الأربعاء، ديسمبر 31، 2008

بين محمد والمسيح ... وما أرسلناك ألاّ رحمة للعالمين / محاولة فهم / حميد الشاكر

( بقلم : حميد الشاكر )* ((هذه محاولة فهم وليست محاولة انتصار )) *
( الّذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراية والانجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحلّ لهم الطيبات ويحرّم عليهم الخبائث ويضع عنهم اصرهم والأغلال التي كانت عليهم ، فالذين آمنوا به وعزّروه ونصروه واتبعوا النور الذّي آنزل معه أولئك همالمفلحون / 157/الاعراف )****************************
طبيعيا وعندما يقرأ أحدنا مفهوم النص القرءاني المجيد الموجه لشخص الرسول الاعظم محمد خاتم النبيين ص : (( وما أرسلناك ألا رحمة للعالمين )) فأن مصاديق مداركه الفكرية حتما ستتجه الى الجانب الاخر من المسألة ليسأل باعتبار المفهوم والمصداق حسب الترتيب المنطقي هنا : لو لم تكن هناك ارسالية لرسالة محمد العظيم ص فهل ستكون النتيجة الحتمية هي بقاء وابقاء العالم الانساني بلا رحمة للعالمين وادامة حالة العسر والشدة والبلاء والرضوخ لدوامة الاعتقال والاغلال والظلامية الدينية المتخلفة مضافا اليها الرتوع بالرذائل وتجنب المطهرات ؟.بمعنى آخر : ما معنى ان تكون ارسالية محمد رسول الله للعالمين هي رحمة الاهية ولطف رباني ونوعية راقية لادامة حركة الحياة الانسانية ؟.
وهل لو فرض عدم وجود هذه الارسالية الرحمانية المحمدية للعالمين فهل ستكون الحياة البشرية مجرد جحيم وانتقام وغضب وبؤس وشدائد تعيق من حركة الحياة وتأذن بزوالها الطبيعي ؟.بمعنى آخر : نحن نعلم ان هناك اديان وارساليات رسالية كالمسيحية وقبلها اليهودية سبقت وجود ورسالة محمد رسول الله للعالمين جميعا ، فهل لو رفعت - جدلا - معادلة محمد الرحمة للعالمين جميعا ، ستتعطل حركة الحياة ولاتكتفي بما سبق من اديان ورسل لادامة الحياة وحركتها الفاعلة في الانسان والطبيعة ؟.ولماذا يصف النص القرءاني حقبة ماقبل ارسال رسالة محمد رسول الله العظيم على اساس انها رتوع في المنكر وابتعاد عن المعروف وخضوع للاغلال والقيود ، ونوم تحت وطأة الاصر والشدة ؟.وهل لو كانت رسالة محمد العظيم منتفية الان من الوجود الانساني يعني من جانب اخر انتفاء لهذا الوجود البشري على الاطلاق من عالم الطبيعة والكون ؟.بمعنى آخر : ماهي الفلسفة الفكرية او الحكمة العقلية التي تربط بين رسالة محمد الاسلامية العظيمة وبين وجود الرحمة الالهية الكبيرة والتي هي في وجهها الاخر صمام الامان لاستمرار رحمة الحياة للانسانية في هذا الكون والعالم ؟.
وهل يستطيع العالم الانساني ان يسير بحركته في هذا الوجود والكون بلا رحمة الاهية مهداة لهذه الحياة ؟.وهل من الممكن ان رفعت هذه الرحمة الالهية ان تسير الحياة البشرية بصورة طبيعية قيد انملة ؟.أم ان ارتفاع وانتفاء رحمة الله للعالمين جميعا - المجسدة برسالة الرسول محمد ص - يعني ارتفاع وانتفاء حركة الحياة والوجود من الكون كله باعتبار ان تنفس الكون والوجود بهواء هذه الرحمة الربانية وارتفاع الهواء يعني توقف للحياة وموت لوجودها الطبيعي ؟.هل محمد رسول الله ص ورسالته الاسلامية الكونية تعني بالفعل التوازن الطبيعي لاستمرار الكون والانسان في هذه الدنيا ؟ أم ان الرسالة الاسلامية ماهي الافكرة هامشية ان وجدت او رفعت ليست لها اي تأثير عالمي انساني كوني يذكر ؟.......الخ .
يذكر لنا النص القرءاني المقدس شيئ شبيه بهذا المعنى الوجودي والعلّلي بين ارسال محمد الرسول ص وبين الرحمة الالهية للعالم والكون والانسان والحياة ، ولكن بشكله المختصر لصورة (( انقاذ )) وجود أمة من الامم الانسانية وهي أمة العرب ، فهنا يحدثنا النص القرءاني ان رسالة محمد الرسول المعظم ص هي في احد جوانب فاعليتها البشرية انها جاءت لانقاذ أمة من ((الانقراض الطبيعي)) ، ومعلوم ان هناك أمم كثيرة في العالم البشري ليس لها ذكر يذكر في عالم الانسانية اليوم الا من خلال مانقرأه عن تلك الامم او نكتشفه من خلال الاثار المطمورة تحت التاريخ والارض ، و التي كانت في يوم من الايام موجودة الا انها وبفعل بعض العوامل الطبيعية والتاريخية والانسانية قد انقرضت من الوجود الفعلي في الحياة الانسانية تماما ، وهنا نفس الشيئ يذكّرنا به النص القرءاني من ان أمة العرب كانت على شفا حفرة من الانقراض تماما من الوجود لولا ارسال رسالة محمد رسول الله ص كرحمة لهذه الامة وانقاذ لوجودها الفعلي في الحياة الانسانية !.
يقول القرءان متحدثا عن هذه الفكرة بالقول :(( وأعتصموا بحبل الله جميعا ولاتفرقوا وأذكروا نعمت الله عليكم اذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته أخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها / 103/ ال عمران )) اي ان هذه الرسالة المحمدية العظيمة هي بالاضافة الى انها (( نعمة )) عظيمة لهذه الامة العربية ولحمة وصل اجتماعية ، وضمان لعدم التشتت والتفرق في الكلمة ...... ، كذالك هي جاءت لتشكل عملية (( انقاذ )) حقيقية لهذه الامة الصغيرة المبتلية بالتشرذم والتطاحن والقتال والعداوة والبغضاء فيما بينها والبين الاخر ، فمحرقة الحروب التي كانت تأكل العنصر العربي شيئا فشيئا لو قدر لها الاستمرار لاودت بأمة العرب للوقوع في شفير نار الانقراض على التمام ، ولكن ولعظمة هذه الرسالة المحمدية الاسلامية ومفاعيلها الايجابية على الوجود العربي كانت ولم تزل عملية (( انقاذ )) فعلية من محرقة الحروب العبثية !.
يقول الصادق جعفر بن محمد الباقر احد أئمة المسلمين الاثنى عشر بهذا المعنى عليه السلام عندما يتعرض لبيان قوله سبحانه :(( وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها .....)) قال : فانقذكم منها بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم هكذا والله أنزل بها جبرئيل على محمد !. ويقول عليه السلام ايضا :(( عجبا للعرب كيف لاتحملنا على رؤوسها والله عز وجل يقول في كتابه - وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها - فبرسول الله انقذوا ))ونفس هذا المعنى بالتأكيد يزحف عالميا وانسانيا ايضا بارسال رسالة محمد رسول الله ص مع رسالته الخالدة - الاسلام - للبشرية جمعاء ، ليكون المعنى :(( وما ارسلناك الا رحمة للعالمين )) هو انه لولا وجود محمد ص ورسالته العظيمة في هذه الحياة الانسانية لكان من الصعب الادامة لحركة هذا الوجود العالمي من وجهة النظر الالهية المقدسة ، أمّا من وجهة النظر العقلية والفكرية الانسانية فعلى هذا الاساس تكون رسالة محمد ووجوده المقدس ص شكل وبكل تأكيد عملية (( انقاذ )) بشرية عظمى من الانقراذ الكوني بالتمام !.
ان رسالة محمد الاسلامية كانت ولم تزل هي عملية انقاذ كونية للوجود الانساني الضامنة ايضا لاستمرارية الرحمة الالهية والتي تكون هي وبالفعل المفتاح الحقيقي لادامة رحمة الحياة للانسانية جمعاء !.وكذالك فأن رسالة محمد ووجوده المقدس وارساله للحياة الانسانية لم تكن مختصرة فحسب في جانبها الكوني والانساني كرحمة لهذا الوجود البشري فحسب ، ولكنها وفي جانبها الاجتماعي والانساني والفردي هي كذالك رحمة للعالمين ايضا !.
بمفهوم : اننا نستطيع ادراك ماتعنيه هذه الرحمة المهداة من قبل الله سبحانه وتعالى بارسال محمد رسول الله ص للبشرية جمعاء عندما ندرك ماوصلت اليه الاديان السابقة على وجود وارسال محمد للناس اجمعين من تقوقع وعدم صلاحية وانتهاء مشروعية لادارة الحياة الانسانية بالتمام او امكانية هذه الاديان من اصلاح الاجتماع الانساني وربطه بصورة صحية بابواب السماء الموصلة لله سبحانه وتعالى !.
فهنا تكون الفلسفة الالهية العظيمة لمشروع ارسال الرسل وانزال الكتب وتجديد النبوات مرتبط بشكل اساسي بعنصرين من عناصر الاديان السماوية الصالحة والاديان السماوية المنتهية الصلاحية والمفعول للوجود الانساني وهما :
اولا : عنصر الفكرة والدين الذي يتمكن ان يصل الانسان بخالقه سبحانه وتعالى بصورة شرعية وصحية .وثانيا : عنصر قدرة الفكرة والدين على اصلاح وادارة المجتمع بصورة واقعية تنسجم مع بعدي الارتقاء بالانسان ووصله بالله سبحانه بالاضافة الى ادارة حياة الانسان في الواقع وحسب ما يتطلبه الوجود الطبيعي والفطري للانسان !.
وهذان العنصران ان انتفيا من وجود اي فكرة دينية ايدلوجية سماوية او ارضية ، يهودية او مسيحية او اسلامية ....، يكون هذا الدين او تلك الفكرة والمعتقد منتهي الصلاحية للوجود الانساني بالتمام ، مما يعني ان الايمان بدين او فكرة لاتصل بالله سبحانه بصورة عقلية واقعية شرعية ....، ولا تستطيع ان تقدم للانسان تصورا لادارة حياته بشكل متكامل ومتوازن وطبيعي ومنسجم مع الفطرة البشرية ، يكون الايمان بمثل هذه الاديان نقمة بشرية حقيقية وكارثية وظلامية ايضا ، ومن هنا كان لمشروع تجدد الاديان وارسال الكتب والرسل للناس فترة بعد فترة حتى وصول البشرية الى منعطف النضوج والتكامل الفكري الانساني الذي سمح بارسال رسالة متكاملة وخاتمة ومحفوظة من التلاعب والتحريف هي الاسلام ورسول مميز ومعنوي وكامل ...هو محمد رسول الله ص (( رحمة للعالمين )) حسب الرؤية الاسلامية كناسخة للاديان التي كانت قبلها !.
ان المسيحية باعتبارها الدين الذي كان باسطا ذراعيه للعالم الانساني كمخلص للبشرية ، وحسب ما تطرحه الرؤية الانجيلية للاناجيل الاربعة ، وباعتباره الناسخ لماقبله من الاديان ، لم يكن هو الدين المؤهل لمرحلة مابعد النضوج الانساني الذي تكامل بصورة طبيعية ليصل هذا الاجتماع البشري الى متطلبات هي اعقد واكبر واعمق مما في الاناجيل الاربعة من طرح انساني فكري لادارة الحياة الانسانية من جهة ، وصلة هذا الانسان بخالقه بشكل معقول ومتوازن وتوحيدي ايضا من جهة اخرى ، وهنا شكلت المسيحية والبقاء على الايمان بها عقبة واقعية لحركة الانسان في هذه الحياة ، فهي فكرة لاتحمل نواة الديناميكية العملية التي تستجيب لمتطلبات الانسانية المتجددة ، مما حولها وبفعل العوامل الطبيعية لفكرة محتضرة الى (( أغلال)) و (( أصر )) وباقي العناوين التي ذكرها النص القرءاني في حديثه عن أهمية وجود الفكرة الناسخة للمسيحية كدين الا وهي الاسلام كفكرة متجددة وحيوية ومواكبة للمرحلة الانسانية الجديدة :(( ويضع عنهم أصرهم والاغلال التي كانت عليهم / قرءان كريم )) بمعنى ان الفكرة الجديدة التي ارسلها الله سبحانه للعالم الانساني باسم الاسلام هي فعلا فكرة ودين شكل العملية التحررية من اغلال وأصر باقي الافكار التي تقيد من حركة الانسان وانطلاقته الواقعية في هذا الكون ، وبهذا الاعتبار كانت رسالة محمد رسول الله ص (( رحمة للعالمين )) لكونها تحمل نعمة ورحمة التحرر من قيود واغلال وأصر المقدس السابق الذي هو بحاجة الى مقدس اعظم منه ليخلص البشرية من معتقلات المقدس المنتهي الصلاحية الى رحاب المقدس الفاتح لذراعيه لاستقبال الانسان وحركته بكل واقعية وديناميكية وقبول لحركة الانسان المتجددة هذه !.
نحن عندما نقرر ان الاديان السابقة على الاسلام تفتقر وحقيقة الى نواة الديناميكية الحركية المتجددة مع حياة البشرية ، فاننا لانجانب الصواب والحقيقة في هذه الرؤية بقدر مانقرر واقعا اثبتته التجربة البشرية على مر العصور ، فهذه التجربة امامنا للانسان المسيحي الشرقي والغربي ، وكيفية معاناته الواقعية وانفصامه الشخصي بين ماهو ديني شكل اكبر عقبة لحركة الانسان الاوربي المسيحي في العصر القديم والحديث ، وبين ماهو انساني فطري وطبيعي متطور ، ولم يتخلص الانسان الاوربي المسيحي نفسه من اغلال الافكار الظلامية الدينية ، ولم تتطور حياته بشكل ملفت للنظر ، ولم تتحرر ذاته وتبدع انسانيا الا بعدما اكتشف الحقيقة المرة التي كان الدين المسيحي الكنسي يشكلها لحياة الانسان الاوربي ويعيق من نموها ويغل من انطلاقتها الفعلية ، وعندذاك انفجر هذا الانسان المعتقل في اغلال الافكار الدينية ليقيم ثورة تحررية تخلص بموجبها من كارثية السجون والاغلال والاصر الدينية التي كان يخضع لها هذا الانسان المسكين لينطلق هو وفكره وعقله وذاته وطبيعته وفطرته الانسانية من معتقلات السجون الكنسية وبالتمام ، وليقيم فيما بعد الحضارة الصناعية المعاصرة والتي نعيش في كنفها هذه الايام وبكثير من القلق !.
نعم انها معجزة عندما اكتشف النص القرءاني حقيقة الاغلال والاصر وباقي المعوقات الطبيعية في الفكرة الكنسية المسيحية قبل الانسان الاوربي المسيحي نفسه وقبل قرون من انتباهه والتفاته الى هذه الحقيقة ، وليقرر انها :(( أغلال واصر )) و التي لولا التنبه لها من قبل هذا الانسان المؤمن بالمقدس الميت ، لما وصل الى ماوصل اليه اليوم ولبقى حتى هذه اللحظة يرزح تحت اغلال الافكار الكنسية الميتة ، ولكنه انتبه وان كان مؤخرا الى نعمة الثورة على الكنيسة ورحمة التخلص من الاديان الماضوية فنال الحضارة بكل ما للانسانية من ابداع !.هذا بعكس مادعت له الفكرة الاسلاموية بنصها القرءاني الذي اشار الى ان الدين ان تجاوزته المرحلة الزمنية التي خصص لها فسينقلب الى افيون واغلال واصر تثقل الكاهل الانساني لتتحول الى عبئ يجب التخلص منه بنسخه بشريعة اوسع حكما واشمل رؤية واكبر حركة ، ليكون رحمة للعالمين جميعا وهذا بالفعل ماقامت به الفكرة والرسالة المحمدية فيما بعد لتكون رسالته ودعوته هي وبالفعل المصداق العملي للنص القرءاني المقدس :(( وما ارسلناك الا رحمة للعالمين )).نعم ان المتتبع للفكرة المسيحية فلايكاد يجد فيها اي شيئ يذكر من حياتنا بعد الاسلام وحتى هذه الساعة ، فهي فكرة بنيت :
اولا : على الفردية !.فليس هناك في المسيحية الانجيلية سوى شاب اسمه المسيح عيسى بن مريم يدعوا الناس لخلاصهم من خلال الايمان بما ارسل به ، دخل وخرج من الدنيا بلا اسرة تذكر ، مما يضع الجانب الاسري في الفكرة المسيحية شبه معدوم الصورة ، بعكس ماتحتاجه الاسرة الانسانية الطبيعية من رؤية توضح لها موقعها من الوجود الاجتماعي الطبيعي ، فليس المسيح عيسى بن مريم عليه السلام أب او زوج او كيان اسري مصغر يوضح لي ولك ماينبغي علي انا وانت داخل هذه الاسرة الاجتماعية من واجبات وحقوق ، مما يجعلنا في دوامة فراغ ان انا امنت بفكرة دينية لاتشرح لي موقعي في داخل الاسرة سواء كنت ابا او زوجا او ابنا او ابنتا داخل هذا الكيان اللطيف ، وهذا نقص كبير في الرؤية الانجيلية لفضاء الاسرة وواجباتها واحكامها المترتبة على هذا الوضع !.تمام : ان تفكك الاسرة الغربية والشرقية اليوم من المؤمنين بالفكرة الكنسية منشأه هذه النقطة ، فهذه النقيصة هي التي لم تخلق رؤية قوية ومحددة لمشروع الاسرة وتقديمه على الفردية الانانية ، وما نراه اليوم من طغيان للفردية الغربية فأن منشأه هو تلك الفكرة الناقصة في الديانة المسيحية لمفهومة الاسرة كتكتل فطري وطبيعي بشري ، بعكس الفردية التي هبطت من الرؤية الانجيلية للمسيح المقدس ، وكيفية حياته الشبه فوضوية وتنقله بلا ضوابط اسرية من جبل الى جبل ومن شاطئ الى بحر ومن قرية الى قرية ...... للدعوة الى ذاته المقدسة ، فكل هذا دعم من مشروع الفردية في الفكر الغربي والشرقي المسيحي ، مع ادراكنا انعكاس هذه الفردية بقوة على العالم الغربي ، بينما تمتع بعض الشرقيين من المسيحيين باستقرار اسري تلقفوه من ضمن حياتهم بين الشعوب الاسلامية والمقدسة لمنظومة الاسرة على الفرد هذا !.
هذه الرؤية الفردية للمسيحية الكنسية حتما انها من ضمن الاغلال والاصر الضاغطة على الحياة الانسانية ، وحتى مشروع احكام الاسرة في الفقه الكنسي هو ايضا دائرة معقدة في الزواج والطلاق انعكس بصورة سلبية جدا على المنتمين للفكرة المسيحية ، ولا احد يشعر بضغط الاغلال في الاحكام الكنسية المسيحية لدائرة الزواج والطلاق وبناء الاسرة او اعادة بناءها من جديد كالمسيحيين انفسهم ، ويقال ان الكثير منهم لايقدم على الزواج وبناء اسرة مطلقا لوجود احكام شرعية في الديانة المسيحية لاتنسجم مطلقا مع متطلبات الفرد الانساني الفطرية والطبيعية ، وهناك من خرج بالفعل هاربا من اغلال الكنيسة في مشاكل الزواج والطلاق ليعتنق دينا اخر بامكانه ان يهيئ له الحياة العائلية المعقولة بشريا !.
هذا كله بعكس رسالة الرحمة للعالمين جميعا التي اخذت البعد الاسري العائلي لتضعه كأول لبنة لبناء المجتمع الانساني الطبيعي والصحي ، فمحمد رسول الله ص مختلف تماما عن المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام ، فهو الاب والزوج والابن والاسرة والمواريث والاحكام والاخلاق والواجبات والحقوق .................الخ ، كل هذا وغيره من دائرة الاسرة الانسانية المصغرة واضح المعالم في شريعة محمد رسول الله ورسالته ، والمسلم المؤمن بشريعة الاسلام لايجد حرجا يذكر او صورة مظلمة عندما يريد مزاولة حياته الاسرية الطبيعية ، فهو يدرك واجبه وحقوقه داخل الاسرة من خلال الصورة المحمدية التي عاشها صاحب الرسالة الاسلامية نفسه داخل اسرته المباركة ليعطي لنا المثل والحكم والممارسة بشكل واضح وممتاز وسهل جدا ، فلا حرج وانا اعتنق الاسلام امامي ولاعوائق ولا اصر ولا اي مشكلة تذكر في هذا الجانب وانا أمارس حياتي الاسرية بكل يسر واتحرك في الحياة بلا عقد ولا عقبات تمنع الحياة من الاستمرار والحركة والتطور بكل هدوء وسلاسة !.
نعم انها رحمة عظيمة بين ان امارس حياتي العائلية بأطمئنان وحركة ومرونة وبلا اي مشكلة او عوائق فطرية وطبيعية ونفسية ، وبين ان ارى الحياة العائلية كجحيم يجب الحذر منه والحساب له الف حساب مضافا الى انه شكل من اشكال الاغلال والاصر والاعتقال وموت الحرية الفردية ، وهذا هو الفرق بين (( الاغلال والاصر )) وبين :(( وما ارسلناك الا رحمة للعالمين )) !.
ثانيا: خلل المنظومة الفكرية والعقدية !.ففي المسيحية كدين كان قبل الاسلام لتأتي بعده رسالة السماء المحمدية لتعتبر نفسها رحمة للعالمين ، فأن المنظومة الكنسية العقدية الانجيلية هي كذالك منظومة ان قيست بما طرحته المنظومة العقدية الاسلامية فأن الفرق سيكون كونيا وشاسعا جدا ، فنحن هنا بين فكرتين ومنظومتين عقديتين الاولى هي الرؤية الانجيلية الكنسية المسيحية لله سبحانه والكون والوجود والطبيعة ليس لها اي بعد فكري ايدلوجي يذكر -اي - ان الاناجيل الاربعة المرتكز الفكري للمنظومة العقدية المسيحية لم تتعرض بشكل فلسفي وفكري معمق لا الى الله سبحانه بصفاته ووجوده وباقي عالمه المقدس ، ولم تتعرض كذالك لا الى الكون ولا الى الطبيعة ولا الى الانسان ولا الى التاريخ ولا الى الحيوان ايضا ، وبين عقيدة اسلامية تناولت الله سبحانه كمحور اصيل وفكري وبشكل معمق وكبير جدا ، وكذالك تناولت الكون بسماءه وارضه وطبيعته وزمنه وليله ونهاره وتاريخه وحوادثه ........الخ ، بمنظومة فكرية فنية هائلة من الابعاد العلمية والفكرية ، ولم تغفل هذه العقدية الاسلامية ان تتناول الوجود والانسان وباقي الاشياء العالمية لتربط كل هذه المنظومة العالمية بشكل جذاب وفني ومتكامل وبصورة لاغبار او اشكالية عقدية فيها !.
وربما هنا من يتساءل وما الفائدة ان كانت العقيدة تتعرض للرؤية الكونية او كانت مفتقدة لهذه الرؤية العالمية والكونية الشاملة على الانسان بصورة مباشرة ؟. وما الرحمة للبشرية في ان يدرك الانسان هذه الابعاد الفكرية ووجودها في منظومته الفكرية وبين عدم وجودها اصلا في المنظومة الفكرية الدينية هذه ايضا ؟.نحن عندما قررنا ان الرسالة والعقيدة والمنظومة الفكرية المحمدية الاسلامية هي رحمة للعالمين في جميع ابعادها الايدلوجية والاسرية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، كنا نريد الوصول الى ان هذه العقيدة الاسلامية وفي جميع جوانبها الفكرية والعقدية مثلت الرحمة الفعلية للانسان مابعد تكامله الفكري والعقلي والنفسي والروحي ايضا ، وقد ذكرنا الكيفية التي كانت بها رسالة محمد رسول الله رحمة في جانبها الاسري عندما رفعت اغلال المسيحية الكنسية او لنقل اكملت من نقصها المفضوح في الاطار الاسري ، لتكون الرؤية الاسلامية الاسرية رافعة للاغلال والاصر وفاتحة للافاق والحركة والحرية لحياة الانسان الاسرية فكانت حقا رحمة للعالمين عندما وسعت من حرية الانسان الاسرية وشرحت له موقفه من اللبنة الاولى لبناء المجتمع الا وهي الاسرة !.وكذالك الحال هنا عندما نقول ان الرؤية الفكرية والايدلوجية والعقدية الاسلامية هي ايضا رحمة للعالمين ، باعتبار ان البشرية لاتستطيع الحركة والتطور والنمو الطبيعي وهي لاتحمل في داخل كيانها الفكري عقيدة فكرية متكاملة نحو الكون والحياة والانسان والتاريخ والعالم ، فهذه الرؤية بالاضافة الى انها مدار توسيع افاق الانسان وتطلعه الى الاوسع كونيا ، هي كذالك تشكل التوازن الفكري والنفسي للمعرفة بين ماهو صاعد وماهو نازل وبين ماهو مرتفع معنوي واخر هابط مادي !؟.
بمعنى ابسط واوضح : ان وظيفة اي عقيدة دينية بالاضافة الى انها وجهة نظر معرفية كونية ، هي كذالك عقد او رباط او صلة او .... بين الانسان وبين ماعلاه من وجود كالله سبحانه والكون والوجود المحيط به ، فعندما ترتفع المنظومة العقدية الاسلامية بالانسان لتربطه بالله بشكل مباشر ، وكذا عندما تصحبه برحلة كونية مع السماوات والنجوم والشمس والقمر ، وكذالك عندما ترتد العقيدة الاسلاموية بهذا الانسان الى جذوره الترابية والى تاريخه البعيد ادم والى حوادث التاريخ ، ثم ترجع به الى حيث هو الان كانسان يعيش في هذه الحياة اللحظة الانية ....الخ ، كل هذا كانت ولم تزل فلسفة المنظومة العقدية الاسلامية فيه هو رفع الانسان من المادي الارضي الانساني الى المعنوي الالهي الروحي الاخروي ، فعندما نرى النص القرءاني - مثلا - يدخل عدة صور فكرية تتناول السماوات العلوية لتهبط الى حكم مادي انساني تجاري وتنتهي عند رؤية طبيعية او اخروية ، نعلم ان مراد هذه الرؤية هي الارتفاع بالانسان من الارضي الى الروحي المعنوي العلوي الالهي بلا مشاكل في التوازن بين ماهو معنوي وما هو مادي من حياة الانسان !.
وهذا بعكس العقيدة الدينية التي تفتقد هذه الابعاد الفكرية والرؤى الكونية والتصورات الوجودية كالمسيحية الكنسية مثلا ، ففي هذه الفكرة الايدلوجية الدينية لايوجد اي ذكر فكري معمق للصور الكونية الرائعة من سماء ونجوم وشمس وقمر وتاريح هذا الفضاء وكيفية حركته وتاثيره على الانسان وتاثير الانسان بهذه الاشياء الكونية والدعوة للتفكر بهذا الكون والتحليق بالخيال في فضاءه الواسع ....... ....الخ ، مما انتج ترك هذه العقيدة الدينية الايدلوجية الانسان في اغلاله المادية فحسب وبدون ان تحلق بهذا الانسان بعيدا عن الحياة المادية هذه ، وهذا النقص في اي عقيدة دينية حتما سينعكس على رؤية الانسان الفكرية بل وبقاءه فكريا رهين السجون والاغلال المادية الدنيوية فحسب ، مما يعني ان مثل هذه العقيدة الفكرية الناقصة لايمكنها الا خلق انسان مرتبط بماهو مادي ودنيوي وهابط فحسب !.
وعندئذ يقال ان العقيدة الدينية ان افتقدت الى الرؤية الكونية ستنتج حتما انسانا منجذبا بطبيعته لكل ماهو ارضي مادي دنيوي فحسب ، بسبب ان الارتفاع بهذا الانسان من واقعه المادي الارضي الحيواني هو بحاجة الى عقيدة تاخذ بيده لترفعه فكريا وروحيا وذوقيا الى السماء ومافوقها برحلة تبدأ من التصورات الانسانية المحلقة لتنتهي عند الكون برحابته ووساعته وافقه الممدود في جميع الافاق ، أما ان كانت العقيدة الدينية لاتملك الا ارشادات روحية لاتتعدى الايمان الشخصي وليس لها اي ابعاد فكرية وتصورات كونية وافاق معنوية ، فمثل هذه العقائد الدينية لاتملك سوى انتاج الانسان المادي الذي لايرى سوى ذاته في الكون فحسب ، وهذا بالاضافة الى انه سيلد انسانا منغلقا دينيا وضيق الافق معرفيا وكونيا ، هو كذالك لادينيا ولاعقديا باعتبار ان وظيفة العقيدة والدين هي كيفية ربط الانسان بالله سبحانه وبالمعنوي وبالروحي وبالفكري وتخفيف وطأة المادي على حياة الانسان ، او رفعه من المادي الى المعنوي بشكل متوازن وهذا ما لا توفره رؤية الاناجيل الاربعة الكنسية للمسيحية !.اذن : الرحمة المحمدية الاسلامية هنا يبدو انها ناظرة ايضا الى الجانب العقدي المظلم لماكان عليه الانسان قبل رسالة محمد رسول الله ص ، وما رسالة محمد ص ومبادئها وافكارها وتصوراتها الايدلوجية والفنية وارتفاعها بالانسان من ظلامية واغلال واصر الجهل العقدي الى نور الاسلام ورحابة تصوراته الا رحمة للعالمين هنا وهذا هو المعنى ل :(( وما ارسلناك الا رحمة للعالمين )) رحمة انتشال الانسان من مادية التصورات الدينية الظلامية الى رحابة التصورات الكونية والوجودية والعالمية الاسلامية القادرة على خلق الانسان المعنوي وهو بنفس اللحظة الغير غيبوب او رهبني عازف عن بناء المادي !.
يتبقى لنا بعد هذه النقطتين الجوهريتين ان نشير ولكن بنفس المعاني السابقة الى ان رسالة وبعثة محمد رسول الله ص كانت ولم تزل رحمة للعالمين جميعا بتمثلها ايضا في جانبها الاجتماعي في اصلاح وادارة المجتمع الانساني ، وكذالك مثلت رحمة للعالمين في فكرة الاسلام السياسية بين الحاكم والمحكوم وكيفية شرح الرسالة المحمدية المباركة لواجبات وحقوق كلا طرفي المعادلة في الرؤية السياسية الاسلامية ، وكذا يقال ايضا ان رسالة محمد وبعثته كانت ولم تزل رحمة للعالمين بسبب رؤيتها الاقتصادية الشاملة التي تقيم ميزان العدالة الاجتماعية بين افراد الانسان جميعا بلا ميل لرأس مال او الى طبقة على اخرى في هذا الجانب ايضا ، وكل هذه المحاور ان رجعنا بها الى ما سبق الرسالة الاسلامية من اديان بما فيها المسيحية الكنسية فسنجد ان الحقيقة التي لايمكن تجاهلها ان الاسلام برؤيته الشاملة لايوجد له نظيرا على الاطلاق في عالم الاديان ، كما انه الوحيد فعلا كرسالة وكدين وكمنظومة فكرية بالامكان اطلاق صفة (( الرحمة للعالمين )) عليه وعلى صاحب وجوده في هذه الحياة الانسانية محمد رسول الله ص !.
ان الانسانية من منظور الهي مقدس صافي لاتستطيع الاستمرار في الحياة بلا دين يوصل الانسان بخالقه بشكل صحيح ، كما ان التركيبة الوجودية والكونية بقانونها العالمي تنتهي تماما عندما ينتفي وصول الانسان لخالقه سبحانه وتعالى ، وبين هذا وذاك كان ولم يزل الاسلام وصاحب رسالته محمد رسول الله وأهل بيته الطاهرين هم الحبل الممدود بين الله والانسان فأن انقطع انقطعت رحمة الله للعالمين جميعا لتنتهي قصة الحياة الانسانية مع انتفاء الرحمة الالهية من هذا العالم !.