الخميس، يناير 27، 2011

(( العراق يفرض شروطه اليوم ولايستجدي الانفتاح عليه )) حميد الشاكر

على أثر التطورات في المنطقة العربية والعالمية وما آلت اليه الاوضاع الاقتصادية في معظم الدول العربية من تفجرات ثورية خلقتها الفرص المتدنية لمعيشة الانسان العربي مضافا لها ضائقة الحريات التي بدأت تخنق هذا الانسان حتى تفكيره بمغادرة الحياة حرقاً في الدنيا قبل الاخرة يبدو العراق في خضم هذا البحر الهائج من عالمنا العربي هوالدولة والوطن والشعب الواعد والصاعد للاربع السنوات المقبلة ، وذالك لما يتمتع به العراق من مميزات شتى ومن اهمها طبعا :


اولا : تجربة سياسية فتية ومتطلعة وحرّة ومنبنية على اسس تضمن لجميع ابناء الشعب العراقي المشاركة في بنائه سياسيا والنهوض به ديمقراطيا وانسانيا ، وهذا اهم ضمان للاستقرار السياسي على المدى البعيد .

ثانيا : تمتع العراق بموارد اقتصادية مهولة تمكنه من النهوض بمتطلبات شعبه ، بالاضافة لقدرة العراق على القيام بوظيفة الرافعة التي بامكانها ان تحرك وتساعد الاقليم العربي وغير العربي بايجاد فرص عمل واستثمارات تنتشل الكثير من شعوبنا العربية من خنقتها الاقتصادية المدمرة من جهة ، وتساهم هذه الدول باعادة اعمار العراق من جانب اخر !! .

والحقيقة ان العراق الجديد وحسب المعطيات التي ذكرناها ، وباستشراف وقراءة واقعية للساحة الاقليمية والعالمية بالامكان القول حوله ان العراق اليوم قد انتقل او بالامكان ان ينتقل بالفعل بعد ثبات تجربته السياسية النسبية واعادة الانسان العراقي للقليل من طاقته ووعيه ، والتفاته لادارة شأنه العام بنوع من التخطيط للحاضر والمستقبل قد انتقل او سنتقل حتما من بلد رزح تحت نير الفوضى العارمة ، والارهاب المستورد من دول الاقليم العربي الرافض للتجربة الديمقراطية العراقية وبمساندة قوى الاجرام البعثية الصدامية في الداخل ومن الوطن المتلقي لردّة الفعل والمتكالبة عليه قوى الفساد والشرّ... الى بلد يمكنه ان يلعب دورا حيويا بعد معافاته النسبية في المنطقة والعالم باعتباره ( قطبا وليس تابعا) يمكنه المساهمة اقتصاديا وسياسيا في انقاذ الكثيرمن الدول العربية والعالمية التي شارفت على الافلاس الاقتصادي والانهيارمن ثمّ السياسي والتي آذنت بحروب شعبية ستتفجرهنا وهناك اذا لم تسارع نظمها القائمة بايجادسبل استثماريةاقتصادية خارجية تمتص غليان الثورة الاقتصادية لهذه الشعوب في الداخل !!.

والعراق اذا احسن ابنائه فهم الخريطة السياسية والاقتصادية العالمية القائمة اليوم ،واذا حاولوا صناعة استراتيجية سياسية ثابتة لمسيرة العراق الجديدللسنوات الاربع ومابعدهاووظفوا الوضع الاقتصادي والسياسي المتأزم في المنطقة لصالح مشروع العراق الجديد فلاريب انه سيفرض معادلته كشريك عالمي قادر على ( صناعة ) السياسة في المنطقة العربية والاسلامية بدلا من الخضوع لها واستقبال فعلها ليكون ردّة فعل قائمة لاغير !!.

ونعم صحيح هناك من لم يزل من العراقيين وحتى هذه اللحظة مع الاسف ، وربما لتكلّس رؤيته السياسية وموتها في مفترق طرق معينة ، مَن ينظر الى العراق على اساس انه ينبغي عليه البقاء في خانة التلقي المستمرة لردّة الفعل الاقليمية ، مضافا لرؤيته للعراق القائم وشرعيته السياسية على اساس انهاناقصة مالم يتمم الاقليم العربي هذه الشرعيةللعراق الجديد باعترافه رسميا بعراق العراقيين بصورة او اخرى !.

لكنّ ومن خلال التطورات المتسارعة في العالم ولحقيقة ان شرعية النظام السياسي في العراق الجديد لايمكن لها إلا ان تكون من خلال انتخاب الشعب العراقي نفسه لنظامه السياسي وليس من خلال رضى او عدم رضى او قبول اوعدم قبول او اعتراف او عدم اعتراف دول الاقليم والعالم بهذا العراق الجديد ، يتبين على الفور انه على العراقيين بالفعل ان يبدأوا بتهيئة الارضية وممارسة صناعة فرض شروطهم المريحة لصالح العراق الجديد ، وذالك من خلال : عبقرية التخطيط الاسترتيجة الاقتصادية للعراق بصورة شاملة داخلية وخارجية استثمارية ، وادارة ثروتهم بصورة وطنية ناضجة تضمن للعراق والعراقيين قوة تاثير حقيقية على الاقليم والعالم وأن لايلتفتوا مطلقا للمرحلة السياسية السابقة وما انتجته من اوضاع على جميع الصعد باعتبارها مرحلة انتهت هي وكل مفاهيمها السياسية الدكتاتورية البائدة تحت وطأة ثورات الشعوب عليها !!.

_______________________

alshakerr@yahoo.com

http://www.blogger.com/profile/06210792549531027877

الاثنين، يناير 24، 2011

(( من وعيّ القرآن .... اقرأ )) - 12 - حميد الشاكر

كلمة المناداة .... :- اقرأ




في الطرح القرآني الخاتم عادة ما يرسم لنا القرآن لوحة اشاريةوليست تفصيلية لموضوعة كيفية بدء الوحي بالنسبة للانبياء والرسل الذين لهم نوع صلةمباشرة مع الوحي الالهي الكريم ولعلّ اوضح صورة قرآنية لموضوعة بداية الوحي الالهي للرسل وكيفية هذه البداية ، ونوعية الخطوات فيها هي صورة رسول الله موسى عليه السلام ، وهو يواجه بداية كلمة الوحي الالهية العظيمة وجها لوجه في جانب الطور بهذه اللوحة الفنية الرائعة التي رسمتها يد السماء القرآنية بالقول :(( فلما قضى موسى الاجل سار بأهله ءانس من جانب الطورناراً قال لأهله امكثوا إني ءانست نارا لعلي ءاتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون ،فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن ياموسى إني أنا الله رب العالمين / 29، 30/ القصص )) .



والحق ان هذا النوع من البداية لكلمة وحي السماء العظمى ليس فيه اي شيئ خارج عن المألوف الانساني لاي عملية تعارف بين عاقلين فهنا في هذا المشهدالقرآني نحن بين موسى عليه السلام سليل الانبياء والرسل من ال يعقوب وهو الرجل المتصل والعابد لله سبحانه وهو يعود لبلاده بعد غربة منفى قسرية فرضت عليه من مصروفي اثناء عودته لوطنه باهله يضل الطريق فيمكث قليلا مع اهله واذا به يأنس ضوء نار من بعيد خلف واد ،فيأمر اهله بالمكوث لحين ذهابه الى مصدر الضوء لعله يجد خبرا يرشده الى طريق العودة الى مصر بالاضافة لحصوله على جذوة من ناروحطب لتكون لاهله وعياله دفئا ونورا الى حين الصباح ، وبعد ان يذهب موسى تاركا اهله وراءه الى مصدر النور ، وقبل ان يصل لعين النور يناديه صوت من وحي السماء ليفاجأه بغير المتوقع وبالضبط من شاطئ الواد الايمن ومن الشجرة التي تقف في قلب البقعة المباركة (( أن ياموسى إني أنا الله رب العالمين )) !!.

عندها موسى لم يشك للحظة ان وحي السماء وصوت العدل الالهي هو الذي يناديه وانه في محضر الامرالالهي المبارك لتلقي رسالة السماء بتحرير بني اسرائيل من عبودية الطغاة في مصر ونقلها الى حرية عبادة الله وحده سبحانه وتعالى !!.

طبعا الحكمة الالهية العالية ، هي التي ارتأت ان تكون كيفية التعارف بين موسى ووحي السماء مباشرة ولالبس فيها بالقول : (( ياموسى اني انا الله رب العالمين )) كي لايتوهم موسى ، وهو مأخوذ بذهول التيه في الصحراء عن ماهية الصوت الذي يناديه ، فلو فرضنا ان وحي السماء كان نازلا لموسى بشكل مختلف كأن يقول له (( ياموسى اذهب الى فرعون انه طغى )) مثلا لكان من حق موسى ان يتوقف للحظة لادراك ماهية هذا الوحي ومصدره ، وهل هو وحي صريح لالبس فيه ام انه شيئ اخر للتثبت !!.

أما عندما تكون كلمة الوحي الالهية الاولى مباشرة بالتعارف بين مصدر الوحي (( اني انا الله رب العالمين)) عندئذ لامندوحة امام موسى عليه السلام لمعرفة الوحي والاطمئنان اليه والاستسلام لاوامره ومقرراته !!.

وحتى عندما سأل الله سبحانه عالم كل شيئ موسى عن تلك التي بيمينه ليلفت نظره لفعلها قال هي عصاي فلما امره بالقائها لتنقلب الى حية تسعى ، ارتبك موسى لانقلابها وولى هاربا ، قبل ان يقول له الله سبحانه : (( ياموسى اقبل ولاتخف إنك من الامنين )) ، وهذا كله وموسى قد تعارف مع الوحي الالهي بصورة عرفية بشرية فكيف اذا كان موسى واقعا تحت لغز محير ككلمة الوحي الالهية الاسلامية (( اقرأ )) فقط بلا مقدمات ولاتعارفات ولا مهدئات !؟.



إن الاختلاف في كيفية التعارف المنقولة لنا قرآنيا ، بين موسى وكلمة الوحي الابتدائية من جهة ، وبين محمد الرسول وكلمة القرآن العليا ( اقرأ ) تدفعنا للتسائل عن سرّ وحكمة وماهية هذا الاختلاف ، ولماذا عندما كان الوحي موجها لموسى الرسول عليه السلام كان التعارف بين موسى والوحي تعارفا عرفيا انسانيا بين ( اني انا الله رب العالمين) وبين موسى سليل الانبياء والمرسلين ع ، بينما كان بشكل ايضا مفاجئ ، لمحمد الرسول سليل نبي الله ابراهيم واسماعيل ، لكنه بصيغة (اقرأ) التي لم تكن تتقدمها عملية تعارف عرفية انسانية لتقول لمحمد الرسول صلى الله عليه وسلم ب (( اني انا الله رب العالمين )) ليدخل محمد الرسول في عملية تلقي الوحي بصورة سلمية وليست نزاعية كما يروي لنا التاريخ في كلمة القرآن (اقرأ) وما احدثته من ردّة فعل بشرية طبيعية في جواب :(( ما اقرأ ؟، ما انا بقارئ !.)) ؟.

فياترى ما الحكمة اولا : بين كلا الاختلافين في تلقي كلمة الوحي الالهية الاولى ؟.

وثانيا : لماذا كان هذا الاختلاف في تلقي الوحي بين محمد الرسول الخاتم ص من جهة وبين باقي الانبياء والرسل من جانب آخر عليهم السلام جميعا ؟.

لاريب ان اختلاف مشروع محمدالرسول الخاتم صلى الله عليه واله وسلم عن باقي مشاريع الرسل والانبياءالسابقين هو الذي فرض معادلة الوحي وتلقيه ايضا من البداية الى النهايةفمشروع ومعجزة محمدالرسول ص مختلفة بطبيعة الحال عن مشروع ومعاجز الانبياء والرسل السابقين ، لاسيما اختلاف ماهية المعاجز ، بين معجزة خاتم الرسل والانبياء محمد ص وبين معاجز باقي الرسل والانبياء فبينما كان الرسل السابقين معاجزهم كونية اوطبيعية او انفسية تخترق العادة من المألوف البشري جاء معجزخاتم الرسل والانبياء مادة مقروءة فحسب متجسدة بالقرآن الكريم ،او بمعنى اخر بينما كانت معاجز موسى عليه السلام مثلا تسع ايات كلها تتمكن من خرق العادة والمألوف البشري في الكون والطبيعة كانقلاب العصا ثعبان عظيم او ضرب البحر وانفلاقه الى جبلين جامدين او اخراج اليد بيضاء او تفجير عيون ماء من صخر اصم يحمل بجلباب .... كل هذا مثلت معاجز رسالية تدعم صدق دعوى الرسل والانبياء بصدق صلتهم بالسماءاما خاتم الرسل العظيم محمد ص فقد اعلن للعالم ان معجزة نبوته ورسالته هي القرآن فحسب باعتبار ان القرآن هو المعجزة الخاتمة للبشرية التي ستستمر مع الانسان كيفما استمر في هذا العالم الى ان يرث الله الارض ومن عليها !!.

وبهذا المعنى اختلفت معادلةالاعجازالتي كانت تتناغم وسذاجة التلقي البشري المادي في حقب الرسل والانبياء السابقين على محمد الرسول ص ، الى معجزة تتعامل مع النمو والتطور ، والتكامل البشري بنوع من الاحترام ووضع المسؤولية على العقل البشري ليختار بملئ ارادته بين طريق الله سبحانه الذي يوضحه بمعجزته القرآنية ، وبين طريق غيره الذي ينتخبه الانسان بارادته وعقله !!.

إن الاختلاف بين معجزة موسى الطبيعية ومعجزة محمد القرآنية هو الاختلاف الذي يشرح لنا لماذا كانت كلمة الوحي الاولى لموسى تعارفية عرفية انسانية ب (اني انا الله رب العالمين) بينما كانت كلمة الوحي الالهية الاسلامية ب ((اقرأ )) فالمعجزة هنا تغيرت ، فكان حتما تغير بداية المشروع الرسالي على هذا الاساس ، فلو كانت فرضاً معجزة موسى قرآنية ايضا لشهدنا كيفية تغير معادلة الوحي البدائية ايضا تقع لموسى كما وقعت لمحمد الرسول ص ، ولكن وبما ان موسى معجزته التي ترفد صدق رسالته كانت مادية فقد تغيرت معادلة التعارف تبعا لذالك بين الوحي وموسى ع اما محمد الرسول فكانت معجزته عين كتابه فتحولت الكلمات المقروءة من فعلها الطبيعي الى فعلها الاعجازي الكبير !!.

في القرآن يصف كلمة الوحي النازلة من الله سبحانه وتعالى الى الرسول محمد ص بانها كلمة ثقيلة جدا بقوله : (( لو انزلنا هذا القرآن على جبل لرايته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الامثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون / 21 الحشر)).

اي ان من مميزات الكلمة القرآنية انها كلمة لها فعل الاعجاز القوي الذي لو فرض انه نازلا على هامة جبل من الجبال لرايته خاشعا متصدعا من خشية الله سبحانه وتعالى ، ومعلوم لدينا ان الجبال هذه الرواسي في الطبيعة الكونية لاتخشع ولاتتصدع ولاتدك ...الا اذا تجلى لها الله سبحانه وتعالى بعظمته وجبروته وكامل هيبته :(( فلما تجلى ربه للجبل جعله دكّا وخر موسى صعقا )) وبهذا علمنا ان كلمات الله سبحانه وتعالى القرآنية هي التجلّي الاعظم الذي قال عنه الامام الصادق جعفر بن محمد عليه السلام :(( لقد تجلّى الله لخلقه بكلامه ، ولكنهم لايبصرون )) !.

اي انه وبنص القرآن الكريم يتحدث عن ان تجلٍ واحد لله سبحانه وتعالى لجبل وموسى ماكان لهذا الجبل الا ان يندك ، وما كان من موسى الا خروره صعقا ، فكيف اذا تصورنا نزول وتجليات الله سبحانه بالقرآن كله على موسى ع وجبال الدنيا كلها فهل كانت لتستطيع حمل هذا التجلي العظيم لله سبحانه بكلماته القرآنيات التامات ؟.

وهكذا عندما تحول فعل الاعجاز من المادة الطبيعية والكونية الى الكلمة المقروءة ، اصبح نزول هذه الكلمة المقروءة كمعجزة شيئ لايستوعب تلقيه غيرانسان بعظمة محمد الرسول وقدرته اللامتناهية في استيعاب تجليات الله العظمى في كلماته القرآنية منذ بدايتها ب (( اقرأ )) وحتى نهايتها باخر كلمة قرانية تودع الانسانية مع وداع محمد الرسول من هذه الدنيا !!.

إن (( اقرأ )) القرآنية كانت اول تجلٍ الهي يقتحم حياة محمد الرسول العابد بغار حراء بشكل ضغطة كونية وطبيعية عظيمة بعظم محمد رسول الله في هذه الحياة ، وكان يمكن لعملية التعارف بين محمد الرسول ص وبين الوحي ان تكون بنوع وحي التعارف الهادئ الذي يقول :(( يامحمد اني انا الله رب العالمين )) لكن هذا النوع من الوحي هو ليس نوعا يحمل اعجازا في داخله لدرجة ارتقاءه الى كونه تجلٍ لله سبحانه الى خلقه ، وانما هو نوع وحي بحاجة الى معجزة كونية خارجية تسند وترفد صدقه عندالعالمين ولهذا كانت كل كتب الوحي الالهية الرسالية السابقةعلى محمد بحاجة الى معجزة خارجية ليتقبلها الانسان انذاك على اساس انها كلمات من الله يجب طاعتها والالتزام بها ،ولهذا اقترنت فاعلية تلك الكتب بهذه المعاجز وعندما انفصل الاعجاز عن الكتاب سرعان ما فقدت كتب السماء والوحي السابقة خاصيتها بالاستمرار ، والنقاء والصدق والتاثير والارتباط بالله سبحانه وتعالى !!.

أما ((اقرأ )) القرآنية فهي الكلمة التي تحمل اعجازها بين جوانحها وهي ليست بحاجة الى معجزة تؤكد للبشرية انها من عند الله سبحانه وتعالى ، لانها هي بالفعل معجزة المعجزة ، ولهذا كانت هي هي كلمة الله ومعجزته التي تجلى بها لخلقه في الآن الواحد ومعا !!.



ولو فرضنا ان هذه الكلمة القرآنية (( اقرأ )) عندما هبطت على العظيم محمد لم تحدث اي هزة كيانية لمحمد الرسول ص ولم يهتز امامها محمد الرسول بجوابه المتسائل والنافي ب (( ما اقرأ ؟وما انا بقارئ )) لتعود بضغطة تجليها مرّة اخرى لتطالب محمد الرسول بالقراءة مرّة اخرى بشكل (( اقرأ )) لادركنا انها كلمة لاتحمل اعجازها بين ضلوعها وانها كلمة وحي صحيح لكنها بحاجة الى معجزة تردف من صدقها للعالمين !!.

اما والحال ان كلمة ((اقرأ )) القرآنية هي المعجزة وهي التجلي الالهي والامر الالهي والعظمة الالهية والصدق الالهي لرسالة العظيم محمد ص ، فلا باب لها الا ان تكون فجأة ب ( اقرأ ) لتحدث صدمة التجلّي الالهي لمحمد ص في غار حراء وهو على موعد تلقي وحي ، ليس هو كوحي نوح وابراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام جميعا الذين تلقوا الوحي من الدرجة الثانية التي هي بحاجة الى معاجز ، لترفد من قوتها بل هو وحي معجزة ، مختلف في قوته عن جميع ماكان حاملا من الله سبحانه للبشرية جميعا .... وللفصل بقية !!.

__________________________________

alshakerr@yahoo.com

http://www.blogger.com/profile/06210792549531027877



الخميس، يناير 20، 2011

(( من وعيّ القرآن ... اقرأ )) - 11 - حميد الشاكر

دلالات الانعكاسات الانسانية .... :- اقرأ






ماهي الدلالات والانعكاسات الانسانية الاولى التي خلقتها كلمة القرآن العظيمة(اقرأ) وهي تواجه الانسان الرسول محمد العظيم نيابة عن البشرية جمعاء صلى الله عليه واله لأول وهلة في غار حراء المبارك ؟.



فيما مضى اشرنا للدلالات الفكرية في كون الكلمة القرآنية ( اقرأ ) أثبتت بشكل لالبس فيه انها كلمة أعلى من حيز أن تكون انعكاسا لواقع ، او ايحاءً لنفس هائمة في التفكير في شؤون الانسان والعالم ،والآن نريد ان نفتق زاوية اخرى ترتبط بدلالتها الواقعية الانسانية وكيف انها استطاعت ان تهّزالواقع الانساني القائم من جهة وهي ايضا قادرةعلى اعطائنا العميق من الفكر الذي يؤكد لنا ان هذه الكلمة الاولى من القرآن الكريم هي معجزة الاعجاز القرآنية وبوابة الادراك والفهم للمشروع الاسلامي برمته من جانب آخر !!.



وعلى هذا الاساس كان السؤال حول الانعكاسات الانسانية ، التي خلقتها او احدثتها ( اقرأ ) على الصعيد الرسالي والانساني الواقعي المحمدي يندرج تحت اطارالسؤال عن دلالات اقرأ الواقعية والانسانية وكيف انها اذا قرأت بتأمل فانها ستعطينا الدليل على انها كلمة اتت من خارج الكيانية الانسانية المحمدية ، وانها وحي منزل من السماء ، وانها كلمة الخلاص الالهية التي لايمكن ان تُفترى على الله سبحانه وتعالى !!.



ان ( اقرأ ) القرانية وحسب مايطرحه التاريخ وتقدمه السيرة النبوية ، ويثبته باب اسباب النزول القراني بالاضافة لما تؤكده الكلمة القرانية نفسها كانت هي كلمة الوعي الانسانية الاولى لرسالة السماء اللاهوتية لمحمد بن عبدالله الرسول الخاتم وهذا الوعي والادراك الاولي لكلمة الوحي ( اقرأ ) لمحمد الرسول كان معرّضا ، لهزة عنيفة نفسية وروحية وفكرية تؤكد ان حدث الوحي هنا ليس هو بالحدث الطبيعي الذي كان يتوقعه محمد الرسول او يتوقع حدوثه او الاصح القول ليس هو بالحدث الذي اعتادت عليه النفس المحمدية الطبيعة البشرية فلاريب عندئذ من ان هذه العملية الثقيلة على الروح والطبيعة البشرية تأخذ كل ابعادها في الصراع وفي جدل النفس والفكر الانسانية عندما اطلّت عليها ( اقرأ ) وكان جواب الطبيعة والكينونة والوعي والادراك المحمدي الكريم ، حسب ماتنقله المصادر السيرية والتاريخية والقرآنية ب (ما أقرا ) في رواية ابن هشام في سيرته وفي رواية البخاري الاخرى كان جوابه صلى الله عليه واله وسلم لكلمة الوحي الاولى ب (ما انا بقارئ ) !!.



ومنذ رواية اهل الحديث والسير والتاريخ ، للكلمة القرآنية الاولى (( اقرأ )) نجد انفسنا أمام مسارين فكريين لفهم الانعكاس الانساني المحمدي لكلمة الوحي الالهية اقرأ ، وهذان المساران هما :

الاول : هو في فهم ردّة فعل العظيم محمد ص عندما اجاب كلمة الوحي السماوية اقرأ ب (ما اقرأ ) ؟.

الثاني : وهو فهم معاني الرواية الاخرى ، التي ذكرت انعكاس كلمة الوحي الالهية اقرأ وجواب الرسول محمد ص ب ( ما انا بقارئ ) !!.



فلاريب ان الصيغة الاولى لجواب الرسول محمد ص (ما اقرأ ؟) هي صيغة استفهامية لفحوى الامر الالهي ومعناها ان العظيم محمد ص كان يحاول ان يسأل وهو يجابه الامر الالهي ب( اقرأ ) عن ماهية المقروء ، وكيفيته وصيغته ، ليستطيع ان يقرأه عندئذ بالسؤال عن ما اقرأ !!.

أما صيغة ( ما انا بقارئ ) المحمدية الانسانية الرسالية ، فقد كانت صيغة نفي لمادة القراءة من الاساس ، ويكون معناها في جواب العظيم محمد ص ، لوحي السماء النازل بالامر (اقرأ) بانه لم اكن احد القارئين ليأمرني الوحي بالقراءة فانا رجل أمي لااقرأ ولا اكتب ليطلب مني القراءة ، ولهذا جاء جواب العظيم محمد ص بالنفي لمادة القراءة بقوله ص : ما انا بقارئ !.



وطبعا لاشك ان صيغة ردّة الفعل الرسولية الاستفهامية الاولى ، مختلفة تماما عن صيغة النفي او ردة الفعل الرسولية الثانية ليس فقط من حيث الصيغة بل وكذالك من حيث المضمون ايضافاذا قلنا بمضمون السؤال ب(ما اقرأ) نحن نقترب الى المدرسة التي تقول ان محمدا الرسول ص كان قارئا وكاتبا ولم يكن رجلا اميا ، كما تدعي بعض الاراء ، والدليل ان العظيم محمد ص وفي بداية نزول الوحي السماوي له ، كان يسأل عن ماهية المقروء ، الذي كان ينبغي ان يقرأه عندما امره الوحي ب (اقرأ) واجاب (ما اقرأ ) ولم يكن ينفي تمكنه من القراءة وهذا يدفع من يقول ان محمدا الرسول لم يكن قارئا بل كان اميا ابّان بعثته بالرسالة !!.

وهذا الرأي مخالف للراي المشهور من ان العظيم محمد الرسول كان رجلا اميّا ابّان بعثته الرسالية المباركة والدليل على ذالك ان محمدا الرسول ص ، ومنذ اول كلمة وحي أمرته بالقراءة كان جوابه صريحا وواضحا انه رجل ليس بقارئ عندما قال (ما انا بقارئ ) كما ان هناك الكثير من الايات تدلل على ان العظيم محمد ص لم يكن قارئا ولاكاتبا (( ما كنت تتلوا من قبله من كتاب ولاتخطه بيمينك اذا لارتاب المبطلون )) !.



وبهذا ادركنا اول الفروق التي جابهتنا في رواية ردّة الفعل الانسانية للكلمة القرآنية ( اقرأ ) ، وانها احدثت زاويتين فكريتين انسانيتين لتسلط اضوائها عليها ، وهي زوايا : هل كان محمدا الرسول ص قارئا عندما خاطبه الوحي الالهي بأمر: (اقرأ) ؟. ام انه كان رجلا أميا لايقرأ ولايكتب بدليل ( ما انا بقارئ ) ؟.



ثم وبعد ذالك وحسب ماترويه كتب التاريخ والسير واسباب النزول القرآنية لحادث نزول اول كلمة من الوحي الالهي الى عالم الانسان (اقرأ ) يحدثنا التاريخ ان كلمة الوحي هذه وبأمرها الالهي المباشر بالقراءة للرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم قد تكررت لمرّة ثانية بهبوطها على العظيم محمد ص ولم تكتفي بالهبوط الاول وامرها للعظيم محمد ، وجواب الرسول محمد لها بما اقرأ او ما انا بقارئ ، لتكرر عليه المطلب من جديد وتأمره مرّة ثانية ب (( اقرأ )) !!.



فياترى ما معنى ان تتكرر كلمة الوحي الالهية النازلة ( اقرأ ) على محمد الرسول ص مرة اخرى ، مع ان محمدا الرسول قد سأل ب(( ما اقرأ )) او نفى علمه بحروف القراءة والكتابة ب (( ما انا بقارئ ))؟؟.

فلماذا عندئذ كرر صاحب الوحي طلب القراءة من محمد الذي سأل واجاب من جديد ؟.

هل لان المطلوب من الوحي لم يدركه المتلقي العظيم محمد صلى الله عليه واله وسلّم ولهذا كرر الوحي الطلب من جديد ؟.

أم ان جواب محمد الرسول ص كان كاملا وتامّا على طلب الوحي وامره بالقراءة ، لكنّ الوحي اراد التاكيد ليتهيئ المتلقي لقراءة جديدة ليس هي قراءة الحرف والكتاب بقدر ماهي قراءة الوحي والترتيل لاغير ؟.

_______________________



alshakerr@yahoo.com

http://www.blogger.com/profile/06210792549531027877

الاثنين، يناير 17، 2011

(( الحب والرعب في النظرية السياسية !)).

في كتاب الامير لمكيافلي كان يطرح سؤالا جوهريا لادارة الحياة السياسية لحقبة القرون الوسطى الاوربية وهو: لوخيّرالامير بين ان تحبه رعيته وتطيعه او ان تهابه وتخشاه وتخاف منه وتطيعه رعبا ، فهل سيختار خوف ورعب الرعية منه ؟.


أم سيختار لسياسته حب الرعية وانجذابهم العاطفي نحوه ؟.



كان ميكيافلي يشدد بحرص على اميره ان يختار سياسة الرعب لرعيته والخوف منه ،على ان يفضل سياسة الحب والتعاطف نحوه ،وذالك لفلسفة ميكيافلي العقلية والبسيطة في الان الواحد وهي : ان سياسة الرعب والخوف عندما تسيطر على الرعية يكون زمام ادارتهم وطاعتهم بيد الامير يحركها بالخوف كيفما يشاء !!.

أما ان كانت سياسة الرعية بالحب تُدار ، وبالتوافق تلعب ، فسيكون حتما امر الراعي والامير كله مناط بارادة الرعية وحبهم ووطاعتهم الرخوة وليس بارادة الامير وقراره وحزمه !!.

وفرق عظيم بين ان يحكم الامير امره بيده وبتدبيره لاغير وبربان واحد للسفينة وبطاعة مضمونة من الرعية المرعوبة منه ومن بطشه !!.

وبين ان يضع الامير قدره ونجاحه بيد الرعية وقرارهم ويعتمد على حبهم في طاعته والدفاع عنه ،ففي الحكمة القديمة يحكى انه تصارع تنين الخوف داخل الانسان وزهرة الحب في قلبه فماكانت الا الغلبة والانتصارللخوف والرعب على الحب والعاطفة لان الرعب اكثر تاثيرا على مسار حياة الانسان وانقياده له من الحب ، وقليل هم اؤلئك من يتمتعون بالشجاعة ليدافعوا من اجل حبهم ومبادئهم وبكامل حريتهم بعكس كثير من اولئك الذين يفضلون العيش كجبناء لكنهم على اي حال احياء يتنفسون الهواء !!.



من هذه الفلسفة السياسية تمتع كتاب الامير بشهرة لانظيرلها في عالمنا العربي الحديث على اساس قاعدة الواقعية السياسية التي روج لها الاعلام العربي السياسي بشكل كبير في حقبة قيام الدول في العصر الحديث مابعد الحرب العالمية الثانية ، ومن خلال هذه القواعد تشكلت معالم العالم الجديد لنظمنا السياسية العربية الشيوعية ومن ثم القومية وهكذا حتى اليوم في النظم القبلية والملكية وغير ذالك وهي معتمدة تماما على ميراث الفلسفة السياسية الغربية للقرون الوسطى التي تناقش فن الادارة السياسية من خلال انعكاسها النفسي للفرد الانساني وكيفية قياده بسلاسة وسهولة وطاعة للنظم السياسية القائمة والمهيمنة على البلاد والعباد بدون ان يكون له اي اعتراض على هذه الادارة !!.



وحتى بعد ان تطور الغرّب القديم وانتقل الى عالمه الصناعي ، لتتحول معه منظومته السياسية كلها من افكار الظلام الغربية القرووسطية الى الافكار الراسمالية الديمقراطية ، التي تنتهج خداع الانسان في ادارته بدلا من قهره واخضاعه بشكل ارهابي ووحشي ، بقي عالمنا العربي الاسلامي أسير تراث ذاك العالم الغربي الفكري القديم ، المنبهر بكل ماهو قادم من الغرب وعبر بوابته الاعجمية ، او منقول على السنتهم وهو يمتلك مطلق الايمان بنظرية الاستبداد السياسية ، التي تمكن الامير من قيادة المجتمع بيد من حديد لاتسأله عما يفعل وهو يسأل من يشاء ويحاسب من يريد على امل ان يقفوا ما سار به القوم الغربيين حذو النعل بالنعل عسى ولعل يصل الى اسباب القوّة والتقدم واستمرار الامارة والحكم له ولذريته من بعده !!.



لكن مافات المنظرين السياسيين والمفكرين الشيوعيين والقوميين من العرب المحدثين وعاظ السلاطين ، ان ماذكرته الفلسفة الميكيافلية في الامير وسطوته ، هي نصف الحقيقة التي كانت هي الحقيقة المطلقة لقرون اوربا الوسطى ، اما تمام الحقيقة للنظريةالسياسية الراشدة لادارة الشعوب والمجتمعات فهي ان للرعب والخوف والرهبة داخل اي انسان في هذا العالم منسوب ينتهي عنده ، وعلى الامير ان يدرك ان ليس بالرعب وحده يتمكن من اخضاع الانسان وقياده وضمان طاعته الى الابد وانما بالحب تعيش الاوطان وبدفاع الشعوب تقوى وتستمر البلدان !!.



الحب ذالك السرّ الذي شيطنته الفلسفة السياسية الميكافيلية هوالوحيد الذي عندمايجد الجد يفرض معادلته بين الامير والرعية والحاكم والمحكوم والتجربة والشعب !.



في تجربتنا العربية السياسية الحديثة وصل الرعب السياسي والارهاب السلطوي الى درجات حولت من الانسان العربي مدمن خوف ورعب الى ان وصل الى حالة عدم الشعور اصلا بهذا الرعب والخوف ، فوقف امام الموت وهو لايملك فكرة عن قيمة للحياة فاطاح بالامير ودمر ماحوله وذهب الى ماذهب غير آسف على شيئ يذكر !!.

إن اخطرمايعيب سياسة الرعب والارهاب في النظرية السياسية انها كلما مورست لتضبط المجتمع وطاعته للسلطان اكثر كلما جاءت نتائج مفعول دواء الرعب بعكس مايريده الامير والحاكم اكثر فاكثر ، الى ان يصل متعاطي حبوب الرعب السياسية الى حالة الهلوسة والموت الحقيقي امام الشعور بالرعب والخوف منه ، وعندها تتحول سياسة الرعب على الامير كارثة حقيقية لاتبقي له لاسلطان ولاتاج على راسه ولا حكم ولاعنوان !!.

وهذا بعكس نظرية الحب ، والتوافق السياسية بين الامير ورعيته ، التي وان كانت هي للنخبة من المجتمع اقرب منها لعوام الناس ودهمائهم ، لكنها وعلى اي حال تشعر الرعية ان النظام القائم مكتوب باسمهم ، وانهم الملزمين بالدفاع عنه لتمثيلهم وتمثيل مصالحهم وارادتهم واذا حلّ بالامير ما يداهمه من خطر هبت الرعية للدفاع عنه حبا ، والذي هو حب الرعية لنفسها اولا ولمصالحها ثانيا ولما يمثله الامير لهم ثالثا !!.



إن الحب فعلا اطول عمرا من الرعب والكراهية ، وان كان هو الاضعف غصنا في شجرة السياسة ، لكنه الامضى حدا من نار الخوف والشيطنة !.



(( مختارنامه ... وتيه الدراما العراقية المزمن !.)) حميد الشاكر

(1)


مختار نامه



بدأت فضائية الدراما الايرانية ( آفيلم ) بعرض مسلسلها التاريخي الجديد ( المختار الثقفي ) وهو مسلسل يتناول حياة شخصية عربية ثورية بارزة عرفت بمطالبتها بحق الحسين بن علي عليه السلام بالاقتصاص من قتلته والخائنين لحوزته والمرتدين على ادبارهم القهقرى عن الاسلام وهو المختار الثقفي ، وحتى قبل ان يُعرض المسلسل بترجمته العربية او الانجليزية فانه قد اثار الكثير من المياه العربية والاسلامية الدرامية والسياسية والفكرية الراكدة على الصعد الكثيرة لتتصدى بعنف وبنقد وبترحيب او بترهيب لهذا المسلسل الذي يتناول حقبة من اخطر حقب التاريخ الاسلامي والعربي على الاطلاق !!.



والحقيقة ان مسلسل مختار نامه لم يكن هو الاول الذي الذي اضاف للفن الايراني الدرامي الصاعد نقلة نوعية جديدة تضاف لهذا الفن الخطير ، بل ولم يكن هو المسلسل الاول الذي قدم الدراما الفنية الايرانية للعالم العربي والاسلامي على اساس انها من اخطر الدرامات الفنية في المنطقة والعالم ، بل كانت هناك جهود فنية حثيثة قد سبقت هذا المسلسل التاريخي الاشكالي قد قدمتها الدراما الايرانية واستطاعت اختراق الجغرافية الايرانية والوصول او الهيمنة على عوالم فنية عربية واسلامية وعالمية اخرى ، حتى اصبح مسلسل ( يوسف الصديق ) حديث البيوت العربية والافريقية والاسلامية ، وكذا الفن السابع للسينما الايرانية وهي التي تنتظر تقديم اضخم عمل سينمائي تاريخي ديني ( مملكة سليمان ) التي استطاعت وبجدارة ان تثبت لونا جديدا ومختلفا في هذا الفن اثبتت ايضا شخصيتها الفنية المميزة في العالم كله من خلال ما تطرحه من شكل فني مميز واصيل ويحمل بصمات ايران وهوية وشخصيتها الوطنية الغير مرقعة بهويات فنية مستوردة من هنا غربيا او هناك شرقيا !!.



مختار نامة هو حلقة في سلسلة من الدراما الايرانية الاسلامية والدينية التاريخية التي لم تكن وليدة اليوم او وليدة الثورة الاسلامية في ايران على يد الامام الخميني قدس مع اعترافنا ان عصر الاسلام هو من صقل الفن وشخصيته في ايران اليوم وقدمها بهذا الصفاء والثقة والابداع الفطري الفني ، بل كان ولم يزل الايرانيون وحتى في زمن المقبور الحكم الشاهنشاهي ، هم اصحاب صناعة الدراما التاريخية والمعاصرة التي انتجت الكثير من الاعمال الدرامية ولاسيما التي ارخت لتاريخ اهل البيت عليهم السلام وعرضت مظلومياتهم بشكل لانظير له في العالم الاسلامي وحتى في العراق مهد وبداية ونهاية اهل بيت النبوة والعصمة عليهم السلام ، فقد كان الايرانيون في سبق تاريخي بعيد ببلورة الدراما الفنية وخدمتها لقضايا اهل البيت الاسلامية بشكل واعي وواقعي ودرامي ومتطور ولكن بنكهته الايرانية المعروفة !!.



طبعا لايمكننا الان تناول ما طرحه مسلسل مختار نامه الايراني الكبير بكل ابعاده والذي استغرق تسع سنوات متوالية من العمل قبل اخراجه للحياة وللمشاهد الايراني والعربي والاسلامي لكي يتمتع برؤياه وينتفع بفحواه ، ولايمكننا ايضا ان نقيّم الاداء الفني ولا الفكرة التي يحاول المسلسل طرحها ، ولا الصناعة الفنية الدرامية وكيفية تطورها في هذا العمل ولا اداء الفنانين ولا السيناريو ولا ضخامة الانتاج ولا ابداع الصورة ، ولا عبقرية الاخراج ....الخ ، فكل هذا ينبغي ان يتحدث حوله اهل الاختصاص من ممتهني الفن وعارفي خبايا أزقته ، لكن مانريد الاشارة اليه هو جانب من الفكرة العامة داخل هذا العمل ، وكيف انها فكرة جريئة وواقعية وبسيطة بنفس الوقت بحيث ان المسلسل طرح الكثير من الاشكاليات في تاريخنا العربي والاسلامي لاسيما منها الابعاد القومية لهذا التاريخ بين ماهو ايراني واخر عربي ، والابعاد الطائفية ، وكذا الابعاد حتى الاجتماعية والانسانية لحقبة المختار الثقفي صاحب ثورة التوبة والطلب بثأر الحسين عليه السلام !!.



فالمسلسل وبلا مواربة ناقش هذه الابعاد بروح واقعية وبنظرة تحاول وضع الامور في انصبتها الانسانية الطبيعية ليقول هكذا هو الانسان العربي والايراني في التاريخ وحتى اليوم فيه الطيب المنفتح الكبير بكبر الاسلام وروحه حتى وان كان عربيا او ايرانيا يتسامى على الابعاد القومية والطائفية الضيقة ، وفيها الردئ والتافه وإن كان ايرانيا او عربيا على جميع المستويات التي تبدأ بالانسانية ولاتنتهي عند الاخلاقية !!.



ونعم من الصعب تناول حقبة يرى فيها فريق من المسلمين عرب وغير عرب انها يجب ان لاتمس باي لمسة بشرية تظهرها على واقعها الاخلاقي المتردي والاسلامي الميت بسبب تقديس مدرسة اسلاموية معينة لشخوص تاريخية ترى فيهم انها مرجعيتها الدينية وحتى وان قتلت سيد شباب اهل الجنة وخانت الاسلام وبايعت الكافرين والمرتدين عن الاسلام كامراء وخلفاء وملوك لهذه الامة فهم يبقون في هذه المدرسة اولياء امور وقادة وساسة وكبراء لهم ، لكن مع ذالك ومنذ زمن طويل عُرف عن الدراما الفنية التاريخية الايرانية انها دراما لاتأخذها في الانتصار لاهل البيت عليهم السلام وقضاياهم المصيرية الاسلامية وحقهم لومة لائم فطرحت مختار نامه برؤية ايرانية خالصة نحو قضية الثورة الحسينية ودور المختار الثقفي قبلها وفيها وبعدها الى يوم استشهاده رض !!.



*****************



(2)

تيه الدراما العراقية المزمن



اذا سألنا حقيقة ما الذي يمكن ان نذكره من الدراما العراقية الفنية التاريخية وغير التاريخية حتى اليوم ؟.



في الدراما التاريخية الاسلامية يجب ان يخجل الفن العراقي الدرامي حتى من رفع راسه في هذا المضمار ، مع ان عمر الفن الدرامي العراقي ربما حتى يفوق اعمار جميع الدول العربية والفنية في هذا المجال ، اما غير الفن الدرامي التاريخي فيمكن اختصار فن الدراما العراقي بعمل او عملين لاغير ، وحتى هذه الاعمال على مستوى الجمهور المتلقي لايكاد الفرد العراقي يذكر منها الا ماهو تافه وعالق في ذاكرة الجمهور العراقي فحسب ، اما على المستوى العربي او الاسلامي او العالمي فارجوا ان لايطرح مثل هذا السؤال على الفن العراقي لانني اشعر بالتضائل اذا عُدّت الدول في انتاج الفن واخراجه وتورخته والكتابة اليه ..... الخ وجاء دور العراق وفنه ليكرم تعطفا من هذا المهرجان او ذاك لاسباب انسانية وليست فنية او واقعية ابدا !!.



لماذا وماهو السبب الذي جعل الدراما والفن العراقي بهذا المستوى المنعدم ولا اقول المتأخر على جميع الاصعدة ؟.



واذا ماكانت الثلاثين سنة الاخيرة من حياة الفن الدرامي العراقي خضعت لضغوط سياسية غير طبيعية لحكم البعث المقبور الذي استطاع قتل روح الابداع الفني الدرامي في العراق ، فماهو العذر بمن يقلب تاريخ الدراما العراقية منذ البداية حتى اليوم فلايجد شيئا حتى يصلح ليكون نقطة انطلاق جديدة لهذا الفن الذي اذا حسب الفن في العالم لاذكر يُذكر لوجوده ؟.



هل الاشكالية الفنية وبالخصوص الدرامية التاريخية والمعاصرة تكمن في بدايات هذا الفن في هذا الوطن ؟.

ام اشكالية تيهه المزمنة كانت في نتائجه وما وصل اليه هذا الفن العراقي من كارثة انعكست حتى على عدم قدرته من التعبير عن مآساة شعبه وما مرّ عليه في الوقت الحاضرمن كوارث وارهاب وذبح وحرق وتفخيخ لجسده العاري في الطرقات ؟.



يبدو لي انا غير المختص بالقضايا الفنية العراقية ، ولكنني المتابع للشأن العراقي العام ، ان اشكالية هذا الفن وانعكاس عجزه الواضح في اثبات وجوده فضلا عن ابراز هذا الوجود وقدرته على المنافسة الاقليمية او العالمية ، تكمن في بداياته الاولى التي اسست لحجر الاساس للفن العراقي الدرامي وغير الدرامي ووضعت له الايدلوجيا الفنية العراقية التي ينبغي ان يسير عليها ، فتاريخ العراق كما هو معلوم يكتب باسم السياسة وتقلباتها الفجائية في العراق ، ومع الاسف في العراق الحديث كل شيئ بدا وكأنه تابع للمؤسسة السياسية بما في ذالك الفن الدرامي العراقي الذي ايضا ولد مع قيام الدولة العراقية الحديثة ، لكنه لم يستطع هذا الفن بعد ادراكه لمعنى المؤسساتية ان يقيم لكيانه الفني مؤسسة تعنى به وبجهوده وبتاريخه وبابداعه وبكيفية ادارته مع الاسف بعيدا عن مؤسسة السياسة والحكم بل بقي رواد الفن العراقي وقادته والمفكرين بداخله اسرى نزعة الطفولة الدائمية لهذه الدولة والحكم ورعايته الابوية بدون الانتباه الى مرحلة الفطام وكيفية صناعة الفن في العراق من خلال مؤسسة الفن المستقلة او القابلة لنوع من الاستقلال عن توجهات الدولة والحكم القائم في العراق ، وهكذا بقى الفن رهين خدمة السياسة والدولة في العراق ، حتى في تقلبات هذه السياسة وتوجهاتها الايدلوجية كان الفن العراقي بصورة عامة والفن الدرامي العراقي بصورة خاصة اسير وتابع لتلك التقلبات السياسية العراقية المزمنة ، بل وانعكاس عن هذه التقلبات السياسية ايضا في العراق !!.



في العهد الملكي كان الفن العراقي ليبراليا اقطاعيا راسماليا بامتياز ، وعندما تحولت سياسة العراق للجمهورية ، تحول معها الفن العراقي لشيوعية اممية الى حد العظم والنخاع في خمسينات القرن المنصرم ، واشاد ايدلوجيته الفنية ، ونظّر لمسيرته الدرامية وغير الدرامية بهذا الاطار وعلى هذا الاساس ، اما عندما جاء انقلاب 1963م وبعده انقلاب البعث 1968م فلم يكن الامر مختلفا ابدا بالنسبة لانقلابات الفن الدرامي وغير الدرامي في العراق ، فقد تحول الفن العراقي قبليا مع تحول ابوة الدولة له ليصبح وحدويا وصاحب نظرية في الحرية وبنكهة اشتراكية ليستمر في طريقه الجديد في خدمة ولي امره المعتاد في توجهات الدولة وكيفية خدمة هذا الفن للوضع السياسي القائم حتى اليوم !!.



وبهذا المعنى يمكننا الجزم بان الفن الدرامي العراقي لم يكن في يوم من ايامه الطويلة في تاريخ العراق الحديث انعكاس لجمهوره العراقي وتطلعاته والامه ومايعانيه ابدا ليصيغ لنا دراما واقعية اجتماعية غير مسيسة الا للفن باعتباره ابداع ، وانما جلّ واعظم مايمكن ان يقال في هذا الفن ورواده وقادته والقائمين على صناعته انهم كانوا مجرد موظفي سياسة او عاملي في دوائر الدولة وتوجهاتها لغرض كيفية توجيه الدراما العراقية لخدمة هذه الدولة وكيفية ادامة الاستمرار لها !!.

نعم من جانب اخر يبرز ملمح فقدان الفن العراقي من جراء تبعيته للسياسة وللدولة وتقلباتها في العراق للمؤسسة المستقلة عن الدولة ايضا ، والذي تضمن الاستقلالية لشخصية الفن العراقي من جهة وتساهم بالقيام بوظيفة الفن باعتباره تعبير عن المجتمعية وعن جمهور الوطن من جانب اخر !!.



وهذه الحقيقة مع الاسف في تبعية الفن في العراق للدولة ، وعدم صناعة قادة الفن الاوائل في العراق لمؤسسة فنية تعنى بشؤون الفن كفن ينبغي ان يحاكي المجتمع وتطوراته بدلا من محاكاة السياسة ومتطلباتها هي مابرز بشكل فاضح ومربك للفن العراقي اليوم عندما سقطت هيمنة الدولة وهيمنة السلطة بداخلها وبدأ العراقيون ببناء نموذج سياسي حرّ ومدني ومؤسساتي عندئذ وجد الفن العراقي نفسه في تيه اسرائيلي حقيقي وفي صحراء ليس لها ملامح غير سراب الرمال ، فهو فن بُني على ان يكون خادما في قصر دولة ، وطفلا بحاجة الى رعاية ومؤسسة تضخ له المال والروح والرؤية لتوجهات الفن العراقي ، فاذا به في العراق الجديد مطالبا بان يعتمد على نفسه وعلى مؤسسته الفنية التي كان من المفروض ان يكون باني لها منذ تاسيبس الدولة العراقية الحديثة وحتى اليوم !!.



الواقع انني استمعت لكثير من قادة الفن العراقي والممارسين له من اهل الفن بعد التغيير الذي حصل في العراق الجديد وهم يطالبون الدولة بمزيد من الدعم المالي للنهوض بالفن الدرامي العراقي من كبوته او من موته على الاصح ، وانا شخصيا اتعاطف مع هذه المطالب الفنية المشروعة مع اختلاف وجهة نظري في موضوع الفن والمؤسسة وضرورة الاستقلال او فصل الفن عن الدولة ، ولكن مع ذالك ولادراكنا ان اشكالية الفن الدرامي في العراق اليوم هي وليدة تاريخ فاشل لتاسيس الفن العراقي كمؤسسة منذ البداية ، وان اباء الفن العراقي كانوا مجرد خونة لرسالة الفن الرسالية عندما جيروا الفن لصالح الدولة ، لكن مع ذالك ينبغي اليوم على الدولة ان تساهم برفد الفن من خلال اعطائه حيز الدعم لاغير ، اما البداية ببناء مؤسسة للفن مستقلة ومخطط لها لتكون انعكاس للمجتمع العراقي وكيفية تطويره وخدمته لاغير ، فهذه المهمة تلقى على عاتق اصحاب الشأن في الفن العراقي الجديد ، وعلى هذه القيادات ان تدرك انها ينبغي انتبدأ من الصفر في بناء مؤسسة الفن المستقلة وبرؤية مختلفة عن ما ورثوه تاريخيا ، بل ربما ننصح قادة الفن في العراق ان يكفروا بموروثهم الفني التاريخي ليتمكنوا من الايمان بالفن كمؤسسة جديدة وبرؤى مختلفة وعلى اصول تبني للفن العراقي باعتباره ملكا للامة العراقية وليس شرطيا على باب هذا الحاكم او ذالك ليكون الفن الدرامي العراقي حقيقة هو انعكاس للمجتمع العراقي وبكل مايحمله هذا الشعب من عقائد ومقدسات واخلاق وتطلعات وتاريخ وحضارة وغير ذالك ولايكون الفن العراقي رهين ايدلوجيا شيوعية او قومية او راسمالية اقطاعية اخر ماتفكر فيه هو هوية مجتمعها كما هي كائنة وكيفية خدمة هذه الهوية وتطوير شخصيتها محليا !!.



ومن هنا يمكننا كعراقيين بالحلم ببناء فن عراقي لانخجل منه في المستقبل يحمل هويتنا وشخصيتنا كعراقيين ليطرحها امام العراقيين انفسهم اولا وامام الاقليم والعالم ثانيا !!.



في تاريخ العراق الفني ولهذا اليوم لم يصنع هذا الفن التائه اي دراما تاريخية دينية تطفوا عليها النكهة العراقية لتتناول حياة وحدا من ائمة اهل البيت عليهم السلام المقدسين والمتواجدين في العراق منذ الف واربعمائة عام ، وهذا ان دلّ على شيئ فانما يدل على غربة هذا الفن وتبنيه لايدلوجيات سياسية وفكرية تغريبية لاعلاقة لها بالشعب العراقي مطلقا !!.



نحن اليوم نشاهد دراما فنية ايرانية تخطط لتغطية الدراما التاريخية الاسلامية منذ ادم حتى المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف في اخر الزمان خدمة لمقدسات الشعب الايراني وتاريخه العظيم ، فياترى هل سيضع المخطط الفني العراقي في حسابه ان يفكر بان يصنع دراما تاريخية اسلامية بنكهة عراقية تعكس مقدسات الشعب العراقي ومايؤمن به بصورة فنية تظهر كل الابداع الفني العراقي بمثل هذه الاعمال التي تؤثر على الاقليم والعالم ؟.

أم اننا وحتى بعد ان تغير العراق كله يحاول اهل الفن ارجاع العراقيين برؤية رجعية ايدلوجية متخلفة الى صناعة فن لايمت بصلة للعراق وشعبه ومجتمعه ومقدساته وكل ما يختص بشؤوت الفرد والجماعة في العراق لنرى فنا لايدرك غير الاباحية والسفاسف والتفاهة والرقص ... وكل ما تشمئز منه الروح الانسانية العراقية التواقة لرؤية فن فيه صورة وصوت وسيناريو واداء واخراج وانتاج له قيمة ليفتخر به الفن العراقي الجديد !!.



اخيرا ايها الاحبة في قيادات الفن العراقي الجديد ، الفن لايمكن ادلجته بايدلوجيا فكرية قومية او راسمالية ديمقراطية او شيوعية رجعية دكتاتورية بائدة ...غير ايدلوجية الشعب والمجتمع الذي ينتمي له ، والفن رسالة لتعميق هوية الشعب وابراز شخصيته بابداع بامكانه تحويل القبيح جميلا في حركة المجتمع وعاداته واعرافه ، والفن يموت اذا لم يربط ببحر المجتمع وتحركاته ليكون ماء الفن متصلا برافد المجتمع الممول الحقيقي لديمومته وابداعه وعدم انقطاعه ، والفن مؤسسة مستقلة ترتكن في ظهرها الى المجتمع وتنحاز لقضاياه وليس لقضايا ايدلوجية بعيدة عن تفكيره وتطلعاته وهمومه ، والفن ليس سياسة فحسب ، ولاصالونات راقية لاغير ، انما الفن مرآة لامة تريد وتحاول ان ترى نفسها وملامح وقسمات شخصيتها من خلالها ، فلايمكن والحال هذه ان لانرى اي ملمح من ملامح مقدسات وتاريخ واعراف وتقاليد هذا المجتمع بارزة في خطوط الفن العراقي الجديد !!.



نعم بملئ الفن نريد دراما تؤرخ لتاريخنا العراقي الاسلامي تتناول شخصية مختار الثقفي بنكهة ورؤية عراقية ، او شخصية البطل العراقي مالك الاشتر رضوان الله عليه الذي كان لعلي كما كان علي لرسول الله ص ، ونريد دراما عالية التقنية الفنية تؤرخ لنبي الله ابراهيم ع ابن اور الناصرية وهي تحاول ان ترسم اب من اباء العراقيين الحقيقيين الذين ربط اسم العراق بهم ، ونأمل بدراما عراقية واقعية وعالية الجودة في السيناريوا والانتاج والاخراج والصورة تطرح لنا شخصية علي بن ابي طالب وكل ماخطه هذا الخليفة الالهي العظيم ....، نريد دراما فنية عراقية تدرك قيمة ان يكون الفن تاريخا وحياة ومؤسسة اعظم تاثيرا من ثورات السيوف والدبابات عندما تقتحم البيوت لتبشر لانسان عراقي وابداعه ومعتقداته واعرافه وتقاليده هو قادم من خلال الفن وليس من خلال اي شيئ اخر !!.







______________________________________

http://www.blogger.com/profile/06210792549531027877







الخميس، يناير 13، 2011

(( من وعيّ القرآن .... اقرأ )) - 10 - حميد الشاكر

دلالة الوحي ....:- اقرأ .




يرى البعض من المفكرين ( وخاصة المستشرقين منهم ) والدارسين لظاهرة الوحي اللاهوتية السماوية ، ان هذه الظاهرة ما هي الا عبارة عن ظاهرة بشرية نفسية بحتة وليست لها اي اتصال وصلة واقعية بعالم ماوراء الطبيعة اوعالم الغيب الالهي وانما هي عملية نفسية متكررة تلهم الانسان المتأمل والمُفكر نوعا من الذوبان في العالم المتفكر والمتأمل فيه ، حتى وصوله الى حالة الاعتقاد الجازمة بان العالم الغيبي او عالم ماوراء المادة والواقع قد انفتح عليه بعملية وحي مباشرة لتحّمله رسالة الهامات وخلاص وانقاذ لعالمه الانساني فيصبح هذا الانسان المتأمل والمفكر بحالة شبه يقينية بهذا الاتصال اللاهوتي ويغيب عن ذهنه تماما انه الهام ووحي من ذاكرته المتأملة والمتقدة تفكيرا والمنعكسة اجتماعيا لاسيما ان هذا الانسان المتأمل يصل الى حالة من الفكر النقدي لكل الاوضاع الانسانية القائمة في عصره بحيث تنتابه حالة من الرفض والتطلع للتغيير والاصلاح الاجتماعي الجذري في مجتمعه ، الذي يعيش فيه ، ويتحرك من حوله ، ولذالك يطرح مشاريعه الاصلاحية الفكرية والتغييرية الاجتماعية بالاضافة الى تأملاته الفلسفية كدين مقدس وطاهروكبرنامج اجتماع شامل وكرؤية لاهوتية كونية نازلة من الاعلى والمطلق والكامل ؟!.



والحقيقة ان مثل هذه الرؤى ، لموضوعة الوحي اللاهوتي بصورة عامة وللوحي الاسلامي الخاتم بصورة خاصة ، وان كانت قريبةللتحليل النفسي المادي الواقعي الحديث لاغيرالا انهارؤى إن دققنافيها فكريا فسنجد انها رؤى محلقة في الخيال اكثرمنها دراسةلواقع موضوعي فيه مقدمات ويحمل في داخله نتائج لاسيما ان درسناموضوعة الوحي بكل حيثياتها التاريخية المذكورة لوحي السماء واختصرناها بوحي السماء الخاتم ، والممثل بوحي الرسالة الاسلامية على يد العظيم محمد رسول الله صلى الله عليه واله فاننا سنصل لاريب الى نتائج حتمية تطيح بكل هذا التصور النفسي المادي لظاهرة الوحي والنبوة واتصالها بماهو فوق المادة والمحيط الاجتماعي !!.

إن من الطبيعي وحسب الرؤية النفسية المطروحة انفا ان تكون(عملية التأمل والتفكير) للنبي اوالرسول اوالذي يدّعي صلته بالغيب وبماوراء الطبيعة هي المعادلة التي من خلالهانتمكن من دراسة ظاهرة الوحي الرسالية السماوية باعتباران كل الوحي ماهو الا (انتاج فكري وعقلي ونفسي ) حسب هذه المعطيات التحليلية النفسية المادية التي ترى في ظاهرة الوحي انها عملية تأمل نفسية وفكرية بشرية فحسب ، وليس لما هو فوق الواقع والمادة اي دخل في صياغة ظاهرة الوحي والنبوة ، وعلى هذا الاساس كان الفكر والتأمل وماينعكس عن الواقع داخلهما هما مواد الدراسة التي تحاول فهم ظاهرة الوحي والرسالة واذا ما اراد اي محلل ان يدرك ماهية ظاهرة الوحي بطبيعة هذا المنهج ، فعليه البدء اولا بمنتوج هذا الوحي ليسأل عن اول كلمة فيه ما كانت ؟.

وعن ماهية صياغتها الفكرية والتأملية والى ماذا تشير ؟.

وكيف بدأت هذه الكلمة الاولى ؟.

ويتخذ من هذه الخطوات الاولى مادة بحثه ودرسه النفسي ليصل من ثم الى استنتاجاته النفسية التي تؤكد له هل إن الوحي وظاهرته بالفعل كانت ظاهرة بشرية مادية انعكست على ذهن المتنبئ لاغير ؟؟.

اوانها ظاهرة صحيح انها بشرية لكن جذورها تغايرفي معطياتها المادية معطيات ان تكون انعكاس للواقع المادي والاجتماعي القائم ؟.

وعلى هذا الاساس كان ضروريا جدا ان ندرك اول كلمة في الوحي السماوي الاسلامي الخاتم باعتبارها مفتاح ودليل وبرهان على ظاهرة الوحي وهل كونها هي بالفعل نفسية مادية او انها غير مادية اولا ؟.

وثانيا ان ندرك صياغة هذه الكلمة وماهيتها باعتبار ان الواقع المادي الاجتماعي القائم لحياة الرسول والنبي وصاحب ادعاء الوحي والالهام حتما سيعكس متطلباته على هذا الرسول ، ليكون نسخة طبق الاصل الاجتماعي القائم ، والذي يملي متطلباته وحاجاته على هذا الرسول ؟.

والآن ماهي اول كلمة في وحي السماء الاسلامي الخاتم ؟.

وهل هي كلمة تؤكد انها انعكاس لواقع اجتماعي مادي قائم ؟.

ام انها كانت كلمة اطاحت بوحيها بمعادلة الانعكاس الحتمي بين مادية المجتمع القائمة ، وبين فكر الانسان وتأملاته النفسية لتؤكد دلالة انها وحي نزل مما فوق الواقع والمادة ؟.

يتفق النقل والرواية الصحيحة تقريبا على ان (اقرأ) اول كلمة افتتح بها الوحي الالهي نزوله قبل ان يتم هذه الكلمة بايآت من سورة العلق ، بل وربما اتفق النقل الاسلامي على ذالك بين طوائف ومذاهب المسلمين جميعا !.

ونعم هناك من روى ان سورة (الحمد) هي اول سورة نزلت من وحي السماء كما ان هناك من ذهب الى ان (بسم الله الرحمن الرحيم)هي اول اية نزلت من وحي السماء وكذا هناك من روى ان سورة (المدثر)هي اول سورة نزلت من وحي السماء !!.

لكن كل هذه المرويات حملت على معاني لاتتضارب مع كون ((اقرأ)) هي الكلمة الاولى لفاتحة الوحي الالهي للانسان العظيم محمد رسول الله صلى الله عليه واله ،وانها ككلمة وليست كسورة او كآية هي اول مانزل ، وعلى هذا جاءت الرواية متواترة في مصادر وكتب المسلمين ومنها :

اولا : مارواه الكليني (قدس) في اصول الكافي المجلد الثاني كتاب فضل القرآن الباب 13 الحديث 5 بسنده قال : (( عن ابي عبدالله -جعفر بن محمد الصادق - عليه السلام قال : اول مانزل على رسول الله صلى الله عليه واله بسم الله الرحمن الرحيم ، اقرأ باسم ربك ، واخره ، اذا جاء نصر الله )) .

ثانيا : مارواه صاحب الاتقان في علوم القرآن الشيخ جلال الدين السيوطي بقوله : (( اخرج الواحدي من طريق الحسين بن واقد قال : سمعت علي بن الحسين يقول اول سورة نزلت بمكة اقرأ باسم ربك ، واخر سورة نزلت بها المؤمنون .../ النوع السابع معرفة اول مانزل / ج1/ ص 25)).

ثالثا :مارواه البخاري في صحيحه بحاشية السندي ج1 في باب كيف بدء الوحي ص 6 دارصعب قال :( حدثنا يحيى بن بكير قال حدثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة بن الزبيرعن عائشة أم المؤمنين أنها قالت : أول ما بدئ به رسول الله ص من الوحي الرؤية الصالحة في النوم ، فكان لايرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح ، ثم حبب اليه الخلاء وكان يخلو بغار حراء فيتحنث فيه - وهو التعبد الليالي ذوات العدد - قبل ان ينزع الى اهله ويتزود لذالك ثم يرجع الى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال (( اقرأ )) قال ما انا بقارئ قال فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم ارسلني فقال اقرأ قلت ما انا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما انا بقارئ فأخذني فغطني الثالثة ثم ارسلني ، فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم فرجع بها رسول الله ص يرجف فؤاده .....الخ ) .

رابعا : مارواه صاحب السيرة ابن هشام بقوله : (( حدثنا وهب بن كيسان قال قال عبيد : فكان رسول الله ص يجاور بحراء ذالك الشهر من كل سنه ، يطعم من جاءه من المساكين فاذا قضى رسول الله ص جواره من شهره ذالك ، كان اول مايبدأ به اذا انصرف من جواره ، الكعبة قبل ان يدخل بيته ، فيطوف بها سبعا ، أو ماشاء الله من ذالك ثم يرجع الى بيته حتى اذا كان الشهر الذي اراد الله تعالى فيه ما اراد من كرامته من السنة التي بعثه الله تعالى فيها ، وذالك الشهر - شهر - رمضان خرج رسول الله ص الى حراء كما كان يخرج لجواره ومعه اهله حتى اذا كانت الليلة التي أكرمه الله فيها برسالته ورحم العباد بها جاءه جبريل عليه السلام بأمر الله تعالى قال رسول الله ص فجاءني جبريل وأنا نائم بنمط من ديباج فيه كتاب فقال آقرأ قلت ما اقرأ ؟.

قال فغتني - حبس النفس - به حتى ظننت انه الموت ، ثم ارسلني فقال : اقرأ ، قال قلت : ما اقرأ ؟.

قال فغتني به حتى ظننت انه الموت ، ثم ارسلني ، فقال : اقرأ ، قال : قلت ماذا اقرأ ؟.

فغتني به حتى ظننت انه الموت ثم ارسلني فقال : اقرأ قال : فقلت ماذا اقرأ ؟، ما اقول ذالك الا افتداء منه ان يعود لي بمثل ماصنع بي !.

فقال :((اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الانسان من علق اقرأ وربك الاكرم الذي علم بالقلم علم الانسان مالم يعلم / ج1/ ص 236 السيرة النبوية لابن هشام / تحقيق : مصطفى السقا ، ابراهيم الابياري ، عبد اللطيف شلبي )) .

وبهذا يتضح لنا بيقين لاريب فيه ان كلمة (اقرأ ) كانت هي اول كلمة طرحت من خلال لسان محمد الرسول على اساس انها من وحي السماء وانها كلمة لم تكن من مبتكرات التأملات البشرية للعظيم محمد رسول الله صلى الله عليه واله ، وانها كلمة اللاهوت النازلة من الاعلى ، الى الاسفل البشري ، فياتُرى هل هذه الكلمة تنسجم مع ماقدمناه من تحليل نفسي مادي يرى في ظاهرة الوحي انها انعكاس مادي اجتماعي لمفكر ، ومتأمل وحالم يريد اصلاحا كونيا فاعتقد انها كلمة من السماء بينما هي كلمة فرضت من خلال انعكاس وحاجة اجتماعية فقط ؟!!.

أم انه بالفعل كلمة (( اقرأ)) القرآنية هذه كسرت قاعدة الانكاس الاجتماعي الحتمي المادي للفكر البشري لتدلل هي بذاتها انها وحي من السماء ، وانها من المستحيل ان تكون انعكاسا فكريا تأمليا نفسيا لواقع اجتماعي قائم ومغاير ؟.

إن العملية او النظرة التي يطرحها التفسير النفسي المادي لظاهرة الوحي اللاهوتية تقتضي ان يكون الانسان المفكر والمتأمل لوضعه الاجتماعي والكوني منشغلا ، وغارقا تماما بالعملية الفكرية والتاملية التي يمارسها بالبحث والنظر، وعلى هذا يكون الوحي او(( الايحاء النفسي )) ماهو الا عملية انعكاس طبيعية وحتمية ، لتلك العملية الفكرية والتاملية ، ومن هنا ينبغي ان تتشكل أمامنا الصورة او الملامح الاولية ، التي ينبغي ان يكون عليها مدّعي النبوة والاتصال الغيبي ، عندما يطرح برنامجه الاجتماعي الاصلاحي بالاضافة لرؤيته الفلسفية الكونية وذالك باعتبار انه ومن خلال التأمل والتفكير بهذه القضية الاجتماعية اوالفلسفية الكونيةستكون الخطوة الاولى التي يقدم عليهاالانسان المفكروالمتأمل هي الكلمة سواء كانت كلمة الحل الاجتماعية الاصلاحية التغييرية او كلمة النظرة الكونية وكيفية كينونتها الواقعية ؟.

إن التاريخ يحدثنا ان اول كلمة لاهوتية قرانية اسلامية كانت هي ( اقرأ ) نزلت بصورة مباشرة على نبي أمي لايقرأ او يكتب وهذا بشهادة حتى اعداء هذه الكلمة اللاهوتية السماوية ، فهل تعتبر هذه الكلمة ومن خلال النظرة النفسية السالفة الذكر هي منتج طبيعي منعكس وحتمية تأملية وفكرية فرضتها هذه الحالة على هذا الرسول الامي باعتباره وفي حقيقة الامر انه مفكرا ومتأملا وليس نبيا ورسولا ؟!.

بمعنى اخر : هل بامكاننا ان نستخلص من كلمة ( اقرأ ) القرانية ، وباعتبار انها اول كلمة ادعى انسان انها وحي اوحي اليه من السماء ، وانها خاتمة الكلمات الالهية للبشر جميعا ، هل نتمكن من فهمها على اساس انها عملية فكرية وتأملية فرضت نفسها بصورة كلمة وحي من وراء الطبيعة على انسان اعتقد ذالك نفسيا بينما الواقع غير ذالك ؟.

أم ان هذه الكلمة بالذات هي التي ستكون مفتاح الدليل فكرياونفسيا على ان ماجاء به العظيم محمد رسول الله صلى الله عليه واله انه وحي من السماء ومن خارج كينونة العظيم محمد ص وانها كلمة ليس لها علاقة اصلا بتأملات بشرية ولابارتباطات اجتماعية خارجية قائمة ولا بانعكاسات فكرية آنذاك ؟.

الحقيقة كان المفروض على انسان يعيش في محيط اجتماعي عربي جاهلي غارق بالخرافة والظلم والتسلط والقبلية ولايعير أيّ اهمية واقعية للعلم او للكلمة المكتوبة ، وينشغل بامور الحياة المعيشية المادية وكيفية توفيرها ، بالاضافة الى صراع هذا الانسان مع الطبيعية الصحراوية القاسية ، مضافا لذالك ان هذا الانسان محمد العظيم ص لم يمتهن العملية الفكرية بصورتها الخطابية او الكتابية ولم يسمع منه احد من مجتمعه الذي كان يعيش فيه نبرة تفلسف كوني او تمرد نقدي طيلة اربعين سنة .....الخ ، كان المفروض من مثل هذه الشخصية الانسانية ، ولملابساتها الاجتماعية ان تكون اول كلمة تتبادر الى ذهنه هي شيئ متصل بعمق صراعاته الاجتماعية والطبيعية والتي كان شديد التفكير بها لتكون البوابة لدعوته الاصلاحية الفكرية فهل ياترى كانت ( اقرأ ) تمثل اي بعد تفكيري ، او تأملي لانسان الجزيرة العربية بصورة عامة لتكون من ثم هي الضرورة التي كانت تشغل فكر الرسول الاعظم محمد ص ، ومن ثم هي الكلمة التي اعتقد نفسيا انها وحي من السماء بينما كانت هي مجرد انعكاس لحالة تأمل وتفكير انساني عميق وسياسي مادي لاغير ؟!.

بالطبع لم تكن ((القراءة )) بصورة عامة في المحيط العربي هي الشغل الشاغل آنذاك لعالم الانسان العربي ، كما انها لم تكن تمثل اي بعد اجتماعي اشكالي يعاني منه الانسان العربي حتى تكون هذه العملية من المعادلات التي تشغل الفكر وتدعو للتأمل المعمق لانسان الجزيرة العربية ، مما يضطر مفكرا كمحمد مثلا ان يطرح برنامجه الاصلاحي والفلسفي بكلمة ( اقرأ ) وربما لو كانت المعادلة منسجمة مع الوضع الاجتماعي العربي بالعموم والقرشي القائم بالخصوص آنذاك وكذا الوضع النفسي لهذا الانسان لكانت مفردة ( الخبز ) او ( العدل ) او ( المساواة ) ......الخ ، هي الكلمة او الكلمات الاكثر تعبيرا عن واقع الحال الانسانية والشخصية لمحمد بن عبدالله ص ومجتمعه ولم تكن كلمة اقرأ ليطرحها المفكر محمد كمشروع سياسي او اصلاحي يحرك المجتمع لينخرط في ثورته الاصلاحية الكبرى ضد الوضع القائم ؟؟.

اذاً ما هي العملية الحقيقية التي طرحت كلمة اقرأ الاصلاحية اوالفكرية القرانية التي غايرت منعكسات المجتمع العربي المادية ومتطلباته السياسية والاقتصادية والفكرية على لسان محمد بن عبدالله الطاهر الامين صلى الله عليه واله بحيث انها طرحت اللامتوقع واللامنعكس المادي الاجتماعي الحتمي (( اقرأ )) هنا ؟.

وهل كانت اقرأ اصلا واردة في قاموس الاجتماع العربي القائم انذاك كله حتى تكون ضرورة ملحة على فكر محمد الرسول ص لتشغله وتدفعه للتأمل فيها ، وطرح ماينبغي من مشروع في سبيلها في اول كلمة من مشروع ؟.

أم ان اقرأ هنا لم تكن مفاجأ لمحمد الرسول فحسب ، بل انها كانت مفاجئة ودليل وحي لاريب فيه للعالمين جميعا ؟.

ان رسول الاسلام محمد بن عبدالله ( روحي له الفدى ) لم يكن سياسيا نفعيا ، او مفكرا صوفيا ، او متأملا غيبويا ...، وانما كان نبيا مرسلا ينقل مايوحى اليه الى مجتمعه ، من غير تفكير او تأمل او انعكاس نفسي او ان يكون له اي تدخل في الابعاد اللاهوتية المطلقة لعملية الوحي الرسالية فهذه الكلمات القرانية ليست هي انعكاس اجتماعي مباشرحتى تكون شعارا لسياسي متطلع لتحريك الجماهير واستثمار مطالبها المعيشية ليطرح كلمة ( الخبز ) كما انه لم يكن متصوفا لتكون كلمة ( تأمل ) هي البداية والنهاية بدون فكر ، كما انه ليس غيبويا ليغيب عن الواقع ويطرح التأملات الروحية فحسب ؟

بمعنى اخر ، ومن زاوية مشابهة للموضوع : إن القران الكريم نفسه وعندما كان يتحدث عن حياة محمد رسول الله ص قبل الوحي يذكر ان محمدا رسول الله لم يكن يفكر او يتوقع ان شيئا كهذا كان ينبغي ان يقع له إي ان يصبح رسولا على مستوى الايحاء والرسالة ودعوة العالم الانساني لرسالته الخاتمة ، فقال سبحانه لافتا النظر الى هذه النقطة بالقول : ( ما كنت ترجو ان يلقى اليك الكتاب ، الا رحمة من ربك فلا تكونن ظهيرا للكافرين / القصص : 86 / قران كريم ) !!.

وكذا ( وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولاتخطه بيمينك اذا لارتاب المبطلون / 48 : العنكبوت / قران كريم ) !.

وكذا (وكذالك أوحينا اليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلنه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا وانك لتهدي الى صراط مستقيم / 52 : الشورى / قران كريم ) !!.

ومعلوم ان المناهضين لرسالة الاسلام الخاتمة من قادة المجتمع العربي القرشي الجاهلي الكافر وغير القرشي كانوا يدركون ان محمدا رسول الله ولفترة طويلة من حياته لم يكن يطرح اي نوع من التفكير النقدي او التأملات النفسية المتصلة بعمليات الاصلاح ، او التنظير المرتبط والمتصل بشؤون المجتمع القائمة او غيرها من الالوان الفكرية او النفسية ليكون فكره انعكاسا لما هو قائم ولذالك هم مع ماذكره القران من ان حياة محمد لم تكن توحي باي تحرك ملفت للنظر فكريا او تأمليا او اجتماعيا ينطلق من معادلة التخطيط للمستقبل هذا ؟!.

وعليه كانت مقولة ان ظاهرة الوحي ماهي الا عملية فكرية تأملية نفسية لمحمد الرسول لاتنطبق تماما على النموذج الرسالي الاسلامي ، باعتبار ان النموذج ( اقرأ ) قد نسف كل التوقعات التي تقول ان ظاهرة الوحي ينبغي ان تكون عملية فكر وتأمل نفسية مما يدلل على ان الكلمة القرانية ( اقرأ ) هنا اثبتت وبدون اي لبس اعجازية ودلالة الوحي الالهي باعتباره اتى مخالفا لكل المتوقع العقلي والتاملي الانساني ، الذي كان من المفروض ان يأتي كمنعكس الا انه لم يأتي باعتبار ان المطروح نازلا من فوق الواقع المادي الاجتماعي وليس من داخله ومن تحت قدميه !.

ان ( اقرأ ) القرانية وحسب ماتوحية عملية النقل التاريخي كانت عملية مربكة لكل الكيان النبوي الرسالي المحمدي ص وهذا واقع ذكرته كل السير والنقول الموثقة تاريخيا ، وبخلاف مجموعة صغيرة من المفكرين والعلماء والذين حاولوا الاشكال على هذه الصورةالتاريخية لحدث بداية الوحي اللاهوتي (سنناقش هذا الراي فيما بعد مع الطباطبائي قدس) فان الثابت التاريخي ان عملية الوحي كانت ( مفاجئة ) ، لكيانية الرسول المعظم ص ، مما توحي هذه ( الفجئة = فجأني ) للرسول الاعظم محمد بن عبدالله ص ، باللامتوقع العقلي والفكري والنفسي بالنسبة له شخصيا لحركة الوحي السماوية بكلمة ( اقرأ ) ؟.

ان من الطبيعي ان يفاجأ الانسان الامي عندما يطرح عليه وحّيا يأمره بالقراءة ، فمفهوم (ما اقرأ ، او : ما انا بقارئ وتكرره بمقابل اقرأ اللاهوتية ) الذي تحدثنا به السيرة واسباب النزول القرانية ، كان هو التعبير البشري الطبيعي والمتوقع من انسان لايقرا ولايكتب ،ولكن هذه الواقعية كانت تفرض نفسيا وفكريا وتأمليا وحسب التوقعات العلمية لعلم النفس المادي ان لاتكون اول كلمة من الوحي اللاهوتي الاسلامي القراني هي ( اقرأ ) باعتبار ان علم النفس وحسب معطيات الحياة النفسية والفكرية والتاملية لمحمد النبي تفرض عليه ان يعلن كلمة هو متمكن منها فكريا وعقليا ونفسيا وليس العكس ؟

إلا ان اللامتوقع هو الذي كان اعلانا للرسالة السماوية الاخيرة انها الكلمة ( اقرأ ) التي لم يكن يفكر فيها مطلقا محمدٌ رسول الله بل وكانت هي النقطة التي يفتقدها كسبيا الرسول الاعظم ص ، فهو كان رجلا اميا لايقرأ او يكتب ، فهل من المعقول ان يطرح عقل محمد وتفكيره وتامله هذه الاشكالية اللامتوقعه على كيانه الأمي ليثيرالشك في دعوته الاصلاحية امام خصومه لو كان مفكرا سياسيا فحسب ؟.

ثم وبمعنى ادق هل يتمكن العقل اللاواعي للرسول الاعظم محمدبن عبدالله ص ان يطرح متناقضا عقليا وفكريا بنفس اللحظة التي يكون فيها لاواعيا وواعيا لطرحه مشروع ( اقرأ ) القرانية ؟؟.



الحقيقة انه وبمعادلة بشرية ، وبكل الابعاد النفسية والفكرية والتأملية لايمكن لاي انسان ان يطرح النقيض لوجوده الانساني فمن المستحيل نفسيا انسانيا ، ان يطرح العقل الباطن الانساني ( اللاواعي ) هذه التناقضية الغريبة العجيبة ، من انسان يريد ان يقيم مشروعا اصلاحيا اجتماعيا ، يفترض فيه الوعي والادراك التام لمشاكل الاجتماع الانساني القائم ، ثم وبنفس اللحظة يطرح لاوعيا وتناقضا بنفس الوقت ؟؟.

اي انه لو كانت النسبة الفكرية الواعية (على اساس ان ماطرح قرانيا ليس وحيّا وانما فكرا وتأملا بشريا فحسب ) قائمة في الطرح الاسلامي ولو بنسبة قليلة لتدفع مقولة الوحي لكان كل الطرح الفكري من كلمات بشرية واردا الا طرحا واحدا يتجنبه العقل الانساني تلقائيا وبدون اي ايعاز عقلي ، او فكري الا وهو الايعاز النفسي الكامن في العقل اللاواعي ، وهذا يفترض ان الانسان مثلا الامي والذي لايمتهن القراءة والكتابة وباعتبار انها عملية كمنت وترسخت في اللاوعي الانساني فمن المستحيل ان تطرح ماينقض هذا الراسخ في العقل اللاواعي ، ومن ثم من الصعب القول ان ( اقرأ) كانت نتاج فكر وتأمل طويل لمحمد الرسول ، ولكن الطبيعي النفسي البشري ان يقال : تجنب العقل لكل ماهو غير وارد ومعدوم الكسب للانسان ان يطرحه العقل ككلمة مشروع وبداية نهضة ؟

ومن هنا وتدعيما لهذا الموقف الرسالي ، الذي يقول ان ليس لمحمد الرسول ص اي تدخل في صياغة الوحي وطرحه جاءت عملية اخرى قرانيا لتؤكد من هذه الحقيقة (( حقيقة ان الطرح القراني طرح وحي وليس هو نتاج تأمل وفكر انساني )) التي لالبس فيها وهي عملية ( الشك ) ، والتي يطرحها النص القراني لمحمد الرسول نفسيا ( اقرأ باسم ربك ... اقرأ وربك الاكرم = تأكيد كما يذهب بعض المفسرين ...) او ( فان كنت في شك مما انزلنا اليك فسئل الذين يقرءون الكتاب من قبلك ؟./ 94 : يونس / قران كريم) وهذا الشك او التساؤل الرسالي هو الاخر دلالة ومؤشر على مصداقية ان يكون الوحي من خارج الكيانية النفسية والفكرية للرسول المعّظم محمد بن عبداللة صلى الله عليه واله ، وهو وحي من الخارج ، وليس من الداخل الانساني وإلاّ فالانسان لايمكنه ان يطرح طرحا من عمق فكره وتأمله وانسجامه النفسي ثم وبعد ذالك هو يشك في طرحه هل هو واقع وحق ام وهم وخيال ليقول (( فان كنت في شك ..)) فالسؤال هنا دليل على هبوط الوحي من خارج الفكر المحمدي وليس من داخله فافهم ؟

اضف الى ذالك ان الطروحات الفكرية وخاصة الاصلاحية الاجتماعية يجب عليها ان تكون مطروحة بطرح (الحتمية ) والتاكيد على الجماهير كي لاتثير اي شكوك حول صحتها ، او تثير او تخلخل مبادئ صحتها لتضعف التفاف الجماهير حولها ، اما ان تطرح فكرا وتأملا اجتماعيا ثم تطرح حول نفس هذا الفكر تساؤلا وشكا فهذا قتل نهائي لكل الطرح اذا كان طرحا سياسيا او حزبيا او بشريا اما والحال انه وحي وليس فكرا ، فالقران يطرح الصورة النفسية للرسول كما هي وليس كما ينبغي ان تكون فكريا وسياسيا وتأمليا لمحمد العظيم ، فيقول :( فان كنت في شك مما انزلنا اليك ...الخ ؟ ،. فيجيب محمد ص : لا اشك ولا اسأل ؟؟.

ومن خلال هذا المعطيات المقدمة تكون (اقرأ) قد قامت بوظيفتها الرسالية لتعلن هي بنفسها انها كلمة وحي سماوية بالاضافة لتدعيمها موقف الرسالة الخاتمة ، فهي كلمة وحي لكونها جاءت باللامتوقع العقلي والفكري والنفسي للانسان المادي ، وهي دلالة لما اثارته من شك هو طبيعي من جهة ودلالي من جهة اخرى ، وهي كلمة خلق لكونها استطاعت ان تخلق وعيا وفكرا وتأملا وروحا انسانية ، ولم تكن هي وليدة فكر او تأمل او غيبوبة نفسية !!.

_____________________________



alshakerr@yahoo.com

http://www.blogger.com/profile/06210792549531027877



الثلاثاء، يناير 11، 2011

(( من وعيّ القرآن .... اقرأ )) - 9 - حميد الشاكر

المنظورالمعرفي اللميّ .... :- اقرأ .




***********************



عند أهل الفلسفة للمعرفة طريقان او منظوران :

الاول : يُسمى بالطريق الأنّي ، وهو طريق يعتمد الاستقراء من الجزئيات الى الكلّيات في الوصول الى النتائج .

الثاني : يُسمى الطريق اللمّي ، وهو طريق يعتمد المسير من كليات المقدمات الى جزئيات النتائج !!.

وبعبارة قرآنية ثانية : الطريق الانّي او طريق الاستقراء كما عند المناطقة هو تلك العملية القرآنية المتكررة دائما التي تجعل من المخلوق مقدمة ودليلا واستدلالا لوجود الخالق الحق وحكمته وقدرته ومن الاثر طريق استدلال على وجود المؤثر كقوله سبحانه : (سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق) باعتبار الايات المخلوقات الواقعيات طرق استدلال او مقدمات جزئية الى اثبات وجود الله الكامل المطلق الغيرمرئي وحكمته ومطلق قدرته وكذا :(فلينظر الانسان مما خلق خلق من ماء دافق ..) .

أما الطريق اللمّي ، او طريق القياس والاستنباط عند المناطقة ، فهو ايضا تلك العملية القرآنية لاستحصال المعرفة ولكن من طريقها الكلّي الى طريقها الجزئي والمقيد كقوله سبحانه ((اولم يكف بربك أنه على كل شيئ شهيد )) باعتبار ان الله سبحانه هو الدليل وهو المقدمة الكلية والشهيد على من دونه من نتائج جزئية وليس العكس !!.

او كقوله سبحانه :(( ألم ترى الى ربك كيف مدّ الظل ولو شاء لجعله ساكنا ثم جعلنا الشمس عليه دليلا )) فهنا على حسب طريقة القران في الاثر والمؤثر يجعل الشمس ووجودها دليلا على وجود الظلّ وليس الظلّ وشعورنا به هو الدليل على وجود الشمس !!.

فهي عملية لاتختلف عن استدلالنا بان هناك وجود نار عندما نرى دخانا ، وليس رؤيتنا لدخان دليلا على وجود النار !!.

وهكذا الطريق اللمي في المعرفة الاسلامية تفترض طريقا اخر لتحصيل المعرفة وهو طريق معرفة الله سبحانه اولا ومن خلال معرفة الله نتعرف على خلقه ، ولهذا ورد في الدعاء :(( بك عرفتك وانت دللتني عليك )) !.

في الحقيقة تفلسف كثيرا بعض العلماء في معرفة طريق المعرفة اللمّية الاسلامية التي تبدأ من الكلي المطلق او الله سبحانه وتعالى وحتى النزول الى معرفة الجزئيات وخلق الله سبحانه في الله جلّت قدرته ، وشرّق البعض في فهم هذا الطريق وغرّب الاخر بحيث جعله فقط طريق الانبياء والرسل والمعصومين عليهم السلام جميعا ، وفي النادر ما ادخل بعض العلماء الخواص من العلماء ليتمكنوا من سلوك طريق المعرفة اللمّية ، التي هي تبدأ من الكلّي المطلق سبحانه وتعالى الى الجزئي المقيّد من مخلوقاته لنعرف مخلوقات الله سبحانه بالله جلّت قدرته ، ولانعرف الله من خلال مخلوقاته ، واياته الكبرى والصغرى ولذالك حسب مايعتقدون انه طريق خواص الخواص وخلّص الخلّص الذين يعرفون بالله كنه مخلوقاته !!.

والواقع اذا ما اعدنا صياغة المعادلة بين ان يسلك الفرد المسلم الطريق الأنّي لمعرفة الله سبحانه من خلال خلقه او ان يسلك الطريق اللمّي لمعرفة مخلوقات الله من خلال الله سبحانه وتعالى بشكله المنطقي والعقلي الاسلامي ، فاننا سنجد انفسنا لسنا بحاجة الى تفلسف وتفرّع عميق في القضية بل ولسنا بحاجة الى متاهة تقسيم طرق المعرفة الاسلامية بالتحديدلتمزيق العقل الاسلامي بعدة طرق من التفكير تشتت وحدة مسير المعرفة لديه مفادها :

الاول : في كون الفرد المسلم بحاجة الى سلوك طريق إنّي جزئي محدود ياخذه بجولة على الماديات من مخلوقات الله سبحانه وتعالى ومن ثم ليصعد به درجة درجة من مقدمات جزئية الى نتائج عمومية وكاملة ليوصله الى الله سبحانه !.

الثاني : في كون الفرد المسلم بحاجة الى البداية من مطلق يراه بعيدا جدا وهوالله سبحانه وتعالى ثم السقوط به الى جزئيات وماديات خلقية وافاق كونية وانفسية يرتبك كثيرا في ماهية وكيفية الربط بينها وبين المقدمات الكلية !!.

وعدم الحاجة هذه من وجهة نظرنا تقف خلفها عدة اسباب ورؤى نجد ان علماء المعرفة الاسلامية سقطت من ادراكاتهم حلقة مهمة وغاية في الخطورة لمعرفة طريق الانسان المسلم في اكتساب معرفته ، ومن خلال اي منظور ؟!.

نعم لو تأملنا ودققنا بماطرحه علماء الاسلام الاكابرفي موضوعة طرق المعرفة الانّية واللمّية في هذا المضمارلادركنا ان هناك على الحقيقة ومن خلال الطرح القرآني نفسه طريقا واحدا يختص بسبيل المعرفة الاسلامية للانسان المسلم ، الا وهو الطريق اللمّي لهذه المعرفة ، وهو الطريق النازل من الله سبحانه الكلّي الى المخلوق الجزئي والمحدود اما الطريق الانّي فهو طريق معرفي بالتأكيد لكن وحسب ترتيب او المنظور القرآني هو طريق غير المؤمنين بالله وليس هو طريق اهل الله والمؤمنين به ابتداءا !!.

بمعنى آخر إن علمائنا الاكابر عندما ارادوا تتبع سير الفكر الانساني في القرآن الكريم ، وما يطرحه القرآن من طرق وجدوا امامهم طريقين :

الاول : وهوالطريق المسلط عليه الضوء بكثافة في الخطاب القرآني وهو طريق الصعود من الايات الافاقية والانفسية ودعوة القران للنظر الى الجزئيات والمخلوقات للتدليل على عظمة الله سبحانه وقدرته وحكمته وضرورة عودة الانسان الى الله !.

الثاني : وهو الطريق الكلّي الذي يشير له القرآن بنعومة وفي ايات معدودة على اساس انه طريق المؤمنين فحسب !!.

فاعتقدعلمائنا الابرارإن كلا الطريقين لهما نفس الوزن والقيمة في المعرفة الاسلامية مادام ورودهما مكثفافي الخطاب القراني العظيم بينما الحق كان على اصحاب فن الطرق المعرفية التمييزومن ثم التنبيه على ان الطريق اللمّي هو طريق المؤمنين في الخطاب القرآني بينما يكون الطريق الانّي هو طريق غير المؤمنين بهذا المضمار ما يعني ان طريق وسبيل المعرفة الاسلامية الحقة هي طريق واحدة لاغير بينما تكون طريق معرفة غير المؤمنين حتما مادية وصاعدة من الجزئي الى الكلّي الله سبحانه وتعالى لكونها غير متصلة بالله ابتداءا !.

أما كيف تكون معرفة الفرد المسلم مختصة بالطريق اللمّي فحسب ، وما الطريق الاخر الا طريق اهل المادة والابتعاد عن الله سبحانه وتعالى حتى ان كان واردا على لسان الانبياء عليهم السلام كما في ابراهيم (( قال هذا ربي هذا اعظم )) وارتقاءه من الجزئي الى الكلّي على سبيل التعليم لاهل الضلال ؟.

فربما هذا هو السؤال الذي صَعُب على الفلاسفة المسلمين الاجابة عليه باسلوب سهل وبسيط وغير معقد !!.

في العادة وكما اشرنا آنفا ان اهل الفن في اساليب التفكير عندما لاحظوا دقة مسار الطريق اللمّي المعرفي ، وانه طريق يحتم على الفرد النزول من الكلّي الى الجزئي في المعرفة استصعبوه على ان يكون طريق العامة من الناس لدقة هذا المسلك فذهبوا الى القول انه طريق الخلّص من عباد الله سبحانه المفكرين فحسب باعتبار تعقيده في الفكر ووعورة مسلكه في التفكير ولهذا قالوا بخصوصية هذا الطريق وانه طريق المخلصين والمصطفين فقط ، ليتركوا من ثم الطريق الاخر وهو الطريق الانّي لباقي الناس من الذين يحاولون الوصول الى الله بالطرق الجزئية والمادية المنسوبة لاهل الضلال في القرآن الكريم !!.

والحقيقة ان منشأ هذا الاتجاه المعقد عندالفلاسفة الاسلاميين منطلق من كونهم نظروا الى الموضوعة برمتهاحسب صناعتهم الفلسفية بالتحديد فقاسوا صعوبة وسهولة اساليب وطرق التفكيرفوجدوا ان طريق المعرفة اللمّية هو الاصعب حسب هذا الفن الفلسفي فقرروا انه يصلح ان يكون طريق المفكرين والفلاسفة والخواص فحسب ،بينما دفعوا العقل الاسلامي العام كله ليرتع في محاضر طرق تفكير واساليب معرفة الغير مؤمنين اصلا بقدرة الله وعظمته ليختصوا من جانبهم بالطريق الاسهل والمادي حسب القياس الفلسفي !!.

لكنّ الواقع الذي غفل عنه اهل الفلسفة ان الاسلام والقرآن والشريعة ورسالة السماء الاسلامية كلها عندما اتت جاءت لترفع الانسان المسلم والمؤمن بصورة عامة من اساليب التفكير المادية ، والارتقاء به الى اساليب المعرفة الالهية التي تعتمد على رؤية ومنظورالسماء لجميع الاشياء ولم تأتي هذه الرسالة لتبقي اولتعمق اساليب التفكيرالمادية عند المسلمين لها والمؤمنين بها كما يدعي ويرى اهل الفلسفة !!.

بمعنى اخر: انه وإن كان الخطاب القرآني محاججافي كثيرمن موارده النصّية القرانية والاسلامية مع غيرالمؤمنين والمسلمين باسلوب اهل المادة والالحاد والشك والضلال في السيرمعهم من الجزئي في المعرفة الى الكلّي كطريق للمعرفة لكن هذا لايلغي فكرة ان للمؤمنين اساليب وطرق تفكير مختلفة تماما وانها طرق تفكير ينبغي ان تكون هي الوحيدة المختصة بعامة المؤمنين والمسلمين لها الا وهي طرق النزول بالمعرفة من كلياتها الى جزئياتها لتتحدد الرؤية ويتضح المنظور !!.

وبهذا رسم الاسلام طرق معرفته للمؤمنين به من خلال منظور سهل وبسيط ومتداول بينهم وجزء من وجودهم الاسلامي الا وهو المنظور القرآني لاغير !!.

ان الفلاسفة والمفكرين ذهبوا بعيدا عندما رأوا في طريق المعرفة اللمّية انها الطريق التي يحتاج فيها الفرد المسلم الى قفزة نوعية في ادراكه ليتمكن من الوصول اولا الى الله سبحانه ،ثم بعد ذالك النزول بالمعرفة الالهية للتعرف على الاشياء الجزئية في هذا العالم والكون من حولناكمسلمين جميعابينما كان على اؤلئك الفلاسفة والمفكرين ان يدركوا ان رسالةالسماء اختصرت على جميع افراد الاسلام الطريق الصاعد الى الله سبحانه لتضع المنظور الالهي بين ايديهم بكتاب مقروء ووحي منزّل وكتاب وضع امام موائد عقولهم يمثل المنظور الالهي العظيم لجميع الاشياء العالمية من حولنا !!.

وصحيح ان سبب تخلف المسلمين وضياعهم عن الاتصال ببارئهم ، وعدم التعرف عليه ومن ثم التعرف على رؤيته سبحانه للعالم والكون والانسان ، هو اتخاذهم لهذا القرآن عضين وهجرهم لميثاق ربهم الذي بين ايديهم ، لكن هذا لايدفعنا الى تعقيد مسائل ومصادر المعرفة عند المسلمين وتقسيمهما الى كلّي وجزئي ، وانما يحتم علينا اعادة المسلمين الى قرآنهم ودعوتهم الى الالتفات لكتاب بارئهم سبحانه الذي فيه حياتهم الفكرية واصول واساليب معرفتهم النظرية والعلمية !.

ولعلّ هذه الحلقة (القرآنية المقروءة)هي ما افتقدها العقل الفلسفي الاسلامي في تقسيم المعرفة الى طريقين واعتبار ان اصعب الطريقين هو الطريق الصاعد الى الكلّي الله سبحانه وتعالى والنازل منه على جميع الجزئيات ، فلو كان اهل الفلسفة واضعي في حسابهم دائرة (القرآن) ككتاب انزله الله سبحانه ليختصر المسافة بينه وبين الانسان المسلم ومن ثم ليقرر له الله سبحانه ان هذا الكتاب هو المنظور الالهي للاشياء من حوله ، لما كان هناك تعقيد في رؤية الفلاسفة لموضوعة المعرفة او تقسيمها الى قسمين ، فعلى المنظور القرآني يكفي للفرد المسلم ان يجلس بين يدي الكتاب العزيز القرآن الكريم ليقرأ حروفه وكلماته وهو على يقين انه يتكلم مع الله سبحانه باعتبار القرآن كلمات الله ووحيه وما انزله من علمه ورؤيته اللاهوتية للاشياء في هذا الكون ، وبهذا يكون الفرد المسلم ومن خلال قراءته للقرآن ، هو في نفس الوقت سالكا لطريق المعرفة الكلّية التي تهبط من الكلّي الله سبحانه وتعالى الى جزئيات العالم وادواته لتضع لها من خلال منظورها الكلّي جميع صورها وحقائقها في هذا الوجود !!.

إن القرآن كتاب الله الكريم هو النافذة الالهية العظيمة التي انزلها الله لعباده المسلمين ودعاهم لقراءته بقوله (اقرأ) ليروا من خلالها عالما مختلفا في منظوره عن جميع العوالم ، التي تنظّر لها منافذ الانسان المحدودة والمقيدة والمادية ، وما قولنا في المعرفة اللمّية انها المعرفة التي تسلك طريق الكلّي المطلق ولتنزل به لمعرفة المادي والمحدود والجزئي الا كقولنا إن القرآن هو الرؤية الالهية الكلية التي من خلالها يطلّ الانسان على العالم من خلال الرؤية الالهية الكليّة والمطلقة !!.

ونعم الفرد المسلم في سيره الفكري من خلال القرآن هو يعرف الله بالله سبحانه ، وهو يعرف الرسول بالله جلّت قدرته ، وكذا هو يعرف الامام والوصي لرسول الله من خلال الله وهو يعرف العالم والحياة والانسان والكون....ايضا من خلال الله سبحانه الذي انزل كتابا مقروئا موحى به الى الرسول الاعظم محمد ص ليكون للناس نورا وهاديا ومرشدا ومبشرا ونذيرا !!.

أما من يريد ان يعرف الله باياته وافاقه ومادياته ومخلوقاته ...فكل هذا طريق اخر ومنظور مختلف ورؤية غاية في البعد عن الحقائق والواقعيات ، بل انها تصلح وحسب المادية للانسان ان تكون خطابا الزاميا لنمط تفكيره المنحرف الذي يريد ان يصل لله سبحانه من خلال ماديات عاجزة ومفتقرة تماما لعكس حقيقة الحقائق المطلقة ، اما المسلم فمنظوره في الله ومن الله والى الله على طول الطريق وبوحدة متماسكة في الرؤيا والاهداف والغايات والوسائل !!.

نعم للعلم منظوره ، وللفلسفة منظورها ، وللاقتصاد منظوره ، وكذا للفن منظوره ....الخ ، لكنّ منظور القرآن شيئ مختلف تماما ، انه منظور يختلف في معطياته عن معطيات الاخرين الفكرية ، ويختلف في وجهة السير له عن اقرانه ، ويختلف انه نافذة تطلّ بالانسان من الاعلى الى الادني ، بعكس باقي النوافذ المادية التي ترى من ثقب جزئي لعالم كليّ وشامل !!.

فمثلا عندما نظر العلم ( دارون) للانسان ، وحاول معرفة كنه وجوده واصول انباته وجذورمسيرته ، فلم يستطع الا ان ينظر للانسان على اساس انه مادة عضوية متطورة نشأت من خلية مكروبية لتصعد في سلم التطورالى وصولها الى قرد هجين !!.

وعندما نظر الاقتصاد ( ماركس ) للانسان فلم يستطع الا تصنيفه كله بما فيه فكره ومشاعره وغايته واهدافه وحركته وروحه واخلاقه الا على اساس انه قطعة متحركة ، ومعلقة في وسائل الانتاج الاقتصادية ، وكلما تطورت وتغيرت وتحركت وسائل الانتاج الاقتصادية تحرك وتطور هذا الانسان المسكين كيفما ارتأت !!.

اما عندما نظرّت الفلسفة (بنتام) للانسان ، فلم تستطع بالارتفاع به من حيز كونه مخلوقا نفعيا براجماتيزميا لتصنع منه في نهاية المطاف رأسماليا يرى كل غايته من هذا الوجود كيفية ان يكون اكثر سيطرة على موارد هذا العالم لاغير !!.

في الفن تحوّل الانسان الى رديف شيطاني متمرد لاغير يرى في قيادة ابليس انها الابداع والحرية والشجاعة والجمال ويرى في الانسان انه مشروع مكياج ملوّن هدفه الاعظم في هذه الحياة ان يتحول الى انسان ضائع وتائه ولايحلم الا بالخيال !!.

وهذا كله مختلف المنظورعن الله سبحانه من خلال كتابه ووحيه الذي نظر للانسان على اساس انه خليفته في صناعة الحياة في الارض وانه النسخة المكرّمة التي وهبت الحرية والحياة والغاية والهدف والعبادة والارتباط بالله سبحانه وتعالى والتفكير بكيفية العودة اليه من خلال تحكيم قانونه ونظرته في حياته وحياة اخوته من الادميين !!.

إن اقرأ القرآنية اختلافها عن باقي القرآءات العلمية والفلسفية والفنية والاقتصادية .... انها قراءة تبتدأ ( بأسم الله ) وتنتهي بالله سبحانه وتعالى !!.

تأمل بقول القرآن لك : ( اقرأ باسم ربك ) واسأل : مامعنى ان تكون قراءة الفرد المسلم القرآنية مستعينة ومتلبسة باسم رب الانسان وخالقه ومبدعه في هذا الكون الفسيح ؟.

ولماذا لم يقرأ الفرد المسلم الكون والحياة والانسان والعالم والطبيعة من حوله باسم العلم فقط او باسم الفلسفة او باسم الفن فحسب او باسم الاقتصاد لاغير ؟.

لماذا كان على الفرد المسلم ان يقرأ كل شيئ باسم الله ، ويبدأ كل شيئ باسم الله ، وينهي كل شيئ باسم الله ؟.

بمعنى اخر : لماذا يتحتم علينا نحن المؤمنين بالاسلام ان نقرأ كل شيئ باسم ربنا لاغير ؟.

نقرأ الكون والسماء ، والشمس والقمر والنجوم وظواهر العالم من خلال القرآن ، باسم ربنا سبحانه ومن منظوره النازل من الاعلى في القران الى الاسفل في افكارنا وتصوراتنا ، مع انها كلها ربما ظواهر طبيعية وادوات مادية تحيط بالانسان من كل جانب وبالامكان قرائتها علميا فقط ، ولكن اين منظور الله لخلقه من منظور خلقه لخلقه !!.

نقرأ الانسان وتاريخه وحياته وغاياته واهدافه في هذه الحياة باسم ربنا ( اقرأ باسم ربك ) وحسب ما طرحه لنا سبحانه من تصورات قرآنية حول الانسان وماضيه وحاضره ومستقبله ، مع اننا يمكن لنا الرجوع لشرح الانسان فلسفيا لكن اين منظور خالق الانسان للانسان ، من منظور مخلوق الانسان الفلسفي لنفسه !!.

نقرأ حياتنا الاجتماعية والاسرية ، وكيفية تقنينها وادارتها والوصول بها الى تكاملها ، من خلال اسم ربنا وكما طرحه علينا وانزله في كتابه من احكام وشرائع وقوانين !!.

نقرأ انفسنا التي بين جنباتنا وارواحنا ومشاعرنا ودواخلنا ايضا باسم الله لاغير ، مع اننا يمكن لنا قراءة الانسان وفهمه من خلال مدارس علم النفس الحديث ومعامل بافلوف المادية للتعرف على الانسان ،لكن اين معرفة الانسان من خلال الله سبحانه من معرفة الانسان من خلال معامل ومختبرات الكلاب والفئران البافلوفية !!.

هكذا يتمكن الفرد المسلم من قراءة كل شيئ من حوله بالله سبحانه وتعالى ليتعرف على حقائق العالم وواقعياتها وليس على ظواهرها واشباحها فحسب بمعرفة تبدأ من كليات العلم الالهي العظيم لتنتهي عن اصغر ورقة تسقط من شجرة تكون بعلم الله ذكرت وقرأت باسم الله في القران الكريم قبل ان تسقط !.

يتلخص مما مضى : ان لمعرفة ومنظور الانسان المسلم ( بمفهومه العقدي ولانتحدث هنا عن اهل الاختصاص في الحياة وما ينبغي عليهم من مناهج علمية مادية او تجريبية فحسب) ومصدر فكره وادراكه نافذة واحدة موحدة لاغير ،هي النافذة القرآنية الالهية التي يطلّ من خلالها الفرد المسلم على واقعه في هذه الحياة الدنيا ليدرك موقعه في هذا الوجود ، وما ينبغي عليه ان يقوم به وكيفية النظر للاشياء من حوله ، وتقييمها التقيييم المناسب لها الاهيا الذي نزل اليه ليهبه رؤية متكاملة لاتتعارض مع جميع رؤى الانسان الفكرية والفلسفية والعلمية والفنية والاقتصادية ، ولكنها لايمكن لها ان تختصر في منظور او رؤية جزئية لتصعد بمحدوديتها من المقيدات الى المطلقات وانما كُتب على هذه الرؤية ان تؤخذ بكلياتهاالالهية المطلقة لتكون دائما مقدمة اكبر واعظم واشمل من نتائجها دوما والى الابد !!.

___________________________

alshakerr@yahoo.com

http://www.blogger.com/profile/06210792549531027877









الأربعاء، يناير 05، 2011

(( من وعيّ القرآن ... اقرأ )) - 8 - حميد الشاكر

ظلام الامية الانسانية : - اقرأ .




*********



في المشروع القرآني الاسلامي خطوتان لازالة ومحو الامية البشرية :

الاولى : وهي الخطوة الواقعية والطبيعية في ازالة الجهل بالحرف وكيفية قراءته وكتابته لصناعة امة قارئة .

الثانية : وهي الخطوة الاكبر التي اعتمدت على رفع الامية في جميع جوانبها الانسانية المتنوعة لصناعة انسان كامل .



ولعلّ المتتبع لخط السير القرآني الاسلامي منذ بواكير ، وبدايات التحرك الرسالي الالهي من جهة ، والتحرك الرسولي الخاتم للعظيم محمد صلى الله عليه واله من جانب آخر ،سيدرك مدى الاهمية التي اولاها الاسلام ككل لموضوعة ازالة ظلامية جهل الامية الكتابية لانسان الاسلام منذ البداية ،ورفع شأن الادوات العلمية الاولية التي تساهم بنقل الانسان من هذه الامية الكتابية الحرفية الى انسان قارئ وكاتب للحرف ومفكر فيه !!.



ونعم كان مشروع ( اقرأ ) هي كلمة الوحي الرسالية الاولى التي افتتح بها الاسلام انطلاقته في عالم الانسان لتوحي بضرورة صناعة انسانها القارئ وصاحب الافق الاوسع من الانسان الامي والمتطلع لمعرفة اشمل واكبرمن حيز المكان المخنوق زمانيا ومكانياعند الانسان الجاهل ولهذا اردف مشروع اقرأ في القرآن الكريم بسورة (القلم) كثاني سورة في التنزيل لتعطي التصور الواضح ان مراد اقرأ ومشروعها ليس فقط هو الاتباع والتقليد للانسان المسلم في استماعه وقراته فحسب ،وانما هو مشروع متكامل وحقيقي وهو اقرائي وكتابي بجميع ادوات القراءةوالكتابة من تعلم الحرف في مبتدأه حتى التمكن من صياغته وكتابته واستخدام القلم فيه كذالك :(( ن والقلم ومايسطرون )) .



أما على المستوى الرسالي البشري فيكفي الادراك ان العظيم محمد رسول الله ص ، ومنذ بداية نهضته الاسلامية والدعوية لم يألوا جهدا في تهيئة الارضية الانسانية لصحابته والمنتمين لاطروحته وعقيدته في مجال مشروع تعلم القراءة والكتابة وخلق الاجواء التي تصنع امة في هذا الاطار من انه ص صاحب مشروع (الحرف بدلا من الحرب) ففي معركة بدرالكبرى سنة ثلاثة من هجرته المباركة للمدينة كان العظيم محمد ص هو اول انسان واخر انسان في هذه البشرية جمعاء الذي طرح فكرة (فداء اسرى الحروب بتعليم العلم) عندما فرض فدية على كل قارئ من اسرى اعدائه الكفار والمشركين ان يعلّموا عشرة من صبية المسلمين للقراءة والكتابة مقابل حريتهم من اسر الحرب وعبودية السجن وذله !!.

وبهذا تألق رسول الانسانية العظيم محمد ص عاليا جدا ، ليؤكد لنا انه بالفعل رسول من الله صلى الله عليه واله وانه بالحق صاحب مشروع صناعة الامة القارئة التي تتمكن من حمل عقيدة القرّاء واهل الوعي والادراك والثقافة والتطلع واحترام العلم والحرف والقلم !!.



أما ما يتعلق بالوجهة الاخرى والخطوة الثانية لمشروع الاسلام في محوالامية الانسانية فقد كان محورا مختلفا واستراتيجية عمل اسلاميٍّ مغايرة ونوعيةٍ بهذا الصدد عن الخطوة الاولى !!.

بل انها الخطوة التي شكلت روح الاسلام ورسالته للبشرية جمعاء وكيفما كانت حروفها ولغاتهاوانماط تفكيرها ومهما تعددت مشاربها وتقاليدها ، وتنوعت جغرافيتها واماكنها ، وتجالدت ازمانها وتطوراتها !!.

انه محور وخطوة ووجهة : معالجة الامية الفكرية والروحية والقانونية والسياسية والحضارية والعلمية والنفسية ...للبشرية جمعاء !!.



ماهذه الامية الفكرية الانسانية التي ابتعث الاسلام ليكون معالجا لمشاكلها العالمية المستمرة قد يتسائل البعض ؟.

وكيف لرسالة اسلامية خاتمه استطاعت ان تكون حرفا يزيل هذه الامية وهو يخترق الزمان والمكان البشري ؟.

واين العلم والتجريب ، وكذا الفلسفة والعقل ودورها في ازالة هذه الامية البشرية ، حتى لايكون امامنا لازالة هذه الامية غير الاسلام وعقيدته ، او لايكون هناك دواء لهذه الامية الفكرية غير كلمة الاسلام القرآنية فحسب ؟!.



كل هذه اسألة اذا تأملنا قليلا بمشروع اقرأ الاسلامية ، سنكتشف ببساطة ملامح ومعالم مشروع السماء الاسلامي ، الذي جاء ليكون اخرالاديان لهذه البشرية المتعبة وطوق النجاة لمفكريها وعلمائها والباحثين فيها عن الحق والحقيقة من جهة وليكون لنا نحن المؤمنون بهذا الاسلام العظيم بوصلة تحرك ، ودعوة من خلالها ندرك ماهية مشروع الاسلام وكيفية طرحه جوهريا امام انظار العالمين ولماذا نصرّعلى ان الاسلام اخر عقيدة تشكل الفرصة الوحيدة لانسان قرننا الحاضر والمستقبل ان يتشبث بها ليصل الى برّ الامان والسعادة في هذا العالم ومابعده !.



إن الانسان في رؤية الاطروحة الاسلامية كماهو في باقي الرؤى العلمية والفلسفية والقانونية .....الخ هو مخلوق في طبيعته التكوينية والخلقية حاجات ومتطلبات متعددة ومتنوعة ومن الضروري اشباعها ليستطيع هذا الانسان ان يعيش حياته في هذا العالم بتوازن وطمأنينة واستقرار، فكما انه بحاجة الى فكر ورؤية وتصورات لسد حاجته العقلية والذهنية ، كذالك هو بحاجة الى قوانين لتنظيم حياته الاجتماعية ، كذالك هو بحاجة لماديات تسد جوع بطنه الطبيعي ، ولجنس يمارس من خلاله غريزته الحيوانية ولايختلف الامر كثيرا في حاجاته الروحية التي تطلب الايمان كأحد اهم قواعد الروح الانسانية المطمئنة وهكذا في نفس الانسان وحاجتها للاستقرار وعدم القلق والتدهور .... الخ !!.



كل هذه حاجات طبيعية وفكرية وروحية ونفسية وقانونية .... يحتاج الانسان لسد جوعتها وتهدأت صراخ حاجتها في داخله وفي خارجه ايضا ، واذا فرضنا فقدان الروح للايمان (اي ايمان وليس الديني فحسب) فمن الطبيعي لنا الشعور بوضوح بعدم توازن هذه الروح الانسانية التي فقدت اهم عناصر حاجتها الخلقية في هذا العالم ،وعندئذ ليس من المستغرب ان ندرك روحا تُعبر عن فقرها لحاجة وهي تتخبط وتضطرب بشكل ظاهر وكبيروخطير جدا ينعكس لامحالةعلى وجودالانسان ككل في سلوكه وفي انماط تفكيره وفي تطلعاته وتصوراته وتعامله مع الانسان والعالم وغير ذالك !!.

هذا الفقر الروحي يسمى أمية !!.

أُمية الروح هي فقرها وفقدانها ، وعدم ادراكها لحرف الايمان وقراءته ومعرفته ، وكيفية استقراره داخل الروح وملئه لحاجة هذه الروح الانسانية وافاضت الاطمئنان على داخلها وبعكس هذه الامية الروحية ندرك ماهية الروح العالمةوايجابية ايقاعاتها وتوازن خطواتها ، انها الروح التي اثقلها الايمان بالتوازن ، واشبع حاجاتها بمفرداته المتنوعة ، والهمها اليقين وصنع لها الرؤية والتصور والتطلع والطمأنينة في كل كيانه الانساني !!.



ولا تختلف الرؤية في فقدان الانسان للفكر والتصورات والفلسفة لعقله وذهنه ومادة تأمله في هذه الحياة ،فالانسان الذي يبقى اُميا في مجال الفكر والفلسفة والتصورات ، لايُتوقع منه ان يكون انسانا سويا او متطورا ومواكبا لايقاعات الحياة والمجتمع والكون والاشياء من حوله فكل هذه الاشياء هي بحاجة لعلم الفكروحروف وادوات التصورات وقواعد وانماط الفلسفات ليدرك الانسان من خلالها موقعه الصحيح في هذا العالم ويتخذ على اساسها الموقف الانساني المتوازن والكفوء !!.

أما العكس في انسان لايستطيع ممارسة الفكرولا ادراك كيفيةاستخدامه واستعماله بسبب امية هذاالانسان لعلم الفكر والتصور والفلسفة فهو انسان حتما مأسوف على وضعه العقلي والفكري والتصوري والفلسفي لهذا العالم مما ينتج لامحالة اضطراب في شخصية هذا الانسان الفكرية والعقلية التي تفقده حيوية المواقف ودقة المعاملات ونجاحها وحنكتها وذكائها كذالك ، وبدلا من ان يكون انسانا متنورا وعالما فكريا يصبح لاميته مع الاسف انسانا ذيليا في قيادة الاخرين له ، فكريا وفلسفيا وتصوريا على طول خط الحياة ، وبدلا من ان يكون فردا واعيا قادرا على الانتخاب الفكري ومساهما في صناعة القرار واتخاذ المواقف يصبح مصنوعا لمالكي الفكر وعبدا لمقرراتهم ، وربما وقودَ حربٍ لمعاركهم التي لايُدرك من ماهياتها الفكرية والفلسفية اي حرف او معنى على الاطلاق فيضطر لاتباع الاخرين بدلا من مشاركتهم !!.



وهكذا يُقال في الجانب الاوسع من الفردية الانسانية ، عندما يفتقد المجتمع للقانون وحكمه والشعور باهميته ، فلا ينبغي ان يقال ان هذا المجتمع ساذجا وبسيطا ولم يزل يعيش حياة الفطرة وحكم الاعراف الاجتماعية وعدم تمكنه من التطوروالوصول لحكم القانون الاجتماعي العام ، بل يُقال له بانه المجتمع الاميُّ الذي لم يزل بعد غير مدرك لحروف القانون ومعرفة صياغته وكيفية امكانية نقل هذا المجتمع من ظلمة الجهل بالقانون الى نور العلم به ، وباهمية تعلمه وممارسته !!.



اذاً مقصودنا من الامية الفكرية ، او الامية الروحية ، او الامية النفسية وكذا القانونية ....... هو ان يبقى الانسان بعيدا عن امكانية وتمكن قراءة حروف العلم وادواته الاولية التي ترفع من امية الانسان وتمكنه من تركيب العلم ومعرفته ايا كانت هذه الامية وفي اي زاوية من زوايا الانسان المتعددة فلربما على هذا المبنى كان الانسان قارئافكريا وفلسفيا جيدا وعبقريا في بابه إلا انه في جانبه الروحي أُميا ، وفاقدا لعلم ومفاتيح الروح وادواتها الاقرائية والكتابية في الايمان وحاجة الروح لهذا الايمان والعكس صحيح عندما نرى انسانا مملوءا ايمانا وعالما بجميع حروف الروح وقراءاتها وكتاباتها الا انه في الجانب القانوني او الفكري هو لم يزل انسانا اُميا وغير مدرك لحرف من حروف علم الفكر والفلسفة والقانون والصناعة ... وغير ذالك فكل هذا يدخل في اطار معادلة : هل الانسان قارئ بالفعل بشكله المتكامل ؟.

ام انه قارئ في جانب من جوانب حياته الانسانية واُميٌّ في الجوانب الاخرى المهمة من كيانه ؟!.



بهذه الرؤية والفكرة والتصور ، لموضوعة الامية الانسانية في جوانبها المتعددة وضرورة الرؤية للانسان القارئ على اساس انه الانسان المتكامل الذي ينبغي ان يكون قارئا بكل جوانب وجوده البشري وليس بجانب دون اخر دخل الاسلام ميدان ازالة الامية من الحياة البشرية بشكلها الكامل والمتكامل ليعلن انه المدرسة الاخيرةالتي وضعت فيها حروف ودروس كل مايحتاجه الانسان في تكامل شخصيته الانسانية ، سواء كانت فكرية فلسفية عقدية او قانونية اجتماعية او روحية او نفسية او علمية او حضارية او غير ذالك من خلال درسها الاول في (( اقرأ )) !!.



إن اختلاف الرؤية العلمية عن الرؤية الاسلامية ،وكذا اختلاف الرؤية الفلسفية او الحضارية عن هذه الرؤية الاسلامية إن تلك الرؤى لاتتمكن وليس بمستطاعها ولا من وظائفها خلق نوع من الانسان يتمتع بمواصفات ، تتمكن الاطروحة الاسلامية من خلقه وصناعته وايجاده في هذه الحياة ، فالمدرسة الحضارية مثلا لايمكنها ان تخلق الا انسانا متحضرا لاغير، وهذا التحضر اذا اردنا تحليله تحليلا علميا ماهوالا اجتماع اقتصادي صناعي لمجتمع الانسانية وغاية مايستطيع تقديمه هوآلات اوامكانيات اجتماعية تمكن الفردمن التعبيرعن طاقته المادية من الابداع فحسب اما ان اخذنا اي انسان من هذا الاجتماع المتحضر لنسأله عن علاقته بالانسان الاخر ورؤيته الفكرية او الروحية عن هذه العلاقة ، فلا يمكن لمثل هذا الانسان ، الذي يعيش في مجتمع متحضر اقتصادي ان يجيب بنوع من المعنوية الانسانية والاخلاقية الاجتماعية ليرتفع بتعريفه لهذه العلاقة بينه وبين الانسان الاخر الا على اساس المنفعة وتقنين القانون لها لاغير !!.

والحقيقة اننا ايضا من الجانب الاخرلايمكننا مطالبة الحضارة باكثر من القيام بوظائفها النفعية والاقتصادية والتجارية البينية في المجتمع الذي تتحرك بداخله وتدير شؤون مجتمعه ، لالسبب معقد الا سبب ان التحضر لايمكن له ان يخلق انسانا متكاملا وقارئا في جميع ابعاده الانسانية ، وانما تختصر وظيفتها في صناعة الانسان التجاري !!.



وليس بعيدا القول نفسه في الرؤية العلمية وامكانياتها المتاحة في صناعة الانسان والمجتمع فبالتحليل نحن امام رؤية علمية لاتؤمن الا بكل ماهومادي ومخبري وتجريبي فقط واذاما فكرأحدنا ان ينقل الرؤية العلمية من حيزهاالقانوني الجاف والمتحرك بصلابة وبقانون ومن دون اي شعور ومرونه الى الحيز الاخلاقي او الحيز الفلسفي او الروحي .... ، نكون بذالك قد اسأنا للعلم من جهة واسأنا للانسان من جانب آخر ، فالعلم ورؤيته خلق ليقوم بوظيفة اكتشاف قوانين الكون والحياة والطبيعية من حول الانسان ، والانتفاع من هذه القانونية الثابتة في سبيل تطوير حياة البشر الكونية والطبيعية والاجتماعيةواي تلاعب بهذه الغاية للعلم او بالوظيفة التي وجد من اجلها العلم نكون بذالك قد قتلنا العلم وابداعه من جهة ، ونكون قد دمرنا الانسان كذالك الذي يختلف نمط وجوده وحياته بالسعة عن نمط وحيز تحرك العلم ورؤيته وحيزه في هذا العالم !!.

فالانسان على اي حال ليس هو قوانين طبيعية او كونية ميتة فحسب لنأتي بالعلم لينظّر الى كيفية ادارة حياته ويقنن القانون الممتاز لهذه الادارة مع ان الانسان بالفعل يخضع جزء عظيم من وجوده للقوانين العلميةلكن الجزء الاخر من الانسان قوانينه مختلفة تماما عن مادية العلم وجفافه وقسوة وصرامة قوانينه فهنا نحن امام انسان حرّ ، ومختار ومعنوي واخلاقي وشاعر بماحوله من وجود ، ومتفاعل مع حركة هذا الوجود وماينعكس من هذه الحركة على الانسان نفسه ، وهذا المخلوق وقوانينه مختلف تماما عن قوانين العلم وحركتها لاغير !!.

إن من الانصاف والاحترام للعلم اذا لم نحمله مالايحتمل من ادارة شؤون الحياة الانسانية المعقدة ، كما انه من الاحترام للعلم اذا لم نخرجه عن حيزه العلمي لننقله الى حيز هو ليس من اختصاص عمله اصلا ،كما انه من الرحمة بالانسان ان لانختصر وجوده المتنوع والواسع لنعتقله في دائرة العلم وقسوة قوانينه فحسب ، ومخطئ تماما من اعتقد ان بالعلم فقط يمكن ادارة حياة الانسان ، ليس لان العلم غير صالح للقيام بوظائفه العلمية المفيدة للانسان ، ولكن لان حيز العلم جزء من حيز حياة الانسان ولكنه عاجز عن تغطية السعة المتنوعة لحياة البشر التي منها اخلاقية ومعنوية وفلسفية وقانونية .... مختلفة تماما عن حروف وادوات العلم وصناعاته !!.



وكذا القانونو ورؤيته والفلسفةوتصوراتهاايضا لايختلف القول فيهماعن القول في الرؤية الحضارية والعلمية بالنسبة للانسان وادارة شأنه المتنوع ،فكل هذه العلوم والرؤى هي صالحة تماما لتشبع حيز من الوجود الانساني لكنها غير قادرة على اشغال وظائف غيرهامن العلوم الانسانية الاخرى فالفلسفة بامكانها اشغال الحيز الفكري والعقلي للانسان بكل طاقاتها المتاحة لتهب للانسان افكارا وتصورات وادراكات غاية في القوة والحكمة والروعة الا انها تموت وتضمر هذه الفلسفة والحكمة الراقية عند نداء القلب البشري وحاجته لحرارة ايمان مختلفة تماما عن حرارة ونداء العقل والفكر الانساني ،وربما اذا اقحمنا الفلسفة في عمل الروح والقلب ودفعناها لتعطينا رؤية لادارة قلب الانسان وروحه فبهذا نكون نحن من جمع نقيضين في حيزواحد لنخلق روح صراع بين ماتفرضه الفلسفة من عقل وادراك ،وبين مايطلبه قلب وروح من خيال ومعنويات واسطوريات ... كمفردات وحروف يفهمها كتاب العقل والروح لكن لايمكن لكتاب الفلسفة والعقل ان يقبل بها او يفهم كيفية قراءتها !.



أما في الرؤية الاسلامية فالموضوع مغايرٌ تماما لما تقدم من علوم واتجاهات ، فالاسلام عقيدة جمعت بين دفتيها كل مايحتاج له الانسان في دوائر حياته المتعددة المادية والمعنوية ، فهي رؤية تناغم روح الانسان وقلبه ، وتلعب على اوتارها وحروفها العميقة ، وفي الاخلاق والمجتمع ، ارتقت الرؤية الاسلامية بالاجتماع ، لتجمع بين التحضّر باعتباره اجتماع تقني واقتصادي لتضيف عليه روح المعنوية والالفة في الاخوة الانسانية ، وهكذا في الفلسفة رحبت الرؤية الاسلامية بالعقل ومداركه ورؤاه وتصوراته ، بنفس الوقت الذي اشبعت من نهم الفلسفة للسؤال والتطلع للمعارف ، وفي العلم دفعت الرؤية الاسلامية انسانها على الانفتاح على قوانين الافاق والانفس وقوانين الكون والسماء والطبيعة ، وقوانين المجتمع والتاريخ مع تنبيه هذه الرؤية لانسانها ان العلم في حيزه متحرك وفي ميدانه عبقري وغير مجارى !!.

كل هذا جمعه الاسلام في رسالة وعقيدة موحدة وقدمها للانسان بشكل كتاب مفتوح ومقروء ودعاه للقراءة بكلمة (اقرأ)!.



إن الانسان بحاجة فعلية لازالة اميته الوجودية لرسالة وكتاب ورؤية ...تجمع له هذا الشتات المتفرق من حوله في العالم من اتجاهات لتصهرها في قالب موحد ومنسجم وغير متضارب في الادراكات ، كما انه من الجانب الاخر بحاجة جوّانية وداخلية ونفسية وروحية ، وعقلية للملمت هذا الشتات في داخله ، وترتيب رؤيته الداخلية للكون والعالم والانسان برؤية لاتكون فيها الاتجاهات متضاربة ، كما تصوّر لنا الكثير من الرؤى القاصرة ، والمختنقة من الفلسفات والعلوم والشطحات الانسانية عندما لاتقبل مثلا الرؤية العلمية الرؤية الروحية وتعتبرها خرافات وجهالات عفى عليها الزمن وتجاوز معطياتها الواقعية !!.

وهكذا في صراع الفلسفة مع العلم وصراع الحضارة مع الاخلاق وتناقض الاقتصاد مع الاجتماع ،وغير ذالك فكل هذه الظواهر استطاعت الرؤية القرآنية الاسلامية ان تذيب من كل تناقضاتها ، لصياغة رؤية تتصالح فيها الفلسفة مع العلم والاخلاق مع التحضّر والقلب مع الجنس والمجتمع مع الفرد .... الخ ولترفع من ثمة اميتنا في كل جوانب ودوائرانسانيتنا المتعددة لتخلق منّا انسانا متكاملا او في طريقه للتكامل وهو يرى رؤيته وفكرته وفلسفته وعلمه وروحه وقلبه وفرديته واجتماعيته واخلاقه واقتصاده ....كلها في بوتقة واحدة تتحرك بانسجام وتناغم وتعاون وتعارف (( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ))!!.

بعكس الانسان الذي لم يقرأ الاسلام ورؤيته ، ولم يتبنى القرآن وكلمته ، ولم يؤمن بوحي السماء ورسالته لينتمي الى جزء رؤية في هذه الحياة ، وليجد نفسه في قلق وصراع وتضارب وتناقض حتمي بين مايؤمن به من جانب وما يجهله ويرفضه ويتناقض معه من جوانب متعدد !!.

________________________________



alshakerr@yahoo.com

























الاثنين، يناير 03، 2011

(( من وعيّ القرآن ... اقرأ )) - 7 - حميد الشاكر

كهيعص .... :- اقرأ .




********



للحروف المقطعة في القرآن الكريم ، والتي عادة ماتأتي في بداية السور القرآنية ك ( الم ، الر ، ن ) قصة طويلة في مناهج وقراءات اصحاب التفسير للكلمة القرآنية العظيمة ، بل ان هذه الحروف قد اخذت من عقول المفسرين وقرائحهم الشيئ الكثير الى حد انها دوّخت عقولهم النيرة بالكثير من التشتت والملاحقة لمعاني هذه الحروف المقطعة !!.



من المفسرين من اكتفى بقول (الله اعلم) ليغلق باب ادراك وفهم المعاني في هذه الحروف ، ومنهم من سعى وراء فهم معاني تنطلق من فكرة: ان ليس في القران حرف لامعنى له وهذا صحيح بل كل مافي القرآن حتى الحركة فما فوقها فانه يحمل معنى وله غاية وهدف وفيه حكمة ودراية ، وعلى هذا الاساس ذهب بعض المفسرين للقول بان معنى مثلا (الم ) هو انا الله اعلم و (( ن )) معناه يأنسان او الحوت ...وهكذا من حاول استقصاء معاني عجيبة وغريبة لهذه الحروف القرآنية المقطعة ولماذا هي دائما تتصدر بعض السور القرآنية دون اخرى وما الحكمة من قراءتها بحروف مجزأة ولايمكن قراءتها بصيغة كلمة تامة ....الى الوصول الى القول من بعض المفسرين على اساس : ان هذه الاحرف هي اسرار اختصّ بمعرفتها الله سبحانه وتعالى المرسل والرسول الاعظم محمد صلى الله عليه واله كرموز واشارات تحوي ما لايستطيع ادراكه عقل بشري بين الله ورسوله فحسب !!.



الغريب ان كمية الاراء التي طُرحت حول هذه الحروف المقطعة تصلح لصناعة دراسات مستقلة عنها تملأ المجلدات من الكتب في الاراء التي تناولت هذه الاحرف واسرار ذكرها وتقدمها في بدايات السور وفلسفة مجيئها ببعض السور دون البعض الاخر ولماذا تقرأ كاحرف مجزأة ولايمكن جمعها بكلمة تامة.....؟، لكن رغم هذه الكمية الكبيرة من الاراء حول هذه الاحرف تعامل معها المفسرون بشتى انواع اللغات والمناهج والافكار والتصورات والفلسفات ....ماعدى فكرة ومنهج وتعامل واحد لم يخطر على بال المفسرين ان يتعاملوا به مع حرف القرآن الطبيعي الا وهو الحرف نفسه !!.



نعم لماذا شرّقت افكار المفسرين وتصوراتهم لفهم هذه الحروف المقطعة بكل اتجاه ما عدى الاتجاه الطبيعي واللغوي والعربي البسيط الذي كان يفهم الحرف على انه حرف فقط وان معنى ( ن ) هو ( ن ) فقط اللغوي لاغير والتي يتعلمها الانسان الامي العربي كمرحلة اولى تسبق تمكنه من قراءة الكلمة بتمامها ؟؟.



ربما هذا يعود الى ماذكرناه في فصل (( الدين بين المعلوم والمجهول 5 )) باعتبار ان هناك رؤية ترى ان كل مايتصل بالدين لابد ان يكون متحركا في حيز الرموز والاشارات والاسرار الغامضة والغيبية في حياة الانسان ، ولذالك عندما تأتي اية قرآنية تحمل حروف مقطعة من قبيل (( كهيعص )) فلابد ان يبحث في مجهولات الانسان عن معاني هذه الاحرف ورمزيتها المعقدة واشاراتها الغير طبيعية انسانية ومن هنا ذهب هذا البعض الغيبي من المفسرين الى ان ( كهيعص ) اختصار لتاريخ البشرية ووقائعها العظيمة كلها في هذه الاحرف لاغير !!.



ومع ان الدين بالفعل فيه حيز يناقش الغيب من حياة الانسان ، لكن لايعني هذا ان الدين ينبغي ان يكون كله غيبيا حتى اذا تحدث باحرفنا اللغوية المعروفة في مدارس اطفالنا الابتدائية الذين يتعلمون من الصغر : ان الحروف عند العرب هي حروف مباني وحروف معاني لاغير !!.



كما انه لايعني ان حكمة استخدام القرآن لكل مافيه من ادوات اللغة العربية يقتضي علينا ان نقرأ الحرف ( ن ) مثلا على انه لايقصد به انه حرف لاغير ، بل ينبغي ان يحمل سرّا غيبيا لاتظهر عظمة القرآن الكريم باستخدامه الا اذا قلنا انه يحمل سرّا لايعرفه الا الله سبحانه وتعالى ورسوله فقط !!.



الاكثر غرابة من ذالك ان كل ما ذكرناه من تصورات وافكار وتفسيرات غيبية حول هذه الاحرف المقطعة ، وباتفاق المفسرين على ذالك تقريباعلى اساس انها اجتهادات بشرية اعظم ما يمكن القول فيها انها تنسب لبعض صحابة الرسول والتابعين لهم وما اجتره بعد ذالك مفسري الاسلام العظام حتى وقتنا الحاضر ، وتنقطع عن اتصالها بالرسول الاعظم محمد ص مايعني ان كل هذا التراث الذي يتحدث عن الحروف المقطعة في اوائل سور القرآن ما هو الا منتج اجتهاد بشري غير معصوم ولامتصل بالرسول ص وهذا يكشف لنا مدى المأساة في الفكر الانساني الذي يتحدث له القرآن بالمعروف والطبيعي والانساني من لغته العربية واحرفها الواضحة ، وبدلا من ان نفكر بكلمات القرآن بشكلها الطبيعي الذي خاطب الله سبحانه به عباده البني آدميين ذهبنا نحن المسلمون المخاطبون بهذه البساطة من اللغة والوضوح والمعلوم من لغتنا لنبحث عن تعقيد ماهو بسيط وتغييب ماهو معلوم واسطرة ماهو واقعي وانساني ، لنبحث : هل للحرفين (( طه )) معاني مباني حروف لاغير ؟.

أم ان هذين الحرفين لهما معاني مختلفة تماما عن مبنى الحرفين : (( ط ، الهاء)) وانها تعني يارجل او يامحمد بلغة القبيلة الفلانية ؟.



الآن لو كان هذا المنهج التفسيري لحروف القرآن المقطعة ، قد اتى بها الاثر من صاحب الوحي العظيم محمد الرسول ص لما كان هناك اي مشكلة بصرف هذه الاحرف عن مقاصدها لصناعة معاني ومقاصد اخرى لها اما ان يجتهد العقل الانساني امام احرف تحدث بها القرآن ، لاناس يفهمون هذه الكلمات والاحرف على صيغها الطبيعية ، والانسانية ثم يتفلسف لينقل الحرف القراني من مقاصده اللغوية الطبيعية المعلومة ليرمي بهافي اتون الالف معنى وبعد الالف يقول لي كاتب التفسير (الله اعلم ) بدون ان يقدم اي دليل مقنع على هذا الكمّ الهائل من صرف الحروف عن معانيها البسيطة ، فهذا شيئ ربما يستحق ان نضع عليه علامة استفهام كبيرة تسأل : ما الداعي لكل هذا الاجترار في فهم حروف مقطعة قرانية ، الوحي نفسه عندما تحدث بها قصد الى معنى بسيط وغير معقد ولاهو غيبي ولااسطوري من هذا الكلام ؟؟.



ولنفرض فعلا ان هناك اسرارا ، بين الله سبحانه وتعالى ، وبين رسوله الكريم وائمة الهدى من ال البيت عليهم السلام كانت هذه الحروف حواملا لتلك الاسراروالرموز العجيبة بين الوجهتين افلم يكن يكفي مفسري الاسلام العظام ان يرحموا المسلمين من اجتهاداتهم التي مهما اجتهدت لايمكن لها الوصول لتلك الاسرار باعتبار ان الاسرارينبغي ان تبقى اسرارا والا سُميت غير ذالك لتمكن اخراجها للعلن والتي عقدّت كل شيئ بسيط في هذا الدين حتى حولته الى مجموعة من الاساطيرالغير مفهومة ألم يكن يكفيهم ارجاع علم هذه الاسرار الى اصحابها وبدون وضع هذا الكمّ الهائل من الاجتهادات مقابل احرف اولا هي غيرقابلة لاعطاء اسرارها الا لله سبحانه ورسوله وائمة اهل البيت ع على الفرض ، وثانيا هي خاطبت الناس بظاهرهم ، وترك بواطن الاسرار لغيرهم فلماذا والحال هذه اشغل مفسروا الاسلام العقل الاسلامي العام بهذا الكم الهائل من التفسيرات بدلا من الالتفات الى الوجهة الحقيقية لمثل هذه الاحرف القرانية المقطعة ليبذلوا اجتهادهم في ابرازها ، واخراج حكمتها للمسلمين وللعالمين ايضا ؟!.



اقصد لو جمعنا كل هذا المنتوج التفسيري الذي بذل على استخراج معاني اسرار هذه الاحرف المقطعة ، وصياغتها بمنهجية تفسيرية جديدة تلتفت الى دراسة هذه الاحرف المقطعة بما هي احرف ، وبما ان لها مقصود وهدف في خطاب القرآن الكريم غير الاسرار والرموز والغيب ؟، وبما انها احرف من اللغة الانسانية وان مقاصدها تكمن في اسرار اللغة الانسانية الطبيعية وليس في رموز واشارات بين الله سبحانه ورسوله الكريم ص لاغيرفكم كنّا لنجني من علوم وافاق وتصورات مفيدة للمجتمع المسلم وصابّة في بحر حركته الاجتماعية التي هي الان بحاجة الى فهم مقاصد القرآن من هذا الحرف العربي اكثر بكثير من حاجته الى معرفة ال (( ن )) الحوتي الذي هو بالع يونس او حامل الارض على ظهره مع الثور وقرونه ؟!.



الحقيقة لو كانت لدينامنهجية علمية عامة تدرس الدين وكل شؤونه بعقلية المعلوم وحاجات المجتمع او تدرس الدين والقرآن بما وضعه الدين والقران نفسه من منهجية وبدون ادخال مناهج بشرية تؤسطر هذا الدين وتغيّب من افكار قرآنه لخرجنا منذ زمن مبكر من هذا التيه الذي نعيش فيه فكريا وروحيا ونفسيا وعلميا في عالمنا المعاش اسلاميا ،ولما احتجنا الى هذا العناء والعسر في فهم ديننا الاسلامي دين الفطرة والبساطة والمعلوم ولما اجتالتنا الافكار بعيدا عن تطبيق افكار واحكام هذا القرآن الذي يخاطبنا بما نفهمه ، ونخاطبه بما لم يفرض علمه علينا ابدا !!.



القرآن الكريم لم يشر ابدا الى ان هذه الحروف المقطعة في بادئ السور فيها اسرار وينبغي على المسلمين اخراجها والايمان بها ، او انها عندما تستخرج فسيكون فيها نفع عظيم لبناء المجتمع !!.

كما ان الرسول العظيم محمد ص كذالك لم يكلفنا ان ندرك وباجتهاد وبذل جهد واسراف وقت وتبذيره على ان (( طه )) في بداية السور هل هو اسمه الشريف ام صفته الانسانية العظيمة صلى الله عليه واله !.

بل ان المجتمع الذي نزل فيه القرآن لم يكن ليضع بباله او فكره ان خلف هذه الاحرف اسرار ورموز ينبغي البحث عنها ولهذا لم يسأل كل المجتمع المسلم (( باستثاء يهود المدينة مدمري الاديان )) في حياة الرسول والوحي عن هذه الاحرف وماتقصده من اسراربل اكتفى المجتمع بفهمه الطبيعي والفطري والبسيط لهذه الاحرف ليفهم (( الم )) على انها احرف عربية مكونة من ( آ ، ل ، م ) فحسب !!.



هل كان المجتمع في زمن الرسول محمدص وفي زمن الوحي وفي زمن نزول القرآن لايفهم السؤال ليسأل رسول الله عن دينه وقرانه وما ينزل فيه من رموز واسرار ؟.

أم انه كان يستطيع ان يسأل ولكنه كان لايرى داعيا للسؤال حول حروف قرانية هي بحد ذاتها مفهومة وانها من لغة العرب ومفاهيمهم الكلامية المعلومة ؟.



الحق ان المسلمين كانوايخجلون من السؤال عن اسرارخلف حروف القرآن المقطعةلانهم يدركون ان مثل هذه النمطية للعقلية المتساءلة لاتمت اصلا للعقلية الاسلامية التي تربت اسلاميا على ان تاخذ القرآن وافكاره وحكمه على ماهي عليه بدون زيادة او نقيصة واذا ما اراد اي انسان ان يسأل عن القرآن لابد على الاقل ان يكون سؤاله موجها اسلاميا ، فاذا صمت القرآن عن شيئ لم يكن المسلمون في زمن العظيم محمد ص ليسألوا عن صمته ولماذا هو صامت وغير ناطق لادراكهم ان مُنزل القرآن هوالحكيم المطلق الذي اذا انزل شيئا في القرآن عملوا به كما هووليس كما تنعكس به عقولهم عليه فاذا نزلت حروف مقطعة في القران الكريم اخذها المجتمع على اساس انها حروف عربية مقطعة فحسب ، اما اذا كان داخلها اسرارا ورموزا ام لا فهذا شأن يتكفل بايضاحه العليم الحكيم الله سبحانه وتعالى بقرآنه العظيم والعكس صحيح ان كانت لا اسرار خلف واجهة الحروف فيكفي عند المسلمين الاوائل صمت القرآن عن ذالك ليفهموا ان هذه الحروف اراد منها القران فقط كونها حروف عربية لااكثر ولااقل بدليل صمت القرآن ودليل (( فاذا قرأناه فاتبع قرءانه ، ثم إن علينا بيانه )) عن بيان ماهو خافيا عن المسلمين !!.



هذه هي المنهجية التي تعامل بها المسلمون الاوائل حول القرآن واوامره وافكاره وتصوراته ، وهي المنهجية التي لم تستهلك وتبذرالوقت في علم لاينفع ويضرّ احيانا بل هي المنهجية التي ادركت مقاصدالقران الفكرية والانسانية والطبيعية التي تتحرك لبناء المجتمع من الداخل من خلال القرآن وهي المنهجية التي بنت العقول بحرف القرآن وبنت الحضارة بفكرابنائها وجهادهم المتواصل بلا هوادة !!.



انها المنهجية التي ذهبت لتبحث في (كهيعص) وكيفية امكانها في المساهمة ببناء المجتمع فكريا من خلال رفع اميته الكتابية لتسند من مشروع (( اقرأ )) الذي اراد ان يصنع امة قارئة قبل كل شيئ !!.



ان الحروف المقطعة في القران هي نصف حروف الهجاء العربية بالفعل من غير متكرراتها الحرفيةوانها تقرأ وقفيا كما قرأها رسول الله ص ، ولايجوز قرأنيا ان تجمع هذه الحروف لتقرأ ( أ ، ل ، م ) على اساس انها كلمة واحدة في (ألم) وانما جميع المسلمين بالامس واليوم يقرأون هذه الحروف بشكلها الحرفي لاغير !!.



اما ما الحكمة من قراءة هذه الحروف بشكلها الحرفي لاغير ؟.

ولماذا لايمكن لاي كان ان يجمع مافرقه الله سبحانه في قراءة قرآنه ؟.



فهي نفس حكمة ادخالنا للاطفال كي يتعلموا القراءة والكتابة وحاجتهم الاولية دوما وفي جميع لغات البشرية ان يتعلموا اولا حروف وتراكيب كلماتهم اللغوية قبل ان يتمكنوا من قراءة المكتوب بشكل مركب !!.



هل من المعقول ان تكون مقاصد القرآن الكريم بحروفه المقطعة مجردتدريب للمجتمع الامي العربي على قراءة الحرف وكيفية تهجيه ومعرفة شكله وصياغته لاغير للوصول الى صناعة امة قارئة ربما يتسائل البعض ؟.



نقول نعم كان مقصودالحروف المقطعة قرانيا ان تساهم بازالة امية مجتمع كان القارئون به لايتجاوزون عدد اصابع اليد واذا اضفنا لهذه النقطة ان المشروع الاسلامي كله قائم على مشروع ((اقرأ)) الذي لايمكن ادراكه الا من خلال مجتمع قارئ للكلمة عندئذ يصبح مشروع ادراك ومعرفة واتقان الحرف سلسلة في نظام مشروع بناء امة تسموا الى بناء العالم كله !.



والانسان الامي كما يعرف الجميع هو امي لانه لايدرك قراءة الحرف ،ومن ثم تركيبه مع اخر لتصبح عنده كلمة ( اقرأ ) وهي توحي بمعنى الامر للانسان المسلم ، والمطلوب منه ان يخضع للامر ويقرأ المكتوب وينفذ ويطيع مابداخله ولهذا عندما كان يستمع الانسان الامي العربي ل (كهيعص) وهي تقرأ امامه لتعلمه كيفية قراءة وصياغة خمسة احرف اصلية بامكانه بعد ذالك ان يميز بين الحروف ويركب بينها ليصبح انسانا قارئا على الحقيقة!.



اننا اليوم بعدماقطعت البشرية شوطا طويلا من التطور وفي عصرالتقدم التكنلوجي والتقني مع الاسف فقدنا الاحساس بعظمة العملية التعليمية التي لو رجعنا لاصولها لاكتشفنا كيفية كونها معجزة حقيقية تستحق من القرآن ان يلتفت لها بعناية ترغمه ان ينزل هذه الحروف مقطعةليقدمها امام المجتمع على طبق من ذهب وليعلن ان الامية هي الموت المحقق وان قراءة الحرف هو اول الطريق لصناعة امة متحضرة !!.



وبالفعل ماعلينا الا تصور مجتمعا اميا او انسانا اميا لايقرأ ولايكتب ، فهل بالامكان بناء اي امل في الحياة البشرية على امة او انسان فاقد ملكة التعليم ، او جاهل باصول القراءة والكتابة ؟.

القراءة اليوم داخلة في كل شيئ في حياة البشرية ، في عقيدتها لابد ان يكون لها كتابا لتكون امة تحمل عقيدة ،وفي الفلسفة وفي القانون وفي الهندسة وخطوطها والرياضيات ومعادلاتها العلمية والاقتصاد وحساباته الرقمية ..كل هذا داخلا وهو جزءا لايتجزأ من مشروع القراءة والكتابة اليوم ، وكذالك في السابق ادرك المشروع الاسلامي انه بدون امة قارئة لايمكن ان تنمو وتستمر عقيدة وبدون امة قارئة لايمكن ان تبنى دولة وبلا قراءة لايمكن ان تنشئ حضارة .... والامة او الفرد الذي لايتمكن من قراءة الحرب لايمكن له ان يبني مجد العلم وعلو قامة العقيدة !!.



بهذا المعنى نظر القرآن للحرف ، وبهذا المضمون قدسه وطرحه بشكله اللامركب والمقّطع ليترنم ويتعلم منه الانسان المسلم كيفية البداية التي تبدأ بالحرف فعلا الا انها لاتنتهي الا عند بناء الحضارة وهيمنتها على العالم كله !!.



والعجيب ان هذه الامة المسلمة لم يصبها التخلف الواقعي ، الا عندما تركت النظر الى الحرف القراني وتفسيره على صورته العلمية الواقعية التي ترفع من ظلام الجهل وتدعم نور العلم ، وذهبت للبحث عن رموز واسرار واشارات الاحرف المقطعة في القران ، لتزداد امية المجتمع من جهة وتزدادغيبوبة ذهنه وعقله بالاساطيروالبحث عن ماهوخارج حياة البشروالكون والعالم والطبيعة !!.



وكأنما عندما انحرفنا عن منهج القرآن في فهم اهمية الحرف وقراءته بشكله الصحيح ابتلينا بصناعة امة خاوية وامية تتطلع الى معرفة ماوراء السماء من اسرار مع انها عاجزة عن فهم حرفها وقراءته وواقعها ومشاكله وتاريخها ومستقبله !!.

__________________________



alshakerr@yahoo.com