( مارأيتُ أحدا أشدّ خوفا على نفسه من موسى ابن جعفر عليهما السلام ، ولا أرجى الناس منه ، وكانت قراته - للقرآن - حزنا فاذا قرأ فكأنه يخاطب إنسانا / اصول الكافي / للكليني )
*****************************
الولادة :- اقرأ
عادة مايلتفت العقل الانساني وهو يتصفح المشاريع الانسانية العالمية الكبرى الى نقطة البداية لهذا المشروع اوذاك من المشاريع المصيرية للعالم البشري ، ولاسيما المشاريع التي تغير وجه الخارطة الانسانية ، سواء كانت تلك المشاريع علمية او ثورية او دينية او ....الخ ، من المشاريع المؤثرة كونيا وانسانيا ، كما انه من صفات البحوث والاستكشافات الناجحة انها ترجع لبحث نقطة البداية ايضا والتوقف والتأمل بهذه البداية وهذا المنطلق باعتبار ان كل مشروع، او محاولة يكتب لها النجاح في العالم الانساني لابد وان يكمن السرّ ، والقوة في اللُبنات الاساسية ، والقواعد الابتدائية التي بنيت عليها تلك التجربة ، واقيم عليها ذالك المشروع
ومن هنا كانت الحفاوة الحضارية بولادة اي حدث تاريخي او علمي او ثوري او حضاري ......، له من الاهمية الرمزية او الواقعية الشئ الكثير ، فهناك من يجد السرور والبهجة بذكر تاريخ ولادة عبقري قدم للعالم نافذة الامل لحياة افضل ، كما ان هناك من يرى ان احياء ذكرى لتاريخ ميلاد ثورة انسانية اعادة الحياة لأمة ، ودراسة هذه الولادة والقواعد التي انطلقت منها والاسس التي قامت عليها ..، هي بمثابة خدمة انسانية يقدمها هذا الباحث او ذاك المفكر لدراسته او بحثه ذاك ......، وهكذا حتى نصل الى مَن يرى ان الاحتفاظ بتاريخ ميلاد طفله شيئ له قيمة معنوية ومادية كبيرة تستحق ان تذكر بنوع من الحب والاعتزاز الانساني ، ولمَ لا أليس هي ذكرى تجعل الانسان يشعر بانه ضمن الامتداد الطبيعي له في هذا الوجود الانساني وان طفله والذي هو جزء من كيانه المادي سيكملّ المسيرة في هذه الارض ليعلن وبرمزية خفية ان الانسان اقوى من الفناء والموت وانه بامكانه الانتصار على فكرة النهاية ولو بحيلة غير مؤذية بولادة امتداد اخر من الانسانية ....الخ ؟.
وعليه كان الالتفات والبحث عن البداية اوالولادة شيئ له رمزية عالية القيمة الروحية والنفسية والفكرية في عالم الانسان وكثيرا والحال هذه ما تأسف العقل الانساني ، وهو يفقد حلقة البداية لهذا المشروع ،او تلك اللحظة التي ولد بها هذا المفكر او المبشّر او الفيلسوف او العالم ، او ذالك اليوم الذي انطلقت به تلك الثورة ، ليس من منطلق التأسف العاطفي فحسب ، بل ان فقد البداية لاي شيئ عظيم انساني هو بمعنى او باخر فقد لسرّ النجاح او الاخفاق لهذا الشيئ العظيم الذي تحرك في يوم من الايام ثم شق طريقه للقمة او آل مآله الى الاخفاق ؟!.
نعم الولادة هي السرّ كما انها هي المفتاح الحقيقي لوجه ذاك او هذا من المشاريع والحركات والشخصيات ....، العظيمة ، كما انها هي التاريخ ، والذاكرة الحية والخلفية او الجدارية المادية والمعنوية لتلك العناوين المذكورة ، فكان لابد والحال هذه من ان تكون الولادة والبداية هي القوة وهي الضعف بنفس اللحظة القوة عندما تكون البداية واضحة لالبس فيها والضعف عندما تكون الولادة والبداية غامضة او مفقودة الوجود لسلسة الحدث التاريخي او الفكري او الانساني !.
ان الاسلام وباعتبار انه ملتفت لما ذكرناه آنفا من موضوعة الولادة واهميتها الفكرية والنفسية والروحية والتاريخية ...، اراد ان تكون ولادته التاريخية والانسانية والفكرية والنفسية ......، ولادة مختلفة في كل ابعادها الايحائية والفكرية ، كما انه استهدف ان يكون حدث ولادته التاريخية حدثٌ له من الوضوح والقوة والتواجد مالم يجد في غيره من الحركات والاديان والفلسفات... الاخرى في عالم الانسان ، بالاضافة الى ان الاسلام سعى جاهدا لتأكيد ان الولادة لكلمته القرانية تعني الكثير لمصير الانسانية باعتبار انها الكلمة الختامية من السماء لعالم الانسان والنافذة الخطابية الاخيرة التي ستفتح الحوار بين الانسان والسماء لتغلق فيما بعد نافذة الكون الفسيح ، وتفتح نافذة الانسان الصاعدة من خلال الكلمة القرانية فحسب!!.
وعلى نهج هذه الخطى الاسلامية الالاهية مع الانسان كانت الصورة الواضحة لولادة الاسلام وكلمتها القرانية الدائمة (اقرأ) .
ان الكلمة القرانية ( اقرأ ) وكولادة للمشروع الاسلامي في الارض ، وكأعلان اولي لبداية تحرك رسالي ، وكرمزية فكرية ومعنوية ملفتة للنظر تجذب الباحث عن بداية الولادة ، وترغم المفكر على التأمل الهادئ في مثل هذه الولادة الغريبة العجيبة !.
غريبة بسبب كونها ولادة ذكر التاريخ جميع تفاصيلها الدقيقة وقسمات وجهها المشرق بحيث ان هذه الولادة وبوضوحها الملفت للنظر انعكست بصورة تحدي لجميع المشاريع الرسالية السماوية الاخرى والمقارنة بينهما والتساؤل عن البدايات الاخرى ولماذا لم تتوفر على نفس الوضوح التي امتازت به الولادة الاسلامية هذه !.
وعجيبة لكون الكلمة الاولى في المشروع الاسلامي قد ذكرت بصيغة ملفتة للنظر فمن النادر ما تذكر أول كلمة بنيت على قواعدها مشاريع ثورية انسانية غيّرت من الحياة الانسانية ، كما انه من الصعب تماما وفي كل التاريخ الانساني ان تذكر او تكتشف الكلمة الاولى التي اسست لبناء أمة ولدت من وعلى انقاض وجود اجتماعي مهترئ وجاهلي وممزق هو الوجود العربي انذاك ؟!.
انه من الملفت للنظر حقا ان تكون الولادة الاسلامية كمشروع رسالي وديني مبتدإٍ بكلمة ( اقرأ ) ، فعلى المنطق المناهض للاديان والرسالات السماوية بصورة عامة ان تكون بداية الاديان وبأعتبار انها مخترعات برجوازية (ماركس) او باعتبار انها مخترعات عالم مريض ومأساوي ( نيتشه ) ان تكون بدايات تلك الاديان بكلمة ( أطع ) او على اقل التقادير ان تكون مبدوءة بكلمة ( لاتقرأ ) وليس بكلمة ( اقرأ ) !!!.
ولكن المشروع الاسلامي الديني يكسر القاعدة ، حتى قبل ولادة الفلسفات المادية المناهضة للدين والسماء ليولد بكلمة اقرأ والتي تعتبر في عرف الفلاسفة والمفكرين والمتنورين والعلماء ...الخ وحتى مارك ونيتشه ، انها الكلمة الاخطر في عالم الانسان المفكر وانها الكلمة الاكبر في بناء الحياة التقدمية الراقية ، التي تدعو للتفكر والتأمل واعمال العقل ....الى اخر القائمة التي تتصل بعملية القراءة وما ينتج على اثرها من ثورة في تغيير الانسان والعالم !.
نعم ولادة الاسلام من رحم الكلمة اقرأ دليل لايقبل الشك ان هذا المشروع الالهي ليس هو ( افيون ) ، كما انه ليس المشروع الذي يعمق من حالة الجهل لاستغلال البساطة البشرية لاغراضه اللارسالية ، بل هو مشروع تفكّر وتأمل وتنوير .....، ودفع نحو العالم الثوري الممون على قاعدة ( اقرأ = تفكر تأمل تثقف تنبه تعلم ...الخ ) ، والذي يكوّن عالما مناقضا تماما لعالم المستبدين والظلمة المستغلين والمنحرفين والجهلة ..... الذين يسعون جاهدين لقتل روح العالم المُتفكر عالم ( اقرأ ) التي تكشف كل مداخل ومخارج اساليبهم المستغلة من خلال التنوير الفكري الذي تطرحه كلمة ( اقرأ ) الثورية ؟.
كما ان اقرأ وبهذه المنتجات المعرفية القرانية هي ايضا ليست مجردمفهوم ما للقراءة من نفع ورقي فحسب بل هي فعل امر ودعوة صريحة للدخول في عالم الكلمة المقروءة ليس في هذا الجانب فحسب بل وفي كل الجوانب المعرفية ايضا فالقراءة سلاح بالامكان ومن خلال دخول هذا المضمار الحضاري ان تنفتح على باقي العالم المقروء ايضا اي العالم الحضاري الواسع المساهم في الكتابة والقراءة الانسانية الفلسفية والفكرية والدينية ..... وغير ذالك ، وبدلا من ان تعيش بين جدران الجهل الكتابي ، انت الآن مع كلمة ( اقرأ ) القرانية توسع من افاقك المعرفية لتنفتح على زوايا الفكر العالمي الاخر حديثا وماضيا ،فتقرأ لافلاطون اليوناني وزرادشت الفارسي والتوراة اليهودية والاناجيل المسيحية قبل الاسلام كما تقرأ لكارليل ونيتشة وديورانت بعد الاسلام ...الخ ، من هذا العالم المقروء فهل يحق بعد هذا او بعد ما اسسه القرآن والاسلام من امة اول كلمة في حركتها هي اقرأ لمارك او نيتشه او اي مناهض للاديان السماوية الحقة ان يتفلسف نظريا ومن خلال رؤى منغلقة باتهام الاديان على اساس انها رجعية ومناهظة للفكر والقراءة والتطور والتقدم بعد ان اسس الاسلام لميلاد كلمته القرانية بهذه الصورة من التألق !!؟.
بعد هذا من حقنا بعد اكتشاف هذه الحقيقة من الاسلام ، وكلمته القرآنية العظيمة أقرأ التي شكلت منعطفا فكريا كبيرا للبشرية فيما بعد بانه هو مَن المنغلق حقا على هذا الاساس من يؤسس مشروعه الرسالي من رحم الكلمة ( اقرأ ) كالدين الاسلامي الذي يتهمه المناوئون له بانه انغلاق ورجعية اليوم ، او من يدعو للارتماء باحضان المادية ، والانغلاق الروحي والنفسي والفكري على عالم قاتم ووجود محدود وجدران مظلمة تسمى العالم وعمق الفلسفة والتطور ؟؟؟.
ان اهمية الولادة الاسلامية من خلال كلمة ( اقرأ ) لاتقتصر على جانبها المعرفي المذكور فحسب فهناك الجوانب الروحية واهميتها ايضا بالاضافة الى الجوانب الاجتماعية والانسانية التي وفرتها ولادة الكلمة القرانية هذه .
ولاريب والحال هذه من القول ان الولادة ان لم تكن بكلمة ( اقرأ ) القرانية فسوف يكون تشييد البناء الاجتماعي الاسلامي الفكري والنفسي مختلفا تماما عن ما لو كانت الكلمة ( اقرأ )هي التأسيس المعرفي لمنظومة الفكر الاسلامي والانساني فيما بعد !!.
اي ان كلمة اقرأ وباعتبار انها المقدمة ومشروع الولادة لم تكن تستهدف بناء وانشاء أمة قارئة فحسب ، وانما هي ستساهم ايضا في انفتاح هذه الامة واعتبار ممون فعل القراءة ممون انساني وديني كذالك وغير مسموح عندئذ ممارسة منع القراءة ومنتوجاتها الطبيعية لهذه الامة من التفكير في المقروء والاخذ من نتاجاتها الانسانية ، والتي تعتبر الأس الطبيعي لمفهوم اقرأ ، وهذا المنحى هو مادفع المسلمين للانفتاح على النتاج العلمي للامم الاخرى بينما بقت الامم الاخرى منغلقة عن الانتاج وغير متأثرة بهذا الانتاج الفكري للعالم الانساني الا بعد ان تخلصت من اغلال ظلمة الاديان المزيفة التي تدعوا للطاعة فحسب ، وكفرت بكل افكارها الميتة عندئذ نهض العالم الاخرغير الاسلامي من ظلمته وانغلاقه الفكري وانفتاحه على الحياة بعد ان صادرتها منه اديان الزيف والظلمة وكل هذا طبعا عكس الامة التي امنت بالاسلام لتجد الاسلام نفسه هو اول من اسس لقاعدة اقرأ التي بدأت بقراءة القرآن ولكنها لم تقف عند حدود حتى هذه اللحظة !.
والقراءة وكما هو معروف وبدهي ليست هي فعل من جانب واحد ،بل ان القراءة تفاعل بين جانبين ، بين انسان قارئ ومفكر وبين مقروء ذا رسالة وهدف بين انسان له التطلع المعرفي نحوالكون والوجود والحياة والانسان وبين مقروء مساهم في عملية التفكير والاجابة عن تلك الاسئلة وهذه المداخلات الفكرية والمعرفية والانسانية !.
ونعم كانت القراءة مشروع انساني اصيل قبل انبلاج الفجر الاسلامي واشراق رسالته السامية ، ولكنها كانت تلك العملية الكمالية في العالم الانساني القديم ، او كانت تلك العملية التي تختص باصحاب شؤون الدولة والكهانة والاساطير والاديان ....الخ ، اما في ظلال الكلمة القرانية فقد اصبح الفعل (اقرأ) فعلا تعبديا جماهيريا ومقدسا وحقا من حقوق كل فرد له اتصال مباشر بالكلمة القرانية وعليه واجب الاتصال بذالك الكتاب المقروء ،ومن ثم هو واجب جماعي يمارسه الاجتماع الانساني بشكل حلقات للقراءة الجماعية في المناسبات التعبدية ...الخ قبل الفكرية والترفية والحضارية .
اما مايتصل بالجانب الروحي والنفسي والانساني فقد مثلت البداية او الولادة القرانية لكلمة ( اقرأ ) الاسلامية بُعدا غاية في السمو والدهشه الانسانية ،فهنا مرحلة جديدة تفتح بين كون والاه ومنافذ قدسية ، وبين انسان وزوايا وآلام اجتماعية بشرية ، ومثل تلك المنافذ لاتفتح بشكل مجاني او عشوائي او يومي ....،وانما هي فترة او زمن او مرحلة ... لاتتكرر في عالم الانسان الا بنوع خاص ودقة حسابية متناهية التعقيد ، اما لو كانت تلك النافذة الالهية الكونية القدسية هي الخاتمة ، فان هذه النافذة المفتوحة سيكون لها عنوان آخر بالنسبة للعالم الانساني بصورة عامة !!.
ان الولادة او البداية مثلت الابعاد الاكثر حيوية لعالم الانسان الاسلامي ، بل وكانت حقبة الانطلاق الاولى للمشروع الاسلامي وهو المختصر الحقيقي لكل المشروع الرسالي وبكل تألقاته ونجاحاته العظيمة على المستوى الفكري والانساني والروحي والنفسي !.
اي ان رؤية الانسان الاسلامي العربي آنذاك كانت تنظر لمرحلة الولادة - ( ولادة الكلمة القرانية اقرأ ) - هي ولادة للأنسان الرسول وهي ولادة للمشروع ، وهي ولادة جديدة للكون والحياة برؤيتها بشكل مختلف في اهدافها ووجودها الفلسفي ...، ولذالك كانت كل الا نجازات العالمية الكبيرة للمشروع الاسلامي مُعبرا عنها بالولادة والبداية القرانية والتي جمعت بين المرسل والرسول والرسالة في آن واحد ، وفي مكان وزمان وحدث معين .
ان انسانا كعلي ابن ابي طالب ( ع ) مثلا كان ينظر بنوع خاص لولادة الكلمة القرانية ولبداية المشروع كما انه نظر للنهاية بنوع خاص ايضا ، فالنهاية وان كانت عظيمة وناجحة بكل المقاييس الانسانية والرسالية السماوية ، الا انها تمثل انعكاسا وتعبيرا عن اهمية البداية والولادة ايضا ، سواء كانت النهاية مأساوية او تكون النهاية ناجحة ومنتصرة !.
وكذا انسانٍ كالامام الكاظم موسى ابن جعفر عليهما السلام الذي كان يرى في الكلمة القرانية انها انسان حيّ وشاعر ومتحرك وفي لحظة من لحظات الانسانية ولد ت هذه الكلمة القرآنية على شكل مشروع انقاذ عظيم للبشرية جمعاء !!.
ان الكلمة القرانية ولدت بمشروع ( آقرأ ) وانتهت عند النقطة التي انغلقت عليها دفتي القران العظيم ، كما ان الرسول الانسان ولد مع (اقرأ) وانتهت حياته المادية عندما انتقل للعالم الاخر وكذا نافذه الدوحة القدسية فتحت مع (اقرأ) وانغلقت عندما انتقل الانسان الرسول محمد العظيم صلى الله عليه واله الطيبين الطاهرين من هذا العالم المغلق الجدران ، إلا انه ومع ذالك بقيت الاثار المترتبة على ( آقرأ ) والرسول والفعل الالهي في الارض يتحرك ويحرك العالم الانساني ...، وكل تلك العملية المذهلة احتواها ظرف زماني معين بالنسبة للاجندة الانسانية وكان ولم يزل هوالظرف الزماني والمكاني الاكثراثارةودهشة للعالم البشري بصورة عامة وللعالم الاسلامي والعربي بصورة خاصة !!.
يرى علي بن ابي طالب عليه السلام انه على الولادة للكلمة القرآنية ترتب لملمت شتات امة وولادة انسان يحمل الصفات الانسانية ويرى ان الولادة والبداية كانت هي بداية وولادة لمشروع تآلف ومحبة واجتماع وتآزر ، وهي صلة ارحام ونماء اقتصادي وعدالة اجتماعية وهي حقبة نور والتفات الاهي وقرب رباني ، وهي شعور بالوضوح وعدم اللبس ، وهي مرحلة جواب لاسئلة الانسانية الغامضة ، وهي خط اتصال بين صاعد ونازل كوني وانساني ، الاهي وبشري ...الخ ، كل هذه المعاني وغيرها كان يختصرها علي ابن ابي طالب ع بمرحلة الولادة والبداية كما كان ينظر للنهاية او لمرحلة اغلاق المنافذ الكونية وانتقال الانسان الرسول وانقطاع الاتصال المباشر بين الكون الفسيح والانسان ...، على اساس انها فرصة سوف لن تعوض مرة اخرى للانسانية ، كما انها سوف لن تمنح بعد هذه الفرصة من اللقاء فرصة اخرى مشابهة في العظمة :( بأبي انت وأمي يارسول الله ، لقد انقطع بموتك مالم ينقطع بموت غيرك من النبوة والأنباء ....، ولولا أنك أمرت بالصبر ، ونهيت عن الجزع لأنفدنا عليك ماء الشئون ، ولكان الداء مماطلا والكمد محالفا وقلاّ لك / نهج البلاغة ..) ، وكل هذا الوجد على مرحلة النهاية ، كان تعبيرا حيّا حول عظمة البداية وكيف هي كانت اكبر واعمق بكثير مما يتصوره العقل المادي الانساني المحدود !!.
وهنا أمرأة عظيمة استشعرت هي الاخرى عظمة البداية ايضا بقسوة النهاية ، لتختصر مشروع البداية والنهاية بكلمات لمجموعة من الشخصيات الاجتماعية وهم يرونها بحالة من البؤس بعد مرور فترة من انقطاع الكلمة القرانية ، وانتقال الرسول الى الرفيق الاعلى واغلاق منافذ الكون المقدس ، انها أم أيمن ، تتلقى مواساة من بعض الرجال بالقول : أما تعلمين ان ماعند الله خير لرسول الله (ص) !.
قالت : بلى أني لأعلم ان ماعند الله خير لرسول الله (ص) ولكن أبكي على انقطاع الوحي من السماء !!.
اي نحن من ينبغي ان يُبكى عليه بانتهاء الكلمة القرآنية التي كانت مفتوحة بوجود الرسول الاعظم محمد ص ، فالبشرية هي من خسرت حقا بانتهاء زمن تدفق الكلمة القرآنية النازلة من السماء ولا ابكي على الرسول وما ذهب اليه من جنان الخلد والنعيم عند الله سبحانه وتعالى !!.
يالها من إمرأة واعية وذكية ومدركة لمعنى بداية الكلمة القرآنية اقرأ ، ومعنى نهاية هذه الكلمة وغلق ابواب انهارها النازلة !!.
نعم ان انقطاع الوحي عظيما كما كانت ولادة الوحي القرآني عظيما ايضا ولكن مثل هذه العظمة لايستشعرها الا من عاشها حقيقة ولمس افاقها الفكرية والمعرفية والروحية والانسانية والاجتماعية .....، ليدرك ان بداية الوحي كانت حاضرة بين زوجين في بيت مغلق او بين اجتماع انساني يشعربان حركة السماء تتجول مع خطواته لتسدد هذه الحركة الاجتماعية او تنتقد منها هنا وتوجهها هناك :(( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها .../ 1 / المجادلة )).
وكل هذه العظمة الرسالية كانت ولم تزل مرتكزة على كلمة البداية والولادة (آقرأ) ؟.
______________________________________
alshakerr@yahoo.com
http://www.blogger.com/profile/06210792549531027877
*****************************
الولادة :- اقرأ
عادة مايلتفت العقل الانساني وهو يتصفح المشاريع الانسانية العالمية الكبرى الى نقطة البداية لهذا المشروع اوذاك من المشاريع المصيرية للعالم البشري ، ولاسيما المشاريع التي تغير وجه الخارطة الانسانية ، سواء كانت تلك المشاريع علمية او ثورية او دينية او ....الخ ، من المشاريع المؤثرة كونيا وانسانيا ، كما انه من صفات البحوث والاستكشافات الناجحة انها ترجع لبحث نقطة البداية ايضا والتوقف والتأمل بهذه البداية وهذا المنطلق باعتبار ان كل مشروع، او محاولة يكتب لها النجاح في العالم الانساني لابد وان يكمن السرّ ، والقوة في اللُبنات الاساسية ، والقواعد الابتدائية التي بنيت عليها تلك التجربة ، واقيم عليها ذالك المشروع
ومن هنا كانت الحفاوة الحضارية بولادة اي حدث تاريخي او علمي او ثوري او حضاري ......، له من الاهمية الرمزية او الواقعية الشئ الكثير ، فهناك من يجد السرور والبهجة بذكر تاريخ ولادة عبقري قدم للعالم نافذة الامل لحياة افضل ، كما ان هناك من يرى ان احياء ذكرى لتاريخ ميلاد ثورة انسانية اعادة الحياة لأمة ، ودراسة هذه الولادة والقواعد التي انطلقت منها والاسس التي قامت عليها ..، هي بمثابة خدمة انسانية يقدمها هذا الباحث او ذاك المفكر لدراسته او بحثه ذاك ......، وهكذا حتى نصل الى مَن يرى ان الاحتفاظ بتاريخ ميلاد طفله شيئ له قيمة معنوية ومادية كبيرة تستحق ان تذكر بنوع من الحب والاعتزاز الانساني ، ولمَ لا أليس هي ذكرى تجعل الانسان يشعر بانه ضمن الامتداد الطبيعي له في هذا الوجود الانساني وان طفله والذي هو جزء من كيانه المادي سيكملّ المسيرة في هذه الارض ليعلن وبرمزية خفية ان الانسان اقوى من الفناء والموت وانه بامكانه الانتصار على فكرة النهاية ولو بحيلة غير مؤذية بولادة امتداد اخر من الانسانية ....الخ ؟.
وعليه كان الالتفات والبحث عن البداية اوالولادة شيئ له رمزية عالية القيمة الروحية والنفسية والفكرية في عالم الانسان وكثيرا والحال هذه ما تأسف العقل الانساني ، وهو يفقد حلقة البداية لهذا المشروع ،او تلك اللحظة التي ولد بها هذا المفكر او المبشّر او الفيلسوف او العالم ، او ذالك اليوم الذي انطلقت به تلك الثورة ، ليس من منطلق التأسف العاطفي فحسب ، بل ان فقد البداية لاي شيئ عظيم انساني هو بمعنى او باخر فقد لسرّ النجاح او الاخفاق لهذا الشيئ العظيم الذي تحرك في يوم من الايام ثم شق طريقه للقمة او آل مآله الى الاخفاق ؟!.
نعم الولادة هي السرّ كما انها هي المفتاح الحقيقي لوجه ذاك او هذا من المشاريع والحركات والشخصيات ....، العظيمة ، كما انها هي التاريخ ، والذاكرة الحية والخلفية او الجدارية المادية والمعنوية لتلك العناوين المذكورة ، فكان لابد والحال هذه من ان تكون الولادة والبداية هي القوة وهي الضعف بنفس اللحظة القوة عندما تكون البداية واضحة لالبس فيها والضعف عندما تكون الولادة والبداية غامضة او مفقودة الوجود لسلسة الحدث التاريخي او الفكري او الانساني !.
ان الاسلام وباعتبار انه ملتفت لما ذكرناه آنفا من موضوعة الولادة واهميتها الفكرية والنفسية والروحية والتاريخية ...، اراد ان تكون ولادته التاريخية والانسانية والفكرية والنفسية ......، ولادة مختلفة في كل ابعادها الايحائية والفكرية ، كما انه استهدف ان يكون حدث ولادته التاريخية حدثٌ له من الوضوح والقوة والتواجد مالم يجد في غيره من الحركات والاديان والفلسفات... الاخرى في عالم الانسان ، بالاضافة الى ان الاسلام سعى جاهدا لتأكيد ان الولادة لكلمته القرانية تعني الكثير لمصير الانسانية باعتبار انها الكلمة الختامية من السماء لعالم الانسان والنافذة الخطابية الاخيرة التي ستفتح الحوار بين الانسان والسماء لتغلق فيما بعد نافذة الكون الفسيح ، وتفتح نافذة الانسان الصاعدة من خلال الكلمة القرانية فحسب!!.
وعلى نهج هذه الخطى الاسلامية الالاهية مع الانسان كانت الصورة الواضحة لولادة الاسلام وكلمتها القرانية الدائمة (اقرأ) .
ان الكلمة القرانية ( اقرأ ) وكولادة للمشروع الاسلامي في الارض ، وكأعلان اولي لبداية تحرك رسالي ، وكرمزية فكرية ومعنوية ملفتة للنظر تجذب الباحث عن بداية الولادة ، وترغم المفكر على التأمل الهادئ في مثل هذه الولادة الغريبة العجيبة !.
غريبة بسبب كونها ولادة ذكر التاريخ جميع تفاصيلها الدقيقة وقسمات وجهها المشرق بحيث ان هذه الولادة وبوضوحها الملفت للنظر انعكست بصورة تحدي لجميع المشاريع الرسالية السماوية الاخرى والمقارنة بينهما والتساؤل عن البدايات الاخرى ولماذا لم تتوفر على نفس الوضوح التي امتازت به الولادة الاسلامية هذه !.
وعجيبة لكون الكلمة الاولى في المشروع الاسلامي قد ذكرت بصيغة ملفتة للنظر فمن النادر ما تذكر أول كلمة بنيت على قواعدها مشاريع ثورية انسانية غيّرت من الحياة الانسانية ، كما انه من الصعب تماما وفي كل التاريخ الانساني ان تذكر او تكتشف الكلمة الاولى التي اسست لبناء أمة ولدت من وعلى انقاض وجود اجتماعي مهترئ وجاهلي وممزق هو الوجود العربي انذاك ؟!.
انه من الملفت للنظر حقا ان تكون الولادة الاسلامية كمشروع رسالي وديني مبتدإٍ بكلمة ( اقرأ ) ، فعلى المنطق المناهض للاديان والرسالات السماوية بصورة عامة ان تكون بداية الاديان وبأعتبار انها مخترعات برجوازية (ماركس) او باعتبار انها مخترعات عالم مريض ومأساوي ( نيتشه ) ان تكون بدايات تلك الاديان بكلمة ( أطع ) او على اقل التقادير ان تكون مبدوءة بكلمة ( لاتقرأ ) وليس بكلمة ( اقرأ ) !!!.
ولكن المشروع الاسلامي الديني يكسر القاعدة ، حتى قبل ولادة الفلسفات المادية المناهضة للدين والسماء ليولد بكلمة اقرأ والتي تعتبر في عرف الفلاسفة والمفكرين والمتنورين والعلماء ...الخ وحتى مارك ونيتشه ، انها الكلمة الاخطر في عالم الانسان المفكر وانها الكلمة الاكبر في بناء الحياة التقدمية الراقية ، التي تدعو للتفكر والتأمل واعمال العقل ....الى اخر القائمة التي تتصل بعملية القراءة وما ينتج على اثرها من ثورة في تغيير الانسان والعالم !.
نعم ولادة الاسلام من رحم الكلمة اقرأ دليل لايقبل الشك ان هذا المشروع الالهي ليس هو ( افيون ) ، كما انه ليس المشروع الذي يعمق من حالة الجهل لاستغلال البساطة البشرية لاغراضه اللارسالية ، بل هو مشروع تفكّر وتأمل وتنوير .....، ودفع نحو العالم الثوري الممون على قاعدة ( اقرأ = تفكر تأمل تثقف تنبه تعلم ...الخ ) ، والذي يكوّن عالما مناقضا تماما لعالم المستبدين والظلمة المستغلين والمنحرفين والجهلة ..... الذين يسعون جاهدين لقتل روح العالم المُتفكر عالم ( اقرأ ) التي تكشف كل مداخل ومخارج اساليبهم المستغلة من خلال التنوير الفكري الذي تطرحه كلمة ( اقرأ ) الثورية ؟.
كما ان اقرأ وبهذه المنتجات المعرفية القرانية هي ايضا ليست مجردمفهوم ما للقراءة من نفع ورقي فحسب بل هي فعل امر ودعوة صريحة للدخول في عالم الكلمة المقروءة ليس في هذا الجانب فحسب بل وفي كل الجوانب المعرفية ايضا فالقراءة سلاح بالامكان ومن خلال دخول هذا المضمار الحضاري ان تنفتح على باقي العالم المقروء ايضا اي العالم الحضاري الواسع المساهم في الكتابة والقراءة الانسانية الفلسفية والفكرية والدينية ..... وغير ذالك ، وبدلا من ان تعيش بين جدران الجهل الكتابي ، انت الآن مع كلمة ( اقرأ ) القرانية توسع من افاقك المعرفية لتنفتح على زوايا الفكر العالمي الاخر حديثا وماضيا ،فتقرأ لافلاطون اليوناني وزرادشت الفارسي والتوراة اليهودية والاناجيل المسيحية قبل الاسلام كما تقرأ لكارليل ونيتشة وديورانت بعد الاسلام ...الخ ، من هذا العالم المقروء فهل يحق بعد هذا او بعد ما اسسه القرآن والاسلام من امة اول كلمة في حركتها هي اقرأ لمارك او نيتشه او اي مناهض للاديان السماوية الحقة ان يتفلسف نظريا ومن خلال رؤى منغلقة باتهام الاديان على اساس انها رجعية ومناهظة للفكر والقراءة والتطور والتقدم بعد ان اسس الاسلام لميلاد كلمته القرانية بهذه الصورة من التألق !!؟.
بعد هذا من حقنا بعد اكتشاف هذه الحقيقة من الاسلام ، وكلمته القرآنية العظيمة أقرأ التي شكلت منعطفا فكريا كبيرا للبشرية فيما بعد بانه هو مَن المنغلق حقا على هذا الاساس من يؤسس مشروعه الرسالي من رحم الكلمة ( اقرأ ) كالدين الاسلامي الذي يتهمه المناوئون له بانه انغلاق ورجعية اليوم ، او من يدعو للارتماء باحضان المادية ، والانغلاق الروحي والنفسي والفكري على عالم قاتم ووجود محدود وجدران مظلمة تسمى العالم وعمق الفلسفة والتطور ؟؟؟.
ان اهمية الولادة الاسلامية من خلال كلمة ( اقرأ ) لاتقتصر على جانبها المعرفي المذكور فحسب فهناك الجوانب الروحية واهميتها ايضا بالاضافة الى الجوانب الاجتماعية والانسانية التي وفرتها ولادة الكلمة القرانية هذه .
ولاريب والحال هذه من القول ان الولادة ان لم تكن بكلمة ( اقرأ ) القرانية فسوف يكون تشييد البناء الاجتماعي الاسلامي الفكري والنفسي مختلفا تماما عن ما لو كانت الكلمة ( اقرأ )هي التأسيس المعرفي لمنظومة الفكر الاسلامي والانساني فيما بعد !!.
اي ان كلمة اقرأ وباعتبار انها المقدمة ومشروع الولادة لم تكن تستهدف بناء وانشاء أمة قارئة فحسب ، وانما هي ستساهم ايضا في انفتاح هذه الامة واعتبار ممون فعل القراءة ممون انساني وديني كذالك وغير مسموح عندئذ ممارسة منع القراءة ومنتوجاتها الطبيعية لهذه الامة من التفكير في المقروء والاخذ من نتاجاتها الانسانية ، والتي تعتبر الأس الطبيعي لمفهوم اقرأ ، وهذا المنحى هو مادفع المسلمين للانفتاح على النتاج العلمي للامم الاخرى بينما بقت الامم الاخرى منغلقة عن الانتاج وغير متأثرة بهذا الانتاج الفكري للعالم الانساني الا بعد ان تخلصت من اغلال ظلمة الاديان المزيفة التي تدعوا للطاعة فحسب ، وكفرت بكل افكارها الميتة عندئذ نهض العالم الاخرغير الاسلامي من ظلمته وانغلاقه الفكري وانفتاحه على الحياة بعد ان صادرتها منه اديان الزيف والظلمة وكل هذا طبعا عكس الامة التي امنت بالاسلام لتجد الاسلام نفسه هو اول من اسس لقاعدة اقرأ التي بدأت بقراءة القرآن ولكنها لم تقف عند حدود حتى هذه اللحظة !.
والقراءة وكما هو معروف وبدهي ليست هي فعل من جانب واحد ،بل ان القراءة تفاعل بين جانبين ، بين انسان قارئ ومفكر وبين مقروء ذا رسالة وهدف بين انسان له التطلع المعرفي نحوالكون والوجود والحياة والانسان وبين مقروء مساهم في عملية التفكير والاجابة عن تلك الاسئلة وهذه المداخلات الفكرية والمعرفية والانسانية !.
ونعم كانت القراءة مشروع انساني اصيل قبل انبلاج الفجر الاسلامي واشراق رسالته السامية ، ولكنها كانت تلك العملية الكمالية في العالم الانساني القديم ، او كانت تلك العملية التي تختص باصحاب شؤون الدولة والكهانة والاساطير والاديان ....الخ ، اما في ظلال الكلمة القرانية فقد اصبح الفعل (اقرأ) فعلا تعبديا جماهيريا ومقدسا وحقا من حقوق كل فرد له اتصال مباشر بالكلمة القرانية وعليه واجب الاتصال بذالك الكتاب المقروء ،ومن ثم هو واجب جماعي يمارسه الاجتماع الانساني بشكل حلقات للقراءة الجماعية في المناسبات التعبدية ...الخ قبل الفكرية والترفية والحضارية .
اما مايتصل بالجانب الروحي والنفسي والانساني فقد مثلت البداية او الولادة القرانية لكلمة ( اقرأ ) الاسلامية بُعدا غاية في السمو والدهشه الانسانية ،فهنا مرحلة جديدة تفتح بين كون والاه ومنافذ قدسية ، وبين انسان وزوايا وآلام اجتماعية بشرية ، ومثل تلك المنافذ لاتفتح بشكل مجاني او عشوائي او يومي ....،وانما هي فترة او زمن او مرحلة ... لاتتكرر في عالم الانسان الا بنوع خاص ودقة حسابية متناهية التعقيد ، اما لو كانت تلك النافذة الالهية الكونية القدسية هي الخاتمة ، فان هذه النافذة المفتوحة سيكون لها عنوان آخر بالنسبة للعالم الانساني بصورة عامة !!.
ان الولادة او البداية مثلت الابعاد الاكثر حيوية لعالم الانسان الاسلامي ، بل وكانت حقبة الانطلاق الاولى للمشروع الاسلامي وهو المختصر الحقيقي لكل المشروع الرسالي وبكل تألقاته ونجاحاته العظيمة على المستوى الفكري والانساني والروحي والنفسي !.
اي ان رؤية الانسان الاسلامي العربي آنذاك كانت تنظر لمرحلة الولادة - ( ولادة الكلمة القرانية اقرأ ) - هي ولادة للأنسان الرسول وهي ولادة للمشروع ، وهي ولادة جديدة للكون والحياة برؤيتها بشكل مختلف في اهدافها ووجودها الفلسفي ...، ولذالك كانت كل الا نجازات العالمية الكبيرة للمشروع الاسلامي مُعبرا عنها بالولادة والبداية القرانية والتي جمعت بين المرسل والرسول والرسالة في آن واحد ، وفي مكان وزمان وحدث معين .
ان انسانا كعلي ابن ابي طالب ( ع ) مثلا كان ينظر بنوع خاص لولادة الكلمة القرانية ولبداية المشروع كما انه نظر للنهاية بنوع خاص ايضا ، فالنهاية وان كانت عظيمة وناجحة بكل المقاييس الانسانية والرسالية السماوية ، الا انها تمثل انعكاسا وتعبيرا عن اهمية البداية والولادة ايضا ، سواء كانت النهاية مأساوية او تكون النهاية ناجحة ومنتصرة !.
وكذا انسانٍ كالامام الكاظم موسى ابن جعفر عليهما السلام الذي كان يرى في الكلمة القرانية انها انسان حيّ وشاعر ومتحرك وفي لحظة من لحظات الانسانية ولد ت هذه الكلمة القرآنية على شكل مشروع انقاذ عظيم للبشرية جمعاء !!.
ان الكلمة القرانية ولدت بمشروع ( آقرأ ) وانتهت عند النقطة التي انغلقت عليها دفتي القران العظيم ، كما ان الرسول الانسان ولد مع (اقرأ) وانتهت حياته المادية عندما انتقل للعالم الاخر وكذا نافذه الدوحة القدسية فتحت مع (اقرأ) وانغلقت عندما انتقل الانسان الرسول محمد العظيم صلى الله عليه واله الطيبين الطاهرين من هذا العالم المغلق الجدران ، إلا انه ومع ذالك بقيت الاثار المترتبة على ( آقرأ ) والرسول والفعل الالهي في الارض يتحرك ويحرك العالم الانساني ...، وكل تلك العملية المذهلة احتواها ظرف زماني معين بالنسبة للاجندة الانسانية وكان ولم يزل هوالظرف الزماني والمكاني الاكثراثارةودهشة للعالم البشري بصورة عامة وللعالم الاسلامي والعربي بصورة خاصة !!.
يرى علي بن ابي طالب عليه السلام انه على الولادة للكلمة القرآنية ترتب لملمت شتات امة وولادة انسان يحمل الصفات الانسانية ويرى ان الولادة والبداية كانت هي بداية وولادة لمشروع تآلف ومحبة واجتماع وتآزر ، وهي صلة ارحام ونماء اقتصادي وعدالة اجتماعية وهي حقبة نور والتفات الاهي وقرب رباني ، وهي شعور بالوضوح وعدم اللبس ، وهي مرحلة جواب لاسئلة الانسانية الغامضة ، وهي خط اتصال بين صاعد ونازل كوني وانساني ، الاهي وبشري ...الخ ، كل هذه المعاني وغيرها كان يختصرها علي ابن ابي طالب ع بمرحلة الولادة والبداية كما كان ينظر للنهاية او لمرحلة اغلاق المنافذ الكونية وانتقال الانسان الرسول وانقطاع الاتصال المباشر بين الكون الفسيح والانسان ...، على اساس انها فرصة سوف لن تعوض مرة اخرى للانسانية ، كما انها سوف لن تمنح بعد هذه الفرصة من اللقاء فرصة اخرى مشابهة في العظمة :( بأبي انت وأمي يارسول الله ، لقد انقطع بموتك مالم ينقطع بموت غيرك من النبوة والأنباء ....، ولولا أنك أمرت بالصبر ، ونهيت عن الجزع لأنفدنا عليك ماء الشئون ، ولكان الداء مماطلا والكمد محالفا وقلاّ لك / نهج البلاغة ..) ، وكل هذا الوجد على مرحلة النهاية ، كان تعبيرا حيّا حول عظمة البداية وكيف هي كانت اكبر واعمق بكثير مما يتصوره العقل المادي الانساني المحدود !!.
وهنا أمرأة عظيمة استشعرت هي الاخرى عظمة البداية ايضا بقسوة النهاية ، لتختصر مشروع البداية والنهاية بكلمات لمجموعة من الشخصيات الاجتماعية وهم يرونها بحالة من البؤس بعد مرور فترة من انقطاع الكلمة القرانية ، وانتقال الرسول الى الرفيق الاعلى واغلاق منافذ الكون المقدس ، انها أم أيمن ، تتلقى مواساة من بعض الرجال بالقول : أما تعلمين ان ماعند الله خير لرسول الله (ص) !.
قالت : بلى أني لأعلم ان ماعند الله خير لرسول الله (ص) ولكن أبكي على انقطاع الوحي من السماء !!.
اي نحن من ينبغي ان يُبكى عليه بانتهاء الكلمة القرآنية التي كانت مفتوحة بوجود الرسول الاعظم محمد ص ، فالبشرية هي من خسرت حقا بانتهاء زمن تدفق الكلمة القرآنية النازلة من السماء ولا ابكي على الرسول وما ذهب اليه من جنان الخلد والنعيم عند الله سبحانه وتعالى !!.
يالها من إمرأة واعية وذكية ومدركة لمعنى بداية الكلمة القرآنية اقرأ ، ومعنى نهاية هذه الكلمة وغلق ابواب انهارها النازلة !!.
نعم ان انقطاع الوحي عظيما كما كانت ولادة الوحي القرآني عظيما ايضا ولكن مثل هذه العظمة لايستشعرها الا من عاشها حقيقة ولمس افاقها الفكرية والمعرفية والروحية والانسانية والاجتماعية .....، ليدرك ان بداية الوحي كانت حاضرة بين زوجين في بيت مغلق او بين اجتماع انساني يشعربان حركة السماء تتجول مع خطواته لتسدد هذه الحركة الاجتماعية او تنتقد منها هنا وتوجهها هناك :(( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها .../ 1 / المجادلة )).
وكل هذه العظمة الرسالية كانت ولم تزل مرتكزة على كلمة البداية والولادة (آقرأ) ؟.
______________________________________
alshakerr@yahoo.com
http://www.blogger.com/profile/06210792549531027877