الخميس، أبريل 02، 2009

(( ألاختلاف عندما يكون رحمة وانتصار وعزّة وفضل ... ! )) حميد الشاكر


(( ألاختلاف عندما يكون رحمة وانتصار وعزّة وفضل ... ! )) حميد الشاكر
___________________

عندما يكون الاختلاف بماهو اختلاف وتناقض وندية .... هو رحمة ونعمة وفضل من الله سبحانه وتعالى ، فعلى ذالك ينبغي السؤال : كيف تحوّل الخلاف بمفهومه المعروف من ضعف وتشتت ومهانة .... الى قوّة ورحمة ونعمة وفضل وايجابية ؟.
وهل السرّ في انقلاب موازين المعادلة متأتياً من وجود خلل في البناء من البداية ، ولذالك ما بني على باطل فلا تكون جدرانه الا فساد ونقمة ليصبح الاختلاف على الباطل بدلا من كونه ضعف الى كونه قوّة ؟.
أم ان الاختلاف بسبب انه الديناميكية والمحرك الفعلي للحياة فاينما وجد يكون الفعل والتطوّر ، ولهذا ليس المشكلة في المعادلة وانما المشكلة في رؤيتنا نحن للاختلاف على اساس انه سلبي وغير فعّال ولا ايجابي ؟.
الحقيقة انها مشكلة معقدة جدا عندما يتطلب الامر التأمل الجاد في معادلة ( الاختلاف ) من جهة ، ومعادلة ( القوة او الضعف ) من جانب آخر !.
على مدى الاف ومئات السنين من الحياة ادركنا بالفطرة ان الاختلاف والتشرذم والتفرّق .... وباقي المسميات السلبية ، هي اسباب الانهيار والانهزام والتخلّف والاستعمار والضعف .....، بعكس الاتحاد والوحدة والتجمع والتجانس ..... باعتبار انها اسباب القوّة والمنعة والتطور والتقدم والشوكة والنهوض !.
فكيف اليوم وبعد كل هذا الزمان ينبغي ان نفهم العكس ، ليكون الاختلاف هو العزّة والرحمة والانتصار .....، وتكون الوحدة هي الذلّ والنقمة والانهزام والكارثة !.
هل في المعادلة زاوية لم نكد نلحظها بدقة ولهذا نحن في قبالة ارباك فكري شديد ؟.
أم ان في المعادلة سرٍ ما هو الذي قلب الموازين بالكلية ليجعل النتيجة مقدمة والمقدمة نتيجة ؟.
في الحديث النبوي الرسالي الشريف عن رسول الرحمة محمد ص انه قال :(( أختلاف أمتي رحمة )) وجاء مَن جاء ليُنكر هذا المفهوم للحديث الشريف ليطرح : وهل الاتفاق عذاب ونقمة اذن ؟.
وعلى هذا الاساس رفض المعتزلي الموصوف بالالحاد ابو بحر الجاحظ هذا الحديث ، وتهكم الخليع الموصلي ابو اسحاق عليه ليقدح بمصداقيته وتبعهم من تبعهم ليقول بوضاعة الحديث الرسالي هذا ، الا ان كلا الرجلين ليسا من اهل الدين ولاهم من اصحاب النقد والتجريح ، ومن ثم قال من قال ان للحديث اصلا وورد في كتب السابقين ، ولكن مع ذالك ينبغي النظر ايضا لرأي الموصلي على اساس انه وبالفعل يمثل استفهاما لنقول معه : هل يكون في مرحلة او مفترق طرق او حقبة او وجود .... ما يكون الاتفاق نقمة وعذاب وضعف وتراجع ، بينما يكون الاختلاف رحمة ونهضة وحراك وتطور ؟.
ثم كيف ينبغي لنا ان نفهم الاختلاف الذي يفضي الى رحمة ، وفي المقابل نفهم الوحدة التي تنتهي الى العذاب ؟.
قيل في بعض المناسبات لتوجيه مفهوم حديث ( الاختلاف رحمة ) على اساس : ان الاختلاف في الفروع الدينية والاستنباطات الاجتهادية والتعددية في الاحكام الاسلامية سعة وتوسع ، وعلى اساس ان السعة والتوسع فيها تعدد خيارات وعدم تضييق على المسلمين واخذهم برأي واحد او رأيين ، اصبح الاختلاف الفقهي في هذه الزاوية رحمة باعتبار انه سعة وتوسع وايجاد رخص وفرص اكثر لتعدد الاحكام !.
كما قيل في توجيه حديث الاختلاف والرحمة على اساس : ان مقصود الاختلاف ليس هو بمعنى التضارب والتناقض وتعدد الرؤى وتشتت التوجهات !.
وانما المقصود هو : اختلاف اللقاء وتكرار المودة والاستمرار على زيارة النبي وسؤاله ، ولهذا يقال ( أختلف فلان على فلان ) اذا استمرّ بالسؤال والزيارة عليه ، وهذا المعنى قريب من معنى الخلافة التي يتخالف الناس عليها بلا انقطاع ، وأذن يصبح معنى الحديث : اختلاف امتي عليّ رحمة ؟!.
والحقيقة انه لارأي التعدد في الاجتهادات الفقهية الفرعية هو صالح لمعنى ( اختلاف امتي رحمة ) بسبب ان العظيم محمد ص لم يقل اختلاف علماء امتي ليكون التوجيه في جانب الاستنباط والعلم والحكم !.
ولا معنى الاختلاف بمعنى تكرار اللقاء واستمرار الزيارة والسؤال ايضا فيه رائحة التأويل او التفسير لمفهوم حديث :( اختلاف امتي رحمة ) بسبب ان لاوجود ولامبرر ولاقرينه تدل في الحديث على هذا المعنى !.
وأنما ماهو موجود هو : ان اختلاف الامة وبالذات امة محمد وليس الفرد او طبقة من طبقات علماء امة محمد هو رحمة ، وعلى هذا المنطلق الظاهري ينبغي البحث عن الحقيقة لنقول : كيف يكون الاختلاف رحمة بينما ينقلب الاتفاق عذاب ونقمة ؟.
ويبدو الى هذه اللحظة ان مفهوم الحديث ومقصود الفكرة هي عين وجودها الثقافي الطبيعي الذي يفهمه اي انسان لاخلاف على صحة عقله ، عندما يفهم ان الاختلاف بماهو شيئ متقابل او ربما متنافر ، او بمعنى اختلاف حق وباطل .... هو عينه الرحمة لامة الحبيب المصطفى محمد ص في ( اختلاف امتي رحمة ) ، وعلى هذا ينبغي ان ندرك هذا الاختلاف الايجابي الذي لولاه لدخلت الامة كلها في عذاب الاتفاق والاجماع والوحدة المدّمرة !.
نعم لمثل هذه الافكار والصور اصل قرءاني ايضا في قوله سبحانه وتعالى :(( ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولايزالون مختلفين ، ألا من رحم ربك ولذالك خلقهم ...)) اي ان القاعدة المرئية والانسانية المعاشة هي اختلاف الناس والامم والشعوب والبشر في أمر الحق والعدل والعقيدة ولايزالون ... باستثناء الاستثناء ( الا من رحم ربك ) وهذا الاستثناء مع انه الغاية من الخلقة البشرية ، اي ان الله خلق الناس لرحمته ولذالك خلقهم ، الا انه ومع الاسف اصبحت الغاية الحقيقية هي الاستثناء وليصبح الذي كان من المفروض ان يكون استثناءا ( الاختلاف ) هو القاعدة في :( لايزالون مختلفين) وليكون ماهو الغاية والقاعدة ( الا من رحم ربك ولذالك خلقهم ) هو الاستثناء !.
في هذا المفصل القرءاني يتبين لنا بوضوح كيف يكون الاختلاف رحمة والاتفاق عذاب ونقمة باعتبار ان ( لايزالون مختلفين ) اصبحت هي القاعدة بينما المرحومون هم الاستثناء فيكون عندئذ الاختلاف مع هذه القاعدة رحمة وليس عذاب ونقمة ، من منطلق تغيير مواقع الغايات والمقدمات في الحياة الانسانية ، فللحياة قوانينها وسننها الطبيعية والاجتماعية التي تختط لسير طريقها قوانين ونظم وسلوكيات تحت الاختلاف والتنوع في هذا العالم ، ومن طبيعة العالم الانساني ان يتنوع ويختلف ويتنافر ويتجانس فيما بينه والبين الاخر ، الا ان الدين الحق من وجهة النظر المحمدية الاسلامية هو من يُنظّم علاقة هذه الاختلافات البشرية ليضع لها عناوينها وغاياتها الحقيقية الاصلية وليست المزيفة النوعية ليكون كل شيئ في الوجود الانساني في مكانه الواقعي ، وهذا يتم من خلال وضع الغاية للوجود والعالم والانسان في الاسلام والدين وحسب رؤيته في مواضعها المناسبة !.
بمعنى اوضح ان الاسلام بأعتبار انه برامج عمل انسانية في هذه الحياة الدنيا ، فهو يضع لكل وجود غايته التي تحدد وجهته في الحركة وطريقه في السلوك ، فالغاية من وجود الانسان (مثلا) حسب الرؤية الاسلامية هي العبادة ( وماخلقت الجنّ والانس الا ليعبدون ) ، واي سير للانسان بخلاف هذه الغاية سيحطم من قوانين المقدمات والنتائج من وجهة النظر الاسلامية ، كأن تكون الغاية من الوجود الانساني ممارسة اللذة باقصى درجاتها المادية ، فهنا اختلفت غايات الوجود الانساني ، لتختلف بعدها سلوكيات الانسانية التي تؤمن بغايات مختلفة ، وفي حالة مثل هذا الاختلاف تكون الرحمة الالهية في جانب والنقمة والعذاب في جانب اخر ، وكل هذه الرحمة لم يوجدها الا فكرة ان اكون مختلفا مع الاخر في رؤيته حول غاية الوجود الانساني في هذه الحياة !.
كذالك في وجود اعتباري انساني كالذي نصنعه في الحياة ( مثل جهاز الدولة والحكم ) ففي مثل هذا الوجود يقنن حركته وسلوكه الغاية من وجوده ، فإن كانت الغاية التي نؤمن بها لوجود الدولة هي اشاعة العدل واقامة الحق بين الناس ، كالذي تراه الرؤية الاسلامية لغاية وجود الحكم والدولة في المجتمع الانساني في قوله :(لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقومَ الناسُ بالقسط ..) فالغاية هنا من سنّ القوانين وارسال الرسل حكّاما بين الناس ليقوم العدل بينهم والقسط على ايديهم !.
وهذه الرؤية بعكس من ترى ان الغاية من وجود الدولة والحكم هو ليس اقامة العدل بين الناس وانما لردع المجتمع من الاعتداء على بعضه والبعض الاخر !.
فهنا غاية الدولة في الرؤية الاولى مختلفة تماما عن الرؤية الثانية مما استتبع سلوك الدولة نفسها وكيف اختلف عن سلوك الاخرى مع مواطنيها ورعاياها ....وهكذا !.
وهكذا نفهم كيف ان الغاية من وجود الاشياء والعالم والانسان إن اختلفت الرؤية فيها اختلف المسار كله ، وعندما يختلف المسار وتختلف الغاية عن اصل وجود الغاية حسب الرؤية الاسلامية ، من الطبيعي ان يكون الاختلاف مع هذا الوجود المختلف رحمة وفضل وكرامة ووعي وعلم وعزّة.... ، بعكس مالو اتفقنا جميعا على الرؤية والغاية الخاطئة من وجود الاشياء ، فبالحتم سيكون الاجماع مع هذه الرؤية والاتفاق على هذا المبدأ وعدم الاختلاف مع الامة ... نقمة وعذاب وضعف وتشتتّ .... الى مالانهاية !.
نعم : ان الاختلاف يكون رحمة اذا كان للمجموع العام بما هو انقلاب من كونه استثناء ليصبح هو القاعدة رؤية مختلفة ومتناقضة مع اصالة الوجود وغاياتها الحقيقية للاشياء ، فهنا يكون الاختلاف رحمة لاريب في ذالك !.
وعندما تكون الرؤية للغاية من الوجود الانساني في هذه الحياة هي ليس العبادة لله سبحانه ، وان اجتمعت البشرية بمجملها على هذا الراي ، يكون الاختلاف عندئذ مع مجموع البشرية رحمة وفضل وقوّة وانتصار ... وان كان الداعي فردا واحدا من هذه البشرية !.
ان اختلاف امة محمد اصبح رحمة لادراك العظيم محمد ص ان ليس كل اجتماع واتفاق وانسجام لهذه الامة هو خير وقوّة وعزّة في جميع مفاصل حياتها الاسلامية على الحقيقة !.
وكم من امة فقدت البوصلة في بدايات مسيرتها الانسانية لتبني على الخطأ خطأ اعظم منه والى مالانهاية ، وهذا لايعني ان يكون البناء ومهما بدى عملاقا وكبيرا انه البناء الحق والصحيح ، بل ربما من يخالف هذا البناء الكبير جدّا سيكون مع ضعفه وصغره هو الرحمة التي لولاها لبقي هذا البناء الى الابد قائما على الغش في الحقيقة والضعف وضياع الغاية الاصلية من وجوده !.
وهنا يبرز العظيم محمد ص بقوله :( أختلاف امتي رحمة ) أعظم نصير للاختلاف ، وأخطر مناهظ للاتحاد والاجتماع والانسجام على الباطل !.
هنا رسول الرحمة محمد ص يؤسس الى حزب الاختلاف لا للاختلاف فحسب ،فهذا مفهوم بحد ذاته احقر من ان يقف عنده عظيم كمحمد الرسول ص ، وانما يؤسس للاختلاف على اساس انه جهة الحق التي تختلف دائما مع الباطل ، اي انه لولا الاختلاف في الوجهة وفي الوجود وفي الرؤية لامة محمد لأنساقت امة محمد ص الى اجماع سياسي باطل وتوافق اجتماعي خدّاع واتحاد مصالح مريض ليكون للحياة وجه واحد لاغير ، وليكون الاتحاد هو الضعف والاجماع هو الفرقة عن الحق ، والاتحاد هو الوهم الذي نراه لكننا نفتقد الى اثاره في الواقع !.
تمام ٌ: علمتنا التجارب القديمة والحديثة ان ليس كل اتفاق عزّة لاسيما في زمن خواء جسد الاتفاق هذا ، وكذا الاجتماع والوحدة اذا جردت هذه المفاهيم من واقعيتها واصالتها الاسلامية وغاياتها الانسانية ، فسيكون بالحتم الاختلاف هو الرحمة ليميز الخبيث من الطيب ، وليُعلم من يتستر خلف الاجماع والوحدة والتكاتف والاتحاد ... انه هو من يرفع الشعار ليزرع الضعف باسم الوحدة والتشتت باسم الاجماع والضلال باسم سبيل المؤمنين والذل بأسم عزة لمّ الشمل وهكذا !.
الحقيقة ان اعظم مختلف في هذا الوجود الانساني هو محمد العظيم ص ، كما ان عظمة امته انها مختلفة عن غيرها ، وان اختلافها رحمة للعالمين ايضا فافهم !.
__________________________

al_shaker@maktoob.com
alshakerr@yahoo.com