(( قال قائل منهم لاتقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجبّ يلتقطه بعض السيّارة ان كنتم فاعلين )) *********** هذا هو الرأي الثالث في مؤتمر ابناء يعقوب لأغتيال او نفي يوسف الصديق ع في قصته بعد ان كان الراي الاول والثاني يشيران الى :(( أقتلوا يوسف او اطرحوه ارضا يخلّ ُ لكم وجه ابيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين )) وهو الرأي الذي مثل وبالفعل الاقل قسوة والاكثر رحمة من باقي الاراء الاخرى في مؤتمر اخوة يوسف ، وقد اختلف ايضا في اسمية وماهية القائل له ، فمن المفسرين من ذهب الى انه اكبر ابناء يعقوب يهوذا ، ومنهم من قال روبيل ابن خالة يوسف ، ومنهم من قال شمعون ، واخر قال انه لاوي
، وعلى اي حال يبدوا ان هناك اشارة او قرينه في النص القرءاني تعضد قول من قال انه اكبر ابناء يعقوب ، وهذه القرينة وان لم يلتفت لها المفسرون او يذكروها للتدليل على رايهم ، الا انها ظاهرة عند التأمل وموجودة وهي ظاهرة (( النهي والامر )) في الخطاب القرءاني المذكور ، ففي قوله سبحانه :(( قال قائل منهم لاتقتلوا يوسف والقوه في غيابت الجبّ يلتقطه بعض السيارة )) ثلاث اشارات لطيفة تدلل على ان القائل هو الاخ الاكبر وهي :اولا :(( قال قائل منهم )) ففي هذا النص نوع من الاشارة ان صاحب هذا الرأي كان مميزا بالقول او المقول المسموع عند الجميع من اخوته ، فوصفه بصاحب قول يشير وان كان من بعيد الى ان هذا القائل مسموع لقوله او هو كثير القول في امرهم لهذا جاءت الصياغة (( قال قائل منهم )) للاشارة انه صاحب قول مسموع في احيان كثيرة .ثانيا : ((لاتقتلوا يوسف )) وهي اشارة ثانية ان صاحب هذا الخطاب يملك النهي كما يملك الامر كذالك ، ومن يجمع بين النهي (( لاتقتلوا )) والامر (( والقوه في غيابت الجبّ )) لاريب انه المقدم في اخوته ولايكون مقدما في عالم البداوة والعصبة الا الاخ الاكبر بعد الاب ، وهذا الراي الثالث بخلاف الرايين الاوليين الذي ذكر فيهما صيغتا الامر فحسب (( اقتلوا يوسف او اطرحوه ارضا )) ففيهما نوع من أمر الشورى البدائية ، أما الراي الثالث الذي جاء بالنهي اولا :(( لاتقتلوا يوسف )) وبالأمر ثانيا :(( والقوه في غيابت الجبّ )) ففيه نوع السلطة المهيمنة على الامر والنهي برمته ولهذا قلنا ان صاحب الرأي الثالث هو المرجعية الاخيرة لأبناء يعقوب بدليل حيازته على الامر والنهي من جهة ، وعلى ان الاكبر سنا هو المتقدم عرفا في قوانين واعراف البادية التي كانت تسكن فيها عائلة يعقوب الكبيرة !.ثالثا : ان سكوت ابناء يعقوب وامضاء العمل بما اشار به صاحب الراي الثالث بلا ادنى تحفظ من قبل ابناء يعقوب الاخرين وان كان مختلفا مع الرايين المتقدمين ، يشير من هنا وهناك ان الرأي النهائي كان لصاحب هذا المقترح بشأن يوسف ، فالنص القرءاني بعد هذا الراي ينتقل بلا تعقيب يذكر الى صورة أخوة يوسف وهم يقومون بمضمون هذا الراي ليدلل انه الرأي الذي توافق عليه جميع ابناء يعقوب بلا معارض ، مما يعني ان صاحب الرأي الثالث :(( لاتقتلوا يوسف والقوه في غيابت الجبّ يلتقطه بعض السيارة )) كان عليه وعلى رأيه ومقوله نوع من الاجماع على انه صاحب السلطة الفعلية في عصبة ابناء يعقوب وانه اكبرهم ومرجعهم في الامر !.كما انه وزيادة على الاشارات الثلاث هذه فأن مضمون المقول في النص القرءاني ونسبته الى قائل منهم ايضا فيه نوع من الاشارة الى ان صاحب الرأي الثالث كان صاحب مسؤولية اكثر بكثير من اخوته الباقين المندفعين الى ايصال الاذى ليوسف فحسب ، فمنهم من قال بالقتل المباشر ، ومنهم من قال بالقتل غير المباشر ليخلُ وجه الاب تماما ، أما ما ذكره صاحب الرأي الثالث ففيه الكثير من الدلالة على تسرب روح الرحمة الضعيفة القريبة من الابوية الى الخطة ليدلل هذا الرأي على التالي :اولا : انه رأي مختلف عما طرح سابقا في الصيغة وفي المضمون ، فبينما كان الرأي الاول (( اقتلوا يوسف )) عدوانيا همجيا مئة بالمئة ، وكان الثاني (( او اطرحوه ارضا يخلّ لكم وجه ابيكم )) عدوانيا متعقلنا مع ذكر الغاية العملية من القيام بالجريمة وهو خلُ وجه الاب للابناء ، جاء الرأي الثالث مقدما النهي على الامر (( لاتقتلوا يوسف )) للتدليل على ان فكر القائل يذهب للمنع قبل الامر في صياغة الجريمة او هو يفكر بالنهي عن المنكر قبل الامر به وهذا جيد على اي حال !.ثانيا : ذكر هذا الرأي الغاية من طرح فكرة (( والقوه في غيابت الجبّ )) بدلا من ذكر الغاية من القيام بالجريمة كما ذكر في الرأي الثاني ، مما يشير الى ان صاحب الرأي الثالث اقترح (( والقوه في غيابت الجبّ )) ليس بسبب الوصول الى غاية (( يخلّ لكم وجه ابيكم )) كما هي في الراي الثاني ، وانما لغاية :(( يلتقطه بعض السيارة )) !.بمعنى آخر : ان ماشغل فكر الرأي الثاني في حياكة الجريمة كان مفكرا وبشكل اساسي في غاية وكيفية خلُ وجه الاب فحسب ، حتى وان كان على وسيلة طرح يوسف بصحراء يكون فيها الموت محققا بالنتيجة ، بينما كانت الغاية من طرح الاخ الاكبر في (( والقوه في غيابت الجبّ )) لم تكن ليخلُ وجه الاب للابناء الكبار ، وانما ليلتقطه بعض السيارة ، فكان تفكير طارح الاقتراح مفكرا في انقاذ يوسف اولا من الموت ، او الاحتفاظ بحياته على الاقل ، وان كان على يد سيّارة اناس سائرين يلتقطونه ليحتفظوا به وليوفروا له اسباب الحياة فيما بعد !.والفرق هنا واضح بين تفكير يتجه بالكلية للتخلص من يوسف وباي ثمن ، وبين تفكير يوافق على المشروع بخطوطه العامة (( يخلُ لكم وجه ابيكم )) ولكن ليس على حساب حياة هذا الطفل البريئ المسمى يوسف !.وعليه حتى وان كان الاخ الاكبر ليوسف موافق على الغاية الكبرى ، الا انه كان يرى وجود حل وسط يرضي جميع الاطراف وبلا عنف زائد يوفر من جهة تغييب يوسف ، ومن جهة اخرى يحافظ على حياته !.ثالثا : في الرأي الثالث لمصير يوسف لمسة ربما عاطفية او ربما فكرية ارادها صاحب الرأي الثالث بخفاء لعله يغيب عن اذهان الباقين من ابناء يعقوب لمقولته :(( والقوه في غيابت الجبّ ..)) ففي الرأي الاول قتل وموت محقق ليوسف ، وفي الرأي الثاني طرح في ارض مجهولة الذاهب فيها بلا عودة ، اما : لماذا انتخب صاحب الرأي الثالث (( الجبّ)) بالتحديد ليكون مستقرا مؤقتا لتغييب يوسف الى بعيد ؟.فهو بالاضافة لموضوعة السيّارة لاريب لوجود سبب الحياة في جبّ مقطوع في وسط الصحراء !.فالماء احد اسباب الحياة الضرورية والانية لاي انسان يحاول البقاء مدّة اطول في هذه الحياة ، والراي الثاني ملتفت الى قطع اسباب الحياة عن يوسف في طرحه ارضا في صحراء لاوجود لماء في عروقها اليابسة ، اما على راي صاحب الجبّ فانه كان ملتفتا اولا لحياة الفتى الصغير ومفكرا فيها بعناية ، ولهذا هو اعرض عن فكرة طرح يوسف في صحراء قاحلة كما نهى عن قتل يوسف على الاطلاق ، فلم يبقى امامه الا توفير اسباب الحياة ليوسف اطول فترة زمنية ممكنة من خلال وجود ماء في الجبّ ، بالاضافة الى يقينه بمرور سيّارة من الناس تتكفل بالعثور على يوسف بالجبّ ومن ثم التقاطه وتوفير اسباب العيش معهم على اي محمل !.رابعا : نعم هذه الرحمة الضعيفة التي تمّيز بها اخو يوسف الكبير لاترفع عنه وزر مشاركته بالجريمة البشعة التي حاكها ضده ابناء يعقوب واخوته ، ولعل في نص :(( ان كنتم فاعلين )) نوع اشارة يدلل على ان الاخ الاكبر لابناء يعقوب وصاحب رأي :(( لاتقتلوا يوسف والقوه في غيابت الجبّ )) كان مغلوبا على أمره ايضا من قبل باقي الاخوة ليوسف ، بدليل اشارة :(( ان كنتم فاعلين )) ونسبة الفعل لهم بالكلّية وتخليص نفسه هو من بينهم ، فهو لم يقل :(( ان كنّا فاعلين )) ليشرك نفسه معهم ، ولكن اتى بالفعل هذا ونسبه لهم ليشير انه ليس من ضمنهم الفاعل لهذه المؤامرة الحقيرة ، ومن هنا قلنا ان الاخ الاكبريبدو انه حاول على قدر مستطاعه على مايظهر من النص : اولا ايقاف ونفي والنهي عن فكرة القتل نهائيا ، وثانيا ممالئة الاخوة على غايتهم في تغييب يوسف ولكن ليس بالطريقة الثانية التي تفضي لجريمة قتل متعمدة بطرحه بارض مهلكة ، وثالثا اشار الى الجبّ ليوفر اسباب الحياة ليوسف اولا وقبل كل شيئ مع توفير الجب ايضا لمرور السيّارة المخلصين ليوسف !.وكل هذا يعتبر قرائن توظف لصالح نية الاخ الاكبر ورفضه الغير معلن للمشاركة بفعل الجريمة ، ولكنّ مع ذالك تبقى مسؤولية المشاركة ولو بالصمت عن اظهار الحقيقة للاب يعقوب ، او الوقوف بقوة وتضحية ضد الجريمة !.صحيح : وكما يقال الاخ الاكبر الاب الثاني للعائلة ، ومهما يكن من بعده وقسوته ولكن موقعه يفرض عليه دائما الشعور بانه الخطوة التالية لابوة العائلة بعد الاب الاكبر فيها عندما يغادر الحياة ، ولهذا فليس من الغريب ان نلمس الرحمة في هذه الجريمة من اكبر ابناء يعقوب وهو يطرح رأيا على كل مافيه من قسوة هو مع ذالك يحمل رحمة ابقاء الحياة ليوسف !.خامسا : بالطبع وكما قلنا ان بعد هذا المقترح الذي في ظاهره رحمة وفي باطنه عذاب ليوسف ، ستتحول حياة يوسف على يد هذا المقترح من الحياة كحرّ مع نبي من انبياء الله العظام وسيد وابن سيد في قومه الى لقيط مجهول النسب !.هل يدرك الانسان ماذا يعني ان يعيش الانسان لقيطا ؟.الاحرار الكرام يدركون ماذا يعني ان يعيش الانسان لقيطا مجهول النسب ويعامل على اساس الشي التافه او العبد الحقير الذي لايملك نسبا ولا اصلا ولا مقاما كريما !.نعم الاحرار وحدهم يفهمون بعمق حالة يوسف الصديق ع ويشعرون بآلامه الحقيقية عندما يتصور ان الكريم ابن الكريم ابن الكريم اصبح لقيطا تتقاذفه الايدي ليباع ويشترى بثمن بخس !.كل هذا كان ثمن اجتباء الله سبحانه ليوسف ع !.وكل هذا قام به الاخوة تحت ضغط الرغبة بالسلطة ودفع الشيطان لهم ؟!.كل هذا كان ألما يفهمه الاب يعقوب بحرارة ، وفهمه فيما بعد يوسف بألم عندما بقي لعشرات السنين يعيش في هذه الدنيا بهوية عبد لقيط حتى تحريره بالسجن من قيود العالم الظالم !.الخلاصة : قال قائل من اخوة يوسف وابناء يعقوب واكبرهم سنا لاتقتلوا يوسف واتركوا فكرة القتل نهائيا ، ولاتطرحوه ارضا جرداء تتسبب بقتله ، ولكن ان كنتم مصرّين على القيام بالمؤامرة والسير بها الى النهاية ، فالقوه في البئر المعروف على طريق السيّارة ليلتقطوه ويأخذوه كلقطة تباع وتشترى في ارض بعيدة ، وبهذا يكون الغرض حاصلا من تغييبكم ليوسف واستفرادكم بالاب وحده لتتوجه لكم الامور كيفما شئتم ؟.وهكذا اتفق الابناء على المؤامرة !.
al_shaker@maktoob.com
، وعلى اي حال يبدوا ان هناك اشارة او قرينه في النص القرءاني تعضد قول من قال انه اكبر ابناء يعقوب ، وهذه القرينة وان لم يلتفت لها المفسرون او يذكروها للتدليل على رايهم ، الا انها ظاهرة عند التأمل وموجودة وهي ظاهرة (( النهي والامر )) في الخطاب القرءاني المذكور ، ففي قوله سبحانه :(( قال قائل منهم لاتقتلوا يوسف والقوه في غيابت الجبّ يلتقطه بعض السيارة )) ثلاث اشارات لطيفة تدلل على ان القائل هو الاخ الاكبر وهي :اولا :(( قال قائل منهم )) ففي هذا النص نوع من الاشارة ان صاحب هذا الرأي كان مميزا بالقول او المقول المسموع عند الجميع من اخوته ، فوصفه بصاحب قول يشير وان كان من بعيد الى ان هذا القائل مسموع لقوله او هو كثير القول في امرهم لهذا جاءت الصياغة (( قال قائل منهم )) للاشارة انه صاحب قول مسموع في احيان كثيرة .ثانيا : ((لاتقتلوا يوسف )) وهي اشارة ثانية ان صاحب هذا الخطاب يملك النهي كما يملك الامر كذالك ، ومن يجمع بين النهي (( لاتقتلوا )) والامر (( والقوه في غيابت الجبّ )) لاريب انه المقدم في اخوته ولايكون مقدما في عالم البداوة والعصبة الا الاخ الاكبر بعد الاب ، وهذا الراي الثالث بخلاف الرايين الاوليين الذي ذكر فيهما صيغتا الامر فحسب (( اقتلوا يوسف او اطرحوه ارضا )) ففيهما نوع من أمر الشورى البدائية ، أما الراي الثالث الذي جاء بالنهي اولا :(( لاتقتلوا يوسف )) وبالأمر ثانيا :(( والقوه في غيابت الجبّ )) ففيه نوع السلطة المهيمنة على الامر والنهي برمته ولهذا قلنا ان صاحب الرأي الثالث هو المرجعية الاخيرة لأبناء يعقوب بدليل حيازته على الامر والنهي من جهة ، وعلى ان الاكبر سنا هو المتقدم عرفا في قوانين واعراف البادية التي كانت تسكن فيها عائلة يعقوب الكبيرة !.ثالثا : ان سكوت ابناء يعقوب وامضاء العمل بما اشار به صاحب الراي الثالث بلا ادنى تحفظ من قبل ابناء يعقوب الاخرين وان كان مختلفا مع الرايين المتقدمين ، يشير من هنا وهناك ان الرأي النهائي كان لصاحب هذا المقترح بشأن يوسف ، فالنص القرءاني بعد هذا الراي ينتقل بلا تعقيب يذكر الى صورة أخوة يوسف وهم يقومون بمضمون هذا الراي ليدلل انه الرأي الذي توافق عليه جميع ابناء يعقوب بلا معارض ، مما يعني ان صاحب الرأي الثالث :(( لاتقتلوا يوسف والقوه في غيابت الجبّ يلتقطه بعض السيارة )) كان عليه وعلى رأيه ومقوله نوع من الاجماع على انه صاحب السلطة الفعلية في عصبة ابناء يعقوب وانه اكبرهم ومرجعهم في الامر !.كما انه وزيادة على الاشارات الثلاث هذه فأن مضمون المقول في النص القرءاني ونسبته الى قائل منهم ايضا فيه نوع من الاشارة الى ان صاحب الرأي الثالث كان صاحب مسؤولية اكثر بكثير من اخوته الباقين المندفعين الى ايصال الاذى ليوسف فحسب ، فمنهم من قال بالقتل المباشر ، ومنهم من قال بالقتل غير المباشر ليخلُ وجه الاب تماما ، أما ما ذكره صاحب الرأي الثالث ففيه الكثير من الدلالة على تسرب روح الرحمة الضعيفة القريبة من الابوية الى الخطة ليدلل هذا الرأي على التالي :اولا : انه رأي مختلف عما طرح سابقا في الصيغة وفي المضمون ، فبينما كان الرأي الاول (( اقتلوا يوسف )) عدوانيا همجيا مئة بالمئة ، وكان الثاني (( او اطرحوه ارضا يخلّ لكم وجه ابيكم )) عدوانيا متعقلنا مع ذكر الغاية العملية من القيام بالجريمة وهو خلُ وجه الاب للابناء ، جاء الرأي الثالث مقدما النهي على الامر (( لاتقتلوا يوسف )) للتدليل على ان فكر القائل يذهب للمنع قبل الامر في صياغة الجريمة او هو يفكر بالنهي عن المنكر قبل الامر به وهذا جيد على اي حال !.ثانيا : ذكر هذا الرأي الغاية من طرح فكرة (( والقوه في غيابت الجبّ )) بدلا من ذكر الغاية من القيام بالجريمة كما ذكر في الرأي الثاني ، مما يشير الى ان صاحب الرأي الثالث اقترح (( والقوه في غيابت الجبّ )) ليس بسبب الوصول الى غاية (( يخلّ لكم وجه ابيكم )) كما هي في الراي الثاني ، وانما لغاية :(( يلتقطه بعض السيارة )) !.بمعنى آخر : ان ماشغل فكر الرأي الثاني في حياكة الجريمة كان مفكرا وبشكل اساسي في غاية وكيفية خلُ وجه الاب فحسب ، حتى وان كان على وسيلة طرح يوسف بصحراء يكون فيها الموت محققا بالنتيجة ، بينما كانت الغاية من طرح الاخ الاكبر في (( والقوه في غيابت الجبّ )) لم تكن ليخلُ وجه الاب للابناء الكبار ، وانما ليلتقطه بعض السيارة ، فكان تفكير طارح الاقتراح مفكرا في انقاذ يوسف اولا من الموت ، او الاحتفاظ بحياته على الاقل ، وان كان على يد سيّارة اناس سائرين يلتقطونه ليحتفظوا به وليوفروا له اسباب الحياة فيما بعد !.والفرق هنا واضح بين تفكير يتجه بالكلية للتخلص من يوسف وباي ثمن ، وبين تفكير يوافق على المشروع بخطوطه العامة (( يخلُ لكم وجه ابيكم )) ولكن ليس على حساب حياة هذا الطفل البريئ المسمى يوسف !.وعليه حتى وان كان الاخ الاكبر ليوسف موافق على الغاية الكبرى ، الا انه كان يرى وجود حل وسط يرضي جميع الاطراف وبلا عنف زائد يوفر من جهة تغييب يوسف ، ومن جهة اخرى يحافظ على حياته !.ثالثا : في الرأي الثالث لمصير يوسف لمسة ربما عاطفية او ربما فكرية ارادها صاحب الرأي الثالث بخفاء لعله يغيب عن اذهان الباقين من ابناء يعقوب لمقولته :(( والقوه في غيابت الجبّ ..)) ففي الرأي الاول قتل وموت محقق ليوسف ، وفي الرأي الثاني طرح في ارض مجهولة الذاهب فيها بلا عودة ، اما : لماذا انتخب صاحب الرأي الثالث (( الجبّ)) بالتحديد ليكون مستقرا مؤقتا لتغييب يوسف الى بعيد ؟.فهو بالاضافة لموضوعة السيّارة لاريب لوجود سبب الحياة في جبّ مقطوع في وسط الصحراء !.فالماء احد اسباب الحياة الضرورية والانية لاي انسان يحاول البقاء مدّة اطول في هذه الحياة ، والراي الثاني ملتفت الى قطع اسباب الحياة عن يوسف في طرحه ارضا في صحراء لاوجود لماء في عروقها اليابسة ، اما على راي صاحب الجبّ فانه كان ملتفتا اولا لحياة الفتى الصغير ومفكرا فيها بعناية ، ولهذا هو اعرض عن فكرة طرح يوسف في صحراء قاحلة كما نهى عن قتل يوسف على الاطلاق ، فلم يبقى امامه الا توفير اسباب الحياة ليوسف اطول فترة زمنية ممكنة من خلال وجود ماء في الجبّ ، بالاضافة الى يقينه بمرور سيّارة من الناس تتكفل بالعثور على يوسف بالجبّ ومن ثم التقاطه وتوفير اسباب العيش معهم على اي محمل !.رابعا : نعم هذه الرحمة الضعيفة التي تمّيز بها اخو يوسف الكبير لاترفع عنه وزر مشاركته بالجريمة البشعة التي حاكها ضده ابناء يعقوب واخوته ، ولعل في نص :(( ان كنتم فاعلين )) نوع اشارة يدلل على ان الاخ الاكبر لابناء يعقوب وصاحب رأي :(( لاتقتلوا يوسف والقوه في غيابت الجبّ )) كان مغلوبا على أمره ايضا من قبل باقي الاخوة ليوسف ، بدليل اشارة :(( ان كنتم فاعلين )) ونسبة الفعل لهم بالكلّية وتخليص نفسه هو من بينهم ، فهو لم يقل :(( ان كنّا فاعلين )) ليشرك نفسه معهم ، ولكن اتى بالفعل هذا ونسبه لهم ليشير انه ليس من ضمنهم الفاعل لهذه المؤامرة الحقيرة ، ومن هنا قلنا ان الاخ الاكبريبدو انه حاول على قدر مستطاعه على مايظهر من النص : اولا ايقاف ونفي والنهي عن فكرة القتل نهائيا ، وثانيا ممالئة الاخوة على غايتهم في تغييب يوسف ولكن ليس بالطريقة الثانية التي تفضي لجريمة قتل متعمدة بطرحه بارض مهلكة ، وثالثا اشار الى الجبّ ليوفر اسباب الحياة ليوسف اولا وقبل كل شيئ مع توفير الجب ايضا لمرور السيّارة المخلصين ليوسف !.وكل هذا يعتبر قرائن توظف لصالح نية الاخ الاكبر ورفضه الغير معلن للمشاركة بفعل الجريمة ، ولكنّ مع ذالك تبقى مسؤولية المشاركة ولو بالصمت عن اظهار الحقيقة للاب يعقوب ، او الوقوف بقوة وتضحية ضد الجريمة !.صحيح : وكما يقال الاخ الاكبر الاب الثاني للعائلة ، ومهما يكن من بعده وقسوته ولكن موقعه يفرض عليه دائما الشعور بانه الخطوة التالية لابوة العائلة بعد الاب الاكبر فيها عندما يغادر الحياة ، ولهذا فليس من الغريب ان نلمس الرحمة في هذه الجريمة من اكبر ابناء يعقوب وهو يطرح رأيا على كل مافيه من قسوة هو مع ذالك يحمل رحمة ابقاء الحياة ليوسف !.خامسا : بالطبع وكما قلنا ان بعد هذا المقترح الذي في ظاهره رحمة وفي باطنه عذاب ليوسف ، ستتحول حياة يوسف على يد هذا المقترح من الحياة كحرّ مع نبي من انبياء الله العظام وسيد وابن سيد في قومه الى لقيط مجهول النسب !.هل يدرك الانسان ماذا يعني ان يعيش الانسان لقيطا ؟.الاحرار الكرام يدركون ماذا يعني ان يعيش الانسان لقيطا مجهول النسب ويعامل على اساس الشي التافه او العبد الحقير الذي لايملك نسبا ولا اصلا ولا مقاما كريما !.نعم الاحرار وحدهم يفهمون بعمق حالة يوسف الصديق ع ويشعرون بآلامه الحقيقية عندما يتصور ان الكريم ابن الكريم ابن الكريم اصبح لقيطا تتقاذفه الايدي ليباع ويشترى بثمن بخس !.كل هذا كان ثمن اجتباء الله سبحانه ليوسف ع !.وكل هذا قام به الاخوة تحت ضغط الرغبة بالسلطة ودفع الشيطان لهم ؟!.كل هذا كان ألما يفهمه الاب يعقوب بحرارة ، وفهمه فيما بعد يوسف بألم عندما بقي لعشرات السنين يعيش في هذه الدنيا بهوية عبد لقيط حتى تحريره بالسجن من قيود العالم الظالم !.الخلاصة : قال قائل من اخوة يوسف وابناء يعقوب واكبرهم سنا لاتقتلوا يوسف واتركوا فكرة القتل نهائيا ، ولاتطرحوه ارضا جرداء تتسبب بقتله ، ولكن ان كنتم مصرّين على القيام بالمؤامرة والسير بها الى النهاية ، فالقوه في البئر المعروف على طريق السيّارة ليلتقطوه ويأخذوه كلقطة تباع وتشترى في ارض بعيدة ، وبهذا يكون الغرض حاصلا من تغييبكم ليوسف واستفرادكم بالاب وحده لتتوجه لكم الامور كيفما شئتم ؟.وهكذا اتفق الابناء على المؤامرة !.
al_shaker@maktoob.com