مدونة فكرية سياسية واجتماعية تحاول أثارة العقل العراقي والعربي والاسلامي للتفكير المتطلع لبناء المستقبل من خلال رؤية لاتهمل التاريخ والحاضر !.
الاثنين، فبراير 22، 2010
(( تكليفنا الشرعي في الانتخابات العراقية القادمة )) حميد الشاكر
يتميز الانسان المسلم في هذا العالم بصورة عامة وفي العراق بصورة خاصة ، انه انسان يدرك انه لم يخلق في هذه الدنيا عبثاولم يترك هملا بلا نظام ينسّق من حركاته في هذه الحياة ، ولاقانون يضبط ايقاع تفاعله مع الاشياء من حوله ، بل الانسان المسلم يدرك او هكذا ينبغي عليه ان يعلم انه خلق بحكمة ، وانشأ لوظيفة في هذه الحياة ، وانزل الله البرامج والقوانين له من السماء ، ليقوم بتطبيق ماجاء فيها ليعتدل العدل بين الناس وتقوم قيامة القسط والانصاف فيما بينهم !!.
ولهذا جاء في القرآن الكريم ، ان الغاية من خلق الانسان في هذا العالم للعبادة والتسليم لله سبحانه وتعالى بقوله :((وما خلقتُ الجنّ والانس الا ليعبدون / الذاريات )) و قوله عز وجل :(( لقد ارسلنا رسلنا بالبينات وانزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط / الحديد )) -1-
وهكذا عند كل اهل الاسلام وخزّان علمه ، فانهم كانوا يدركون ،حقيقة انهم خلقوا لهذه الحياة لغاية وحكمة وهدف عظيم وانهم لم يتركوا هملا بلا عنوان ، ولم يخلقوا عبثا بلا حكمة او ميزان يقوّم لهم من حياتهم ويهبهم القانون الذي ينّظم من شؤونهم الحياتية في كل زاوية ويرزقهم النظرة والتقييم الصائب للامور في هذا العالم !!.
يقول امير المؤمنين علي بن ابي طالب ع في احد كلماته القصار في نهج البلاغة معبرا عن هذه الحقيقة باوجز الكلام :(( أيها الناس اتقوا الله فما خُلق امرؤٌ عبثا فيلهوا ، ولاترك سدىً فيلهوا ...))!!.
اي انك ايها الانسان المسلم ينبغي عليك ان تدرك ان حياتك في هذه الحياة خُلقت لغاية وحكمة وهدف ..هي طاعة الله وعبادته والانسياق مع اوامره والكف عن نواهيه ،وعليك ان تدرك ايضا انه عندما خلقك الله سبحانه واوجدك في هذا النظام الكوني الكبير فانه لم يتركّ سدىً بلا ضوابط ولاقوانين ولااوامرأونواه أونظريات ورؤىولاايدلوجيات لتلهوا وتعربد وتذهب كيفما شئت ذات اليمين وذات الشمال كما ترغب وتحب وتختار وتمليه عليه رغباتك واهوائك الفانية المدمرة ،بل وضع لك الميزان ، واناط بعنقك مسؤولية التكليف الشرعي لترى الطريق وتسلك المنهج بوعي وادراك وخطوة ثابتة !!.
نعم الانسان المسلم في العراق بالخصوص اليوم ينبغي عليه ان يدرك عنوانه الحقيقي ، ولماذا اصلا يسّمى مسلما ؟، وماهية هذا الاسلام الذي ينبغي ان يعييه ويلتزم به ويتفانى في الدفاع والالتفاف حوله ؟، ولايكن كحمار يحمل اسفارا لايدرك مما في بطونها من حكم واوامر ونواه ورؤى ونظريات وطرق .....اي شئ كما عبر العظيم الكريم سبحانه وتعالى في محكم كتابه عن بعض من حملوا اسم التوراة ولكن في الحقيقة لم يدركوا من هذه المسؤولية ولافتيل نقير في قوله :(( مثل الذين حمّلوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل اسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لايهدي القوم الظالمين / الجمعة )) فهذه الايات القرآنية ، وكذا التكاليف والاحكام الشرعية الاسلامية باوامرها ونواهيها وارشاداتها ورؤاها ونظرياتها كلها هي الطريق الموصلة للغاية والهدف من خلقة هذا الانسان في هذه الحياة ، ولايتم لانسان مسلم اسلامه الا ب ((التسليم )) لهذه الاوامر والانقياد لها واطاعة نواهيها والتوجه ، لتطبيقها حيثما اتجهت هذه التكاليف ، والاحكام في تعدد زوايا حياته الفكرية ، والسياسية ، والاقتصادية والاجتماعية والفردية !!.
يذكر علي بن ابي طالب امير المؤمنين في نهج البلاغة انه سينسب الاسلام نسبة لم ينسبها احد من قبله ليتضح للمسلم اينما كان معنى تسميته بالمسلم ولماذا هو مسلم وماهو الفرق بين المسلم وغير المسلم فيقول عليه السلام :(( لأنسبن الاسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلي : ألاسلام هو التسليم ، والتسليم هو اليقين ، واليقين هو التصديق ، والتصديق هو الاقرار ، والاقرار هو الاداء ، والاداء هو العمل الصالح / نهج البلاغة !.)) -2-
اي ان عليّا عليه السلام يرى ان معنى الاسلام وبالتبع مَن يتسمى به مسلما هو عملية استسلام وتسليم لله سبحانه وتعالى ، فالمسلم هو من سلّم امره وحياته لله خاضعا لاوامره ملتزما بنواهيه معتقدا قبل ذالك ان الله خير حافظا وهو احكم الحاكمين لتدبير امر المسلم في هذه الحياة ، ثم بعد ذالك يكون هذا التسليم لامر المسلم كله في هذه الحياة لله سبحانه واوامره ونواهيه ان يعلم علم اليقين ان هذا التسليم لله هو عنوان اليقين الذي هو اعلى درجات الايمان بالله سبحانه وتعالى ، فالتسليم لامر الله علامة ودلالة على اليقين داخل الانسان المسلم ، ولايقين بلا تسليم ، وعدم التسليم لامر الله من قبل اي مسلم لاريب انه نقص باليقين بالله من قبل الانسان ونقص في ادراكه ونقص في ايمانه ... وهكذا !!.
وكذا يُقال عندما اشار الامير عليه السلام الى : ان اليقين هو التصديق ، فالانسان اذا لم يكن مصدّقا بان الله اعدل واحكم الحاكمين ،وانه هو وحده من يهب الانسان طريق النجاة في الدنيا والاخرة ، فانه حتما سيكون من المكذبين وغير الموقنين ولذالك هو ليس من المسلّمين لاوامر الله ونواهيه في هذه الحياة ،وانه ليس من المدركين لتكاليف الله سبحانه في هذه الحياة وماينبغي عليه فعله او تركه ثم تتوالى النكبات على الانسان غيرالمسلّم لامر الله ليكون من غير المقريّن لله بالحكم والتشريع ، ومن غير المؤدين ولا العاملين بالعمل الصالح ، والنتيجة هي ان عليا بن ابي طالب في كلمته هذا عليه السلام قرن بين نسبة الاسلام للمسلم ، وارتباط هذا الاسلام بالتسليم واردف بان هذا التسليم هو عمل ،وحركة وتوجه ورؤى وسلوك داخل حياة الانسان والمجتمع ، اي بمعنى ان الاسلام تكليف الاهي يتضمنه العمل والحركة والسلوك على وجه حياة المجتمع وفوق ارضه ، وبالنور ، وليس تحت طيات ضمير الفرد وداخل روحه وفي الظلام وبعيدا عن حركة الحياة لاغير !!.
إن التكليف الشرعي لجميع افراد البشرية فضلا عن من ينتمي للاسلام ، لايختصّ حسب رؤية الاسلام نفسه بحيز معين من زوايا حياة الانسان ، وترك باقي المداخل الحياتية للانسان هملا وسدى وبلا قوانين ، يملئها كيفما شاءت اهوائه ،او تطلبتها مصالحه السياسية الدنيوية كيفما اتفق ، بل ان التكاليف الشرعية المناطة بحياة الانسان المسلم بالخصوص داخل المجتمع تمتد بفضائاتها لكل جوانب حياة الانسان وبما فيها تشكيلته الفكرية الثقافية وكذا نوعية نظامه السياسي بمواصفاته الشرعية ، وهلمّ جرا في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والفردية لحياة البشر ، وهذا في الحقيقة ما ورد في الشريعة الاسلامية الغرّاء حيث اكدت :(( انه مامن واقعة في حياة الانسان الا ولله سبحانه فيها حكم شرعي )) ، اي انه لايوجد في حياة الانسان المسلم فراغ من حكم الشريعة الاسلامية ، وتكاليفها الغراء لتملئه باقي الايدلوجيات والافكار اليست اسلامية في حياتنا هذه وهذا لمعنى تمام وكمال الشريعة الاسلامية الخاتمة التي اسست للتسليم بها والايمان والتصديق بانها الشريعة التي جاءت لكل زمان ومكان (( اليوم اكملت لكم دينكم واتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا / المائدة )) ، وانها الشريعة التي لم تترك الانسان المسلم في اي موضع او زمان او مكان ، او حيز ، سواء كان عقديا او سياسيا او اقتصاديا ....بلا رؤية وحكم وعنوان وطريق يسلكه بسواء السبيل !!.
بل ان الفقهاء والعارفين والعلماء والمفكرين اتفقوا على (وجوب تكليف الله سبحانه للعباد باحكامه الشرعية حيثما يحتاجون الحكم ) واعتبروا ذالك من اللطف والواجب على الله ان يقيمه للمجتمع البشري باعتبار ان هذه التكاليف هي وحدها القادرة على الوصول بالانسان الى (كماله) المنشود ، وبغير تلك التكاليف الشرعية سيتخبط الانسان في كل شأن من شؤونه الحياتية في ظلماء دامسة تدمر عليه حياته وحياة الاخرين الاجتماعي معه واخرته ايضا !!.
يذكر المجتهد آية الله السيد الخوئي في كتابه (( البيان في تفسير القرآن )) مانصه حول التكليف الشرعي للانسان المسلم في باب (( لابد للنبي من أقامة معجزة )) القول :(( تكليف عامة البشر واجب على الله سبحانه وهذا الحكم قطعي قد ثبت بالبراهين الصحيحة ،فانهم محتاجون الى التكاليف في طريق تكاملهم وحصولهم على السعادة الكبرى ، والتجارة الرابحة ، فإذا لم يكلفهم الله سبحانه ، فإما أن يكون ذالك لعدم علمه بحاجتهم الى التكليف ، وهذا جهل يتنزه عنه الحق تعالى وإما لأن الله اراد حجبهم عن الوصول الى كمالاتهم ،وهذا بخل يستحيل على الجواد المطلق وإما لأنه أراد تكليفهم فلم يمكنه ذالك وهو عجز يمتنع على القادر المطلق وإذن فلابد من تكليف البشر)) -3-!.
فالتكليف الشرعي للانسان بصورة عامة على هذا الاساس ، هو واجب الاهي يقتضي عدم الايمان به القدح بالذات الالهية قبل القدح بالاديان وقوانينها وفلسفاتها وارشاداتها الواقعية ، وكذا الاعتقاد ان هناك زاوية من زوايا حياة الانسان لاسيما منها السياسية اليوم ، بلا تكاليف الاهية شرعية محددة لموقف الانسان المسلم ، فمثل هذا الاعتقاد هو ايضا رمي للتكاليف الالهية بالعجز ، وترك للانسان المسلم في حيرة وضلال ، وكلا الاحتمالين مرفوض شرعيا واسلاميا ، من منطلق ان تمام النعمة واكمال الاسلام لايتم الا اذا قررنا اننا نمتلك منظومة فكرية وقانونية اسلامية تغطي ليّ جميع متطلبات حياتي البشرية لاصل الى الكمال والسعادة الالهية التي وعدني بها الاسلام نفسه من خلال ارشاداته واوامره ونواهيه الشاملة !!.
صحيح الان ربما يتسائل البعض بعدان يدرك معنى كونه مسلما ومسلّماامره وحياته لله سبحانه وتعالى بكيف يمكن لي ان ادرك موقفي الشرعي ، وتكليفي الالهي في حياتي السياسية اليوم ، ولاسيما ان حياتنا السياسية قد تعقدت وتطورت ودخلت فيها مفردات العصر الحديث ، والحضارة الجديدة ، لتصبح ممارساتنا السياسية ، تبدأ بالانتخابات ولا تنتهي بفقه الدولة وادراة وممارسة الحكم بشكل مؤسساتي ؟.
فكيف للفرد المسلم ان يميّز تكليفه الشرعي في هذه الزاوية الاسلامية بالتحديد مثلا ؟.
الحقيقة ان امام الفرد المسلم الذي يعتني بتكليفه الشرعي امام الله سبحانه من جهة ، ويخشى المساءلة الاخروية ان هو لم يدرك ،ويطبق تكليفه الاسلامي في حياته السياسية بصورة مطابقة لمرضاة الله سبحانه وتعالى من جانب اخر طريقين :
الاول : هو ان يضع مرضاة الله امام عينيه ، اينما توجه في حياته العملية ولايخطو خطوة الى الامام والى الوراء الا بعد ان يدرك ويعلم اين مرضاة الله سبحانه في هذه الخطوات المتقدمةوالمتأخرة وهكذا في موضوعة الانتخابات السياسية ،فينبغي على المسلم العراقي حتى يحافظ على مسماه الاسلامي الذي يحمل لقب مسلم ان يدرك اين يضع صوته في صندوق الاقتراع ، وقبل ان يختار ويضع توقيعه يسأل ضميره ونفسه وروحه :هل انا انتخب مَن يحافظ على شريعة الله ويطالب باحترام وتطبيق دينه في هذه الحياة ليصلح في الارض ولايفسد كي انال بالتبعية مرضاة الله في عملي هذا ؟.
أم انني انتخب من هو بعيد عن مرضاة وخط الله سبحانه وتعالى ، والذي ان تولى سعى في الارض بالفساد لالشئ الا لمجرد انه يعد بتقديم خدمات للمجتمع ، وفي الحقيقة ان اهل الله هو ايضا سيقدمون الخدمات وبضمير حي واكثر حبّا للمجتمع ودينه ؟.
الثاني : هو ان يرجع الى اصحاب الفقه والعلم والتقوى ممن حباهم الله بنوره وعلمه وحكمته بين الناس ليسألهم إن كان هو في مرتبة عدم المعرفة لتكليفه الشرعي ، او انه لايمتلك الرؤية الكاملة لموضوع المصلحة الاجتماعية والسياسية العليا للوطن وللمجتمع ، وهذا الطريق ايضا من ضمن طريق التكليف الالهي الذي يستسلم له الانسان المسلم في بيان خط سيره في هذه الحياة ، لقوله سبحانه:(( واذا جاءهم أمر من الامن أو الخوف اذاعوا به ، ولو ردوه الى الرسول وإلى ألى الامر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ولولافضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان الا قليلا / النساء ))
فاهل الاستنباط والعلم والدراية بعد الله ورسوله ص وائمة المسلمين ، هم الاقدر في مثل هذه المواضع لمعرفة مصالح الشريعة والمجتمع ومرضاة الله وصلاح الدنيا والاخرة للعباد !!.
وبهذا لاتبقى حجة لمسلم بعد بيان التكاليف ووضوح طرق الشريعة ومرضاة الله ان يدعّي مدعيّا الاسلام ثم هو يسير بغير سيرة المسلمين ومرضاة الله ريب العالمين ، او انه يقدم للحكم والسلطة من هو اعدى اعداء الشريعة والدين !.
________________
المصادر :
1 : القرآن الكريم .
2: نهج البلاغة لابن ابي الحديد / قصار الحكم / الحكمة 125.
3: السيد الخوئي / البيان في تفسير القرآن / ص 43
**********************
alshakerr@yahoo.com