مدونة فكرية سياسية واجتماعية تحاول أثارة العقل العراقي والعربي والاسلامي للتفكير المتطلع لبناء المستقبل من خلال رؤية لاتهمل التاريخ والحاضر !.
الثلاثاء، أبريل 28، 2009
المعوذتان .... صراع الانسان مع الافاق والانفس !- 5
الى مَن يريد ان يتوسع في موضوع الخير والشرّ في هذا العالم الكثير الالغاز فلابأس عليه ان يتساءل عن الاتي : هل هناك نوع عدالة في التركيبة العالمية الخلقية في هذا الوجود ؟. ولماذا كلما نظرنا في هذا العالم وجدنا التنوع او التناقض لون بارز في كل زاوية من زوايا لوحته السريالية ؟.
لماذا هذا التفاوت في الخلقة والمواهب والاستعدادات الوجودية ؟.
لماذا هذا انسان وآخر حيوان وثالث نبات وجماد ؟.
ولماذا هذا جميل وذاك قبيح وهذا غنيٌّ وهذا فقير ؟.
ولماذا لم يكن القبيح جميلا والجميل قبيحا والانسان هو الحيوان والجماد هو النبات ؟.
ولماذا هذا اعمى والاخر بصير وذاك متكلم والاخر ابكم وهذا معتلّ والاخر صحيح ؟.
لماذا هناك ليل واخر نهار وهناك زلازل وفيضانات وحروب وبراكين ؟.
واذا كان جزءا من الجواب ان كل موجود يأخذ نصيبه وقدرته على الاستيعاب والقدرة من الوجود ، فلماذا لم يمنح الف استعداد باء ، ويأخذ باء منزلة واستعداد الف ؟.
كل هذه الاسألة بحثتها المدرسة الاسلامية الفكرية الفلسفية من خلال النص القرءاني او البيان الرسالي او التفسير الامامي ، او من خلال اجتهاد افكار علماء الاسلام ورجاله بنوع من العقلية والمنطقية والاخلاقية ، لتضع هذه المدرسة أمام كل سؤال جوابه !.
أمّا نحن فنعود الى الاجابة على سؤالنا في الفصل السابق الذي اثرناه حول العلاقة بين الخير والشرّ في هذا العالم الانساني بالخصوص لنقول :
تمام : ان العلاقة التي ينبغي ان تفهم على اساسها العلاقة الازلية بين الخير والشرّ في العالم الانساني لاينبغي ان تكون بعيدة عن النمطية التي فهمناها لوجود كلا مصطلحي الخير والشرّ في هذا الوجود !.
اي : ان نوع العلاقة التي نريد رصدها فكريا هي وليدة نوع النظرة التي من خلالها فهمنا الوجود الاصالي للخير والوجود العدمي والفراغي للشرّ ، وعلى هذا الاساس ينبغي علينا ونحن في مرحلة فهم العلاقة بين الخير والشرّ ان لاننسى مطلقا تلك القاعدة في الخلق حتى لانقع في مغالطة دراسة الخير على اساس انه كائن اصيل وقائم بذاته ، وكذا دراسة الشرّ على نفس المستوى لنبحث في وجودين منفصل بعضهما عن البعض الاخر !.
لا .. لاينبغي الغفلة في هذا ، بل يجب علينا ان ندرس ونركّز ونلاحظ وجودا واحدا لاغير هو هذا العالم ولكن بوجهتين :
الاولى : الوجهة الوجودية الاصالية الحقيقية لهذا العالم الانساني ، وهو وجود الخير والعلم والحب والانسان والارض والمطر ..... الخ !.
والثانية : وجهة النقص والفراغ والعدمية التي يهمل الانسان ملئها وسد ثغراتها لتنعكس بشكل شرّ وجهل وكراهية وانحطاط وبوار وكارثية !.
المعنى ولكن بصورة أخرى هو: يجب ان نلاحظ ان هناك وجودا واحدا اصيلا وهو الخير والمحبة والعمل والانسان والاخلاق ..... الخ ، فهذا الوجود هو صاحب الاصالة والحقيقة التي اوجدها الخالق سبحانه ودعى لانتهاج السبل فيها ، فأن افتقدنا الوجود الحقيقي الاصيل للخلقة الربانية العالمية ، فاننا حتما سنجد الجهة الاخرى من العدمية والفراغ حاّلةً محلّ الوجود الحقيقي لتنعكس بفراغها وعدميتها ونقصها على اساس جهل وتخلف واجرامية وشرّ .... وباقي المعاني السلبية في وجود الشرّ في هذا العالم !.
فاذا فهمنا هذا ادركنا ان لدينا في هذا العالم مكان وحيز واحد لحركة من جهة وسكون وفراغ وعدمية من جهة أخرى ، كما ندرك ان العلاقة التي نطلق عليها مصطلح الصراع بين الخير والشرّ ماهي وفي حقيقتها الا علاقة وجود وعدم فاذا تمكن الانسان من الوصول والسعي نحو الخَير فحتما اننا امام حركة ووجود اصيل وخيّر في هذا الحيّز قد انتصر بفعل الحركة الايجابية على عدمية وفراغية وعبثية الشرّ في هذا العالم ، وهكذا اذا صادفنا انسانا عالما فاضلا خلوقا طيبا خيّراً.... فاننا سندرك بلا عناء كبير اننا أمام انسان متحرك ومتحرر وايجابي ومتكامل وكادح .... وأصيل ، بعكس مالو صادفنا أنسانا ساكنا وفارغا وجاهلا وشريرا وسلبيا ومعتديا ورذيلا ومستهترا ... فاننا سندرك اننا امام عدم وفراغ وموات عندما جاء الباطل لدفع الحق والاصالة عن مكانها الطبيعي !.
يقول سبحانه في تصوير حالة الصراع بين الخير والشرّ والحق والباطل :(( بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فأذا هو زاهق ولكم الويل مما تصفون / 18/ الانبياء ))
اي ان هناك قانونا اصيلا في هذا العالم الانساني المتحرك هو : ان متناقضين لايمكن لهما الاجتماع في حيز واحد ، فأما وجود الخير والحق والحركة والنمو والتكامل والعمل الصالح ... في هذا الوجود المسمى عالم الانسان في افاقه وانفسه ؟.
وأما السكون والباطل والعدمية والشرّ والتّعطل والارتداد والعمل الطالح في نفس هذا الوجود الذي ملئه الفراغ بعدما أعدم من الحركة والخير...... !.
نعم هنا تأتي عملية ( القذف ) التي يحملها الحق في جعبته ، لتصيب السكون والفشل والباطل والفراغ والسلبية والعدمية في دماغه وهو مركز الادراك والسيطرة والتفكير للسلبية والفراغية والعدمية والشريّة في هذا الحيز من الوجود لتزهقه او لتخرج روحه وتقضي عليه من خلال حالة الهجوم المفاجأة من الحق والحركة والوجود والعمل والتكامل والخير!.
ان المفكر اللبيب سيجد هذه الفكرة الاسلامية في حالة الصراع بين الخير والشرّ او بين الوجود والعدم منتشرة على رقعة واسعة في الفكر الاسلامي القرءاني والرسالي وكذا الامامي !.
اي ان هذه الفكرة منعكسة على كل الاطروحة الاسلامية بتصوراتها العقدية بحيث انه عندما نقول ان الشرّ والباطل لايمثل في الوجود اصالة وجودية حقيقية في هذا العالم وانه مجرد فراغ وعدمية ولاشيئية حقيقية ، فان نفس هذه النتيجة ستنتقل معنا عندما ندرس ونبحث الانسان وعمله ووجوده مابعد هذه الحياة ومابعد الموت والخروج من هذا العالم ، فغدا يأتي الانسان الشرير بلا شيئ يوم الحساب أمام محكمة العدل الالهية ، بعكس الانسان الايجابي والعامل والمتكامل والمؤمن الذي يأتي بموازين ثقيلة فانه سيعامل على اساس انه وجود حقيقي يستحق المسائلة في يوم الحساب ،وهذا هو مفهوم ومصداق قوله سبحانه :(( والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فاولئك هم المفلحون / 8/ الاعراف )) !.
أما العكس من ذالك فان المولى سبحانه وتعالى ينظر لاعمالهم على اساس انها اعمال جوفاء وعدمية وفارغة من الاصالة الحقيقية بل انها لاتساوي قيمة حقيقية سوى قيمتها المزيفة حالها حال قيمة الاوراق النقدية المزيفة التي تحمل شكلا فحسب بلا جوهر او قيمة او وجود او حقيقة ، يقول سبحانه :(( وقدمنا الى ماعملوا من عمل فجعلناه هباءً منثورا / 23/ الفرقان )) اي ان كل الذي عملوه في الدنيا هو عدم وفراغ وسلبية بسبب انه لم يكن منتج الحق والاصالة والوجود في ذالك العالم الدنيوي ، ولم يكن علما ولاتكاملا ولابناء ولاواقعية ...، ولهذا فلا وزن له ولاجوهر وماهو الاهباء منثورا !.
نعم في كثير من الصور القرءانية ربما سيلاحظ القارئ الكريم لهذا النص المقدس انه يطلق على الاعمال الشريرة انها وبال وعدمية بل هي اشبه بالارض البوار التي لاتنبت اي شيئ او هي قريبة من صفة النار التي تأكل كل شيئ لالتنتج شيئا اخر كالارض بل لتذروه بعدها رمادا لايصلح لاي شيئ !.
والحقيقة ان هناك نظرية تقول بأن الاعمال الشريرة في هذا العالم او الشرّ بصورة عامة ماهو الا الوجه الاخر للعذاب الالهي العظيم !.
اي انه وعندما يريد الله سبحانه عذاب قوم وتدميرهم فيكفيه سبحانه ان يُوكل الانسان الى نفسه ويمنعه من لطفه لاغير ليسلط عليه الجهل والسلبية وصفات الانتقامية والكراهية والغباء .......الخ ، وهذا قمة العذاب الاليم من قبل الله سبحانه وتعالى لاي شرير في هذا العالم ، لينتقل من حيز العلم والفضيلة والايمان والتكامل والطيبة واللطف الالهي ، الى حيز الجهل والكفر والارتداد وحرمان اللطف الالهي والشرّ في ظلامية الظل الذي انتخبه الانسان لنفسه على نور الوجود والله سبحانه وتعالى !.
أذن : العلاقة بين الخير والشرّ في هذا العالم هي علاقة صراع وندية بمعنى الحضور والغياب لاغير ، فأن حضر الخير لابد ان يدفع الشر ، والعكس صحيح ، ولكن عندما يغيب الخير فان الشرّ بعدميته وفراغيته وسلبيته هو حتما الموجود في الحيز كنتيجة طبيعية لغياب الخير والايجابية والعلم .... الخ !.
وعندما يقول الباري سبحانه وتعالى : قل اعوذ برب الفلق من شرّ ماخلق !. فان مفهوم الشريّة هذا مفهوما يقع في جانبه الخلقي الذي ينعكس على الانسان بسلبية ، اي ان باقي الخلق الكوني والعالمي والحيواني والجمادي وان كان يحمل صفة الوجود الخيّر في ذاته لذاته الا انه بالنسبة لغيره ربما يكون شرّا عظيما بالنسبة للانسان بالخصوص مثل الميكروبات والهوام والوحوش والساماّت ... التي لاتتمتع بنعمة الاهداف والتخطيط والحركة والتفكير مما يعتبر وجودهم وجودا فراغيا وعدميا في كثير من الاحيان بالنسبة للانسان ، وغير ذالك من خلق !.
وهكذا ان فهمنا الشرّية على اساس العدمية او الفراغية او الالم الذي يخلقه غاسقا اذا وقب في غفلته او في ذاته ، فما من شك ان غفلة الانسان في بعض ازمان وجوده ولو على مجرد نسيان ذكر الله سبحانه وتعالى تعتبر من الشرور العظيمة ايضا التي تدفع الانسان من حيز الوجود الاصالي الذكري للانسان ، الى حيز السكون والذهول والغفلة عن هذا الوجود العظيم المنفعة !.
قال : (( قل اعوذ برب الفلق ، من شرّ ماخلق ، ومن شرّ غاسق اذا وقب ، ومن شرّ النفاثات في العقد ، ومن شرّ حاسد اذا حسد !.))
ان الانسان في سورة الفلق هذه انسان يعيش في كل لحظة ومع كل جهة من جهاته صراع مع الشرّ ، او صراع مع العدمية والفراغ مع الجهل والكراهية ، صراع مع الكون والعالم ، صراع مع الليل والنهار ، صراع مع الرجل والمرأة !.
او انه انسان رُكب على مشروع النضال والحركة في حياته الانسانية هذه ، وكلما غفل عن الحركة ، او نسي التكامل في حياته ، او مال عن البناء والعمل الصالح ... فهو حتما ساقطا في متاهات الفراغ والعدمية ، فالاستعاذة في هذه السورة القرءانية العظيمة ماهو الا استعاذة من الغفلة والنسيان لشرور الكون والعالم ، او الاستعاذة من العدمية والفراغية من شرور الليل او النهار ، وهكذا الاستعاذة من شرور الاشرار من الذكور والاناث في هذه الحياة الدنيا !.
بمعنى آخر ولكن من زاوية متصلة : تريد ان تشير سورة الفلق الى : أنك ايها الانسان مُحاطّ بكمية عظيمة من الشرور في هذا العالم ، فعليك بعدم النسيان لهذه الحقيقة ، ولامنجي من الوقوع في هذه الشرور الكبيرة الا الاستعاذة واللجوء والالتصاق والذكر الدائم لله سبحانه وتعالى ، فمن خلال هذا الذكر تبقى بحركة دائمة بلا كسل ، وتعيش بوجود واقعي بلا عدمية ، وتنمو تحت رعاية تكاملية حقيقية بلا ارتداد او انتكاس في الخلقة !.
واعلم ان وجود الخير والشر وجود لاانفصال لكينونته الذاتية في هذا العالم ،وكما ان اليسر هو وليد العسر ، وان الحياة لابد ان يسبقها الالم ، فكذالك الخير والشرّ ، فهما خليط معقد لوجود الانسان ، ولاتعتقد ان الشرّ في جهة بالامكان تحديد معالمه ورمي وجوده بحجارة الخير والحق ، ولا الخير هو كذالك ، بل هناك خلق واحد فيه الخير والشر كامنان في وجوده الظاهري والباطني ، فالخلق كله خير وجمال ولكنه بنفس اللحظة يكمن فيه الشرّ والعدمية ، وكذالك الليل بنجومه وهدوئه الجميل والرائع هو خير وسلام ، الا انه وتحت جنح ظلامه لاتعلم كم هي كمية الشرور والكوارث فيه ايضا ، وهكذا عندما ترى المرأة بجمالها فهي خير ومحبة ، ولكن هي هي نفسها ربما تكون كراهية وشرّ وعقد وحلَّ ومرتع للرذيلة والعدمية ، وأخيرا صديقك الرجل هذا الانسان الذي ربما كان ملاكا من الخير بالنسبة للانسان الاخر ، هو هو نفسه ربما تحوّل الى شيطان يبرأ منه حتى ابليس اللعين لشرّه وفتكه وتمرده على العالم والانسان والحياة وكفره بخالقه والانسانية ايضا !.
فالعلاقة اذن بين الخير والشرّ في حياة هذا الكائن المُسمى إنسان ماهي الا علاقة جدل وتدافع لاغير على حيز واحد في هذه الحياة الا ان الفرق ان الخير هو وجود وبناء واصاله وقيمة..... ، بينما الشرّ هو عدمية وفراغ وتخريب وتزييف...... والانسان دوره ووظيفته وتكليفه في هذا العالم هو التحرك نحو الخير والابتعاد عن الشرّ ، فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرّا يره !.