((23))
لايختلف تعقيد التركيبة ((الدينية القداسية )) للمجتمية الكرديه العراقية
وتشعباتها(حسب معظم السوسيولوجيين اللذين تناولواالشأن الكردي ) عن ماذكرناه في
الفصول البحثية السابقة من تعقيدوتناقضات وتركيب وصلابةٍ للنظام القبلي والاقطاعي
داخل اطارهذه المنظومة المجتمعية الكردية الحديثة والقديمه !!.
بل لانغالي ان قلنا (( وجهة نظرنا )) ان تعقيد التركيبه الدينية الكردية
العراقية تفوق في تراكيبهاالسوسيولوجيه المعقدة
بتناقضاتها المتنوعة التاريخية والحديثة تراكيب نظام الاقطاع ، والقبيلة المجتمعية الجبلية النصف بدوية ، وفي عدة اتجاهات ، وتراتبيات فكرية ثقافية وعقدية وسياسية ، واقتصادية واجتماعية
وتربوية و ....غير ذالك !!.
نعم فيما بين النظام القبلي ،
والاقطاعي الاجتماعي الكردي التاريخي والحديث من جهة وبين النظام الديني القداسي لنفس هذا الاجتماع
من جانب اخروبكل مالهذه المنظومتين من تاثيرات فكرية عقدية وسياسية واقتصادية وكذا
تربوية ونفسية ( جدلية متداخلة ) الى حدٍ يتماهى فيها في كثير من الاحيان النظام القبلي بكل قيمه ، مع الاخر الديني وبكل تجلياته ، وقداساته
المؤسطرة ، ليصبح القبلي في مفصل من مفاصل
الاجتماع الكردي هوالديني القداسي وكذا الديني هوالقبلي الدنيوي كما هو حاصل
بالفعل ، ومتبلورواقعيا في ظاهرة (( الشيخ )) داخل اطار المجتمعية الكردية الذي
يجمع(بعكس شيخ القبيلة العربية الصحراوي الذي يفصل بين ماهوديني وبين ماهو قبلي دنيوي))
في مواقع متعددة من تراتبية الاجتماع الكردي بين ما هو ديني، وما هو قبلي في
القيادة الاجتماعية السياسية والروحية في الان الواحد !!.
وهكذا اذا درسنا ( بنية الاجتماع القبلي ، والاقطاعي ) الكردي نفسها القديمة والحديثة ، فسنجد
ان نفس تلك الظاهرة التي ( تجمع بين ماهو قبلي دنيوي وديني قداسي في شخصية شيخ
القبيلة الكردية)هي كذالك متواجدة بعمق في بنية القبيلة الكردية الاجتماعية ، التي
انفتحت لتضم داخل جناحيها (ليس فقط التجمع النسبي اوالتحالف القبلي اوالعشائري كما
في القبيلة العربية )، بل انفتحت لتضم كل من ليس له قبيلة او من هو يبحث عن
حامي ، ومدافع او يبحث عن بيت شيخ طريقة
صوفية دينية ينتمي اليها من هذه البيوت
القبلية ، والتي (عادة ) ما تجمع بين
القيادة السياسية الدنيوية القبلية، والقيادة الدينية الروحية تاريخيا وحتى اليوم
كقبائل البرزانيين (مثلا) او الطالبانيين والبرزنجيين في العصر العراقي الحديث !!.
وهذه الظاهرة في المجتمع الكردي ((في الحقيقة )) التفت اليها علماء الانثربولوجيا والاجتماع المستشرقين
والكرد ايضا وسلطوا الاضواء عليها لتكون
محط بحث وتامل لاسيما ما اشار اليه (
وليام هيغلتون ) في كتابه (القبائل الكردية ) وهو يتناول مصطلح ( شيخ ) في منظومة
الفكرالاجتماعي الكردي وماوصله بالبحث(كمثال)في القبيلة البرزانية بالقول:(عند
العرب الشيخ للقبيلة لايمارس سلطة دينية بينماعند الكرد ربما يمارس دورا قبليا
ودينيا ايضا..)) ثم يضيف : (( البرزانيون في العراق مزيج من قبائل صغيرة ومن كرد
لاعشائر لهم اعتبروا شيوخ بارازان زعمائهم الروحيين والدنيويين .... ، وعلى اي حال
لاتقتصر زعامة الزعيم الدينية على اتباعه ، او على مناطق محددة انه يستطيع استقطاب
عدد من القبائل اومن الكرد غيرالقبليين اؤلئك الذين يبحثون عن منقذ اوحام او زعيم
ديني )) !. / وليام هيغلتون/ القبائل الكردية / ترجمة : احمد محمود الخليل /
فصل الدين !!.
فمعظم هذه القبائل في بنيتها الاجتماعية ومكوناتها البشرية هي خليط من تحالفات
عشائرية بالاظافة الى انتماءات لاقبلية
وكذا هي ولاءات دينية ( وخاصة الصوفية منها ) تجتمع لتصنع مركبا يمزج بين القبلية
والدينية بشكل مرّة يتقدم فيهاالقبلي على الديني ومرة يتقدم فيها الديني على
القبلي في مواضع اخرى !.
والحقيقة انه ربما جاء تعقيدالتركيبة الدينية للمجتمعية الكردية من
هذه التركيبة التي في كثيرمن المواقع والظروف (( تدمج بين ما هو قبلي وماهو ديني)) لاسيما ان ادركنا
(كما سنبينه لاحقا) ان التركيبة القبلية بطبيعتها البنوية الفكرية والسلوكية ((
تركيبة جامدة وتقليدية )) وغير ديناميكية متطورة مما يجعلها من اهم عوائق تطورالاجتماع
الانساني بما فيه الديني (( غياب الاجتهاد من داخله ))، واذا ما دمج بين القبلي
التقليدي وما وبين القداسي الديني صاحب الثوابت فسيصبح لدينا حتما مركبا اجتماعيا معقدا
، وصلبا جدا تتعاور فيه العوامل المناهضة لاي حالة تطور ، او تقدم لهذا المجتمع يمكن ان تخترق
حوامله هذه البنية الاجتماعية ، التي كبلت بالتقليدي التاريخي من جهة وبالقداسي
الثابت من جانب اخر !.
لكن ايضا يمكن القول بهذا الصدد ان هناك عوامل اخرى مساهمة في بنية ،
وتعقيد (( التركيبة الدينية الكردية العراقية )) غير عامل القبلية ونظامهاالقيمي المتداخل مع
الديني في بنيةهذا الاجتماع هي ايضا من ضمن ((بُنات)) التركيبة الدينية الكردية
الفريدة في صفاتها ومميزاتها الحديثة عن باقي (التراكيب الدينية المدينية) للمجتمع
العراقي الحديث والقديم بصورة عامة ، ولعل من اهم هذه العوامل :
اولا : العامل الجغرافي البيئي الجبلي .
ثانيا : العامل التاريخي وتراكماته العقدية المتداخلة (( من
الزرادشتية الى الاسلام )) .
(( 24 ))
اولا : الجغرافي والديني .
للبيئة الجغرافية في الدراسات
العلمية الاجتماعية القديمة ، والحديثة (منذ
مؤسس علم الاجتماع العربي الاسلامي عبد الرحمن ابن خلدون حتى انتوني جدنز) اهمية
تعتبرفي بعض المفاصل البحثية الاجتماعية العامل الاساس في تكوين ، وصناعة وصياغة
البنية الفكرية والثقافية والفنية والذوقية والقانونية والقيمية الاخلاقية و ....
الخ ، لهذا المجتمع او ذاك !!.
والواقع تثبت الدراسات والتجارب العلميةالاجتماعية وغيرالاجتماعية :
(( ان للبيئة الجغرافية ، ومناخاتها المتنوعة ، بالاظافة لشكل تربتها وتضاريسها الجيلوجية مدخلية مباشرة
في صياغة وصناعة بنية حياة الانسان الاجتماعية وبكل ابعادها الفكرية والسياسية
والقانونية والفنية والاخلاقية و .... وغير ذالك !!.
فساكني البوادي الصحراوية العربية وغير العربية ( مثلا ) التي تفتقر
الى جداول ، او منابع المياه العذبة الصانعة لحياة الزراعة والاستقرار ومن ثم
الصانعة لحياة المدنية التجارية المتنوعة
، هم ليسوا سواء في نمط تفكيرهم الثقافي والعقدي والقيمي ، وكذا السلوكي الاجتماعي
مع ساكني ومستقري المدن الحضرية ، الذين يتمتعون بنمط تفكير وهموم معيشية وتطلعات
اجتماعية وقيم اخلاقية وقانونية و... الخ مختلفة عن اقرانهم من ساكني ومستقري حياة
البادية الصحراوية !.
وهكذا يقال بالنسبة للجغرافية الجبلية النصف بدوية التي تفرض انماط
تفكيرها ، وقيمها الاخلاقية ، والسلوكية والقانونية الخاصة بالجغرافية الجبلية بكل ماتحمله هذه الجغرافيةمن قساوة
وصلابة في جبالها وفي مناخها المتقلب شتاءا وصيفا ، وفي مشقة العيش والصراع في
داخلها من اجل البقاء !!.
ففي بيئة جغرافية جبلية كهذه وهي تعتبرالرحم الطبيعيةلاجنة المجتمع ومن
ثم الحاضنة ، التي سوف تغذي مجتمعها تربويا ، من خلال تاقلم الانسان الفرد والمجتمع مع ضروراتها الطبيعية لابد ان تفرض
على ساكنيها ثقافتهاالتي لاقِبل للمجتمع بالتمردعليها مهما كان هذا المجتمع مختلفا
فالمجتمع ( على اي حال )هو وليد بيئته ومرتهن الى متطلباتها وخاضع لعطائها الطبيعي
من جهة ، وخاضع لقيمها ومفكر في داخلها من جانب اخر !.
في الاسلام (ممثلا بالقران الكريم ونصه الديني ) ايضا هناك اشارات
مهمة سوسيولوجيا في موضوعة البيئة
الجغرافية ومدى مدخليتها في صياغة ، وصناعة
الفكر الثقافي ، والقيمي والقانوني للمجتمع لاسيما بنية الفكر العقدي الديني
للمجتمع !.
ففي مثلا موضوعة (( الاعراب)) وهي اشارة قرانية لساكني البوادي
الصحراوية البعيدةعن مؤثرات تربية البيئةالحضارية المدينية يتحدث النص القراني
عن(عدم صلاحية) ابناء البوادي الصحراوية ومتربيها عقليا وفكريا وثقافيا وقيميا
وسلوكيا و ...... الخ ، لأن يعلموا الشريعة القانونية الدينية الاسلامية ،ويعلل
ذالك بالقول : (( الاعراب اشدّ كفرا ونفاقا وأجدر ألا يعلموا حدود ما انزل الله
على رسوله والله عليم حكيم / 97 / التوبه )) !!.
فمن صفات المجتمع البدوي الصحراوي(التطرف = الشدة)في الميول والتوجهات
النفسية ، والقيمية والروحية التي تفرظها طبيعة الصحراء الجافة والقاسية كما ان من
اخلاق الصحراءالبدوية التي تفرضها على ابناءها التكتم وضبط المشاعر وعدم اظهار ما في داخل الانسان
الى خارجه ((النفاق والكفر حسب المصطلح الديني القراني)) وهكذا من صفات الفردوالجماعة الصحراويةالبدوية
عدم اهليتهم لادراك مقاصد الشرع الديني بل ( الاجدر = الافضل ، الاليق ، الاخلق)
بان لايعلموا ( = اي يبعدوا عن تعليم القوانين الشرعية كي لايفسدوا مفاهيمها) او لايسقطوا مفاهيم وقيم
الصحراء البدوية على مفاهيم القران والقوانين الشرعية ، فيخرجوا نصوص القانون عن روحها ومضمونها المدني
ليعطوها روحا ، ومضمونا وفهما صحروايا ، بعيدا عن روح النص المدني التي تخلّقت من رحمه
الاجتماعي !!.
اي وبمعنى اكثر دقة ووضوحا
يتحدث النص القراني (سوسيولوجيا) عن (( بنية الفكر الديني الاسلامي )) التي هي
بنيةٌ انطلقت او تاسست على (( بنية بيئة اجتماعية حضرية مدنية ، تخلق من رحم
مفاهيم هذه البنية المدنية الاجتماعية التجارية الزراعية المستقرة المتنوعة مفاهيم
ومصطلحات قوانين الشريعة الدينية الاسلامية ، التي لايصلح فهم اي بيئة اجتماعية
سواء كانت بدوية اوجبلية نصف بدوية لوعيها
وادراك مقاصدها القانونية والعقدية والفكرية و..وما يترتب على ذالك سلوكيا !.
ولهذا (نصح) الاسلام بابعاد من لم يكن من ابناء هذه المدنية الزراعية
الحضرية التجارية المستقرة (ان يُعلّم او يّعلِم ) حدود ما انزل الله على رسوله من
قوانين وعقيدة وفكر وسلوك وادب و...، بسبب ان الانسان وليدوابن ومصنوع بيئته وهذه
الحدود الدينية وليدة بيئة مدنية حضرية لايعيها الا ابناء المدن والحواضرالمجتمعية
المتنوعة الذين تربوا على قيم المدينة وانماط تفكيرها ونشأوا سلوكيا وعائليا داخل
احضانها !.
الخلاصة : ((ان للبيئة الجغرافية ، التي تحيط بالانسان والمجتمع دور
اساسي في صناعة هذا الانسان والمجتمع فكريا ثقافيا ودينيا ، وقانونيا وفنيا
وسلوكيا وتامليا مستقبليا و..... الخ ، واذا ما اردنا فهم الجغرافية الطبيعية والاجتماعية ، وعلاقتها بالدين المنتج ، او
العكس فهم الدين وعلاقته بالجغرافية ، فعلينا اولا : دراسة البيئة الجغرافية ، الطبيعية والمجتمعية التي
نشات فيها هذه المفاهيم الدينية او تلك لندرك من ثم نوعية هذا الدين المتاثر(مثلا)ببنية
الاجتماع الصحراوي بكل مفاهيمه المتطرفة ، واختلافه عن المفاهيم الدينية الجبلية ،
التي تميل للتصوف والدروشةواختلاف كلاالفهمين للدين وحدوده وثقافته عن الفهم
المدني الحضري الذي يعتبر : ثانيا انه
((الحاضنة الطبيعية)) لجميع الاديان السماوية والضابط لعدم انحراف فهمها بالشكل
الذي ارادته مقاصدها الاولية !.
((25))
ثانيا : العامل التاريخي
....
_______________________ راسلنا على :
مدونتي فيها المزيد
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق