فعل التحدي اسلاميا
يرى البعض ( توينبي ) ان قيام الحضارات الانسانية مرده الى - فعل التحدي - الذي يفرض (مبني للمجهول ) على الانسان من هنا او على الشعوب من هناك ، ففعل التحدي الطبيعي هو الذي فرض على الانسان في بداية التاريخ ان يقيم وينشئ الحضارات ، ثم ما تلبث ان تتبلور التحديات الانسانية لتحل محل فعل تحدي الطبيعة للانسان ، فيصبح الانسان - بمنافعه ومصالحه ونظراته واهدافه ....- تحديا للانسان الاخر ، وهكذا فكلما كان التحدي اعظم واكبر كلما كانت الحوافز وردود الفعل اسرع واعمق للمتلقي الاخر ، وربما كان التحدي ( مميتا ) فعندئذ تفقد عناصر المقاومة اخر انفاسها الحضارية لتسقط امام فعل التحدي ذاك ، وربما كان نوع التحدي أخف وطأة من عملية الدمار الشامل ، فحينذاك تكون المحفزات وردود الفعل لعملية ا لتحدي اكثر تطورا واعمق حركة من متحديها لتنتصر على هذا التحدي اخيرا ؟.
وعليه فهناك تحديات تمثلها الحضارة المعاصرة بفعل التحدي الخارجي كما ان هناك تحديات داخل اطار كل حضارة وتتمثل بالتحدي الداخلي ( تحديات بروليتاريا داخلية وتحديات بروليتاريا خارجية .... توينبي ).
وكذالك هناك من راى (الاطروحة الاسلامية) ان لفعل التحدي ذاك فلسفة اكثر عمقا بكثير، سواء كان تحديا طبيعيا يثير الانسان وينمي من قدراته النفسية والروحية والفكرية ، او كان تحديا انسانيا حضاريا يبلور من قدرات الانسان العقلية والفكرية السياسية والاقتصادية ....الخ .
والحقيقة ان لفعل التحدي في الرؤية الاسلامية مسارات فكرية اكثر عمقا من ذالك ايضا ، ليصل هذا العنوان - فعل التحدي - الى ناموس وقانون وسنة انسانية وتاريخية ونفسية ، يفرضها الخالق (الله) سبحانه من خلال سنن الطبيعة او السنن الانفسية والافاقية الاقتصادية او السياسية او الفكرية ...، على الانسان المنتمي لتكون له مثيرا ومحفزا للحركة من جهة ، ولتكون له طريقا - حسب المنظور الاسلامي - للاخرة او الحياة الابدية او مرضاة الله .....، وعليه كان عنوان فعل التحدي في الاسلام يأخذ ابعاد ( الابتلاء ) مرة باعتباره أحد مصاديق وعناوين فعل التحدي الطبيعي والانساني ، و( التمحيص ) اخرى و( الاتيان ).... وباقي العناوين الاخر التي تستخدمها المدرسة الاسلامية لطرح فكرة (فعل التحدي ) ومحاور فلسفته النفسية والاخلاقية والسياسية والاقتصادية ....الخ ؟.
ومن هنا كانت فكرة ( التدافع ) - ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض .. 251/ البقرة - فكرة تصب في اليات فعل التحدي المستمر على هذه الارض ، وذالك من منظور حضاري عام تتدافع من خلاله الحضارات الانسانية (فكريا ،سياسيا ، اقتصاديا ...)
وكذا فكرة ( التمحيص ) - وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين / 141/ آل عمران - فهي رؤية من هنا وهناك تنتهي لعملية فعل التحدي في المنظور الاسلامي باعتبار انها من سنن التاريخ الالهية - ماكان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب .../ 179/ آل عمران - فحتمية عمليتي التمحيص ( في العامل الاقتصادي او السياسي او الاجتماعي ...) والتمييز عملية مستمرة لتحريك انسان الحضارة الاسلامية وتنشيط قدراته النفسية والروحية ، ووضعها في اطار صورة الاستعداد النفسي لتحمل الصعاب في عملية فعل التحدي ذاك ؟.
وكذا يقال - ايضا - في مفردة ( البلاء ) - ولنبلونكم بشيئ من الخوف = تهديد حضاري / والجوع ونقص من الاموال = تحديات اقتصادية / والانفس والثمرات = حروب وتحديات دفاع / وبشر الصابرين . 155/ البقرة - وهكذا - أم حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا = باعتبار انها سنه تاريخية / من قبلكم مستهم البأساء والضرّاء وزلزلوا حتى يقول الرسول = لشدة التحدي / والذين امنوا معه متى نصر الله ألا ان نصر الله قريب . 214 / البقرة - وكذا (أحسب الناس ان يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون . 2/ العنكبوت- ....الخ .
الغرض هو الوصول لنتيجة ان (فعل التحدي ) باعتبار انه قانون وسنة من سنن التاريخ البشري والذي ساهم في انشاء الحضارات الانسانية وهو القادر على الهامها الحياة مدة اطول ، كذالك هو ( الرياضة ) الانسانية للاستعداد الروحي والنفسي في الرؤية الاسلامية .....، كل هذا جعل من مفهوم ( التحدي ) محرك ومحفز ومثير ... ضروري للحياة الانسانية ، ولذالك حولت الاطروحة الاسلامية مفاهيم ( البلاء والشدة والامتحان والفتنه والتمحيص .... وباقي عناوين التحريك المؤلم لحياة الانسان ) من كونها منغصات او آلام تعيق او تميت حركة الابداع الانساني ، الى كونها ( مبشرات ) كان المفروض على الانسان ان يتقبلها بذهنية منفتحة (انا نحبك ياألم../ نازك الملائكة ) وعقلية واعية لحركة وسنن وقوانين التاريخ الانساني ، ومن ثم ادراكه لحتمية عملية التحدي تلك :( اذا رأيت ربك يوالي عليك البلاء فاشكره واذا رايته يتابع عليك النعم فاحذره ، ان الله ليتعهد عبده المؤمن بانواع البلاء كما يتعهد أهل البيت سيدهم بطرف الطعام .../ رسول الله محمد ص ).
نعم هناك الوجه الاخر لعملية التحدي تلك والمتبلورة بعملية ( المحق والعقاب والتدمير .... الخ ) من المفاهيم الاسلامية ، والتي تعطي النتيجة المعكوسة لفعل التحدي عندما يكون التحدي (مميتا ) لحياة الحضارة الانسانية والتي استهلكت كل عناصر القوة في وجودها لتتحول الى مرحلة الموت الطبيعي بغزو حضاري او بتدمير طبيعي او بانهيار اقتصادي .... الخ من الصور التي يذكرها الطرح الاسلامي برؤيته المميزة ( ولكل امة أجل فاذا جاء اجلهم لايستأخرون ساعة ولايستقدمون . 34/ الاعراف )
ان اهم مايتميز به مصطلح (التحدي ) هو كونه الاقدر على تحريك المياه الانسانية الراكدة ، ودفعها للتدفق في شرايين اي امة تريد السقوط
والانهيار النهائي ، كما انه يكون المصطلح الاكثر فاعلية في التصور الاسلامي لتحريك الجمود الانساني ، النفسي والروحي والفكري والذي
يشكل عقبة في سبيل تطور هذا الانسان وتكامله للوصول الى هدف وجوده في هذه الحياة - اي - ان صورة التحدي المطروحة في اللوحة
الاسلامية كلما كانت صورة عميقة وتحمل مقومات التحدي الحقيقي ، كلما كان رد فعل التحدي ايجابيا على المستوى الانساني ، فمثلا يطرح
النموذج الاسلامي ( الموت - الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا - ) باخطاره ووضيفة التحدى التي يحملها هذا الفعل كصورة بامكانها ان تخلق نوعا من القوة التي تهز الانسان من الداخل الفطري لتوصله الى حقيقته الوجودية عندما تستغفله بعض المعاني المادية في هذه الحياة الانسانية وتشغله او تفصله عن مدار وضائفه وماينبغي ان يكون عليه في هذه الحياة ، عندئذ يطرح التصور الاسلامي فعل تحدي الموت ، كمثير ومحفز وجرس انذار ينبه هذه الغفلة الطبيعية لعالم الانسان - حتى اذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا انهم احيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن انجيتنا من هذه لنكونن من الشكرين - ان رجوع الانسان مخلصا الدين لله هي لوحة فنية مصاغة على مبدأ فعل التحدي المصور بتحدي ( العصف والموج وانقطاع سبل النجاة الطبيعية ...) الموت وكيفية قدرة هذا الفعل على ارجاع الانسان مباشرة الى البحث عن مصدر القوة المطلقة والحقيقية في التصور الاسلامي ، وكذا عندما تتعرض أمة لمفردات سقوط او ابادة او موت حضاري ، يكون محفز عامل التحدي قويا للرجوع والبحث عن مكامن القوة وتجديد البحث عن اساليب النجاة الحقيقية لهذه الامة وهذه الحضارة ، بالاضافة طبعا الى ان فعل التحدي يدفع كذالك الى الالتفات الى مكامن الفساد والخلل والتعفن .... الذي ساهمت في مرض الحضارة وقتل الامة تدريجيا ، والرجوع بعملية اصلاح شاملة وانقاذ مخلصة ان اريد تدارك سقوط الامة او الحضارة او الانسان :( فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الارض الا قليلا ممن انجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما اترفوا فيه وكانوا مجرمين ، وماكان ربك مهلك القرى بظلم واهلها مصلحون ./117/ هود - شيبتني هود : رسول الله محمد ص ).
....................
أنواع فعل التحدي.. عربيا :-
لاريب ان هناك اكثر من عنوان تحدي يحيط بالامم والحضارات المعاصرة ، ولكن وداخل اجندة هذه العناوين والصور المتعددة للتحديات المعاصرة لابد من الالتفات الى نوعين من التحديات الحضارية المعاصر :
النوع الاول : تحديات ومتطلبات تساعد على عملية استمرار الحضارة الانسانية لكل امة تضمن لها استمرارية التكامل والتطور الحضارية ، وذالك من خلال تجديد البرامج الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ... التي تهيئ ضخ روح الابداع والتجديد في عملية الاستمرار والحركة من جانب ، ورصد مكامن الفساد والتعفن والمرض والضعف - فكريا سياسيا اقتصاديا اجتماعيا - من جانب اخر لعملية ذالك التجديد والاصلاح الدائم ، باعتبار ان هذه المعالجات عنوان من عناوين التحدي القائم في عالم الانسان .
النوع الثاني : تحديات ومتطلبات تشكل محور انقاذ فورية لوجود الامة والحضارة ، باعتبار ان التحديات المطروحة على هذه الامة وتلك الحضارة ، هي من نوع التحديات المهددة لاساسيات او اركان الوجود الحضاري والاممي ، وليس هي تحديات تتحرك في البنى الفوقية من وجود هذه الامة وتلك الحضارة ؟.
وعليه كان هناك فرق واضح بين الاولويات في عملية معالجة فعل التحدي القائم بين ان يكون تحدي لعملية صراع تستهدف التطوير والتكامل وبين عملية تستهدف الدفاع والمحافظة على مقومات الوجود ؟.
ان الصورة العربية اليوم - ومع الاسف - تخضع لعملية تحدي من النوع الثاني ، والذي يبلور ملامح تحدياتها الموجهة ضد الوجود والصورة العربية ، بشكل عملية تحدي ( مميتة ) للوجود العربي ، والتي تستهدف تدمير المقومات الاساسية للوجود القومي العربي بكل ملامحه الحضارية وهوية امته الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية ......الخ ؟.
ومن هذا المنطلق يفرض نموذج التعامل مع فعل التحدي الحضاري القائم اليوم على الصورة العربية ان تستنفر كل طاقاتها الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والروحية ... لمعالجة هذا التحدي من خلال المحاور التالية :
الاول - محور عقيدة الصورة العربية .
الثاني - محور الاسس القومية للصورة العربية .
الثالث - محور الاستقلال السياسي .
الرابع- محور الدفاع والتحرير للاقتصاد العربي .
الخامس - محور الحماية والاصلاح الاجتماعي العربي .
السادس - محور الاعداد النفسي والروحي للفرد العربي .
ولاشك ان هذه المحاور هي الاسس التي تقوم على اركانها كل امة في هذه الحياة ، كما انها تعد وبجدارة المفردات المتكاملة لكل هوية قومية تبنى على مرتكزاتها نهضة اي حضارة ، او بناء فوقي يستهدف ازدهارها ونموها الطبيعي ، كما ان اي محور من هذه المحاور يشكل ركنا مهما لبناء الامة داخليا وخارجيا ، واي تهديد لاي محور من هذه المحاور على الامة ان تلتفت الى هذا التحدي والتهديد سواء كان تحدي وتهديد داخلي ، او تحدي وتهديد خارجي ، فضلا اذا ما تحول فعل التحدي الى استهداف مباشر لاركان واسس بناء الامة وارادة القضاء عليها ؟.
ان تناول كل المحاور القومية العربية المذكورة امر ضروري لاتضاح صورة التحدي القائم والكيفية التي يتحرك من خلالها التحدي الخارجي بصورة الاستعمار الجديد ، والتحدي الداخلي بصورة التعفن والفساد من جهة وبصورة ضرب التحدي الاستعماري الخارجي لمقومات الامة داخليا من جهة اخرى وهنا تكون عملية الاصلاح معقدة ومركبة وبحاجة الى جهد مضاعف ، باعتبار ان عوامل الفساد الداخلي لكل امة خطر كبير يجب تداركه بعملية اصلاح وانقاذ فورية ، فما بالك اذا اضيف لهذا الخطر المميت تحدي الاستعمار الخارجي ايضا وتعاضد الفساد الداخلي مع الخطر الخارجي على تهديم المقومات القومية لهذه الصورة العربية ؟.
ولكن وعلى اي حال سنتمكن من تناول محورين اساسيين كعملية او رؤية تحاول معالجة فعل التحدي القائم ضد الصورة العربية اليوم ، لنسلط الاضواء فقط على ماهية التحدي الذي يستهدف محور ( عقيدة الصورة العربية ) ومحور ( ألاسس القومية للصورة العربية ) ، ونترك ماتبقى من محاور للمخلصين من مفكرين وكتاب والذين يمتلكون حرارة المسؤولية تجاه وجود امتهم ووجود كرامتهم في هذه الحياة ؟.
.........................
تحديات عقيدة الصورة العربية :-
تشكل العقيدة الدينية او المعتقد الاسطوري المقدس لاي شعب من الشعوب الانسانية ( الوصلة ) او الاطار الذي يلملم مكونات ومقومات اي صورة قومية او هوية شعبية ، كما وتشكل العقيدة الدينية الاقنوم التي تنصهر وتتلاحم به جميع مكونات المجتمع القومية الاخلاقية والفكرية والروحية .... ، فالعقيدة الدينية هنا او الاسطورة المقدسة تمثل اكثر من معاقد لشبكة المجتمع القومية لاي امة تريد ان تستمر على هذه الارص فمعروف والحال هذه ، ان بعض الاسباب الجوهرية لانقراض شعوب وامم بدائية ، كانت تكمن في فقدان هذه الامم والشعوب لوصلة العامل المقدس في امتلاكها لمشروع ديني او عقيدة مقدسة تعطي الابعاد الاخلاقية والفكرية والجمالية والخيالية والروحية ... لهذا الشعب او تلك الامة ، كما انه معروف ايضا ان عامل العقيدة الدينية او المقدس الاسطوري مكون مهم من مكونات اي حضارة يراد لها ان تقوم بكامل اركانها في عالم الانسان ، فالتحضر لايطلق على الشعوب والامم مالم تحمل الحضارة كل المكونات الروحية والمادية ، وكما ان الفن ركن اصيل من قيام اي حضارة ، وكذا القوة العسكرية مفردة لعنوان اي حضارة ، فكذالك المقدس الديني الذي يمثل الشق الاول منه الابعاد الفنية لهذه الامة والابعاد المعنوية للقوة المادية ؟.
ومن هذا كانت الصورة العربية وحسب الاطر المذكورة ، أمة تمتلك اهم ركن من اركان الوجود الحضاري الانساني ، والمتمثل بالعقيدة الدينية الاسلامية ، والتي كانت ولم تزل وحسب التعبيرات القرانية الاسلامية ، الاطار الذي لملم الوجود العربي قبل ان ينفرط ويتمزق ويصبح في خبر كان ( واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها كذالك يبين لكم الله اياته لعلكم تهتدون . 103/ آل عمران ) ؟.
فهذا النص المقدس يلفت انظارنا الى اهمية العقيدة الدينية المقدسة في وجود واستمرار الامم على هذه الارض ، ليطرح امامنا الحقائق التالية وهو يخاطب الصورة العربية بصيغة مباشرة :
اولا : ان عقيدة هذه الصورة العربية (نعمة ) ومعروف ان النعم هي ماتتقوت به الامم لتستمر في الحياة وتقوى على العيش من الناحية المادية والروحية .
ثانيا : ان هذه العقيدة هي الاس والمنطلق والركن الاصيل لوصلة ( التآلف والمحبة والتراحم والتعاطف والود ..... الاجتماعي ) - فالف بين قلوبكم - والتي هي العناوين الممثلة لتماسك اي مجتمع حضاري يريد ان يستمر مجتمعا ومكونا لوحدة اجتماعية قائمة .
ثالثا : ان هذه العقيدة هي التي حولت وجودكم من وجود فوضوي متضارب ومتنافر ومتقاتل .. الى وجود متآخي متآزر متكاتف متعاضد ، اي ان هذه العقيدة هي التي ربطت بعضكم ببعض لتشكيل وحدة اجتماعية قوية وصلبة لقيام كيان الامة وشدّ مكوناتها القومية من الانفراط .
رابعا : اذكروا انه لولا وجود هذه العقيدة الدينية الاسلامية المقدسة - اذكروا نعمة الله ... وكنتم على شفا حفرة - لاصبحتم من الامم المبادة والمنقرضة فعليا من حياة الانسانية بفعل الحروب القبلية المشتعلة بينكم بسبب النفوذ والمصالح ، فاذكروا ان العقيدة عامل سلام اجتماعي ورفع لدوافع الحروب والابادة .
خامسا : ان هذه العقيدة الدينية الاسلامية المقدسة بالنسبة لصورتكم العربية بالخصوص (عجبا للعرب كيف لاتحملنا على رؤوسها والله عزوجل يقول في كتابه -وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها - فبرسول الله ص انقذوا .../ جعفر بن محمد الصادق ) والانسانية بالعموم ، عامل انقاذ ، وبرنامج اصلاح وبناء شاملة لولا وجوده لما كان لكم ذكر يذكر .... الخ ؟.
وهكذا ماتمثله العقيدة الدينية او الاسطورة المقدسة لحياة اي حضارة على هذه الارض ، فهي بالنسبة للحضارة والوجود الحضاري ، نعمة ووصلة حب وبرنامج تآخي وعملية انقاذ لكل حضارة بالاضافة الى انها كلمة سلام وحفظ لوحدة الامة وبنيانها القومي ؟.
ان العقيدة الاسلامية للصورة العربية وبهذه العناوين المهمة والوضائف المعقدة ، ان اريد لها ان تهدد او تدمر او تقتل او يتم اضعاف مفاعيلها الحضارية والانسانية .... فان كل ذالك يعني ضرب مباشر وتهديم كامل لكل المعاني الاجتماعية المذكورة كخطووة اولى ، ومن ثم تفتيت للوحدة الاجتماعية القومية وزرع لبذور الشقاق ورفع لعامل السلام والامن الاجتماعي ، ... الى اخر العناوين التي تكفي واحدة منها لتهديم اي وجود اجتماعي قومي يعتمد على ممونات الجانب العقيدي المقدس لديانة الامة ؟.
نعم ربما تكون الاديان والمقدسات المزيفة عوامل تهديم وخراب اجتماعي وتنافر انساني وحروب فئوية كما حصل في تاريخ اوربا الوسيط حيث كانت اديان الكنيسة وبكل ماتمثله من فساد لرجال الدين المسيسين اقليميا آن ذاك ، عامل تخلف حضاري لم تستفق منه اوربا الا عندما تخلصت من سيطرة اديان الظلمة تلك ، وانطلقت بثورة ( دينية ) تصحيحية ارجعت الكنيسة برجالها الى حيزهم الطبيعي ، ولكن مع ذالك لم تشأ اوربا ان تتخلص من عامل الدين والمقدس بصورة مطلقة لادراكها ان لاحضارة بلا معتقد ديني ، فكانت الليبرالية المسيحية احد اهم اركان الحضارة الاوربية الحديثة ، وبالمقابل اصبحت الاشتراكية الملحدة في خبر كان من التاريخ المعاصر ؟.
ولكن الامر مختلف تماما في الصورة العربية وعلاقتها بالمعتقدية الدينية الاسلامية وماتمثله هذه العقيدة بالنسبة للوجود العربي ، فبغض النظر عما ذكرناه من عناوين معتقدية للصورة العربية ، وبغض النظر عن ادراك العالم الاخر لمكامن قوة الصورة العربية المتمثله بجانبها الاسلامي العقدي الحضاري ، فان فعل التحدي القائم والمستهدف اليوم لفصل او قتل او اضعاف اطار العقيدة الاسلامية عن صورتها العربية ، يحاول ومن خلال هذه العملية تصفية الصورة العربية من معلمها الحضاري الاساس والمتبلور بالعقيدة الاسلامية وفصلها عن روح الصورة العربية - اي - ان العالم الاستعماري مدرك تماما لاهمية وضرورة ان يكون لكل مكون قومي حضاري بعد عقدي مقدس يلهم ذاك الوجود القومي قوة الحركة وقوة التلاحم الداخلي وقوة التطلع الخارجي وقوة الاستمرار في الحياة .... ، ولذالك يسعى جاهدا ذاك وهذا من قوى الهيمنه والاستعمار الغربي الحديثة ، الى زرع الفجوة بين الصورة العربية من جهة واتصالها المباشر باطارها العقدي المقدس فكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وروحيا ونفسيا ..... من جهة اخرى وذالك لضمان نزع فتيل الرؤية الحضارية الذي يوفرها المعتقد الديني المقدس لاي حضارة انسانية ؟.
الحقيقة ان من اهم مميزات العقائد الدينية المقدسة لكل حضارة انسانية ، بالاضافة لما ذكر ، ان المعتقدية تلهم وتعطي المكون القومي بعده الحضاري الانساني ، والذي يوفر لصورة اي امه بعدها الانساني الكوني الذي يمتد خارج الحدود القومية لاي مكون اجتماعي ، بالاضافة طبعا لمنعكسات هذا التطلع الحضاري في حركة الامة وتنشيط عوامل تفكيرها والتي تتساوق مع التطلع الذي يلهمه المعتقد الديني - اي - بما ان الامة تحمل مقدس كوني فلابد من التفكير بقوة مادية تضمن الوصول الى اهداف المقدس الكوني ذاك ؟.
كل هذه المداخل والمخارج لعقيدة الصورة العربية كانت ولم تزل تحت مجهر الاخر الحضاري ، والذي سعى جاهدا لقتل او فصل او على اقل تقدير اضعاف الممون الحضاري الاسلامي ان يتصل او يلملم او يدفع الصورة العربية لشغل حيزها الحضاري الطبيعي في عالم الانسان ، ولذالك كان لاي حركة تحاول استثمار قوة المعتقدية الاسلامية الحضارية ودمجها بالصورة العربية ، الضرب من قبل الاخر الحضاري ؟.
نعم ادرك العالم الغربي القوة الحضارية للمعتقدية الاسلامية وخاصة للصورة العربية باعتبارها الصورة الاقرب روحيا وسلوكيا وفنيا ومكونا قوميا ... لهذه المعتقدية المقدسة ، فهو لذالك يسعى جاهدا وبكل الوسائل وبكل ما آوتي من قوة حضارية ... لضرب معتقدية الصورة العربية ان تشغل موقعها في هذه الصورة فكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ؟.
ان المعتقدية المقدسة الاساس كما انها راس الهرم لكل مقوم قومي يتطلع للحياة على مستوى الرؤية الانسانية والكونية التي يوفرها المقدس والاسطوري ، وما فعل التحدي القائم اليوم ضد معتقد الصورة العربية الا تحد وجود لهذه الصورة العربية ، كما انه التحد الذي ربما يكون تحديا مميتا للصورة العربية ، وربما يكون تحدي حياة لهذه الامة بعد استشعارها لقوة فعل التحدي ، وهذا هو الاقرب للواقع ؟.
.................................
تحديات الاسس القومية للصورة العربية :-
قد ذكرنا في فصول سابقة ، ان مكونات الصورة العربية القومية ، هي مكونات ترتقي الى الضرورة بالنسبة للاطروحة الاسلامية كوجود لهذه المعتقدية المقدسة ، وأشرنا ايضا الى ان الصورة العربية بمكوناتها القومية هي ايضا ضرورة معرفية بالنسبة للمعالم الفكرية والعلمية والنفسية والروحية ... للاطروحة الاسلامية ، كما اشرنا من بعيد الى ان الصورة العربية هي الروح التراثية والتاريخية والجغرافية والنوعية .... المقدسة للاطار الاسلامي العام ، فتاريخ العرب تاريخ الاسلام وتراثه تراث الاسلام وجغرافيته مقدس الاسلام (الكعبة المشرفة ) وانسانه مصطفى الاسلام ( محمد رسول الله ص ) وروحه ولغته وشعوره العربية روح ولغة وشعور الاسلام بصورة خاصة ؟.
والحق كنا نناقش هذه المحاور بصورة معرفية ربما تفضي لمحاور سياسية ، ولم نكن ننطلق من محاور سياسية لتنتهي عند محاور معرفية ، ومن هنا كان طرحنا ايضا لموضوعة (فعل التحدي ) باعتباره محورا معرفيا فكريا ، يكون من هنا وهناك مصداقه الفعل السياسي مرة او الاقتصادي او الفكري او الاجتماعي مرة اخرى ؟.
اي ان فعل التحدي المفروض على الصورة العربية في العصر الحديث يقوى بهذا الجانب ويضعف من ذاك الجانب لعدة عوامل ومبررات ، ولكنه وعلى اي حال فعل قائم اليوم على وفي وضد مجمل الصورة العربية الحضارية ، فكان للمعتقدية الاسلامية باعتبارها مقوم حضاري مهم للصورة العربية ، نصيبها من فعل التحدي الملاحق لكل قواها الحضارية لاضعافها او قتلها او فصلها .. عن الصورة العربية ، كما ان للمقوم الفكري او السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي او النفسي والروحي .... للصورة العربية ايضا النصيب حسب الاهمية لعملية التحدي وان كان الكل من هذه المقومات اهمية خاصة جدا ؟.
الحقيقة ان التحديات المطروحة اليوم ضد الاسس القومية للصورة العربية ، تحديات متنوعة ابتداء من التحديات التي فرضها الاستعمار الغربي على العالم العربي في العصر الحديث وتمزيقه الى قبائل مشتته ، والى جغرافيات كارتونية هزيلة ، حتى وصولنا الى التحديات الفكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والنفسية والروحية المتنوعة والمعقدة حقا ؟.
فعلى المستوى الوحدوي كان للاستعمار الغربي اليد القذرة لتمزيق الوحدة الجغرافية للعالم العربي ( باعتبار انه مدرك تماما ان الواقع والجغرافية والانسان العربي كان ولم يزل المنطلق لاي مشروع اسلامي ينفتح على العالم من جديد ان كانت وحدته القومية قائمة ومصانة)
، والذي عمق تدريجيا من تمزيق الوحدة الفكرية والنفسية والسياسية والاقتصادية ....... للانسان العربي بصورة عامة ، كما انه وعلى المستوى السياسي ساهم الفعل المخطط للعالم الاستعماري الغربي المعاصر بتعميق حالة الانقسام السياسي العربي من خلال نفوذه الواضح على اجزاء متفرقة من العالم العربي ، وكذا يقال بالجانب الفكري وابتلاء العالم والانسان العربي بما يسمى بالمثقفين والمفكرين و .... المنسحقين والفاقدي لاي ذوق حضاري عربي ، والمنخرطين بشعور او لاشعور بمؤامرة تدمير الصورة والتراث والتاريخ ...... العربي لصالح النفوذ والحضارة الغربية الاستعمارية ، وما تتمتع به حسب مايروجه الكادر الثقافي المستعرب و المسحوق فكريا والمنبهر نفسيا بممونات الحضارة الغربية الحديثة ، من صورة مشوهة فكريا للوجود والصورة العربية ، اما مايتعلق بالجانب الاقتصادي فمعروف مايمثله الاقتصاد العربي من قوة عالمية دفعت وتدفع اللصوصية الغربية لفعل المستحيل في سبيل الاستيلاء على هذه الموارد الاقتصادية العربية ، فضلا عن عدم اتصال الاقتصاد العربي بعضه ببعض وتكامله ومن ثم وحدته الطبيعية ، فان كل ذالك يشكل كابوس حقيقي للحضارة والعالم الغربي وناقوس خطر يجب القضاء على كل ما ينمي من فكرة الاتحاد والتكامل الاقتصادي العربي حسب المنظور الغربي ؟.
وبعد هذه المحاور هناك محاور اجتماعية عربية ونفسية .... الخ ، من المحاور التي يلاحقها فعل التحدي ، والتي يحاول بقدر المستطاع تهشيم بنيتها القومية من هنا وهناك ؟.
نعم يوجد فعل تحدي قائم يستهدف الاسس القومية اليوم للصورة العربية ، بهدف اضعاف بنية واسس هي تمثل بشكل او بأخر ، بنية عالم متكامل خلقته المعتقدية الاسلامية من ثم لعالم اسلامي روحي ممتد ؟.
ان اهمية الاسس القومية للصورة العربية تكمن في كونها أسس قامت عليه مكونات حضارة اسلامية كاملة ، كما ان هناك تمازج لايقبل الفصل بين المكون الحضاري المعتقدي والمكون القومي العربي شكل وبجدارة مكون أمة اسلامية ، تتهاوى وتسقط حتما ان اريد لاسس ومقومات المكون العربي فيها ان يسقط او يضعف قوميا ، والعكس صحيح ايضا عندما يراد للصورة العربية ان تتخلى عن معلمها الحضاري الديني ، فان سقوط وضعف المكون العربي شيئ اكيد ، وهذا بعكس طبعا ما لو اريد لاي مكونات قومية اخرى غير العربية ان تهمش او تكّون مقوما قوميا رديفا للمقوم العربي فان روح الاسلام ومنطلق ومرتكز قيمومته سوف لن تتأثر بهذا الفعل الكبير لقومية اي امة من الامم الانسانية ، وذالكم باعتبار ما يمثله وكما ذكرنا المكون العربي لروح الاسلام بصورة عامة ؟.
اذا ينبغي والمفروض وما يجب على عالم اسلامي ممتد الاطراف ان يدرك حقيقة ان فعل التحدي القائم اليوم ضد الاسس القومية للصورة العربية من هنا وهناك تحدي وتهديد حقيقي لوجوده الحضاري الروحي والمعتقدي الذي وفره الاسلام لهذا العالم الاسلامي ، وبناه على اسس الصورة العربية كاقنوم ونافذة وبوابة قومية أطل منها الاسلام العظيم على العالم الانساني العريض ليهبه تالق الروح والفكر الانساني والامتداد الحضاري وصلة السماء بالارض ؟.
ان القومية - حقيقة- كالدين ربما تتعرض لسرقة سياسية من هنا او هناك للمتاجرة بشعاراتها او بوجودها الفطري ، ولكنها وفي الواقع القومي العربي تمثل البعد الفطري لامة والمعرفي والوجودي لمقدس اسلامي ، والدفاع عن مثل هذا الوجود وحمايته من تحديات العالم المتوحش ربما يرقى الى حماية لعالم انساني بكامله ؟.
يرى البعض ( توينبي ) ان قيام الحضارات الانسانية مرده الى - فعل التحدي - الذي يفرض (مبني للمجهول ) على الانسان من هنا او على الشعوب من هناك ، ففعل التحدي الطبيعي هو الذي فرض على الانسان في بداية التاريخ ان يقيم وينشئ الحضارات ، ثم ما تلبث ان تتبلور التحديات الانسانية لتحل محل فعل تحدي الطبيعة للانسان ، فيصبح الانسان - بمنافعه ومصالحه ونظراته واهدافه ....- تحديا للانسان الاخر ، وهكذا فكلما كان التحدي اعظم واكبر كلما كانت الحوافز وردود الفعل اسرع واعمق للمتلقي الاخر ، وربما كان التحدي ( مميتا ) فعندئذ تفقد عناصر المقاومة اخر انفاسها الحضارية لتسقط امام فعل التحدي ذاك ، وربما كان نوع التحدي أخف وطأة من عملية الدمار الشامل ، فحينذاك تكون المحفزات وردود الفعل لعملية ا لتحدي اكثر تطورا واعمق حركة من متحديها لتنتصر على هذا التحدي اخيرا ؟.
وعليه فهناك تحديات تمثلها الحضارة المعاصرة بفعل التحدي الخارجي كما ان هناك تحديات داخل اطار كل حضارة وتتمثل بالتحدي الداخلي ( تحديات بروليتاريا داخلية وتحديات بروليتاريا خارجية .... توينبي ).
وكذالك هناك من راى (الاطروحة الاسلامية) ان لفعل التحدي ذاك فلسفة اكثر عمقا بكثير، سواء كان تحديا طبيعيا يثير الانسان وينمي من قدراته النفسية والروحية والفكرية ، او كان تحديا انسانيا حضاريا يبلور من قدرات الانسان العقلية والفكرية السياسية والاقتصادية ....الخ .
والحقيقة ان لفعل التحدي في الرؤية الاسلامية مسارات فكرية اكثر عمقا من ذالك ايضا ، ليصل هذا العنوان - فعل التحدي - الى ناموس وقانون وسنة انسانية وتاريخية ونفسية ، يفرضها الخالق (الله) سبحانه من خلال سنن الطبيعة او السنن الانفسية والافاقية الاقتصادية او السياسية او الفكرية ...، على الانسان المنتمي لتكون له مثيرا ومحفزا للحركة من جهة ، ولتكون له طريقا - حسب المنظور الاسلامي - للاخرة او الحياة الابدية او مرضاة الله .....، وعليه كان عنوان فعل التحدي في الاسلام يأخذ ابعاد ( الابتلاء ) مرة باعتباره أحد مصاديق وعناوين فعل التحدي الطبيعي والانساني ، و( التمحيص ) اخرى و( الاتيان ).... وباقي العناوين الاخر التي تستخدمها المدرسة الاسلامية لطرح فكرة (فعل التحدي ) ومحاور فلسفته النفسية والاخلاقية والسياسية والاقتصادية ....الخ ؟.
ومن هنا كانت فكرة ( التدافع ) - ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض .. 251/ البقرة - فكرة تصب في اليات فعل التحدي المستمر على هذه الارض ، وذالك من منظور حضاري عام تتدافع من خلاله الحضارات الانسانية (فكريا ،سياسيا ، اقتصاديا ...)
وكذا فكرة ( التمحيص ) - وليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين / 141/ آل عمران - فهي رؤية من هنا وهناك تنتهي لعملية فعل التحدي في المنظور الاسلامي باعتبار انها من سنن التاريخ الالهية - ماكان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب .../ 179/ آل عمران - فحتمية عمليتي التمحيص ( في العامل الاقتصادي او السياسي او الاجتماعي ...) والتمييز عملية مستمرة لتحريك انسان الحضارة الاسلامية وتنشيط قدراته النفسية والروحية ، ووضعها في اطار صورة الاستعداد النفسي لتحمل الصعاب في عملية فعل التحدي ذاك ؟.
وكذا يقال - ايضا - في مفردة ( البلاء ) - ولنبلونكم بشيئ من الخوف = تهديد حضاري / والجوع ونقص من الاموال = تحديات اقتصادية / والانفس والثمرات = حروب وتحديات دفاع / وبشر الصابرين . 155/ البقرة - وهكذا - أم حسبتم ان تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا = باعتبار انها سنه تاريخية / من قبلكم مستهم البأساء والضرّاء وزلزلوا حتى يقول الرسول = لشدة التحدي / والذين امنوا معه متى نصر الله ألا ان نصر الله قريب . 214 / البقرة - وكذا (أحسب الناس ان يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لايفتنون . 2/ العنكبوت- ....الخ .
الغرض هو الوصول لنتيجة ان (فعل التحدي ) باعتبار انه قانون وسنة من سنن التاريخ البشري والذي ساهم في انشاء الحضارات الانسانية وهو القادر على الهامها الحياة مدة اطول ، كذالك هو ( الرياضة ) الانسانية للاستعداد الروحي والنفسي في الرؤية الاسلامية .....، كل هذا جعل من مفهوم ( التحدي ) محرك ومحفز ومثير ... ضروري للحياة الانسانية ، ولذالك حولت الاطروحة الاسلامية مفاهيم ( البلاء والشدة والامتحان والفتنه والتمحيص .... وباقي عناوين التحريك المؤلم لحياة الانسان ) من كونها منغصات او آلام تعيق او تميت حركة الابداع الانساني ، الى كونها ( مبشرات ) كان المفروض على الانسان ان يتقبلها بذهنية منفتحة (انا نحبك ياألم../ نازك الملائكة ) وعقلية واعية لحركة وسنن وقوانين التاريخ الانساني ، ومن ثم ادراكه لحتمية عملية التحدي تلك :( اذا رأيت ربك يوالي عليك البلاء فاشكره واذا رايته يتابع عليك النعم فاحذره ، ان الله ليتعهد عبده المؤمن بانواع البلاء كما يتعهد أهل البيت سيدهم بطرف الطعام .../ رسول الله محمد ص ).
نعم هناك الوجه الاخر لعملية التحدي تلك والمتبلورة بعملية ( المحق والعقاب والتدمير .... الخ ) من المفاهيم الاسلامية ، والتي تعطي النتيجة المعكوسة لفعل التحدي عندما يكون التحدي (مميتا ) لحياة الحضارة الانسانية والتي استهلكت كل عناصر القوة في وجودها لتتحول الى مرحلة الموت الطبيعي بغزو حضاري او بتدمير طبيعي او بانهيار اقتصادي .... الخ من الصور التي يذكرها الطرح الاسلامي برؤيته المميزة ( ولكل امة أجل فاذا جاء اجلهم لايستأخرون ساعة ولايستقدمون . 34/ الاعراف )
ان اهم مايتميز به مصطلح (التحدي ) هو كونه الاقدر على تحريك المياه الانسانية الراكدة ، ودفعها للتدفق في شرايين اي امة تريد السقوط
والانهيار النهائي ، كما انه يكون المصطلح الاكثر فاعلية في التصور الاسلامي لتحريك الجمود الانساني ، النفسي والروحي والفكري والذي
يشكل عقبة في سبيل تطور هذا الانسان وتكامله للوصول الى هدف وجوده في هذه الحياة - اي - ان صورة التحدي المطروحة في اللوحة
الاسلامية كلما كانت صورة عميقة وتحمل مقومات التحدي الحقيقي ، كلما كان رد فعل التحدي ايجابيا على المستوى الانساني ، فمثلا يطرح
النموذج الاسلامي ( الموت - الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم ايكم احسن عملا - ) باخطاره ووضيفة التحدى التي يحملها هذا الفعل كصورة بامكانها ان تخلق نوعا من القوة التي تهز الانسان من الداخل الفطري لتوصله الى حقيقته الوجودية عندما تستغفله بعض المعاني المادية في هذه الحياة الانسانية وتشغله او تفصله عن مدار وضائفه وماينبغي ان يكون عليه في هذه الحياة ، عندئذ يطرح التصور الاسلامي فعل تحدي الموت ، كمثير ومحفز وجرس انذار ينبه هذه الغفلة الطبيعية لعالم الانسان - حتى اذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا انهم احيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن انجيتنا من هذه لنكونن من الشكرين - ان رجوع الانسان مخلصا الدين لله هي لوحة فنية مصاغة على مبدأ فعل التحدي المصور بتحدي ( العصف والموج وانقطاع سبل النجاة الطبيعية ...) الموت وكيفية قدرة هذا الفعل على ارجاع الانسان مباشرة الى البحث عن مصدر القوة المطلقة والحقيقية في التصور الاسلامي ، وكذا عندما تتعرض أمة لمفردات سقوط او ابادة او موت حضاري ، يكون محفز عامل التحدي قويا للرجوع والبحث عن مكامن القوة وتجديد البحث عن اساليب النجاة الحقيقية لهذه الامة وهذه الحضارة ، بالاضافة طبعا الى ان فعل التحدي يدفع كذالك الى الالتفات الى مكامن الفساد والخلل والتعفن .... الذي ساهمت في مرض الحضارة وقتل الامة تدريجيا ، والرجوع بعملية اصلاح شاملة وانقاذ مخلصة ان اريد تدارك سقوط الامة او الحضارة او الانسان :( فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الارض الا قليلا ممن انجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما اترفوا فيه وكانوا مجرمين ، وماكان ربك مهلك القرى بظلم واهلها مصلحون ./117/ هود - شيبتني هود : رسول الله محمد ص ).
....................
أنواع فعل التحدي.. عربيا :-
لاريب ان هناك اكثر من عنوان تحدي يحيط بالامم والحضارات المعاصرة ، ولكن وداخل اجندة هذه العناوين والصور المتعددة للتحديات المعاصرة لابد من الالتفات الى نوعين من التحديات الحضارية المعاصر :
النوع الاول : تحديات ومتطلبات تساعد على عملية استمرار الحضارة الانسانية لكل امة تضمن لها استمرارية التكامل والتطور الحضارية ، وذالك من خلال تجديد البرامج الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ... التي تهيئ ضخ روح الابداع والتجديد في عملية الاستمرار والحركة من جانب ، ورصد مكامن الفساد والتعفن والمرض والضعف - فكريا سياسيا اقتصاديا اجتماعيا - من جانب اخر لعملية ذالك التجديد والاصلاح الدائم ، باعتبار ان هذه المعالجات عنوان من عناوين التحدي القائم في عالم الانسان .
النوع الثاني : تحديات ومتطلبات تشكل محور انقاذ فورية لوجود الامة والحضارة ، باعتبار ان التحديات المطروحة على هذه الامة وتلك الحضارة ، هي من نوع التحديات المهددة لاساسيات او اركان الوجود الحضاري والاممي ، وليس هي تحديات تتحرك في البنى الفوقية من وجود هذه الامة وتلك الحضارة ؟.
وعليه كان هناك فرق واضح بين الاولويات في عملية معالجة فعل التحدي القائم بين ان يكون تحدي لعملية صراع تستهدف التطوير والتكامل وبين عملية تستهدف الدفاع والمحافظة على مقومات الوجود ؟.
ان الصورة العربية اليوم - ومع الاسف - تخضع لعملية تحدي من النوع الثاني ، والذي يبلور ملامح تحدياتها الموجهة ضد الوجود والصورة العربية ، بشكل عملية تحدي ( مميتة ) للوجود العربي ، والتي تستهدف تدمير المقومات الاساسية للوجود القومي العربي بكل ملامحه الحضارية وهوية امته الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية ......الخ ؟.
ومن هذا المنطلق يفرض نموذج التعامل مع فعل التحدي الحضاري القائم اليوم على الصورة العربية ان تستنفر كل طاقاتها الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والروحية ... لمعالجة هذا التحدي من خلال المحاور التالية :
الاول - محور عقيدة الصورة العربية .
الثاني - محور الاسس القومية للصورة العربية .
الثالث - محور الاستقلال السياسي .
الرابع- محور الدفاع والتحرير للاقتصاد العربي .
الخامس - محور الحماية والاصلاح الاجتماعي العربي .
السادس - محور الاعداد النفسي والروحي للفرد العربي .
ولاشك ان هذه المحاور هي الاسس التي تقوم على اركانها كل امة في هذه الحياة ، كما انها تعد وبجدارة المفردات المتكاملة لكل هوية قومية تبنى على مرتكزاتها نهضة اي حضارة ، او بناء فوقي يستهدف ازدهارها ونموها الطبيعي ، كما ان اي محور من هذه المحاور يشكل ركنا مهما لبناء الامة داخليا وخارجيا ، واي تهديد لاي محور من هذه المحاور على الامة ان تلتفت الى هذا التحدي والتهديد سواء كان تحدي وتهديد داخلي ، او تحدي وتهديد خارجي ، فضلا اذا ما تحول فعل التحدي الى استهداف مباشر لاركان واسس بناء الامة وارادة القضاء عليها ؟.
ان تناول كل المحاور القومية العربية المذكورة امر ضروري لاتضاح صورة التحدي القائم والكيفية التي يتحرك من خلالها التحدي الخارجي بصورة الاستعمار الجديد ، والتحدي الداخلي بصورة التعفن والفساد من جهة وبصورة ضرب التحدي الاستعماري الخارجي لمقومات الامة داخليا من جهة اخرى وهنا تكون عملية الاصلاح معقدة ومركبة وبحاجة الى جهد مضاعف ، باعتبار ان عوامل الفساد الداخلي لكل امة خطر كبير يجب تداركه بعملية اصلاح وانقاذ فورية ، فما بالك اذا اضيف لهذا الخطر المميت تحدي الاستعمار الخارجي ايضا وتعاضد الفساد الداخلي مع الخطر الخارجي على تهديم المقومات القومية لهذه الصورة العربية ؟.
ولكن وعلى اي حال سنتمكن من تناول محورين اساسيين كعملية او رؤية تحاول معالجة فعل التحدي القائم ضد الصورة العربية اليوم ، لنسلط الاضواء فقط على ماهية التحدي الذي يستهدف محور ( عقيدة الصورة العربية ) ومحور ( ألاسس القومية للصورة العربية ) ، ونترك ماتبقى من محاور للمخلصين من مفكرين وكتاب والذين يمتلكون حرارة المسؤولية تجاه وجود امتهم ووجود كرامتهم في هذه الحياة ؟.
.........................
تحديات عقيدة الصورة العربية :-
تشكل العقيدة الدينية او المعتقد الاسطوري المقدس لاي شعب من الشعوب الانسانية ( الوصلة ) او الاطار الذي يلملم مكونات ومقومات اي صورة قومية او هوية شعبية ، كما وتشكل العقيدة الدينية الاقنوم التي تنصهر وتتلاحم به جميع مكونات المجتمع القومية الاخلاقية والفكرية والروحية .... ، فالعقيدة الدينية هنا او الاسطورة المقدسة تمثل اكثر من معاقد لشبكة المجتمع القومية لاي امة تريد ان تستمر على هذه الارص فمعروف والحال هذه ، ان بعض الاسباب الجوهرية لانقراض شعوب وامم بدائية ، كانت تكمن في فقدان هذه الامم والشعوب لوصلة العامل المقدس في امتلاكها لمشروع ديني او عقيدة مقدسة تعطي الابعاد الاخلاقية والفكرية والجمالية والخيالية والروحية ... لهذا الشعب او تلك الامة ، كما انه معروف ايضا ان عامل العقيدة الدينية او المقدس الاسطوري مكون مهم من مكونات اي حضارة يراد لها ان تقوم بكامل اركانها في عالم الانسان ، فالتحضر لايطلق على الشعوب والامم مالم تحمل الحضارة كل المكونات الروحية والمادية ، وكما ان الفن ركن اصيل من قيام اي حضارة ، وكذا القوة العسكرية مفردة لعنوان اي حضارة ، فكذالك المقدس الديني الذي يمثل الشق الاول منه الابعاد الفنية لهذه الامة والابعاد المعنوية للقوة المادية ؟.
ومن هذا كانت الصورة العربية وحسب الاطر المذكورة ، أمة تمتلك اهم ركن من اركان الوجود الحضاري الانساني ، والمتمثل بالعقيدة الدينية الاسلامية ، والتي كانت ولم تزل وحسب التعبيرات القرانية الاسلامية ، الاطار الذي لملم الوجود العربي قبل ان ينفرط ويتمزق ويصبح في خبر كان ( واذكروا نعمة الله عليكم اذ كنتم اعداء فالف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته اخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فانقذكم منها كذالك يبين لكم الله اياته لعلكم تهتدون . 103/ آل عمران ) ؟.
فهذا النص المقدس يلفت انظارنا الى اهمية العقيدة الدينية المقدسة في وجود واستمرار الامم على هذه الارض ، ليطرح امامنا الحقائق التالية وهو يخاطب الصورة العربية بصيغة مباشرة :
اولا : ان عقيدة هذه الصورة العربية (نعمة ) ومعروف ان النعم هي ماتتقوت به الامم لتستمر في الحياة وتقوى على العيش من الناحية المادية والروحية .
ثانيا : ان هذه العقيدة هي الاس والمنطلق والركن الاصيل لوصلة ( التآلف والمحبة والتراحم والتعاطف والود ..... الاجتماعي ) - فالف بين قلوبكم - والتي هي العناوين الممثلة لتماسك اي مجتمع حضاري يريد ان يستمر مجتمعا ومكونا لوحدة اجتماعية قائمة .
ثالثا : ان هذه العقيدة هي التي حولت وجودكم من وجود فوضوي متضارب ومتنافر ومتقاتل .. الى وجود متآخي متآزر متكاتف متعاضد ، اي ان هذه العقيدة هي التي ربطت بعضكم ببعض لتشكيل وحدة اجتماعية قوية وصلبة لقيام كيان الامة وشدّ مكوناتها القومية من الانفراط .
رابعا : اذكروا انه لولا وجود هذه العقيدة الدينية الاسلامية المقدسة - اذكروا نعمة الله ... وكنتم على شفا حفرة - لاصبحتم من الامم المبادة والمنقرضة فعليا من حياة الانسانية بفعل الحروب القبلية المشتعلة بينكم بسبب النفوذ والمصالح ، فاذكروا ان العقيدة عامل سلام اجتماعي ورفع لدوافع الحروب والابادة .
خامسا : ان هذه العقيدة الدينية الاسلامية المقدسة بالنسبة لصورتكم العربية بالخصوص (عجبا للعرب كيف لاتحملنا على رؤوسها والله عزوجل يقول في كتابه -وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها - فبرسول الله ص انقذوا .../ جعفر بن محمد الصادق ) والانسانية بالعموم ، عامل انقاذ ، وبرنامج اصلاح وبناء شاملة لولا وجوده لما كان لكم ذكر يذكر .... الخ ؟.
وهكذا ماتمثله العقيدة الدينية او الاسطورة المقدسة لحياة اي حضارة على هذه الارض ، فهي بالنسبة للحضارة والوجود الحضاري ، نعمة ووصلة حب وبرنامج تآخي وعملية انقاذ لكل حضارة بالاضافة الى انها كلمة سلام وحفظ لوحدة الامة وبنيانها القومي ؟.
ان العقيدة الاسلامية للصورة العربية وبهذه العناوين المهمة والوضائف المعقدة ، ان اريد لها ان تهدد او تدمر او تقتل او يتم اضعاف مفاعيلها الحضارية والانسانية .... فان كل ذالك يعني ضرب مباشر وتهديم كامل لكل المعاني الاجتماعية المذكورة كخطووة اولى ، ومن ثم تفتيت للوحدة الاجتماعية القومية وزرع لبذور الشقاق ورفع لعامل السلام والامن الاجتماعي ، ... الى اخر العناوين التي تكفي واحدة منها لتهديم اي وجود اجتماعي قومي يعتمد على ممونات الجانب العقيدي المقدس لديانة الامة ؟.
نعم ربما تكون الاديان والمقدسات المزيفة عوامل تهديم وخراب اجتماعي وتنافر انساني وحروب فئوية كما حصل في تاريخ اوربا الوسيط حيث كانت اديان الكنيسة وبكل ماتمثله من فساد لرجال الدين المسيسين اقليميا آن ذاك ، عامل تخلف حضاري لم تستفق منه اوربا الا عندما تخلصت من سيطرة اديان الظلمة تلك ، وانطلقت بثورة ( دينية ) تصحيحية ارجعت الكنيسة برجالها الى حيزهم الطبيعي ، ولكن مع ذالك لم تشأ اوربا ان تتخلص من عامل الدين والمقدس بصورة مطلقة لادراكها ان لاحضارة بلا معتقد ديني ، فكانت الليبرالية المسيحية احد اهم اركان الحضارة الاوربية الحديثة ، وبالمقابل اصبحت الاشتراكية الملحدة في خبر كان من التاريخ المعاصر ؟.
ولكن الامر مختلف تماما في الصورة العربية وعلاقتها بالمعتقدية الدينية الاسلامية وماتمثله هذه العقيدة بالنسبة للوجود العربي ، فبغض النظر عما ذكرناه من عناوين معتقدية للصورة العربية ، وبغض النظر عن ادراك العالم الاخر لمكامن قوة الصورة العربية المتمثله بجانبها الاسلامي العقدي الحضاري ، فان فعل التحدي القائم والمستهدف اليوم لفصل او قتل او اضعاف اطار العقيدة الاسلامية عن صورتها العربية ، يحاول ومن خلال هذه العملية تصفية الصورة العربية من معلمها الحضاري الاساس والمتبلور بالعقيدة الاسلامية وفصلها عن روح الصورة العربية - اي - ان العالم الاستعماري مدرك تماما لاهمية وضرورة ان يكون لكل مكون قومي حضاري بعد عقدي مقدس يلهم ذاك الوجود القومي قوة الحركة وقوة التلاحم الداخلي وقوة التطلع الخارجي وقوة الاستمرار في الحياة .... ، ولذالك يسعى جاهدا ذاك وهذا من قوى الهيمنه والاستعمار الغربي الحديثة ، الى زرع الفجوة بين الصورة العربية من جهة واتصالها المباشر باطارها العقدي المقدس فكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وروحيا ونفسيا ..... من جهة اخرى وذالك لضمان نزع فتيل الرؤية الحضارية الذي يوفرها المعتقد الديني المقدس لاي حضارة انسانية ؟.
الحقيقة ان من اهم مميزات العقائد الدينية المقدسة لكل حضارة انسانية ، بالاضافة لما ذكر ، ان المعتقدية تلهم وتعطي المكون القومي بعده الحضاري الانساني ، والذي يوفر لصورة اي امه بعدها الانساني الكوني الذي يمتد خارج الحدود القومية لاي مكون اجتماعي ، بالاضافة طبعا لمنعكسات هذا التطلع الحضاري في حركة الامة وتنشيط عوامل تفكيرها والتي تتساوق مع التطلع الذي يلهمه المعتقد الديني - اي - بما ان الامة تحمل مقدس كوني فلابد من التفكير بقوة مادية تضمن الوصول الى اهداف المقدس الكوني ذاك ؟.
كل هذه المداخل والمخارج لعقيدة الصورة العربية كانت ولم تزل تحت مجهر الاخر الحضاري ، والذي سعى جاهدا لقتل او فصل او على اقل تقدير اضعاف الممون الحضاري الاسلامي ان يتصل او يلملم او يدفع الصورة العربية لشغل حيزها الحضاري الطبيعي في عالم الانسان ، ولذالك كان لاي حركة تحاول استثمار قوة المعتقدية الاسلامية الحضارية ودمجها بالصورة العربية ، الضرب من قبل الاخر الحضاري ؟.
نعم ادرك العالم الغربي القوة الحضارية للمعتقدية الاسلامية وخاصة للصورة العربية باعتبارها الصورة الاقرب روحيا وسلوكيا وفنيا ومكونا قوميا ... لهذه المعتقدية المقدسة ، فهو لذالك يسعى جاهدا وبكل الوسائل وبكل ما آوتي من قوة حضارية ... لضرب معتقدية الصورة العربية ان تشغل موقعها في هذه الصورة فكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا ؟.
ان المعتقدية المقدسة الاساس كما انها راس الهرم لكل مقوم قومي يتطلع للحياة على مستوى الرؤية الانسانية والكونية التي يوفرها المقدس والاسطوري ، وما فعل التحدي القائم اليوم ضد معتقد الصورة العربية الا تحد وجود لهذه الصورة العربية ، كما انه التحد الذي ربما يكون تحديا مميتا للصورة العربية ، وربما يكون تحدي حياة لهذه الامة بعد استشعارها لقوة فعل التحدي ، وهذا هو الاقرب للواقع ؟.
.................................
تحديات الاسس القومية للصورة العربية :-
قد ذكرنا في فصول سابقة ، ان مكونات الصورة العربية القومية ، هي مكونات ترتقي الى الضرورة بالنسبة للاطروحة الاسلامية كوجود لهذه المعتقدية المقدسة ، وأشرنا ايضا الى ان الصورة العربية بمكوناتها القومية هي ايضا ضرورة معرفية بالنسبة للمعالم الفكرية والعلمية والنفسية والروحية ... للاطروحة الاسلامية ، كما اشرنا من بعيد الى ان الصورة العربية هي الروح التراثية والتاريخية والجغرافية والنوعية .... المقدسة للاطار الاسلامي العام ، فتاريخ العرب تاريخ الاسلام وتراثه تراث الاسلام وجغرافيته مقدس الاسلام (الكعبة المشرفة ) وانسانه مصطفى الاسلام ( محمد رسول الله ص ) وروحه ولغته وشعوره العربية روح ولغة وشعور الاسلام بصورة خاصة ؟.
والحق كنا نناقش هذه المحاور بصورة معرفية ربما تفضي لمحاور سياسية ، ولم نكن ننطلق من محاور سياسية لتنتهي عند محاور معرفية ، ومن هنا كان طرحنا ايضا لموضوعة (فعل التحدي ) باعتباره محورا معرفيا فكريا ، يكون من هنا وهناك مصداقه الفعل السياسي مرة او الاقتصادي او الفكري او الاجتماعي مرة اخرى ؟.
اي ان فعل التحدي المفروض على الصورة العربية في العصر الحديث يقوى بهذا الجانب ويضعف من ذاك الجانب لعدة عوامل ومبررات ، ولكنه وعلى اي حال فعل قائم اليوم على وفي وضد مجمل الصورة العربية الحضارية ، فكان للمعتقدية الاسلامية باعتبارها مقوم حضاري مهم للصورة العربية ، نصيبها من فعل التحدي الملاحق لكل قواها الحضارية لاضعافها او قتلها او فصلها .. عن الصورة العربية ، كما ان للمقوم الفكري او السياسي او الاقتصادي او الاجتماعي او النفسي والروحي .... للصورة العربية ايضا النصيب حسب الاهمية لعملية التحدي وان كان الكل من هذه المقومات اهمية خاصة جدا ؟.
الحقيقة ان التحديات المطروحة اليوم ضد الاسس القومية للصورة العربية ، تحديات متنوعة ابتداء من التحديات التي فرضها الاستعمار الغربي على العالم العربي في العصر الحديث وتمزيقه الى قبائل مشتته ، والى جغرافيات كارتونية هزيلة ، حتى وصولنا الى التحديات الفكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية والنفسية والروحية المتنوعة والمعقدة حقا ؟.
فعلى المستوى الوحدوي كان للاستعمار الغربي اليد القذرة لتمزيق الوحدة الجغرافية للعالم العربي ( باعتبار انه مدرك تماما ان الواقع والجغرافية والانسان العربي كان ولم يزل المنطلق لاي مشروع اسلامي ينفتح على العالم من جديد ان كانت وحدته القومية قائمة ومصانة)
، والذي عمق تدريجيا من تمزيق الوحدة الفكرية والنفسية والسياسية والاقتصادية ....... للانسان العربي بصورة عامة ، كما انه وعلى المستوى السياسي ساهم الفعل المخطط للعالم الاستعماري الغربي المعاصر بتعميق حالة الانقسام السياسي العربي من خلال نفوذه الواضح على اجزاء متفرقة من العالم العربي ، وكذا يقال بالجانب الفكري وابتلاء العالم والانسان العربي بما يسمى بالمثقفين والمفكرين و .... المنسحقين والفاقدي لاي ذوق حضاري عربي ، والمنخرطين بشعور او لاشعور بمؤامرة تدمير الصورة والتراث والتاريخ ...... العربي لصالح النفوذ والحضارة الغربية الاستعمارية ، وما تتمتع به حسب مايروجه الكادر الثقافي المستعرب و المسحوق فكريا والمنبهر نفسيا بممونات الحضارة الغربية الحديثة ، من صورة مشوهة فكريا للوجود والصورة العربية ، اما مايتعلق بالجانب الاقتصادي فمعروف مايمثله الاقتصاد العربي من قوة عالمية دفعت وتدفع اللصوصية الغربية لفعل المستحيل في سبيل الاستيلاء على هذه الموارد الاقتصادية العربية ، فضلا عن عدم اتصال الاقتصاد العربي بعضه ببعض وتكامله ومن ثم وحدته الطبيعية ، فان كل ذالك يشكل كابوس حقيقي للحضارة والعالم الغربي وناقوس خطر يجب القضاء على كل ما ينمي من فكرة الاتحاد والتكامل الاقتصادي العربي حسب المنظور الغربي ؟.
وبعد هذه المحاور هناك محاور اجتماعية عربية ونفسية .... الخ ، من المحاور التي يلاحقها فعل التحدي ، والتي يحاول بقدر المستطاع تهشيم بنيتها القومية من هنا وهناك ؟.
نعم يوجد فعل تحدي قائم يستهدف الاسس القومية اليوم للصورة العربية ، بهدف اضعاف بنية واسس هي تمثل بشكل او بأخر ، بنية عالم متكامل خلقته المعتقدية الاسلامية من ثم لعالم اسلامي روحي ممتد ؟.
ان اهمية الاسس القومية للصورة العربية تكمن في كونها أسس قامت عليه مكونات حضارة اسلامية كاملة ، كما ان هناك تمازج لايقبل الفصل بين المكون الحضاري المعتقدي والمكون القومي العربي شكل وبجدارة مكون أمة اسلامية ، تتهاوى وتسقط حتما ان اريد لاسس ومقومات المكون العربي فيها ان يسقط او يضعف قوميا ، والعكس صحيح ايضا عندما يراد للصورة العربية ان تتخلى عن معلمها الحضاري الديني ، فان سقوط وضعف المكون العربي شيئ اكيد ، وهذا بعكس طبعا ما لو اريد لاي مكونات قومية اخرى غير العربية ان تهمش او تكّون مقوما قوميا رديفا للمقوم العربي فان روح الاسلام ومنطلق ومرتكز قيمومته سوف لن تتأثر بهذا الفعل الكبير لقومية اي امة من الامم الانسانية ، وذالكم باعتبار ما يمثله وكما ذكرنا المكون العربي لروح الاسلام بصورة عامة ؟.
اذا ينبغي والمفروض وما يجب على عالم اسلامي ممتد الاطراف ان يدرك حقيقة ان فعل التحدي القائم اليوم ضد الاسس القومية للصورة العربية من هنا وهناك تحدي وتهديد حقيقي لوجوده الحضاري الروحي والمعتقدي الذي وفره الاسلام لهذا العالم الاسلامي ، وبناه على اسس الصورة العربية كاقنوم ونافذة وبوابة قومية أطل منها الاسلام العظيم على العالم الانساني العريض ليهبه تالق الروح والفكر الانساني والامتداد الحضاري وصلة السماء بالارض ؟.
ان القومية - حقيقة- كالدين ربما تتعرض لسرقة سياسية من هنا او هناك للمتاجرة بشعاراتها او بوجودها الفطري ، ولكنها وفي الواقع القومي العربي تمثل البعد الفطري لامة والمعرفي والوجودي لمقدس اسلامي ، والدفاع عن مثل هذا الوجود وحمايته من تحديات العالم المتوحش ربما يرقى الى حماية لعالم انساني بكامله ؟.