الثلاثاء، يناير 06، 2009

(( ما الذي أضافته الثورة الحسينية للرسالة الاسلامية المحمدية .. دراسة وتأمل ؟.))


(( ما الذي أضافته الثورة الحسينية للرسالة الاسلامية المحمدية .. دراسة وتأمل ؟.)) حميد الشاكر
____________
**************
(1)

يتركز البحث والدراسة عادةً في تناول الثورة الحسينية على بعض المحاور التي تبدو وللوهلة الاولى على أساس انها من أهم المحاور الثورية لحركة وأنتفاضة الامام الحسين بن علي عليه السلام على دولة بني أمية من قبيل :
اولا : ان ثورة الامام الحسين ع كانت تهدف الى ماتهدف اليه الرجوع الى الشريعة الاسلامية والرسالة المحمدية وأقامة دولة القانون والعدالة التي عطلّ بنو أمية العمل بمقرراتها العقدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ، حتى أنبرى الامام لأشعال انتفاضة ثورية هدفها رجوع الامة وتنبيهها الى كارثة تعطيل الشريعة الاسلامية والارتداد الى العصبية الجاهلية ، ولهذا رفع الامام شعار :(( الا ترون الى الحق لايعمل به والى الباطل لاينتهى عنه )) !.
ثانيا : وكذالك هناك من الباحثين والدارسين الحسينين وغير الحسينيين من لاحظ ورصد هدف (( الاصلاح )) الفكري والاجتماعي الذي بموجبه كان الامام الحسين قائدا لثورة كانت تسعى لترميم ماتهدّم من الشخصية الاجتماعية الانسانية الاسلامية في هذه الامة بعدما تعاقب عليها جيل كامل من حكم القهر والفساد والعبث الذي انهك الشخصية الاسلامية ومحى الكثير من صفاتها الاخلاقية والاسلامية ، ولهذا كانت الثورة الحسينية بشعارها :(( ما خرجتُ أشرا ولابطرا ولكن خرجتُ لطلب الاصلاح في أمة جدي رسول الله ص )) تعبير حيٌّ وواقعي عن أهداف ثورية اجتماعية حقيقية تحاول ليس التركيز على الجانب العقدي فحسب ، ولا على المناداة علىوجوب الرجوع لدولة وحكم القانون في الامة المسلمة كما مرّ في النقطة الاولى ، ولكنّ أيضا للتنبيه بشدّة على زاوية : ان الشخصية النفسية والروحية والفكرية للمجتمع قد اصابها الكثير من الاهمال والانحراف والترهل ، وهي بالفعل بحاجة الى عملية جراحية ثورية ترسم لها الطريق الاسلامي من جديد ولكن على خطى الحسين بن علي هذه المرّة لتتضح صورة الاسلام من جديد لهذه الامة وتعيد تموضع حركتها الاسلامية والانطلاق مرّة اخرى بمشروع اسلامي يهيكل المجتمع على اساسه !.
نعم ربما هذان البعدان الثوريان التغيريان هما مالفت انتباه الكثير او معظم الباحثين والدارسين للثورة الحسينية الكربلائية لابن الرسول وسيد شباب اهل الجنّة الحسين بن علي بن ابي طالب عليه السلام ، من منطلق : الاول باعتبار انها ثورة من اجل العقيدة الاسلامية .
وثانيا : من منطلق انها ثورة وتغيير وانتفاضة من اجل المجتمع والانسان والنفس والروح والفكر والاخلاق الاسلامية البشرية !.
لكنّ كما ربما يلتفت البعض لمزايا الثورة الحسينية انها بالاضافة لكونها محاولة تغيير اجتماعية وعقدية بلغة الثورة والتمرد ، الا انها هي كذالك من الثورات والانتفاضات التي تتمتع بمرونة الزوايا والاتجاهات والاهداف العظيمة التي كلما نظرت لها من زاوية بدت لك زواية اخرى تشير الى شمولية وعمق هذه الحركة والثورة الرسالية الحسينية المباركة !.
وصحيح ان من اهداف الثورة الحسينية الجانب الاسلامي العقدي ، وكذا الجانب الاجتماعي الاخلاقي والفكري ، ولكنّ ايضا هناك الجوانب الاخرى الكثيرة التي كلما قلبّنا صفحات هذه الثورة وجدنا تحت كل حجر فيها ليس دمّا عبيطا وانما فكرة جديدة تفيد الحياة بالبناء والفكر بالترميم والاصلاح بالتشييد .....، وهكذا بالفن والانسانية والحقوق والواجبات وباقي الشؤون الانسانية والاخرى الفكرية والثالثة الفنية والسياسية والاقتصادية ايضا !.
ونحن هنا أذ نحاول فتق زاوية جديدة لرصد الثورة الحسينية من جانب مختلف (( أضافة هذه الثورة للرسالة الاسلامية بعدا جديدا ً )) ، فاننا لانأتي بجديد على معطيات هذه الثورة الانسانية الشمولية من منطلق ان نفس الثورة الحسينية هي بُنيت ورُكبت على العطاء الالهي الغير منقطع الكلمات ، فهذه الثورة ان اردنا تشبيهها بمعلم عالمي وانساني او اردنا تمييزها عن باقي حركات وثورات التحرر العالمية ،فمن المعقول تشبيهها بالبحر وتمييزها بمُداد الحبر الذي يكتب كلمات الله التي لاتنفد حتى وان كان الحبر سبعة ابحر تمد الاقلام بالكتابة !.

***************
(2)

الحقيقة من وجهة نظرنا لهذه الثورة الحسينية أنها لم تأتي فقط لاحياء الفكرة والجامعة الاسلامية المحمدية لاغير ، مع ان من اهداف هذه الثورة قلب الطاولة على محاولات البيت الاموي الحاكم آنذاك لمسح روح الاسلام من الوجود الرسالي المحمدي ، وجعل هذا الدين مجرد هيكل بلا فاعلية حقيقية لخدمة مصالح الحاكم والسلطة ، ولهذا انتفض الامام الحسين ع على دولة بني أمية لفضح النوايا المبيّتة من هذا الحُكم للقضاء على روح الدين والاسلام وأرجاع الاسلام الى جاهلية ولكن بلباس ديني جديد !.
كما اننا نعتقد ايضا ان الثورة الحسينية لم تنطلق ويخطط لها حُسينيا لمجرد احداث هزّة فكرية وروحية وعاطفية لمجتمع اسلامي غرق في غيبوبة الابتعاد عن الاسلام واستسلم لصورة الارتداد التي عملت عليها حكّام الجهل والجور من خلفاء المسلمين السابقين حتى وصول الخلافة والحُكم ليزيد ابن معاوية والامة تحمل اسلاما بلا إسلام ، ولهذا ارتأى الامام ابي عبدالله الحسين ان من واجبه احداث تغيير سايكلوجي وفكري لهذه الامة الغافلة عن دين محمد ص العظيم ، وتنبيههم : ان مابين ايديكم ايها المسلمون ليس هو الاسلام وان تسمّى باسم الاسلام ، وان الحكم القائم على اظهركم ليس حكم محمد رسول الله ص وان اُدّعى انه يتكئ على الاسوة برسول الله ص ، وانما الذي بين ايديكم اهواء تتبع باسم الدين واحكام ما انزل الله بها من سلطان ، ولهذا انا انتفض وأكفر بهذا الجِبت والطاغوت لأؤمن بالله واستمسك بالعروة الوثقى !.
لا .... ليس هذا فحسب وأنما نعتقد ان للثورة الحسينية بالاضافة الى تلك الادوار العظيمة والاهداف النبيلة السامية هناك الدور المسكوت عنه والمغفول لفعله الا وهو دور وهدف (( الاضافة الجديدة لهذا الاسلام )) !.
تمام : ان مايذكر ومايقال من ان الرسالة الاسلامية العظيمة رسالة قد تمّت وكُملت في زمن العظيم محمد رسول الله ص شيئ صحيح ودقيق تماما في قوله سبحانه وتعالى :(( اليوم أكملتُ لكم دينكم وأتممتُ عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا / 3 / المائدة)) فيه الدلالة القاطعة على ان الدين تمّ والاسلام كمل ولا أضافة بالامكان احداثها في هذا الدين والنص الالهي ، ولكنّ ما نقصده بالاضافة الحسينية من خلال ثورته الكربلائية المباركة لهذا الاسلام هو قصد (( الاضافة البيانّية والمصداقية لروح النص القرءاني الاسلامي )) بأعتبار ان الامام الحسين أمام هدى ومبيّن شريعة وسيد شباب أهل الجنة كما ورد عن الرسول الاعظم محمد ص بحق الحسين بن علي عليه السلام ،فهي كالاضافة الرسالية البيانية لروح النص القرءاني الالهي في قوله سبحانه وتعالى متحدثا عن دور الرسول الاعظم محمد ص قُبالة دور النص القرءاني بقوله :(( وأنزلنا أليك الذكر لتُبين للناس مانُزل إليهم ولعلهم يتفكرون / 44/ النحل )) فكما ان السنة النبوية المطهرة من أقوال الرسول محمد ص وافعالة وتقاريره ايضا هي بمثابة بيانات للنص القرءاني الالهي في معنى هذا النص ، فكذالك ما نقصده من أفعال واقوال وتقارير الامام ابي عبدالله الحسين بن علي عليهم السلام هي كذالك بيانات تبينية لروح ومقاصد واهداف النصوص القرءانية الكريمة التي لم تأتي لزمان دون زمان !.
وعليه فمقصودنا بالاضافة الحسينية لثورة الامام الحسين ع لهذا الدين والاسلام هي اضافة بيانية او هي اضافة مصداقية عملية تشرح روح النص القرءاني ومقاصده واهدافه وتعابيره السامية العظيمة والكبير والشاملة !.
الآن ربما يستشكل البعض من المفكرين وخاصة ممن لايؤمن بأن للحسين بن علي ع منزلة ورتبة وسِمة التمتع بالاضافة لهذا الدين حتى وان كانت بيانية ( مع ان المسلمين قاطبة يأخذون بأن فهم صحابة رسول الله ص لهذا الدين هي اعمق من كل فهم آخر ولهذا فالمدرسة السلفية ترى في افعال واقوال الصحابة الكرام على اساس انها لائقة لان تكون مشرّعة بيانية لمراد واهداف النص القرءاني والرسالي النبوي فافهم هذا فهو نفس مقصودنا البياني ولكننا نضيفه فقط لاهل البيت باعتبار الطهارة والعصمة لهم ) من منطلق : ان الاضافة البيانية هذه ايضا لاتصلح الا للرسول الاعظم محمد ص وإلاّ أُتهم العظيم محمد رسول الله ص بالتقصير في اداء مهمة التبيين الرسالية للامة المسلمة ان قلنا ان هناك غيره من يبيّن للناس روح النص القرءاني بشكل متمم لما بينه هو ص ؟.
والحقيقة ان هذا الاشكال وارد لكنه غير أسلامي لاسيما ان أخذنا ان تبيين الامام الحسين بن علي بن ابي طالب ع لروح النصوص الاسلامية القرءانية والرسالية واضافته بُعدا جديدا لهذه الروح هو ليس بالضرورة بالضد والتناقض مع تبيينات الرسالة المحمدية الخاتمة ، بل العكس هو الصحيح عندما يقال : ان الرسول الاعظم نفسه ص لم يذكر عنه انه وضع قبالة كل نص قرءاني تبيينا وتفسيرا محددا لروح الفكرة القرءانية ، للدلالة على ان هناك الكثير من التبيينات القرانية التي تُحمل مع النص القرءاني لكل زمان وكل مكان مختلف سيتصدى لها خلفاء الرسول الشرعيين من اهل بيته الطاهرين لتبيانها للناس على المنهج القويم كما يعتقد الشيعة الامامية !.
وعلى هذا فالاضافة التي نريد رصدها للثورة الحسينية لهذا الدين والاسلام هي من نوع الاضافة التي تركها الرسول لاعن غفلة او نقص في تبليغ الرسالة ، وانما هي من نوع مختلف عمليا عن ماجاء به الرسول الاعظم لزمانه التنزيلي القرءاني صلى الله عليه واله وسلم تسليما كثيرا من وظائف رسالية !.
بمعنى آخر أكثر وضوحا : بالامكان هنا الاستعانه والتدليل ايضا على مانريد ايصاله من فكرة ان نستخدم مقولة الرسول الاعظم محمد ص لعلي بن ابي طالب عليه السلام عندما قال له ص : (( انّي قاتلتُ على تنزيل القرءان الكريم و تقاتل على تأويل القرءان / والرواية ايضا عن جابر في خصائص النسائي بشكل مختلف )) فمفهوم هذه المقولة الرسالية يدلل على ان هناك بيان رسالي عملي لروح الشريعة الاسلامية قد حققه الرسول الاعظم محمد ص في نضاله من اجل ايصال رسالة الاسلام النصية القرءانية لهذه الامة المسلمة ، لكنّ هذا ليس كل شيئ لروح الفكرة القرءانية الاسلامية كما ذكره الرسول الاعظم محمد ص لعلي بن ابي طالب !.
بل هناك البعد الاخر من النضال والجهاد الذي يختص بزمان آخر غير زمان النبوّة والرسالة ، الا وهو بيان الامامة الذي اسماه الرسول الاعظم محمد ( ص ) ببيان التأويل ، وهو عبارة عن بيان مختلف عمليا للشريعة الاسلامية عن البيان الرسالي المحمدي الاول !.
فبينما قاتل وناضل الرسول الاعظم محمد ص على تنزيل القرءان وتثبيت اركان الاسلام ظاهريا ، بحيث انه يقبل اسلام اي مسلم كيفما اتفق ولمجرد شهادته الشهادتين فحسب ودخوله في الاسلام ، نبه الرسول الاعظم علي بن ابي طالب الى : ان هناك مرحلة اخرى من النضال الاسلامي ستقوده انت في المستقبل وهو الجهاد على مستوى التأويل القرءاني لروح الاسلام ومبادئه السامية!.
ولهذا قاتل علي بن ابي طالب ع حتى من شهد الشهادتين من اجل الاسلام بعكس ما انتهجه محمد رسول الله في القبول من الناس بذكر الشهادتين فحسب ، فكان القتال على التنزيل مختلف تماما عن القتال على التأويل !.
وعلى هذا يكون نضال وجهاد علي بن ابي طالب اضافة بيانية لروح الشريعةالاسلامية التي جسدها من خلال جهاده ونضاله ضد الناكثين والقاسطين والعادلين عن سواء السبيل في الاسلام !.
وهنا فحسب يتبين مقصدنا من الاضافة الحسينية لهذا الاسلام العظيم في جانبه المصداقي والبيانّي ايضا ، فللثورة الحسينية نمطٌ مختلف تماما من التصور والعمل والمقاصد المبّينة لروح النص القرءاني والرسالي في واقع الامر ، وكما ان علي بن ابي طالب ع ومن خلال رؤيته التأويلية لروح النصوص القرءانية اختلفت حركته الثورية والنضالية ضد اعداء الدين والاسلام عن حركة الرسالة المحمدية الخاتمة ضد اعداء الاسلام الجاهليين بين التنزيل والتأويل ، كذالك الحال بالنسبة للثورة والحركة الحسينية فهي ايضا مختلفة الاضافةالاسلامية عن ماقدمه الرسول الاعظم محمد ص للاسلام وللقرءان ، وكذا ماقدمه علي بن ابي طالب لهذا الدين وهذه الشريعة ، فياترى ماهي نوعية الاضافة الحسينية التي قدمها بيانيا للاسلام ؟.
وكيف اختلفت عن العطاء الرسالي والعطاء العلوي لعلي بن ابي طالب ع في نهر التكامل الاسلامية بين محمد ص واهل بيته الطاهرين ؟.
*************

(3)

في المعتقد الاسلامي الامامي لشيعة ال محمد ص زاوية دقيقة وفاصلة تميّز هذه المدرسة الاسلامية عن غيرها من المذاهب والمدارس الاسلامية الاخرى ، وهي زاوية (( الامامة )) فالاسلام الشيعي يعتقد ان الامامة أصل من أصول الدين الخمسة :(( التوحيد والعدل والنبوة والامامة والمعاد )) بل وهي المتممة لرسالة النبوة في التبيين وفي التفسير وفي الشرح وفي القيادة ، ولهذا يعتقد الشيعة : ان الاسلام دائرة متكاملة قائمة على تلك الاركان الخمسة ، ان سقط منها ركن تشوّهت اللوحة الاسلامية وانثلم الفهم الديني ، وارتبكت معادلة العجلة الدائرية في الحركة ، ومن هنا ترى الاسلام الشيعي يرى نقصا كبيرا في أسلام ليس فيه أمامة وفكر أمامة وتبيين أمامة .... باعتبار ان هذا الدين وهذا الاسلام واسع ومتحرك ومرن وجاء لكل الازمنة والامكنة وهو بحاجة فعلية الى التفاعل مع ما استجدّ من حوادث زمنية اتت بعد الرسالة الاسلامية المحمدية ، مضافا لذالك ما ذكره الرسول الاعظم محمد ص نفسه من ان لهذه الشريعة القرءانية الاسلامية تنزيلا وتأويلا ساهمت النبوة بشكل عظيم بتثبيت جانب التنزيل الاسلامي القرءاني ، لكنها تركت الجانب التأويلي لهذه الشريعة للأئمة من خلفاء الرسول محمد ص الذي اشار لهم بقوله :(( أنّي تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابدا )) وعلى هذا الاساس كان أهل البيت عند الشيعة الامامية عدل القرءان والمتمم للرسالة والتنزيل !.
اي ان لهم صفة وحق التشريع في الاسلام كما كان لرسول الله ص حق التبليغ عن الله سبحانه وتعالى من منطلق انهم والقرءان المنبع الاسلامي العذب للاحكام الشرعية ، وعليه فعندما علي بن ابي طالب ع يقاتل الناكثين والقاسطين والخارجين عن الدين ، فانه بهذا الفعل الجهادي والرؤية القرءانية لم يخرج قيد أنملة عن ما أختطه الرسول الاعظم محمد ص من منهاج وشريعة ، ولكنه مارس دوره القيادي والبياني المختلف في العمل في فهم الشريعة المحمدية السمحة باسلوب جديد لم يمارسه الرسول الاعظم محمد من قبل لعدة اسباب طبيعية وشرعية وفكرية لامجال لذكرها هنا ، ولكن المهم اضافة علي بن ابي طالب ع اسلوبا اخر في :
اولا : الدفاع عن الاسلام والدين .
ثانيا : ارساء قواعد التأويل والفهم الجديد للاسلام .
ثالثا : اعطاء مصاديق مختلفة للأمة التي بنيت على التنزيل وهي بحاجة مع علي ان تبنى ايضا على التأويل !.
نعم جاء الحسين بن علي بن ابي طالب في زمنه ليضع الاسس الجديدة في الفهم الاسلامي الذي لم يضعه بعدُ لارسول الله محمد ص ولا علي بن ابي طالب ع ايضا ، لمعركة مختلفة الاهداف والمقاصد عن ما مارسه العظيمان محمد بن عبد الله رسول الله ص وعلي بن ابي طالب أمام الامة سلام الله عليهم اجمعين ، ولكن تحت الغطاء الاسلامي الشرعي الواحد !.
ربما يتذكر بعض الباحثين ان السيد الشهيد السعيد المفكر ( محمد باقر الصدر ) رضوان الله تعالى عليه وقدس الله روحه الزكية قد كتب من خلال محاضراته كتاب بعنوان :(( اهل البيت ع تنوع ادوار ووحدة الهدف )) فيعتقد من له المام معرفي بفكر السيد الشهيد السعيد اننا نطرح فكرة مستنسخة مما ذكره ولكن باسلوب جديد اسمه (( الاضافة للثورة الحسينية )) وانها تمثل تنوع في الدور فحسب ولكن مع وحدة الهدف نفسه وهذا كل مافي الحكاية !.
والحقيقة انه مع ان السيد الشهيد عملاق فكري اسلامي لايشق له غبار ، الا اننا احببنا ان نضيف زاوية في تعدد او تنوّع الادوار الاسلامية لأئمة اهل البيت ع هي زاوية :(( تنوع الادوار وتعدد الاهداف )) ايضا !.
وصحيح انه وعلى طول الخط الرسالي والامامي الاسلامي كان هدف ((الحفاظ )) على الاسلام وخطه هاجسٌ يحرّك جميع الرسل والانبياء على طول التاريخ ، وحتى رسالة نبينا محمد العظيم ص وبامتداده الشرعي في اهل بيته الطيبين الطاهرين ، ولكن بغض النظر عن مفردة (( حفاظ )) هذه كهدف أوحد ، نرى ان هناك اتساع في الاطروحة الاسلامية لاكثر من هدف ( لاسيما ان مفردة الحفظ لهذا الدين قد حسمت الاهيا في الفكر القرءاني من قبل الله سبحانه وتعالى في قوله : نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون ) وهدف لشريعة السماء ، لاسيما ان اخذنا الرسول الاعظم محمد ص واهل بيته الطاهرين نموذجا لهذه اللفتة في تعدد الاهداف في حركاتهم الثورية والاصلاحية المباركة ، فاننا سنجد : انه مع ان محمداً رسول الله ص كان هدفه النضال من اجل تثبيت التنزيل القرءاني في الاجتماع الاسلامي ، الا ان هذا الهدف هو ليس الوحيد بالنسبة لهدف علي بن ابي طالب ع صاحب هدف النضال من اجل التأويل القرءاني !.
كذالك اختلف الهدف عظيما في ثورة الامام الحسين بن علي وبكافة اساليبه الثورية وحركيتها النضّالية عن ما استهدفه محمد الرسول ص في بداية نهضته ، وماسعى لتحقيقه علي بن ابي طالب ع في بواكير خلافته الطيبة ، ومن هنا بالامكان القول اننا نشير الى تعدد الاهداف في تنوّع ادوار اهل البيت ايضا
***************
(4)

ان المتتبع للثورة الحسينية الكربلائية لابي عبد الله الحسين بن علي بن ابي طالب ع والمقارن لها بالتحرّ الاسلامي الرسالي المحمدي وبالآخر العلوي الامامي ، سيكتشف الفروق الهائلة في الاساليب التي انتهجها الحسين بن علي ع من اجل الدفاع والحفاظ والنهظة والاسلام والامة .... عن ما مارسه وانتهجه الرسول الاعظم محمد ص والامام أمير المؤمنين علي بن ابي طالب سلام الله عليه في نهضتهما وجهادهما وسعيهما من اجل التغيير !.
وربما ان اخذنا صورة الثورة الحسينية بكل ابعادها الانسانية ، واسقطناها على الصورة المحمدية في بواكير الفجر الاسلامي وما قدمه الرسول الاعظم ص في هذا السبيل ، سنجد ان هناك فروقا حركية جوهرية بين الحسين ومحمد رسول الله في جانب التكامل الصوري للمشهد !.
فمثلا اول ما تطالعنا فيه الثورة الحسينية بغض النظر عن اختلاف اهدافها الرسالية الموحدة في الاسلام العظيم ، هو صورة (( الطفولة )) التي شاركت الحسين في معركة الطفّ الكربلائية بشكل ادراماتيكي مأساوي فضيع الابعاد الانسانية والاخلاقية ، مما يدفعنا بالسؤال عن خلو الصورة النضالية الرسالية المحمدية وكذا العلوية عن هذه الصورة ، فجهاد ونضال كلا العملاقين محمد رسول الله ص وعلي بن ابي طالب ع لم تشارك الطفولة لافي ساحات النزال والجهاد ولافي ساحات الفكر والوجدان ، مما يجعل لصورة الطفولة الحسينية في واقعة كربلاء الاسلامية مميزا بارزا في هذا المشهد الحسيني الذي لم يشارك لافي النضال من اجل التنزيل القرءاني المحمدي الاول ولا في التأويل القرءاني العلوي الثاني الاانه شارك في الثورة الحسينية التي فتحت افاق الشرعية لمشاركة الطفولة في رسم علامات التغيير والاصلاح الانسانية هذه !.
ولكن ماذا يعني ان يشرعن الحسين بن علي بن ابي طالب ع مشاركة الطفولة في عملية التغيير والاصلاح الاسلامية ؟.
وهل يعني هذا المعلم الخاص بالثورة الحسينية انه من ضمن الخصائص البيانية الاسلامية لهذه الثورة المباركة التي لولاها لما ادركنا شرعية ومشاركة للطفولة في هذه الحياة ؟.
طبعا هناك المدارس الاسلامية الاخرى التي ترى ان التشريع له مصدران اساسيان على اثرهما يكون العمل شرعيا او لاشرعيا في الحياة الاسلامية ، وهما (( القرءان وسنة رسول الله محمد ص )) ولكنّ باعتبار ان مدرسة أهل البيت ترى ان لأئمة اهل البيت ع صفة التبيين والتشريع مع رسول الله محمد العظيم ص ، فكل عمل يقوم به امام من أئمة اهل البيت ع الاثنى عشر يعتبر تشريعا اسلاميا لايقل اهمية عن تشريع الرسول وسنته المباركة ، ولهذا عندما نقول ان مظاهر الثورة الحسينية هي مدرسة فريدة النغم في اساليب نضالها وجهادها الثوري ، مضافا اليه انها مدرسة بيان رسالي وشرعي اسلامي ، فنحن نضع تصرفات ورؤى واساليب وحركات الحسين بن علي بن ابي طالب ع على اساس انها دين وشريعة واسلام ومنهج ، ومن هذه الرؤية نرى ان اول اضافة حسينية للثورة الكربلائية للاسلام هو في بعد مشاركة الطفولة الحسينية من اجل الدفاع والحماية والاصلاح والحق والعدالة !.
ولولا اطفال الحسين في كربلاء ومغامرتهم النضالية واستشهاد البعض الرضيع منهم ، لما ادركنا وجوب النضال من اجل الشريعة والاسلام حتى بالرضيع من الطفولة ان اقتضت المعركة من اجل حياة الاسلام ذالك !.
وهكذا يقال بالنسبة لمشاركة العنصر النسائي الممثل بقيادة العقيلة زينب بنت علي بن ابي طالب ع في الثورة الحسينية ، فهو الاخر عنصر وملمح اختصت به البيانات الحسينية الاسلامية كمصداق للنص الاسلامي القرءاني المقدس ، الذي لم يوجد بهذه الصورة النضالية العظيمة الا في ثورة الحسين بن علي بن ابي طالب ع الكربلائية ، وكان بالامكان والطبيعي ان لاتشارك المرأة في الثورة الحسينية على الاطلاق ولايكون هناك ذكر او مؤاخذة شرعية على الحسين بن علي في ثورته !.
لكن باعتبار ان الحسين معبّ طريق جديد للنهضة والاصلاح والتغيير الاسلامي الاجتماعي ، وباعتبار انه مقنن ومشرّع لايقل أسلامية عن جده العظيم محمد ص ، كان له دور تشريع ما لم يشرّع في السابق وتثبيت ما لم يذكر في الخط الصاعد منه الى علي بن ابي طالب ع الى رسول الله ص !.
نعم كان للمرأة دور ما في الرسالة الاسلامية في النضال وفي المعاناة وفي البناء وفي التعب من خلال خديجة الكبرة وفاطمة الزهراء وام سلمة البّارة .... وهكذا ، في الحياة العقدية والاقتصادية والسياسية والفنية للمسلمين ، الا انه دور سرعان ماغيب بالاضافة الى انه دور لم يسلط عليه الاضواء بصورة مباشرة في موقع القيادة الاول للحياة والحرب والمعركة والنضال كما حصل بالتمام في صورة الثورة الحسينية الكربلائية التي أظهرت فيها المرأة المجسدّة بزينب بنت علي بن ابي طالب ع على اساس انها القيادة التاريخية التي قادة ركب الرسالة عند غياب الحسين بن علي بن ابي طالب من مشهد الحياة !.
وهكذا ان تتبعنا صورة الثورة الحسينية في جميع جوانبها الاخرى السياسية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية والاسرية والفردية .... فسنجد انها مدرسة فريدة ، ممتدة بالفعل للمدرسة المحمدية الا انها مختلفة عنها تماما في الحركة والهدف والزاوية والكيفية والغاية .... تحت اطار الاسلام العظيم .
****************
(5)

ان ما يميزالمدرسة الحسينية عن غيرها من المدارس الاسلامية الخالية من النموذج الحسيني الكربلائي : ان تلك المدارس مازالت ولم تزل من المدارس التي تفتقر للنموذج الكامل لادارة الحياة بكافة جزئياتها الانسانية !.
او ان تلك المدارس الخالية من النموذج عامة تدرك من خلال دراستها انها مدارس مفتقرة كثيرا لرؤية الاسلام الشمولية ، ولهذا قالت المدرسة الشيعية الامامية الاسلامية : بأن الامامة مضافا لها انها من الاصول الدينية في الاسلام هي كذالك ما اشار لها القرءان الكريم في قوله تعالى :(( وأتممتُ عليكم نعمتي )) من منطلق ان تمام نعمة الاسلام الرسالية المحمدية قد كملت وتمّت من خلال تشريع الامامة في هذه المدرسة الاسلامية الالهية المباركة !.
مايعني ان المدارس التي تفتقر لفكرة الامامة وفكرة الثورة الحسينية سوف تبقى مفتقرة في الكثير من رؤياها لشمولية الاسلام العظيم ، ولنضرب لذالك مثلا :
ان الكثير ممن يدرك الاسلام اللاحسيني يعرف ان قضية شرعية من قبيل الخروج على الحاكم الظالم لاتجوز في عرف المدارس الاسلامية اللاحسينية ، حتى وان انتج هذا الحاكم اقسى انواع الظلم والفساد والرذيلة مادام هو مسلما او يظهر الاسلام لاغير !.
ان هذه من ضمن الاشكاليات التي ابتُليت فيها المدارس الاسلامية الغير امامية او التي لاتؤمن بالامامة لاهل البيت كامتداد شرعي واسلامي للرسالة الاسلامية ، مما دفع هذه المدارس للبحث عن مخارج اخرى شرعية من خلالها يتم التخلص من الحاكم الظالم ولكن ليس باعتبار ظلمه من منطلق ان الاسلام اللاحسيني لايرى في الظلم والفساد بينة ادانه لعزل الحاكم او الاطاحة به من المنصب ، ولهذا انتهجت هذه المدارس اللاحسينية في سبيل التخلص من الظلم السياسي مبدأ (( التكفير )) باعتبار ان الكفر هو السبيل الوحيدة التي من خلالها يتمكن الاسلام غير الحسيني بالقضاء على الحكم الظالم المجاهر بالفساد الا انه المتمترس خلف الاسلام الظاهري!.
وعلى هذا الاساس بنت المدرسة الاسلامية الخارجية ( نسبة للخوارج ) شرعية ثورتها على الحّكام في وحتى اليوم ، وبقيت هذه المدرسة حتى وقتنا الحاضر في مدارس الاحزاب والفئا الاسلامية التي تصفي حساباتها السياسية من خلال التكفير واخراج المسلم عن الملّة باعتباره الطريق الوحيد للحرب والمعركة ودفع المقابل !.
نعم من ضمن تلك المدارس اللاحسينية وحتى اليوم الكثير منفكر الاخوان المسلمين التكفيري لاطروحات سيد قطب وابو الاعلى المودودي وكذا حركات التطرف السلفية التي تكفر مَن يختلف معها بالرأي حول التاريخ والرؤية للاسلام من وهابية وغير ذالك ، وكل هذا راجع من منطلق النقطة التي ذكرناها من ان هذه المدارس تفتقر الى نعمة مدرسة الامامة التي ترى شرعية ان يختلف المسلم مع المسلم ، وان يثور المسلم على الحاكم المسلم الظالم .....الخ بلا حاجة منه لانتهاج مبدأ التكفير الذي هو قصم لظهر الدين وتدمير لفكرة الاسلام الحنيف من الداخل !.
ان هذه من اهم النقاط التي تريك الفرق بين المدرسة الحسينية الاسلامية التّامة المعالم والكاملة المنهج ، وبين المدارس الاسلامية الاخرى العاجزة عن فهم الاسلام والقاصرة عن ادراك اليات تعامله مع جميع الواقع الاسلامي والانساني بلا حاجة الى البحث عن شرعيات ما انزل الله بها ورسوله ص من سلطان !.
نعم حارب علي بن ابي طالب ع الناكثين والقاسطين والخارجين ليس من منطلق انهم كفرة بالاسلام ومشركي بالعقيدة ، ولكنه قاتلهم من منطلق شعار انهم اهل بغي وظلم وجهل وعدوان لاغير !.
كذالك الحسين في مدرسته الثورية فانه لم يقاتل القوم ليدعوهم الى كلمة التوحيد او الى الاعتراف بالقرءان والسنة، ولكنه عليه السلام قاتلهم برؤية حسينية شرعية ادركنا من خلالها ان الدفاع عن الاسلام والعدالة والحق والانسانية والعزة أمور كلها تستحق ان يبذل الانسان في سبيلها حياته وحياة عياله واطفاله ونسائه بملحمة اولها الثورة ونهايتها الانتصار !.
نعم لافتقار تلك المدارس الاسلامية للمدرسة الحسينية كفّر المسلمون ، واهينت المرأة ، واريقت الدماء ظلما بأسم الشرك وعدم التوحيد ، وضيع العدل من منطلق اطاعة السلطان وواجبها الشرعي ، وانتهكت المحارم من خلال الجهل وعدم العلم بشريعة الاسلام المحمدية !.
ان الثورة الحسينية بكل فصولها الفكرية وابعادها الثورية وزواياها العلمية واتجاهاتها الانسانية ..... هي اضافة للباحثين عنها سوف لن يجدوها لافي قصة رسالة وسيرة نبوية محمدية عظيمة ، ولافي اسطورة نضالية علوية قيمّة ، وانما سيكتشفونها بانها قصة حسينية منفصلة ومستقلة من لم يدرك ابعادها فسوف لن يدرك شطرا من القرءان الكريم كبير جسده الحسين ع كمصداق لكلمات الكتاب العظيم ، وحي الله المنزل على خاتم النبيين محمد صلى الله عليه واله الطيبين الطاهرين
____________

al_shaker@maktoob.com