السبت، ديسمبر 24، 2011

(( ما الذي استفاده الشيعة من تحالفهم السياسي مع الكُرد في العراق الجديد ؟)) حميد الشاكر


كان نقاشا فكريا ، وسياسيا حول العلاقة الشيعية الكردية ، وكيفية كون هذه العلاقة تمتدّ بجذورها العقدية حتى قبل قيام دولة العراق الحديثة عندما اشترك الكُرد بحرب الشعيبة مع الشيعة ، في مناهضة الاستعمار البريطاني 1914م ، تحت وطأة فتوى مراجع الشيعة في النجف الاشرف ؟وكيف ان فتوى الامام الحكيم الكبيرقدس بحرمة قتال الكرد من قبل الحكومة العراقية ، التي كانت قائمة هي التي افشلت مخطط ابادة الكُرد واستئصال شأفتهم من العراق ؟.....الخ ، قبل ان أطرح سؤالا يبدوا انه اليوم هو السؤال الذي يحاول ان يحاسب التاريخ والحاضر في العراق لتدوم علاقة متينة وعميقة ومتأصلة في جوانبها العقدية والسياسية والاجتماعية والعاطفية بين شيعة العراق وكرده وهو : ما الذي استفاده المكوّن العراقي الشيعي من تحالفه السياسي مع المكوّن الكُردي في العراق الجديد مابعد الاطاحة بنظام المقبور صدام حسين في 2003م م ؟.
او السؤال بصورة معكوسة لنقول: ما الذي استفاده المكوّن العراقي الكُردي سياسيا من تحالفه مع الشيعة ، في عراق مابعد الاطاحة بنظام البعث ، وحزبه وزبانيته من صداميين كانو يجثمون بالارهاب والمؤامرة والقوة على صدر جميع العراقيين ؟.

طبعا المنشأ لهكذا اسألة قبل ان نجيب عليها ، هو ان في عالم السياسة ومصالحها كل شيئ فيه متغير ، ومتحول ومهتز ، وغير ثابت ، وما لم تكن هناك رؤية مصالح مشتركة واضحة ، بين الحزب الواحد ، او المكّون المجتمعي الواحد او بين مكوّنات اجتماعية مختلفة في اطار مصالح مواطنة ، ووطن مشترك فأن العواطف والاحلام والتوافقات وكذا ترك المصارحة والمكاشفة والمناقشات ..سيفضي حتما الى تصادم وتباعد في الرؤى والاهداف ، واطارات العمل المشترك ، ويزرع بداخله التناقضات والتناشزات المصلحيةممايفضي بالنهايةالى تراكمات لايحمدانفصاماتها وتضارباتها الخطيرة في العلاقات على المستوى السياسي العام !!.
ولهذا نحن كمكوّن عراقي شيعي ، وكمكوّن عراقي كردي ، بأمس الحاجة لمناقشة مصالحنا الوطنية المشتركة كعراقيين واعادة انتاج تحالفاتنا العراقية الاستراتيجية كي لايشعر طرف انه البقرة الحلوب المغدورة ويشعر الاخر بانه الثعلب الذي يمتهن المراوغة بشطارة على حساب ديك الصباح الذي بعدما مصمص عظامه قال : حرام كان يوقظنا لصلاة الصباح كل يوم باخلاص وعفوية !!.
طبعا في معرض جواب ما الذي استفاده الكرد من تحالفهم السياسي ما بعد الاطاحة بنظام صدام حسين مع الشيعة هناك نظرية سياسية وحتى شعبية وانا شخصيا اميل لمصداقيتها الواقعية : بأن الكُرد قد استفادو من تحالفهم مع الشيعة سياسيا بنسبة الالف بالمئة ، مايعادل عشرة اضعاف ماتسمح به القسمة الرياضية من محدد المئة بالمئة !.
اي وبمعنى اخر اكثر وضوحا : ان اخوتنا من المكون العراقي الكردي ، وعلى طول تاريخ نضالهم المطالب بحقوقهم الوطنية العراقية ، واهداف صراعاتهم المريرة مع حكومات العراق التي كانت قائمة قبل 2003م لم يكن مستوى سقف مطالبهم ليرتفع الى اكثر من ((الحكم الذاتي)) في كردستان وضرورة احترام قومية المكوّن الكردي العراقي لاغير !!.
لكن وفجأة وبعد التغيير الذي حصل في العراق 2003م وجدنا ان هناك طرحا يقوده فعليا ، ويشرف عليه ، ويرتب له مكوّن الاغلبية العراقية من شيعة العراق ، ليطرح المكوّن العراقي الكردي ، على اساس انه :المكوّن الذي يراد له ، ان يكون المعادلة الاصعب في العراق الجديد من خلال تسويقه كبيضة قبان للعملية السياسية العراقية الجديدة ومن ثم ليستحصل اخوتنا الكرد تحت مباركة تحالفهم مع الشيعة العراقيين على التالي :
اولا : كتابة دستور لعراق جديد تحت اشراف وبنود كل المطالب الكردية المفتوحة التي بدأت بالفدرالية ولم تنتهي حتى اليوم عند حد محدود .
ثانيا : مشاركة كردية برلمانية في بغداد فاقت كل التوقعات السياسية الكردية نفسها مع ضمان : ان لاقرار يصدر في العراق الجديد تشريعيا في هذا البرلمان ، الا تحت وصاية التوافقية ، والمحاصصة القومية ، والطائفية ما يفقد بالنتيجة مسمى وفعل الاغلبية داخل البرلمان .
ثالثا : لكردستان العراق وضع مستقل مئة بالمئة للكرد فقط ، مع برلمان وحكومة وعلم وجيش وميزانية مستقطعة من الدولة العراقية المركزية مع القطع ان لاتدخل للدولة بشؤون كردستان السياسية ، والامنية والاقتصادية ، والاجتماعية والثقافية والعسكرية .... مطلقا الا بمسمى الفدرالية لاغير !.
رابعا : رئاسة الجمهورية في العراق ، والتي لها نصف قرار المشاركة في الدولة العراقية الجديدة ورسم استراتيجياتها الداخليةوالخارجيةمع قرارات رئاسة الوزراء بالاضافة لوزارة الخارجية واربع من الوزارات داخل الحكومة ، ومشاركة عسكرية وامنية ، واستخباراتية كاملة تكون حصة المكوّن الكردي من العراق الجديد خارج حدود كردستان العراق وفي كل المناطق !.
خامسا : لاقليم كردستان قنصلياته المستقلة ، وسياساته الداخلية والخارجية الغير مرتبطة ببرتوكولات الدولة العراقية وله رئيسه الذي يحدد السياسات العامة للاقليم ، وله حق اعلان الاستقلال او الارتباط بالعراق ، ولا يرتبط باي معنى من المعاني بحكومة بغداد المركزية !!.
وهكذا حصل الاخوة الكرد ، تقريبا على ما لم يكن في حساباتهم السياسية التاريخية ابدا تحت رعاية واشراف ودعم ومباركة حليفهم الاستراتيجي القديم الجديدالمكوّن العراقي الشيعي وبمباركة منقطعة النظيرمن هذا المكوّن ولكن العجيب والغريب في الامر هو ان مع كل ما حصل عليه الاخوة من المكوّن الكُردي من حقوق وضمانات ومناصب وسياسات ومميزات واستثناءات ..... في العراق الجديد وعلى عين ودعم اغلبية الشعب العراقي ، الذي لولاهم لما تمكن الاخوة الكرد ، من حصاد حبة قمح واحدة لكن مع ذالك استطاع المكوّن الكردي العراقي ان يخضع حليفه الشيعي دوما الى عقدة نقص وتقصيربحقه تظهر ان صاحب الفضل في المعادلة دوما هو المكوّن الكردي على غالبية الشعب العراقي وليس العكس !!.
بل واكثر من ذالك استطاع المكوّن الكردي وبذكاء سياسي مشهود له وعلى طول خط مسار العملية السياسية العراقية ، ان يشير ببنان الشكر ، والعرفان والامتنان السياسي على كل حقوقهم السياسية التي استفادوها من العراق الجديد على اساس انها : هبة استعمارية امريكية ساهمت في صناعتها قوى الاحتلال الامريكي وليس لاحدمن مشاركة بهذا البناءلاي احدآخر سواءكان هذا الاخرهوالحليف الاستراتيجي الشيعي العراقي لهم او اي مكون عراقي آخر داخل العراق او خارجه !!.
اما سؤال ، وجواب : مالذي استفاده الشيعة من تحالفهم الاستراتيجي مع المكوّن الكردي في العراق الجديد ؟.
فيكفي ان نشير هنا الى الاتي :
اولا : ان المكوّن الشيعي العراقي في الحقيقة كانت، ولم تزل سياساتهم الداخلية وحتى الخارجية تدار بعقلية وعقدة النقص التاريخية امام الاخرين ،بل وهناك عقدة ما يسمى بحمل شعور كيفية ارضاء الاخر باعطائه من حقوق الشيعة انفسهم على امل سد ثغرات شعور الاخرين ، نحو المكون الشيعي العراقي ، وهذه الاستراتيجية في التفكير الشيعي هي التي اوقعت هذا المكون العراقي بالتخبط والانفعالية بالقرار وعدم زنة الامور الاستراتيجية بميزان التوازن ، والحكمة ، والمصلحة المستقبلية العامة !.
ثانيا : عندما نقول ان هناك (عقدة نقص) سايكلوجية في القرار السياسي الشيعي العراقي وهو موروث تاريخي طبيعي ، فاننا بذالك نشير الى ان الكثير من القرارات السياسية الاستراتيجيةالشيعية التي اتخذت في بناءالعراق الجديد كان لها انعكاسات خطيرة على حركة واستمرار واستقرارالمكون الشيعي نفسه داخل العراق بل وربما (نصارح انفسنا) ان قلنا ان شيعة العراق وخلال تسع سنوات مضت دفعوا ضريبة مكاسب حليفهم من المكون الكردي العراقي عندماشاركوا وساهمواودعموابصياغة سياسية ، ودستور وتركيبة عملية سياسية مصيرية ، أشعرت باقي مكونات الشعب العراقي انها كانت على حساب مصالحهم الاستراتيجية السياسية العراقية الداخلية على المدى الطويل !!.
بمعنى اكثر وضوحا : انه كان على المكوّن العراقي الشيعي ، وباعتباره اكبر مكون عراقي جماهيري ، ويمثل اغلبية الشعب العراقي الكريم ، وقبل ان يضع حجرا على حجر في العملية السياسية الجديدة بعد الاطاحة بنظام صدام المقبور ان يقيم عملية توازن في المصالح ، والخسائر مع حليفه الكردي ، مع عدم اغفال باقي المكونات العراقية الاخرى ، كالمكوّن السني العراقي باعتباره ايضا الحليف الشريك في بناء عراق مابعد الدكتاتورية !!.
اما ان يغفل المكوّن الشيعي العراقي ، باقي حلفائه العراقيين ، ويندفع بعاطفية غير محسوبة النتائج السياسية ، لينتج عملية استحصل الاخوة الكرد كل مافي السلة من عنب وبدون جزاءا ولاشكورا ،لتتم هذه العملية على حساب اغضاب باقي المكونات العراقية الاخرى ، ما يدفعهم لانتهاج اسلوب الارهاب والعنف ، للتعبير عن سخطهم وعدم رضاهم بالوضع الجديد القائم ، ثم ليرتدّ هذا الغضب فقط على المكوّن الشيعي باعتباره صاحب القسمة ، ليقع الارهاب على اطفاله ونسائه وشبابه وشيبه ، وبقاء حليف الشيعة العراقيين من الكرد خارج اطار هذا الصراع نهائيا ، مع انه المستفيد الاول والاخير من هذه القسمة ، فوالله انها لقسمة ضيزا تلك ، التي اقامها الشيعة على انفسهم بدفع ضريبة مكاسب غيرهم في العملية السياسية العراقية الجديدة !!.
نعم كان كثيرا من الارهاب ، بامكان الشيعة ان يكفوا شروره عن انفسهم ، لو كانت ( مثلا ) رئاسة الجمهورية في استراتيجيتهم السياسية التي بنت العراق الجديد من حصة المكوّن السني العراقي ، وليشعر اخواننا من السنة العراقيين ، فيما بعد انهم في قلب المعادلة السياسية العراقية ، وانهم على الاقل غير مهمشين بهذه الصورة الذي تمثل لهم اهانة حسب تصوراتهم السياسية عندما تعزل مناصب رئيسية دقيقة مثل رئاسة الجمهورية وربطها بالمكون الكردي لا لشيئ الاّ لانه حليف استراتيجي للمكون الشيعي الذي لم يحصل الشيعةمنه حتى الان على اعتراف معنوي او مكسب سياسي استراتيجي في المقابل ، يقدمه لهم المكوّن الكردي ، كتبادل في المصالح المشتركة بين الحليفين !!.
ان اغلبية الشيعة في العراق الجديد تؤهلهم للعب الدور الرئيس في العراق بدون حاجة ، لتنازلات استراتيجية ، او المشاركة بتنازلات استراتيجية سياسية خطيرة المنعكسات ،كالتي قدمها هذا المكوّن للمكوّن العراقي الكردي في رئاسة الجمهورية ووزارة الخارجية والاقليم .....وباقي المميزات وما دام الاخوة الكردّ اناس يتمتعون ببراغماتية سياسية نفعية ويعلنون موقفهم انهم ليسوا مع اي حلف استراتيجي في العراق لامع الشيعة ولا مع غيرهم (( تصريح السيد مسعود البرزاني بانه في حال نشبت اي صراعات سياسية ، بين سنة العراق وشيعته فانه سيقف على الحياد )) فلا اساس يحتم على الشيعة ان يقفوابكل ثقلهم ليهبوا الاقليم في كردستان ورئيسه وحزبه كل هذه المميزات التي لم تعد عليهم باي منفعة سياسية ولا باي استقرار او توازن في العراق الجديد ؟!!.
ثالثا:من كل ماتقدم ندرك ان شيعة العراق في الحقيقة لم يستفيدوا اي ميزة سياسية في العراق الجديد من حليفهم الاستراتيجي المكوّن الكردي العراقي الذي حصل على كل شيئ باسم الاغلبيةمن الشعب العراقي في العراق الجديدبل وربما لوكان المكوّن الشيعي العراقي كاغلبية مطلقة في هذا البلد ، قد اعاد انتاج استراتيجياته السياسية وقدم للمكون السني ربع ماقدمه للمكوّن الكردي من مكاسب سياسية حسب غالبيته الجماهيرية في العراق ، لتخلص من الكثير ، مما سببه المكون السني العراقي من اضطرابات ، وعدم استقرار للوضع السياسي العراقي الجديد ، مع شكر هذا المكون السني العراقي وامتنانه الواضح للمكون الشيعي العراقي !!.
وهذا فضلا ، ان في هذه المعادلة ايضا شيئ في غاية الخطورة لم يلتفت له المكون السياسي العراقي الشيعي وهو يقيم تحالفاته الجديدة الاستراتيجية مع الكرد ما بعد التغيير وهو :
ان البعد الاقليمي القومي العربي للمكون السني العراقي يشكل اليوم مشكلة حقيقية للاستقرار في العراق ، وكلما كان المكوّن السني العراقي يشعر بالتهميش السياسي الداخلي ، كلما كان ارضا خصبة لتهيئته كي يكون حاضنة طرية للتدخلات الخارجية الاقليمية للعراق باسم الطائفية وغير الطائفية ممايجعل اويدفع صانع العراق الجديد من اغلبية الشعب العراقي في المكون الشيعي على محك وعي الاشكاليات الحقيقية لمشاكله الداخلية والخارجية ، والاخذ بنظر الاعتبار مصالح الشعب العراقي العامة في كل بناء استراتيجي يضمن له الاستقرار الداخلي العراقي الامني والسياسي اكثر من اي شيئ اخر !!.
لكن مع الاسف وجدنا ان السياسة الاستراتيجية العراقية ، للمكون الشيعي اتخذت الاتجاه الاخرمن الطريق في (تحالفاتها الاستراتيجية) ، لتستبدل الذي هو الاضعف بالذي هو الاقوى بلا مبرر نفعي سياسي معقول ، فالمكون الكردي العراقي على اي حال لايشكل ثقلا اقليميا ابدا فضلا عن كونه يشكل عبئا اقليميا على العراق ، فتركيا وايران وسوريا وكل الاقليم الذي يحيط بالعراق ليس هو في صالح المكون الكردي العراقي ، لا سيما مع تعقيدات هذه الدول مع القضية الكردية ، مما يقطع اي عمق استرتيجي يمكن ان يكون رصيدا للاخوة الكرد في التدخل بالشان العراقي الكردي وهذابعكس المكوّن السني العراقي الذي خاطرالشيعةالعراقيون بتهميشه من معادلة استراتيجيتهم ليقدمواعليه الحليف الكردي العراقي بلا اي منفعة تذكروكان بامكانهم ولم يزل (اعادة انتاج تحالفاتهم الاستراتيجية الداخلية) ، والضغط لصناعة عراق متوازن ، باعادة توزيع مناصب الدولة الرفيعة ، كرئاسة الجمهورية للمكون السني (مثلا) لامتصاص اكثر من ثمانين بالمئة من الاحتقان السياسي لدى المكون السني والذي سوف يكون نصرا لاستراتيجية العراق الجديد بصورة عامة !!.
الخلاصة :
ان على غالبية الشعب العراقي (( من المكون الشيعي السياسي )) ان يكونوا اكثر براغماتية سياسية في تحالفاتهم القائمة والمستقبلية ، وان لايركنوا ، بهذا الشأن للعواطف التاريخية النبيلة ولا لشعارات مرحلة المعارضة القديمة لاسيما ان الاخوة في جميع المكونات العراقية ومنها الكردية ستساعدهم في ذالك لان خطابهم صريح ان مصالحهم القومية الكردية فوق كل شيئ ، وهذا يدفع ، ويشجع المكوّن العراقي الشيعي كأغلبية للتعامل مع الاخوة الكرد بالمثل وعلى قدم المساواة ، وليكونوا من ثم هم بيضة القبان على اي حال ، وهم صنّاع ملوك العراق الجدد وليس العكس بان يفقدوا ، كل مزاياهم ، وقواهم السياسية الحية ، لا بل ويعرضوا انفسهم لخطرعدم الاستقرار في سبيل ان حلفائهم يتمتعوا بمزايا سياسية على حساب استقرار العراق وامنه وحفظ دماء شعبه ومسيرته السياسية الجديدة !!.