السبت، يناير 10، 2009

من هدي القران ... الكلمة ... اقرأ ؟- 10 انتهى - حميد الشاكر


خضنا في البحوث السابقة حول الكلمة القرانية ( اقرأ ) عدة محاور معرفية ومناحي فكرية ، ودلالات عقلية ، نحاول من خلالها التعرف على هذه الايحاءات التي تختزلها الكلمة القرانية ( اقرأ ) ، ومما لاريب فيه عدم ادعائنا اننا استطعنا ان نستفرغ كل المعاني الفكرية والعلمية والنفسية والروحية ...، لتلك الكلمة ، فالكلمة القرانية ، وحسب معتقدنا الاسلامي ، انها كلمة عميقة وواسعة ولها دلالات اكبر بكثير من ان تقيدها حقبة زمنية معينة ، او ان يستنفد كل ايحاءاتها انسان هنا او مفكر هناك ، بل هي هكذا وستبقى كلمة فطرية تخطو مع الليل والنهار مادامت حياة الانسان قائمة على وفي هذه الارض الجميلة .
ولابد هنا وقبل ان نودع الكلمة القرانية ( اقرأ ) ان نقول كلمتنا البشرية المحدودة التعبير ، والمقيدة الايحاء لتلك الكلمة التي عاشتنا اكثر مما عشنا فيها والهمتنا اكثر من الهامنا لها ، وقادتنا افضل واشرف مما حاولنا ان نقودها هنا او هناك ، لتكون هذه الكلمة الانسانية بطاقة اعتذار نقدمها بين يدي الكلمة القرانية العظيمة ( اقرأ ) على التقصير الذي بدر منّا في محاولة الوصول الى حقائق وايحاءات ( اقرأ ) الاسلامية ، ولكن كان املنا في هذه المحاولة هو التعرف على ( اقرأ ) القرن الواحد والعشرين فحسب ، وترك ( اقرأ ) القرون القادمة لصعلوك مفكر آخر يجلس على قارعة الطريق في احد احياء او ازقة الانسانية القديمة ، وهو ينشر كفه المتسخ ليلتقط او يستقبل او ترمى له حسنة الدهر ومعونة الزمان ، لتوضع في كفه ( اقرأ ) قرانية جديدة تعيد له الحياة وتنشر له الامل وتنظف من كينونته المدمرة في هذا العالم الانساني المفكر القاسي ؟.
نعم ( اقرأ ) وفي منعطفها القديم الجديد هي الانسان القراني ، والروح القدسي ، والشمعة اللاهوتية الاسلامية المنيرة لظلام الكهفية الانسانية الداخلية ، هي السراج الذي يخرج التائهين من الظلمات الى النور ، او هي الروح التي تبعث الموتى وتحرك الحياة في اجداث المقابر ، بل هي المفقود الذي نستشعره بعمق ولكن بدون ان نبصر موضعه من الحياة ( الكلمة = انسان = اقرأ = مهدي ومخلص هذه الامة في العصر الحديث ) ؟.
ان الرؤية الصادقة والنظرة المنصفة ، والروح الطاهرة والفكرة العميقة ...، هي وحدها الذي تدرك أمل ( اقرأ ) المخلصة من ظلامية الجهل ، وتدرك قوة ( اقرأ ) البانية المشيدة ، وتدرك فعل ومؤثر ( اقرأ ) الباعث للحياة بعد الموت والركود ، كما ان تلك النظرات والرؤى هي الاقوى على ادراك معنى ان تأخذ ( اقرأ ) دورها في الحياة الانسانية على مستوى البناء الاسلامي والاستقلال الوطني ، والتحرر الفكري ، والنهضة العلمية ، لانسان الكلمة القرانية ( اقرأ ) ؟.
كما ان اعداء الكلمة القرانية ( اقرأ ) مدركون هم ايضا لما تمثله ( اقرأ ) القرانية عندما يلتف حولها الانسان الاسلامي ويرفع رايتها ، ويتمترس داخل حروفها ، فانهم والحال هذه ادركوا سرّ قوة هذا الانسان الاسلامي ، ومفتاح طاقته الخلاقة والجّبارة في البناء والتعمير وفي التحرر والكرامة وفي الاستقلال والبطولة ، وعلى هذا كان جل اهتمام اعداء ( اقرأ ) والانسان ، ان يبعدوا من قوة ( اقرأ ) عن الفعل ، ويقتلوا روح ( اقرأ ) عن التحرك ، ويشوهوا ميدان ( اقرأ ) في النضال ، ويفتتوا من طاقة ( اقرأ ) في الانتشار ....، لتصبح من ثم ( اقرأ ) غريبة الفعل والحركة والتأثير ...، وباقي الابعاد الاخرى التي بنيت واسست لوظيفة ( اقرأ ) القرانية الاسلامية ؟.
ان انساننا العربي والاسلامي هو حقا بحاجة الى روح ( اقرأ ) وكل مموناتها الفكرية والعلمية والروحية والاقتصادية الاجتماعية والفردية ، ولكن هذه الحاجة - ومع الاسف - لم تبلور حتى هذه اللحظة بصورة برنامج واضح ومبسط يصل الى هذا الانسان المنهك من ظلمات الايدلوجيات المادية والاستعمارية والتي تفرض عليه جدارا من الغيبوبة القسرية تحت شعارات الاعلام السياسية ، فهو انسان متخبط وحائر ومسكين ومغيب ومغدور ومهمش ....، انه الانسان الاوحد الذي استطاعت قوى الهيمنة والنهب واللصوصية الاستعمارية من مسخه تماما وتحويلة الى كيان اعمى لايبصر كلمة الانقاذ ( اقرأ ) وهي تعيش بين احضانه ، ليبحث عن كلمات ويحتضن اطروحات ويؤمن بافكار هي اساسا موضوعة لتغييبه ونهبه واستنزاف طاقاته ...، ومن ثم تحويله الى شبح انسان ، ودمية تتقافز حول برامج ومخططات قاتله وناهب ثروته ومغيب شخصيته الانسانية وماسخ من كينونته الوجودية ؟.
أليس عجيبة هذه المعادلة ؟.
قتيل يمجد قاتله ، ومسروق يعزف اناشيد الفخر لناهبه ، ومسحوق يرفع ويروّج لشعار ساحقه ، ومستعبد يتبتل في محراب جلاده ومستعبده ، وممسوخ لايرى الا التفوق لمن حّوله من الانسانية الى ......؟.
نعم غريبة تلك المعادلة التي حولت من ( اقرأ ) القوية العزيزة المحترمة الانسانية المتفوقة الحامية ....، والتي بامكانها ان تبني لنا الحياة وتصون العدالة وتحمي القانون وتنشر المساواة ، من كل كينونتها تلك ، الى مجرد كونها تحفة تراثية موجودة في كل بيت مسلم للتأنق والزينه والبركة ؟.
ولكن الاغرب المعادلة التي دفعت ( اقرأ ) القرانية الى حيز النسيان ، واحلال الاستهلاك والظلم والتبعية وانتشار السفه والدونية والغيبوبة والذيلية باسم ( المدنية والاشتراكية والديمقراطية والليبرالية والغربية .....الخ ) الى باقي العناوين التي تمثل الذراع الطولى للاستيلاء على كل كياننا وانسانيتنا والتغييب لها ومن ثم النظر الى واقعنا بعين التحقير والاستصغار والمهانة من قبل مصدري هذه النماذج الممسوخة لواقعنا الاسلامي والحضاري الانساني ؟.
اليس غريبا ان تجد انسانا مسلما يهجر ( اقرأ ) التي وفرت وبأمكانها ان توفر له في العصر الحديث الكرامة والعزة والعدالة والعلم والرفاهية والنظافة والاستقلال والأمن .....، ويسعى و يناضل ويقاتل من اجل ... ويتبع ...، كل المفردات التي قتلت كرامته وزيفت من انسانيته وصادرت شخصيته وجعلته لقمة سائغه لمفترسيه ، ومتاعا ملقا لسارقيه ، واضحوكة مستمرة لكارهيه ...الخ ؟.،
هذه - حقيقة - هي الصورة المأساوية التي ضربت علينا ككيان انساني عندما هجرنا ( اقرأ ) القرانية ، واستغفلتنا باقي الكلمات الحضارية الاستعمارية المنمقة ، لتحولنا من غير شعور الى حطب لحروبها الاستعمارية ومآربها اللانسانية ؟.
ان بامكان شمعة ( اقرأ ) ان تعيننا على تجاوز هذه الظلمة الحالكة في العصر الحديث ، ظلمة الروح والنفس والفكر والعقل والحياة ، ظلمة الظلم والاستعباد والفقر والجهل والتبعية ، ظلمة عدم الشعور بالكرامة والانسانية والفعل والحضور ، ظلمة التغييب والتخبط والنسيان وفقدان الامل ، ظلمة ........الخ ، كل هذه الظلمات المتراكمة بعضها فوق بعض ، كفيله كلمة القران ( اقرأ ) ان تمزق من جدرانها واغلالها التي تخنق كل تطلعاتنا المشروعة في عالم اليوم ، وهكذا هي تدعي ( اقرأ ) من خوارق افعالها وكبير اثار ثمارها ، ان تفعل الكثير لعالم الانسان العربي والاسلامي ، ولكن بشرط ان تجد اصابعا تحيط ذبالتها المتقدة من الانطفاء ؟.
اننا نرى ونستشعر ان ( اقرأ ) القرانية مشروعا له من الاصالة والاستقلالية ما يرشحه ليكون المشروع المخلص لعالمنا العربي والاسلامي ، وذالك من خلال انه المشروع الذي يوفر الخطوة الاولى لانساننا العربي والاسلامي ، فهناك الغياب المدوي في العالم العربي والاسلامي للايدلوجيا الفكرية التي تنتشل هذا الانسان من الفراغ الفكري والروحي والنفسي الذي يعيش فيه هذا الانسان ، وما كلمة القران المتألقة ( اقرأ ) الا دعوة صريحة للدخول في مضمار هذه الاطروحة الاسلامية والذي توفر الكثير من الرؤى والافكار التي بامكانها ان تكون هي الاطر النهضوية الفكرية والعلمية والاجتماعية ....، لعالمنا العربي والاسلامي ؟.
كما اننا نؤمن - حقيقة - ان ( اقرأ ) هي ماتبقى لهذا الانسان كمشروع بعد ان تساقطت كل المشاريع المستوردة والدخيلة على عالمنا العربي والاسلامي ، وبعد ان اكتشف هذا الانسان بنفسه ان كل المشاريع التي كانت تروج عليه باسم الانقاذ والرفاهية ماهيه الا لعبة سياسية للهيمنه فحسب ، وهاهو ينظر الكيفية الدنيئة التي يمارسها العالم والذي يسمى بالعالم الحر كيفية الاعتداء وامتهان كرامات الامم والشعوب ومنع هذه الشعوب مرة من الرقي الحضاري ومرة بتدمير بناها الاقتصادية واستعمار بلدانها الشرعية ، فماذا يتبقى من اسطورة الحرية بعد كل هذا الامتهان والسرقة والتدمير والهيمنه على الشعوب ومقدراتها الاقتصادية وامتهان كراماتها الانسانية ؟.
الحق ان الحديث يطول ، عندما نريد ان نفي حق ( اقرأ ) القرانية ، وما تمثله هذه ال( اقرأ ) من رمزية وفكرية ونفسية وعلمية وروحية واجتماعية وتحررية .....، لعالمنا الانساني اليوم ، ولكن يكفينا - اخيرا - ان نشير الى ان ( اقرأ ) الاسلامية هي الكلمة السرّ الذي يحاول اعداء الانسانية ان لانلتفت الى كيانها كمخلص تلهمنا القوة الحقيقية التي ننتصر بها على الجهل والظلمة والظلم والاستعباد والفقر والذلة والتخلف والتبعية ........، وباقي عناوين الضياع ؟.
بسم الله الرحمن الرحيم :( اقرأ باسم ربك الذي خلق ....، اقرأ وربك الاكرم .....، فاذا قرأت القران فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم ....، واذا قرئ القران فاستمعوا له وانصتوا لعلكم ترحمون ....، وقرانا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا ...، فاقرءوا ماتيسر منه ....، افلا يتدبرون القران ام على قلوب اقفالها ....، آلر كتاب انزلناه اليك لتخرج الناس من الظلمات الى النور .) صدق الله العظيم .

من هدي القران ... الكلمة ... اقرأ ؟ - 9

بنية الاجتماع وثقافته :- اقرأ
تبحث المدارس الفكرية العلمية والاجتماعية ، موضوعة العلاقة القائمة بين الوجود الاجتماعي المادي ووعي وثقافة هذا المجتمع بنوع من التأمل ، والذي يدفع الفكر الانساني الى عملية البحث عن نوع تلك العلاقة ، ومدى ملازمة احداهما للاخرى ، والكيفية التي تؤثر الاحدى بالاخرى ، ومدى هذا التأثر ، وهل هو تأثّر من نوع عكسي او احادي الجانب ؟.
وهذه البحوث برزت عندما التفت الفكر الانساني الى عملية المعرفة الانسانية من قديم الزمان ، والكيفية التي تتشكل فيها تلك المعرفة الانسانية ، وماهي المصادر الحقيقية للمعرفة الانسانية ؟.، وهل هي مصادر مادية حسية بحتة أم ان هناك مواردا اخرى غير المادية والحسية هي المساهمة ايضا في بناء المعرفة الانسانية ؟ وهل هناك افكارا فطرية غير مادية او حسية تساهم بتشكيل المعرفة الانسانية ؟........ الخ .
والحقيقة كانت هذه السجاليات الفكرية هي الموضوع الفلسفي الاول ، والذي تناولته المدارس الفكرية الفلسفية والعلمية الاجتماعية في باب ( نظرية المعرفة ) والذي تناولت فيه كل المواضيع المتصلة بهذه النظرية التي تبحث عن الحقيقة في موضوعة ( مصادر المعرفة الانسانية ) وهل هي منعكس مادي للوجود الاجتماعي فحسب ، ومن ثم منعكس حسي وتجريبي ايضا ؟، ام ان هناك منعكسات اخر تساهم في تموين المعرفة الانسانية وتساهم ايضا بالتركيب لهذه المنظومة المعرفية ؟ ومن بعد ذاك توصلنا الى القيمة الحقيقية لهذه المعرفة ، وهذا هو الاهم في البحث او السجالات الفكرية التي قامت حول هذه الموضوعة / انظر : الصدر محمد باقر / فلسفتنا / نظرية المعرفة .
وعلى العموم وباعتبار ان ذالك موضوعا يدرّس في ابواب التفلسف والمعرفة ، فما يتصل ببحثنا هو جزئية العلاقة القائمة بين بنية الاجتماع الانساني المادية وثقافته باعتبارها منعكس عن تلك البنية المادية ، لنتساءل حول هذا المنعطف الفكري ، ولنقول : ماهي تلك العلاقة ؟. وهل هي علاقة ترتقي الى مستوى المنعكس الحتمي لتكون البنية المادية هي هي مصدر لكل المعرفة والثقافة الانسانية ؟. واذا ما صادفنا هنا او هناك نوعا من الاشكالية بين ثقافة راقية جدا ، وبنية اجتماعية بدائية وساذجة جدا او العكس ، فبماذا يمكننا ان نفسر هذه الاشكالية بين البنية والفكر او المعرفة او المنتج الثقافي ؟ . ، بمعنى اكثر اسلامية : اذا صادفنا ( اقرأ ) - مثلا - فوق بنية اجتماعية لم تفكر او تشغل بنائها المادي باي عنوان ينتج ( اقرأ ) فبماذا نستطيع ان نفهم الانتاج المعرفي : - ( اقرأ ) هنا ؟. وهل هو منعكس مادي لبنية الاجتماع ايضا أم هي منتج ولكنها فوق المادي ؟.
يرى البعض : ( ان العلاقة بين الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي ( الفكر ) ، علاقة موضوعية شمولية فهي لاتختلف في بعض الشعوب او المجتمعات عنها في البعض الاخر . نعني بها العلاقة التي تحتم انعكاس الوجود المادي ، بمختلف اشكاله ومظاهره ، على وعي الانسان : كل انسان ، في كل زمان ومكان . ان الحتميات العامة في تاريخ الوجود الاجتماعي هي واحدة في كل مجتمع ، كما هو شأن الحتميات العامة في تاريخ الوجود الطبيعي ................................/ انظر : حسين مروّة / النزعات المادية في الفلسفة العربية والاسلامية / ج 1 / ص 241/ دار الفارابي ط السادسة ) ؟ .
والحقيقة ان هذا الرأي ، وان لم نكن ننتمي اليه فكريا ، ولكن لنجادله عقليا ، ولنتسامح في قبوله علميا ، ولنأخذ به كمنطلق يحمل من الحقيقة الشيئ الكثير ، ولنعتمد على الرؤى التي تتمخض عنه في تحليل الظواهر الاجتماعية ( لاسيما ان هناك في الفكر الاسلامي نفسه مقولات : الفكر مرآة صافية - كمنعكس - و - والله اخرجكم من بطون امهاتكم لاتعلمون شيئا وجعل لكم السمع والابصار والافئدة لعلكم تشكرون / 78 / النحل - باعتبار انعكاس المعرفة عن الحواس المادية ) ، ومن ثم وباعتبار انه يؤمن ان هذه النظرة التي يطرحها علمية وحتمية ولا تختص بمكان او زمان معين ، سنطرح عليه الحقبة والتاريخ والزمن الذي تحركت فيه ( اقرأ ) القرانية اجتماعيا ، ولنسأله حول الظاهرة الاجتماعية العربية التي انتجت ( اقرأ ) القرانية في بداية التحرك الاسلامي ، فهل كانت ( اقرأ ) الاسلامية هي منتج اجتماعي مادي طبيعي لحقبة النهضة الاسلامية الاولى ؟. او هل كانت البنية الاجتماعية العربية ابان النهوض الاسلامي مهيئة لولادة ( اقرأ ) القرانية ، ومن ثم لتكون البنية الاجتماعية تلك هي المنتج الحتمي لبذرة وعلقة ( اقرأ ) القرانية ؟.
من وحي المدرسة الحتمية العلمية نفسها نؤكد انه :( لعلنا نشير الى ان نمط الثقافة - بالمعنى الانتروبولوجي المعني هنا - الذي كان سائدا ومهيمنا في المجتمع الحجازي المعاصر لمحمد ، لم يكن نمطا كتابيا ومؤسسيا ، بقدر ما كان نمطا كلاميا سلوكيا . فالكتابة والقراءة لم تشغلا حيزا عميقا وواسعا في المجتمع المذكور ، بل مثلتا حالة نخبية ومن ثم نخبوية ./ انظر : مقدمات اولية في الاسلام المحمدي / ج 4 / ص 387 / الدكتور طيب تزيني ) .
وباعتبار ان هذه الرؤية ترى ان مادة ( اقرأ ) ومنتجاتها الفكرية لم تكن منطلقة من بنية الاجتماع العربي انذاك ، فياترى كيف لنا ان نحلل ونفسر بروز وولادة ( اقرأ ) القرانية في المجتمع العربي المعاصر للرسول الاعظم محمد ص حتميا ؟. او ومن زاوية اخرى نتساءل حول : هل كانت البنية الاجتماعية قادرة علميا آنذاك على ولادة ( اقرأ ) القرانية ، وبكل ابعادها الثقافية المتمثلة بالكلمة القرانية بصورة عامة ؟.
من واقع الرؤية العلمية المذكورة سالفا :( لابد ان نلحظ هنا واقعا تاريخيا في موضوعنا قد ينفي هذا الشكل من التطابق - بين الثقافة القرانية وبنية الاجتماع العربي آنذاك - وهو ماسبق القول فيه من ان مستوى تطور الاشكال الثقافية التي عرفناها عن مرحلة الجاهلية المتصلة بعصر الاسلام ، كان اعلى من مستوى شكل العلاقات الاجتماعية لهذه المرحلة ./ انظر : النزعات المادية / مروّة / ج 1 /ص 242 ).
والحق اننا كما لحظنا هذا المنعطف الاشكالي بين البنية المادية للمجتمع العربي تاريخيا ، والوعي او الثقافة الاجتماعية والتي طرحت اسلاميا في حقبة الفصل بين الجاهلي والاسلامي القراني ، كذالك انصار مدرسة الحتمية الاجتماعية لحظوا ذالك ايضا وتساءلوا بذكاء :( فهل يعني ذالك خرقا لقانون الانعكاس - انعكاس الثقافة عن بنية الاجتماع - ؟. )
فأجابوا بالنفي ، باعتبار ان قانون الانعكاس لايمكن ان يخرق ، وعليه كان البحث ملاحقا لهذه الاشكالية من زاويتين :
الاولى : قالت بان هناك مرحلة قطع تاريخية تخللت بين تاريخ الجاهلية الاولى والجاهلية العربية الثانية ، وباعتبار ان مرحلة القطع تلك اضعفت من بنية الاجتماع العربي القائم انذاك ، الا انها لم تستطع ان تلغي التكامل الثقافي الصاعد للمرحلة التاريخية السابقة ، ولذالك كانت هناك فجوة بين ثقافة عالية وراقية وبين بنية كانت متطورة ، ولكنها بعد احداث خارجية (حروب ) وداخلية عربية (انهيار سد مأرب في الجنوب ) تراجعت وتهشمت في زمن ولادة الاطروحة الاسلامية ، فجاءت الثقافة اكثر نموا من البنية الاجتماعية العربية انسجاما وتكاملا لمرحلة التاريخ السابقة ( حسين مروّة / النزعات / مصدر سابق ) ؟.
الثانية : فانها ذهبت للقول ب ( الاستثنائية ) في شخصية محمد العجيبة ومقدرتها الثقافية العالية في التقاط مفصل او لحظة التطور والدفع لتصنع من هذه اللحظة ثقافة هي ارقى من البنية الاجتماعية العربية للعصر الجاهلي ( د : طيب تزيني / هذا احد مئة فيلسوف في العالم العربي يكرمّهم الغرب بامتياز لجهودهم الفكرية المبذولة لنقد الفكر الاسلامي ؟. ) ؟.
والحقيقة ان كلا التبريرين ، وبغض النظر عن كل ماذكر في حتمية الانعكاس وغيرها غير ناهض ، فاننا لانطمئن لمثل هذا التلاعب اللاعلمي في المصطلحات الاجتماعية ، ونعم نقول ان اطروحتنا الاسلامية لم تكن منتجا اجتماعيا مباشرا، لتكون من ثم منعكسا عن هذه او تلك من البنى الاجتماعية فحسب ، وانما كانت هي اطروحة الاهية ، وتفاعلا حيا بين اللاهوتي والانساني ، ولذالك هي جاءت على قاعدة التحدي المستمرة ، فلوكانت العملية الثقافية القرانية بالامكان تحليلها علميا واجتماعيا فحسب و بمبررات القطع التاريخي لنسد ثغرة او فجوة السذاجة او بساطة البنية الاجتماعية العربية انذاك وعدم مقدرتها على انتاج ثقافة راقية كالثقافة القرانية ، فليقل لنا ( المفكر الماركسي المرحوم حسين مروّة رحمه الله ) الذي يتبنى اطروحة القطع تلك ، فهل استطاع الوصل التاريخي الاتيان بثقافة كالثقافة القرانية بصورة عامة ليكون القطع التاريخي سابقا هو الحلّ لرقي الكلمة الثقافية القرانية ؟.
او فليبرر لنا التحليل الاجتماعي العلمي ، لماذية عدم استطاعة التطور العلمي الحديث وحتى يومنا هذا ، على الاتيان او الانتاج لثقافة ترتقي الى مستوى الثقافة القرانية ؟. فالعلم والانسان والحياة والاجتماع ....، وصل الى مرحلة من النضج الفكري والعلمي والجمالي الى مستوى متقدم كثيرا على مستويات المجتمعات العربية القديمة ابّان تحرك الكلمة والثقافة القرانية ، فهل بأمكان العصر الحديث بكل تقدمه وتطوره - بغض النظر عن التاريخ وبنية اجتماعياته الساذجة - وبكل تكامل بناه الاجتماعية ان ينتج ثقافة وكلمة تصل الى مستوى الرقي الفكري والروحي والعلمي والقانوني والاجتماعي للكلمة القرانية ؟.
هذا - حقيقة - ما فات استاذنا ( مروّة ) وهو يحلل ظاهرة الثقافة القرانية الاسلامية ، وارادة ربطها ماديا ببنية الاجتماع العربي تاريخيا ، مع انه لو كان اكثر انفتاحا من انغلاق المادية الحتمية لتسائل مع نفسه كمفكر ، ولماذا والحال ان الكلمة القرانية تتحدى الانسان زمانيا ومكانيا على الاتيان بمثلها ، لم يستطع الانسان او البنية الاجتماعية ان تستجيب لهذه الدعوة والتي تبدو انها طبيعية واجتماعية حسب وجهة النظر الحتمية والمادية ؟. ولو كانت الظاهرة القرانية كثقافة ومعرفة وفكر ، لوكانت منتجا بشريا لاي مرحلة تاريخية فهل كانت لتجرؤ على طرح صيغتها باسم التحدي لكل عصر وزمان ومكان وانسان ؟. ومن ثم قد طرح البعض الحتمية التاريخية كمطلق زماني ومكاني وتاريخي لظاهرة المنعكس تلك فهل ياترى صمدت تلك الرؤية بحتميتها المزيفة امام متغيرات الزمان وتطورات الاجتماع الانساني ، فلماذا والحال ان البشري مكتوب له التغير والتقدم والتكامل والموت ، لم تكن الظاهرة القرانية بهذا المعنى ؟.
كل هذه المحاور هي التي تجعل من دراستنا للظاهرة القرانية ، بنوع من التأمل ، وحسب المدارك والمنافذ العلمية تصل الى حقيقة ان هذه الظاهرة لم تكن ولن تكون من منتجات العقل الانساني بصورة عامة او منتجات المنعكس الاجتماعي العربي الجاهلي بغض النظر عن ما لو كانت هناك بنية اجتماعية بامكانها ولادة ثقافة كالثقافة الاسلامية القرانية او لم تكن هناك تلك البنية المتطورة ولكن المهم ادراك ان الثقافة القرانية لها وجه اجتماعي انساني مع بنية لاهوتية اسلامية ؟.
اما الزاوية الثانية ، والتي طرحت مبرر ( الاستثنائية ) لشخصية الرسول المعظم محمد ص ، للتملص من استحقاقات الاعتراف باعجازية الكلمة القرانية ، فان هذا المبرر هو الاخر لم يكن تحليلا علميا او اجتماعيا يفسر او يشرح لنا هذه الاشكالية التي كسرت من قانون ( الانعكاس ) الاجتماعي الذي ظهر وتباين بين ثقافة قرانية راقية وواقعية الى حد الاعجاز انتجت ( اقرأ ) ، وبين بنية عربية اجتماعية تاريخية بدائية وساذجة لم تستطع انتاج سوى التعايش مع حرارة الجغرافية وموسيقى الكلمة الاسطورية ؟.
ان الاتكاء على ( الاستثنائية ) في دراسة الظاهرة القرانية ( اقرأ ) لاتقل اسطورية خرافية - حقيقة - عن العقل البدائي الانساني والذي كان مرغما لتفسير الظواهر الطبيعية والاجتماعية ، باسم ( الاستثنائي ) سواء كان هذا الاستثنائي مخلوقا اسطوريا او قوى غيبية سحرية ، وعليه من حقنا هنا ان نتساءل ، او نسأل الاستاذ الفيلسوف ( الدكتور طيب تزيني / انظر مقدمات اولية / مصدر سابق / ج 4 / الباب الثالث : فصل اول : جدلية الاستثنائي والعادي في شخصية محمد / ص 385 ط اولى ) صاحب نظرية (الاستثنائية ) حول المبررات التي دفعته الى تبني الاستثنائية في دراسة الظاهرة القرانية ؟. وهل يكون او تكون الاستثنائية ايضا من ضمن المفردات العلمية والتطورية التي يتمشدق بها الاشتاذ العلمي التطوري الدكتور طيب تزيني لتحليل الظواهر الاجتماعية الثقافية الانسانية البشرية ؟.
طبعا لو كان مصطلح ( الاستثنائي ) مطروحا من خلال العقل الاسلامي ، لكانت الحملة قد استعرت على هذا التخلف الذي يفسرّ ويّحلل الظواهر الاجتماعية باسم الاستثنائي ، ولكن بما ان العقل العلمي المادي - مدعي العلمية - التطوري هو الذي يطرح ( مصطلح الاستثنائي ) فعلينا ان ننظر لهذا ( الاستثنائي ) باحترام وعلمية - لااعرف حقيقة لماذا - ولكن ومع ذالك من حقنا معرفة هذا الاستثنائي لمّ كان هنا علميا وسادّا وراتقا لفتق الانعكاس الحتمي لعملية انفصال الثقافة القرانية عن بنى الاجتماع الانساني العربي انذاك ؟.
الحقيقة ان العقل العلمي وبأطلالة بسيطة على ظروف الواقع الاجتماعي العربي ابّان ولادة الكلمة القرانية ( اقرأ ) سيلاحظ وبدون اي شك ، ان هذه الكلمة لم تولد من رحم البنية الاجتماعية العربية القائمة آنذاك ، كما انها لاتمثل باي حال من الاحوال عملية انعكاس لبنية اجتماعية مادية ( كمصطلح علمي يهدف الى التأكيد على ان كل ماهو فكري فهو بالضرورة مادي ) سواء كانت لمرحلة ولادة الكلمة القرانية او لما قبلها من بنى تاريخية اجتماعية ، وعليه كيف للعقل العلمي وهو مادي الاتجاه والمعرفة والافق ان يّوفق بين اطروحته القائلة بالحتمية الانعكاسية بين ثقافة المجتمع وبناه الاقتصادية المادية ، وبين هذا الفرق والخرق الواضح لهذه المعادلة في اطروحة الاسلام القرانية ؟.
هنا لابد من البحث وداخل اطار المادية ايضا من مبرريسدّ من هذا الفتق الايدلوجي ، فكان ( الانقطاع التاريخي ) من جهة مبررا لحلحلة هذا المازق الفكري الايدلوجي ، و ( الاستثنائية ) السحرية من جهة اخرى - مع الاسف - كافيتان كرؤية لارضاء الضمير العلمي التطوري المادي ، في عملية تناول الظاهرة القرانية كمنتج ثقافي ومعرفي لحقبة زمنية اجتماعية لاتعرف من ( اقرأ ) الا انها عار حقيقي لاينبغي لابناء الليل الاقتراب منه او لم يكن بمقدور هذه البنية الانفتاح عليها ؟.
الحقيقة ان معادلة ( الاستثنائي ) هي ماتثير القلم الاسلامي على المناقشة والمجادلة في هذا الموضوع ، باعتبار ان مصطلح ( الاستثنائي ) ايضا مطروح اسلاميا على او حول الكلمة القرانية ، ولكنه استثنائي من نوع اخر يختلف عادة عن مصطلح (الاستثنائي ) المادي ، فياترى ماهو الفرق بين الاستثنائي المادي في موضوعة الكلمة القرانية ، وبين الاستثنائي الاسلامي في نفس تلك الموضوعة ؟.
ان الاستثنائي في الفكر الاسلامي هو اللابشري المنخرط في البشري في واقع الحياة الانسانية ، وعندما يقول الفكر الاسلامي ان الطرح القراني طرحا استثنائيا ، فانه يقصد ان هذا الطرح لابشريا في ابعاده ومقاصده وتراكيبه الفكرية مع انه من الجانب الاخر بشري الاهداف والحوار والرؤى ، ولذالك هو معجز لايستطيع البشر الاتيان بمثله ( لاستثنائيته ) الغريبة ، وكذا عندما يطرح الفكر الاسلامي مصطلح الاستثنائي في او على شخصية الرسول الاعظم محمد ص ، فانه ينطلق من كون الاستثنائية في هذه الشخصية تتبلور في كونها ظرفا رساليا استطاع الانفتاح على الافاق الكونية اللاهوتية الاسلامية لتنفتح من ثم عليه تلك الافاق الكونية ، ولتجعل منه نموذجا استثنائيا غير مهيئا لباقي البشر كحالة طبيعية ، فهو :( قل انما انا بشر مثلكم يوحى اليّ ...) استثنائي من جهة وبشري من اخرى ؟.
واستثنائيته تلك ليست بشرية تتبلور في عبقريته الفكرية او قدرته النفسية الشخصية او تألقاته الروحية المنقطعة النظير ، كلا بل استثنائيته في كونه متصلا لاهوتيا منفتحا كونيا مستقبلا لمرسلات العالم المطلق خالق العالم المحدود والمادي ؟.
اما الاستثنائي المادي فهو استثنائي بشري مادي فحسب من جميع ابعاده الفكرية والنفسية والروحية ، يقول ممثل الاستثنائية الجديدة :( كان محمد يمثل شخصية استثنائية ، بقدر ما مثل شخصية عادية . أما ( استثنائيته ) فقد كمنت في قدرته الذاتية الهائلة على الاستجابة ، بفاعلية ذكية مركزة لوضعيته الاجتماعية المشخصة ، بمثابتها لحظة تقاطع وتوتر تاريخي انعطافي ............. / د : طيب تزيني / مقدمات اولية / مصدر سابق / ص 385 ) .
ومع اننا لانستطيع القبول بهذه المصادرة الفجة لظاهرة الاعجاز اللاهوتية الاسلامية باسم الاستثنائية ، ولكن مع ذالك الا يحق لنا ان نستفهم عن تلك الاستثنائية المادية الاعجوبة التي هيئت من محمد ص ان يكون محركا وملتقطا لمفصل تاريخي غير من وجه الكرة الانسانية بالتمام ، فهل هذه الاستثنائية العلمية والحتمية هي استثنائية بشرية بالامكان تكرر نموذجها الانساني باعتبار انها فعل انساني محتمل الوجود علميا ؟. ام ان هذه الاستثنائية من نوع الاستثنائيات الخارجة عن المقدرة البشرية في الماضي والحاضر والمستقبل ؟.
اذا كانت هي من نوع الاستثنائات اللامتكررة بشريا ، فلا اشكال يذكر بيننا وبين الاستاذ تزيني ، اما ان كان المقصود الاستثناء البشري المحتمل وجوده ، فليدلنا الاستاذ الفيلسوف عن ذالك المحتمل البشري الذي بامكانه ان يتمثل ما قام به وما قدمه رسول الله محمد ص ، فليرشدنا العقل الحتمي العلمي الى الشخصية الانسانية التي تكررت بعد محمد ص ، لنطالبها بان تأتي بما اتى به محمد رسول الله من فكر وثقافة وعلم قراني ، لنسقط كل هذا الكيان المسمى اعجازيا ب ( القران الكريم ) ولنتنور من ثم الى كون هذا المنتج الفكري والعلمي والثقافي القراني الذي جاء به محمد بالامكان طرح مثله واعمق منه فكريا وعلميا ونفسيا واجتماعيا وكونيا وفلسفيا واقتصاديا ........الخ من انسان استثنائي اخر ؟.
هل يتمكن دعاة الاستثنائية في شخصية الرسول المعظم محمد بن عبدالله ( روحي له الفدى ) من الاتيان بأنسان أمي لايقرأ او يكتب ، ليطرح ثقافة وعلما وفكرا خلق أمة وبنى حضارة ، وغير مجرى تاريخ وصنع رؤى وشيد اطروحة ....الخ ؟.
ولكن ومن جانب اخر نتساءل حول الدوافع الفكرية والممونات التأملية التي دفعت العقل العلمي الحتمي للجوء الى ( الاستثنائية ) في قراءة الكلمة القرانية ، ولماذا والحال ان المدرسة العلمية الحتمية تؤمن بالعلم والواقعية والمادية فحسب التجأت في هذا المنعطف للاسطورية والخرافية واللامادية واللاعلمية في موضوعة ( الاستثنائية ) في دراسة الكلمة والشخصية الرسالية الاسلامية المحمدية ؟.
كان من حق الرؤية العلمية ان لاتتنازل عن الحتمية الانعكاسية بين بنية المجتمع ووعيه الثقافي ، كما انه كان بالامكان الاكتفاء برؤية ( القطع التاريخي ) والتي يطرحها البعض من المفكرين والفلاسفة المنتمين الى المدرسة العلمية المادية ، فلماذا والحال هذه كانت النقلة او القفزة نحو الاستثنائية العلمية ؟.
نعم الاستثنائية توفر الاغراض المادية هنا اكثر مما توفره رؤية ( القطع التاريخي ) هناك ، فرؤية القطع ليس بامكانها الجواب على : لماذا لم تتمكن اي بنية متطورة اجتماعية اخرى عربية من ولادة اطروحة اسلامية قريبة او مشابهة من الطرح القراني ؟. كما انها لم تتمكن من تفسير كيفية ولادة الظاهرة القرانية نفسها من انسان أمي لايقرأ ولايكتب ، فلو فرضنا - مثلا - ان بنية الاجتماع العربي انذاك كانت مهيئة لولادة ثقافة كالثقافة القرانية ، فهل من العلمي والممكن ان تكون بنية محمد الامية فكريا قادرة على مثل هذا الانتاج المعرفي الثقافي ؟...... الخ
اما مايتعلق في ( الاستثنائية ) فالواقع مختلف ، فالاستثنائية المادية هنا كالاسطورة البدائية التي توحي بكل ما لم يستطع العقل والعلم الانساني تفسيره في السابق ، ومن ثم رميه على قوى اللامرئي والغيبي ، الا ان هنا الاستثنائي بدلا من الغيبي لتكون المعادلة قائمة على ان : محمد الاستثنائي القادر على الاتيان بالقران الاستثنائي العامل والمحرك للحظة الاستثنائية والمنتج لكل ماهو استثنائي ......الخ ؟.
ان هذه الاستثنائية هي التي فتحت ابواب التأمل حول الانسان الامي الذي تمكن من الاتيان بالمقروء المعجز ، فلو كانت الاستثنائية قادرة على خلق ظاهرة انسانية ثورية ، فهل هي قادرة ايضا على ايجاد كل هذا العلم المقروء من انسان أمي لايقرأ ولايكتب ؟.
بالامكان سحب الاستثنائية على تطوير الفعل الانساني والامكانية الانسانية ، ومن ثم تبلورها الى حالة اعمق واكثر نضوجا ، ولكن هل بامكان سحب هذه الاستثنائية على اللاشيئ لتحل منه شيئ فعليا ؟. فهل بامكان الاستثنائية من جعل محمدا رسول الله ص الامي قارئا مثلا ؟.
كلا بالطبع ليس في امكانية الاستثنائية الانسانية مهما بلغت من قوة ان تخلق من لاشيئ شيئا موجودا ، وعليه كانت الاستثنائية مدخلا لقراءة الشخصية الرسالية المحمدية الاسلامية فحسب، فهي وعلى هذا المنحى استثنائية حتى في حياتها الطبيعية الانسانية ، والتي لم يدرك الكثير من الذين تناولوها بالبحث والدرس انها شخصية بما انها استثنائية فيجب ان تكون مثقفة وقارئة وعالمة ؟.
ان اصحاب الاستثنائية ادركوا هذه المرة ايضا اعجازية مقولة ( الامي ) من جهة ، و ( القراني ) المقروء من جهة اخرى ، فاذا كان بالامكان القفز على حقيقة ان ليس بامكان البنية العربية انذاك من انتاج ثقافة وفكر بوزن الثقافة والفكر القراني الراقي ، فليس بالامكان القفز على حقيقة ان ( اقرأ ) لايمكن صدورها من الانسان الامي الغير كاتب او قارئ بالفطرة ؟.
وعليه لابد من مناقشة اطروحة ( الرسول الامي ) باعتبار ان العقل العلمي الحتمي لايمكنه تفسير وتحليل هذه الظاهرة ماديا ، فمن اين لرؤية علمية مادية لاتؤمن باي نوع من انواع الاستثناء الاسلامي ، ان تحلل ظاهرة انسان أمي فكريا وروحيا وماديا كتابيا وأقرائيا ، ان ينتج هذا الكم الهائل من المعرفة والقراءة والعلم ؟.
اذا وباعتبار انه لايمكن الشك في الحتمية العلمية وكذا حتمية الانعكاس المادي فعليه من اين اتت مقولة الرسول الامي حسب رؤية العقل المادي الحتمي ؟.
الحق ان الكثير من المفسرين والفقهاء والاسلامويين في التاريخ وحتى اليوم - حسب وجهة النظر الحتمية المادية - ، وتدعيما لمقولة ( اعجازية أمية الرسول ) الاسطورية ، حاولوا تفسير كل النصوص التي تشير الى امية محمد على اساس انها اشارة لعدم ملكة محمد للقراءة والكتابة ، والحقيقة غير ذالك تماما ، ولكن وباعتبار ان المفسرين والفقهاء التقديسيين ارادوا ان يسبغوا على قرءان محمد الاعجازية المنقطعة النظير الاتية من انسان امي ، حاولوا جهد المستطاع ا لتغييب من حقيقة امكانية قراءة محمد وكتابته ، فهناك الشواهد التاريخية والقرانية والسيرية التي تشير الى تمكن محمد من القراءة والكتابة والثقافة العالمة غيبها العقل الاسلامي الاسطوري لضمان مقولة الاعجاز من مثل :
اولا : ان مصطلح ( الامي والاميين ) القراني لم يكن مطلقا يشير الى الجهل في الكتابة والقراءة : ( الذين يتبعون الرسول النبي الامي ../ 157 : الاعراف / - ذالك بأنهم قالوا ليس علينا في الاميين سبيل ../ 75 : آل عمران .....الخ ) وانما كان يشير الى ( أم القرى ) وهي مكة كمكان جغرافي يتوسط جزيرة العرب ، ومن ثم كان اطلاق كلمة ( أم ) في لغة العرب على كل مرجع ومتوسط ترجع اليه الفروع الجغرافية او غيرها ، وهنا مثلت مكة جغرافيا أمّا لجميع الانتشار الجغرافي العربي ومرجعا لهم ، فقوله ( الامي والاميين ) ماهو الا تعبيرا عن مصطلح جغرافي فحسب وليس تعبيرا معرفيا او فكريا؟.
ثانيا : ان القران نفسه يقول بامكانية محمد على القراءة ، وذالك منطلقا من كون ( اقرأ ) القرانية دلالة على ان المخاطب قارئا للمقروء لاسيما ان مقولة ( ما اقرأ ؟.) الرسالية تدل على الاشكال في ماهية المقروء المطلوب قراءته ، وليس نفي ملكة القراءة ، وهكذا في قوله :( لقد منّ الله على المؤمنين اذ بعث فيهم رسولا منهم يتلوعليهم اياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وان كانوا من قبل لفي ضلال مبين ) فهنا القران يصرح ان اول واجبات النبي هو تعليم القران لاتباعه ، وان اقل ما يتطلب مثل هذا التعليم هو قراءة المكتوب واستعمال ادواة القراءة كالقلم ؟.
ثالثا : السنة النبوية كذالك تشير الى ان محمدا قد طلب من اصحابه دواة وكتفا في قوله :( ايتوني بدواة وكتف أكتب لكم كتابا لن تضلو بعده أبدا ) في اثناء وفاته ، وكذالك هناك رواية عن أئمة اهل البيت عن ابي عبدالله قال : كان مما من ّالله عزوجل على رسول الله ص أنه كان يقرأ ولايكتب ؟. وبهذا دلالة على امكانية محمد على القراءة والكتابة .
رابعا : المصادر السيرية والتاريخية هي الاخرى تؤكد مقدرة محمد على القراءة والكتابة ، كحادثة صلح الحديبية ، عندما اعترض المفاوض القرشي سهيل بن عمرو على كتابة ( محمد رسول الله ) وطالب بالغائها فاعتذر الكاتب علي بن ابي طالب في رفع جملة ( محمد رسول الله ) من الصحيفة لشدة توقيره لمحمد ، فمحاها محمد بيده ، ليدلل على معرفته بالقراءة ؟.
خامسا : العقل السليم كذالك لايقبل مقولة أمية محمد ، باعتبار ان كافله الثاني عمه ابو طالب ، كان من احرص الناس على الرقي بمحمد في كل شأن ، ولايمكن لمثل هذا الرجل الذي دفع ولده الاصغر علي بن ابي طالب لتعلم القراءة والكتابة وهو صغير ان يغفل عن تعليم محمد هذه الملكة ، وهو المدلل عند ابي طالب بل وصاحب الحظوة الاعلى من ابنائه الصلبيين كعلي وغيره ، فهل يعقل تقصير ابو طالب في تعليم محمد القراءة والكتابة بينما يحرص على تعليم ابنه الاصغر عليا اياها ؟....الخ
الحقيقة ان العقل العلمي المادي ، وحتى بعد طرح كل هذه الاشكاليات في موضوعة ( امية الرسول الاعظم محمد ص ) للتخلص من مأزقية المادي والثقافي كمنعكس حتمي ، لم يوّفق - مع الاسف- للوصول الى اهدافه الغير معلنه علميا ، فهو يحاول الرتق لجلبابه الايدلوجي المهترئ من جانب ، ولكن يتسع الفتق على الراتق من جهة اخرى ، هذا وبغض النظر عن ان العقلية المادية ، وكما اشرنا مرارا انها عقلية منغلقة غير مستوعبة لفكر الاخر ، فكيف لها مجادلته ونقده ، وهي لم تتحمل اعباء الاستيعاب والفهم للفكر الاخر ؟.
ان ما ذكره العقل الحتمي بشأن ( أمية ) الرسول الاعظم محمد ص ، ماهو الا محاولة تملص غير موفقة تماما ، فلو فرضنا جدلا ، ان كل ما قيل انفا هو حق ، وان العقل الحتمي المادي قد اكتشف الدرة الثمينة واتى بالحكاية الحقيقة من اولها حتى الاخر من ذيولها فهل كانت الاعجازية الرسالية القرانية تتأثر بكل ماذكر من اكتشافات يعتقد العقل المادي انه المكتشف لاسرارها التاريخية ؟.
بالطبع كلاّ ؟.
ان الاشكالية الحقيقية للعقل المادي انه لايريد ادراك حقيقة الكلمة القرانية واعجازيتها اللاهوتية ، فهو لذالك اعتقد - كعادته - ان سّر قوة الكلمة القرانية تكمن في مفصل او مقولة: ( الانسان الامي الذي اتى بالمقروء ؟) وعليه كان جلّ اهتمامه منصبا على الكيفية التي يدحر فيها مقولة ( عدم الامية ) للرسول الاعظم محمد ص ، فهو لذالك مجتهد في التقاط كل شاردة وواردة للتأكيد على حقيقة ( ثقافة ) محمد الكتابية والقرائية ، واستثنائيته الفكرية والعلمية ، ولهذا ايضا نجد العقل المادي شديد السعادة وهو يطرح الاشكاليات على هذه النقطة او تلك من النقاط الفكر اسلامية والتي طرحها العقل الاسلامي نفسه قبل المادي وناقشها بموضوعية وعلمية لم يتوصل لها العقل المادي مع الاسف ؟.
وعلى هذا نقول لو فرض جدلا ان محمدا المعظم ص كان كاتبا وقارئا فهل يتغير من المعادلة شيئ يذكر ؟.
كلاّ بالطبع فالاعجازية القرانية متحدية المثقف والعالم والكاتب والقارئ قبل الامي والجاهل والساذج والفطري ...، وعليه فسواء كان النبي الاعظم محمد ص قارئا او لم يكن كذالك وكان اميا ، فلا فرق بالنسبة لاعجازية الكلمة القرانية على الاطلاق ، وحتى ان كان الرسول الاعظم ص قارئا وكاتبا ومثقفا وعبقريا ....الخ ، فليس الاشكال في انه هل كان او لم يكن ، ولكن الاشكالية القرانية الاعجازية انه لامحمدا ص كأنسان ولا غيره من البشر هو قادر على الانتاج الثقافي لمثل هذا القران العظيم ، ومن هنا نحن نؤمن كمسلمين ان الثقافة القرانية او الكلمة القرانية منفصلة تماما عن محمد كرسول ومبشر ومنذر : ( وما محمد الارسول ...) ، كما هي تنأى بسموها العالي ان تكون نتاجا لبنية اجتماعية هنا اوهناك ، ومن هذا نفهم ان موضوعة الامية الرسالية او غيرها لاتقدم ولاتؤخر بموضوعة المقدس القراني الاسلامي ، والمقدس القراني هو من اضفى القداسة على الرسول البشري ، وليس الرسول البشري هو الذي اضفى القداسة على الثقافي القراني ، بمعنى : ان ليس التقديسية كما يدعي العقل المادي هي التي دفعت الفقهاء والاسلاميين للتأكيد على أمية الرسول محمد المعظم ص ليحرزوا القداسية والاعجازية على رسالة الرسول الامي الذي اتى بالمقروء المعجز ، وانما المقروء المعجز هو مصدر القداسة للرسول الانسان سواء كان هو قارئا او لم يكن قارئا ولامثقفا ولا كاتبا .....الخ ؟.
ولكن ومع ذالك للنناقش الاشكالات التي ذكرها العقل المادي حول ( أمية ) الرسول الاعظم محمد ص ، لنرى هل حقا كان العقل المادي موفقا هذه المرة بكل الاستدلالات والدلالات التي ذكرها فكريا وقرانيا وتاريخيا وسيريا وعقليا ؟.
اولا: - يرى العقل المادي : ان مصطلح ( الامي والامية ) في القران الكريم ماهو الاتعبيرا عن مفهوم جغرافي ، وليس له بمفهوم الامية الكتابية والجهل بالقراءة اي اتصال ، والدليل على ذالك ان اللغة العربية تستخدم مصطلح ( الام ) لكل مركز اجتماع جغرافي ، ولذالك سميت مكة ( أم القرى ) والنسبة اليها ( أمي وأميين ) - ( لتنذر أم القرى ومن حولها ../ قران كريم ) ؟.
ان الغريب حقا في هذه اللفتة الفكرية المادية ، انها تتجاهل ان ( أمية ) الرسول محمد ص لم تستنبط فقط من مصطلح (الامي ) فحسب ، ولكنها ايضا مستنبطة من مفاهيم عديدة اخرى في القران الكريم ، مثل قوله سبحانه :( ماكنت تتلو من قبله من كتاب ولاتخطه بيمينك اذا لارتاب المبطلون / قران كريم ) وطبيعي ان القران عندما ينفي التلاوة والخط فانه يؤكد على الامية الكتابية والأقرائية ، كما ان مناهضي الاطروحة الاسلامية من العرب قد ادركوا صدق مقولة الامية الرسالية كتابة وقراءة ، ولم يستخدموا في حربهم ضد الاسلام الا مقولات التعليم من الاخرين للرسول الاعظم باعتبار انهم على اطلاع تام على حياة محمد ومن انه لم يتعلم صنعة القراءة والكتابة ، وهذا شيئ لايخفى في مجتمع كان عدد القرّاء والكتاب فيه سبعة عشر انسانا فحسب ، وعليه كانت ممونات مناهضتهم تقول كما حدّث القران الكريم :( ولقد نعلم انهم يقولون انما يعلمه بشر لسان الذين يلحدون اليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين / 103 : النحل ) باعتبار انهم مدركون ان محمدا ص لم يقرأ كتابا مقدسا وغير مقدس ليتمكن من طرح كل هذه الدقة التاريخية ، فلجأوا لمقولة التعلم من الاخرين شفهيا ؟.
ولكن حتى بغض النظر عن هذه النقطة التي تؤكد على الامية من جانب آخر ، فان مقولة العقل المادي وتحليلها مصطلح ( الامي والامية ) على اساس انه مصطلح جغرافي ، ايضا هو تحليل غير موفق ، باعتبار ان اللغة العربية تقول غير ذالك تماما ، فلو قبلنا ان اللغة العربية تطلق على كل وسط استقطاب جغرافي او غيره كلمة ( أم ) كأم القرى لمكة ، وأم الكتاب للفاتحة ، وأم الانسان باعتبارها المرجع الطبيعي ...الخ ، فان نفس هذه اللغة الراقية لاتقبل النسبة التي ذهب اليها العقل المادي الامي لغويا ؟.
ان للمفسرين المسلمين ثلاث تفسيرات او مرجعيات للكلمة القرانية ( أمي ) .
1 - : غير المتعلم للخط والكتابة والقراءة وهي كلمة منسوبة الى ( الأم ) فالامي هو الذي بقي على فطرة الامومة من عدم التعرف على المعارف والكتابات والمعلومات الانسانية ، فلذالك هو ينسب الى الفطرة الاولى للامومة فهو امي ؟.
2 - : الانسان المنسوب الى ( أمة ) وهم المجموعة من البشر والذين يشكلون نمط موحد من الصفات ، ك ( العامي ) المنسوب الى صفات العامة من الناس ، وباعتبار ان العرب آنذاك كانت الصفة الطاغية والمشخصة لوجودهم الاجتماعي هي ( الامية ) اي صفة عدم ملكة القراءة والكتابة ، فقد سمو اميين لعدم وجود كتاب لديهم مقروء او مكتوب ، ولعدم تمكنهم من القراءة والكتابة بصورة عامة ، ولذالك كان يطلق اصحاب الكتب السماوية الاخرى صفة ( الاميين ) على الاجتماع العربي الجزيري :( ذالك بانهم قالوا ليس علينا في الاميين سبيل .../ وقل للذين اوتوا الكتاب والاميين أاسلمتم .../ )
3 - : تطلق كلمة ( أمي ) على المشركين العرب الذين لم يكن لديهم كتاب سماوي :( وقل للذين اوتوا الكتاب والاميين .) باعتبار وضع الكتاب قبال الامية ؟.
وعلى هذا لاذكر للجغرافوية كمرجع لكلمة ( أمي ) كما ادعى العقل المادي ، ومن ثم وباعتبار ان العقل المادي ليس له اي تأهيل بفهم اللغة القرانية ، فان دعواه تلك ردت عليه من منطلق ، انه لو كانت الجغرافية ( ام القرى ) هي المرجعية الواقعية لكلمة ( أمي ) لكانت النسبة اليها لغويا هي ( قروي ) وليست ( أمي ) باعتبار ان ( أم القرى ) نسبة وصفية في اللغة العربية وليست علمية لتكون ( امي ) منسوب الى ( ام القرى ) الجغرافية ، بمعنى : ان القواعد الادبية كانت تقتضي ان يقال ( قروي ) لا ( أمي ) لمحمد المعظم ص حسب قاعدة النسبة في علم الصرف وهي تقرر انه عند النسبة للمضاف والمضاف اليه وخصوصا عندما يكون المضاف اليه هو الأب او الام او البنت هذه النسبة تكون للمضاف اليه لا للمضاف فنقول :( طالبي ) في النسبة الى ابي طالب وحنفي وتميمي ..، وكذا قروي في ( أم القرى ) ؟.
ومن هذا المنطلق ندرك تعملات وتمحلات الفكر المادي وخوضه بما لايدرك اساسا فكان الاساس في تخبطه في مصطلح ( الامي والاميين ) معا .
ثانيا :- عندما حاول العقل المادي القفز على البعد القراني لكلمة ( اقرأ ) الاسلامية وتجييرها لصالح منطلقاته الايدلوجية في حتمية الانعكاس المادي ، ارتأى ان يقرأ ( اقرأ ) القرانية ماديا فحسب لتكون ( اقرأ ) القرانية دلالة على نفي الامية الكتابية للرسول الاعظم محمد ص ، ولكن بما اننا ذكرنا الابعاد الفكرية والنفسية لاقرأ القرانية في بحوث سابقة فلامبرر لللتكرار هنا ثانيا ، كذالك لامبرر لذكرنا لمقولة ( ما انابقارئ .) النافية للملكة في مقابل ( ما اقرأ ) السائلة عن الماهية للمقروء وللمكتوب ، فالكفة متوازنة هنا في الرد كما هي في القبول بهذا الرأي ، وعليه وكما ذكرنا ان امية الرسول لم تستنبط من مورد واحد ، فكذا من يقول ( عقليا ) بانه يفترض على من يريد تعليم القران المقروء فعليه ان يكون متمكنا من ادوات القراءة والكتابة ، فهذا المنحى يصلح عندما نحتاج الى معلم صبية في مدرسة عصرية ، اما والحال اننا نتحدث عن رسالة سماوية ، فاللرسالة السماوية حيثياتها المختلفة في التلاوة والاعجاز والمعلم والرسول والقراءة ؟.
ثالثا :- بغض النظر عن ان اللغة العربية تساعد مجازيا على ارادة : ( ايتوني بدواة وكتف اكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده ابدا ) ان يكون الكاتب هو غير النبي ( باعتبار ان هناك مايسمى بالاسناد المجازي في اللغة العربية ) فان هذه المقولة الرسالية لاتوحي من بعيد ولامن قريب ، ان محمدا رسول الله كان كاتبا وقارئا ، بل كل ما توحيه هي مقولة قائد رسالي بحاجة الى من يوثقها كتابيا ، وهذا كل مافي الامر ولذالك كان من المفترض وباعتبار ان هذا الطلب الرسالي من محمد رسول الله ص كان في اللحظات الاخيرة من انفاسه ، فان هذا الواقع لايساعد الا على فهم الطلب من كونه ارادة كتابة مقول مهم لايستطيع قائله بالقيام به بنفسه لعلة المرض الشديدة او لعلة عدم المقدرة على الكتابة ، وفي كلا الامرين لاتوحي بمقدرة او على ملكة قراءة او كتابة ؟.
وكذالك ايضا وبغض النظر عن ان الرواية التي ذكرت عن الامام جعفر بن محمد الصادق ( احد أئمة الشيعة الامامية والذي ينتهي نسبه الى علي ابن ابي طالب ع ) هي رواية ضعيفة السند ( انظر : النبي الامي / مرتضى المطهري / الدار الاسلامية / ص 15 ) ولكنّه مع ذالك لاتوحي هذه الرواية الا على ان :( الله قد منّ على محمد بالقراءة دون الكتابة ) وهذه المنة هي بالضرورة بعد الرسالة والنبوة والحديث يدور الان حول حياة الرسول المعظم محمد ص قبل النبوة وامتلاكه كسبيا لعملية القراءة والكتابة ، ولم يكن الحديث يدور حول المنّة اللاهوتية على محمد ص ؟.
رابعا :- كذالك هي الحال في صورة صلح الحديبية ، وما قام به الرسول الاعظم محمد ص من مسح كلمة ( محمد رسول الله ) بنفسه ، فهي الاخرى عملية لاتوحي بامكانية الرسول الاعظم على القراءة والكتابة ، وبغض النظر ان بعض من رووا الحادثة قالوا : بان الرسول الاعظم طلب من علي بن ابي طالب ان يرية الكلمة ليمسحها ، فان كل الروات لم يذكروا ان النبي كتب بعدها هذه الكلمة ، بل الكل تقريبا متفق على ان علي بن ابي طالب هو من كتب بعد المسح ، وعليه فلا مبرر لحمل هذه الحادثة الجزئية ، او الاستنباط منها ان محمدا رسول الله كاتب وقارئ ؟.
خامسا : - ان العقل السليم الذي تتحدث عنه المدرسة المادية ، والمنطق العقلي الذي فرض عليها مقولة : عدم واقعية ان يقوم ابو طالب كافل الرسول الاعظم محمد بتعليم ولده الصغير على ابن ابي طالب القراءة والكتابة واهمال محمد في هذا الجانب ؟. هذا العقل وذاك المنطق لاعلاقة له بالنقل التاريخي الموثق ، فللتاريخ عوائده الانسانية المختلفة من زمان الى اخر ، وربما كان في زمن علي بن ابي طالب نوع اهتمام للقراءة والكتابة هو مادفع ابا طالب لتعليم ابنه علي للقراءة والكتابة ، بعكس الجيل الذي عاش فيه محمد رسول الله ص وهو الجيل الاسبق لجيل علي ع ، ومن الطبيعي ان لكل جيل عوائده واخلاقياته المختلفة ، وعليه فلم تكن حقبة محمد ص التاريخية تميل الى اي نوع من الاهتمام بالمقروء والمكتوب انسانيا ، وعليه فليس ابو طالب هو من قصّر في جانب تعليم محمد ص القراءة والكتابة بينما رحب في الجانب الاخر ، بل كان التاريخ هو الحاكم في طبائع الاجيال وتقدم ادراكاتها هنا وهناك ؟.
وعليه فليس هناك ما يدعونا وعقليا ان نعتمد على الفرض العقلي القائل : بما ان ابا طالب دفع صبيه علي ع الى تعلم القراءة والكتابة ، فينبغي ان يكون غير بخيل بهذه الصفة على محمد ص ، ومن ثم نستدل هكذا على ان محمدا كان قارئا وكاتبا انطلاقا من هذا الفرض العقلي الذي لايمت بصلة للدراسات التاريخية بشيئ ؟.
ان دراسة التاريخ - وهذا ما لم يلتفت اليه الكثير - ينبغي ان تكون وحسب مايذكره ( ابن خلدون في المقدمة ) ناظرة بشيئ من التاكيد ، على المتغيرات التي يفرضها الزمان هنا وهناك على العوائد والسلوكيات الاجتماعية الانسانية ، فربما كان التعليم للقراءة والكتابة عار في حقبة من الزمان ( وهذه الظاهرة كانت موجودة حتى عصر قريب من واقع حياتنا الاجتماعية في العراق وغيره من المجتمعات بسبب ان التعليم يرخي من عزيمة الرجال المقاتلين وهذا صحيح علميا ؟.) ولذالك تكون هناك نوعا من النظرة اللامبالية لموضوع تعلم القراءة والكتابة في بعض المجتمعات الانسانية ، وهذا حقيقة هو الموقف العربي ابّان الفجر الاسلامي فلم تكن الكتابة والقراءة بالشيئ الضروري لحياة سكان الجزيرة العربية المحتاجة للمقاتل اكثر من حاجتها للمتعلم ، الا في بعض الزوايا التي تكون فيها القراءة والكتابة والتدوين والحفظ ، شيئا ضروريا لاعمال التجارة وكتابة العهود والمواثيق في العالم الاقتصادي والسياسي ، واذا اردنا هنا تحليل سلوك ابي طالب تاريخيا وحسب النظرة العلمية التاريخية ، فعلينا ان ننظر للامر من زاوية ان ابا طالب هو بحاجة حقيقية الى كاتب وقارئ ابّان نمو تجارته المتواضعة انذاك فلاريب والحال هذه من دفع ولده علي ابن ابي طالب لتعلم الكتابة والقراءة للاستفادة من هذه الملكة ، اما مايختص بمحمد رسول الله ص فربما كان الامر انذاك مختلف تماما ، وعلى هذا نقول ان عدم تعليم محمد ص القراءة والكتابة من قبل ابي طالب ، او الاصح من قبل جده عبد المطلب اولا كان هو بمثابة علو منزلة لمحمد رسول الله ص حسب عوائد واخلاقيات وسلوك المجتمع العربي آنذاك وليس العكس فافهم ؟.
ان أمية الرسول الاعظم ص لم تكن مثار جدل او تشكيك حتى من قبل اكبر الكتاب التاريخيين والمعاصرين الغربيين منهم والشرقيين لوضوح هذه الموضوعة لكل من اطلع او درس حياة محمد العظيم ص ، فهذا ( كارليل ) في ( الابطال ) يقول : يجب ان لاننسى شيئا وهو ان محمدا لم يتلق اي تعليم لدى اي معلم فقد كانت صناعة الخط قد وجدت حديثا بين الشعب العربي . أعتقد أن الحقيقة هي ان محمدا لم يكن يعرف الخط والقراءة ولم يكن يعرف الا حياة الصحراء .
اما ( ديورانت ) في ( قصة الحضارة ) فيقول : ولكن يبدو أن احدا لم يعن بتعليمه - الرسول الاعظم محمد ص - القراءة والكتابة . ولم تكن لهذه الميزة قيمة عند العرب ( لا اعلم لماذا الشهيد المطهري ذكر الاعراب بدلا من العرب في كتيبه الصغير حول الموضوع ؟.) في ذالك الوقت / ج 13 / ص 21.
وما يتعلق ب ( كونستان ورزيل كيوركيو ) في ( محمد النبي الذي تجب معرفته من جديد ) فيذكر القول : مع انه كان اميا فانا نجد الحديث عن القلم والعلم أي الكتابة والتكتيب ، والتعلم والتعليم في اوائل الآيات النازلة عليه ، ولم يكن في اي من الاديان الكبرى اهتمام شامل بالمعرفة ولايمكن ان نجد دينا يحتل العلم والمعرفة فيه محلا بارزا كما كان الامر في الاسلام .......الخ ؟.
وهكذا ما هؤلاء الا القليل ممن ذكر ( أمية الرسول ) كموضوعة مسلم فيها من منطلق الدراسات التاريخية والاجتماعية والعلمية ، والكل تقريبا قد تسائل حول النقلة والقفزة وبعد الشقة بين بنية الاجتماع العربي التي كانت قائمة وبين المعارف والعلوم والثقافة التي طرحها القران الكريم ك ( لامنعكس ) اجتماعي عن الوضع القائم ، فضلا عن حتمية هذا الانعكاس واسطوريته ؟.
ان حتمية الانعكاس بين البنى المادية والبنى الثقافية لاي مجتمع ، وكما تطرحه بعض المدارس الفكرية ، هي موضوعة لها نوع من العلمية والفكرية ، ولكن مايستشكل على هذه المدارات المادية انها تدعّي العلمية وهي - حقيقة - ابعد شيئ عن العلمية او الفكرية ، ولعل - هنا - ومن خلال هيمنة العقل السياسي على هذه المدارس ، قد حول المفاهيم الفكرية والعلمية في هذه المدرسة الى مجرد وسيلة يحركها العقل السياسي حسب التوجهات التي يفرضها هذا العقل السياسي ، ولذالك نجد ان المدرسة المادية والتي طرحت موضوعة ( الانعكاس الحتمي ) هي طرحته من منطلقات سياسية بحتة ، حتى من غير ان تدرك مفاهيم ذالك الانعكاس او حدوده او فضائاته التي تفرق بين كونه علميا اوفكريا او سياسيا ؟.
بمعنى : ان موضوعة ( الانعكاس الحتمي ) بين بنى الاجتماع ووعيه له طرح خاص في الرؤية الاسلامية ، يختلف تماما عن الطرح المادي لهذا الموضوع ، فالطرح المادي وباعتبار انه يطرح الافكار بلا علمية ولافكرية ولكن بسياسية ، فسرعان ما نجد ان رؤاه قد تهاوت امام اي منعطف يكسر من قانون الانعكاس الحتمي ، فأمام ظاهرة اجتماعية كالظاهرة الاسلامية الرسالية ، فنحن مضطرون لرؤية نظرية الحتمية التاريخية والاجتماعية الى التراجع والبحث والتخبط والقفز على الحقائق وحتى القفز على الظاهرة نفسها في سبيل الحفاظ على حتمية قانون الانعكاس ، اما في الطرح العلمي والواعي لموضوعة الانعكاس الطبيعي بين بنى الاجتماع وثقافته ، فان الامر لايعدو ان يكون انفتاح على هذا القانون ودراسته بنوع من العلمية النسبية العازفة عن التقديس لقانون ليس من شأنه ان يقدس ، فماهو ذالك الانعكاس ؟. وماهي حدوده العلمية او الفكرية ؟. وهل بامكانه العمل على كل الصعد الانسانية ام هو مختص بالجانب المادي من الحياة الاجتماعية .....الخ ؟. كل هذه الاسئلة وغيرها هو ماتطرحه المدارس الفكرية والعلمية الواعية لمواضيع الاجتماع الانساني ؟.
ان الفكر الاسلامي وباعتباره مدرسة الاجتماع الانساني ، قد طرحت موضوعة ( قانون الانعكاس الحتمي ) في بنى الاجتماع الانساني ولكن هذا الطرح كان طرحا علميا ، يؤمن بالنسبية العلمية لقوانين الحياة الاجتماعية - هذا موضوع بحاجة الى فصل مستقل لطرح الرؤية الاسلامية - وعليه فبالامكان تناول البنية الاجتماعية من وجهة النظر الاسلامية ، وتناول ما تمثله هذه البنى المادية للاجتماع الانساني على البنى الفكرية الثقافية ، وتناول قدرة تلك البنى المادية على تشكيل الفكر الانساني والحدود التي تقف عندها ، وتناول الكيفية التي تكون البنى المادية للمجتمع هي منعكس حتمي بالنسبة للعلوم الانسانية ، واخرى الكيفية التي تكون فيها تلك البنى المادية هي منعكس للفكر وليس الفكر هو منعكس للبنى المادية بصورة تفاعلية ......الى اخر هذه القائمة من المواضيع التي بالامكان تناولها اسلاميا وبصورة اكثر علمية من المدارس المادية سواء كانت ماركسية او غيرها ؟.
ان الفكر الاسلامي يرى ان البنى المادية للاجتماع الانساني ، لايمكنها الانتاج على المستوى الفكري والثقافي ، بقدر امكانياتها على المستوى العلمي فحسب ، اي ان الفكر الاسلامي ينظر للبنى الاجتماعية المادية على اساس انها تتمكن من كينونة ان تكون منعكسا في الجانب المادي للحياة الفكرية والثقافية للانسان في هذه الحياة ولكن ليس في امكانها ان تكون المشّكل الاوحد لعملية تشكيل الفكر الانساني ووعيه بصورة مطلقة ، ولذالك وفي العالم المادي تقول الاطروحة الاسلامية بواقعية البنى المادية للمجتمع على تشكيل الجزء المادي للمعلوماتية الفكرية ، فتطرح ( السمع والابصار وماينتج عنهما من عملية تركيب فكرية لتكون الافئدة مصادر للمعرفة الانسانية المادية المنعكسة عن الحياة الاجتماعية ببناها المادية :( وجعل لكم السمع والابصار والافئدة لعلكم تشكرون / قران كريم ) فما المسموعات والمبصرات ....، وكل مايتعلق بالماديات الانسانية الامرحلة اولى لتشكيل المعلوماتية الثقافية المنعكسة عن المادية الاجتماعية ولكن تلك المعلوماتية لاتكتمل بدون دائرة المحيط الفكرية والعقلية والتي تساهم وبمقدرة عجيبة على التنظيم لتلك العملية المعلوماتية المصدرة من قبل الوضع المادي للحياة الانسانية ، وكذا عندما - مثلا - يقول الرسول الاعظم محمد ص : ( مامن مولود الا ويولد على الفطرة ثم ابواه يهودانه او ....الخ ) فان مثل هذه الاطلالات الفكرية والعلمية تريد التأكيد على ان الفكر الثقافي العقائدي من هنا او هناك هو منتج بيئي وتربوي مادي ، يتشربه الانسان ثقافيا من خلال الطرح الاجتماعي المادي المحيط بالفرد الانساني ، اي ان بنى الاجتماع الخارجية المادية هي العامل الاقوى في تشكيل المنظومة الفكرية والثقافية والعقائدية لاي انسان ، وعليه فالبنى الاجتماعية المادية (من ضمنها الاقتصادية وليست هي الاساس ) لها الحتمية القوية لتشكيل ظاهرة الفكر والوعي الانسانية .......الخ ؟.
ولكن ومع ذالك فان الطرح الاسلامي لايذهب الى مادية الفكر الانساني مئة بالمئة ، باعتبار ان هناك قدرات عقلية ايضا مادية بامكانها التغلب على المنعكس المعرفي المادي ومن ثم تحليله بلا المادية ، اي ان للفكر الانساني وحسب الرؤية الاسلامية المقدرة على التفلت من قبضة المادية المعرفية المنعكسة عن الحتمية المعرفية لبنى الاجتماع الانساني ، سواء كانت تلك المعارف المادية بيئية اجتماعية او اقتصادية او حسية او ...الخ من هذه العناوين المعرفية المادية ، تؤهل الفكر الانساني على الانتاج اللامادي او المعرفة اللامنعكسة عن المادة او بنى الاجتماع المادية ، وهذا ما اشار له النص القراني الاسلامي :( واذ اخذ ربك من بني ءادم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة انا كنا عن هذا غافلين ، أو تقولوا انما أشرك اباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون / 172 ، 173 / الاعراف ). بمعنى : انه غير مقبول قولكم عند يوم الحساب انا كنا غافلين عن ادراك الحقائق الفكرية العقائدية الثقافية ، او تقولوا انا وجدنا اباءنا على هذا النمط الفكري او السلوكي او ان البيئة التربوية التي كانت تحيط بنا هي التي كانت المصدر الوحيد لمعرفتنا الفكرية والثقافية ولذالك نحن معذورون او .....الخ ؟. كل ذالك لايبرر عدم وصولكم للحقائق الثقافية والفكرية الحقة ، بسبب ان الفكر الانساني او الفكر الانساني الفطري مهيئا او قد خلق على اساس المقدرة والانتصار على التصورات والافكار التي تصدرها بنية الاجتماع المادية فحسب ، وعليه و

من هدي القران ... الكلمة ... اقرأ ؟ / 8

الأشكالات والنتائج : - اقرأ
يستشكل بعض المفكرين من العالم الاسلامي المحترم ، على بعض الحيثيات التاريخية لصورة الحدث الرسالي الاولي ، كما ان هناك من يستشكل على الصورة التي نقلت تاريخيا لصاحب الرسالة الاسلامية الرسول المعظم محمد رسول الله ص ، باعتبار ان الصورة المنقولة عن هذه الشخصية الانسانية الراقية ليست هي الصورة الواقعية والحقيقية في جانب كونه كان اميا لايقرأ ولايكتب ؟.
وكلا الاشكالين - حقيقة - يدخلان في حيز النقاشات الفكرية البحتة ، فليس هناك اي عائق فكري او شرعي او اخلاقي ، عندما نحاول الوصول الى الحقائق من خلال الاستشكالات الفكرية ، كما ان هذه الاشكاليات وغيرها لاتمثل اي حالة رعب للحالة الاسلامية بصورة عامة ، سواء كانت تلك الاشكاليات فكرية او شرعية او اخلاقية او ....الخ ، فقط ما تؤكد عليه الاطروحة الاسلامية ، هو التحقيق النزيه في الوصول الى الحقائق ، والابتعاد قدر المستطاع عن الدوافع السياسية او الايدلوجية او اي دافع اخر مشبوه ، يحاول القفز على الحقائق ، وخلط الاوراق لبناء حالة من الضبابية في الرؤية الانسانية فحسب ، اما غير ذالك فذراعي الفكر الاسلامي مفتوحة لكل بحث منصف او نقد اشكالي او فكرة ربما تكون اكثر واقعية من فكرة يطرحها الاسلام بغيبوية ، فلا بأس والحال هذه اذا كان الهدف والمبتغى هو خير وصلاح وبناء الانسان بصورة عامة ؟.
وعليه كان الافق الاسلامي محترما لكل سؤال يريد المعرفة ، ولكل شك يطلب اليقين ، ولكل بحث يسير نحو الحقيقة ، اما العكس من المفاهيم المذكورة في حالات التفرعن والتكبر والتجاوز وعدم الاحترام الانساني ...، فان للمعادلة الاسلامية اساليبها الواقعية المنبنية على الحقوق والعدالة ، فليس هناك خد ايسر واخر ايمن مستعد للصفعات المذلة ، بل هناك عدالة وعزة وواقعية وحق لايفرق بين قوي وضعيف ، وهناك مساواة وكرامة واحترام متبادل بين انسان وانسان وفكر وفكر وروح وروح ، كما ان هناك انسانية في هذا الطرح - واقعية انسانية - ، فليس هناك حب للاعداء ولكن هناك قانون وعدالة تضمن الحقوق الانسانية العامة سواء كان ذالك الاخر عدوي او صديقي :( يأيها الذين ءامنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولايجرمنكم شنئان قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى ../ قران كريم ) وكذا عندما نقول ان هناك طرحا فكريا راقيا في هذه المنظومة الاسلامية الفكرية ، والذي ينفتح على الاخر ويحاول الاستماع لوجهة نظره وطرحه الفكري او الروحي :( وجادلهم بالتي هي احسن .... قل هاتوا برهانكم ان كنتم صادقيت ... تعالوا الى كلمة سواء / قران كريم ) ....الخ .
وعليه لم يكن الفكر الاسلامي يوما من الايام أصم الاذن عن الكلمة ( خذ الحكمة انّى وجدت / محمد رسول الله ص ) ، كما لم يكن ابكم اللسان عن الحق ، ولكن كان ولم يزل كيانا قابلا للجدل ، فاتحا ذراعيه للحوار ، قويا لايخشى المناضرة بل يدعو لها وينمي من اليات وجودها وسبل الارتقاء بكفائتها ، فاذا كان هناك اشكاليات فكرية هنا او هناك ، فان الفكر الاسلامي او الروح الاسلامية ليست فقط هي قابلة للاستماع والتأمل بل واكثر من ذالك مهيئة لقبول هذه او تلك من وجهات النظر الانسانية ؟.
ان نوعية الاشكال التي تطرحه بعض المدارس الفكرية الاسلامية وغير الاسلامية وهي تتصفح عملية الوحي الالهية الاولية في السيرة النبوية بالامكان تصنيفه الى محورين اساسيين :
الاول : محور الاشكال على الصورة والكيفية التي نقلت من خلالها تاريخيا .
الثاني : محور الاشكال على المضمون ، والفهم الذي حاول فهم تلك الصورة .
وقبل ان نتناول كلا الاشكالين ، لابد من ذكر الواقعة والصورة التي كانت مدار بحث وتأمل لكلا المحورين ، وهي ترصد تاريخ وواقعة ....... الحدث السيري في بدايته من مراحل الولادة لنرى كيف ان : - ( اقرأ ) القرانية مرة كانت اشكال ومرة كانت افق معرفي ؟.
(( في الدر المنثور أخرج عبد الرزاق واحمد وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وابن جرير وابن الانباري في المصاحف وابن مردويه والبيهقي من طريق ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت :أول مابدئ به رسول الله ص من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم فكان لايرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب اليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه وهو التعبد الليالي ذوات العدد قبل ان ينزع الى اهله ويتزود لذالك ثم يرجع الى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال: اقرأ . فقلت : ما انا بقارئ . قال : فاخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال : اقرأ . فقلت ما انا بقارئ . قال : فاخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم ارسلني فقال : اقرأ . فقلت : ما انا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة حتى بلغ مني الجهد ثم ارسلني فقال :- اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علّم بالقلم - الاية .
فرجع بها رسول الله ص يرجف فؤاده فدخل على خديجة بنت خويلد - زوج محمد رسول الله ص - فقال : زملوني زمّلوني ، فزملوه حتى ذهب عنه الروع فقال لخديجة وأخبرها الخبر : لقد خشيت على نفسي . فقالت خديجة : كلا مايخزيك الله أبدا انك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب - اي تكسي - المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق - اي الخلق - .
فانطلقت به خديجة حتى أتت ورقة بن نوفل بن اسد بن عبد العزى ابن عم خديجة ، وكان امرءا قد تنصّر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبراني فيكتب من الانجيل بالعبرانية ماشاء الله ان يكتب ، وكان شيخا كبيرا قد عمي فقالت له خديجة : يابن عم اسمع من ابن اخيك .
فقال له ورقة : يابن اخي ماذا ترى ؟.
فأخبره رسول الله ص خبر ما رأى .
فقال له ورقة : هذا الناموس الذي أنزل الله على موسى ؟. ياليتني أكون فيها جذعا ، ياليتني أكون فيها حيا اذ يخرجك قومك .فقال رسول الله ص أومخرجي هم ؟.
قال : نعم لم يأت رجل قط بمثل ماجئت به الا عودي ، وان يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا . ثم لم ينشب ورقة أن توفي وفتر الوحي ./ انتهى / انظر : الطباطبائي محمد حسين / الميزان في تفسير القران / ج 20 / ص 375 / ط الاولى / مؤسسة الاعلمي .
ينطلق الاشكال الاول على هذه الصورة وهذا النقل التاريخي لحادثة بدئ الوحي الاسلامي ، من رواد الفكر الاسلامي في مدرسة اهل البيت ع في العصر الحديث ، وبالخصوص من اصحاب الاختصاص القراني والذين يتصدون لعملية بيان وتفسير النص القراني المحترم ، ومجمل الاشكال يتمحور حول : ( ان هذه الصورة تقتضي ان هناك شك انتاب النبي محمد في اصل الوحي مما اضطره الى اللجوء الى خديجة ومن ثم الى ورقة بن نوفل لتسكين نفسه واطمأنانه لقوله من انه وحي وبما ان الشك للرسول في اصل الوحي شيئ غير ممكن فعليه يكون النقل التاريخي مشوبا بشيئ من الضعف ؟.) .
وزعماء هذه الاشكالية التاريخية والفكرية في العصر الحديث ، هم اثنان من المفكرين الاسلاميين في العصر الحديث والذين تناولوا النص القراني بالتحليل والبيان ، وهما :( السيد محمد حسين فضل الله ) صاحب - من وحي القران - ، والاخر هو العلامة المتفلسف ( محمد حسين الطباطبائي ) صاحب - الميزان في تفسير القران - ، وكلا المفكرين قد استشكل على هذا النقل حسب تصوره الشخصي ( وربما حسب ماتوحيه اصول المذهب الذي ينتمي اليه فكريا ) واجتهاده الفكري لما ينبغي ان تكون عليه شخصية الرسول المعظم محمد بن عبدالله ص ، ففضل الله يرى : في الملاحظة الثالثة على اشكالية الحدث التاريخي ان لجوء الرسول المعظم محمد ص الى خديجة لتؤكد له ان هذه العملية اللاهوتية التي حدثت له في غار حراء ماهي الا وحي من الله وليست من الشيطان ؟. يرى فضل الله ان هذه الصورة تظهر ان خديجة اكثر فقها ووعيا وادراكا للوحي اللاهوتي من الرسول المعظم ص وهذا اشكال لايقبل من حيث كون خديجة هي الاقدر على ادراك معالم الوحي اللاهوتي من الرسول المعظم محمد بن عبدالله ص نفسه ، وعليه فيجب الشك في صورة الحدث الرسالي التاريخي تلك والتي تظهر زوج الرسول خديجة وهي تطمئن الرسول المعظم على كينونة الوحي الالهي الاسلامي صونا لادراك وفهم واستيعاب الرسول ص لموضوعة الوحي الالهي ، وان هذا الادراك النبوي وهذا الفهم والاستيعاب المحمدي يجب ان يكون هو الاعلى والاطهر والاقوى من كل ادراك وفهم واستيعاب بشري آخر / انظر من وحي القران / تفسير الايات الخمس الاول من السورة / دار الزهراء ط الاولى ؟.
اما مايتعلق بالاشكال الذي طرحه الطباطبائي في ميزانه ، فيختصر بالقول :( القصة لاتخلو من شيئ وأهون مافيها من الاشكال شك النبي ص في كون ماشاهده وحيا الهيا من ملك سماوي ألقى اليه كلام الله وتردده بل ظنه انه من مس الشياطين بالجنون ، وأشكل منه سكون نفسه في كونه نبوة الى قول رجل نصراني مترهب وقد قال تعالى :( قل اني على بينة من ربي ) واي حجة بينة في قول ورقة ؟. وقال تعالى :( قل هذه سبيلي ادعوالى الله على بصيرة انا ومن اتبعني ) فهل بصيرته ص هي سكون نفسه الى قول ورقة ؟.... والحق ان وحي النبوة يلازم اليقين من النبي والرسول بكونه من الله تعالى على ماورد عن أئمة اهل البيت عليهم السلام . انتهى / انظر الميزان / ج 20 / مصدر سابق ).
والحقيقة ان الزاوية او الاشكال الذي اثاره فضل الله في تفسيره له نهوض اتقن بكثير من ما اشار اليه الطباطبائي في ميزانه ، وربما كان كلا المفكرين قد اثارا الاشكال بصورة افتعالية ليست لها اي مبرر يدفع للبحث عن اشكال لمصادرة صورة تاريخية موثقة تاريخيا وثابتة سيريا ، ونحن هنا سنتناول كلا الاشكالين بالنقاط التالية :
اولا : - ينطلق فضل الله في اشكاله من مقولة : ان لجوء الرسول محمد ص الى خديجة ومشاركتها في حادثة الوحي التي حصلت له ، ما هي الا عبارة عن شك الرسول وخوفه او رعبه من هذه الحادثة ، او لنقل من عدم فهم وادراك الرسول لموضوعة الوحي الالهية الاسلامية ، ومن ثم كانت خديجة هي الاقرب لفهم وادراك معالم الوحي اللاهوتية الاسلامية لتسكّن من ثم من مخاوف ورعب الرسول الاعظم محمد رسول الله ص وتهدئ من خواطره ؟.
والحق ان هذا الاستنتاج في قراءة الحادثة برمتها ، قراءة مبالغ فيها ، بالاضافة الى ان فهم او قراءة لجوء الرسول او افضاءه الى زوجه واستشارتها بحادثة الوحي وهي الزوج الواعية والحنونة والمستحقة لكل الاحترام لرجاحة عقلها ... على اساس انها عدم ادراك او خوف من مس الشياطين من قبل الرسول ص ايضا رؤية مبالغ فيها ، والحقيقة ان عملية الوحي وكما يطرحها الفكر الاسلامي من انها عملية ثقيلة ، لاسيما ان اخذنا بداية الوحي اللاهوتي الاسلامي للرسول محمد المعظم ص ، فاننا سنجزم بانها عملية كان لها من الوقع النفسي والذهني على الرسول الاعظم ص الشيئ الكثير ، اضف الى ذالك فاننا لو سلمنا بمقولة من يقول : ان الرسول محمد المعظم ص لم يكن ليتوقع او ليفكر او ليرجو ( ماكنت ترجو ان يلقى اليك الكتاب من قبل ... وماكنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ...) ان يكون رسولا على مستوى الرسالة العالمية - كما ذكرناه سابقا - فان العملية ستكون جدّ طبيعية وبشرية ، فهنا نحن أمام مشهد يخترق الطبيعي والعادي البشري بالنسبة للرسول المعظم محمد ص ، وهو يلتقي بالوحي الالهي الاسلامي وجه لوجه ، وباعتبار ان عملية ( اقرأ ) كانت العملية اللامتوقعة لذهن وعقل وفكر ونفس الرسول محمد ص ، فلاريب عند ئذ من هزة عنيفة نفسيا وفكريا قد انتابت كيان الرسول المعظم محمد ص ، وما رجوعه للافضاء لخديجة او لنقل لجوءه لمحادثة خديجة عليها السلام ، الا الامر الطبيعي ايضا ، باعتبار ان عادته ص كانت هي العودة لدفئ البيت بعد كل زمن يقضيه في خلوته التعبدية ( قبل ان ينزع الى اهله ويتزود لذالك ...............................الخ ) الفطرية في غار حراء ، ومن ثم لابد القول : ان ماحدث لمحمد رسول الله ص في يوم الوحي الاول كان حدثا غيّر المعادلة النفسية والفكرية والروحية لمحمد رسول الله ص ، فلابد حينئذ من تكلم او مناقشة او افضاء لأي انسان يكون بطبعه قريبا من محمد نفسيا وروحيا وفكريا ، ولاريب عندئذ من القول ان خديجة هي الاقرب روحا ونفسا وفكرا لمحمد رسول الله ص ، وافضاء او لجوء الرسول الاعظم محمد ص لخديجة هو الامر الاكثر واقعية وبشرية ، عندما تتغير معادلة محمد النفسية والروحية والفكرية بهزة الوحي العنيفة ؟.
وعليه حتى ان اكدنا على ان محمدا رسول الله ص قد لجأ لخديجة ليحدثها ويستأنس برأيها الرشيد في حادثة الوحي الثقيلة والجديدة على كيان محمد ص ، فان هذا التأكيد لايقدح مطلقا بادراك واستيعاب الرسول الاعظم محمد لعملية الوحي ، وكذا لو قلنا ان محمدا رسول الله ص قال لخديجة :( لقد خشيت على نفسي ) ، فان هذا الشعور المحمدي شعورا طبيعيا جدّا وهو يلاقي شعورا جديدا وحالة جديدة بعد الوحي الالهي الاسلامي ، فقوله ذاك ، ماهو الا افضاء بين محب لحبيبه ، وزوج رؤوف رحيم لزوجه الخائفة المحبة القلقة على زوجها دوما وابدا فاين من هذا كل ماذهبت اليه اقلام المفكرين الذين ارادوا تطوير هذه الجملة لحالة من الشك وغيره ؟.
ثم ان قلق الرسول محمد ص ولنقل هزته النفسية العنيفة بعد الوحي ، ومحادثته لخديجة بشأن الوحي ، ولنقل خوفه من هذه العملية العظيمة ، كل ذالك لايبرر الابتعاد بالصورة التاريخية هذه عن مسارها الطبيعي الانساني لجعلها في خانة الشك في الوحي ، وانما العملية كلها تنحصر في : ان شخصية الرسول المعظم محمد ص ، شخصية شفافة جدا قبل الرسالة وبعدها ، ولها ابعاد اجتماعية واسرية راقية ، وليس من المتوقع ان محمدا رسول الله ص تمرّ عليه حادثة الوحي العظيمة بدون ان يشاور اهله والمقربين منه في مثل هذه الامور ، فاستشارته لزوجه أمر متوقع انسانيا من محمد ص ، كما ان الحاح زوجه خديجة والسؤال عن التغير النفسي والفكري الذي انتابه بعد عملية الوحي أمر ايضا جد انساني من زوجة كانت ترى محمدا رسول الله ص روحها التي تتجسد امامها انسانا ، ولاريب عندئذ ان تكون تطمينات خديجة لمحمد رسول الله ص وقولها له :( كلا مايخزيك الله ابدا انك لتصل الرحم ...) ليس هو تعبير عن ادراك لمعالم الوحي الالهي ، اكثر واعمق من ادراك الرسول محمد ص لهذه المعالم ، بل هي كلمات مواساة محب وخوف زوجة لها من الاخلاص لزوجها ما يجعلها مستعدة للتضحية في سبيل طمأنينته وراحته ؟.
نعم ان الموضوعة لم تكن ادراك اوسع بالنسبة لخديجة وادراك هو بحاجة لمن يتممه بالنسبة لمحمد رسول الله ص ، وانما كانت موضوعة طبيعية انسانية قامت بها خديجة (عليها السلام) لزوجها الرسول المعظم محمد ص ، كما انه بامكاننا القول هنا ان نفس الدوافع الانسانية التي دفعت خديجة لتسكين خواطر محمد رسول الله ص ، بالنسبة لعملية الارهاق التي بدت على ملامح وجه محمد رسول الله بعد عملية الوحي ، هي نفسها التي جعلت من خديجة متطوعة للاطمئنان اكثر على حالة محمد ، ومن ثم اصطحابه الى ابن عمها وقارئ الكتب السماوية ( المثقف وربما الحكيم المعالج ) ورقة ابن نوفل ، وهذا امر اعتقد ايضا انه انساني طبيعي بالنسبة لعلاقة زوج تريد الاطمئنان على حالة زوجها الصحية والنفسية والفكرية ؟.
اذا لامبرر منطقي يدفعنا الى تحميل الصورة التاريخية اكثر من معطياتها الطبيعية الانسانية في حادثة من هذا القبيل ، كما انه لامبرر فكري او نفسي يدعونا للقول : ان محمدا عندما يستشير او يحدث اهل بيته بعملية الاتصال اللاهوتية التي حصلت له فهذا يعني انه في حالة شك نفسية او فكرية بمضمون الوحي هل هو لاهوتي او شيطاني ، كما انه ليس هناك اي دافع فكري يجعلنا نعتقد ان خوف خديجة ومواساتها لزوجها العظيم ص بكلمات ترفع من الحالة المعنوية لانسان خضع لعملية تحوّل كبيرة على اساس انها وعي اكبر وادراك اعمق لوحي السماء الاسلامي ؟.

ولنقل ان خديجة ع كانت ترى بمحمد مخايل النبوة والنبوغ والتألق الانساني الملفت للنظر ، فليس هذا ايضا ممونا للاعتقاد ان خديجة هي الاعمق ادراكا لعملية الوحي اللاهوتية ، وان مقولتها تلك كانت تعبيرا عن الادراك الاعمق الذي قابل الارتباك المحمدي من هذه العملية اللاهوتية برمتها ؟.
اذا ما الذي دفع فضل الله في رؤيته تلك ، ان يقرأ الموضوع والحادثة التاريخية بهذا الشكل البعيد والتحليلي والباحث عن ثغرة فكرية لهذه الحادثة الانسانية الطبيعية ؟. هل هو الاعتقاد القائل ان محمدا رسول الله يجب ان يكون نبيا قبل النبوة وبعدها ، ولذالك لاينبغي القول ان هناك محمدا اخر بعد الرسالة هو مختلف عن محمد ص قبل الرسالة ؟.
ام ان هناك اعتقاد مسبق يقول : ان ليس هناك اي عملية تحول حصلت لرسول الله محمد ص في عملية الوحي تلك ، وان محمدا رسول الله كان مدركا ومنذ صباه انه نبي مرسل ، وما كانت خلوته الا تفكيرا بهذا الامر العظيم ، وعليه فلا مبرر للقول ان محمدا ( قد خشي على نفسه ) من عملية الايحاء الالهي ، وانه بحاجة الى يفضي لزوجه بعملية مايسمى بالتحويل من انسان مغمور الى رسول عالمي ....الخ ؟.
الحق ان مثل هذه المعتقدات موجودة ، وان كانت متناقضة مع كل التوثيق التاريخي ، فهناك رؤى تقديسية وغارقة في التقديس للبشر العظماء كالرسل والانبياء والقادة من الأئمة وغيرهم عليهم السلام جميعا ، بل وهناك من الناس من يرى القداسة واجبة حتى لبعض البشر العاديين تماما كالعلماء وغيرهم ، وعلى العموم هناك من يعتقد ، وبخلاف المنطوق القراني المقدس ( قل انما انا بشر مثلكم يوحى اليّ ...) ان محمد رسول الله ص ينبغي ان يدرس على اساس انه فوق الطبائع الانسانية ، وذالك لضمان ان تبقى شخصية الرسول محمد المعظم مصانة ومقدسة على طول الخط ؟.
وهذا جيد ، ولكن مضّر من جانب آخر ، بسبب كونه سيضطرنا الى الغاء العقل الانساني تماما والذي تعبدنا به الخالق سبحانه وتعالى ، وعليه نحن امام منحيين من التفكير الاسلامي ، منحى يخطو نحو دراسة الظاهرة الاسلامية بصورة عامة ، وعلى الاسس التي وضعها الاسلام نفسه في قواعد ( لعلكم تعقلون .. تتفكرون .. تتدبرون ...الخ ) والابتعاد عن ممارسة : - ( ان شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لايعقلون / قران كريم ) ومنحى اخر يحاول قراءة الظاهرة روحيا وتقديسيا ، والحق اننا نفضل قراءة هذه الظاهرة اسلاميا ؟.
ان محمدا رسول الله ص ومنذ لحظة انخراطه اجتماعيا ، كان شخصية اجتماعية منفتحة على الاخر الانساني بغض النظر عن كل العناوين الاخرى ، وكانت شخصيته الفطرية تميل دائما لعدم الفردانية ، بل ولعلنا نجزم بان محمدا رسول الله كان ( اشتراكيا = عذرا للمصطلح ) في كل كيانه النفسي والروحي والفكري والمادي ايضا ، لذالك جاءت كلمات خديجة صادقة ومعبرة بشكل يدفعنا للجزم بانها كلمات القلب وليس كلمات الفكر والتفكير ، عندما حاولت مواساة محمد رسول الله ص ( كلا مايخزيك الله ابدا انك لتصل الرحم وتحمل الكل وتكسب المعدوم وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق ؟.) ، نعم محمدا كان ص مواسيا في خبزه ومشاعره تجاه الاخرين ، فلاريب عندئذ من ان ينفتح محمد ص على خديجة وغيرها بمشاعره وافكاره وروحه الشفافة على خديجة ع ، ليقول : ( لقد خشيت على نفسي .... ياخديجة ) ؟.
ولم لا ، وهذا الانفتاح من اهم المزايا التي تؤهل محمد ا رسول الله للرسالة العالمية ، وتجعل اول خطوات ( اقرأ ) القرانية هي نفس مزايا الرسول المعظم محمد ص في التبليغ ، لتكون ( اقرأ ) بمعنى بلّغ ؟.
ولم لايكون اول تبليغ لمحمد ص وبغض النظر عن الاساليب المختلفة هو اشراك الاخرين بالحدث الكبير ، لتكون ( لقد خشيت على نفسي ) من محمد ص ليس شكا ، وانما تبليغا للرسالة العالمية ، بصيغة السؤال والحيرة ؟.
أليس من الاساليب التبليغية في القران هو : طرح الشك والتساؤل ، لاعانة الفكر الانساني الاخر على الاستيعاب خطوة خطوة ليصل هو بنفسه للحقيقة بدلا من ان توصله العقول الاخرى ؟.
هكذا ان شئنا ان نقرأ الحادثة التاريخية قدريا نقول : ان محمدا ص قد طرح حالته النفسية والفكرية بعد عملية الوحي بين يدي خديجة ، متساءلا محتارا قلقا ...، وهكذا قدّر لهذا السؤال والحيرة والقلق الى ان تتبلور الى دعوة وتبليغ واعلان اولي لعملية ولادة وحي ، طرحت على خديجة كسؤال محيّر ، لتخطو خديجة العظيمة ع ، الخطوة الثانية بتبليغ الدعوة الى ابن عمها المثقف والحكيم والواعي ورقة ، ليعلن هو الاخر : ان العملية عملية وحي وليس وسوست شيطان او نداء من وراء الجن ، لتكون كلمته عونا لمن بعده من اتباع وانصار لهذه الدعوة ...الخ ؟.
اما ان حاولنا قراءة الحدث انسانيا وطبيعيا فماذكرناه منسجم تماما ، من حوار دار بين زوج محب لزوج يفتح ذراعيه للمواساة والنصرة في كل الاحوال ؟.
وعلى هذا لايبقى حسب مانعتقد من مبرر لقراءتنا لهذه الحادثة باكثر مما تحتمل ، ومن ثم لنصادرها تاريخيا ونقدح بواقعيتها ، بسبب كونها توحي ب ( الشك ) الذي انتاب الرسول في رسالته ؟.
ثانيا: - عندما ذكرنا ان هناك معتقدات تقديسية فحسب ( اي لاتضيف للتقديس التفكير ) اشرنا الى انه شيئ جيد ان تحترم الشخصيات العظيمة والتي تقدم للانسانية انجازا مفيدا ما ، ولكننا اشرنا بنفس الوقت ان هذه المعتقدات التقديسية عادة ماتكون مضارها اكثر بكثير من ايجابياتها ، لذالك وحسب المفترض ، فلو قلنا بمقولة : ان محمدا رسول الله ص كان مدركا ادراكا واضحا لنبوته واتصاله بالسماء ، وكانت خلوته التعبدية فقط هي خلوة فكرية ( كما يعبر عنها اكثر المفكرين الاسلاميين مع الاسف ؟.) ، وان ليس هناك اي ردة فعل نفسية او فكرية لمحمد ص قبال عملية الايحاء الاسلامية الالهية ، تدفعه ليتساءل او ليطرح مارآه بنوع من التفكير الجماعي ، فهل كانت هذه المعتقدات مفيدة ام سيئة ؟.
الحقيقة هي مفيدة للسيطرة على العقل الجمعي الاجتماعي البسيط ، وذالك باعتبار ان العقل الجمعي البسيط مشغوف بحب كل ماهو غريب واسطوري ، وكاره لكل ماهو مركب ومعقد من الاشياء ، ولذالك كان التقديس اللامفكر سمة الاجتماع العام ، كما انه الضمان الاخلاقي المجرب للسيطرة على السلوك الجمعي من الانفلات ، كما وهو الممارسة الاولية لضبط ذالك السلوك قانونيا لتأهيل العقل الجمعي من ثم لاحترام القانون العام للمجتمع ؟.
ولكن ومن جانب اخر تمثل تلك العقائد التقديسية اللامفكرة ، حجر عثرة في سبيل البحث العقلي ، كما انها ستكون مدخل حيوي لآعداء الاطروحة الاسلامية لطعنها من الداخل ، عندما تكتشف الهفوات اللاعقلية واللافكرية في هذه التقديسيات ، وذالك - مثلا - عندما تطرح شخصية الرسول المعظم محمد ص ، وقبل النبوة والرسالة على اساس انها شخصية مفكرة ، وكان ليس لها من شغل شاغل الا التفكير والتأمل بالاصلاح الاجتماعي وانها كانت نبوية ورسالية ومتصلة بالسماء قبل اعلان الرسالة ... ...الخ ، فمن حق الحركات والفلسفات المادية واعداء الاسلامية بالذات ان تقول : ان محمدا ماهو الا مفكرا ومتأملا حاول طرح اصلاحاته التي كان يفكر فيها طيلة حياته الاجتماعية والفكرية على اساس انها اطروحات وافكار لاهوتية مقدسة ، ومن ثم وفي سبيل ان نطرح التاريخ كله ، والذي لاينسجم مع معتقداتنا المذهبية الدينية ، نغامر بان نضع بين يدي اعداء الاسلام كل الاسلحة التي توفر لهم نفي لاهوتية الاسلام لتحويله الى مجرد فكر وتأمل فردي لمصلح او مفكر ادعى انه متصل بالسماء ؟.
الحقيقة هذا ما سوف نجنيه ان حاولنا ان نقرأ تاريخنا الاسلامي من منطلقات مذهبية اعتقادية هنا وهناك ، وبدلا من ان نضفي قداسة اعمق على شخصية الرسول المعظم محمد ص ، نحن هنا قمنا بلا شعور من تقديم مغمز ومطعن لاعداء الاسلام كي ينالوا من شخصية الرسول الاعظم محمد ص واعتباره مجرد مفكر ومتأمل بدلا من ان يكون رسولا ونبيا ؟.
اضف الى ذالك ربما تدفعنا الحالة التقديسية ( المشكورة ) الى الانقلاب حتى على النص القراني المقدس نفسه - مع الاسف - فمثلا عندما نتناول نصا يوحي بأن شخصية الرسول الاعظم محمد ص قد تغيرّت تغّيرا كيفيا وكميا في الجانب الفكري والنفسي والروحي ما قبل وبعد الرسالة والوحي ، في قوله سبحانه :( ماكنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم / 52 : الشورى ) فاننا لانستفيد من هذا النص كي يكون لنا مرشدا لفهم عملية التغيير او الهزة الروحية والفكرية او الفرق بين محمد رسول الله ص قبل الرسالة ومحمد ص بعد الرسالة ، لنفهم حيثيات الواقعة التاريخية المذكورة ، والتي تقول ان حالة محمد رسول الله ص كانت حالة منهكة في يوم الوحي العظيم عندما اتى محمد رسول الله ص لخديجة ليحدثها ويستشيرها ويقول لها ( لقد خشيت على نفسي ؟) ولذالك ذكر الفيلسوف الطباطبائي ( وربما مضطرا هنا امام ظهور النص ) في بيان قوله سبحانه :( ماكنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ...) القول : ( ان من الضروري وجود فرق في حاله ص قبل النبوة وبعدها والاية تشير الى هذا الفرق ؟) ، وهذا الفرق هو الذي نريد ان نسلط عليه الاضواء لنجعل من التاريخ او السيرة النبوية حاكيا عن وجه النص ، ولا نتسرع باسقاط التاريخ او التشكيك فيه لمجرد ان فكرة ما لاتقبل ان يكون محمدا رسول الله قد مرّ بمرحلة صعبة جدا أبّان التحول الرسالي ، فالتاريخ وثيقة ورفعها او التشكيك فيها يستدعي ان نسأل عن البديل ماهو ؟.

ثالثا : لاشك ان نفس الدوافع التي دفعت السيد العلامة محمد حسين فضل الله في - من وحي القران - للتشكيك في رواية الحدث السيري والتاريخي لبداية حيثيات الوحي الالهي ، هي نفسها الدوافع التي ذهبت بالعلامة الطباطبائي ليرى الحادثة بنفس العين ، وليضيف عليها ان الشك
مبرراته تكمن في ( أهون مافيها - اي في القصة - من الاشكال شك النبي ص في كون ماشاهده وحيا الهيا من ملك سماوي ألقى اليه كلام الله وتردده بل ظنه انه من مس الشياطين بالجنون ، واشكل منه سكون نفسه في كونه نبوة الى قول رجل نصراني مترهب ...؟.) .
والحقيقة ان في هذا التحليل للسيد المبّجل ( رحمة الله عليه ) الكثير من الثغرات وعدم الدقة في قراءة القصة ومنها :
1 : انه ليس هناك في كل الروايات التي نقلها العلامة الفيلسوف في سفره الخالد - الميزان - اي ذكر لمشهد او مقولة :- بل ظنه أنه ( اي الوحي ) من مس الشيطان - وليس هناك اي ذكر لمفردة شيطان في كلام الرسول المعظم محمد ص ، بل هناك فقط مقولة :( لقد خشيت على نفسي ) وهذه الكلمة لاتوحي مطلقا باعتقاد الرسول ص ان ما رآه ربما يكون من عمل الشيطان ، وعليه لامبرر لتأويل الكلام بهذه الصيغة ؟.
نعم هناك مرويات تقول ان الرسول محمد ص قال عن نفسه في حادثة الوحي :( ان الابعد - يعني نفسه - لشاعر او مجنون لاتحدث بها عني قريشا ابدا .... / انظر رواية الطبري باسناده عن عبدالله بن الزبير ؟.) ، ولكن حتى هذه المقولة لاتوحي الابكون الرسول المعظم وهو يلاقي الوحي الالهي الاسلامي ، كان في حالة من عدم المعرفة المسبقة بالوحي ، اي نفس مقولة :( ماكنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ..) بمعنى ماكنت تدري ايضا كيفية الوحي بالاضافة لعدم معرفتك لعلوم الكتاب ومبادي واعمال الايمان ؟.
ولذالك وعندما كان محمد ص وجها لوجه مع الوحي الالهي تساءل مع نفسه : هل هو شعر او سحر او جنون ؟. ثم تسائل وهو يتصور الاخر الانساني ماذا سيعتقد هل هو شعر او سحر او جنون ؟....الخ ، وحتى في هذه الرواية لم يذكر الشيطان كما زعمه الطباطبائي بقوله :( بل ظنه انه من مس الشيطان ؟).
2:- لا اعلم حقيقة من اين استقى الامام الطباطبائي رحمة الله عليه مقولة ( شك النبي ) والتي كانت هي مدار كل الاشكاليات ؟. هل من كون الرسول المعظم افضى الى زوجه بما رأى من عملية تحول كبيرة تمثلت بالوحي ؟. ام لكون خديجة الحنون لاتقبل وهي ترى التغير باديا بوضوح على وجه رسول الله - يبدو انه كان هناك تغير بادي على حالة الرسول هو مادفع خديجة لسؤاله ص - الا بان يخبرها محمد ص بما حدث ؟.
ولكن كلا الامرين وحسب ماذكرنا سابقا ليس له علاقة ان قرأنا الصورة التاريخية بنظرة انسانية طبيعية اي دلالة على الشك من قبل الرسول ؟ كما ان الحاح خديجة او ( انطلاق خديجة بالرسول المعظم ص ) الى ورقة ابن نوفل ايضا ليس فيه مايوحي بشك الرسول المعظم ص بالوحي الذي نزل عليه ، وربما كان العكس وهو ان قبول محمد بالذهاب الى ورقة ابن نوفل كانت الخطوة الاولى في اعلان الدعوة السماوية في اعتقاد محمد رسول الله ص ؟.
3 :- كما انه ليس هناك مايشير من قريب او بعيد في كلام الرواية ، وكما ذكره الطباطبائي من :( سكون نفس الرسول محمد ص الى قول نصراني مترهب ؟.) وانما كل ماهو موجود هو قول ورقة : ( هذا الناموس الذي انزل على موسى ؟.) ، ثم لاتذكر لنا بعد ذالك الرواية ان الرسول الاعظم محمد ص قد سكنت نفسه لهذا القول المثقف ، وعليه فلا مبرر للاعتقاد ان نفس الرسول قد سكنت لهذا القول ، من منطلق ان المفهوم يقول بان محمد ص قص القصة او خديجة قصت القصة على ورقة ، وقال ورقة هكذا ، فاذا كان جواب ورقة بمثابة تسكين لنفس الرسول وشكه مسبقا بحادثة الوحي ؟.
نعم لابأس القول ان محمدا ص حديث تجربة مع الوحي اثناء حديثه مع ورقة ولهذه الحداثة ردة فعل طبيعية تغير من معادلة الكيانية الرسولية لتأخذ وقتا حتى الاستقرار النهائي ، ولكن كل ذالك من جراء الهزة العنيفة للوحي ، وليس من جراء الشك هل هذا اتصال بالسماء او بالشيطان فالرسول المعظم محمد ص كان على اكثر من اليقين : ان الذي حصل له هو شيئ فوق المستوى الطبيعي للبشر وفوق ان يكون تلاعب شيطاني ، وما هو ذالك التلاعب الشيطاني الذي يوحي ب ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ..) وهل الرب والخالق من ادوات الشيطان ...الخ ؟.
4 : - ثم وبعد ذالك ما هذه الايات والنصوص القرانية التي استشهد بها السيد الطباطبائي للتدليل على ان الرسول لم يكن شاكا في ان ما حصل له انما هو وحي ، او انه قد تعرض لحالة قلقة ومضطربة اثناء الوحي السماوي الاول ، بل على العكس تماما فان النصوص تذكر ان حالة الانبياء والرسل في بدايات الوحي الالهية تكون قلقة ومضطربة وخائفة كمنتج طبيعي بين التقاء اللاهوتي بالبشري :( فلما رءاها تهتز كأنها جآن ولى مدبرا ولم يعقب يموسى لاتخف اني لايخاف لدى المرسلون / قران كريم : النمل 10 ) والحق اني لم ادرك حتى اللحظة الكيفية التي ينظر من خلالها مثل هؤلاء المفكرين والفلاسفة لموضوعة الوحي ، وهل هم ينظرون لها على اساس من الطبيعية والحادثة العادية البشرية ؟. ام ينظرون لها على اساس انها عملية اعجازية خارقة للعادة الانسانية ومخترقة للطبيعي من القوانين الظاهرة ؟.
ان حالة الاضطراب والقلق البدائي او الابتدائي للرسل ابّان اللحظات الاولى لتلقي الوحي هو دليل صدق وبرهان وحجة التقان طبيعي بلاهوتي ، وليس العكس صحيحا حتى نؤكد ان قلق واضطراب الرسول ص الاولي يعد مغمزا او نقيصة على شخصية الرسول الاعظم محمد ابن عبدالله ؟.
اذا يتبين لنا بعد كل المطارحة المذكورة مع ما طرح اسلاميا حول الصورة التاريخية واشكالياتها الفكرية ان ليس هناك مبررا حقيقيا للشك بالصورة التاريخية لبداية الوحي الاسلامي ، ومع ان كل الاشكاليات التي طرحت هي لاتمس الصورة الاولى ل ( اقرأ ) القرانية ، اي ان الاشكاليات كانت منصبة على الجزء الوسط والاخير من الصورة التاريخية ولم تتعرض مطلقا لصورة :( اقرأ . ما اقرأ او ما انا بقارئ ؟.) السيرية ، مع ذالك اردنا ان ندافع عن كل الوثيقة التاريخية مع ادراكنا ان الوثيقة مركبة من مرويات عدة ، اي حتى في حال الشك بموضوعة :( لجوء الرسول لخديجة وانطلاق خديجة ع به ص الى ورقة ومقولة ورقة للرسول ...الخ ) فلا يمكن الشك بالاصل الاول من ( اقرأ . ما اقرأ او ما انا بقارئ ؟.) باعتبار من انها الوثيقة التاريخية التي لم يشكك بها احد حتى الان ؟.
الحقيقة ان الوثائق التاريخية بصورة عامة ، والاسلامية بصورة خاصة كسيرة الرسول وسير أئمة اهل البيت ع ، تعد من الوثائق المقدسة ، اي التي تبنى عليها مكونات الاجتماع الاسلامي وافكاره ومشاعره واخلاقياته وعقليته ...، وارادة نقد هذه الوثائق او التشكيك بصحتها وعدم واقعيتها ، يحتاج الى رؤية واسعة ومسؤولة بنفس الوقت ، فربما كان نقد وثيقة واسقاطها ، هو نقد واسقاط لصورة تعكس العمق من الحركة الرسالية المفيدة لبناء الاجتماع الانساني ، وعليه كان التأني هو الاوفر احتراما بمثل هذه العمليات الفكرية ؟.
كما انه تكون عملية النقد للوثائق التاريخية وتمييز الصحيح منها من المندس والمخترع والمفترى على التاريخ ، وخاصة منه المقدس ، تكون هذه العملية من اهم العمليات الانسانية قدسية ، واكبرها قدرا واعلاها منزلة ، فللتاريخ سيطرة روحية وفكرية ونفسية على كل البشر ، وعليه ربما كانت خرافة تاريخية ، اسطورة تراثية ، تكون السبب المباشر لتخلف امة بكاملها ، وسبب من اسباب تخلفها بين الامم والشعوب ، لذا كان النقد والتمحيص التاريخي عامل مهم في نهوض وتقدم الامم والشعوب فكريا وروحيا وماديا ، ونعم هناك هناك من يرفع شعارات النقد للتهديم ، وقتل تراث الامة وتغييب ذاكرتها التاريخية والتراثية ، باسم النقد العلمي للتراث ، كما ان هناك من يقدس التاريخ والتراث كانه الجدار الذي يعلق عليه كل خرافاته الاسطورية ؟.
ومن هنا نقول ابذل الجهد اولا لفهم النص التاريخي الاسلامي المقدس منه بالخصوص ، ولديك كمسلم الميزان الذي لايضل صاحبه ولايغش من
من يستشيره ( القران الكريم ) لتعرض عليه كل التراث والتاريخ الاسلامي ( ماجاءكم عنا فاعرضوه على القران فما وافقه فخذوا به وما خلفه فهو زخرف من عمل الشيطان / محمد بن علي الباقر ع ) وبعد ذالك لك الحق في النقد والتمحيص ؟.
هذا مايتعلق بالمحور الاول من الاشكالات الفكرية على الصورة التاريخية ، اما مايتعلق بالمحور الثاني ، فمداره منصبا على قراءة النص التاريخي والكيفية التي استطاع من خلالها لفيف من المفكرين التوصل الى : ان محمدا رسول الله كان قارئا للكتب وكاتبا للحرف القراني ، ولم يكن كما اعتقد الاسلامويون من انه كان اميا لايقرأ او يكتب ، فياترى كيف قرأ اولئك النفر الشخصية الرسالية المحمدية ص ؟. وكيف تمكن هؤلاء من خلال ( اقرأ ) القرانية يستدلون على ثقافة محمد بدلا من نبوته ؟.
في البحث القادم ......................؟.

من هدي القران ... الكلمة ... اقرأ ؟ - الفكر والقلم / 7

(( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص ))
(( عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم / 128 : التوبة / قران عظيم ))
- وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك اذا لارتاب المبطلون / 48 : العنكبوت -
.........................................
الفكر والقلم : - اقرأ
كنا قد تساءلنا سويا ، ونحن نسلط الاضواء على الصورة الاولية لبداية الوحي اللاهوتي الاسلامي ، حول بعض الزواية التي تكمن في عمق تلك العملية الحيوية من وحي لاهوتي واستقبال انساني ، وقد لفت نظرنا عدة مواضيع مهمة ونحن نطارح فكرة علم النفس المادي الذي كان يرى ان الوحي ماهو الا عملية ايحاء نفسي وتأمل فكري ، كموضوعة تكرار صيغة الوحي ( اقرأ ) ، وماهية العبر المستخلصة من هذا التكرا ر ، كما وقد لفت نظرنا ايضا عملية الاستسلام والسلام الانسانية التي مارسها الرسول المبجلّ محمد رسول الله ص وهو يلاقي كلمة الله العليا ( اقرأ ) بروح تتحرك بين اليقين والتساؤل ، وهكذا عندما حاولنا فهم العبرة من تحرك وحي مدرك وواعي بطرح الخطاب ثلاثيا مع ادراكه بان مخاطبه أمي وفطري المنشأ والتوجه ، فلماذا والحال هذه لم ينهي الموضوعة مبتدأ بالطرح الصريح ، والمباشر من خلال عملية التعارف الطبيعية ليقول ( أنا ... وأنت ) بدلا من ( اقرأ . ما اقرأ .. ما انا بقارئ ؟.).....الخ .
والان لابد من اثارة زاوية اخرى وهي تتناول الصورة الاولية لوحي السماء الاسلامي ، لنلتفت او لتلفت نظرنا زاوية اخرى من هذه الصورة الغريبة العجيبة ، وهي صورة الطرح القراني الثنائي الابعاد ( اقرأ باسم ربك .. و .. اقرأ وربك الاكرم ) ، مع العلم ان الصورة التاريخية والسيرية تطرح لنا ابعادا ثلاثة في ( اقرأ ) الاسلامية فماهو التبلور هنا ؟.
بمعنى وتسأل اخر ومن جهة اكثر عمقا : هل كانت ( اقرأ ) المذكورة سيريا ( في السيرة النبوية ) وتاريخيا ، هي اقرأ قرانية لاهوتية بحتة ؟. وان كانت كذالك لمّ لم تثبت قرانيا ( اي تكتب بالنص القراني المقدس مع : اقرأ باسم ربك الذي خلق ...؟.) على اساس انها نص ووحي لاهوتي أم انها كانت توطئة فحسب لعملية الوحي القرانية ، والتي طرحت بعدين فحسب ( لآقرأ ) القرانية ؟.
الحقيقة بامكاننا اعتبار ان هذه هي زاوية اخرى من الزواية الفكرية المهمة والتي تمكننا من التفريق بين ( اقرأ ) القرانية ، و ( اقرأ ) الموطئة لاقرأ القرانية ، بمعنى ان مقولة علم النفس المادي والتي ذكرناها في البحث السابق ، ايضا هي هنا في زاوية حرجة عندما تطرح عليها الصورة والسؤال بهذا الشكل ، فاذا كانت عملية الوحي ماهي الا ايحاء ووحي نفسي ، فما الذي فرّق في هذه المعادلة بين قران لاهوتي مكتوب على صيغة ( اقرأ باسم ربك ...) وبين توطئة لهذا القران لاتعتبر انها من ضمن الكلام اللاهوتي الرسمي ، وعليه وان كانت ( اقرأ ) السيرية التاريخية كلام ملك ورسالة من قبل الله ، الا انها فصلت عن مضمون الرسالة السماوية لتكون توطئة ل ( اقرأ ) القرانية الرسمية ، فهل يستطيع والحال هذه علم النفس المادي ان يجيبنا على هذه الاشكالية الحقيقية ، فلماذا والحال ان الوحي اللاهوتي ما هو الا ايحاء نفسي وفكري وتأملي افترقت ( اقرأ ) القرانية ، عن ( اقرأ ) السيرية التاريخية ؟. وما هو المبرر النفسي او الفكري او التأملي الذي اوحى لمحمد رسول الله بهذه التفرقة والفصل ؟. او ما هي العملية التي فصلت بين فكرين وتأملين وحالتين من النفس لتجعل ( اقرأ ) الاولى قرانية رسمية لاهوتية ، بينما دفعت ( اقرأ ) الثلاثية التاريخية السيرية الملكية ( الجبرائيلية ) لأن تكون اقل من ذالك منزلة ؟.
لا اعتقد - حقيقة - ان هناك جوابا لدى هذه المدرسة النفسية المادية التي ادعت ان عملية الوحي اللاهوتي ما هي الا ايحاءات نفسية وفكرية وتأملية ، والا لو كانت عملية الوحي اللاهوتية كما تدعي هذه المدرسة النفسية والفكرية من انها عملية ايحاء نفسي وفكري فحسب ، لكانت - حقيقة - ( اقرأ ) السيرية التاريخية هي قران ايضا ، فليس هناك ما يبرر فصلها مبدئيا او اختلافها عن ( اقرأ ) اللاهوتية القرانية ، ولكانت العملية برمتها تقول : ان ( اقرأ ) السيرية التاريخية الثلاثية التكرار هي اول وحي نفسي وعقلي وفكري لمحمد رسول الله وعليه فلابد ان يكون قران محمد ( عذرا للمصطلح كضرورة ) مبتدأ ب ( اقرأ ) السيرية التاريخية كما يذكرها التاريخ تماما -اي - ان تكون :( اقرأ اقرأ اقرأ ؟. مضافا اليها اقرأ باسم ربك ..) ؟.
ولكننا عندما نتصفح القران الكريم وكلمات الوحي اللاهوتية الاسلامية ، لانجد هذه ( الاقرأ ) التاريخية وبالكيفية التي يذكرها لنا التاريخ وكتب السير ، بل نجد المثبت نصا مقدسا هو ( اقرأ باسم ربك الذي خلق ...) فحسب فما هي الحقيقة ؟.
الحقيقة ان الخيال الخصب لمدارس علم النفس المادية الحديثة ، هو الذي ادخل فكرة ظلامية للتشويش على فكرة الوحي اللاهوتي كخطوة اولى لنفي وجود الخالق سبحانه وتعالى من بعد ذالك ، ولكن بدلا من ان توّفق لهذه العملية الهادفة ، وباعتبار ان المادية دائما هي منغلقة وظلامية وهابطة الادراك ، فكان لابد من الوصول الى نتيجة ضآلة وضحالة هذا الفكر المادي ، وعليه بدلا من ان تقتل فكرة الوحي هي اضافة له قوة من حيث لاتشعر ، والمثال امامنا عندما طرحت مقولة الايحاء النفسي والتامل الفكري للوحي اللاهوتي ، ثم لتأتي من بعد ذالك ( اقرأ ) القرانية لتطيح بكل المؤامرة المادية ، لتعلن انه : لو كان الوحي اللاهوتي الاسلامي - الرائع - هو مجرد ايحاء نفس وتأمل فكر فقولوا لنا لماذا انشطر التأمل والفكر نفسه الى ( اقرأ ) تاريخية سيرية ، و ( اقرأ ) قرانية رسمية مثبتة ككلام مقدس ؟.
وهكذا وبجولة جديدة تطرح ( اقرأ ) القرانية بعدا جديدا قبل اربعة عشر قرنا ، لتنتصر حديثا على علم النفس المادي العلمي للقرن العشرين الغابر ، ومؤكدة ايضا ان ( اقرأ ) القرانية ستنتصر في المستقبل على كل المؤامرات المشبوهة في عالم الانسان ؟.
ان ( اقرأ ) القرانية الثنائية الابعاد ( اقرأ باسم ربك ... اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم ...) اكدت هنا انها ليست من وحي النفس الانسانية ، كما انها ليست من بنات الفكر البشري ، وذالك من خلال بعدها وتناءيها عن ( اقرأ ) السيرية ، فهي وان كانت لاهوتية محضة الا انها وباعتبار انها كلمة الوحي الثقيلة ، رسمت قبل ولادتها صورة ( لاقرأ ) التاريخية وهي تمر بحالة المخاض العسيرة من ( اقرأ . ما اقرأ .. ما انا بقارئ ؟. اقرأ . ما اقرأ .. ما انا بقارئ ؟. اقرأ . ما اقرأ .. ما انا بقارئ ؟....) لتكون هذه الصورة التاريخية ، دليل صدق على انه ليس بتأمل او تفكير او سكلجة ، بل هو وحي اوله غير اخره تماما ، اوله اقرأ اللاهوتية الثقيلة ، ووسطه ( ما اقرأ ؟. او ما انا بقارئ ؟. ) التاريخية السيرية ، والتي لم تكن سوى ردة فعل بشرية لفعل اللامتوقع الفكري والعقلي ، لتنتهي عند : ( اقرأ باسم ربك ...) اللاهوتية اليقينية المقدسة والمثبتتة بالنص القراني ، لتكون ( اقرأ ) التاريخية مختلفة عن ( اقرأ ) القرانية هنا مع انهما من نفس المصدر اذا اخذنا بمقولة علم النفس المادي والذي يقول بولادة الوحي من الفكر ؟.
ان ( اقرأ ) التاريخية :( ما اقرأ .. ما انا بقارئ ؟.) هي اقرأ البشرية ، اما ( اقرأ باسم ربك ..) فهي القرانية اللاهوتية ، وعليه وبما ان اللاهوتي الاسلامي مختلف جذريا عن البشري ، ثبتت ( اقرأ باسم ربك ) القرانية وبقت ( اقرأ . ما اقرأ ؟. ما انا بقارئ . ) البشرية بعيدة عن الوحي والنص الاسلامي القراني المقدس ، لاتدانيه ولاترتقي لمضامينه اللاهوتية الالهية المقدسة هذا ؟.
وبعد هذه الالتفاتة التي جذبتنا نحوها اقرأ القرانية ، وهي تؤكد لنا صدق هويتها الاسلامية اللاهوتية ، هل تتوقف عجائب ( اقرأ ) القرانية عند هذا الحد من التحدي والقوة ؟.
كلا بالطبع فهناك زاوية اخرى ل ( اقرأ ) القرانية الثنائية الابعاد ، وهي تحرك السؤال الذي يستفهم حول الابعاد الفكرية التي استهدفتها ( اقرأ ) القرانية ، فماهي الرؤى التي تطرحها ( اقرأ ) القرانية من خلال بعديها ( اقرأ باسم ربك ؟.) و ( اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم ؟..)؟.
الحق ان ( اقرأ ) القرانية هنا تطرح بعدين لمفهوم القراءة القرانية وهما :
الاول : قراءة الانفتاح اللاهوتي الاسلامي - باسم الله - ؟.
الثاني : قراءة الانفتاح العلمي الطبيعي الممثل - بالقلم - ؟.
ولاريب هنا ان قراءة الاطروحة الاسلامية الجديدة ( قد تعرضنا لهذه القراءة سابقا ولكن لابأس من الطرح المختلف ثانيا ؟.) والممثلة بالقراءة من خلال ( اسم الله ) هي من ارقى القراءات الكونية الانسانية ، فالانسان المسلم وبصورة عامة يتمكن هنا من قراءة الكون والوجود والانسان والحياة من خلال النافذة الاسلامية القرانية معتمدا على القراءة اللاهوتية في الفكر الاسلامي ، والمعبر عنها ( باسم ربك ) ، وكما ان الرسول المعظم محمد رسول الله ص كان هو البوابة التي فتحت قراءة الافاق الكونية والانسانية والوجودية ...،( باسم الله ) كذالك يكون الانسان المسلم قارئا لتلك الافاق بنفس الوسيلة التي فتحها رسول الانسانية محمد ص ، ليقدمها للفكر والعقل الانساني كي يقرأ من خلال هذه النافذة ؟.
ان روعة هذه القراءة الاسلامية اللاهوتية تكمن في انها قراءة فكرية من جهة ، وقراءة قدسية من جانب آخر ؟.
بمعنى : ان القراءة التي يطرحها القران بمفردة ( اقرأ ) الاولية ، هي قراءة فكرية عقلية تأملية نفسية ، يقدمها اسم الله للانسان كبوابة من خلالها يطل على هذا الوجود بفكره وعقله وتأمله ونفسه المنفتحة ، ولا حاجة به لغير تلك الادوات الانسانية ، فهي رؤية لم يساهم بها العقل الانساني ولا العلم البشري ، ولا التأمل النفسي ......، وانما هي قراءة ورؤية لاهوتية او الاهية ، منسجمة كل الانسجام مع الفكر والعقل والتأمل والقانون والكون والطبيعة والوجود الانساني ...، فهي وعلى هذا الاساس رؤية مقروءة ( باسم الله ) او باسم رب محمد رسول الله ص والذي هو هو نفسه رب العالمين جميعا ؟.
كما انها رؤية مقدسة ، بمعنى ان واضع هذه النافذة المطلة فكريا وعقليا ونفسيا على العالم هو الله سبحانه خالق هذا الكون والوجود والانسان ، ومن الصعب عندئذ القول : ان هذه الرؤية ليست : ( حق ) فخالق الافاق هو هو نفسه من وضع هذه الرؤية الافاقية ونسبة الصدق والاصابة والواقعية في هذه الرؤية تكون بدرجة عالية من الضمان الواقعي ، اما في حال وجود خطأ او تقييم او نظرة قاصرة بهذه القراءة والرؤية للعالم والكون والانسان ، فهو دليل على ان هذه الرؤية ليست لاهوتية قدسية ، وعليه فقد كان ولم يزل الطرح الاسلامي متحديا وعلى طول الخط الانساني بقوله : فلتأتي الانسانية باصدق من هذا الحديث او هذه الرؤية او هذه القراءة للكون والوجود والحياة والانسان ؟.
ان العلم البشري ، وكذا نظر الانسان الفلسفي ، وتأمله النفسي ...، ان كان محترما لنفسه لايطلق مقولة : ان هذه الرؤية الفلسفية الكونية او العلمية التجريبية او التأملية النفسية الانسانية....، هي نهاية الفكر والعلم والتأمل ، وهذا شيئ جدّ طبيعي فالافاق الانسانية محدودة القابلية ومتكاملة النمو التدريجي في الاستيعاب ، ولذالك هي ملزمة بطرح النسبية الفكرية والعلمية والنفسية ، والا فهي فاشلة عندما تطرح ( الحتميات والقطع ) في الرؤى والافكار ؟.
اما الرؤية والقراءة والافق الذي تطرحه ( اقرأ ) الاسلامية القرانية ، والمنطلقة من ( اسم الله ) وباسم الله وعلى اسم الله ومن نافذة اسم ربك .......... ، فهي قراءة حتمية قاطعة جازمة ، بعكس المعقول البشري ، فهي لذالك لابشرية ، - بمعنى - ان المعادلة هنا يجب ان تكون هكذا : اذا كانت الرؤية الاسلامية او القراءة الاسلامية لاهوتية فيجب ان تكون اطلاقية وقاطعة وحتمية في رؤيتها للاشياء باعتبار انها قراءة منطلقة من ( اسم ربك ) فلابد والحال هذه ان يكون ربك ذاك والذي تدعي انه خالق وعالم ومحيط بكل شيئ هو الاعلم والاقدر على اعطاء قراءة لالبس او شك او خطأ فيها في القراءة ، وهذا هو المطلوب اثباته ؟.
اذن تكون القراءة ( اقرأ ) القرانية هي القراءة التي ينبغي ان تكون الاوسع والاشمل والادق للكون وقوانينه والعالم وشؤونه والانسان ومصالحه ....الخ ، وبما ان القراءة القرانية ليس فقط تدعي انها قراءة ( باسم الله ) بل واكثر من ذالك تعلن التحدي على هذه الحقيقة ، فان الحال يبقى هو الاستسلام والسلام مع هذه الحقيقة حتى بروز حقائق تؤكد ان هذه القراءة القرانية غير حقيقية او واقعية للكون والعالم والانسان ، او هي متناقضة مع هذا القانون الكوني او متضاربة مع هذه الحقيقة العلمية ( مع ان العلم نسبيا هنا كان النص رؤوفا رحيما به في توجيهه ان قبل ذالك - وما اوتيتم من العلم الا قليلا ؟) ، او متناشزة مع هذه الفطرة الانسانية ...الخ
ولذالك كانت القراءة المنطلقة من ( اقرأ باسم ربك ) مقدسة من جهة وفكرية عقلية فلسفية تأملية نفسية من جهة اخرى ، فهي قراءة منفتحة وواسعة ، علمية وفكرية ، اقتصادية وسياسية ، نفسية وروحية ، قراءة تتميز بطرح القانون الكوني مضافا اليه البعد الاخلاقي ، والتأمل النفسي والتعبد الروحي ، والسير السياسي والنقد الاجتماعي ....الخ ، في نفس النص المقدس التي تطرحه رؤية ( اقرأ ) القرانية ؟.
اما ما يتعلق بالقراءة الثانية ، او مايتعلق بالبعد الثاني ل ( اقرأ ) القرانية وهو بعد ( اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم ؟.) فقد طرحت القراءة القرانية هذه البعد المادي البشري لعملية التعقلن العلمية ، وباعتبار ان الرمزية الانسانية الممثلة ( بالقلم ) هي العنوان الاخر لعملية الادراك الانساني ، فكانت الاشارة واضحة الى ان هذا البعد العلمي هو الاخر البعد المعرفي الاصيل ونافذته الانسانية الاخرى المطلة على العالم والكون والانسان والوجود ؟.
ان نافذة ( القلم ) القرانية ، هي الاخرى قراءة معترف بها اسلاميا - قراءة ما يخطه ويرسمه القلم - ، وباعتبار ان رمزية القلم لها اكثر من بعد فكري ، فقد ارتأت ( اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم ) ان يكون القلم نافذة اخرى للانسان مضافا الى نافذة ( اقرأ باسم ربك .) وكما ان القراءة باسم الله منفذا معرفيا ، فكذا القراءة بالقلم منفذا علميا اخر يلتقي مع القراءة القرانية ؟.
الحقيقة ان رمزية ( اقرأ باسم ربك ..) باعتبار ان الاستعانة بهذه الاسمية القدسية توفر النظرة العلمية ، لاتقل اهمية عن رمزية ( اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم ) فالتعليم والعلم والمعرفة والادراك ...................... الخ هو غاية الطرح الاسلامي الالهي سواء كان من خلال النافذة المقدسة الموضوعة (باسم الله ) او من خلال النافذة المفتوحة (بالقلم ) ، وباعتبار ان للقلم تاريخ يمتد مع الانسان ، بل ويتصل بصورة مباشرة مع مدارك الانسان العلمية والفكرية ، فقد كان ولم يزل هو الممثل او الرمز لكل ماهو علمي وفكري وعقلي للعالم الانساني ، بل ولكل ما هو تنويري في حياة البشرية حتى اليوم ؟.
الحق : ان مايميز الطرح القراني ل ( اقرأ ) القلمية هذه انها طرحت ( القلم ) بصيغة مختلفة عن المتعارف الانساني ، فهي هنا تطرح القلم فنيا ( معلّما ) ، اي كيانا ذا شعور ووعي ، يمارس عملية التعليم والتنوير للانسان :( الذي علم بالقلم ) فالتعليم الذي يأتي من خلال القلم ، وان كان مجازا لغويا - في كلام البشر - الا انه ومن زاوية اخرى حقيقة معرفية ، فالانسان يتعلم من القلم وبالقلم ، كتعلمه من التجربة او بالتجربة او كتعلمه من التفكير وبالتفكير والتامل الانساني في الوجود والعالم ، وعليه فهناك فرق بين ان ارى القلم وسيلة ميتة وظيفتها النقل والحفظ لعلم الاخرين ، وبين ان ارى القلم شيئا له فعل اخر غير النقل وهو التعليم - القلم القراني هنا مثل اقرأ القرانية تريد من ينفتح عليها كي تنفتح عليه كذا القلم هو بحاجة الى من ينفتح علية اولا قبل ان يتمكن القلم من الانفتاح على الاخر الانساني - ؟.
لاريب انه ليس لدينا تأريخ دقيق عن اللحظة التي اكتشف فيها الانسان أهمية القلم او اكتشف فيها العملية التي مكنته من استخدام القلم كوسيلة علمية وفكرية ، ولكن من المؤكد ان تلك اللحظة كانت من اهم اللحظات الانسانية في هذا العالم ( وان كنت اعتقد ان الانسان البدائي لم يلتفت اصلا لهذه الاهمية ؟) ، فاكتشاف الانسان لهذه الوسيلة هي بحاجة - حقيقة - الى تأمل من الصعب على الانسان الطبيعي او الانسان البدائي الذي تطرحه المدارس المادية وهو يعيش حالة التوحش من التوصل الى اهمية ابتكار هذه الوسيلة العلمية ، وربما هنا كانت التجربة الغير مقصودة تماما او الصدفة النسبية ( وليس ببعيد الوحي الالهي ؟) هي التي جعلت من اكتشاف قدرة القلم على الفعل العجيب ، وعلى العموم كان القلم ( سواء كان حجرا او شجرا او اي شيئ مادي له القدرة على الرسم والخط ) احد الادوات التي وفرت للانسان الافق الاوسع فكريا ونفسيا وهو يتخيل او يتأمل في رسم هذا الشيئ او ذاك من اشياء العالم الطبيعية او النفسية الانسانية كتعبير قبل اللغة ، وهنا وهنا فحسب نتمكن من فهم معادلة مساهمة القلم في التعليم ، فالقلم وبهذه الصورة البدائية الطبيعية ، يعطينا التصور الكامل لقدرته كفاعل مساهم في عملية التفكير والتامل والتصور للاشياء ، وربما كان اهل الفن ، في هذه الزاوية هم الاقدر على الاحساس والشعور بهذا المنعطف ، وهم يمسكون باقلامهم التي توحي لهم وتتفاعل مع مخيالهم الرائع لبناء لوحة فنية متألقة الجمال ، ومنفلتة الروح والنفس ، ليستشعر الفنان وبكل طاقته الروحية ان القلم هنا هو الذي يرسم وهو الذي يتحرك وهو الذي يبدع وليس اي شيئ آخر ...( اسئلوا الفنانين عن هذا ؟......... اسئلوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون ؟.).
وعليه طرحت ( اقرأ ) القرانية الثانية مع ( وربك الاكرم ) مضافا اليها ( الذي علم بالقلم ) بعدا اكثر حيوية في عالم العلم الانساني وهو يمارس التعلّم بالقلم من خلال اطلاعه على الانتاج الفكري والعلمي الانساني من جانب ، ومن خلال تفاعله وتوحده واستماعه لدروس القلم العلمية والفكرية والتاملية من جانب آخر ، فالقلم وتعلم رموزه الكتابية هو اول الطريق لدخول عالم العلم وقراءة نتاجات القلم الانساني ، قراءة القلم الفلسفي وكذا العلمي او النفسي او العمراني او التاريخي .....الى اخر هذه القائمة العلمية من مفردات القلم العلمية ؟.
ان الله سبحانه القراني الاسلامي يطرح قراءة القلم باعتبارها قيمة علمية انسانية ، كانت ولم تزل هي القيمة الاكثر عمقا في حياة الانسانية ، فهو سبحانه الذي علم بالقلم وعلم الانسان مالم يعلم ، ولكنه سبحانه كما انه الذي مكنّ الانسان من التعلم بالقلم ، فهو القادر على ان يعلم الانسان بوسيلة ( اسم الله ) ايضا ، عن طريق الوحي والالهام للانسان ، فليست هناك غاية ل ( الله ) الاسلامي سوى ان يعلم الانسان وينوّر من افاقه الفكرية والعلمية وياخذ بيده ليكتشف اسرار هذا الكون وهذه الطبيعة ليستفيد من خيراتها من جانب ، وليطلع هذا الانسان المدللّ الاهيا على عظمة خالقه واستحقاقه للاحترام والعبادة فحسب ؟.
اذا ( اقرأ باسم ربك ..) قراءة وتلاوة فكر وتأمل الاهية اسلامية ، كما ان ( اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم ..) قراءة كتابية يدوية طبيعية كونية مادية في صفحات كتاب الكون والحياة والوجود والانسان :( وماكنت تتلو من قبله من كتاب ولاتخطه بيمينك اذا لارتاب المبطلون ) قراءة لشخصية الرسول المعظم محمد رسول الله ص ، فهل كان حقا محمد رسول الله لايقرأ ولايكتب القلم ؟.

من هدي القران ... الكلمة ... اقرأ ؟ - 6 - حميد الشاكر

الدلالة والحدث : آقرأ
تعتبر العلوم القرانية ، والتي نظمّ لعناوينها وطوّر من منافذها ووسع من افاقها ...، علماء الاسلام المحترمون ، من أهم الابواب الفكرية التي من خلالها يتمكن كل مفكر او قارئ او متفلسف او متعلم ، من تدعيم فهمه وادراكه واستيعابه ، لمحاور النص القراني الكريم ( والعكس ايضا صحيح عندما تكون هذه العلوم اغلالا) ، وما يرمي اليه ذالك النص ، والكيفية التي ينبغي ان يتعامل من خلالها مع النص القراني هذا ؟.
والحقيقة ان العلوم القرانية تلك ، لاتختلف في جوهر وظائفها العلمية عن باقي العلوم الاخرى والتي تكوّن قواعد وأصولا لاي علم يراد له ان يكون علما متكاملا ، كالعلوم اللغوية والنحوية - مثلا - والتي تكون منافذا وافاقا لفهم اسرار اللغة ، والكيفية الصحية لفهمها ، وادراك ابعادها الايحائية ، او كعلم المنطق عندما يراد منه ان يكون اداة لعصمة الفكر عن الخطأ - كما يدعي المناطقة - ، فان كل تلك الاصول والقواعد والمنطلقات ....، ما هي الا مقدمات لعملية تشييد وبناء فكرية تساهم باعطاء صورة اكثر وضوحا لهذا المنحى المعرفي او العلمي او ذاك عندما نقرأ النصوص القرانية التي تبدو بظاهريتها انها متضاربة او متنافرة او غير منسجمة ...، فلابد عندئذ من فهم او معرفة القواعد والاصول العلمية التي توضح او ترفع هذا اللبس المتوهم للنصوص القرانية ، فنقرأ - مثلا - قرانيا :( قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولاباليوم الاخر ولايحرّمون ماحرّم الله ورسوله ولايدينون دين الحق من = تبعيضية هنا والاكثر احتمالا المقصود اليهود من اهل الكتاب - الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية = اي جزاء ومقابل دفاعكم عنهم ومساواة لدفع المسلمون لضرائب الخمس والزكاة - عن يد وهم صاغرون = وهؤلاء هم المتمردون على النظام الاسلامي العام او الذين لايراعون مشاعر ونظام المسلمين القائم من اهل الكتاب فلابد من تأديبهم حتى الاستصغار لشأنهم كما ان المسلم الذي لايحترم او ينصاع للنظام العام لاي دولة حديثة غير مسلمة يعامل بالمثل ، اما المنفتحون من اهل الكتاب والمحترمون لنظام ومشاعر المسلمين فلهم كل الخطاب المحترم والكرامة المحفوظة ؟ / قران كريم ).
فعندما نقرأ هذا النص القراني نفهم الحكم اطلاقيا ، ولكن اذا كان هذا هو النص الوحيد في موضوعة القتال والمدافعة ، فمن حقنا عندئذ واسلاميا ان نقول بأخذ الحكم اطلاقيا ، مما يترتب عليه نتائج معينة ، اما ان قرأنا نصا قرانيا آخرا وبنفس الموضوعة - كل ذالك باعتبار ان الاسلام اقام نظاما سياسيا وله جناح عسكري كوزارة الدفاع حديثا - يقول : ( وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدو ان الله لايحب المعتدين / قران كريم / 190/ البقرة ).
فعند ذالك انا متوقف هنا بين دعوة للقتال بالمطلق ، ودعوة لعدم الاعتداء مبتدأ ( ولافرق بين المتقدم من النصوص والمتأخر زمنيا هنا ) ، او دعوة اخرى تقيّد العمليات القتالية بعملية الاعتداء ، ليكون مفهوم المنافحة والقتال عملية مقاومة لمعتدي ، فبأي الامرين انا ملزم كحكم وفهم اسلامي ، بمعنى هل أءخذ بالمطلق من الحكم الاسلامي ام بالمقيد القانوني ؟.
هنا لامناص من فهم مدرك وواعي لأصول وقواعد وفن العلوم القرانية كي توضّح لي المنهج وتسلط الاضواء على الغاية ، فتأتي مفردة من مفردات العلوم القرانية والتي تسمى قاعدة (حمل المطلق على المقيد ) ، ومفادها : انه اذا كان لدينا مطلق في الحكم ومقيد بنفس الموضوع ، يجب عندئذ العمل بالمقيد وحمل المطلق عليه ، وعليه تكون الفكرة القائلة : لاتعتدوا على احد حتى يعتدي عليكم ، هي الفكرة التي توضح المراد من مقولة قاتلوا الذين لايؤمنون بالله واليوم الاخر...، واعتبارانه لافوضوية في هذا الامر وانما هناك حق طبيعي للانسان عندما يعتدى عليه فيجب ان يدافع عن نفسه وكفى .....، وهكذا تتبين معالم واهداف الفكرة القتالية في منظومة الفكر الاسلامي السياسي ، كما بينت القواعد القرانية هذه المناحي المعرفية وعلى كافة الاصعدة من معادلة العلوم القرانية ؟.
وكذالك هناك بالاضافة لمصطلح ( المطلق والمقيد ) ، ايضا هناك مصطلحات الناسخ والمنسوخ في العلوم القرانية ، كما ان هناك الخاص والعام ......الخ ، من هذه المصطلحات العلمية القابلة للفهم الاوسع والادراك الاشمل حسب أفق هذا المفكر او ذاك ، وهذا العالم او ذاك ، او هذا المتعلم او ذاك ....؟.
وهذه العلوم التي تتصل بالنص القراني - حقيقة - لها مفاعيل حاسمة بفهم وادراك النص القراني في الواقع ، فعدم ادراك واعي لهذه المصطلحات الاسلامية بأمكانها ان تقلب الحقائق القرانية رأسا على عقب ، مما يعطي مداليل مشوهة تماما للنص القراني واهدافه السامية لبناء الحياة الانسانية ، وعليه كان لابد - في الفكر الاسلامي - من اتقان عملية الادراك والفهم والقواعد والعلوم للنص القراني المقدس والخطر جدا في الحياة الانسانية ، وكمثال مقرب لاهمية بناء فهم واعي ودقيق لتطبيق العلوم القرانية على مصاديقها النصية ( وهنا لنأخذ مصطلح الناسخ والمنسوخ كمثال ) ، نأخذ مثلا قرانيا ، وهو قوله سبحانه :(ودّ كثير من اهل الكتاب لو يردونكم من بعد ايمانكم كفارا حسدا من عند انفسهم ( طبيعة بشرية عامة ) من بعد ما تبين لهم الحق فاعفوا واصفحوا حتى يأتي الله بأمره ../ 109 / البقرة )
فقد ذكر ان هذا الحكم الاسلامي ( بالعفوا والصفح ) قد نسخ بآية تسمى آية السيف ( ولهذه الاية الاعاجيب المستعجبة تكاد تكون ناسخة لثلث القران عند من يعتقد بانها ناسخة لما قبلها من احكام العفو والتسامح والتعايش السلمي بين باقي الاديان ........ وهي اساسا مقيدة الاطلاق كما ذكرنا ؟) القائلة :( قاتلوا الذين لايؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولايحرمون ما حرم الله ورسوله ولايدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون / قران كريم ).
والحقيقة انه لانسخ بين النصين مطلقا ، وكل ماذهب اليه بعض المفسرين فاسد تماما ( انظر : الخوئي / البيان في تفسير القران /ط الثالثة / ص 288 ) ، من ايحاء التوقيت مثلا في النص الاول ، وعليه كانت مقولة النسخ هذه ولعدم ادراك مصطلح النسخ بصورته العلمية الواقعية ، قد افضت بنا الى شريحة واسعة تحمل الفكر الظلامي في التاريخ وحتى اليوم ، ولاتنظر للاطروحة الاسلامية على اساس انها اطروحة عفو وتسامح مطلقا، وذالك كله بسبب من فهم خاطئ جعل من اجتهاد فكري بشري ( آية السيف = اجتهاد وسياسة بدوية ) هو الحاكم على كل الاسلام ، مما انتج اثار فكرية ونفسية واجتماعية كارثية على الفكر الاسلامي ، فالاشكال الحقيقي عندئذ - ومن وجهة نظرنا الخاصة - هو ليس ان فكرا انسانيا اجتهد فأخطأ في تطبيق القاعدة القرانية ( الناسخ والمنسوخ ) على المصاديق النصية للقران الكريم ، ولكن الكارثة هي : ان خطأ تطبيق القاعدة افضى الى رفع كل العناوين الاسلامية الراقية من العفو والصفح والتسامح والتعايش الانساني والانفتاح على الاخر الانساني .........................الخ ، بأسم ان الناسخ لهذه المصطلحات هو آية لم يسميها النص القراني ولا الله منزل ذالك النص ، وانما سماها الانسان بآية ( السيف ) ليبرر توسعاته الاستعمارية السياسية القديمة في عالم الانسان ؟.
اذا تكون القواعد والعلوم القرانية والمقدمات العلمية ، من الحيوية والاهمية بمكان عال جدا لفهم النص القراني او قراء ته بصورة اكثر اسلامية وفهما وادراكا انسانيا ، وكما رأينا ان النص القراني نص مقدس ، ونسبة الخطأ في ادراكه ستوّلد نتائج كارثية على المستوى الفكري والاجتماعي والفردي ، فعليه كانت ( فاذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم (= فكرة خاطئة ، او تطبيق لنص القران مشوها وهكذا ) ، انه ليس له سلطان على الذين ءامنوا وعلى ربهم يتوكلون / 98 - 99 / النحل ). ، ايضا قاعدة وعلم من العلوم القرانية المهمة في قراءة النص الاسلامي القراني المقدس ، فالاستعاذة وان لم تكن قاعدة مدونة ولكنها قاعدة احتراز نفسية - كالتقوى وعدم اقتراف الذنوب والجرائم ...الخ - وروحية للتدليل على اهمية قراءة النص القراني بعيدا عن اي دافع او ميل عقائدي او تعصب متخلف يرمز اليه عادة في الخطاب الاسلامي ب ( الشيطان ) ........ الخ ؟.
ومن هنا كانت علوم القران مقدمات لابد منها لمن يرغب بقراءة قرانية اكثر وعيا وفهما واتصالا ...، بواقع النص القراني ، والكيفية التي كان يفهمها صاحب لسان النص القراني عند نزوله لغويا ، ويدركها صاحب عقل النص القراني فكريا ، ومن الطبيعي والحال هذه ، ان تختلف عندئذ مدارك واتساعات هذا الباحث عن ذاك وهذا المفكر عن غيره ، وذالك حسب مايتقنه من فن الانفتاح اولا على قراءة النص القراني ، وثانيا حسب ما يدركه او مايفهمه من هذه القاعدة او تلك في العلوم القرانية ؟.
وهكذا كانت قاعدة ( اسباب النزول ايضا ) للعلوم القرانية هي الاخرى قاعدة لهامن الاهمية مايبرّز الجانب الانساني الممتزج بالنص القراني ، او المحرك لهذا النص والمساهم بصياغته الفكرية؟ والحقيقة ان باب ( أسباب النزول ) في العلوم القرانية له اهمية بالغة الخطورة ايضا ، فهو ينفتح على اكثر من باب من ابواب الفكر الاسلامي ليساهم بالادراك الناضج لزوايا النص القراني بالتحديد ( كذالك للسنة النبوية علوم كعلوم القران من ناسخ ومنسوخ ومطلق ومقيد ...) ، فهو عامل مساعد في فهم باب ( الناسخ والمنسوخ ) والذي يدخل في الاحكام الاسلامية بصورة مباشرة وما الاهمية التي يطرحها في معرفة المتقدم والمتأخر من الاحكام الاسلامية في عالم الناسخ والمنسوخ ، كذالك دخول علم (اسباب النزول ) في كثير من الابواب القرانية ايضا غير باب الناسخ والمنسوخ ....الخ ؟.
ولكن الشيئ الاهم - بالنسبة لكاتب هذه السطور شخصيا - في هذا الباب العلمي من العلوم القرانية والمسمى بباب ( اسباب النزول ) هو مايوفره هذا العلم من صورة اجتماعية انسانية زمانية ومكانية متحركة للنص القراني ، فاسباب النزول وكما هو مدرك ، هو : علم يرصد الاسباب الاجتماعية التي ساهمت في ولادة النص او تحريكه او بناءه ؟.
وعليه كان سبب النزول من هنا او هناك ، هو الاطار الاجتماعي للنص القراني ( الموضح لحركة النص وليس المقيد له ) ، ولاريب من ان فهم الاطار او الصورة الاجتماعية او الحدث الانساني الذي يساهم او ساهم بتحريك النص القراني وانزاله للواقع ، لاريب انه الاطار الذي يعطينا الابعاد الحركية للنص القراني ، والاهداف الحقيقية لهذا النص ، كما انه يمثل روح النص القراني ومدركه الواقعي ، ولذالك اهتم علماء الاسلام بهذا الباب من ابواب العلوم القرانية ، لما يمثله من ابعاد انسانية واجتماعية وبيانية للنص القراني كذالك ؟.
ومن هنا كان السؤال حول بداية الوحي الالهي او سببه سؤالا حيويا توفره لنا وبصورته الزمانية والمكانية والانسانية ، نافذة اسباب النزول القرانية ، وان كانت تلك النافذه توحي بان هناك سببا اجتماعيا انسانيا يكون مقدمة لتحريك وتفعيل والمساهمة بعملية انزال بعض النصوص القرانية ، ولكن وباعتبار ان بداية الوحي الالهي ( آقرأ ) كانت البداية الغير مسبوقة بحدث من احداث اسباب النزول البشرية الظاهرة ، كانت البداية موجودة في باب (أول مانزل من الوحي الالهي ) ؟.
الحقيقة بالامكان القول ان هناك مقدمات اجتماعية او انسانية زمانية ومكانية تعتبر من جانب او اخر اسبابا لتحرك الوحي ( قد ذكرنا بعضها سابقا ) الالهي الابتدائي ونزوله في لحظة من اللحظات الى عالم الانسان ، وذالك حسب زمن معين ومكان محدد وعلى شخصية انسانية ملفتة للنظر( الرسول المعظم محمد بن عبدالله ص ) ، وهذا الحدث الابتدائي بالذات هو المفصل والقاعدة والمنطلق الرسالي والاسلامي والنهضوي .... ، والذي اذا ثبت بقوة يكون كل شيئ ثابت ، واذا لم يثبت يكون كل شيئ متخلل في عالم الاسلام الرسالي والانساني ، وعليه كانت صورة الحدث الابتدائي هي المنطلق ، والاطلاع على حيثياتها الانسانية والزمانية والمكانية ، من اهم الصور المشوقة لرؤية هذا الحدث الذي غير مجرى سير الانسانية برمتها قبل اربعة عشر قرنا ، ولم تزل اثار ذالك الحدث فاعلة ومتحركة حتى اليوم وربما سوف تستمر الى اخر يوم على هذه الارض .. من يدري ..؟.
اذا ماهي تلك الحادثة التي غيرت المعادلة الانسانية بولادة وحي ؟. وكيف كانت حيثياتها التفصيلية زمانيا ومكانيا وانسانيا ؟. وما هي العبر التي بامكاننا استخلاصها من تلك الولادة التي تمخضت عن ( آقرأ ) ؟. وهل حقا ان ( آقرأ ) أول ما نزل ؟.
1:- ( عن ابي عبدالله - جعفر بن محمد الصادق - عليه السلام قال : أول مانزل على رسول الله صلى الله عليه وآله : - بسم الله الرحمن الرحيم * آقرأ باسم ربك - واخره - اذا جاء نصر الله ) انظر /اصول الكافي ج2 / كتاب فضل القران / الباب 13 / حديث 5 .( اخره بمعنى اخر سورة وليست اخر آية من القران فافهم ؟.
2 :- روى ابن هشام في سيرته عن ابن اسحاق قوله :( حدثنا وهب بن كيسان قال : قال عبيد : فكان رسول الله ص يجاور - بحراء - ذالك الشهر من كل سنه يطعم من جاءه من المساكين ، فاذا قضى رسول الله ص جواره من شهره ذالك ، كان اول مايبدأ به ، اذا انصرف من جواره ، الكعبة قبل ان يدخل بيته ، فيطوف بها سبعا ، أو ماشاء الله من ذالك ، ثم يرجع الى بيته ، حتى اذا كان الشهر الذي اراد الله تعالى فيه ما اراد من كرامته ، من السنة التي بعثه الله تعالى فيها ، وذالك الشهر - شهر - رمضان ، خرج رسول الله ص الى حراء كما كان يخرج لجواره ومعه اهله حتى اذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ورحم العباد بها ، جاءه جبريل عليه السلام بأمر الله تعالى ، قال رسول الله ص فجاءني جبريل وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب ، فقال آقرأ ، قلت ما اقرأ ؟. قال فغتني - حبس النفس - به حتى ظننت انه الموت ، ثم ارسلني فقال : اقرأ ، قال قلت : ما اقرأ ؟. قال فغتني به حتى ظننت انه الموت ، ثم ارسلني ، فقال : اقرأ ، قال : قلت ماذا اقرأ ؟. فغتني به حتى ظننت انه الموت ، ثم ارسلني ، فقال : اقرأ ، قال : فقلت ماذا اقرأ ؟. ما اقول ذالك الا افتداء منه ان يعود لي بمثل ماصنع بي ، فقال :( اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان مالم يعلم ) انظر : السيرة النبيوية لابن هشام / تحقيق : مصطفى السقا ، ابراهيم الابياري ، وعبد اللطيف شلبي / ج 1 / ص 236 .
3:- حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم المؤمنين أنها قالت أول ما بدئ به رسول اللة ص من الوحي الرؤية الصالحة في النوم فكان لايرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب اليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد الليالي ذوات العدد - قبل ان ينزع الى اهله ويتزود لذالك ثم يرجع الى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال اقرأ قال ما انا بقارئ قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم ارسلني فقال اقرأ قلت ما انا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما انا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم ارسلني فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم فرجع بها رسول الله ص يرجف فؤاده .....الخ ) انظر : صحيح البخاري / بحاشية السندي / ج1 / باب كيف كان بدء الوحي / ص 6 / دار صعب ).
نكتفي بهذا النقل من امهات الكتب الاسلامية وهي تصّور وتنقل لنا حادثة بدء الوحي ونزول الكلمة القرانية الى عالم الانسان ، والحقيقة ان في ثنايا هذه النقول الاخبارية عن حادثة بدء الوحي الكثير من المحاور الفكرية الاسلامية ، والتي بالامكان تناولها على اسس مختلفة ( فكرية ونفسية وجغرافية ...) ، ولكن ما يهمنا هنا هو القول ان تلك الحادثة الكبيرة رصدت الابعاد الانسانية الثلاثة بشكل لابأس به ، الاول البعد المكاني حيث جرت الحادثة بكل تفاصيلها ( غار حراء ) ، والبعد الزماني ( شهر رمضان ) وان كان هناك رأي غير هذا ، والبعد الانساني ( محمد رسول الله ص ) ، وهذه الابعاد الثلاثة هي ماقام عليها باب ( اسباب النزول ) القراني ، والمهم في المعادلة برمتها ، وما اثار بعض المفكرين والعلماء هو نقطة ( آقرأ ) القرانية ، من حيث انها كلمة ومن حيث انها وحي ومن حيث انها دلالة ، فقد لفت نظر بعض المفكرين والعلماء بعدين لزاوية اقرأ القرانية هذه :
الاول : زاوية المفهوم الفكري ل ( آقرأ ) كدلالة ووحي ؟.
والثاني : الخطاب المقروء للانسان الامي كمؤشر؟.
ولعلنا نستطيع تناول المفهوم الفكري لاقرأ القرانية من حيث هي وحي صادق ، ومن حيث هي دلالة وبعد لتنوع القراءة القرانية من جانب آخر

( اقرأ من حيث هي وحي )

يرى البعض من المفكرين ( وخاصة المستشرقين منهم ) والدارسين لظاهرة الوحي اللاهوتية السماوية ، ان هذه الظاهرة ما هي الا عبارة عن ظاهرة بشرية نفسية بحتة ، وليست لها اي اتصال وصلة واقعية بعالم ماوراء الطبيعة ( هذا المصطلح فلسفي كان يقصد به قديما درس المواد التي تأتي وراء او بعد علم الطبيعيات ، اما اليوم فيستخدم للأشارة الى العالم الغيبي اللاهوتي ؟.) ، وانما هي عملية فكرية متكررة تلهم الانسان المتأمل والمفكر نوعا من الذوبان في العالم المتفكر والمتأمل فيه ، حتى وصوله الى حالة الاعتقاد بان العالم الغيبي قد انفتح عليه بعملية وحي مباشرة تحّمله رسالة خلاص وانقاذ لعالمه الانساني ، فيصبح هذا الانسان المتأمل والمفكر بحالة شبه يقينية بهذا الاتصال اللاهوتي ، ولاسيما ان هذا الانسان المتأمل يصل الى حالة من الفكر النقدي لكل الاوضاع الانسانية القائمة في عصره ، ولذالك يطرح مشاريعه الاصلاحية الفكرية بالاضافة الى تأملاته الفلسفية كدين مقدس وطاهر ، وكبرنامج اجتماع ، وكرؤية لاهوتية كونية ؟.
والحقيقة ان مثل هذه الرؤى لموضوعة الوحي اللاهوتي ، وان كانت قريبة للتحليل النفسي الحديث الا انها رؤى محلقة في الخيال اكثر منها دراسة لواقع موضوعي ، ولاسيما ان درسنا موضوعة الوحي بكل حيثياتها التاريخية المذكورة لوحي السماء الخاتم والممثل بوحي الرسالة الاسلامية ، ومن الطبيعي وحسب الرؤية النفسية المطروحة انفا ، ان تكون عملية التأمل والتفكير هي المعادلة التي من خلالها نتمكن من دراسة ظاهرة الوحي الرسالية السماوية باعتبار ان كل الوحي ماهو الا انتاج فكري وعقلي ونفسي حسب هذه المعطيات التحليلية ؟.
ولكن دعنا نأخذ النموذج الرسالي الاسلامي ، ونطرح عليه تلك النظرة التحليلية النفسية ، فهل يستقيم ذالك التحليل لظاهرة الوحي الرسالي الخاتم وحسب المعطيات التي يقدمها لنا تاريخ السيرة واسباب نزول النص القراني ( اقرأ ) ؟.
ان العملية او النظرة التي يطرحها التفسير النفسي لظاهرة الوحي اللاهوتية تقتضي ان يكون الانسان المفكر والمتأمل لوضعه الاجتماعي والكوني منشغلا وغارقا تماما بالعملية الفكرية والتاملية التي يمارسها بالبحث والنظر ، وعلى هذا يكون الوحي او الايحاء النفسي ، ماهو الا عملية انعكاس طبيعية وحتمية لتلك العملية الفكرية والتاملية ، ومن هنا ينبغي ان تتشكل امامنا الصورة او الملامح الاولية التي ينبغي ان يكون عليها مدعي النبوة والاتصال الغيبي ، عندما يطرح برنامجه الاجتماعي الاصلاحي بالاضافة لرؤيته الفلسفية الكونية ، وذالك باعتبار انه ومن خلال التأمل والتفكير بهذه القضية الاجتماعية او الفلسفية الكونية ، ستكون الخطوة الاولى التي يقدم عليها الانسان المفكر والمتأمل هي الكلمة سواء كانت كلمة الحل الاجتماعية الاصلاحية او كلمة النظرة الكونية وكيفية كينونتها الواقعية ؟.
ان التاريخ يحدثنا ان اول كلمة لاهوتية قرانية كانت هي ( اقرأ ) نزلت بصورة مباشرة على نبي أمي لايقرأ او يكتب ، وهذا بشهادة حتى اعداء هذه الكلمة اللاهوتية السماوية ، فهل تعتبر هذه الكلمة ومن خلال النظرة النفسية السالفة الذكر هي منتج طبيعي وحتمية تأملية وفكرية فرضتها هذه الحالة على هذا الرسول الامي باعتباره وفي حقيقة الامر انه مفكرا لانبيا ؟.
بمعنى اخر : هل بامكاننا ان نستخلص من كلمة ( اقرأ ) القرانية ، وباعتبار انها اول كلمة ادعى انسان انها وحي اوحي اليه من السماء ، هل نتمكن من فهمها على اساس انها عملية فكرية وتأملية فرضت نفسها بصورة كلمة وحي من وراء الطبيعة على انسان اعتقد ذالك ؟.
الحقيقة كان المفروض على انسان يعيش في محيط اجتماعي لايعير اهمية للكلمة المكتوبة ، وينشغل بامور الحياة المعيشية المادية وكيفية توفيرها ، بالاضافة الى صراع هذا الانسان مع الطبيعية الصحراوية القاسية ، مضافا لذالك ان هذا الانسان لم يمتهن العملية الفكرية بصورتها الخطابية ، ولم يسمع منه احد من مجتمعه الذي كان يعيش فيه نبرة تفلسف كوني او تمرد نقدي طيلة اربعين سنة ......الخ ، كان المفروض من مثل هذه الشخصية الانسانية ولملابساتها الاجتماعية ان تكون اول كلمة تتبادر الى ذهنه هي شيئ متصل بعمق صراعاته الاجتماعية والطبيعية والتي كان شديد التفكير بها ، لتكون البوابة لدعوته الاصلاحية الفكرية ، فهل ياترى كانت ( اقرأ ) تمثل اي بعد تفكيري او تأملي لانسان الجزيرة العربية بصورة عامة ، لتكون من ثم هي الضرورة التي كانت تشغل فكر الرسول الاعظم محمد ص ، ومن ثم هي الكلمة التي اعتقد نفسيا انها وحي من السماء بينما كانت هي مجرد انعكاس لحالة تأمل وتفكير انساني عميق وسياسي او غيبوي ؟.
بالطبع لم تكن ( القراءة ) بصورة عامة في المحيط العربي هي الشغل الشاغل آنذاك لعالم الانسان العربي ، كما انها لم تكن تمثل اي بعد اجتماعي اشكالي يعاني منه الانسان العربي ( نعم انها اشكالية نهوض ولكن الحديث الان على قدرة استيعاب العقل الانساني لضروراته الانية ) حتى تكون هذه العملية من المعادلات التي تشغل الفكر وتدعو للتأمل المعمق لانسان الجزيرة العربية ، مما يضطر مفكرا كمحمد ان يطرح برنامجه الاصلاحي والفلسفي بكلمة ( اقرأ ) ، وربما لو كانت المعادلة منسجمة مع الوضع الاجتماعي القائم آنذاك وكذا الوضع النفسي لهذا الانسان لكانت مفردة ( الخبز ) او ( العدل ) او ( المساواة ) ......، هي الكلمة الاكثر تعبيرا عن واقع الحال الانسانية والشخصية لمحمد بن عبدالله ص ؟.
اذا ما هي العملية الحقيقية التي طرحت كلمة ( اقرأ ) الاصلاحية او الفكرية القرانية على لسان محمد بن عبدالله الطاهر الامين ص ؟.
ان رسول الاسلام محمد بن عبدالله ( روحي له الفدى ) لم يكن سياسيا ذكيا ، او مفكرا متصوفا ، او متأملا غيبويا ...، وانما كان نبيا مرسلا ، ينقل مايوحى اليه من غير ان يكون له اي تدخل في الابعاد اللاهوتية المطلقة لعملية الوحي الرسالية ، فهذه الكلمات القرانية ليست هي انعكاس اجتماعي مباشر حتى تكون شعارا لسياسي متطلع لتحريك الجماهير واستثمار مطالبها المعيشية ليطرح كلمة ( الخبز ) كما انه لم يكن متصوفا لتكون كلمة ( تأمل ) هي البداية والنهاية بدون فكر ، كما انه ليس غيبويا ليغيب عن الواقع ويطرح التأملات الروحية فحسب ؟.
بمعنى : ان القران الكريم نفسه ، وعندما كان يتحدث عن حياة محمد رسول الله ص قبل الوحي ، يذكر ان محمدا رسول الله ، لم يكن يفكر او يتوقع ان شيئا كهذا كان ينبغي ان يقع له ، اي ان يصبح رسولا على مستوى الايحاء والرسالة ودعوة العالم الانساني لرسالته الخاتمة :( ما كنت ترجو ان يلقى اليك الكتاب الا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين / القصص : 86 / قران كريم ) وكذا ( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولاتخطه بيمينك اذا لارتاب المبطلون / 48 : العنكبوت / قران كريم ) وكذا ( وكذالك أوحينا اليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلنه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم / 52 : الشورى / قران كريم ) . ومعلوم ان المناهضين لرسالة الاسلام الخاتمة من قادة المجتمع العربي ، كانوا يدركون ان محمدا رسول الله ولفترة طويلة من حياته لم يكن يطرح اي نوع من التفكير او التأملات المتصلة بعمليات الاصلاح او التنظير او غيرها من الالوان الفكرية او النفسية ، ولذالك هم مع ماذكره القران من ان حياة محمد لم تكن توحي باي تحرك ملفت للنظر فكريا او تأمليا او اجتماعيا ، ينطلق من معادلة التخطيط للمستقبل هذا ؟.
وعليه كانت مقولة ان ظاهرة الوحي ، ماهي الا عملية فكرية تأملية نفسية ، لاتنطبق تماما على النموذج الرسالي الاسلامي ، باعتبار ان النموذج ( اقرأ ) قد نسف كل التوقعات التي تقول ان ظاهرة الوحي ينبغي ان تكون عملية فكر وتأمل نفسية ، مما يدلل على ان الكلمة القرانية ( اقرأ ) هنا اثبتت وبدون اي لبس اعجازية ودلالة الوحي الالهي باعتباره اتى مخالفا لكل المتوقع العقلي والتاملي الانساني ؟.
ان ( اقرأ ) القرانية وحسب ماتوحية عملية النقل التاريخي كانت عملية مربكة لكل الكيان النبوي الرسالي المحمدي ص ، وهذا واقع ذكرته كل السير والنقول الموثقة تاريخيا ، وبخلاف مجموعة صغيرة من المفكرين والعلماء والذين حاولوا الاشكال على هذه الصورة التاريخية لحدث بداية الوحي اللاهوتي ( سنناقش هذا الراي فيما بعد مع الطباطبائي وفضل الله ) فان الثابت التاريخي ان عملية الوحي كانت ( مفاجئة ) لكيانية الرسول المعظم ص ، مما توحي هذه ( الفجئة = فجأني ) للرسول الاعظم محمد بن عبدالله ص ، باللامتوقع العقلي والفكري والنفسي لحركة الوحي السماوية بكلمة ( اقرأ ) ؟.
ان من الطبيعي ان يفاجأ الانسان الامي ، عندما يطرح عليه وحيا يأمره بالقراءة ، كما انه من الطبيعي ان يفاجأ الانسان المشلول ان امرته بالمشي مثلا والانسان الاعمى الفاقد للبصر بالرؤية ..... ، فمفهوم ( ما اقرأ ، او : ما انا بقارئ وتكرره بمقابل اقرأ اللاهوتية ) الذي تحدثنا به السيرة واسباب النزول القرانية ، كان هو التعبير البشري الطبيعي والمتوقع من انسان لايقرا ولايكتب ، ولكن هذه الواقعية كانت تفرض نفسيا وفكريا وتأمليا وحسب التوقعات العلمية لعلم النفس المادي ان لاتكون اول كلمة من الوحي اللاهوتي الاسلامي القراني هي ( اقرأ ) باعتبار ان علم النفس وحسب معطيات الحياة النفسية والفكرية والتاملية لمحمد النبي تفرض عليه ان يعلن كلمة هو متمكن منها فكريا وعقليا ونفسيا وليس العكس ؟.
الا ان اللامتوقع هو الذي كان اعلانا للرسالة السماوية الاخيرة ، انها الكلمة ( اقرأ ) التي لم يكن يفكر فيها مطلقا محمدا رسول الله ، بل وكانت هي النقطة التي يفتقدها كسبيا الرسول الاعظم ص ، فهو كان رجلا اميا لايقرأ او يكتب ، فهل من المعقول ان يطرح عقل محمد وتفكيره وتامله
هذه الاشكالية اللامتوقعه على كيانه الأمي ليثير الشك في دعوته الاصلاحية امام خصومه لو كان مفكرا سياسيا ؟. ثم وبمعنى ادق هل يتمكن العقل اللاواعي للرسول الاعظم محمد بن عبدالله ص ان يطرح متناقضا عقليا وفكريا بنفس اللحظة التي يكون فيها لاواعيا وواعيا لطرحه مشروع ( اقرأ ) القرانية ؟.
الحقيقة انه وبمعادلة بشرية وبكل الابعاد النفسية والفكرية والتأملية لايمكن لاي انسان ان يطرح النقيض لوجوده الانساني ، فمن المستحيل نفسيا انسانيا ، ان يطرح العقل الباطن الانساني ( اللاواعي ) هذه التناقضية الغريبة العجيبة ، من انسان يريد ان يقيم مشروعا اصلاحيا اجتماعيا يفترض فيه الوعي والادراك التام لمشاكل الاجتماع الانساني القائم ، ثم وبنفس اللحظة يطرح لاوعيا وتناقضا بنفس الوقت ؟.
اي انه لو كانت النسبة الفكرية الواعية قائمة في الطرح الاسلامي ولو بنسبة قليلة لتدفع مقولة الوحي ، لكان كل الطرح الفكري واردا الا طرحا واحدا يتجنبه العقل الانساني تلقائيا وبدون اي ايعاز عقلي او فكري الا وهو الايعاز النفسي الكامن في العقل اللاواعي ، وهذا يفترض ان الانسان - مثلا - الامي والذي لايمتهن القراءة والكتابة ، وباعتبار انها عملية كمنت وترسخت في اللاوعي الانساني ، فمن المستحيل ان تطرح ماينقض هذا الراسخ في العقل اللاواعي ، ومن ثم من الصعب القول ان ( اقرأ) كانت نتاج فكر وتأمل طويل لمحمد الرسول ، ولكن الطبيعي النفسي البشري ان يقال : تجنب العقل لكل ماهو غير وارد ومعدوم الكسب للانسان ان يطرحه العقل ككلمة مشروع وبداية نهضة ؟.
ومن هنا وتدعيما لهذا الموقف الرسالي ، الذي يقول ان ليس لمحمد الرسول ص اي تدخل في صياغة الوحي وطرحه ، جاءت عملية اخرى قرانيا لتؤكد من هذه الحقيقة ( حقيقة ان الطرح القراني طرح وحي وليس هو نتاج تأمل وفكر انساني ) التي لالبس فيها وهي عملية ( الشك ) والتي يطرحها النص القراني لمحمد الرسول نفسيا ( اقرأ باسم ربك ... اقرأ وربك الاكرم = تأكيد كما يذهب بعض المفسرين ...) او ( فان كنت في شك مما انزلنا اليك فسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ؟./ 94 : يونس / قران كريم ) وهذا الشك او التساءل الرسالي هو الاخر دلالة ومؤشر على مصداقية ان يكون الوحي من خارج الكيانية النفسية والفكرية للرسول المعظم محمد بن عبداللة ص ، وهو وحي من الخارج وليس من الداخل الانساني ، فالانسان لايمكنه ان يطرح طرحا من عمق فكره وتأمله وانسجامه النفسي ، ثم وبعد ذالك هو يشك في طرحه هل هو واقع وحق ام وهم وخيال والشك هنا في اصل الوجود وليس بالكيفية ؟.
اضف الى ذالك ان الطروحات الفكرية وخاصة الاصلاحية الاجتماعية يجب عليها ان تكون مطروحة بطرح ( الحتمية ) والتاكيد على الجماهير كي لاتثير اي شكوك حول صحتها او تثير او تخلخل مبادئ صحتها كي لايضعف التفاف الجماهير حولها ، اما ان تطرح فكرا وتأملا اجتماعيا ثم تطرح حول نفس هذا الفكر شكا ، فهذا قتل نهائي لكل الطرح اذا كان طرحا سياسيا او حزبيا او بشريا ، اما والحال انه وحي وليس فكرا ، فالقران يطرح الصورة النفسية للرسول كما هي وليس كما ينبغي ان تكون فكريا وسياسيا ، فيقول :( فان كنت في شك مما انزلنا اليك ...؟. فيجيب محمد ص : لا اشك ولا اسأل ؟.
ومن خلال هذا المعطيات المقدمة ، تكون ( اقرأ ) قد قامت بوظيفتها الرسالية ، لتعلن هي بنفسها انها كلمة وحي سماوية ، بالاضافة لتدعيمها موقف الرسالة الخاتمة ، فهي كلمة وحي لكونها جاءت باللامتوقع العقلي والفكري والنفسي للانسان المادي ، وهي دلالة لما اثارته من شك هو طبيعي من جهة ودلالي من جهة اخرى ، وهي كلمة خلق لكونها استطاعت ان تخلق وعيا وفكرا وتأملا وروحا انسانية ، ولم تكن هي وليدة فكر او تأمل لو غيبوبة نفسية ؟.

( اقرأ من حيث هي دلالة )

ان ( اقرأ ) القرانية وحسب مايطرحه التاريخ وتقدمه السيرة النبوية ، ويثبته باب اسباب النزول القراني ، بالاضافة ، لما تؤكده الكلمة القرانية ، كانت هي كلمة الوعي الاول لرسالة السماء اللاهوتية لمحمد بن عبدالله ص ، وهذا الوعي والادراك الاولي كان معرّضا لهزة عنيفة نفسية وروحية وفكرية عقلية ، فحدث الوحي ليس هو بالحدث الطبيعي ، او الاصح القول ليس هو بالحدث الذي اعتادت عليه النفس والطبيعة البشرية ، فلاريب عندئذ من ان هذه العملية الثقيلة على الروح والطبيعة البشرية ( انا سنلقي عليك قولا ثقيلا = لو انزلنا هذا القران على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله / قران كريم ) تأخذ كل ابعادها الطبيعية في النفس والفكر الانسانية :( اقرأ . ما أقرا ؟. او ما انا بقارئ ؟.) فما اقرأ سؤال عن ماهية القراءة ، وما هو الذي ينبغي ان يقرأ، اما ما انا بقارئ ، فنفي لمادة او ملكة القراءة ، بمعنى لست بقارئ او ليس لدي ملكة القراءة ؟.
ثم وبعد هذه العملية يكون التكرار والتأكيد على الامر اللاهوتي والوحي السماوي الواعي لصورة الحدث ب ( اقرأ ) فيكون الجواب لنداء المطلق المقدس بنفس الصيغة الاولى :( ما اقرأ او ما انا بقارئ ؟.) لتعزز من المقولة الاولى بالاضافة الى سؤال بضميمة ياترى ما هذا المقروء ؟. او ما المراد من عملية القراءة هذه ؟.
ثم وبعد ذالك تكون الصورة الثالثة وبنفس النغمات ، مما تطلبت نفس الردود مع تزايد في التساؤل والذهول :( اقرأ . ما اقرأ .. ما انا بقارئ ؟.) ثم بعد هذا كان اللامتوقع الاخر ، فبدلا من ان يجيب المسؤول اجاب السائل نفسه عن الماهية والنوع الذي ينبغي للقراءة :( اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الانسان من علق ، اقرأ وربك الاكرم ، الذي علّم بالقلم ، علم الانسان مالم يعلم .).
فالنتصور اذا ان كان محمدا رسول الله اجاب - مثلا - فماذا كان بأمكانه ان يجيب عن سؤال ( اقرأ ) ؟. ولنتصور - اكثر واقعية - لو كنت انا او انت معرض السؤال وبابه فماذا كان بأمكاني ان اجيب عن هذا السؤال او ماذا كان ينبغي عليك انت ان تجيب عندما تتعرض لمعادلة ( اقرأ ) هذه ؟.
شخصيا لا املك الجواب على طلب القراءة ، وربما كنت اذكى فطرة منّي لتجيب ب ( ما اقرأ ؟.) او ربما كنت اكثر وعيا وتأدبا لتجيب ب ( ما انا بقارئ ؟.) لتلقي الكرة في ملعب السائل ليوضح مراده من تلك القراءة والماهية التي يستهدفها بسؤاله الغريب العجيب ذاك ؟.
وهذا - حقيقة - ما قام به الرسول المعظم محمد ابن عبدالله ص ، فقد تسائل كباقي البشر عن ماهية تلك القراءة او بعدم تمكن الطبيعة الانسانية من القراءة فحسب ؟.
ولكن ينبغي ان اتساءل - كانسان مفكر - قبل معرفة الاجابة على كل تلك العملية الغريبة الاطوار والحوار العظيم الابعاد ، عن الاسباب التي دفعت الوحي لان يكرر عملية الطلب بالقراءة ثلاث مرات ، مع ادراك هذا الوحي الواعي لمخاطبه بانه لايقرأ ولايكتب ، فهل هناك عبرة بهذا الامر ؟.
نعم لاريب ان هناك عبرة - ربما لاتكون العبرة احيانا بوجود العبرة او العبرة بعدم وجود عبرة ، او العبرة منتج عقلي وفكري ونحن امام منتج وحي لاهوتي ...الخ - ربما تكون لادراك الوحي ان محمدا رسول الله متمكن من القراءة ، ولكن محمد نفسه لايدرك الطاقة الكامنه فيه والقوة العظيمة التي يحملها على فن القراءة ؟. او ربما كان التكرار اللاهوتي لطلب القراءة ، كان منصبا على قراءة اخرى غير القراءة المعتادة لحروف متناثرة ، فمحمد رسول الله على حق عندما نفى موضوعة القراءة ب ( ما انا بقارء ؟.) ولكن الوحي كان يشير الى قراءة الوحي لكل شيئ باسم الله ، وليس الى قراءة الحرف الضيق ، وعليه كرر المطلوب لينتبه المسؤول الى هذه الزاوية من الانفتاح الانساني ؟. اوربما كان التكرار الثالث ب ( اقرأ ) اللاهوتية ترمي الى التاكيد على ان هذا وحي وليس حديث نفس ووسوسة خلوة ، لا بل هو وحي وبصوت واضح ومتكرر وثابت ، يدعوا الى قراءة ما ، وعليه كان جواب الرسول الاعظم منفتحا وايجابيا ( ما اقرأ ؟.. ما انا بقارئ ؟.) .
من جانب اخر اليس لي الحق ان اتسائل - مرة اخرى - عن هذا الاستسلام الذي مارسه الرسول الاعظم ص امام عملية الوحي الاولى ، ولماذا هو طلب ماهية المقروء او تساءل عن كيفية القراءة مع عدم تمكنه من ادواتها بقوله ( ما اقرأ او ما انا بقارئ ؟) وكان المفروض عقليا وطبيعيا وبشريا ، وبمثل هذه الحوادث اللاعادية او طبيعية ان يتساءل الانسان عن شخصية المتحدث بدلا من الاستسلام والتسليم المطلق لسؤال الطالب ؟.
نعم لو كنت في صورة الحدث ، او ربما لو كنت انت باعتبارك اكثر انفتاحا منّي ، لكان سؤالك الاول وحسب ما اعتقد عن الجهة التي تخاطبك من هي وليس الاستسلام التام لعملية الطلب تلك ؟. وعليه اتوقع ان تكون ردة الفعل الطبيعية لك هي ان تجيب ب ( من انت ؟. او ما انت ؟. ) بدلا من استسلامك وقولك ( ما اقرأ او ما انا بقارئ ؟) ، فطبيعي والحال هذه ان تكون العملية وبهذا المنحى اكثر طبيعية وبشرية عندما يكون اللقاء الاول تعارفيا كأن يكون بهذه الصيغة - مثلا - بين محمد وجبريل ع : ( انا جبريل رسول رب العالمين الذي اصطفاك رسولا ونبيا لتبشر وتنذر الناس اجمعين ؟.) فيجيب الرسول الاعظم ص محمد ابن عبدالله بغير هذا الارباك الحاصل في العملية المذكورة برمتها من ( اقرأ . وما انا بقارئ ؟...) اليس متوقعا ان تكون العملية بالمتعارف اكثر هدوءا واكثر طبيعية ما لو كانت بعملية ( اقرأ ) المربكة ؟.
نعم صحيح ولكن اللامتوقع هو الذي حصل ، لتأتي الصورة والحدث بكل ما هو غير متفكر او متأمل او طبيعي او عادي ، فهنا عملية ايحاء ووحي وليست عملية فكر وتأمل وطبيعية كي تكون العملية تعارفية طبيعية وغير مفاجئة ؟.
بمعنى لو فرضنا ان العملية والحدث كان متحركا وفق الرغبة الطبيعية التي ذكرناها من تعارف طبيعي : ( انا جبريل رسول رب العالمين ...الخ ) ألما كان التفسير النفسي لظاهرة الوحي اللاهوتية صحيحا ؟.
نعم لاصبح التفسير النفسي صحيحا ولاصبحت عملية الوحي ايحاء نفسي ونضج فكري وتأمل كوني فحسب لانسان اراد ان يعطي صورة لما ينبغي ان يكون انسانيا واجتماعيا ، وما هو كائن فلسفيا ، ليصيغ لنا لقاء متوقعا وطبيعيا بين ملك وانسان يراد له تبليغ رسالة ( لاهو بشرية ) ؟.

اما عندما تعرض القضية على النحو اللامتوقع والمربك ...، بعملية شبه نزاعية بين ملك يأمر ب ( اقرأ ) ورسول أمي يعالج الادراك والمعرفة والنفس والعقل ليفهم مضمون رسالة ( اقرأ) واهدافها اللاهوتية ، فستكون العملية لامفكرا فيها ولا متأملا نحوها ، ولا مدركا ابعادها الاولية ، وعليه فهي عملية لاهوتية محضة وليست لاهو بشرية يراد لها ان تكون لاهوتية ، وعندئذ يمكننا رمي التفسير النفسي لظاهرة الوحي الالهية - في الفكر الاسلامي - ، في سلة المهملات او نحتفظ بهذه التفاسير المادية لظواهر الوحي الالهية ، كتحف تاريخية تدلل على ضألة الفكر والعقل البشري وصغارة افقه وانغلاق مداركه وظلاميته المادية المخجلة ؟.
اذا من حيث الموضوع كانت ( اقرأ ) ايضا هذه المرة دلالة على صدق الوحي وادراكه للحدث بعمق ، وكلما تكررت ( اقرأ ) كلما ازددنا يقينا بانها وحي ، وبانها كلمة تستحق ان تكون المعجزة الاولى لمعجزة القران الكبيرة ، وعليه كان استسلام محمد رسول الله ص وخضوعه لمعادلة ( اقرأ ) بدون الالتفات لباقي العناوين الاخرى ، هو خضوع يقين مطلق واستسلام مدرك ، لاعجازية الكلمة ( اقرأ) والتي لم تكن توحي الابانها من واقع ارفع واعلى واحكم واعلم من الواقع الانساني ، فكان الجواب ليس ( ما او من انت ؟. ) وانما كان الجواب السؤال هو ( ما اقرأ ؟............ ما انا بقارئ ؟.) ، لتكون عملية الاستسلام والسلام والاسلام احد مواصفات الرسول المعظم محمد ص لأول كلمة قرأنية اطلت على عالم الانسان المحمدي ( ارواحنا له الفدى ) ؟.
ان القران الكريم وكزاوية اخرى لقصة ( اقرأ ) العجيبة تطرح الصورة من زاويتين فقط ، وليست من زواية ثلاثة لمعادلة ( اقرأ ) اللاهوتية ، بمعنى ان السيرة والتاريخ واسباب النزول العلمي ، تطرح ( اقرأ ) ثلاثية الابعاد والدلالة من حيث ( اقرأ . ما اقرأ او ما انا بقارئ ؟.) مكررة بثلاث زوايا فكرية نفسية تاملية عقلية ، ولكن النص القرآني يطرح هذه العملية ببعدين فقط ، اعني :( اقرأ باسم ربك الذي خلق .... واقرأ وربك الاكرم ..) فما هي الدلالة من هذه العملية بين ان تكون ثنائية مرة وثلاثية اخرى ؟.
الجواب في البحث القادم انشاء الله ...............................