الصورة العربية كما يطرحها العقل الاسلامي؟ - 1
كتابات - حميد الشاكر
أ - الصورة القومية أسلاميا ..
يتميز الطرح الاسلامي لمكونات الصورة العربية بأنّه الطرح الاكثر أتزانا وعدالة بالنسبة للموضوعة القومية بصورة عامة ، فمعروف على المستوى العقلي الانساني العام ان الاطروحة الاسلامية من الاطروحات التي تدين الافكار التي ينبني على الابعاد العنصرية لهذه القومية الانسانية او تلك ، ولكنها من الجانب الاخر يعرف عن الاطروحة الاسلامية أنها المدرسة التي تقول - بفطرية البعد القومي - لهذا الشعب اوذاك من بني الانسان ، وعليه كانت ولم تزل النظرة الاسلامية في معالجة الموضوعة القومية تنطلق من المعالجة الايجابية والمنفتحة للمسألة القومية الانسانية ، فليس للبعد القومي البشري أي ميزة فطرية او خلقية ، تقدمها أو تأخرها عن الاطار الانساني العام بأعتباره أطارا ساوى في الجوهرية الانسانية بين كافة بني الانسان ، الابيض والاحمر والاسود .... ، وبين الدم الاحمر والاحمر ،.... وبين اللسان الاعجمي والعربي كعضو وظيفي ، .... وبين العنصر اللاري او السامي أو الكذائي ،.....الخ .
ولكن ايضا ومن زاوية مقابلة ، رأت النظرة الاسلامية ان لهذه الابعاد القومية بعض النوع من وظائف ومميزات تلهمها نوعا من الاهمية الخلقية ، والميزة النوعية والتي تشكل الملامح الضرورية للصورة الانسانية ، فليس هذا التنوع القومي البشري - من وجهة النظر الاسلامية - تنوعا أعتباطيا أو ثانويا في التشكيلة الانسانية ، وانما هو تنوع يندرج وينخرط تحت أطار البناء المتكامل للمجموعة الانسانية ، يبدأ من كون بعض التنوعات القومية تصلح لكينونة الاساس في الصورة البشرية ، وتنتهي في ان يكون الاخر من القوميات الانسانية صالحا لأن يكون أطارا للصورة ، أو بنى فوقية للبناء ، او فروعا لا أستغناء عنها لتكامل الصورة الانسانية ....... الخ .
ان الوحدة الانسانية في التصور الاسلامي :- يأيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفو .... 13/ الحجرات - ألغت التميز العنصري للافكار القومية القديمة والحديثة - يأيها الذين آمنوا لايسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيرا منهم .... 11 / الحجرات . ولكنها ومن الجانب والبعد الاخر للمسألة القومية أرست فطرية التنوع القومي واللغوي والجغرافي ....، وأرشفته في جانبه التكاملي لتجعل من هذه التوليفة الخلقية قناة لنوعية التعارف - لتعارفوا - الفكري والعلمي والانساني من جانب ، وأية من آيات ابداع الخلقة الالهية من جانب آخر - ومن آياته خلق السموات والارص وأختلاف ألسنتكم وألوانكم ان في ذالك لآيات للعالمين . 22 / الروم - ؟.
ومن هذه المحاور والمنطلقات المتنوعة أرست المدرسة الاسلامية طرحا فريدا في المسألة القومية الانسانية ، لتجعل لها الابعاد الفكرية التالية :
1 - ان التنوع القومي للمجموعة الانسانية تنوع خلقي وفطري تنبني عليه الصورة البشرية ، وهو غير قابل للتبديل او الابادة .
2 - ليس هناك مايميز هذا التنوع القومي بعضه على البعض الاخر الا بالجانب الوظيفي للمشروع الانساني - حسب الرؤية الاسلامية - ان أكرمكم عند الله أتقاكم ، -
3 - لاينبغي ان يكون التنوع القومي الانساني دافع سلبي آيدلوجي أو سياسي او .... ، للانغلاق او التقوقع الجغرافي او التضخم الفكري او النفسي او اللغوي .....الخ ، بل ينبغي ان يكون دافع ايجابي للانفتاح والانتفاع من باقي التنوع القومي الاخر في السياق المعرفي العام سواء كان فكريا او علميا او سياسيا او اقتصاديا .....الخ .
4 - مع ان العنوان القومي عنوان ليس له مايميزه فطريا ، الا انه عنوان يستحق الاحترام من المنتمين لدائرته والداخلين في أطاره والخارجين عنه بأعتبار انه معلم من المعالم الالهية - لآيات للعالمين - وعنوان من عناوين الهوية الانسانية - لتعارفوا - ؟.
وعلى هذا رأت المدرسة الاسلامية من خلال رؤيتها للمسألة القومية ، أنها مسألة ذات ابعاد مهمة فكرية وانسانية ، ولكنها ايضا اضافت - بغض النظر عن ما ذكر آنفا - ومن زاوية مميزة هذه المرة ، من ان البعد القومي الانساني والمتنوع هو بصيغة او بأخرى بعد متحرك وحيّ ومفكر وواعي ، بأعتبار أنه عنوان من العناوين الانسانية والتي تتميز - هذه العناوين الانسانية - بماهية الحركة والحياة والضمور والنمو ؟.
أي : - ان الاسلام يطرح البعد القومي على أساس أنه عنوان من العناوين الانسانية ، وليس الانسانية عنوان من العناوين القومية - كما حصل الخلط الايدلوجي للفكر القومي الاوربي والعربي الحديث - والفرق واضح بين كلا المفهومين ، فعندما تكون الموضوعة القومية تابعة للحياة والحركة الانسانية بالامكان التعامل معها على أساس تقدم وتأخر وكفر وتقوى و..... الخ ، من المواصفات التي يتميز بها هذا الكيان المجتمعي او ذاك ، كوحدة وكأمة لها قابلية التحرك والحياة والتطور والموت والايمان والكفر ....، فالقومية العربية - مثلا - لها او تمتلك كهوية مؤهلات التطور والرقي ، كما انها بالامكان وصفها بالانحطاط والضعف ... ، وذالك حسب تابعية الهوية القومية العربية لانسانها الذي يحمل مكونات ومقومات هذه الهوية ، وهذا بعكس ما لونظرنا للمسألة الانسانية من زاويتها القومية فان المعادلة ستقلب وسوف لن يكون لها معنى يذكر ، فما معنى ان تتفوق قومية على اخرى ، وبدون ان يكون لمعنى القومية حياة او موت رقي او انحطاط او ان يكون للقومية كفكرة اي خلفية انسانية تحرك هذا المفهوم القومي او ذاك ؟.
ومن هذه الرؤية الاسلامية لمفهوم القومية ببعدها الانساني ركبت موضوعة : الاجتباء ، والاصطفاء ، والانتخاب ، والاختيار ،.... : كمفردات مستخدمة في الفكر الاسلامي لمشاريع الامم وحركتها وحياتها وموتها ....، فكان لكل أمة تحمل مقومات الهوية القومية بعد متحرك وحيّ وواعي ومفكر ، يلهم هذه الهوية القومية او تلك بعض مؤهلاتها الوظيفية في الحياة الانسانية ، فأمة ما ربما تصل أمكانيات انسانها وقواه الفكرية والروحية وحسب تطلعه الانساني ، لأن تكون مؤهلة لحمل مسؤولية معينه في الحياة البشرية ، كرسالة الاهية ، او كعملية انقاذ انسانية ، او كعملية بناء او دمار حضاري لافرق ، او ..... فعندئذ تكون هذه الامة بهويتها القومية المميزة عن باقي الامم قابلة ومهيئة - للاجتباء ، او الاصطفاء ، او الاختيار ....... الالهي - حسب النظرية الاسلامية لمفهومة الاجتباء هذه والتي تطرحها للصورة العربية بهذا الشكل المقنن حسب الرؤية الاسلامية :-
هو أجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم ابراهيم - وذالك باعتبار ان القومية العربية وصورتها كأمة ذات ملامح مميزة تعتقد بان نسبها الوجودي يرجع الى ابراهيم الخليل ع - هو سماكم المسلمين من قبل - من خلال النظرة القرانية التي تقول بأنشاء ابراهيم الخليل ع لمكونات هذه الامة في الجزيرة العربية حسب سياقات التاريخ القراني المعروفة من قول ابراهيم ع - واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسمعيل ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم ، ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا ... 128/ البقرة - ثم تختم عملية الاجتباء تلك بقول - وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس ... 78 / الحج .
وربما هنا يتساءل البعض عن الفرق بين نظرية الاسلام هذه في اجتباء واصطفاء الامم حسب ابعادها القومية وبين مايطرحه الفكر القومي الغربي من تميز او مايطرحة الفكر اليهودي من اختيار لقومية ما سميت بشعب الله المختار ؟.
الحقيقة ان ليس هناك صلة بين نظرية الاسلام ورؤيتها للبعد القومي الوظيفي ، وبين مايطرحه الفكر القومي او اليهودي من عنصرية قومية بغطاء ديني ، فقد ذكرنا ان الابعاد المستهدفة في الفكر الاسلامي للموضوعة القومية هي الابعاد الانسانية ، فانسان القومية العربية باعتبار ان القومية هوية أمة وتمثل كل مالهذه الامة من افكار وفنون ومشاعر واخلاق وتقاليد وسلوك .... كانت هي المستهدفة من عملية الاجتباء والاختيار الالهي ذاك ، اما ما تطرحه بعض الايدلوجيات العلمانية القومية او الدينية العنصرية الاخرى فمقولة: ان السماء تنتخب وتميز هذا الشعب او تلك القومية لا لسبب انساني او اخلاقي او فكري او نفسي روحي .... او اي بعد انساني متحرك قابل للنمو او الضمور او الموت او الحياة ، وانما هو انتخاب واختيار سماوي او طبيعي اعتباطي ليس له اي خلفيات فكرية تبرر الاسباب او الدوافع التي دفعت السماء او الطبيعة لانتخاب هذا الشعب او تلك الدماء القومية على باقي التنوعات القومية البشرية الاخرى ولذالك كانت هذه النظرات الدينية القومية او العلمانية للموضوعة القومية تنطلق من كون المعادلة تسير من القومية الى الانسانية وليست من الانسانية للقومية ؟.
وعليه : فعملية - الاجتباء - تلك وان وقعت على أمة معينة تملك ملامح وقسمات ولغة وسلوكيات وتقاليد واعراف ...... نوعية ومختلفة عن باقي الامم والقوميات ، فأنما هي عملية من جانبها الاخر لانسان هذه الامة في عمليتي الاصطفاء والاختيار ؟.
ان من ملامح رؤية الاطروحة الاسلامية لعملية الاجتباء تلك للبعد القومي الانساني ، انها عملية متحركة - ايضا - حسب التحرك البشري الطبيعي ، فان عملية الاجتباء والاصطفاء تتحرك وفق التحرك والتغير والتطور والتكامل .... الموجود في مثل هذه الامة - يأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكفرين يجاهدون في سبيل الله ولايخافون لومة لائم ذالك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم . 54/ المائدة - .
فالردة الروحية او الفكرية - الانهزامية - ، وكذا عدم بذل الوسع والاجتهاد في البناء الحضاري - الجهاد والاجتهاد - ، وكذا أنتفاء روح المنافحة والمقاومة والشجاعة والرجولة والبطولة والدفاع - القتال - وكذا أرتفاع روح التلاحم والتاخي والتراحم الاجتماعي والتكافل والايثار - أذلة على المؤمنين - ...... الخ ، كل هذه المفردات السلبية هي مقدمات - في المنظور الاسلامي - لانتقال عملية الاجتباء تلك لهذه الامة او تلك ، كما ان عملية التغيير والاتيان بقوم او قومية أخرى لحمل هذه الاعباء الحضارية والرسالية واردة في معادلة الطرح الاسلامي لمسألة البعد الوظيفي لتلك القومية او هذه الامة المميزة قوميا ؟.
الغرض هو القول ان الاسلام نظر للمسألة القومية على أساس ان لها ابعادا انسانية متحركة تتطور وتنمو ان كان لها دوافع انسانية ووظيفية نامية ومتحركة ، وتضمر او تموت ان كان العكس، فالقومية باعتبار انها هوية أمة ، والأمة باعتبار أنها منظومة قيم وتقاليد وسلوكيات ولغة وجغرافية وفنون واساطير ....... مشتركة وموحدة _ ان هذه امتكم امة واحدة - لاتملك هذه الخصوصية التي تميز انسانية هذا الشعب او ذاك ، وانما تملك المميزات والملامح التي من خلالها نستطيع تمييز هوية هذه الامة عن تلك ؟.
اذا يطرح العقل الاسلامي موضوعة القومية كهوية او كشخصية لهذه الامة او تلك ، وبأمكانها ان تكون هويات فاعلة ومبدعة في بناء الحضارات الانسانية ، ولكن بعد كل ماتقدم من رؤية اسلامية للأطار القومي بكل مداخله الفكرية وخلفياته الايدلوجية ، كيف نظر العقل الاسلامي لقوميته المحلية العربية بكل ملامح صورتها الانسانية ؟.
هل نظر العقل الاسلامي للصورة العربية وبأطارها القومي على أسس غير ماذكر من رؤية سابقة ؟.
هل ميز الصورة العربية وجعل لها مقومات الحياة التي تضعف ولا تموت ؟.
وماذا عن الطرح الاسلامي الذي رأى ان انتخابه للصورة العربية مثلّ عملية أنقاذ ايضا للصورة العربية بالاضافة لعملية الاجتباء تلك - وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها - ؟.
وهل من حق الانسان العربي ان يشعر بالعزة لأنه ينتمي لقومية ان اتيحت لها الفرصة لقدمت للانسانية الكثير ؟.
كتابات - حميد الشاكر
أ - الصورة القومية أسلاميا ..
يتميز الطرح الاسلامي لمكونات الصورة العربية بأنّه الطرح الاكثر أتزانا وعدالة بالنسبة للموضوعة القومية بصورة عامة ، فمعروف على المستوى العقلي الانساني العام ان الاطروحة الاسلامية من الاطروحات التي تدين الافكار التي ينبني على الابعاد العنصرية لهذه القومية الانسانية او تلك ، ولكنها من الجانب الاخر يعرف عن الاطروحة الاسلامية أنها المدرسة التي تقول - بفطرية البعد القومي - لهذا الشعب اوذاك من بني الانسان ، وعليه كانت ولم تزل النظرة الاسلامية في معالجة الموضوعة القومية تنطلق من المعالجة الايجابية والمنفتحة للمسألة القومية الانسانية ، فليس للبعد القومي البشري أي ميزة فطرية او خلقية ، تقدمها أو تأخرها عن الاطار الانساني العام بأعتباره أطارا ساوى في الجوهرية الانسانية بين كافة بني الانسان ، الابيض والاحمر والاسود .... ، وبين الدم الاحمر والاحمر ،.... وبين اللسان الاعجمي والعربي كعضو وظيفي ، .... وبين العنصر اللاري او السامي أو الكذائي ،.....الخ .
ولكن ايضا ومن زاوية مقابلة ، رأت النظرة الاسلامية ان لهذه الابعاد القومية بعض النوع من وظائف ومميزات تلهمها نوعا من الاهمية الخلقية ، والميزة النوعية والتي تشكل الملامح الضرورية للصورة الانسانية ، فليس هذا التنوع القومي البشري - من وجهة النظر الاسلامية - تنوعا أعتباطيا أو ثانويا في التشكيلة الانسانية ، وانما هو تنوع يندرج وينخرط تحت أطار البناء المتكامل للمجموعة الانسانية ، يبدأ من كون بعض التنوعات القومية تصلح لكينونة الاساس في الصورة البشرية ، وتنتهي في ان يكون الاخر من القوميات الانسانية صالحا لأن يكون أطارا للصورة ، أو بنى فوقية للبناء ، او فروعا لا أستغناء عنها لتكامل الصورة الانسانية ....... الخ .
ان الوحدة الانسانية في التصور الاسلامي :- يأيها الناس أنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفو .... 13/ الحجرات - ألغت التميز العنصري للافكار القومية القديمة والحديثة - يأيها الذين آمنوا لايسخر قوم من قوم عسى ان يكونوا خيرا منهم .... 11 / الحجرات . ولكنها ومن الجانب والبعد الاخر للمسألة القومية أرست فطرية التنوع القومي واللغوي والجغرافي ....، وأرشفته في جانبه التكاملي لتجعل من هذه التوليفة الخلقية قناة لنوعية التعارف - لتعارفوا - الفكري والعلمي والانساني من جانب ، وأية من آيات ابداع الخلقة الالهية من جانب آخر - ومن آياته خلق السموات والارص وأختلاف ألسنتكم وألوانكم ان في ذالك لآيات للعالمين . 22 / الروم - ؟.
ومن هذه المحاور والمنطلقات المتنوعة أرست المدرسة الاسلامية طرحا فريدا في المسألة القومية الانسانية ، لتجعل لها الابعاد الفكرية التالية :
1 - ان التنوع القومي للمجموعة الانسانية تنوع خلقي وفطري تنبني عليه الصورة البشرية ، وهو غير قابل للتبديل او الابادة .
2 - ليس هناك مايميز هذا التنوع القومي بعضه على البعض الاخر الا بالجانب الوظيفي للمشروع الانساني - حسب الرؤية الاسلامية - ان أكرمكم عند الله أتقاكم ، -
3 - لاينبغي ان يكون التنوع القومي الانساني دافع سلبي آيدلوجي أو سياسي او .... ، للانغلاق او التقوقع الجغرافي او التضخم الفكري او النفسي او اللغوي .....الخ ، بل ينبغي ان يكون دافع ايجابي للانفتاح والانتفاع من باقي التنوع القومي الاخر في السياق المعرفي العام سواء كان فكريا او علميا او سياسيا او اقتصاديا .....الخ .
4 - مع ان العنوان القومي عنوان ليس له مايميزه فطريا ، الا انه عنوان يستحق الاحترام من المنتمين لدائرته والداخلين في أطاره والخارجين عنه بأعتبار انه معلم من المعالم الالهية - لآيات للعالمين - وعنوان من عناوين الهوية الانسانية - لتعارفوا - ؟.
وعلى هذا رأت المدرسة الاسلامية من خلال رؤيتها للمسألة القومية ، أنها مسألة ذات ابعاد مهمة فكرية وانسانية ، ولكنها ايضا اضافت - بغض النظر عن ما ذكر آنفا - ومن زاوية مميزة هذه المرة ، من ان البعد القومي الانساني والمتنوع هو بصيغة او بأخرى بعد متحرك وحيّ ومفكر وواعي ، بأعتبار أنه عنوان من العناوين الانسانية والتي تتميز - هذه العناوين الانسانية - بماهية الحركة والحياة والضمور والنمو ؟.
أي : - ان الاسلام يطرح البعد القومي على أساس أنه عنوان من العناوين الانسانية ، وليس الانسانية عنوان من العناوين القومية - كما حصل الخلط الايدلوجي للفكر القومي الاوربي والعربي الحديث - والفرق واضح بين كلا المفهومين ، فعندما تكون الموضوعة القومية تابعة للحياة والحركة الانسانية بالامكان التعامل معها على أساس تقدم وتأخر وكفر وتقوى و..... الخ ، من المواصفات التي يتميز بها هذا الكيان المجتمعي او ذاك ، كوحدة وكأمة لها قابلية التحرك والحياة والتطور والموت والايمان والكفر ....، فالقومية العربية - مثلا - لها او تمتلك كهوية مؤهلات التطور والرقي ، كما انها بالامكان وصفها بالانحطاط والضعف ... ، وذالك حسب تابعية الهوية القومية العربية لانسانها الذي يحمل مكونات ومقومات هذه الهوية ، وهذا بعكس ما لونظرنا للمسألة الانسانية من زاويتها القومية فان المعادلة ستقلب وسوف لن يكون لها معنى يذكر ، فما معنى ان تتفوق قومية على اخرى ، وبدون ان يكون لمعنى القومية حياة او موت رقي او انحطاط او ان يكون للقومية كفكرة اي خلفية انسانية تحرك هذا المفهوم القومي او ذاك ؟.
ومن هذه الرؤية الاسلامية لمفهوم القومية ببعدها الانساني ركبت موضوعة : الاجتباء ، والاصطفاء ، والانتخاب ، والاختيار ،.... : كمفردات مستخدمة في الفكر الاسلامي لمشاريع الامم وحركتها وحياتها وموتها ....، فكان لكل أمة تحمل مقومات الهوية القومية بعد متحرك وحيّ وواعي ومفكر ، يلهم هذه الهوية القومية او تلك بعض مؤهلاتها الوظيفية في الحياة الانسانية ، فأمة ما ربما تصل أمكانيات انسانها وقواه الفكرية والروحية وحسب تطلعه الانساني ، لأن تكون مؤهلة لحمل مسؤولية معينه في الحياة البشرية ، كرسالة الاهية ، او كعملية انقاذ انسانية ، او كعملية بناء او دمار حضاري لافرق ، او ..... فعندئذ تكون هذه الامة بهويتها القومية المميزة عن باقي الامم قابلة ومهيئة - للاجتباء ، او الاصطفاء ، او الاختيار ....... الالهي - حسب النظرية الاسلامية لمفهومة الاجتباء هذه والتي تطرحها للصورة العربية بهذا الشكل المقنن حسب الرؤية الاسلامية :-
هو أجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم ابراهيم - وذالك باعتبار ان القومية العربية وصورتها كأمة ذات ملامح مميزة تعتقد بان نسبها الوجودي يرجع الى ابراهيم الخليل ع - هو سماكم المسلمين من قبل - من خلال النظرة القرانية التي تقول بأنشاء ابراهيم الخليل ع لمكونات هذه الامة في الجزيرة العربية حسب سياقات التاريخ القراني المعروفة من قول ابراهيم ع - واذ يرفع ابراهيم القواعد من البيت واسمعيل ربنا تقبل منا انك انت السميع العليم ، ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا ... 128/ البقرة - ثم تختم عملية الاجتباء تلك بقول - وفي هذا ليكون الرسول شهيدا عليكم وتكونوا شهداء على الناس ... 78 / الحج .
وربما هنا يتساءل البعض عن الفرق بين نظرية الاسلام هذه في اجتباء واصطفاء الامم حسب ابعادها القومية وبين مايطرحه الفكر القومي الغربي من تميز او مايطرحة الفكر اليهودي من اختيار لقومية ما سميت بشعب الله المختار ؟.
الحقيقة ان ليس هناك صلة بين نظرية الاسلام ورؤيتها للبعد القومي الوظيفي ، وبين مايطرحه الفكر القومي او اليهودي من عنصرية قومية بغطاء ديني ، فقد ذكرنا ان الابعاد المستهدفة في الفكر الاسلامي للموضوعة القومية هي الابعاد الانسانية ، فانسان القومية العربية باعتبار ان القومية هوية أمة وتمثل كل مالهذه الامة من افكار وفنون ومشاعر واخلاق وتقاليد وسلوك .... كانت هي المستهدفة من عملية الاجتباء والاختيار الالهي ذاك ، اما ما تطرحه بعض الايدلوجيات العلمانية القومية او الدينية العنصرية الاخرى فمقولة: ان السماء تنتخب وتميز هذا الشعب او تلك القومية لا لسبب انساني او اخلاقي او فكري او نفسي روحي .... او اي بعد انساني متحرك قابل للنمو او الضمور او الموت او الحياة ، وانما هو انتخاب واختيار سماوي او طبيعي اعتباطي ليس له اي خلفيات فكرية تبرر الاسباب او الدوافع التي دفعت السماء او الطبيعة لانتخاب هذا الشعب او تلك الدماء القومية على باقي التنوعات القومية البشرية الاخرى ولذالك كانت هذه النظرات الدينية القومية او العلمانية للموضوعة القومية تنطلق من كون المعادلة تسير من القومية الى الانسانية وليست من الانسانية للقومية ؟.
وعليه : فعملية - الاجتباء - تلك وان وقعت على أمة معينة تملك ملامح وقسمات ولغة وسلوكيات وتقاليد واعراف ...... نوعية ومختلفة عن باقي الامم والقوميات ، فأنما هي عملية من جانبها الاخر لانسان هذه الامة في عمليتي الاصطفاء والاختيار ؟.
ان من ملامح رؤية الاطروحة الاسلامية لعملية الاجتباء تلك للبعد القومي الانساني ، انها عملية متحركة - ايضا - حسب التحرك البشري الطبيعي ، فان عملية الاجتباء والاصطفاء تتحرك وفق التحرك والتغير والتطور والتكامل .... الموجود في مثل هذه الامة - يأيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكفرين يجاهدون في سبيل الله ولايخافون لومة لائم ذالك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم . 54/ المائدة - .
فالردة الروحية او الفكرية - الانهزامية - ، وكذا عدم بذل الوسع والاجتهاد في البناء الحضاري - الجهاد والاجتهاد - ، وكذا أنتفاء روح المنافحة والمقاومة والشجاعة والرجولة والبطولة والدفاع - القتال - وكذا أرتفاع روح التلاحم والتاخي والتراحم الاجتماعي والتكافل والايثار - أذلة على المؤمنين - ...... الخ ، كل هذه المفردات السلبية هي مقدمات - في المنظور الاسلامي - لانتقال عملية الاجتباء تلك لهذه الامة او تلك ، كما ان عملية التغيير والاتيان بقوم او قومية أخرى لحمل هذه الاعباء الحضارية والرسالية واردة في معادلة الطرح الاسلامي لمسألة البعد الوظيفي لتلك القومية او هذه الامة المميزة قوميا ؟.
الغرض هو القول ان الاسلام نظر للمسألة القومية على أساس ان لها ابعادا انسانية متحركة تتطور وتنمو ان كان لها دوافع انسانية ووظيفية نامية ومتحركة ، وتضمر او تموت ان كان العكس، فالقومية باعتبار انها هوية أمة ، والأمة باعتبار أنها منظومة قيم وتقاليد وسلوكيات ولغة وجغرافية وفنون واساطير ....... مشتركة وموحدة _ ان هذه امتكم امة واحدة - لاتملك هذه الخصوصية التي تميز انسانية هذا الشعب او ذاك ، وانما تملك المميزات والملامح التي من خلالها نستطيع تمييز هوية هذه الامة عن تلك ؟.
اذا يطرح العقل الاسلامي موضوعة القومية كهوية او كشخصية لهذه الامة او تلك ، وبأمكانها ان تكون هويات فاعلة ومبدعة في بناء الحضارات الانسانية ، ولكن بعد كل ماتقدم من رؤية اسلامية للأطار القومي بكل مداخله الفكرية وخلفياته الايدلوجية ، كيف نظر العقل الاسلامي لقوميته المحلية العربية بكل ملامح صورتها الانسانية ؟.
هل نظر العقل الاسلامي للصورة العربية وبأطارها القومي على أسس غير ماذكر من رؤية سابقة ؟.
هل ميز الصورة العربية وجعل لها مقومات الحياة التي تضعف ولا تموت ؟.
وماذا عن الطرح الاسلامي الذي رأى ان انتخابه للصورة العربية مثلّ عملية أنقاذ ايضا للصورة العربية بالاضافة لعملية الاجتباء تلك - وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها - ؟.
وهل من حق الانسان العربي ان يشعر بالعزة لأنه ينتمي لقومية ان اتيحت لها الفرصة لقدمت للانسانية الكثير ؟.