بهذا الشكل اللاعلمي ؟.
ان الاطروحة الاسلامية عندما تطرح المشروع الديني أمام الفكر الانساني فانها تطرحه ومنذ البداية بنوع من النظرة العلمية الدقيقة لتؤكد : ان الدين فطرة انسانية وطبيعة خلقية ولاسبيل لاي عامل في الوجود الانساني سواء كان فكريا او علميا ..، من تذويب تلك الفطرة الدينية ، وان المشروع الديني في اساسه مشروع نهضة ومطالبة ودفاع عن حقوق المظلومين والمستضعفين في الارض ضد المستغلين والظلمة ، وانه مشروع متكامل مع العقل الانساني ومنتجات الفكر البشري ، وانه مشروع يدعوا للعلم والابداع والابتكار والانفتاح على الكون والانسان ، وانه .....الخ ؟.
عندئذ وبهذه الرؤية لامبرر لدهشة واستغراب الفكر الانساني عندما يرى المشروع الديني حالة متجددة ومتعسرة على الموت الابدي بسبب كونه فطرة وطبيعة انسانيا وحاجة روحية ونفسية ؟. ولا مبرر للاعتقاد بان التقدم العلمي كفيل بقتل المشروع الديني ، بسبب ان الرؤية الدقيقة للفكر الاسلامي تقول بان العلم وتطوره ما هو الا ذراع وجندي ( ومايعلم جنود ربك الاهو ) داخل في اطار الخدمة للمشروع الديني ، وقد خدع اولئك الفلاسفة الذين قدسوا العلم في سبيل التخلص من الدين ، واستدرجوا بسذاجة الى فخ الاطمئنان للعلم والاخذ بكل مقالاته ليكتشفوا متاخرا ان العلم يدعوا للايمان بالدين وليس العكس ؟. كما انه لامبرر للنظر ة القائلة ان الدين افيون ومخدر اخترعته الطبقة المستغلة لمصادرة حقوق المظلومين ، بسبب ان الدين كما تطرحه الرؤية الاسلامية بعكس ذالك تماما بل هو نهضة ومطالبة ودعوة الى ترك الغفلة والركون للاستسلام للظلم والاستغلال ، وانبياء وقادة ومناضلي الاطروحة الاسلامية هم خير دليل وبرهان على هذا الطرح الثوري والنهضوي ؟.
اما لو اريد مصادرة الدين باسم التصورات الظلامية للقرون الوسطى ، وباسم الكنيسة في الماضي ، فهذا شأن بالامكان قبوله للعالم الغربي ، ولكن تعميمه وفرضه كحالة انسانية عامة وكرؤية رسمية للدين السماوي ، فهذا أمر غير مبرر ولا مقبول في حقيقته ، باعتبار ان ليس كل الاديان السماوية الانسانية تحمل مضامين وتصورات الكنيسة في القرون الظلامية الغابرة ، وكذا ليس كل المشاريع الرسالية السماوية هي تؤمن بالاه ظالم ، وتعاليم هي في حقيقتها تفتقر لكل مايمت الصلة بالمشاريع الرسالية السماوية الصادقة ؟.
ومن هذه الرؤية تتجدد نظرتنا - حقيقة - للمشروع الديني لننفتح بافق اكثر مرونة على التعاليم الدينية الحقة ، ولنتساءل من ثم عن كل المفردات الفكرية والعلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية ، التي يطرحها فكرنا الاسلامي ، وبكل المناحي والاتجاهات المعرفية ونحن مطمأنون تماما بأن الدين مشروع الاهي ، نزّل لخير الانسانية المعذبة ، وان شيئا او فكرة او تصورا ...، لاينسجم مع هذا التوجه الانساني المحترم فسندرك ان يد الخيانة الانسانية تدخلت لتزوّر من هذه الحقائق اللاهوتية الاخلاقية ؟.
ان السؤال عن ماهية الدين وهل هو حقيقة مشروع الاهي ، سؤال جدّ طبيعي ومحترم في المنظور الاسلامي ، وربما يرتقي مثل هذا السؤال حول المشروع الديني الى مستوى الواجب الاخلاقي على الانسان الواعي ، فلا يقبل والحال هذه اي فكرة تدّعي اتصالها بالسماء من غير ان يطلب البرهان والدليل على مثل هذه الادعاءات الخطيرة ، بسبب ان اقناع العقل الانساني وأطمأنان النفس البشرية احد المفردات التي تستهدفها المشاريع الرسالية السماوية في تحركها على ارض الانسان ، ولاريب عندئذ من اقناع هذه الاقانيم الفكرية والروحية ليتحصل التصديق والايمان في المشروع الرسالي اللاهوتي ، وعلى هذا الاساس من النظرة بنيت مداخل ومخارج موضوعة المعجزة والاعجاز في المشاريع الرسالية السماوية وحسب الرؤية الاسلامية المباركة ؟.
نعم من حق الفكر الانساني قديما وحديثا في الفكر الاسلامي ، بل ومن الواجب عليه ان يسأل عن الدليل والبرهان العقلي والحسي الذي يؤكد له صدق دعوة الاديان ، والذين يمثلون هذه الاديان ويعلنون صلتهم بالسماء ، وان يقدموا للعالم الانساني ، وللعقل البشري الادلة التي تثبت صدق دعواهم تلك ولتكون هذه الادلة والبراهين من ثم دلالات كافية لاقناع الضمير الانساني واطمئنانه ، ومن بعد ذاك وصوله الى حقيقة ان وجوده في هذه الحياة هو لغاية وهدف اسمى بكثير من مجرد الاكل والشرب ، وانظف بكثير من مجرد اللعب وارتكاب الجرائم باسم الذكاء والفرصة ؟.
ومن هنا كانت الشعوب والامم في الماضي السحيق تسأل وتطلب من انبيائهم ورسلهم والذين بعثوا للانذار والتبشير لحقيقة الانسان ، الادلة والايات التي تؤكد صدق دعواهم وصدق رسالتهم الانسانية العظيمة ، وكان على القادة والانبياء والرسل التاريخيون ، ان يخضعوا لهذا المطلب المنطقي والعقلي والواقعي من قبل الاجتماع الانساني ، واعتباره مطلبا شرعيا في عالم الانسان ، ومن ثم تكون عملية اظهار الوثائق والدلالات والايات الكبيرة سواء كانت كونية او طبيعية او انسانية ، سندا ووثيقة يطلّع عليها الانسان ومن ثم ليؤمن ان ما جاء به هذا النبي او الرسول او القائد اللاهوتي هو امر لاتستطيعه المقدرة البشرية الطبيعية العادية الا بلحاظ مساندة من قوة هي اقوى بكثير من قوى الانسان الطبيعية والتي تسمى قوة الله الخالق القادر العالم المنفذ القوي .......الخ ؟.
ان تعريف معادلة ( الاعجاز او المعجزة ) الرسالية السماوية ، هو الاخر بعدا معرفيا يهب الرؤية لموضوعة المعجزة الرسالية ، ويوضح المقصد ويقربه للعقل المفكر والمتفلسف الانساني ، كما ان بحث الموضوعة بكافة حيثياتها يدخلنا الى عالم الغريب في الفكر الديني ، والكيفية الصحية التي من خلالها ينبغي ان ننظر للمسألة برمتها ، وعليه كان لزاما ان ننطلق مبدأيا من التعريف لهذه المعادلة ، ثم ننتقل الى التقسيم ، لندرك فلسفة تغيرّ معادلة الاعجاز الرسالية السماوية ، ولماذا هناك هي معجزة كونية ، وهنا انسانية ، واخرى فكرية علمية نظرية مقروءة ، كما هو الحال في معجزة الاطروحة الاسلامية الخاتمة ، والمتمثلة بمعجز القران الكريم ؟.
ان هناك من يرى : ( ان المعجزة ماهي الا أعمال مناقضة لنظام الطبيعة ) اي ان التعريف المستخلص من هذه الرؤية يقول :( ان المعجزة عبارة عن نقض للنظام والقانون الطبيعي فحسب / أنظر : رسالة في اللاهوت والسياسة / سبينوزا / الفصل السادس عشر/ص 225 ؟.) .
وهذا التعريف بغض النظر عن انه بدائي ، وهو لايمت بالصلة للعملية الاعجازية ، فهو كذالك تعريف غير واقعي بالنسبة لمفهوم المعجزة ، فالاعجاز في المفهوم الاسلامي خصوصا هو ليس نقضا ، او خروجا على قوانين النظام الكوني او الانساني ، وانما المعجزة ومن خلال التعريف الاسلامي هي :( عملية يتم من خلالها خرقا للعادة والمألوف الانساني ؟.) وليس خرقا لمنظومة النظم الطبيعية والقانونية التي تسّير حركة النظام الكوني والطبيعي ، فللنظام الكوني والطبيعي شبكة معقدة من النظم القانونية والتي تشرف على حركة الطبيعة ، وهذه الشبكة المعقدة من القوانين الكونية والطبيعية ، لايمكن نقضها او خرقها او رفعها من عملية الحركة الطبيعية والكونية الموجودة في هذا الوجود الذي يعيش فيه الانسان ، لاعتبار ان تلك القوانين قائمة على مبدأ العلية والسببية الحتمي العمل والنتائج ، وعلى هذا الاساس ينظر الانسان لحركة الطبيعة والكون بانتظام ، وبنوع من الالفة العادية ، ولكن ومن خلال النظرة العميقة لشبكة القوانين الطبيعية والكونية ، يكتشف العلم ان هذه القوانين بالامكان اكتشاف اليات حركتها في الوجود ، كما انه بالامكان استثمار هذه المعرفة بالقوانين الكونية للوصول الى عمليات تركيب تدخل في صلب المعادلة القانونية ، لنصل الى نتائج مركبة من نفس القوانين الطبيعية الثابتة للوصول الى صناعات واكتشافات عظيمة وعملاقة ، بدون ان نكون قد نقضنا بهذا التركيب اي من القوانين الطبيعية او الكونية ، وكمثال على ذالك ، فان الماء كمادة سائلة ، قد الف حركتها الانسان منذ الازل القديم ، واعتاد على رؤية الماء بمادته الطبيعية ، ولكن ومن خلال التجربة ادرك الانسان الفطري ان معادلة قانونية معينة بأمكانها ان تحول الماء الى مادة صلبة وغير سائلة متحركة ، كما انه بمعادلة قانونية اخرى بالامكان تحوّل الماء الى بخار له من القوانين الخاصة به ما لم يكن موجودا ، عندما كان مادة سائلة ....، وهكذا كل قوانين الطبيعة والكون لها شبكة من القوانين المعقدة والمتداخلة مع بعضها والبعض الاخر ، كما انه بالامكان وبعد تمكن الانسان من اكتشاف بعض القوانين الطبيعية والكونية ، من الانتفاع والتركيب الصناعي ليكتشف قوانين هي اكثر عمقا وفاعلية في هذا الكون العجيب ، بدون ان يكون هناك اي نقض لقانون كوني او طبيعي معين ، ومع ذالك تكون هذه الاكتشافات الكبيرة لقوانين الحياة وما ينتج عن هذه المعرفة من قدرة وتمكن انساني ، الشيئ العجيب بالنسبة لادراكات الانسان الساذج ( وربما يتساءل البعض : اذا هل بامكان الاكتشافات العلمية ان تصل في يوم من الايام لماهية قوانين المعاجز الرسالية للرسل لتصبح هذه المعاجز من القوانين الطبيعية المعروفة للانسان ؟. الجواب لا بسبب ان قوانين المعاجز الرسالية قوانين غالبة دائما ) ؟.
ان قول الفكر الاسلامي وتعريفه لمعادلة ( المعجزة ) الكونية او الطبيعية ، على اساس انها ( الامر الخارق للعادة ؟./ انظر الطباطبائي / ج 1 / ص 75 ومابعده ). هو تعبير دقيق بالاضافة الى انه تعبير اسلامي - اي - ان الاسلام ينظر للعالم وشبكته القانونية على اساس انه نظام قائم على الدقة المتناهية من التقدير الالهي ، وهذا التقدير المحكم لايمكن نقضه او تخلف عمله القانوني :( انا كل شيئ خلقناه بقدر ) ( وخلق كل شيئ فقدره تقديرا ) ( والذي خلق فسوى والذي قدر فهدى ......الخ ) ، وعليه كان الفكر الاسلامي يتعامل مع قانون العلية والسببية الكوني والطبيعي بواقعية ، فلكل شيئ سبب طبيعي في منظومة الفكر الاسلامي وان كان في النهاية ولغايات تعبدية وتوحيدية يرجع الاسلام كل شيئ لله سبحانه وتعالى ، ولكنه مع ذالك لايقول بأمكانية نقض او خرق المنظومة القانونية المقدرة والمحكمة لهذا العالم ، ولكنه يقول من جانب اخر ب(غالبية الامر الالهي ) وهو ما يسمى في الاطروحة الاسلامية بالمعجزة ، اي ان للكون والعالم قوانين هي بشكل او بآخر عناوين لأمر الخالق واطلاق تقديره ....، وباقي العناوين التي يدركها العلم الالهي المحيط بهذا العالم او قوانينه الطبيعية ، والتي ومن خلال حدث معين تكون بعض القوانين الطبيعية والكونية اكثر غلبة وقدرة وتغلب على باقي القوانين الطبيعية والكونية الاخرى في عالم الانسان ، ومن خلال هذه الغلبة تكون عملية اعجاز الانبياء والرسل لاقوامهم لايصال رسالة مفادها : ان هذا العمل المعجز واللامألوف لبني الانسان ، كفلق البحر ، وتحويل العصا الى ثعبان حي ، او ابراء مريض ، او احياء ميت ....الى اخره من المعاجز المذكورة قرانيا لانبياء ورسل ، ماهي الا خوارق للعادة الانسانية بحاجة الى قدرة اكبر وعلم اوسع ...، بامكانه غلبة القانون الطبيعي او الكوني بقانون اعمق واكبر واقدر فعلا :( والله غالب على أمره ولكن اكثر الناس لايعلمون / يوسف :21/ قران كريم ) .
اذا التعريف الذي يطرحه الكادر الفلسفي و ( التنويري ) الاوربي ، لموضوعة ( المعجزة ) الرسالية بالاضافة لكونه تعريفا لاعلميا ، كذالك هو تعريفا ظلاميا منحدرا من الاديان التي وعى على افكارها اولئك الفلاسفة والمفكرون ، وعليه بنى سبينوزا كل مطارحته الفكرية لمعادلة ( المعجزة ) على هذه المقدمة الخاطئة ، ليصل اخيرا الى نتائج مشوهة ، لينفي وجود شيئ اسمه معجزة باعتبار :( ان القوانين العامة للطبيعة ، ليست الامجرد أوامر الهية تصدر عن ضرورة الطبيعة الالهية وكمالها ، واذن فلو حدث شيئ في الطبيعة يناقض قوانينها العامة كان هذا الشيئ مناقضا ايضا لأمر الله وعقله وطبيعته / ص 223 / ومن ذالك نستطيع ان نستنتج مرة اخرى ان اي معجزة ( تناقض ) الطبيعة او تتجاوز الطبيعة هي امتناع محض ، وبالتالي لانستطيع تفسير المعجزة في الكتب المقدسة الا بوصفها عملا للطبيعة يتجاوز الفهم الانساني او نعتقد انه كذالك / ص 227؟.).
وربما يلاحظ البعض على هذه النتيجة والاشكالية التي يقول بها سبينوزا ، ان اعتقدنا بوجود معجزة خارقة للقانون الطبيعي ، مع العلم ان ليس هناك ما يسمى خرقا للقانون في عملية الاعجاز الرسالي حسب المنظور الاسلامي لمعادلة المعجزة ؟.
كذالك ربما هناك من لاحظ الرؤى الظلامية الدينية والتي ينطلق منها الفيلسوف التنويري سبينوزا في ادراك وفهم معادلة الاعجاز الرسالي فهو يقول : بان القوانين الطبيعية ما هي الا انعكاس ل( اوامر الله وكمالها ... فلو حدث شيئ في الطبيعة يناقض قوانينها العامة كان هذا الشيئ مناقضا ايضا لأمر الله وعقله وطبيعته ؟) ولا يمكن - حقيقة - فهم هذه النقطة بالذات في فكر سبينوزا الا اذا رجعنا الى معتقديته الدينية الشخصية ورؤيته اللاهوتية لهذا الاله الذي هو ( روح العالم وقوانينه وطبيعته الثابتة ) ، فبأعتبار ان فكر سبينوزا ينطلق من الديانة اليهودية الظلامية والمنغلقة ، فانها تعتقد ان : الله قد احكم العالم بشكل صارم وآلي بحيث لامجال بعد ذالك الاحكام للعالم من ان يغير فيه شيئا على الاطلاق وليس هناك قوة حتى قوة الله نفسه من ان تستطيع ان تغير او تعدل من قوانين هذا العالم وتلك الحياة ، فقد فرغ الله من كتابة ووضع كل شيئ في هذا العالم والوجود وانتهى الامر ، وسار وسيضل يسير على وتيرة وقانون واحد الى ان تنتهي الحياة ؟.
وهذه الرؤية التلمودية ل( الله ) والعالم والقانون والانسان هي ما جعلت سبينوزا يجزم بان ليس هناك ( حدث بامكانه ان ينقض القانون الطبيعي والكوني باعتباره اوامر الله وطبيعته التي ركبت العالم ولامبدل لهذه آلالية من ثم ؟) ، وهذه هي الجبرية الكونية نفسها التي رصدها القران الكريم للمعتقدية اليهودية في قوله سبحانه :( وقالت اليهود يد الله مغلولة ../ انظر الميزان ج 6 ص 40 / الطباطبائي : روايات أئمة اهل البيت ان المعنى : كانوا يقولون قد فرغ من الامر لايحدث غير ماقدره في التقدير الاول / وكذا ماذكره الفخر الرازي في تفسير النص القراني المسألة الرابعة ج 4 / ص 394 ..) .
وعلى هذه الرؤية البدائية قال سبينوزا بفكرة وتعريف المعجز الرسالي ، كما انه ومن نفس المنطلق نظر للقانون الكوني والطبيعي على اساس انه قانون يسير على وتيرة واحدة حاكمة حتى على الوجود الالهي العاجز ( ولذالك لايسمح المعتقد اليهودي القول بالنسخ في الكون او الاحكام ، كما انه لايسمح بفكرة ان الله يفعل مايشاء وانه في كل يوم هو في شأن ، وانه هو الحاكم على القانون وله الامكانية في نقضه ان فرض ان المعجزة هي نقض القوانين ؟. كما ان سبب نقمة اليهود على سبينوزا ليس لانه انتقد الفكر اليهودي ، بل لانه كان يعتقد بان الله رب الناس جميعا ويساوي بينهم بالحقوق ، ولذالك كان سبينوزا خارجا على المتعارف من ان لله شعبا واحدا له الخصائص والمميزات في التعامل وهذا الامر قد كتب في القانون ولايمكن تغييره حتى من قبل الله نفسه فالامر قد حسم ولا يد بامكانها ان تغير من المعادلة ؟. ...الخ ) ايضا من تحريك قوانين الكون والحياة بأي شكل من الاشكال ليتمكن من ثم لاحداث عمل معين يخرق العادة الانسانية او على حد تعبيره يخرق القانون الطبيعي هذا ؟.
وهكذا حتى يراكم فلاسفة التنوير الظلمات على عقولنا البسيطة في كل فكرة تتصل بالمشروع الديني ، ليوصلونا الى نتيجة هي اكثر ظلمة من سابقاتها التي ذكرت بمسألة وحيدة من المسائل الدينية الا وهي معادلة الاعجاز الرسالي ليتقرر :( واذن فالمعجزات اذا عرفناها بانها أعمال مناقضة لنظام الطبيعة ، يستحيل ان تكون وسيلة لاثبات وجود الله ؟./ رسالة في اللاهوت والسياسة / سبينوزا / ص 225 ) .
وبغض النظر من ان المعجزة ليست هي عملية نقض لقانون ونظام الطبيعة كما ذكرنا ، فنحن امام هذه الظلمة الجديدة من الاعتقاد الفلسفي الساذج الذي يرى ان وظيفة المعجزة الرسالية السماوية ماهي الا لاثبات وجود الله ؟.
والحقيقة هي ان المعاجز الرسالية السماوية لم تكن اصلا ناظرة للمسألة الوجودية لهذا الاله او ذاك ، وانما كانت ولم تزل وظائف المعاجز الرسالية السماوية تتحرك في اطار دعم الرسل - كما ذكرنا سابقا - في دعواهم انهم متصلون في السماء ولهم نوع من الاتصال المباشر مع خالق الوجود ، ولذالك كانت المطالبة من الاجتماع الانساني وعلى مدى التاريخ هي القول : وما الدليل على اتصالكم بالسماء ؟. وعندئذ يؤيد الرسل والانبياء بنوع من الاعجاز الخارق للعادة أمام الاجتماع الانساني ليتأكد الاجتماع الانساني من صدق مدعى الرسول او النبي او القائد اللاهوتي هذا او ذاك ؟.
اذا اي شيئ قد طرحه فلاسفة التنوير الغربي عن الموضوعة الدينية يحمل تنويرا او على الاقل يحمل وعي تاما للموضوعة الدينية ؟.
وأليس غريبا ان يطرح مفكرا او فيلسوفا بمنزلة اسبينوزا او غيره من فلاسفة اوربا المرموقين ، مواضيع ليس له اي وعي او ادراك ناضج حول هذه المواضيع ؟.... الى اخر هذه الاسئلة والتي تضعنا وجه لوجه مع مفكري وفلاسفة اوربا المتقدمة ؟.
ألم يعلم سبينوزا وغيره ان موضوعة اثبات وجود الخالق لم تحتج ولن تحتاج لاي معجزة خارقة للعادة لتأكيد هذه الحقيقة الواضحة ؟. وألم يفرق سبينوزا بين المواضيع التي يختص بها العقل والفكر الانساني ليقرر ما اذا كانت تلك المواضيع صادقة او كاذبة ، وبين المواضيع التي هي بحاجة فعلا لمعاجز سماوية تدعم من هذا الموضوع او ذاك ؟.
وعلى العموم وبعد هذه الجولة الطويلة نوعا ما مع معادلة الاعجاز الرسالية نتوصل الى حقيقة : ان المعاجز الرسالية هي واقع لاينكره منطق الاحتمالات العقلي الانساني ، كما انها ليست نقض للقوانين والنظم الكونية والطبيعية ، وانما هي عمليات تنفذ من خلال قوانين ونظم ايضا كونية وطبيعية ولكنها اكثر عمقا واكبر غلبة على قوانين الطبيعة الظاهر ، وهي القوانين الغالبة كما يسميها الطرح الاسلامي :( والله غالب على امره ) يؤيد من خلالها هذا الطرح الرسالي السماوي او ذاك ليتقبله المجتمع الانساني بنوع من الاطمئنان الذي يناسب سذاجتهم الفكرية التي تخضع للمحسوس من البراهين والادلة وتعجز عن الوصول للحقائق من خلال التفكير والاجتهاد والتأمل ؟.
وأذ استطعنا ان نناقش موضوعة الاعجاز بنوع يقرّب من المدلولات الفكرية لهذه العملية ، فعلينا الان ان نتناول الشق الاخر من الموضوعة ، وهي : لماذا تغيرّت المعادلة الاعجازية لرسالة الرسل ، لتنتقل من المعجزة الخارقة للعادة البشرية طبيعيا وكونيا ، الى المعجزة الكلامية الخارقة للعادة البشرية فكريا وروحيا ايضا ؟.
وكيف نتمكن من فهم ان تكون الكلمة معجزة تستطيع اقناع العقل والوجدان البشري وترغمه على الاعتراف بأن هذه الكلمة هي معجزة ودليل صدق على رسالية خاتم النبيين وسيد المرسلين محمد بن عبدالله ص ؟. ولماذا لم تبقى كلمة الاعجاز الكونية والطبيعية هي الدليل على صدقية الدعوة الرسالية الخاتمة ؟.
ان الاعجاز الكوني والطبيعي ، وكما هو المعروف هو اعجاز آني يقيده الزمان والمكان ، ويكون حقا حجة ودليلا على من شاهد تلك المعاجز الرسالية ، اما من لم يحضر هذه المهرجانات الاعجازية فله حق الشك والانكار لمثل تلك المعاجز الحسية ، فمادية معاجز الرسل التاريخيون ، هي مركبة اساسا على دلالات الحس والمادة في كيان الانسان ، كما انها معاجز ومن الجانب الاخر اتت لمراحل زمنية كان الانسان فيها يحبو في مرحلة الطفولة الانسانية ، واعتمادها الكلي على الدلائل والبراهين التي تتلائم ونموه العقلي والفكري المادي البدائي ، ولذالك كانت مميزات تلك المعاجز الرسالية ، انها آنية ومقيدة ومادية ، وليس لها حجة على من لم يشهدها عمليا الا النقل التاريخي ، فليس هناك دلالة بالنسبة لي ترغمني على الاطمئنان والايمان بان شخصا ما كان يحيي الموتى ويبرئ الاكمه والابرض ويعالج المرضى بشكل يفوق معالجات العقاقير الطبية الحديثة الا ثقتي بالنقل التاريخي وانه موثوق النقل ؟. اما من يريد الشك في عملية النقل التاريخية فله الحق في ذالك ؟.
ومن هذه الرؤية انبنت فلسفة ختم النبوة ، كما انبنت معادلة اعجازية هذه النبوة الخاتمة ، وما يناسبها من معجزة تكون اكثر تناسبا مع نمو العقل الانساني من جهة ، واخذ هذه المعجزة بنظر الاعتبار حالة التقدم والتكامل التي سيصلها العقل الانساني فكريا وعلميا وفنيا واجتماعيا ونفسيا في مستقبل الحياة العقلية للانسان من جهة أخرى ( سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم ) ؟.
فكانت معجزة ختم النبوة مميزة في كونها : معجزة لها صفة الاستمرارية مع الانسان - كما ان الرسول الخاتم له نفس هذه الاستمرارية الرسالية ايضا - ، فكما ان القران معجز قبل الف واربعمائة عام على زيد من البشر ، هو كذالك معجز او دليل اعجاز نبوي عليّ في القرن الواحد والعشرين من هذا العصر الحديث ؟.، وكذا يقال بالنسبة لكون هذه الدلالة الاعجازية هي دلالة فكرية وعقلية وفنية اكثر منها دلالة حسية ومادية ، فللعقل الانساني والفكر الانساني حكمه الاول والاخير على هذه الدلالة الاعجازية الخاتمة ، وليس للحس والمادة تلك الدلالة التي كانت لمعاجز الانبياء السابقين (لقوم يتفكون ) ؟.، ويقال ايضا ان من مميزات هذه الدلالة الاعجازية الخاتمة انها دلالة وبرهان وآية مقروءة ، وليست مشهوده ، مما يترتب عليه بعض النتائج التي هي مقدمات لادراك دلالة الاعجاز الخاتمة لرسالة الرسالات السماوية ؟.
وهنا يكون السؤال مشروعا حول الكيفية التي من خلالها يتمكن هذا المقروء من ان يرقى الى مستوى الدلالة الاعجازية على صدقية دعوة رسالية واتصال محمد رسول الله بالعالم اللاهوتي العلوي والذي اتصل به من قبل رسل وانبياء اخرين ، فكيف والحال هذه كان المقروء من الكتب معجزة تخترق العادة البشرية لتؤكد صدقية الرسالة الخاتمة ؟.
ان معرفة ماهية الاعجاز القراني هي التي تؤهلنا لمعرفة الكيفية التي استطاع من خلالها المقروء ان يكون معجزا لباقي البشر من الاتيان بمثله ، وموضوعة النداء والاعلان القراني والتحدي الذي يطرحه هذا المقروء على الناس كافة لعدم مقدرتهم الاتيان مثله لهو الامر الغريب حقيقة في عالم الاعجاز الرسالي الخاتم ؟.
نعم ربما نصادف مشعوذا له من القدرة على ادارة فن الخداع والتمويه ما يجعلنا في حيرة من أمرنا ، ومما نراه من الاعاجيب الذي يأتي بها ذالك الفنان المخادع ، حتى نصل الى مرحلة الشك لما نراه هل هو شيئ يدخل في اطار الخارق للعادة البشرية والمتغلب على القوانين الطبيعية ، ام هو امر يدخل في اطار فن الخداع والتموية ؟.
اما ان نأتي بكتاب مقروء ونضعه بين يدي الانسانية لنقول لهم : ان هذه معجزة الرسالة الخاتمة فهلموا وأتوا بمثله ان كان لكم شك في هذه المسألة ، فأن مثل هذه التحدي يلفت النظر ويثير الكثير من الكّتاب والمفكرين على التأمل في هذه الدعوة ؟.، اما من يتقن فن الخداع والدجل فليس له نصيب في هذه المعادلة المقامة بين كتاب معجز ومفكرين وكتاب واصحاب كلمة لهم القدرة على الادراك والوعي لمضمون الكلمة المقروءة ؟.
اذاماهو ذالك السرّ الذي تحمله الكلمة القرانية ؟. كما انه ما هي القوة التي ترتكز عليها تلك الكلمة لتكون موقنة تماما بقدرة الغلبة على كل من يريد تجربة عملية التحدي تلك ؟. وكيف لنا ان نفهم اشكالية التحدي والاعجاز هذه :(وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين / قران كريم ) و (فليأتوا بحديث مثله ان كانوا صادقين ) و ( افلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا / قران كريم ) والغريب هذا التحدي الذي يذهب الى ابعد من المدى البشري المحسوس :( قل لئن اجتمعت الانس والجن - باعتبار ان بعض الدعوى الجاهلية تقول بتعليم الجن للرسول هذه الكلمات الفوق العادة - على ان يأتوا بمثل هذا القرءان لايأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا / 88 / الاسراء ).
هل حقا كون الكلمة قادرة على خرق العادة البشرية ؟.
هناك من يستشكل على مقولة ان تكون الكلمة صالحة لتتبلور الى مادة اعجازية ، وذالك بسبب انه من المعقول القول : ان خرق العادة البشرية طبيعيا وكونيا ، هو امر ممكن ، باعتبار ان الطبيعة والكون من الفعل الالهي ، وعندما يكون للعالم بعض القوانين ( الباطنية ) والتي تدخل في معادلة الشبكة المعقدة لقوانين الكون والطبيعة ، وتفاعل تلك القوانين فيما بين بعضها والبعض الاخر لتخلق لنا ظاهرة طبيعية او كونيا ملفتة للنظر ، فان مثل هذه المقولات وان كانت صعبة الا انها تحوز لنوع من المقبولية العقلية والفكرية ، باعتبار ان عجز القدرة البشرية عن الاتيان بمثل هذه الاعجازيات الكونية امر طبيعي ، فالكون والطبيعة هي صنع وخلق اخر يوازي ان لم نقل يفوق الخلقة الانسانية ، وكل ظاهرة طبيعية او كونية عالية التقنية ستضطر الانسان بقبول مقولة عدم مقدرته على الاتيان بهذا الفعل ؟.
ولكن ياترى هل للكلمة التي اخترعها الانسان ، وتدخل في حيز مقدرته الفعلية ، ان تكون اكبر في يوم من الايام من مقدرته العملية لتشكل أطار المعجز لعمله الانساني ؟. أليس الكلمة فعل لغوي اخترعه الانسان ليكّون له وسيلة تواصل مع الاخر الانساني ، فما المعجز التي تتمكن منه اللغة الانسانية لتقهر القدرة الانسانية على الخضوع الابداعها الفكري او الفني او الطبيعي ... الى اخر هذه المفردات من عناوين اللغة الانسانية ؟.
الحقيقة ان الذين تناولوا الاعجاز القراني فقد تناولوه من عدة جوانب وزوايا لغوية وفنية وتاريخية وغيبية وعلمية .....الخ ، ولكن ما يهمنا هو مناقشة ذالك الاشكال الذي طرحه العقل الانف الذكر لنقول : نعم ان اللغة اختراع وفعل بشري هو اقرب بكثير للقدرة الانسانية من قدرة الانسان على الطبيعة والكون ، ولكن أليس هذه المعادلة نفسها تؤكد قوة الاعجاز اللغوي القراني ، اكثر بكثير من مقولة اعجاز ية الظاهرة الكونية والطبيعية ؟. ، بمعنى : ان هنا سيكون مشروع التحدي هو اكثر حيوية بالنسبة لجميع الطاقات الانسانية ، باعتبار ان ما تحدّت به الرسالة السماوية الاسلامية الخاتمة هو أمر اقرب للانسان وللمقدرة الانسانية من كل امر اخر بالامكان ان يكون بعيدا عن التناول الانساني ، لتقول لنا هذه الاطروحة الرسالية الخاتمة بما معناه : الان وانتم من اخترع واوجد الكلمة المنطوقة والمسموعة والمقروء ، ساتحداكم بما انتم الاقدر عليه وساجعل معجزتي بالمفردات التي خلقتها السنتكم ، فهل تستطيعون والحال هذه ان تأتوا بما انتم الخالقين له في هذه الحياة ( فتبارك الله احسن الخالقين ) ؟. ربما يقول بعضكم لانستطيع ان نأتي بما تقوم به الطبيعة والكون من فعل اعجازي ، ولكم الحق في ذالك ، فما بالكم ونحن نأتي بمعجز هو اقرب اليكم من حبل الوريد ( لغتكم ) فهل يبقى من عذر لعجز الانسان وقدرة الله المطلقة في صياغة معاجزه ودلائله وبراهينه لدعم رسله وانبيائه لتصديق دعواهم والاقتداء بهم ؟؟.
نعم من هذه الزاوية ستكون عملية اعجاز الكلمة ( ان تحققت ) اكبر وقعا بكثير ما لو كانت المعجزة طبيعية او كونية ، وعليه علينا اذا ان ندرك ماهية الاعجاز القراني لغويا اولا ، ولنترك باقي المعاجز العلمية والفنية والتاريخية والغيبية للكلمة القرانية الاسلامية .....، الاخرى لفرصة او لتاءه يبحث عن الاسرار التي توصله بالعالم المجهول ؟.
ان معجزة الكلمة القرانية ليست لانها لغة بشرية ، كما ان اللغة باعتبار انها وسيلة تخاطب انساني لاتملك اصلا ان تكون معجزة ، وانما تملك ان تكون وسيلة اتصال فحسب ، وعليه كانت اللغة ببعض الاضافات الفكرية والفنية والادراكية الانسانية بامكانها ان تكون اكثر جمالية او تعبيرا صادقا ، ولكنها ومع ذالك ليست معجزة ، فالفن يتذوقه الانسان من خلال اللغة المنظومة والمنثورة ، كما ان التاريخ بالامكان نقله والاحتفاض به من خلال اللغة المكتوبة ، وكذا يقال للبحث العلمي وكيفية تمكن اللغة من صياغة المفردات العلمية المحددة والصارمة في نقل الصورة العلمية بكثير او قليل من الامانة اللغوية ، وكل ذالك صحيح ؟.
ولكن هل يتمكن الانسان صانع اللغة والمفردة المنطوقة والمسموعة والمكتوبة ، ان يجمع في لغة واحدة بين جمال الفن ، ودقة وصدق الحدث التاريخي بالاضافة الى صرامة وجفاف وحقيقة التجربة العلمية بنفس الظرف اللغوي ؟.
نعم اللغة بامكانها ان تعبر ، ولكن ما هي مقدرة ذالك التعبير الجمالي والفني من جهة والدقيق والحقيق من جهة اخرى في المقدرة الانسانية ؟.
ولذالك ربما تجد انسانا تاريخيا يجيد تماما فن الكتابة التاريخية ، ولكن هل له القدرة ان يضمن من خلال لغته المكتوبة دقة وحقيقة الصورة التاريخية كما وقعت بالفعل التاريخي ؟.، كما انه هل له المقدرة بصياغة تاريخه المكتوب بلغة فنية راقية بحيث تفوق لغة اي عملاق بلاغي في هذه اللغة نفسها ؟. وربما يكون ذاك الانسان التاريخي خارقا للعادة البشرية ومحدوديتها الادراكية والجمالية ، فهل يتمكن ذالك التاريخي الفني نفسه ان يجمع الى ذاته ومداركه البشرية ايضا عامل العلمية الكونية والطبيعية والتاريخية والنفسية ليشرح لنا تاريخ السماء وما فيها وقوانين الارض وماعليها ، وتاريخ الانسان الفسلوجي والطبيعي والنفسي ؟.
الحقيقة ان وجد ذالك الانسان الخارق للطبيعة البشرية ، فمن حقنا ان ندرك ان الاعجاز القراني ايضا هو معجزة الهيا ، مع وجود ذالك الانسان اللاطبيعي ؟.
نعم الكلمة القرانية ارتقت الى الاعجاز البشري والطبيعي لكونها كلمة استطاعت ان تجمع بين كل الصفات الجمالية والفنية والعلمية التاريخية والكونية والطبيعية والنفسية ، بدون ان تخرج من كونها لغة يتخاطب بها الانسان في هذه الحياة ؟.
ان القران الكريم يصف الكلمة القرانية نفسها بانها ليست كلمة بشرية ، قد صنعت آليا في معامل الادراك الانساني ؟.
بل انها ( حديث منزل ) من القدس العالي يقول سبحانه :( قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين فان لم يستجيبوا لكم فاعلموا انما أنزل بعلم الله / هود / 13- 14 ) .
فظاهر التحدي لكون القران ( نازلا ) لا كلاما تقوله بشر ، وانما نزوله هو بعلم اكبر احاطة واعظم جمالية وافخم دقة ، هو بعلم الله ؟.
وكذا هو حديث وكلام نازل ، له خصوصية التجميع لكل مناحي الحياة الانسانية من جهة ، وله كذالك الابعاد العميقة التي تتوالد وحسب المقدرة العقلية الانسانية من الادراك والجمالية والحقيقة :( قل فأتوا بسورة _ ان لم تستطيعوا الاتيان بعشر سور _ وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين - انه كلام بشري وليس كلام الاهي - بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولمّا يأتهم تأويله / يونس 39 )
وعليه ومن المنظور القراني هذا تكون عملية استحالة القدرة البشرية على الاتيان بمثل هذا القران ، منحصرة بعدم قدرة البشر ، ومحدودية طاقاتهم الفكرية والجمالية والنفسية بحدود الزمان والمكان الطبيعيين ، والذي يبرّز حالة الاتساع والاحاطة للكلمة القرانية علميا وتاريخيا ولغويا وجماليا ...، وامتلاكها لبعد ( التأويل ) الذي هو ودائما اوسع بكثير من مدارك البشرية المحدودة ( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله ؟) . اي ان الكلمة القرانية كلمة تتميز بدائمية السبق العلمي ، والذي يحتاج الانسان لفترات زمنية متطاولة للوصول الى هذه الحقائق العلمية ؟.
وكذا هو حديث ولغة وكلمات ، الا انها معجزة لاتضارب او اختلاف او تنافر ....، فيها ، فربما لفنان وشاعر ان ينظم في اول حياته قصيدة هي غاية في الجمال والروعة ، ولكن هل يستطيع ذالك المبدع ان يحافظ على خط الابداع لجميع مراحل حياته الفنية ، ولا نكتشف ان تلك القصيدة هي اجمل من هذه ، وندرس الظروف والملابسات التي جعلت من الانتاج الادبي والفني يضعف في مرحلة ويتألق في اخرى ؟.
وكذا ربما نصادف مؤرخا ديدنه الصدق والامانة ، ولكن الا يهفو هفوة ، ويداهن اخرى ، ويغلبه التعصب هنا والحب او البغض هناك ..، لنكتشف التضارب والاختلاف او التنافر في نقله او تحليله التاريخي هذا او ذاك ؟.
اما تأريخ وكلمة ولغة القران فهي من عند الله ( أفلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا / 82/ النساء ) ؟.
فلنمسك اول كلمة نزلت في القران الكريم ( آقرأ ) ونقارنها حقيقة وصدقا وجمالا مع كل القران حتى اخره فهل تجد اختلافا في روعة الجمال ودقة التعبير وحقيقة التصوير ، مع العلم ان هناك ظروفا جوعا وألما وحربا وسلما وفرحا وحزنا .....، قد تخللت الكلمة القرانية في مسيراتها الطويلة نسبيا ؟.
وهكذا تكون اللغة التي صنعها الانسان ، والكلمة المستعمله عنده في كل لحظة حجة ومعجزة يستدل بها الانسان على صدق مدعى النبوة والرسالة ، من خلال ما ذكرناه لها من مميزات اضفاها القران على الكلمة المنطوقة ليكون صنع الانسان وفعله حجة عليه ؟.
عندئذ لامصداقية لطارحي الاشكال القائل بغرابة ان تكون اللغة اعجازا مع انها فعل انساني ، فاللغة طبيعية عندما تكون مفردات تخاطب ساذجة اما عندما تركّب ، فتصبح جملا جميلة او قبيحة صادقة او كاذبة ( حسب مصطلحات علم المنطق ) حقيقة او متوهمة ....الى اخر هذه العناوين التي يتفاوت بها الادراك الانساني الجمالي والعلمي والتاريخي ، ونعم عندذاك هذا الفنان ارقى من ذاك تعبيرا وفنا ، وهذا التاريخي اصدق نقلا ولهجة عن ذاك ...، ولكل طاقة ابداعية منتهى تقف عنده ، الا الوصول الى اعجاز الكلمة القرانية فانها الطاقة والقدرة التي لم تزل تدعوا هي الى التحدي ب ( آقرأ )
الحقيقة كون القران الكريم معجزة الرسالة الخاتمة شيئ ، وكون الكلمة ( آقرأ ) معجزة المعجزة شيئ اخر ؟.
ليس لكون النبي الرسول محمد رسول الله ص ( روحي له الفدى) ، كان اميا لايقرأ ولايكتب ، ومع ذالك اتى بالعلوم والتواريخ والجمال ...الخ ، مما لايقدر عليه الاجتماع الانساني برمته فحسب ، ولكن ايضا لكون الكلمة القرانية ( آقرأ) هي المفتاح والبوابة التي يتعرف من خلالها العالم الانساني على معجزة الرسالة السماوية الاسلامية الخاتمة ؟.
ففعل الكلمة القرانية (آقرأ) في مرحلة ختم النبوة والرسالة ، وبأعتبار انها العملية الوحيدة المفتوحة اليوم وغدا للتعرف على معجزة السماء ، يرتقى بالفعل (آقرأ) الى مستوى كونه فعلا ان أجيد فعله ، ان ينقل الانسان المفكر والقارئ الى مرحلة الاطلاع على الاعجاز الرسالي كظاهرة اخترقت المألوف والعادي من الفعل البشري ، وذالك يرجعنا الى مرحلة من شاهد الاعجاز الكوني تاريخيا وكيفية تمكن القوانين الطبيعية والكونية من ولادة ظاهرة المعجز الكوني ، فكذا القراءة بامكانها ان تنقل القارئ الى المشاهدة الفكرية للاعجاز الحقيقي ؟.
نعم ان الفعل (آقرأ) ككلمة قرانية تهدف الى الدعوة لقراءة المنتوج السماوي ، بأمكانها ان تنقل الانسان واقعيا لادراك العملية الاصغر للفعل الاعجازي الرسالي الكوني والطبيعي ، وصحيح ان لذّة المشاهدة الحسية هي اكثر اثارة وتشويقا لمدارك الانسان المادية الساذجة ، الا ان الفعل او الكلمة القرانية ومن خلال التدبر والادراك المطلوب يكون لها الفعل الاعمق والتاثير الاكبر على المخيال والفكر والعقل والتامل الانساني بظاهرة الاعجاز الرسالية الخاتمة المتمثلة بكلمة القران المقروء ؟.
وليس هناك حقيقة مفتاح او بوابة اخرى غير طريق (آقرأ) القرانية للتوصل الى هذه الحقائق الاعجازية الكونية والطبيعية والعلمية والفكرية والفنية والنفسية .....الخ ، التي يذكرها القران الكريم ، ولكن بشريطة ان تكون العملية مبدوءة بالكلمة والعملية (آقرأ) القرانية ، وما تحويه من مضامين فعل القراءة المفكرة والمتدبرة والواعية والفنية ...؟.
ان القران المقروء يطرح فنا خاصا لقراءته الفكرية والعلمية والجمالية ، تبدأ بقراءة متدبرة ، فكريا - اي - بمعنى اخر مدبرة للكلمة المقروءة ، وكانما هي انسان بحاجة الى من يدير ويدبر شؤونه الفكرية والنفسية والمعاشية ، ليكون هناك نوع من الصلة او القراءة التي تخترق عملية المرور الساذج للكلمة ، لتنتقل الى المعايشة الروحية الحقيقية للمادة المقروءة وتأكيد هذا الفعل (آقرأ) ؟.
كما انه يطرح الفعل (آقرأ) على اساس انه فعل وجداني تفتح له افاق القلب البشري لتحتضنه ، بدون عقد او مواقف مسبقة ضد الكلمة القرانية المقروءة ،( افلا يتدبرون القرآن أم على قلوب اقفالها / محمد / 24 ) ، فليس هناك ما يدعوا انسانا لاتخاذ مواقف معادية ضد كلمة مقروءة تشرح وتعطي وجهة نظر وتنقل حادثة وتؤرخ لموضوعة وتلفت نظر الانسان الى قوانين الكون وتفتح افاقه للخطاب مع الوجود حوله وتوصله بخالقه وتهبه النظره والهدف في الحياة ....الخ ، فليس هناك والحال هذه ما يدعوا الانسان الى الخوف من الكلمة ( وان كان فعل الكلمة اليوم يخيف حتى الطاغوت الاكبر ) او الانغلاق عنها ، فانها وان اتت او ذهبت تبقى كلمة بحاجة الى من يقرأها بحب ( وانّا أواياكم لعلى هدى او في ضلال مبين / سبأ/ 24 )
الحقيقة هناك من يعتقد ( كاتب هذه السطور شخصيا ) انه لو لم تكن في المعجزة الرسالية الخاتمة سوى كلمة (آقرأ) لكانت تكفي دليلا على صدق خاتم الرسل والانبياء محمد رسول الله ص في دعوته السماوية ، ولكانت (آقرأ) معجزة اكبر بكثير من فلق بحر ، او تحويل عصى الى ثعبان او ابراء مريض او نفخ الروح في ميت انتهت قوانين الحياة بالنسبة لجسده الطبيعي ؟.
وذالك من منطلق ان الاعجاز يقيّم من خلال الوظيفة التي يقوم فيها لبناء وتشييد الحياة الانسانية والكونية والطبيعية ، وعليه فدعنا نأخذ الكلمة القرانية (آقرأ) ونضعها في قبال :كان هناك شخصا ما يبرئ المرضى او له امكانية الاتيان بالغريب من الشؤون الطبيعية ؟. فماذا تكون وظيفة معجزة تختصر بابراء مريض ، كعيادة دكتور متنقلة ، او وظيفة متمكن بأمكانه ان يقيم مسرحا الهيا بأمكانه ان يقيم حفلا لمدة نصف ساعة ، يأتي به بالغريب العجيب على الطبيعة الانسانية ، ثم يذهب كل الى سبيله وهو مبتهج لهذه الامسية اللاهوتية اللطيفة ؟.
بعكس ذاك ما لو اتتك انسانية كاملة تطلب منك الغريب والعجيب من امور الكون والانسان ، فتخرج لهم ورقة مكتوب فيها (آقرأ) وتوزعها على الحضور وتقول لهم : اذهبوا هذه هي معجزة السماء ومفادها ( كل منكم يجب ان يكون قارئا ، للكون او الحياة او الطبيعة او الانسان او المقروء ؟.) ؟.
فمن هو الاكثر قيمة انسانية ، كما انه من هو المشهد الاعجازي الذي بامكانه ان يخلق بدلا من المعجزة الواحدة المعجزات التي لاتحصى كثرة ، عندما نرى المجرم اصبح مدافعا عن القانون ، والمتسوّل فيلسوفا ومفكرا ، وصاحب العين الواحدة حكيما يطبب المرضى والمعاقين ....؟.
نعم ان الله في المنظور الاسلامي لايحتاج الى معجزة كونية او طبيعية ليكون قريبا من البشر ، انما يحتاج مفكرا تقول له الطبيعة بنظامها المتناسق والجميل ان لهذا القانون منظما الاها له القدرة على التنظيم ؟.
كما ان الله يريد فيلسوفا ينظر او يقرأ الكون بنظامه العظيم ليدرك ان هذا الكون بنظامه اكبر معجزة يستدل بها على وجود الخالق وعظمة حكمته اللامتناهية ( أولم ينظروا في ملكوت السموات والارض وما خلق الله من شيئ ...)
ان (آقرأ) حقا معجزة ولكن للقارئ الجيد وللحديث بقية ؟.