( بقلم : حميد الشاكر )
يوجد شبه كبير جدا بين مايحصل للعراق اليوم ، وما حصل بالفعل لعلي بن ابي طالب ع بالامس أبّان خلافته المباركة ، ولعل ما يجعل الشبه اكثر قربا من بعضه والبعض الاخر هو مرحلة التناقضات التي برزت في حكم علي بن ابي طالب حديث الولادة بالمدينة ومن ثم في الكوفة آنذاك ، والتناقضات الشبيهة لها التي برزت في العراق اليوم بعد سقوط طاغية العراق المشنوق بامر العدالة الالهية صدام حصين العوجاوي، ورجوع الحكم في العراق الى ابناءه الاصلاء ، وملخص تلك وهذه من التناقضات تتبلور في المحاور الاتية :
عندما تحولت الخلافة الاسلامية لعلي بن ابي طالب عليه السلام من خلال انتخاب الشعب له بعد مقتل عثمان بن عفان بثورة اهل مصر عليه سنة 35 هجرية ، برزت النتوءات العرضية الثلاثة التالية كتحديات لخلافة العظيم امير المؤمنين علي بن ابي طالب ، وسميت هذه المحاور الثلاثة بمحور (( الناكثين )) والثاني محور (( القاسطين )) والثالث محور (( المارقين )) ، وكانت القيادة للمحور الاول تتلخص في نكث طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام بيعتهم لأمير المؤمنين علي ع بالمدينة ، ومن ثم التغرير بأم المؤمنين عائشة زوج النبي محمد ص للخروج بها من مكة لقيادة عصيان مسلح يبدأ في البصرة موقع اعراب البوادي انذاك وقاعدة البكريين والعمريين من مقاتلي الاستعمار الاسلامي القديم ، فسميت هذه الجبهة تاريخيا بجبهة الناكثين للعهد والبيعة ، أما المحور الثاني (( محور القاسطين )) فكان يتلخص في قيادة معاوية بن ابي سفيان بن حرب لعصيان مسلح بولاية الشأم التي كان مؤتمنا عليها من قبل الخلافة العمرية ومن ثم العثمانية ، والاستعانة فيما بعد بعتاة الدهاة من ابناء صويحبات الرايات المشهورة في الجاهلية والاسلام كعمرو بن العاص ومروان بن الحكم وغيرهم للعدول عن حكم علي عليه السلام ومن ثم الاطاحة بنظامه الاسلامي ، ويبقى المحور الثالث والاخير وهو محور (( المارقين )) والذي هو عبارة عن مجموعة خارجة عن الملة والدين لهم تصوراتهم الشخصية واللادينية اسلامية حول الحكم والتوحيد والشرك والاسلام والايمان والكفر ، برزوا كفئة خارجة بعد حادثة التحكيم المشهورة في التاريخ ومشورة ابن العاص لرفع المصاحف في حرب صفين ، وهم - اعني الخوارج المارقين من الدين - اشبه مايكونون اليوم بالفئة الضالة من وهابية مملكة ال السعود في جزيرة العرب والمسلمين اليوم ، اصحاب فكر اعرابي يميلون الى التكفير والقتل والسبي ، ولايراعون حرمة دم لمسلم او غير مسلم ، عتاة اجلاف اعراب اجدر الا يعلموا ماانزل الله من حدوده على رسوله الكريم ص .
هذه المحاور الثلاثة التي واجهت خلافة وحكم امير المؤمنين علي بن ابي طالب ع ، والتي بالامكان مقارنتها بما يحدث اليوم لعراق علي ع نفسه في العصر الحديث ممكن تلخيصها بانها المحاور التي مثلت الاتي :
الاول : محور الناكثين وهو محور اول من رحب بالتغيير والحكم الجديد الا انه وفي بداية الطريق ادرك ان التغيير والحكم الجديد سوف لن يخدم مصالحه السياسية على المدى القريب والبعيد فنكث بيعته بعد فترة قصيرة من عملية التغيير العلوية هذه !.
الثاني : محور القاسطين الاموي والذي ومن البداية كان يخطط للاستيلاء على السلطة وخلع علي امير المؤمنين ع واغتياله والعودة بعقارب الحكم الى خلافة الامويين العثمانية لتحويلها الى سلطة ملكية قيصرية شامية مئة بالمئة !.
الثالث : محور المارقين وهو محور داخلي غيبوي متخلف عقائديا ينعقون مع كل ناعق همج رعاع تفرقهم خير من اجتماعهم اهل بدع وزيغ ، كلما قامت فتنة داخلية كانوا هم وقودها وحطبها الحارق ، من صفاتهم الجهل ومرض القلوب وسقم الامزجة وضعف الاخلاق وغير ذالك اهل تشدد بالدين ولادين لهم اهل تنطع بالقرءان ولافهم عندهم اهل تعبد ظاهري وخشوع بدوي هم للقتال اصلح منهم للعمران والبناء والتمدن والعلم !.
ان هذه المحاور التي واجهت علي بن ابي طالب في التاريخ القديم وبقليل من التأمل لكل متأمل وقارئ للواقع العراقي الحالي سيجد ان الكرة التاريخية قد دارت دورتها الكاملة ، وانه وبالفعل بالامكان تلمس تلك المحاور التاريخية التي واجهت علي في خلافته وحكمه هي هي نفسها اليوم وان كانت باسماء مختلفة تواجه عراق الاحرار اليوم من الشعب العراقي لتنتهج نفس الاساليب القديمة والخدع السياسية الماكرة المعروفة للاطاحة بالعراق اليوم فعندنا اليوم محاور ثلاثة تحاول الاطاحة بالعراق الجديد وهي كالتالي حسب التسميات التاريخية القديمة والحديثة :
اولا : محور الناكثين :-
وهم عبارة عن من رحب وشارك فعليا في اسقاط النظام الطاغوتي الصدامي العفلقي السابق ، ويتلخصون بنظم عربية اعرابية سهلت مهمة قوات الاحتلال الامريكية باسقاط نظام بغداد وهيئت الارضية الواقعية لانطلاق قوى الغزو الامريكية ، وكذالك معهم القليل من قوى المعارضة العراقية السابقة التي كانت ترحب بقيام عراق جديد يبنى مابعد سقوط الطاغية ، ولكن هذا المحور لم يستمر طويلا على مواقفه تلك ، فسرعان ماتكشف لمحور الناكثين هذا ان العراق الجديد الذي كانوا يتصورونه اتيا لم يكن هو العراق الذي بنوه ابناء العراق الحقيقيين بعد الانتخابات التي جرت في العراق للتصويت على الدستور واقامة البرلمان العراقي وتشكيل حكومته ، وسرعان مانكث الناكثون بيعتهم للعراق الجديد لتتحول هذه النظم العربية الساقطة وبعض القوى العراقية المنتفعة - كالقائمة العلاوية وغيرها - الى الضد من العراق الجديد والسعي لتدميره واسقاطه مهما كلف الثمن !.
هذا المحور العربي المعاصر يذكرنا تأيخيا بمحور الناكثين القدماء الذي كان يدعوا وبكل عنف لاسقاط عثمان بن عفان من سدة الحكم والدعوة لقتله علنا لجوره وفساد حكمه ونهب اموال المسلمين بالباطل ، فهذه أم المؤمنين عائشة تصرخ (( اقتلوا نعثلا - عثمان - فانه ابلى سنة رسول الله )) وهكذا طلحة الذي كان يشعر بالتهميش المتعمد لشخصه في حصص الغنائم والامارات الاسلامية ، وكذا الحال في الزبير وغيره ، وبالفعل عندما سألت أم المؤمنين من مكة عن اخبار المدينة وأخبرت ان عثمان بن عفان قد قتل ، قالت :(( بعدا وسحقا / كما يرويه اليعقوبي في تأريخه )) ولكن سرعان ماتغير موقف هذا المحور لمجرد سماعهم ان علي بن ابي طالب هو الخليفة والحاكم الجديد للامة ، لتتغير النغمة ويتحول الشعار والاعلام من : اقتلوا نعثلا ؟. الى المطالبة بدم عثمان المظلوم رضوان الله عليه !.
هكذا ايضا هي قصة العراق الجديد مع النظم العربية الطائفية المحيطة بالعراق ، فهم اول من نادى بقتل صدام حصين والخلاص من نظامه المستبد ، ولكن وبعدما سمعوا بخلافة حكم العراقيين للعراق اليوم ، هم ايضا اول من نكثوا البيعة والعهد للعراق الجديد ، لا لشيئ الا لكون العراق الذي ارادته هذه النظم العربية الطائفية المتعفنة لم يكن هو نفس العراق الذي بناه ابناءه الاصلاء من جديد ، فأطيح بمصالحهم ليطيحوا هم بالعراق بنكثهم للبيعة وخرقهم للعهود ، وليصبح وبنفس اللعبة والشعار من اقتلوا صدام حصين ؟. الى المطالبة بدم الشهيد صدام حصين ابن العوجة ولاحول ولاقوة الا بالله العلي العظيم !.
ثانيا : محور القاسطين :-
وهذا المحور اعتبره وشخصيا اليوم هو محور المنتفعين من النظام السابق من الصداميين وغيرهم من المؤلفة قلوبهم بالدينار العراقي السابق ، وهو المحور الذي كان حاكما بالفعل بالعراق القديم ، ولهم شبه غريب عجيب بأبائهم الاولين من اصحاب العدول عن الحق والركون الى الباطل والظلم وبالفطرة ، فهذا المحور اليوم كما هو في السابق ، يرى في قيام عراق جديد وبحكم جديد عبارة عن وثيقة اعدام نهائية لوجوده الفاسد على ارض العراق ، لاسيما ان اجرامهم وفسادهم ونهبهم لخيرات العراق في العصر الحديث لايمكن لاي شعب شريف ان ينساه بسهولة فما بالكم في شعب كالشعب العراقي الذي اسس بنيانه على ثقافة الثأر والمطالبة بالحقوق وعدم نسيان الماضي مهما كلفت المسألة !.
نعم ان القاسطين الجدد في العراق اليوم هم الصداميون وبجدارة ومن تبع ملتهم وبلا ادنى تحفظ ، للرابطة القائمة والصلة العلنية بينهم وبين نظامهم المقبور في الماضي ، ولايهدأ هؤلاء القاسطون الصداميون مادام العراق الجديد قائما ، ولابد وحسب رؤيتهم المريضة ان يسقط هذا العراق الجديد ويعدم والى الابد لتعود الكرة من جديد لقيام عراق الصداميين القديم بكل مابه من عفن وفساد وظلم ودكتاتورية وتمييز وباقي عناوين الاجرام والرذيلة اللابشرية !.
في الماضي كان معاوية بقية من بقايا نظام عثمان بن عفان الاموي في الشأم ، وما ان سمع بخلافة علي بن ابي طالب ع للحكم الجديد حتى انتابته نوبة الصرع الطبيعية ليصبح يضرب اخماسا باسداس وليتساءل : هل بامكان التعايش بين الفضيلة والرذيلة في حيز واحد ؟.
وهل من الممكن ان يتعايش النفاق مع الايمان بفضاء مشترك ؟.
وهل من الممكن ان يستخلف علي بن ابي طالب ع معاوية بن ابي سفيان لامارة الشأم ؟.
هل من الممكن الجمع بين الماء والنار ؟.
فايقن ابن هند معاوية ان لاعيش له بخلافة وحكم علي ع الجديد فاعلن العصيان المسلح ليسمه بمقاومة الغريب وليطالب بدم عثمان بن عفان الشهيد المظلوم ؟.
وهكذا اليوم بالنسبة للصداميين العفالقة من بقايا حكم ابن العوجة الاعوج صدام حصين ، فأن المشهد واضح امامهم بكل تفاصيله العراقية ، فهل يمكن الجمع بين الصداميين المشاركين بالجريمة والرذيلة لحرق العراقيين فيما مضى ، وبين العراق الجديد ومطالبته باقامة العدل والانصاف ؟.
وهل من الممكن للصدامين ان يحتفظوا بامتيازاتهم العشائرية والاسرية تحت ظل العراق الجديد ؟.
وهل بالامكان الجمع بين الجلاد والضحية على منضدة حكم واحدة ؟.
وهل بامكان ان يجتمع حكم معاوية الاموي مع علي بن ابي طالي الهاشمي ؟.
ان المسألة واضحة تماما للصداميين القاسطين اليوم تجاه العراق والحكم الجديد فيه ، فلا تعايش مع حكومة العراق اليوم ولاحتى بعد اسقاطه ، فالمقصلة تعود من جديد لتدور ماكنتها لقطع رقاب الموالين والداعين والمدافعين عن قيام نظام العراق اليوم !.
غريب عجيب هذا الشبه مابين الامس واليوم ، وما بين علي ع والعراق بالامس واليوم ، والصداميين وبني امية بنفس الترتيب !.
معاوية بن ابي سفيان لم ينصر عثمان بن عفان جبنا وطمعا بالخلافة لنفسه فيما سبق !.
الصداميون لم ينصرو صدام حصين وتركوه يلاقي مصيره مع القوات الغازية في بغداد ، وهربوا الى بيوتهم ، جبنا ايضا وعلى امل ان يحكموا هم بدلا عنه في العراق ؟.
حكم معاوية بعد مقتل عثمان فهل سيحكم الصداميون بعد شنق صدام ؟.!
ثالثا : محور المارقين :-
أما المحور الاخير الذي واجه علي بن ابي طالب بالامس ليواجه العراق اليوم وبنفس الذهنية والعقلية والروحية ، فهو محور الخوارج والذين هم عبارة عن مانراه اليوم من نتوءات مرضية مرة تخرج باسم المهدوية لتباد في الزركة ومرة تخرج في البصرة لتقضي عليهم الحكومة العراقية بازمنة قياسية قصيرة !.
ان هذه الظواهر التي تواجه العراق الجديد ، هي ظواهر وان كانت داخلية عراقية الا انها ومن غير ريب تستمد حركتها من بعدين اساسيين :
الاول :- الجهل والغيبوبة والعاطفة السقيمة الحادة .
وثانيا :- التدخلات الخارجية ومد اصابعها للصيد بالمياه الداخلية العراقية العكرة ، واقتناص السذج المهيئين فكريا للوقوع بالفخ والجريمة !.
في الماضي العلوي الشريف ، برزت مجموعة تسمى بالمارقين على حكم علي بن ابي طالب ع ، حركهم منظر رفع المصاحف على رؤوس الرماح من قبل اعداء حكم علي بن ابي طالب بمشورة من عمروبن العاص ، ومع ان علي بن ابي طالب ربيب القرءان والاسلام اعلن ان رفع المصاحف ماهي الا خدعة !. ومع ذالك اصر المارقين على خلاف علي بن ابي طالب ليروا في انفسهم الكفاءة بفهم القرءان نفسه واحكام الاسلام عينه اكثر من علي ع نفسه !.
علي بن ابي طالب الذي لم يشك في علمه وفهمه وقضائه الاسلام كله ، ترى حفنة المارقين من الخوارج انهم الاقدر منه على فهم حكم الله في الامة والشريعة ؟.
هل هناك جهل اكبر من هذا الجهل ؟.
هؤلاء هم من كانوا ولم يزالوا حطب الفتن الداخلية في اي امة ، ومازال هؤلاء هم خلاية الداخل النائمة ، فمن حق عمرو بن العاص ان يرى خلاصه وحكم معاوية فيهم من علي بن ابي طالب ؟!.
ويه ابن النابغة التقط المقتل من بعيد ليرى من الخارج ضعف مجتمع علي من الداخل ، فلماذا لايتدخل باصابعه الشيطانية ليرفع المصحف او القومية او الشعار ليثير الداخل على الداخل ومن الداخل ليحصد نصرا بلا حرب ؟.
الحقيقة ان معاوية بن ابي سفيان لم يحكم الاسلام والمسلمين ويفعل مايفعل بحنكته السياسية ولا بشجاعته الاموية ولا بدهائه الفوق الطبيعي كما يراد اشاعته تاريخيا وحتى اليوم ، ولكن معاوية بن ابي سفيان حكم الامة والاسلام بهذه الفئة من المارقين والخوارج الساقطين من الملة ؟.
نعم من اضعف علي بن ابي طالب بالامس امام معاوية هم هؤلاء الانذال الجهلة من المارقين بالامس ، ومن سوف يضعف العراق الجديد امام الصداميين اليوم هم اؤلئك المارقين الخارجين من الملة والاجماع العراقي هذه اللحظة !.
كما ان من قتل علي بن ابي طالب لهيئ الطريق لحكم معاوية بن ابي سفيان ، وليحول فيما بعد النظام الاسلامي من الشورى الى الملك العضوض هم هؤلاء المارقين ايضا ، كما ان من يحاول ان يطعن العراق الجديد من الداخل ويقتل احلامه ليهيئ الطريق للصداميين ليعودوا الى الحكم ايضا هم هؤلاء الجهلة من عّباد الظاهر في العصر الجديد وخوارج اليوم الحديث !.
نعم حكم معاوية بن ابي سفيان امة الاسلام بسيف ابن ملجم الخارجي الذي كان يصلي الفجر خلف علي بن ابي طالب ع ، فهل سيحكم العراق الجديد الصداميون بسيف جهلة الداخل العراقي وخوارجهم من جديد ؟.
صحيح ما أشبه علي بن ابي طالب وما لاقاه في حكمه بالامس ، بالعراق الجديد ومايلاقيه اليوم !.
درسنا التاريخ فهل اخذنا العبرة ؟.
قرأنا الايام فهل التقطنا الثمرة ؟.
رأينا الاحداث فهل استوعبنا الفكرة ؟.
عراق جديد يعني اساليب جديدة لادارة المعركة ، تجنب الاخطاء والاخذ باسباب النجاح !.
علي لم يزل في أمة ، ولم تزل الأمة العراقية في شخص علي ولم تزل المعركة مستمرة !.
26/03/2008م