مدونة فكرية سياسية واجتماعية تحاول أثارة العقل العراقي والعربي والاسلامي للتفكير المتطلع لبناء المستقبل من خلال رؤية لاتهمل التاريخ والحاضر !.
الاثنين، يونيو 29، 2009
(( الثلاثون من حزيران إنعتاق وطن وكرامة انسان عراقي !.))
(( الثلاثون من حزيران إنعتاق وطن وكرامة انسان عراقي !.)) حميد الشاكر
__________________
الاحتلال كلمة بغيضة !.
هل هذه جملة مفيدة حقا ؟.
أم ان الاحتلال كارثة انسانية ، وواقع لاختطاف مصير وطن وشعب ، واستهتار فاضح باستقرار ارواح بشر ، وفوضى لها اول وليس لها آخر........ !.
يبدو واذا اردنا ان ندرس التاريخ والحاضر بنوع من العقلانية المستقرّة لندرك حقيقة الاحتلال وكيفية حصوله وما يعقبه من مؤثرات سلبية ، وما يجلبه من كوارث اقتصادية وامنية وسياسية وحتى نفسية واخلاقية على اي مجتمع يخضع لعملية الاحتلال ، لادركنا وبقليل من التفكير الهادئ ان الاحتلال كله شرّ مطلق ، لاسيما ان اخذنا ورقةً وقلماً وبدأنا بتدوين المؤثرات السلبية لاي احتلال في هذا العالم ، فاننا حتما سنخرج بقائمة لها اول وليس لها آخر في سلبيات اي احتلال في التاريخ وحتى اليوم !.
نعم وطننا العراق تعرّض لاحتلال اجنبي في 2003 م سببه الاول والاخير طاغية قذر خلطت السلطة وحب الدكتاتورية عقله حتى افقدته ميزته الانسانية ليتحول الى حيوان مفترس وهمجي ، وكيان مهدد للسلم البشري هو صدام حسين ، مع عصابة من عشيرته والمنتفعين من حكمه زينوا له افعاله الى ان دفعوا البلاد والعباد في اتون خراب وتدمير واحتلال منقطع النظير في العصر الحديث ، ومن اول يوم للاحتلال الاجنبي للعراق هرب الزعيم الورقي الملهم صدام حسين من ارض المعركة لينزل حفر المجاري الصحية وبالوعات الصرف البشرية ليترك العراق لمصيره بين يدي الاجنبي ، كما تبخر انصاره ليعودوا فيما بعد بشكل عصابات جريمة منظمة تقطع الطريق وترهب الناس وتنهب اموالهم وتعيث في الارض فسادا ارهابيا لم يشهد له التاريخ مثيلا !.
نحن عندما نقول : ان الاحتلال كارثة انسانية لاينبغي على الاخر ان يكون سطحيا في تفكيره العراقي لينظر الى الخصوصية العراقية على اساس انه: لولا الاحتلال لما تمكن الشعب العراقي من التخلّص من الدكتاتورية الصدامية ، ولما تمتع العراقيون اليوم بنعمة او التطلع للديمقراطية في الحياة السياسية !. فمثل هذا المنحى لاينبغي ان يكون هو الميزان الاعلى للرؤية لاي احتلال في هذا العالم ، لاسيما ان هناك من ينظر للاحتلال الاجنبي الامريكي للعراق من الجانب الاخر في عدد ضحاياه وموجة الارهاب والدمار الذي ضربت هذا الوطن بسبب الاحتلال ، ومضافا لذالك من ينظر للموضوع من البداية ليسأل : هو مَن الذي صنع الدكتاتورية في العراق غير قوى الاحتلال الاجنبية الامريكية بالخصوص التي تدّعي اليوم ارادة تحرير العراقيين منها ؟.
أليس هي هي نفس هذه القوات الاجنبية التي احتلّت العراق هي التي صنعت على عينها ديكتاتورية صدام حسين اللابشرية ، وهي التي مولت بقاءه واستمراره في سلطة القمع والجريمة وهي التي غوّلت من امكانياته الارهابية الفتّاكة في المنطقة والعالم حتى ضرب شعبه باسلحة الدمار الشامل وشيّد لهم جماجم المقابر الجماعية في الشمال والجنوب العراقي ؟.
إذن ماذا يعني هذا النفاق الغربي الذي يقول شيئ ويفعل نقيضه بالتمام !.
واذا ما اراد الاحتلال الغربي الامريكي بالخصوص للعراق ان يرّوج بضاعته التي فسدت نكهتها بنشر الديمقراطية في العراق ، فعليه ان يكتفي بمعادلة واحدة مقابل اخرى ، وهي : كما ان الامريكيين هم من صنع هذه الدكتاتورية الصدامية الغاشمة في العراق ، فيكفيهم استغفارا لجريمتهم الكبرى في صناعة الصدامية في العراق وتمكينها من التسلط على الشعب العراقي أن زالت هذا الكابوس من الوجود لتكون الحسبة عادلة ولايمنّ احد على الاخر في هذا المضمار !.
ونعم ربما الخاسر في مثل هذه المعادلة هو الشعب العراقي الذي ظلم اكثر من مرّة ومرّة من قبل قوى الاستكبار الغربي الاستعماري ، الاولى عندما صنع الغرب الاستعماري صدام حسين على عينه ليناهض من خلاله ايران الاسلامية وليسلطه على الشعب العراقي بالحديد والنار ، والثانية عندما قرر هذا الغرب الاستعماري ان صدام حسين ورقة قد احترقت وثمرة قد فسدت ولابد من ازالتها من الوجود ، وحتى في هذه الحالة الثانية كان الثمن باهضا على رأس الشعب العراقي ومن دمائه وثروته ومستقبله الذي تدمرّ واستقراره الذي فقد وكيانه الذي تحطم بلا جريرة منه الا انه وقع ضحية حسابات استعمارية بغيضة جاءت بصدام وذهبت به من اجل مصالحها الاستعمارية لاغير !.
على هذا الاساس للشعب العراقي في عنق الغرب الاستعماري الكثير من الحقوق لم تزل غير موّفاة كاملة ، وهناك الكثير من الحقوق والتعويضات يجب ان تدفع لهذا الشعب الذي ذهب ضحية مؤامرات دولية غربية بالعموم وامريكية بالخصوص ليس له فيها لاناقة ولابعير !.
أمّا مَن يريد من العراقيين بالذات ان يشكر الشعب العراقي قوّات الاحتلال بعد هذا كله بسبب ازالتهم لنجاستهم الصدامية من العراق ، فهذا الشخص او الانسان ومع الاسف ان كان عراقيا ، يريد ان تكون دماء العراقيين ومعاناتهم وكل سنين الظلم والدكتاتورية التي تجرعوها ، وكل ما اصابهم من ضيم من جرّاء هذه المؤامرات الاستعمارية ..... يريد بعد هذا كله ان يظهر الانسان العراقي بشكل الابله التافه الذي يُذبح كل يوم ومع ذالك هو شديد الامتنان لذبّاحيه بسبب انهم ذبحوه اولا بصناعة صدام ، وذبحوه ثانية عندما ازالوا صدام من الحكم والسلطة !.
لا ..... ليس الانسان العراقي بهذا الرخص من النخاسة في سوق المؤامرات الدولية الاستعمارية الكبرى ، كما انه ليس بهذا البله والسذاجة من التفكير حتى يقبل بهكذا ضحك على الذقون السياسية ، بل ان الانسان العراقي هو المتفضل على الغرب الاستعماري ان قبل فقط بالعفو عن جرائم ومكر الامريكان ومؤامراتهم الخطيرة على العراق ارضا وشعبا ومنذ دعمهم لصدام حسين وحتى ازالتهم له ، وعندئذ نعم ربما يكون الشعب العراقي كريما بالتنازل عن بعض حقوقه مع الاخرين ، وربما ينسى الكثير من اسائتهم له وسفك دماءه وتدمير ثروته وبلده ، لكنّ بشرط الا يكون هو المطالب بالامتنان لقاتله ، بل على القاتل ان يكون ممتنا للعراق بانه يحاول نسيان جرائمه والعفو عن كثير من خيانته وقبول صداقته لاغير من منطلق ان العراق والعراقيين لم يسيئوا لاحد او يُمنحوا شيئا من احد ليخضعوا لضرورة شكرهم لهذا الاحد ، بعكس من اساء لهم من قوى استعمارية غربية وامريكية اولا بالتدخل بشؤونهم الداخلية وصناعة ودعم دكتاتور لم تشهد له الانسانية قذارة مثل قذارته ودكتاتوريته ، وثانيا لتثبيت هذا الدكتاتور الصدامي في السلطة ودعمه لشنّ الحروب وابادة البلاد والعباد ، وثالثا لمنع العراقيين لفترة تزيد اواكثر من خمس وثلاثين سنة من التخلص من الظلم والدكتاتورية الصدامية لاعتبارات وحسابات سياسية استعمارية كانت ترى مصلحة ببقاء صدام حسين في السلطة ، ورابعا لاحتلال بلدهم وارجاعهم للقرون الوسطى من خلال التدمير الذي لحق بهذا الوطن وهذه الامة على يد الارهاب من جهة والاحتلال من الجهة اخرى !.
ان مثل هكذا معادلة ورؤية ربما سوف تساهم بتقويم رؤية الانسان العراقي الى نفسه وقيمته كأنسان محترم او يجب ان يُحترم في هذا العالم اولا ، ومن ثم تكون مثل هذه الرؤية قاعدة سليمة لفهم الانسان العراقي معنى الاحتلال على حقيقته وانه ليس متفضلا على احد من العراقيين اذا لم يكن مسيئ لهم ، وكيف ان خلاصه من هذا الاحتلال الاجنبي لارضه نعمة ليس بعدها نعمة لانسانيته وشعبه وكيانه ووجوده !.
تمام : ان مبدأ الاحتلال بهذه الرؤية الطبيعية المستقرة وليست المضطربة القلقة بحد ذاته يعني فيما يعنيه للانسان العراقي انه تدخل غريب واجنبي لبلد له ناسه واهله ومواطنيه وشعبه يعيشون في داخله ، وهو بهذا المعنى اعتداء شعب اجنبي غريب على وجود شعب وارض لها كيانها وتاريخها واستقلالها ووجوب احترامها بين العالمين !.
كما ان الاحتلال لارض الغير ومن بعض كوارثه الانسانية هو اهانة صريحة لشعب هذه الارض المحتلة ، باعتبار ان الارض الذي لايستطيع شعبها ادارتها او الدفاع عنها او القيمومة بشانها اوالحفاظ لثرواتها هو شعب يستحق ان يَطمع فيه من هبّ ودبّ على وجه هذه الكرة الارضية ، مما يدفع الطامعين والتجار والسارقين الى التفكير على مدّ ايديهم وتناول ما يستطيعوه من هذه الارض والهرب به بعيدا ، والاحتلال هو هكذا نوع من انواع عدم احترام شعب هذه الارض الذي لم يستطع ان يدير امره بنفسه فيتدخل الاخرون لاحتلاله والقيمومة عليه !.
نعم من الجانب الاخر لوجه الاحتلال القبيح انه العملية التي تغري جميع المحيطين بهذه الارض المحتلة كوطننا وبلدنا العراق الواقع اليوم تحت الاحتلال الامريكي المباشر ، ان يفتح الباب لدول الجوار بأن تعطي لنفسها المبرر في التدخل في الوطن المحتلّ مادام هناك محتلّ عَبر القارات للاستيلاء على هذه الارض باسم الاحتلال ، فلماذا لايكون نفس القانون ساريا على دول الجوار العراقي لتحتله هي ايضا وتمارس دور المحتلّ فيه ونهب ماتستطيع نهبه من هذه الارض والعبث ارهابيا وامنيا واقتصاديا ونفسيا واخلاقيا .....بها وبإنسانها كيفما اتفقت مصالح الدول المجاورة التي اباحت باسم الاحتلال تدخلها على مرأى ومسمع من شعب هذا الوطن المغلوب على امره !.
هل يدرك الآن الانسان العراقي الحالة النفسية التي تنتابه كارثيا بغض النظر عن ادراكه لدوافع تدخل الاخرين في شأنه الداخلي عندما يرى ثروته ووطنه وكيانه نهبا للغرباء والمحتلين ، وهو جالس في موقع المتفرج على كارثته ولحمه الذي يوزع حيّا بين الشعوب والبلدان والامم ؟.
وهل يدرك الانسان العراقي الآن من اين اتت له كارثة الفساد المالي والاداري والامني والاخلاقي الذي تذبحه اليوم من الوريد الى الوريد ؟.
ان مثل هذه الظواهر الاخلاقية السيئة في عزوف الانسان العراقي عن احترام المال العام في بلده وعدم مبالاته بالحفاظ على الامن الوطني لديه ، وكذالك ظاهرة التجّار الذي يتاجرون بدماء شعبهم وبيع امن هذا الوطن للخارج .......الخ ، وغير ذالك من ظواهر نفسية واخلاقية واقتصادية وامنية سلبية مرجعها الاساس اليوم من جرائر وجود قوى الاحتلال الاجنبية على الارض العراقية ، فالاحتلال الاجنبي عندما يوجد على ارض ما فانه يجلب معه كل المعاني التدميرية الروحية والاخلاقية والنفسية لهذا الشعب الذي فقد كل وجوده امام الاحتلال فلماذا لايفقد ماتبقى له من اخلاقيات اذا كان يرى ان الحياة كلها تدمرت امام ناظريه !.
ولهذا كل شعب محتل لايمكن له الاحتفاظ بقيمه الروحية او احترامه لذاته الوطنية او الانسانية باعتبار انه من الصعب على الشعب او الفرد الذي لم يستطع ان يحافظ على ارضه او يدير شأنها باستقلالية وثقة ان يحافظ في المقابل على اخلاقياته الوطنية او قيمة استقراره الامني او غير ذالك الكثير في الامانة على المال العام.... الخ ، مما تدفعه هذه الحالة الى الضياع في المشاعر الوطنية او الوقوف امام المسؤولية بنوع من الواقعية الذي توفر له معنى لشعار الوطن والوطنية وحب هذا الوطن والحفاظ عليه !.
وهذا بعكس تماما الحالة الاستقلالية للوطن وللمواطن الذي تعيد لهذا الفرد العراقي الثقة بذاته وانه جدير بالاحترام امام الشعوب والامم ، وانه مرهوب الجانب من قبل العالم ودول الجوار ، وانه كفوء ان يقطع اي يد تمتد لارضه للعبث بها حفاظا على هيبته بين الناس والبشرية واحتراما لنفسه وارضه ووطنه وكرامته التي ستصان عندما يُقال : ان الشعب العراقي قادر على فرض احترام ذاته على العالم ، وانه مستقل الشأن وراشد العقل وندّ متحضر للاخرين ، ولايقبل مطلقا بتدخل اجنبي بشأنه الداخلي فضلا عن احتلال هذا الاجنبي لارضه والبقاء بها !.
ان يوم الثلاثين من حزيران بالفعل يجب ان يكون للعراقيين خطوة عزّة وفرح وكرامة ويوم سيادة وطنية واول الطريق للبحث عن الانسان العراقي الذي اضاعه الاحتلال والارهاب الصدامي في تيه اللامبالاة على ذاته ووطنه ، وربما سوف نجد في زمن الاستقلال والسيادة انسانا عراقيا آخر يفاجأ العالم انه ليس ذاك الجمجمة التي وجدت تحت الارض تبكي من الظلم والدكتاتورية العالمية فحسب ، بل انه المبدع الذي يتمكن من اعادة صناعة وانتاج نفسه من جديد ليبني وطنه بقوّة وبعقلية تنفتح على العالم الذي اساء له كثيرا بلا مبرر ولكنّ عفى عنهم كثيرا بمليون مبرر ومبرر !.
_________________-
alshakerr@yahoo.com