(( قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) ثالثا : بعد ان اشرنا الى نقطتي (( الانا )) الانانية التي كان يتعبد بها ابليس من دون الله سبحانه ، والاخرى (( الانا )) الفردية التي تقوم على فلسفة المنفعة الشخصية ، توجب علينا ان نذكر باقي المحاور - وان كان باختصار غير مخل - التي استوحيناها من جملة الادانه الابليسية التي وضعت اناملنا على كل القرائن والادلة التي تثبت
جريمة هذا المخلوق المعقد ، لنرى من جانب كل مميزات ومواصفات هذه الشخصية الفكرية والنفسية والسلوكية من جهة ، ونصل الى حكمة الحكم القاسي الالهي المقدس الذي ابعد هذا المخلوق ولعنه وطرده من الرحمة الالهية التي وسعت كل شيئ والعياذ بالله سبحانه من جهة اخرى . نعم من اين اتى ابليس بمبدأ الخيرية هذا (( انا خير منه )) الذي جعله ينظر باستعلاء لادم الانسان الطيني ؟.يبدو ان الله سبحانه لم يضع مبدأ خيرية النار على الطين ، ولم يكن سبحانه قد شرع مايوحي بان هناك افضلية او تفاضلية خيرية بين عنصري الطين والنار او الانسان وابليس هذا ، اذن : ما الحكاية ؟.يروى عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام انه جرت له مناقشة مع النعمان بن ثابت الملقب بابي حنيفة ، وبعد ان رحب به وجرت المناقشة حول كتاب الله وسنة رسوله والاقيسة المضلة قال الصادق ع لابي حنيفة :(( تزعم انك تفتي بكتاب الله ولست ممن ورثه ، وتزعم أنك صاحب قياس وأول من قاس ابليس لعنه الله ولم يبن دين الاسلام على القياس ...))ان القياس مصطلح كان ولم يزل ينسب الى ابليس الشيطاني ذاك باعتبار انه المشكلة الفكرية والعقدية التي شكلت العقدة الحقيقية لمأساة هذا المخلوق المعقد للقياس مبدأن شرعيان فحسب قياس منصوص العلة وقياس الاولوية اما غير ذاك فمشكلة امام خالقه وباريه سبحانه وتعالى ، لذا كانت الخيرية المزعومة لابليس اللعين ماهي الا اجتهاد اناني فرض على فكر وشخصية ابليس مبدءا شخصيا ونفعيا يرى هذه الخيرية المزعومة قياسيا وبلا دليل واضح او حجة مقنعة او تشريع الهي مقدس !.ومن هنا نفهم اول خطوة في اهتزاز الحالة الفكرية لهذا المخلوق عندما شرع لنفسه شرعة لم يأذن بها الله سبحانه ولم يأمر بتأسيسها كقانون خلقي عام وانما (( اجتهد )) شخصيا ليرى خيرية النار او الانا على الطين او الاخر باعتباره جنسا اقل تفوقا ووجودا وكفى !.صحيح : هل لو كان ابليس خلقا طينيا فهل سيعتقد ان الطين اخير من النار ايضا ؟.او هل لوكان ابليس خلقا ادون او اعلى من ذالك فهل سيبقى هو هو وبنفس ال (( انا خير منه ..)) ام ستختلف المسالة ؟.يبدو ومن خلال التتبع والملاحظة ان المشكلة ليست لافي النار ولا في الطين بقدر ماهي في العقلية الفكرية والتي وظيفتها القياس والمقارنة والاجتهاد في الرؤية لاشياء العالم الخلقية ، وحتى ان كانت النظرة معكوسة فان المنطق سيبقى هو المنطق والقياس سيبقى هو نفس القياس والضلالة فحسب وهذه هي المنظومة التي تحكم حسب هوى المنفعة الشخصية فحسب وبغض النظر عن الباقي العناوين الاخرى !.رابعا : نحن عندما نستنطق جملة الادانه الابليسية :(( انا خير منه ..)) فاننا سنلاحظ وبوضوح مدى الوقاحة والغفلة والاعتداء على الكمال الالهي المقدس ، فهذه الجملة توحي مما توحي به وبصورة مباشرة : ان ابليس هذا الحقير هو اكثر معرفة قياسية ، فهو هنا وباعتراضه التافه على السجود لادم كأنما يريد ان يقول للخالق سبحانه وتعالى بما معناه : انك لاتدرك من هو الشرير ممن هو خير سبحانه ، فلذالك تأمرني كي اسجد لما هو غير خير ، وتأمر الاكثر خيرية ليسجد لماهو اكثر دونية وشرية !.؟ سبحان الله وتقدست صفاته !.هكذا تفهم جملة هذا المتمرد الابليسي الضعيف عندما يعلن تمردية ال :(( انا خير منه ..)) فهو ناظر بفكرة عقدية فاسدة ترى ان هذا الاله العظيم سبحانه وعندما يأمر بالسجود لادم الانساني ، هو في هذه الحالة غافل عن ماهو خير ممن هو غير ذالك ، لذا جاء الاعتراض الابليسي وكأنما هو تنبيه للخالق سبحانه على وجوب الالتفات الى من هو خير ممن هو دون ذالك !.هل ترى عمق الازمة العقدية لهذا المخلوق المعقد ؟!.انه لايعرف خالقه بصفاته و:(( اول الدين معرفته )) كما قال امير المؤمنين علي بن ابي طالب ع .ابليس يرى انه اكثر معرفة بالخلق والخلقة من الله سبحانه وتعالى لذا تجرأ ليعلن انه الاعرف والاكثر فهما لعناصر المخلوقات جميعا ، ولذالك هو يدلو بدلوه امام الله سبحانه وتعالى ليؤكد :(( ان النار اخير من الطين )) ويستشكل على المعرفة الالهية المقدسة بانها معرفة ناقصة وتجهل خيرية النار على الطين ، لذا جاء الاعتراض صريحا ب :(( لم اكن لاسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون )) بسبب كون النار اخير من الطين :(( قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) صحيح : هل الله سبحانه وتعالى هو الاعرف بخيرية خلقه بعضهم على بعض ؟.أم ان ابليس او خلقه اعرف بخيرية بعضهم على بعض ؟.ابليس كان يرى فكره وعقله واجتهاده بانه هو الاكثر دقة والمعرفة بماهو خير عن ماهو ليس بخير ، ولكن ليس فقط امام عقول الخلق الاخرين المخلوقين مثله بل امام تدبير وحكمة الله العلي العظيم ، ويالها من جرأة وجريمة لاتغتفر ، بل وجهل وتكبر وغباء لايحتمل ، ان يرى مخلوق انه الاعرف باسرار الصنعه من صانعها الاصلي :(( قال فاخرج منها فانك رجيم / قرءان كريم )).خامسا :كما ان جريمة :(( انا خير منه ..)) توصلنا الى حقيقة اخرى في تركيبة هذا المخلوق المعقد العقدية الفكرية والنفسية والروحية ومدى ظلمانيتها وغيبوبتها عن رؤية العادل سبحانه وتعالى ، فهذا المخلوق التعبان لم يكتفي بان يرى معرفته في عناصر المخلوقات هي تفوق معرفة الخالق سبحانه وتعالى فحسب ، بل وتجاوز على العدالة الالهية كذالك والتي تؤسس لمقولة : ((وضع الشيئ في موضعه )) ، والتي رأت ان من العدالة والحكمة معا ان تكون هناك علاقة سجود متبادلة بين الخلق جميعا ، اذ من العدل ان يسجد الملائكة وابليس وباقي الوجود للمخلوق الجديد ادم الانساني ليس من منطلق انه الاخير عنصريا على باقي الموجودات ولكن من منطلق الاكمل وظيفيا في هذا المجال ، الا ان ابليس رأى هذه الخطوة وهذا الامر على اساس انه من اظلم الظلم على ذاته النارية !.يرى ابليس انه ليس هناك عدالة في طلب السجود من العنصر الناري الابليسي الى العنصر الطيني الانساني ، بسبب ان العدالة تقتضي العكس ان يسجد الطيني للناري باعتبار ان الناري خيّر والطيني شرير وهكذا المسألة ؟!.نعم كان يرى ابليس ان من العدل ان يطلب الامر الالهي السجود له فحسب ، أما ان يطلب منه هو الناري ان يسجد لادم الطيني فهذه كارثة باعتبار انها ضد مقاييس العدالة الابليسية التي تقتضي غير ذالك لذا رفض ابليس الحكم الصادر اليه من قبل الله سبحانه وتعالى باعتباره ظلم مطلق !.فكر بكيفية فهم هذا المخلوق لعدالة خالقه سبحانه وتعالى ؟.لو فرض ان ابليس يدرك ان كل امر يصدر له من الله سبحانه وتعالى خالق الكون برمته وبمافيه انما هو امر غاية في العدل والحكمة ، فهل كان ليرفض السجود للانسان الطيني هذا ؟.بالطبع لا ، لو كان ابليس يؤمن بالعدالة والحكمة الالهية او لو كان يدرك او يعرف ان الله عادل وحكيم ولا يأمر الا بالعدل الا بكل ماهو عدل وحكمة لما كان ليجرأ على مجرد التفكير بعصيان الامر الالهي ابدا ، بدلا من التفكير في (( هل النار اخير من الطين ام الطين اخير من النار ؟.))هذه هي مشكلة ابليس الثقافية ، بل هذه هي كارثية جهل المخلوق بخالقه المقدس عندما يعتقد بان هذا الخالق منحاز وظالم ولا حكمة في اوامره النازلة من الاعلى !.سادسا : لو فرض جدلا ان من حق العقيدة الابليسية ان تستقل برؤيتها الفكرية للاشياء العالمية ، وان من حقها عملية التقييم والحكم على منازل باقي الاشياء الكونية الاخرى ، فهل سوف تستقيم مع ذالك رؤية ابليس للانسان في :(( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ))؟.أم ستبقى المعادلة كما هي وسيبقى المرض الفكري والعوق الروحي لابليس على حاله ؟.هل يستقيم باي حال من الاحوال القياس العنصري لابليس في رؤيته الفكرية للعالم البشري ؟.أم انه هو هو قياس لايصلح تماما للعالم اللاهوتي الخلقي الرباني هذا ؟.ان مشكلة الرؤية الابليسية انها رؤية (( عنصرية )) اي انها تنظر للتمايز في عناصر الاشياء الخلقية ، ولاتنظر مطلقا للاشياء الخلقية على اساس وظائفها العملية السلوكية ، لذا جاء الحكم الابليسي مزدوج الخطيئة على كل حال !.بمعنى اكثر وضوحا : ان ابليس هذا غارق في غيبوبة عبادة العنصر الى درجة لاتجعله يلتفت مطلقا الى الاهداف السامية من وجود الخلقة العالمية برمتها ، لذا هو اول ما التفت فانه التفت الى اقرب الاشياء الى ذاته والصقها بوجوده الخلقي الفطري وليس الكسبي العملي كما طرحه بعض المخلوقات السامية في المعرفة والادراك والفهم لعملية الخلق !.نعم تسائل الملائكة حول الموجود المكّرم ادم الانسان بقولهم :(( اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ..)) ولكنهم لم يفكروا مطلقا بالسؤال عن افضلية عنصره الطيني او ان يخطئوا فيلصقوا جريمة السفك للدماء والفساد في الارض الى عنصره الطيني ذاك ، وانما كان جلّ سؤالهم يتمحور حول الوظيفة التي سوف يقوم بها هذا المخلوق وهل هو قادر على القيام بوظيفته الانسانية ام انه سيفشل في القيام بهذا الواجب ، ولذالك جاء تساؤلهم حول السلوك والعمل والوظيفة ولم يأت حول العنصر والقومية واللغة وباقي الاشياء التي ليس لها وظيفة عملية بقدر ماهي خلقة فطرية ، ومن هنا اختلفت كلا الرؤيتين الابليسية والملائكية :الاولى كانت لاتقيم الابليسية اقصد الانسان على اساس عمله بل على اساس خلقته !الثانية : كانت تقيم الانسان على اساس اتقانه لوظيفته في هذه الحياة !.وهذا هو الفرق بين من ينظر للانسان ويقيمه على اساس انه ليس فيه عيب او خطيئة الا كونه مخلوق طيني ، وبين من يذهب برؤيته الى ابعد من ذالك ليعطي للعمل وللاجتهاد وللوظيفة القيمة الحقيقية ليرى :(( قيمة كل امرء مايحسنه )) و (( ان اكرمكم عند الله اتقاكم )) باعتبار ان التقوى والعمل وجهان لعملة واحدة هي التي تشكل الخيرية الحقيقية ،(( ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا / قرءان كريم )) !.ان عالما يريد ان يخلقه الله سبحانه وتعالى لاتعني فيه عناصر الخلقة الا التساوى وما التفاضل الا في الاجتهاد والعمل ، وهذا القانون الكلي لم يفقهه هذا المخلوق المنفرد المسمى ابليس او هو لم يرد ان يفهمه على اي حال وهذا ما ادى به الى الهاوية !.صحيح : اتساءل هل كان ابليس ذكيا في رؤيته العنصرية تلك ام كان غبيا غافلا لذا هو عوقب على شيئ لم يكن ليدركه ؟.بمعنى : ان من العدالة الالهية التي نتحدث عنها ان لايعاقب ابليس على شيئ لم يكن ليدركه ، باعتبار ان الجهل بالشيئ وان لم يكن مبررا الا انه يصلح حجة لأن يرفع قليلا من المسؤولية عن كاهل المكلف ، وعليه هل كان ابليس مدركا للقوانين الالهية ولكنه مع ذالك تمرد عليها مع سابق اصرار وترصد ؟.ام انه غبي وجاهل وحقير وتعبان ...الخ ، الا ان جريمته هي ليس في عدم اطاعة الامر الالهي فحسب بل وكذالك في كونه انه لايعلم انه لايعلم ؟.سابعا : من الواضح ان جريمة ابليس المزدوجة امام المحكمة الالهية تبلورت في كلا النوعين ، نوع الجهل والغباء الشديد وعدم العلم بعدم العلم من جهة ، مضافا اليها عدم الطاعة والانقياد للامر الالهي من جانب اخر ايضا !.انها مشكلة مزدوجة حقا للتركيبة الفكرية والنفسية لابليس هذا ، فمن جهة الغباء الشديد ان ابليس نفسه يدين نفسه بنفسه في جريمة (( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) فمع ان ابليس يفهم تماما ان النار والطين هما مخلوقان من مخلوقات الله سبحانه وتعالى بدليل قوله (( خلقتني ... وخلقته )) فمع ذالك هو يلتفت الى الاشياء بظاهريتها ولا يلتفت الى الاشياء بجواهرها الحقيقية !.بصورة اخرى : ان ابليس لم يغفل مطلقا عن ان ذاته النارية وذات الانسان الطينية هما عنصران لايجب ان يكون بينهما اي تمايز باعتبار ان الخلقة الالهية خلقة جميلة على اي وجه وجدت لانها تمثل الجميل وصاحب الصنعة الراقية الله سبحانه وتعالى ، فمع ادراكه لهذه الحقيقة (( حقيقة ان الخلقة كلها من مصدر واحد هو الله في قوله : خلقتني .. وخلقته )) يريد ان يميز هو بشخصه خلقة على خلقة اخرى ... لماذا ؟.لا لشيئ الا لأن ابليس رأى شعاع النار الظاهري في قبالة قتامة الطين العنصرية فقال :(( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) وهذه هي مشكلة ابليس الفكرية ؟!.صعب جدا ان توصل حقيقة الى غبي لايريد ان يرى الا ظاهر الاشياء العالمية ، والاصعب منه عندما تحاول ايصال معلومة الى شخص لايعلم ولايعلم انه لايعلم ؟.لا .. ابليس ملتفت الى انه لاينبغي ان يكون هناك فرق بين خلقة واخرى من بين مخلوقات الله سبحانه ، ولكنه بنفس الوقت لايدرك حكمة ان تكون الخلقة متساوية النسبة ، وعندما لم يدرك ماهية الفلسفة من ان تكون جميع عناصر الخلقة متساوية النسبة ، غفل تماما عن ان القانون هو للعمل وللوظيفة وليس للعنصر وللخلقة كي يكون الناري اكثر خيرية من الطيني هذا ؟.نعم كان ولم يزل الانسان مكرما بسبب كونه الاقدر على القيام بوظيفة العبادة الالهية بشكل جيد ، ولو كان ابليس ملتفت الى هذه النقطة لاطاع الامر الالهي وبلا تردد او بتردد مقبول ، ولكنه ولسوء فكرته لم يدرك ولم يعلم ولم يفهم ... لذالك هو لم يستطع ان يطيع او يطبق الامر الالهي ، فمن لم يكن ذا فهم وعلم فلا عمل له ، والعلم يهتف بالعمل اجابه والا ارتحل ، ومن يعمل بلا علم فكأنه خابط عشواء يفسد اكثر مما يصلح ، ومن فقد العلم والفهم والشرع من الله كيف بامكانه ان يطيع اوامر الله سبحانه وتعالى وفضل الله العلماء على غيرهم لمعرفتهم بكيفية العمل في طاعة الله سبحانه فحسب ، فالعمل ثمرة العلم ، وابليس فقد المعرفة والادرام والعلم فلم يدرك كيف يطيع وكيف يرضي وكيف يكون خيرا :(( ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا /قرءان كريم )) صدق الله العظيمثامنا :............للحديث بقية
جريمة هذا المخلوق المعقد ، لنرى من جانب كل مميزات ومواصفات هذه الشخصية الفكرية والنفسية والسلوكية من جهة ، ونصل الى حكمة الحكم القاسي الالهي المقدس الذي ابعد هذا المخلوق ولعنه وطرده من الرحمة الالهية التي وسعت كل شيئ والعياذ بالله سبحانه من جهة اخرى . نعم من اين اتى ابليس بمبدأ الخيرية هذا (( انا خير منه )) الذي جعله ينظر باستعلاء لادم الانسان الطيني ؟.يبدو ان الله سبحانه لم يضع مبدأ خيرية النار على الطين ، ولم يكن سبحانه قد شرع مايوحي بان هناك افضلية او تفاضلية خيرية بين عنصري الطين والنار او الانسان وابليس هذا ، اذن : ما الحكاية ؟.يروى عن جعفر بن محمد الصادق عليه السلام انه جرت له مناقشة مع النعمان بن ثابت الملقب بابي حنيفة ، وبعد ان رحب به وجرت المناقشة حول كتاب الله وسنة رسوله والاقيسة المضلة قال الصادق ع لابي حنيفة :(( تزعم انك تفتي بكتاب الله ولست ممن ورثه ، وتزعم أنك صاحب قياس وأول من قاس ابليس لعنه الله ولم يبن دين الاسلام على القياس ...))ان القياس مصطلح كان ولم يزل ينسب الى ابليس الشيطاني ذاك باعتبار انه المشكلة الفكرية والعقدية التي شكلت العقدة الحقيقية لمأساة هذا المخلوق المعقد للقياس مبدأن شرعيان فحسب قياس منصوص العلة وقياس الاولوية اما غير ذاك فمشكلة امام خالقه وباريه سبحانه وتعالى ، لذا كانت الخيرية المزعومة لابليس اللعين ماهي الا اجتهاد اناني فرض على فكر وشخصية ابليس مبدءا شخصيا ونفعيا يرى هذه الخيرية المزعومة قياسيا وبلا دليل واضح او حجة مقنعة او تشريع الهي مقدس !.ومن هنا نفهم اول خطوة في اهتزاز الحالة الفكرية لهذا المخلوق عندما شرع لنفسه شرعة لم يأذن بها الله سبحانه ولم يأمر بتأسيسها كقانون خلقي عام وانما (( اجتهد )) شخصيا ليرى خيرية النار او الانا على الطين او الاخر باعتباره جنسا اقل تفوقا ووجودا وكفى !.صحيح : هل لو كان ابليس خلقا طينيا فهل سيعتقد ان الطين اخير من النار ايضا ؟.او هل لوكان ابليس خلقا ادون او اعلى من ذالك فهل سيبقى هو هو وبنفس ال (( انا خير منه ..)) ام ستختلف المسالة ؟.يبدو ومن خلال التتبع والملاحظة ان المشكلة ليست لافي النار ولا في الطين بقدر ماهي في العقلية الفكرية والتي وظيفتها القياس والمقارنة والاجتهاد في الرؤية لاشياء العالم الخلقية ، وحتى ان كانت النظرة معكوسة فان المنطق سيبقى هو المنطق والقياس سيبقى هو نفس القياس والضلالة فحسب وهذه هي المنظومة التي تحكم حسب هوى المنفعة الشخصية فحسب وبغض النظر عن الباقي العناوين الاخرى !.رابعا : نحن عندما نستنطق جملة الادانه الابليسية :(( انا خير منه ..)) فاننا سنلاحظ وبوضوح مدى الوقاحة والغفلة والاعتداء على الكمال الالهي المقدس ، فهذه الجملة توحي مما توحي به وبصورة مباشرة : ان ابليس هذا الحقير هو اكثر معرفة قياسية ، فهو هنا وباعتراضه التافه على السجود لادم كأنما يريد ان يقول للخالق سبحانه وتعالى بما معناه : انك لاتدرك من هو الشرير ممن هو خير سبحانه ، فلذالك تأمرني كي اسجد لما هو غير خير ، وتأمر الاكثر خيرية ليسجد لماهو اكثر دونية وشرية !.؟ سبحان الله وتقدست صفاته !.هكذا تفهم جملة هذا المتمرد الابليسي الضعيف عندما يعلن تمردية ال :(( انا خير منه ..)) فهو ناظر بفكرة عقدية فاسدة ترى ان هذا الاله العظيم سبحانه وعندما يأمر بالسجود لادم الانساني ، هو في هذه الحالة غافل عن ماهو خير ممن هو غير ذالك ، لذا جاء الاعتراض الابليسي وكأنما هو تنبيه للخالق سبحانه على وجوب الالتفات الى من هو خير ممن هو دون ذالك !.هل ترى عمق الازمة العقدية لهذا المخلوق المعقد ؟!.انه لايعرف خالقه بصفاته و:(( اول الدين معرفته )) كما قال امير المؤمنين علي بن ابي طالب ع .ابليس يرى انه اكثر معرفة بالخلق والخلقة من الله سبحانه وتعالى لذا تجرأ ليعلن انه الاعرف والاكثر فهما لعناصر المخلوقات جميعا ، ولذالك هو يدلو بدلوه امام الله سبحانه وتعالى ليؤكد :(( ان النار اخير من الطين )) ويستشكل على المعرفة الالهية المقدسة بانها معرفة ناقصة وتجهل خيرية النار على الطين ، لذا جاء الاعتراض صريحا ب :(( لم اكن لاسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون )) بسبب كون النار اخير من الطين :(( قال انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) صحيح : هل الله سبحانه وتعالى هو الاعرف بخيرية خلقه بعضهم على بعض ؟.أم ان ابليس او خلقه اعرف بخيرية بعضهم على بعض ؟.ابليس كان يرى فكره وعقله واجتهاده بانه هو الاكثر دقة والمعرفة بماهو خير عن ماهو ليس بخير ، ولكن ليس فقط امام عقول الخلق الاخرين المخلوقين مثله بل امام تدبير وحكمة الله العلي العظيم ، ويالها من جرأة وجريمة لاتغتفر ، بل وجهل وتكبر وغباء لايحتمل ، ان يرى مخلوق انه الاعرف باسرار الصنعه من صانعها الاصلي :(( قال فاخرج منها فانك رجيم / قرءان كريم )).خامسا :كما ان جريمة :(( انا خير منه ..)) توصلنا الى حقيقة اخرى في تركيبة هذا المخلوق المعقد العقدية الفكرية والنفسية والروحية ومدى ظلمانيتها وغيبوبتها عن رؤية العادل سبحانه وتعالى ، فهذا المخلوق التعبان لم يكتفي بان يرى معرفته في عناصر المخلوقات هي تفوق معرفة الخالق سبحانه وتعالى فحسب ، بل وتجاوز على العدالة الالهية كذالك والتي تؤسس لمقولة : ((وضع الشيئ في موضعه )) ، والتي رأت ان من العدالة والحكمة معا ان تكون هناك علاقة سجود متبادلة بين الخلق جميعا ، اذ من العدل ان يسجد الملائكة وابليس وباقي الوجود للمخلوق الجديد ادم الانساني ليس من منطلق انه الاخير عنصريا على باقي الموجودات ولكن من منطلق الاكمل وظيفيا في هذا المجال ، الا ان ابليس رأى هذه الخطوة وهذا الامر على اساس انه من اظلم الظلم على ذاته النارية !.يرى ابليس انه ليس هناك عدالة في طلب السجود من العنصر الناري الابليسي الى العنصر الطيني الانساني ، بسبب ان العدالة تقتضي العكس ان يسجد الطيني للناري باعتبار ان الناري خيّر والطيني شرير وهكذا المسألة ؟!.نعم كان يرى ابليس ان من العدل ان يطلب الامر الالهي السجود له فحسب ، أما ان يطلب منه هو الناري ان يسجد لادم الطيني فهذه كارثة باعتبار انها ضد مقاييس العدالة الابليسية التي تقتضي غير ذالك لذا رفض ابليس الحكم الصادر اليه من قبل الله سبحانه وتعالى باعتباره ظلم مطلق !.فكر بكيفية فهم هذا المخلوق لعدالة خالقه سبحانه وتعالى ؟.لو فرض ان ابليس يدرك ان كل امر يصدر له من الله سبحانه وتعالى خالق الكون برمته وبمافيه انما هو امر غاية في العدل والحكمة ، فهل كان ليرفض السجود للانسان الطيني هذا ؟.بالطبع لا ، لو كان ابليس يؤمن بالعدالة والحكمة الالهية او لو كان يدرك او يعرف ان الله عادل وحكيم ولا يأمر الا بالعدل الا بكل ماهو عدل وحكمة لما كان ليجرأ على مجرد التفكير بعصيان الامر الالهي ابدا ، بدلا من التفكير في (( هل النار اخير من الطين ام الطين اخير من النار ؟.))هذه هي مشكلة ابليس الثقافية ، بل هذه هي كارثية جهل المخلوق بخالقه المقدس عندما يعتقد بان هذا الخالق منحاز وظالم ولا حكمة في اوامره النازلة من الاعلى !.سادسا : لو فرض جدلا ان من حق العقيدة الابليسية ان تستقل برؤيتها الفكرية للاشياء العالمية ، وان من حقها عملية التقييم والحكم على منازل باقي الاشياء الكونية الاخرى ، فهل سوف تستقيم مع ذالك رؤية ابليس للانسان في :(( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ))؟.أم ستبقى المعادلة كما هي وسيبقى المرض الفكري والعوق الروحي لابليس على حاله ؟.هل يستقيم باي حال من الاحوال القياس العنصري لابليس في رؤيته الفكرية للعالم البشري ؟.أم انه هو هو قياس لايصلح تماما للعالم اللاهوتي الخلقي الرباني هذا ؟.ان مشكلة الرؤية الابليسية انها رؤية (( عنصرية )) اي انها تنظر للتمايز في عناصر الاشياء الخلقية ، ولاتنظر مطلقا للاشياء الخلقية على اساس وظائفها العملية السلوكية ، لذا جاء الحكم الابليسي مزدوج الخطيئة على كل حال !.بمعنى اكثر وضوحا : ان ابليس هذا غارق في غيبوبة عبادة العنصر الى درجة لاتجعله يلتفت مطلقا الى الاهداف السامية من وجود الخلقة العالمية برمتها ، لذا هو اول ما التفت فانه التفت الى اقرب الاشياء الى ذاته والصقها بوجوده الخلقي الفطري وليس الكسبي العملي كما طرحه بعض المخلوقات السامية في المعرفة والادراك والفهم لعملية الخلق !.نعم تسائل الملائكة حول الموجود المكّرم ادم الانسان بقولهم :(( اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ..)) ولكنهم لم يفكروا مطلقا بالسؤال عن افضلية عنصره الطيني او ان يخطئوا فيلصقوا جريمة السفك للدماء والفساد في الارض الى عنصره الطيني ذاك ، وانما كان جلّ سؤالهم يتمحور حول الوظيفة التي سوف يقوم بها هذا المخلوق وهل هو قادر على القيام بوظيفته الانسانية ام انه سيفشل في القيام بهذا الواجب ، ولذالك جاء تساؤلهم حول السلوك والعمل والوظيفة ولم يأت حول العنصر والقومية واللغة وباقي الاشياء التي ليس لها وظيفة عملية بقدر ماهي خلقة فطرية ، ومن هنا اختلفت كلا الرؤيتين الابليسية والملائكية :الاولى كانت لاتقيم الابليسية اقصد الانسان على اساس عمله بل على اساس خلقته !الثانية : كانت تقيم الانسان على اساس اتقانه لوظيفته في هذه الحياة !.وهذا هو الفرق بين من ينظر للانسان ويقيمه على اساس انه ليس فيه عيب او خطيئة الا كونه مخلوق طيني ، وبين من يذهب برؤيته الى ابعد من ذالك ليعطي للعمل وللاجتهاد وللوظيفة القيمة الحقيقية ليرى :(( قيمة كل امرء مايحسنه )) و (( ان اكرمكم عند الله اتقاكم )) باعتبار ان التقوى والعمل وجهان لعملة واحدة هي التي تشكل الخيرية الحقيقية ،(( ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا / قرءان كريم )) !.ان عالما يريد ان يخلقه الله سبحانه وتعالى لاتعني فيه عناصر الخلقة الا التساوى وما التفاضل الا في الاجتهاد والعمل ، وهذا القانون الكلي لم يفقهه هذا المخلوق المنفرد المسمى ابليس او هو لم يرد ان يفهمه على اي حال وهذا ما ادى به الى الهاوية !.صحيح : اتساءل هل كان ابليس ذكيا في رؤيته العنصرية تلك ام كان غبيا غافلا لذا هو عوقب على شيئ لم يكن ليدركه ؟.بمعنى : ان من العدالة الالهية التي نتحدث عنها ان لايعاقب ابليس على شيئ لم يكن ليدركه ، باعتبار ان الجهل بالشيئ وان لم يكن مبررا الا انه يصلح حجة لأن يرفع قليلا من المسؤولية عن كاهل المكلف ، وعليه هل كان ابليس مدركا للقوانين الالهية ولكنه مع ذالك تمرد عليها مع سابق اصرار وترصد ؟.ام انه غبي وجاهل وحقير وتعبان ...الخ ، الا ان جريمته هي ليس في عدم اطاعة الامر الالهي فحسب بل وكذالك في كونه انه لايعلم انه لايعلم ؟.سابعا : من الواضح ان جريمة ابليس المزدوجة امام المحكمة الالهية تبلورت في كلا النوعين ، نوع الجهل والغباء الشديد وعدم العلم بعدم العلم من جهة ، مضافا اليها عدم الطاعة والانقياد للامر الالهي من جانب اخر ايضا !.انها مشكلة مزدوجة حقا للتركيبة الفكرية والنفسية لابليس هذا ، فمن جهة الغباء الشديد ان ابليس نفسه يدين نفسه بنفسه في جريمة (( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) فمع ان ابليس يفهم تماما ان النار والطين هما مخلوقان من مخلوقات الله سبحانه وتعالى بدليل قوله (( خلقتني ... وخلقته )) فمع ذالك هو يلتفت الى الاشياء بظاهريتها ولا يلتفت الى الاشياء بجواهرها الحقيقية !.بصورة اخرى : ان ابليس لم يغفل مطلقا عن ان ذاته النارية وذات الانسان الطينية هما عنصران لايجب ان يكون بينهما اي تمايز باعتبار ان الخلقة الالهية خلقة جميلة على اي وجه وجدت لانها تمثل الجميل وصاحب الصنعة الراقية الله سبحانه وتعالى ، فمع ادراكه لهذه الحقيقة (( حقيقة ان الخلقة كلها من مصدر واحد هو الله في قوله : خلقتني .. وخلقته )) يريد ان يميز هو بشخصه خلقة على خلقة اخرى ... لماذا ؟.لا لشيئ الا لأن ابليس رأى شعاع النار الظاهري في قبالة قتامة الطين العنصرية فقال :(( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) وهذه هي مشكلة ابليس الفكرية ؟!.صعب جدا ان توصل حقيقة الى غبي لايريد ان يرى الا ظاهر الاشياء العالمية ، والاصعب منه عندما تحاول ايصال معلومة الى شخص لايعلم ولايعلم انه لايعلم ؟.لا .. ابليس ملتفت الى انه لاينبغي ان يكون هناك فرق بين خلقة واخرى من بين مخلوقات الله سبحانه ، ولكنه بنفس الوقت لايدرك حكمة ان تكون الخلقة متساوية النسبة ، وعندما لم يدرك ماهية الفلسفة من ان تكون جميع عناصر الخلقة متساوية النسبة ، غفل تماما عن ان القانون هو للعمل وللوظيفة وليس للعنصر وللخلقة كي يكون الناري اكثر خيرية من الطيني هذا ؟.نعم كان ولم يزل الانسان مكرما بسبب كونه الاقدر على القيام بوظيفة العبادة الالهية بشكل جيد ، ولو كان ابليس ملتفت الى هذه النقطة لاطاع الامر الالهي وبلا تردد او بتردد مقبول ، ولكنه ولسوء فكرته لم يدرك ولم يعلم ولم يفهم ... لذالك هو لم يستطع ان يطيع او يطبق الامر الالهي ، فمن لم يكن ذا فهم وعلم فلا عمل له ، والعلم يهتف بالعمل اجابه والا ارتحل ، ومن يعمل بلا علم فكأنه خابط عشواء يفسد اكثر مما يصلح ، ومن فقد العلم والفهم والشرع من الله كيف بامكانه ان يطيع اوامر الله سبحانه وتعالى وفضل الله العلماء على غيرهم لمعرفتهم بكيفية العمل في طاعة الله سبحانه فحسب ، فالعمل ثمرة العلم ، وابليس فقد المعرفة والادرام والعلم فلم يدرك كيف يطيع وكيف يرضي وكيف يكون خيرا :(( ومن يؤت الحكمة فقد اوتي خيرا كثيرا /قرءان كريم )) صدق الله العظيمثامنا :............للحديث بقية