الأربعاء، أبريل 27، 2011

(( مهزلة علي الوردي الاجتماعية ))

(( مهزلة علي الوردي الاجتماعية )) حميد الشاكر


____________________________

بالامكان وصف الدكتور علي الوردي رحمه الله بالكثير من الاوصاف الشرفية كالمثقف والكاتب وصاحب القلم .....الخ وحتى المفكر والتاريخي للعراق الحديث في لمحاته الاجتماعية ، لكننا لايمكننا ابدا ان نصف الوردي بانه عالم من علماء الاجتماع الحديث في العالم وفي العراق اليوم ، او هو مؤسس علم اجتماع عراقي او صاحب مدرسة اجتماعية مميزة !!.

هذا مقتبس مما قلته لاحد من ناقشني حول علم الاجتماع العراقي ، واين هو الآن ، ودور الدكتور علي الوردي فيه او ماقدمه لصناعة مدرسة عراقية اجتماعية في هذا المجال !!.

والحق وقبل حتى اكمالي لمدارك ومبررات ودوافع رؤيتي الفكرية هذه حول الدكتور علي الوردي ، فاجأني محاوري بكيل من التهم كالعادة في اختلاف الراي العراقي لها اول وليس لها اخر !!.

أما ماهو السبب بعدم قدرتنا على وصف الدكتور الوردي بانه عالم من علماء الاجتماع المرموقين ؟.

أو لماذا لانتمكن من اطلاق صفة عالم الاجتماع بصورة تقنية واكاديمية وتخصصية عليه ؟؟.

فلم يفكر محاوري ابدا بسؤالي حول ذالك ليسمع ربما رؤية جديدة مختلفة عن ماهو تقليدي وطوطمي ومقدس بلا مبرر في الكثير من مفردات تاريخ ثقافتنا العراقية الحديثة المعقدة ، لأجيبه :

ان في قولنا : بان الدكتورعلي الوردي لايمكن اطلاق صفة عالم الاجتماع الاكاديمي عليه ، ليس فيه مايدعو للتشنج من قبل انصار ومحازبي الوردي التقليديين فهذا الامر طبعا يدركه بوضوح أصحاب الاختصاص في علم الاجتماع الحديث ، بل لكون المرحوم علي الوردي كتب تقريبا في اشياء كثيرة في التاريخ ، وعلم النفس والفلسفة وتأملات حول فهم الظواهر الاجتماعية ونقد الادب ومنطق ابن خلدون .... وحتى الوعظ الديني واساليبه التي ينبغي ان تتبع لكنه مع الاسف لم يكتب شيئا حقيقيا واكاديميا لعلم الاجتماع كعلم وتخصص ومدرسة لها اصولها ولديها مناهجها وتمتلك مصطلحات ومفردات اجتماعية محددة تبّين لنا منهج علي الوردي الاجتماعي او توّضح لنا ماهية مدرسة علم الاجتماع الذي ينتمي لها الوردي ؟ اوماهية مواضيع علم الاجتماع الحيوية ؟، وكيفية معالجة هذا العلم للكثير من الظواهر الاجتماعية القائمة والمتحركة داخل اطر المجتمع ؟، ....وهكذا ليقال انه صاحب مدرسة اجتماعية مميزة قد اضافت شيئا حقيقيا لعلم الاجتماعي الحديث العربي إن وجد والاوربي بالخصوص كماهو معروف مثلا عن مدرسة دوركايم الاجتماعية بوضوحها وباساليب ومناهج العمل في داخلها وكيفية تناول هذه المدرسة للكثيرمن ظواهر الاجتماع الانساني المعقدة ، وتحليلها وارجاعها الى اسبابها وعللها الاجتماعية بصورة علمية مهنية ، وماهية مميزاتهاعن غيرها ، واختلافها عن باقي المدارس الاجتماعية عند اوجست كونت او فيبر او حتى في القديم كابن خلدون وغيره مثلا !!.

والحقيقة ان موضوعنا اليوم حول علي الوردي وعلم الاجتماع العراقي ((المفقود )) بالخصوص كانت ولم تزل دوافعه كثيرة ومتنوعة بين ماهو فكري واخر علمي وثالث اجتماعي عراقي ايضا ومنها على سبيل النموذج لا الشمول الاتي :

اولا : لايمكن لمجتمع يريد فهم نفسه بصورة علمية ،ويدرك ابعاد شخصيته الاجتماعية ومكامن طاقاتها الابداعية والنهضوية والتطورية ومعالجة معوقات تكاملها وحركتها السليمة ، بدون ان يكون لديه مدرسة او مدارس اجتماعية حديثة تدرس هيئة المجتمع وتوّضح معالم شخصيتها وتبّين مباني وبُنى هذا المجتمع والقائم على قواعدها .... ومن ثم تساهم هذه المدارس من خلال تخصصها في دراسة المجتمع بطرح اعمق لكل مايختص بالهيئة الاجتماعية وكيفية وجودها وحركتها ، وكيف الانتقال بها من واقع آلي بسيط ، وربما قديم ومتحجر الى واقع اجتماعي عضوي توظف فيه طاقات الافراد بداخلها بشكل منظم اكثر انتاجا وتخصصا وكفاءة وعملية وانسجاما ، ولهذا كان علم الاجتماع مهماً اذا لم نقل مصيريا للمجتمعات الحديثة فضلا عن الكتابة حوله وتناوله بصورة فكريا ومنهجيا وبأستمرار !.

ثانيا : أما مايخص الاستاذ علي الوردي في الموضوع فهوهذه البروبجندة الاعلامية الخمسينية والستينية والسبعينية العراقية السياسية والمسيسة والتي لم تزل حتى اليوم تهيمن على العقل العراقي الثقافي والفكري والسياسي والتي نفسها صنعت من الدكتور علي الوردي كظاهرة لامثيل لها في علم الاجتماع الحديث العربي والعراقي ، وانها فوق مستوى النقد واعادة القراءة والتقييم ، وانها ينبغي ان تُعامل كمقدس فكري طوطمي .....الخ ، مما اغلق على كل باحث عراقي او مفكر او صاحب قلم ومثقف ان يعيد قراءة علي الوردي وانتاجه الفكري الاجتماعي باستقلالية وبعيدا عن تشنجات بعض المتعصبين للوردي الذين بالفعل بعضهم لا يفهم ، او يدرك اي مصطلح او مفردة من مصطلحات علم الاجتماع الحديث ، ومع ذالك هم يتعصبون ( لعلم الاجتماع ) الوردي بباطل كان او حقا هذا التعصب ، مما افقد الثقافة العراقية عنصر التجدد في النقد والنقد المعرفي المراكم لحياة التجارب داخل الشعوب والامم او على الاقل امكانية ان يُعاد السؤال القيم والحقيقي لهذه الشخصية العراقية وما قدمته على الحقيقة للعلم الاجتماعي بصورة عامة وللعراقي بصورة خاصة ليسأل : هل فعلا كان ولم يزل الدكتور علي الوردي هو مؤسس علم الاجتماع العراقي وهو الاب الروحي لهذا العلم في العراق ؟.

أم ان الوردي قد حشر انفه في الكثير من ظواهر المجتمع العراقي ليكتب حولها تأملاته الشخصية واجتهاداته الطوباوية فقط ولم يتعرض ابدا ولم يكتب ولاحرفا واحدا في علم الاجتماع الحقيقي كمدرسة ومنهج وعلم يعالج الكثير من امراض المجتمع بتخصص علمي وتجرد منهجي وحيادية بحثية ؟.

ثالثا : نحن عندما نكتب عن علم اجتماع عراقي ، وعالم اجتماع وأب روحي ومؤسس ...الخ لهذا العلم في العراق الذي هو المرحوم علي الوردي رحمه الله حسب ما طرحه اعلام العراق القديم وحتى الحديث ، فهل حقا نحن نمتلك في الماضي القريب وحتى اليوم في العراق مدرسة اجتماعية وعلم يدّرس على اصوله الاجتماعية قدمه لنا الاستاذ الوردي بكل تفاصيله وقواعده الاجتماعية المحترمة ومدارسه المتنوعة والعميقة على طبق من الثقافة والمطبوع العراقي بعدعودته من دراسة علم الاجتماع في الولايات المتحدة الامريكية ؟.

أم اننا امام ركام هائل من التأملات الفردية ، والشخصية للمثقف على الوردي في اكثر من مجال فكري وثقافي وعلمي سُميت زورا وبهتانا بعلم الاجتماع ، ولتصبح كتب الدكتور الوردي من (( اللمحات ومهزلة العقل البشري ووعاظ السلاطين وخوارق الشعور وشخصية الفرد العراقي ومنطق ابن خلدون واسطورة الادب الرفيع .........الخ )) هي الممثل الطبيعي لعلم الاجتماع الحديث ، بينما هذا الركام الهائل من التوليفات الوردية بالامكان تسميتها باي شيئ غير مسمى علم الاجتماع الحديث ؟؟.

بمعنى اخر وواضح ومختصر وصريح : هل يشعراهل الاختصاص في علم الاجتماع الحديث والدارسين لمصطلحاته والعارفين بتوجهاته البحثية عندما يقرأون كل منتوج الدكتور علي الوردي الفكرية انهم امام كُتب أُلفت لخدمة (علم الاجتماع ) الحديث بماهوعلم صاحب هوية وموضوع ومصطلحات علمية واضحةوايصاله لذهن الشعب العراقي والتأسيس لمدرسته داخل العراق الحديث لتستمر بالانتاج والعطاء الاجتماعي المعرفي ؟.

أم ان المختصين في علم الاجتماع سيجدون متعة في قراءة تأملات وافكار علي الوردي التاريخية والنفسية والفكرية .. لكنهم بالقطع سيجزمون ان ليس بين ماكتبه الوردي بكل حياته ، وقدمه للمجتمع العراقي باسم علم الاجتماع شيئ يتصل فعليا بعلم الاجتماع كمدرسة واصول ومنهج وعلم قائم ومستقل عن باقي العلوم الاخرى ؟؟!!.

أحدهم عندما ذكرت له فكرة ان الوردي لم يكتب اي شيئ حول العلم الاجتماعي الاصيل ، أُصيب بصدمة هسترت كل مفرداته الفكرية والحوارية ضدي ، وانا كنت من العاذرين لهيجانه الثقافي ضد هذا الطرح من قبلي باعتبار ان الاعلام المسيس الذي ذكرناه لحقبةالخمسينات وحتى الثمانينات ضرب على اوتار عالم الاجتماع الذي حلل كل شيئ في العراق وهو الدكتور الوردي حتى اصبح اي متسائل عن: أينية هذا الفكر الاجتماعي لمدرسة الوردي الفكرية ؟، شيئ فيه ضربا من الخروج عن المعروف والمتآلف الثقافي العراقي بينما الحق هو ضرورة ان يسأل هذا السؤال منذ زمن طويل حول ماطرحه الدكتور الوردي من افكار وصلته بعلم الاجتماع الحديث كما درسه نفسه علي الوردي في الخارج الغربي واتى منه بشهادة في علم الاجتماع ومدارسه الغربية والشرقية !!.

والآن لنعيد السؤال بصيغة هادئة ، ومتزنة واكاديمية علمية بحتة ولنقول : ايّاً من كتب الدكتور الوردي المطبوعة في القديم وحتى الحديث تحدّث او تناول او طرح مدارس علم الاجتماع الاوربية الحديثة بكل علمائها ومفكريها وفلاسفتها مصطلحاتها وافكارها وتصوراتها ومعالجاتها ، وخطوطها الاجتماعية الخالصة من شوائب باقي العلوم الاخرى غير علم الاجتماع الحديث حسب تنظيرات دور كايم التخصصية ؟؟.

هل اللمحات ( مثلا ) مجلدات في علم الاجتماع الحديث كمدرسة مستقلة في مناهجها واساليب افكارها وبناها العلمية ؟.

أم هل مهزلة العقل البشري كتاب تناول معنى الظواهر الاجتماعية في مدارس علم الاجتماع الحديث ؟.

أو هل وعاظ السلاطين كتاب حاول طرح مميزات المدرسة الاجتماعية لدوركايم وماهو اختلافها عن مدرسة اوجست كونت او فيبر اوغيرهم من علماء الاجتماع المؤسسين لهذا العلم والذي درسه علي الوردي قبل ان يقدم الى العراق ببدعه الفكرية ؟.

أم ان كتب ومطبوعات ومؤلفات علي الوردي كلها تناولت كل شيئ تقريبا غير شيئ واحد لاغير هو علم الاجتماع نفسه كعلم المجتمع العراقي ومؤسساته العلمية بامس الحاجة اليه عندما ارسلت الوردي وامثاله لدراسة هذا العلم والاتيان به للمدارس والجامعات العراقية ، ولكنه مع الاسف بدلا من الاتيان بالعلم كعلم اتى بنفايات العلم الغربي ليطرحها باسم علم الاجتماع كما يعبر دائما مالك بن نبي في كارثة الثقافي العربي المستورد في مشكلة الافكار !!؟.

بعض من ادّعى انه من تلاميذ مدرسة علي الوردي الاجتماعية ، ومن اشد المتحمسين لهذا الصرح الاجتماعي العراقي الكبير ثار زبد دماغه عندما ناقشته بفكرة خلو كتب الدكتور علي الوردي من علم الاجتماع نفسه ، اذا عزلنا تاملاته وافكاره الثقافية التي طرحت باسم علم الاجتماع وعندما طالبته بتعريف واحد لعلم الاجتماع في مدرسة علي الوردي العملاقة ومن خلال كتبه المطبوعة ؟؟.

شرّق المسكين وغرب وضرب اخماسا باسداس وذهب ليسأل العلامة الكمبيوتري كوكل عن تعريف واحد للدكتور علي الوردي حول علم الاجتماع ربما ذكر هنا وهناك في مؤلفاته العديدة ولكن بعد اللتي واللتيا جاءني بخفي حنين ليكتشف هو نفسه هذا التلميذ الذي فنى عمره بالدفاع عن فكرة المؤسس العراقي الكبير لعلم الاجتماع الحديث انه لايمتلك بالفعل تعريفا ورديا علميا اكاديميا ينسب للدكتورعلي الوردي يعرّف لنا نحن العراقيون ماهوعلم الاجتماع قبل ان يسرد علينا قصصه الخيالية في تحليل شخصية الفرد العراقي الذي دمرنا صراخا باسمه الدكتور علي الوردي الحرّيف بفن الكتابة المثيرة للمشاعر الشعبية والكلام المستفز حول التناشز الاجتماعي وازدواجية الشخصية العراقية المزمن ؟!!.

طبعا هناك من يعتقد ان علي الوردي قد عرّف علم الاجتماع بعمق وكثافة ووضوح وضخامة ، لكن مع الاسف هذا التعريف لعلم الاجتماع لم يظهر فيما طبعه الدكتور من مؤلفات كثيرة ، وانما احتفظ الدكتور الوردي ، لسبب وآخر بهذه التعاريف في ادراج الجامعات العراقية ذخرا لمن يريد ان يتعلم علم الاجتماع على اصوله المطمورة !!.

الحقيقة نحن عندما نذكر هذه الامثلة الواقعية من مريدي الدكتور الوردي ومحبيه والمتعصبين لجنابه الثقافي ، لانقصد بذالك ان هناك من يناصر فكر الوردي الثقافي باسم علم الاجتماع ، وبدون حتى استطاعة فكر الوردي باسعافه بتعريف بسيط لعلم الاجتماع الذي اشتهر به صيت علي الوردي الثقافي ،لكن الكارثة الاضخم ان هناك من هو مستعد لقتال العالم كله تحت يافطة الدفاع عن علم الاجتماع العراقي ومؤسسه الدكتور المرحوم علي الوردي بينما اذاسألته عن اي مصطلح حيوي لعلم الاجتماع الحديث لايكاد يفقه معنى ما تتحدث حوله في علم الاجتماع !!.

مرّة كنت في اطار نقاش ، مع مناصر لاعادة بناء مدرسة علم الاجتماع في العراق ، وكيفية ان العراق بحاجة ماسة لمدرسة اجتماعية يقودها اختصاصيون بهذا العلم ، وعندما وصلنا لمناقشة اسباب هذه الانتكاسة لعلم الاجتماع العراقي ، ولماذا ماتت فكرة علم الاجتماع بعد الوردي ؟...الخ كان من رأيي ان احد اهم الاسباب في تدمير مدرسة علم الاجتماع في العراق الحديث هو الدكتور علي الوردي الذي قدم للثقافة العراقية العلم الاجتماعي بشكل غير علمي ولامهني ولا تقني ، بحيث استطاع هذا الرجل ان يوظف كل مسمى العلم الاجتماعي لصالحه الشخصي وفكره الثقافي الذي شرّق وغرب باسم علم الاجتماع ليتداعى اخيرا الى ذهن الشعب العراقي كل ماهو سلبي وسيئ عن علم الاجتماع كعلم بصورة خاصة !!.

محاوري ايضا وبدلا من ان يسألني عن لبّ الفكرة في مثل هكذا اتهام خطير للدكتور علي الوردي اعتقد انه لمواقف ايدلوجية او دينية او اجتماعية ......انا اتخذ هذا الموقف الحادّ ضد الدكتور الوردي ، لكنه لو كان ذا سعة صدر علمية وسألني ماهي مشكلتك مع الدكتور علي الوردي الاجتماعية ؟.

لأجبته بعلمية ومهنية بالاتي :

ان اختلافنا مع الدكتور الوردي لايفرق كثيرا عن الاختلاف ، الذي كان حاضرا في بدايات نشأت علم الاجتماع الاوربي الحديث عندما كان عالم الاجتماع الفرنسي دوركايم يدعوا لتأسيس وبناءعلم اجتماع مستقل ومنهجي وذا قواعد فكرية وعلمية محددة وصارمة وبعيدا عن ادخال اي افكار لعلوم اخرى كالعلوم الفلسفية اوالنفسية على علم الاجتماع الحديث ولهذا كان اختلافه مع اوجست كونت مؤسس ملامح علم الاجتماع الحديث بارزا في نقطة اقحام ( كونت ) دائما في كتاباته ومؤلفاته لبعض افكاره الفلسفية والنفسية في بحوث علم اجتماعه الجديد ، بينما كان دوركايم حريصا على ان يكون ، لعلم الاجتماع هويته ومناهجه وقواعده واصوله ومفرداته ..... وحتى مصطلحاته القائمة بذاتها والمميزة لعلم الاجتماع عن غيره من باقي العلوم الانسانية الاخرى !!.

ومع ان دوركايم بدأ فيلسوفا كنظيره كونت ، الا انه فضّل ان يكون اجتماعيا خالصا في بحوثه وباقي حياته العلمية والمهنية ولهذا دعى بعنف ان يكون علم الاجتماع من اجل علم الاجتماع نفسه وحذّر بشدّة من منهج الخلط بين ماهو داخل اطار العلم الاجتماعي وبين ماهو منتسب لباقي العلوم الفلسفية والنفسية وغير ذالك من العلوم ، التي كان اوجست كونت يمتهنها بين الفينة والاخرى ليتناول الظواهر الاجتماعية بعقلية المتفلسف او عقلية طبيب النفس او صاحب الفن وريشة الشعراء !!.

صاحبنا الدكتور علي الوردي ومن هذا المنطلق الدوركايمي الاجتماعي ساترك الحكم للقرّاء على ما كتبه وألفه وطبعه داخل العراق وخارجه (باسم علم الاجتماع ) ليحكموا عليه هم وبتجرد علمي ومهني ، ولنسأل القاصي والداني من مفكري العراق ومثقفيهم واختصاصييهم في العلم الاجتماعي حول هذا المنتوج الفكري للمرحوم الوردي ولنقول: ماذا كان الوردي في لمحاته التاريخية الاجتماعية ، وهل كان لروح المؤرخ اقرب منه لروح عالم الاجتماع المختصّ ؟.

أم انه كان عالما اجتماعيا بامتياز ولاغير ؟.

ثم بماذا نصف الدكتور علي الوردي في مؤلفه خوارق اللاشعور واسرار الشخصية الناجحة ؟.

هل كان يمتهن مهنة عالم الاجتماع الذي يبحث في ظواهر المجتمع ويرجعها الى عللها الاجتماعية الواقعية ؟.

أم كان عالما نفسيا يحلل مابعد الشعور الغيبي ليطرح لنا تصوراته الماورائية لتحليل اسرار الشخصية الناجحة ؟.

وهكذا ماهي هوية علي الوردي عندما كتب وعاظ السلاطين ؟.

وماهو عنصره عندما كتب الاحلام بين العلم والعقيدة ؟.

وهل كان اجتماعيا حقا عندما كتب شخصية الفرد العراقي ؟.

ومن ثم لوكان دوركايم احد مؤسسي علم الاجتماع الحديث حاضرا في العراق بدلا من كاظم لفتة جنعار اليساري وقرأ ما كتبه الدكتور علي الوردي باسم علم الاجتماع ، وعلم الاجتماع براء منه براءة الذئب من دم ابن يعقوب ، الم يكن انتحر كمدا لهذا الهزء المبين بعلم الاجتماع واجتراره وامتطائه من قبل الدكتور علي الوردي لاغراض شخصية لاتمت الصلة بفكرة التأسيس لعلم اجتماع محترم ومستقل وصاحب شخصية علمية متوازنة ؟.

ان ذنب الدكتور علي الوردي انه استطاع وبحنكة الوصولي الحرّيف ان يطرح كل مابداخله من افكار شخصية وتأملات ثقافية وحتى عقد اجتماعية وتاريخية تحت بند ( علم الاجتماع الحديث ) ، والذي بالفعل ومع الاسف كانت شهادته المستوردة معه من الولايات المتحدة تسند صفته العلمية الاجتماعية ولكن وبدلا من ان يلتزم الدكتور علي الوردي بما تعلمه من مدارس علم الاجتماع الحديثة باصول ، وقواعد علم الاجتماع ، وليكتب من ثم للشعب العراقي ، ويؤسس لجامعات العراق العلمية مدرسة اجتماعية حقيقية ويؤلف ويكتب ويؤصل في علم الاجتماع ومدارسه وعلمائه وكيفية تناول هذا العلم للمجتمع وبناه وحركته وواقعه وماهيته ....الخ ، ذهب الدكتور علي الوردي للكتابة بكل ماهو بعيد عن وظيفة علم الاجتماع ليحول هذا العلم الخطير الى مجرد تنابز بالالقاب واعتداء على شخصية المجتمع العراقي وامتهان اساليب تفكيره وماينبغي او لاينبغي عليه ، وكأنما تحول الدكتور علي الوردي الى مشرّع قانوني فقط لكونه يحمل شهادة علم الاجتماع وكذا منظر لاهوتي ومحلل نفسي ومقعد اجتماعي وخبير اقتصادي وفيلسوف ارسطي ومنطقي خلدوني .... وهلمّ جرّا !!.

ان هذا الاسلوب الفوضوي في طرح الدكتور علي الوردي الفكري كان يبدوا غاية في الجمال والتلقائية اذا كان الدكتور علي الوردي نفسه قد اعلن انه بصدد طرح فكره ، ورايه الشخصي في الاشياء والعلوم من حوله ، ولكن عندما يطرح كل هذا الكم الهائل من الافكار وينسبه بلاحياء معتمدا على جهل المجتمع العراقي باصول قواعد علم الاجتماع الحقيقيةباسم علم الاجتماع فهنا تبدو المهزلة كبيره !!.

والحقيقة هناالدكتورعلي الوردي لم يكن بفرق كثيرا عن من وصفهم بدجالي وعاظ السلاطين الذين كانوا يمتطون جهل الناس والدين للوصول الى اغراضهم الشخصية ، فعلي الوردي كان يمتطي ثنائية جهل المجتمع العراقي انذاك باصول وقواعد علم الاجتماع ليطرح دوافعه الشخصية باسم هذا العلم ليفرض فكره الشخصي باسم جوهر علم الاجتماع واهميته العلمية والفكرية ولهذا كان المجتمع العراقي انذاك متحيرا في طرح الدكتور علي الوردي وهل هو هذا نفسه طرح العلم الاجتماعي الذي كانوا يسمعون عنه ويستخدم اسماء كبار العلماء الدكتور علي الوردي في كتبه وباللغة الافرنجية في مؤلفاته وكتبه ؟.

أم ان مايطرحه هذا الدكتور هو سب وقذف وتنابز بالالقاب للشعب العراقي المسكين ، مضافا الى قوله دائما في اخر السطر ( حسب مايراه علم الاجتماع الحديث ) الذي تتكرر هذه الجملة كثيرا في كتب الاستاذ الوردي ؟!.

بهذا الاسلوب حقيقةً البعيد كل البعد عن علم الاجتماع طرح الدكتور فكره باسمه ، وبهذه اللغة من الكتابة الوردية انحصر التأييد داخل المجتمع العراقي لرفد علم الاجتماع كعلم نافع للبشرية ، باعتبار ان المجتمع العراقي لم يفهم من علم الاجتماع الذي جلبه لهم الدكتور الوردي الا انه بحث عن عورات المجتمع واستفزاز لمشاعره الاخلاقيةفلماذا والحال هذه لعلم الاجتماع يرفد المجتمع العراقي علما هو بالاساس موضوع للنكاية بوجودهم !!.

لكن الحقيقة التي غابت عن ذهن المجتمع العراقي منذ سماعهم بعلم الاجتماع في كتب الدكتور الوردي ومن على لسانه : ان علم الاجتماع الحقيقي هو شيئ مختلف تماما عن كل ماطرحه هذا الدكتور من خلال اسمه ، وان علم الاجتماع علم يقوم على المهنية ويتعرض لبنى الاجتماع ببحثية فكريةويتناول وجودالمجتمع من خلال وصف الواقع البنيوي الاجتماعي القائم وبعقلية تحاول فقط البحث عن السبل ، التي تنتقل بالمجتمع من واقعه البائس والمتخلف والمرير ...الى واقع متطور وحيوي ونشط وفعال لاغير !!.

ولكان هناك فرق اجتماعي شعبي عراقي كبير وايجابي بين ان يدرك ان علم الاجتماع علم قائم لخدمة المجتمع وتعريفه بذاته وشخصيته الواقعية والدفع به الى الامام ، وبين ان يصحو المجتمع العراقي على علم الاجتماع الوردي وانه مجرد علم جاء ليطرح كل ماهومعقد وحاد ومتطرف ولاعلمي ولابحثي ولامنهجي ففي الاول سيدرك المجتمع اهمية هذا العلم ويدعمه ويطالب بتطويره وبقائه وتدريسه لابنائهم في المدارس والجامعات ، بينما التوجه الاخر يصبح من حق المجتمع ان يطالب بموت هذا العلم الذي لم يخلق الا لصناعة التشنجات الاجتماعية والاعتداء على شخصية المجتمع وحرماته !!.

لهذا السبب نحن نقول ان موت علم الاجتماع في العراق كان بسبب او سببه الاصيل الدكتورعلي الوردي وطرحه المشوّه لهذا العلم بل واستغلال الدكتورعلي الوردي وجنايته على علم الاجتماع عندما طرح افكاره الشخصية المستفزة للمجتمع واللاعلمية واللامنهجية باسم هذا العلم الجليل مما دفع الاجتماع في العراق من اخذ تصور سلبي عن هذا العلم وساهم اخيرا بشكل واخر بضمور وموت علم الاجتماع قبل ان يولد ويمارس وظيفته في العراق الحديث !!.

ان علم الاجتماع وظيفته ان يبحث عن حقائق المجتمع المادية ، والغير مادية القائمة في بنيته الانسانية ومن ثم يوظفها في عملية اوكيفية التغييرداخل المجتمع من الادنى الى الاعلى وليس من وظائف المجتمع ان يقرر(ماركسيا)تناشزات وازدواجيات وتناقضات المجتمع المتصورة والمتخيلة والتي من خلالها نقيم مصنع للحرب والصراعات داخل طبقات المجتمع او توعاته البنيوية !!.

كما ان وظيفة علم الاجتماع ان يشرح ليّ مصطلح (( الكثافة الحيوية )) داخل المجتمع وكيفية توظيف هذه البنية الاجتماعية في حلحلة معضلة مالتس الاقتصادية ( زيادة سكانية وضمور طاقة انتاج التربة ) مثلا في الكثافة السكانية التي حتما ستخلق حالة صراع على الموارد القليلة وكيف لعلم الاجتماع حلّ هذه المعضلة من خلال الانتقال بالمجتمع من المجتمع البسيط الالي الى المجتمع العضوي المتخصص ، وليس من وظائف علم الاجتماع ان نحلل خوارق ماوراء الشعور ، او ان نضع اساليب للوعظ الديني الغيبي وغير ذالك !!.

وبهذا نستطيع ان نوصل للمجتمع للمؤسسة العلمية والسياسية والاقتصادية العراقية اليوم فكرة اهمية علم الاجتماع كعلم له هموم صناعة امة وفهمها لنفسها واحترامها لقدراتها ، وليس كعلم يمتطيه طلاّب الشهرة على حساب العلم ومنافعه وحقائقه وتوجهاته القيمة !!.

واخيرا بهذا نستطيع ان نعيد لمشروع علم الاجتماع العراقي ، الذي اساءت له مشاريع التطلعات الشخصية الصغيرة روحه وحياته من جديد ونقيم بنائه على قواعد من العلم المتجرد من كل غرض او هوى شخصي او ايدلوجي او اخلاقي معقد لنقيم علم اجتماع حقيقي يكتب المتخصصون في داخل مفرداته وبصيغ مناهجه العلمية ومصطلحاته الاكاديمية ، بدون ان نسقطه على افكارنا الشخصية او نسقط افكارنا الشخصية عليه !!.

اعتقد انه آن الاوان لتشييد مدرسة اجتماعية عراقية بعيدة كل البعد عن مهزلة ما يسمى مدرسة علي الوردي الاجتماعية التي من اوضح كوارثها انها المدرسة التي فشلت ان تخرّج ولو تلميذا نجيبا واحدا يشار له بالبنان على اساس انه عالم اجتماع لوذعي تخرج من مدرسة المرحوم الوردي ، وهذا اكبر دليل على ان الرجل قدم لنفسه واسمه الكثير على المستوى الشخصي الا انه لم يفكر في يوم من الايام ان يقدم لعلم الاجتماع تراثا يدفع بمدرسة العراق الاجتماعية بالاستمرار والتطور وانجاب علماء اجتماع جدد يفهمون ماذا تعني مدرسة اجتماع عراقية !!.

________________________________



alshakerr@yahoo.com