الأحد، فبراير 01، 2009

رسالة فكرية في الحرية الفردية .... رؤية أسلامية !. حميد الشاكر


(( الحرية كفكرة واقعية .... رؤية اسلاموية )) 1 ________________________________ أسئلة : صعب جدا هو ادراك مفهوم الحرية بصيغتها الفلسفية والاجتماعية والسياسية والعقدية !. ماهي الحرية ؟. هو المدخل الطبيعي للتعريف !. وكيفية فهم هذه الحريةهي الاس الذي من خلاله نشّيد اسطورة الحرية كواقع متحرك في الحياة ؟. وهل الحرية هي عين الاختيار أمّ الحرية لاتكتمل الا في دائرة الفوضى والتحرر ؟. ماهو قانون الحرية الواقعي ؟. وهل هو تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الاخرين ؟. أم هو تنتهي حقوقك عندما تبدأ حقوق الاخرين ؟. ام هو تبدأ واجباتك عندما تنتهي واجبات الاخرين ؟. هل الحرية فكرة وشعور او هي ممارسة وسلوك ؟. ومن هو الحرّ حقا ؟. وهل هو ذاك النقيض للعبد ؟. وكيف نفهم قضية الانسان المستعبد والحرّ في هذه الرواية ؟. ولماذا ينبغي ان يكون الانسان حرّا ؟. ومتى يكون الانسان عبدا ؟. وهل هناك حرية حقا في هذا العالم ؟. والا يتناقض مفهوم الحرية مع مفهوم القانون في الحياة ؟. واذا كان القانون الاجتماعي هو تقنين وادارة لحريات البشر ، أفلا تعتبر موضوعة الحرية عندئذ اكذوبة لكنها لطيفة ؟. واذا ماصادفنا قنّ تستعبده الحاجة وتروضه المتطلبات وهو يشعر بسعادة الحرية فهل نفهم من هذا انه حرّ ولكن بشكل غير انساني ؟. وما الفرق بين حرية الحيوان ككائن حيّ لاتقيده الا قوانين الطبيعة وبين الانسان ككائن حيّ ولكن تقيده قوانين الفسلجة وقوانين الاجتماع ؟. الا يمكن ان يقال هنا ان الحيوان اكثر حرية او تحررا من الانسان ؟. لكن الحيوان له حق ممارسة الحرية الفوضوية والانسان له حق ممارسة الحرية المقننة وهذا هو الفرق ؟. الايوجد تناشز كبير بين مفهوم الحرية ومفهوم المجتمع ؟. واليس من الطبيعي ان يكون مفهوم الحرية عامل في النظم الفردية اكثر من عمله في الاجواء والنظم الاجتماعية ؟. وهل حقا ان المنظومة الرأسمالية منظومة ومنتج من فلسفة الفردية والحرية ، بينما المنظومة الاشتراكية هي منظومة ومنتج من الفلسفة الاشتراكية الاجتماعية ؟. وهل يمكننا ان نفهم الحرية والفردية على اساس انهما النقيض للاشتراكية والاجتماعية ؟. واين مفهوم الحرية الفردية من العدالة الاجتماعية ؟. وعندما تتعارض الحرية والعدالة فما ينبغي علينا ان نختار ؟. وعندما نجد رأسمالي متعفن يدعوا للحرية الفردية باعتبارها اساس ومبدأ حق التملك والاستهلاك ليزيد من رصيده الراسمالي ، فهل نفهم الحرية على اساس انها لافتة سياسية ؟. ام علينا ان نفهم الحرية وبغض النظر عن المستغلين لها على اساس انها حق انساني ومميز بشري وتاج روحاني كبير ؟. وما موضوعة الفكر الذي يرى ان الحرية حرية الافكار والارواح لاحرية الاجساد والرغبات ، فهل نفهم من ذالك ان التحرر من الرغبات هو الاساس الحقيقي لحرية الانسان ؟. ام نفهم ذالك على اساس انها محاولة لفهم الحرية ولكن بصيغتها الاصيلة لا المزيفة ؟. وهل للحرية مفهوم اصيل واخر مزيف ؟. ومامعنى من يقول : ان الحرية هي ممارسة اللاحرية في الاختيار وليست ممارسة التحرر في السلوك ؟. وهل صحيح ان الحرية وهم مبتدع خلقه الفكر الانساني ليعيش في احلام اليقظة عندما لم يرى افقا او مخرجا من عيش الحياة الاجتماعية بواجباتها الثقيلة ؟. وعلى هذا فهل نفهم الحرية على اساس انها النقيض للواجب ؟. وماموقع الحرية بين مفهومي الحقوق والواجبات في العالم الانساني ؟. واذا كان الانسان ملتزما بواجباته تجاه الحياة ، بالاضافة الى التزامه الاخلاقي امام حقوقه وحقوق الاخرين فهل سوف يبقى معنى لحريته كمفهوم او فكرة واقعية ؟. ********************* (( الحرية كفكرة واقعية .... رؤية أسلاموية )) . 2 _____________________________________(( ادراك الاعتباريات العقلية )) مفهوم الحرية : 1:-صعب جدا هو ادراك مفهوم الحرية بصيغتها الفلسفية والاجتماعية والسياسية والعقدية !. والحقيقة ان مكمن الصعوبة في ادراك وتعريف الحرية هو في ان المتناولين لمفهومة الحرية من مدارس ومفكرين قد تناولوها بشكل مختلف ومن زواية متعددة ، فمن الجانب العقدي الاسلامي تناولت الاطروحة الاسلامية مفهومة الحرية من منطلقاتها الفلسفية الواسعة ، لترى ان الانسان حرّ ، اي هو صاحب خيار وقدرة على الانتخاب لطريقه في هذه الحياة ، وعليه برزت في منظومة الفكر الاسلامي العامة مسائل تدرّس في الفكر الاسلامي من قبيل مسألتي الجبر والتفويض والامر بين الامرين باعتبار انه : هل ان للانسان قدرة وحرية على انتخاب افعاله ام انه مجبر ومجبول على طريقه في هذه الحياة ؟. وهنا ومن خلال القبول بفكرة ان الانسان حرّ في الفكر الاسلامي - بالحرية التي وهبها له الخالق سبحانه - ترتب على هذه المقدمة مواضيع قانونية وفكرية من قبيل ان الانسان مسؤول عن افعاله وانه مكلف في الشرع الاسلامي بما هو تحت قدرته من الفعل والتوجهات ، لنخلص الى النتيجة الاسلامية القائلة : ان الانسان تميز عن باقي موجودات العالم الكونية بانه مخلوق حرّ وله قدرة الفعل المستقله في هذه الحياة ، وهو ماهيئه ليكون خليفة لله وللمجتمع - لله بأن يطيعه وللمجتمع بأن يديره بالعدل - على ادارة شؤون هذا العالم والكون :(( واذ قال ربك للملائكة اني جاعل في الارض خليفة ، قالوا اتجعل فيها من يفسد ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك ، قال اني اعلم مالاتعلمون / قرءان كريم )) . ومن هنا كان الانسان مدروسا في الاطروحة الاسلامية من خلال انه : انسان حر على مستوى الافعال والتوجهات وانتخاب الطريق في الحياة (( انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا / قرءان كريم )) 2: - وكيفية فهم هذه الحرية هي الاس الذي من خلاله نشّيد اسطورة الحرية كواقع متحرك في الحياة ؟. ان كيفية الفهم لموضوعة الحرية تجعلنا نطلّع على الماهية الحقيقية لفكرة لماذا ينبغي ان يكون الانسان حرّا في هذا العالم ؟. نعم كيف يكون الانسان حرّا ؟. ان الحرية هي مفهوم ايجابي في الحياة وليست هي مفهومة سلبية في هذا العالم ، بمعنى ان الانسان يستثمر حريته ويشعر من خلالها انه انسان ايجابي ، عندما يحوّل حريته الى انتماء واختيار لطريق ما في هذه الحياة ، ليتحول من ثم من فوضويا يتمتع بالحرية السلبية الى ايجابيا ينتقل من مجرد فكرة انه انسان حر الى فكرة انه يكون حرّا (( قادرا على الاختيار بحرية )) عندما يكون منتميا لفكرة تشرح له سرّ وجوده في هذا الكون ولماذا هو وجد وماينبغي عليه ان يفعل للعالم وماواجبه في هذا الكون وماهي حقوقه ومتى تنتهي ومتى تبدأ ....... وباقي منظومة الفلسفة التي توضح له ماهية كونه انسانا حرّا وقادرا على ان يكون حرّا ؟. بمعنى ربما يكون اكثر وضوحا نقول : ان الانسان عند ادراكه انه مخلوق حر لاينبغي عليه ان تنتهي رؤيته للحرية في كونها مشروع فوضى معطل لمفهوم الحرية او قاصر عملها على الاساس الفكري لموضوعة الحرية ، بل ينبغي عليه ان يفكر ان الحرية بمعناها الواسع هي وسيلة من خلالها يتمكن الانسان من القدرة على الانتخاب لمشروع الانسان في هذه الحياة ، وعليه كانت حرية الانسان الوجه الاخر لارادته وانتخابه في هذه الحياة ، بل وان الانتماء لفكرة ما في هذه الحياة هو الذي جعل للحرية قيمة في الوجود هذا ، وليس العكس في ان تمارس الحرية السلبية بلا خيار للحياة ، فان وظيفة الحرية وعلى اساس هذه الرؤية تكون فاعلة وايجابية عندما تكون فاعلة ومتحركة ومنتخبة لانتماء فكري ما ينظم من مسيرة الانسان في هذا العالم وموضح له حقوقه من جهة وواجباته من جانب اخر ليتحول الانسان من تاءه في المجتمع الى عضو فاعل له حقوق كما ان عليه واجبات تجاه هذا المجتمع وهذا العالم وهذه الخلقة بالتمام وما مقصود وجوده في هذا العالم :(( هل اتى على الانسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا ، انا خلقنا الانسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلنه سميعا بصيرا ، انا هديناه السبيل اما شاكرا واما كفورا / قرءان كريم )) اذا الحرية بهذا المعنى (( الاسلاموي )) تتحول الى مسؤولية اتخاذ القرار في الحياة ، والانسان الحرّ هو الانسان القادر على اتخاذ القرار والانتخاب الجيد والانتماء المفيد لفكرة واطروحة تمكنه من فهم وجوده كانسان في هذا العالم ، ليحوله هذا القرار وهذا الانتماء وهذا الانتخاب من كونه انسان حرّ سلبي الى انسان حرّ ايجابي يقيده انتخابه وانتمائه وتأسره حريته لفكرة هي ارقى مستو من كونه حرأ الى كونه انسان مسؤول وصاحب فكرة ورؤية والتزام لينتهي دور الحرية عندما يبدأ دور الرؤية والانتماء والانتخاب للطريق السوي في هذه الحياة ، لينتقل من ثمّ الانسان من انسان يتماهى مع باقي الموجودات في الحرية الفوضوية الى الانسان المتميز بعقلنة الحرية وتحويلها الى مشروع مفكر ورؤية للعالم والكون والوجود والانسان الاخر !. 3: - ماهو قانون الحرية الواقعي ؟. ومن هنا نفهم ان قانون الحرية باسلوبها الفوضوي او اللامنتمي او اللاخياري او اللافكري ....، هو : تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الاخرين ؟. اما قانون الحرية باسلوبها الايجابي المعقلن والمفكر فيه والمنتمي والمنتخب فهو : تنتهي حقوقك عندما تبدأ حقوق الاخرين ، باعتبار ان الحرية هي جزء من الحقوق العامة ، وليست الحقوق العامة هي جزء من الحرية ، وذالك حسب الرؤية التي يعتمدها وينتخبها الانسان من خلال خياره في هذا العالم ، فالعالم في فكر الانسان المنتمي مختلف بحقوقه وواجباته عن الانسان اللامنتمي وصاحب الحّرية السلبية والذي يرى ان لاحدود حقيقية او قانونية لحريته التي لاتفهم معنى ان يكون الاخر الانساني مشارك له في حريته عندما يقال له : تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الاخرين ، فهذه الاطلالة لاتقنعه بلماذا كان الاخر سجنا وقيدا على حريتي ومانعا من توسع هذه الحرية ؟. كذا الانسان الفوضوي الحرّ لايفهم ايضا من هو صاحب الحق في العالم الذي بامكانه ان يحكم بالمسافة الفاصلة بين حريتي وحرية الاخرين ليقيد من انطلاقتي والتمتع بحريتي المطلقة ، وعليه يكون الاخر الذي يقيد حريتي هو العقبة امام تمتعي بكامل الحرية الفوضوية التي كان ينبغي ان تتوسع لولا وجود الاخر الذي تنتهي حريتي عنده ، ومن هنا نشأة مقولة الصراع مع الاخر في فكر الانسان الفوضوي والتفكير الجاد بالكيفية التي من خلالها نتخلص من الاخر الذي ليس له موقع في هذه اللوحة الا كونه معيق للحرية المطلقة !. اما الانسان المنتمي صاحب الحرية الايجابية فرؤيته مختلفة تماما باعتبار ان انتمائه للفكرة شرحت له مضمون كونه انسان مسؤول وانه انسان صاحب مشروع في هذا العالم على اساسه ينبغي ان يرى ان حريته هي جزء من حقوقه والتي هي نفسها حقوق الاخر الانساني ايضا الذي يشاركه في ممارسه الهدف نفسه في هذا العالم ، وكما ان حقوقك تنتهي عند حقوق الاخرين ، فكذا واجباتهم تبدأ نحوك عندما تنتهي واجباتك لديهم ، لتكون الفكرة قائلة بالتمام : ان حق الحرية لديك هو نفسه الحق الذي يمتلكه الاخر الانساني ، وعليه تكون الحرية القاسم المشترك بينكما لالتنتهي عند حدود هذا الاخر او ذاك بل لتبدأ كواجب عند هذا الانسان او ذاك ، ومن هنا نفهم لماذا ينبغي عليّ ان ادافع عن حق الحرية للاخرين وذالك باعتباره بالاضافة الى الواجب هو كذالك حقي في هذه الحياة التي يشاركني فيها غيري فحرية الاخر هي حريتي او هي الامتداد الطبيعي لحريتي وحقي في الوجود ، وليست هي الجدار والقيد الذي يوقف من حقي في الاستمتاع بحق الحرية المطلقة كما يراه اصحاب الفوضى الخلاقة !. 4: - هل الحرية فكرة وشعور أم هي ممارسة وسلوك ؟. اذا قلنا ان الحرية فكرة وشعور قلنا بانها تحولت الى ايدلوجيا وعقيدة ورؤية ومنظور ، أما ان قلنا انها ممارسة وسلوك فقد قررنا انها دخلت في حيز القانون والتقنين والمسؤولية والتكليف !. ولعل هنا من يلاحظ ان في التقسيم المراد له ان يشطر الحرية الى قسمين قسم نظري واخر عملي ، ان فيه نوعا من التناقض او التناشز او التضاد في الرؤية ، وذالك من خلال قولنا :(( الحرية فكرة )) فالقول ان الحرية تحولت الى فكرة يقتضي علينا حتما ان نقول ان صاحب الفكرة هذا هو انسان منتمي الى رؤية تشرح له الكيفية التي ينبغي عليها ان يكون سلوكه في هذه الحياة والكيفية التي ينبغي ان تكون عليها مواقفه تجاه العالم ، فهو انسان يشعر انه حرّ لذالك هو انسان انتمى من خلال حريته لانتخاب طريق او فكرة تنظم له وجوده في هذه الحياة ؟. اما قولنا :( الحرية سلوك وممارسة )) فهنا نحن امام منظومة فكرية نظمت من ممارسة الانسان لسلوكه الاجتماعي والذي يعني بالضرورة ان الانسان تنازل عن جزء من حريته المطلقة للمجتمع لينظم سلوكه وممارسته في المجتمع قانونيا ، وعليه يكون من المستحيل الفصل بين الحرية وبين كونها اما فكرة او ممارسة باعتبار ان الفكرة لاتنفصل عن الممارسة ولاتقسم الى شطرين مطلقا ، بل كل مافي الامر ان الفكرة والممارسة وجهان لعملة واحدة تسمى حرية الانسان الايجابية ، وهنا فحسب نفهم لماذا كان الانسان مسؤولا باعتباره كائنا حرّا فكريا وسلوكيا !. 5: - ومن هو الانسان الحرّ __________________________ (( الحرية كفكرة واقعية ... رؤية أسلاموية )) . 3 . ________________________________________ (( كيفية ان تكون حرّا )) ومن هو الحرّ حقا ؟. وهل هو ذاك النقيض للعبد ؟. وكيف نفهم قضية الانسان المستعبد والحرّ في هذه الرواية ؟. ولماذا ينبغي ان يكون الانسان حرّا ؟. في الرواية الاسلامية مقولة للانسان المنتمي هي : انه عندما تريد ان تكون حرّا فلا تتخذ غير الله سبحانه الاها !. وهذه الزاوية من الرؤية الاسلامية تنظّر لمقولة وجوب التحرر من اي سلطة والخضوع لاي قانون سوى سلطة الضمير التعبدي لله سبحانه ، والقانون الاخلاقي للاسلام ، باعتبار ان اي خضوع - حسب ماتراه الاطروحة الاسلاموية - او تسليم او انقياد او اتباع لاي فكرة او قانون او ايدلوجيا ,... يعتبر في العرف الاسلامي خضوعا وعبودية لهذه المنظومات الفكرية والقانونية ، وهذا باستثناء ما تأمر به الاطروحة الاسلامية نفسها من ضرورة الالتزام بالقوانين والعهود والمواثيق ....الخ التي لها وجه انساني ولكنها بغطاء اسلامي يعد الالتزام والخضوع والانقياد لها من ضمن الدائرة الكبيرة لطاعة الله والاسلام في العرف الاسلامي التعبدي !. ولعلّ هذه الرؤية منطلقة من كون الانسان المنتمي هو انسان بالضرورة تابع لرؤية تنظم له الحياة وتشرح له الواقع وعليه كان الانسان المؤمن بقضية او بمبدأ بالضرورة سيكون مقيدا بهذه القضية وتابعا لمقرراتها وملتزما بحيثيات المبادئ المتولدة منها ، مما يجعله انسانا قيد الرؤية وتابعا لها وهذا المعنى هو ماتطلق عليه الرؤية الاسلامية مصطلح (( عبودية )): - اتخذوا احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله - / قرءان كريم . ومن هنا كانت الرؤية الاسلامية تقول بوجوب التحرر من قيود العبودية المادية والمعنوية على حدّ سواء ، ولايكفي التقرير لهذا التحرر عندما تقول لائحة الحقوق الاممية :( يولد جميع الناس احرارا متساوين ..)) بل يجب صياغة المقولة - حسب الرؤية الاسلاموية - بهذه الصيغة التي يعبر عنها علي بن ابي طالب ع تلميذ محمد رسول الله ص ومعلم الاسلام بمقولته :(( لاتكن عبد غيرك وقد ولدك الله حرّا )) !. اي ينبغي على الانسان النضال من اجل التحرر من العبودية (( او العبوديات المتعددة من معنويات ، الخوف ..حقد .. انانية .. شره ...الخ ، ومادية مال .. تجارة .. استرقاق ...الخ )) .، ولايكفي اقرار الحرية له فحسب او ادراجها بشكل قانون اممي اخلاقي فحسب ، لكن ينبغي بعد ذالك ان يثقف الانسان المنتمي على مقولة ان الحرية تنتزع ولاتوهب من قبل الاخرين !؟. وهنا تبرز معالم من هو الحرّ في منظومة الفكر الاسلامية ، والكيفية التي من خلالها يصبح الانسان سيد نفسه بالحقيقة !. نعم للاطروحة الاسلامية فضاء واسعا لمفهومة التحرر ، ومن هو الانسان الحرّ حقا ، تنطلق -هذه الاطلالة الفكرية - من كون الانسان في طريقه الى الحرية الحقيقية ، يمرّ بالمرحلة الاصعب من التحرر وهي مرحلة التحرر المعنوي التي تسيطر فيها الجوانب المعنوية للانسان على كيان الانسان وتعتقل حريته وتحوله الى قنّ عاجز عن الفعل بحرية حقيقية ، وهذه المرحلة تسمى مرحلة (( الانتصار على الذات )) في العقيدة الاسلامية ، فالذات الجوانية الانسانية هي القاعدة التي ينطلق منها الانسان لتحرير نفسه من الخارج المستعبد ، اما ان كانت الجوانية المعنوية للانسان هي اقوى واكبر من ارادة الانسان على الفعل الحر ، فحتما سيكون الانسان اكثر ضعفا في معركته مع الخارج الانساني !. بمعنى ان منظومة الفكر الاسلامية ومن خلال استقرائها بصورة دقيقة نرى انها شديدة العناية بالجانب المعنوي الجواني للانسان المنتمي ، بل وتعتبر ان الانسان من الداخل يجب ان يحرر اولا من نوازعه الشريرة واخلاقياته السيئة و....الخ ، كي نتمكن من صناعة انسان حرّ وقادر على الفعل والتاثير الحقيقي في العالم الخارجي ، لذا جاءت التعاليم الاسلامية مركزة بكثافة على الجانب المعنوي الاخلاقي للانسان في محاربة الانانية والجشع والخوف والطمع والحسد والغل والحقد وبغض الخير والتعشق بالشر ودروبه المظلمة .....، لتصل هذه الاطروحة الاسلامية الى صياغة انسان قوي ونظيف من الداخل وفي الوقت نفسه متحرر وحرّ من كل الضغوطات النفسية الرديئة والتي تعيق ان يكون الانسان متحررا وحرّا ، لتنطلق به - الاطروحة الاسلامية هذه - الى الفضاء الاوسع المادي لتحرره من عبودية الانا وعبودية المال وعبودية الخوف وعبودية العادة والتربية وعبودية ............ الخ باقي العبوديات الخارجية التي ان سيطرت على الانسان فمن الصعب وصفه بانه انسان حرّ حسب الرؤية الاسلاموية هذه !. اذا : الانسان الحرّ في الرؤية الاسلامية هو الانسان الذي استطاع التغلب على صفاته الانسانية السيئة من الداخل ، واستطاع التمرد على عبودية الاشياء الخارجية للعالم ، ليصبح سيد نفسه بالحقيقة وبدون اي مؤثرات من هنا او هناك تنال من قدرته على الفعل او اتخاذ القرار الحر ّ! . نعم في الرؤية الاسلامية شديد اهتمام بالحرية حتى في الجانب العبادي المرتبط بالعبودية لله سبحانه والتي يراها الاسلام انها عين التحرر الحقيقي من باقي العبوديات الصغيرة ، ففي معرض اصناف العبادة لله سبحانه يرى الاسلام وجوب ان يكون التعبد نفسه والذي هو لله سبحانه ينبغي ان يكون بشكل عبادة انسان حرّ وليست عبادة انسان عبد ! يقول أمير المومنين علي بن ابي طالب ع :(( العبادة ثلاثة عبادة العبيد وعبادة التجار وعبادة الاحرار ...)) فعبادة العبيد هي عبادة الخوف من الله سبحانه وعقابه ، اما عبادة التجار فهي عبادة الطمع بماعند الله من ثواب ، اما عبادة الاحرار فهي عبادة الشكر لله وهي ارقى العبادات !. عظيم هذا الاسلام حتى في حالة الخضوع والتعبد لله سبحانه لايريدنا ان ننسى اننا احرارا ويجب ان نعبد الله بحرية ؟!. يروى في الادبيات الاسلامية ان سبب لعن الكائن المسمى شيطانا وطرده واقصاءه من رحمة ربه هو ليس لكونه لم يطع الله سبحانه عندما امره بالسجود لادم ع فحسب ، ولكن السبب الاقوى لهذا اللعن وهذا الطرد من الرحمة هو مقولة الشيطان نفسه حينما قال :(( انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين )) وبسبب هذه (( الانا )) او الانانية طرد ابليس من رحاب الرحمة التي وسعت كل شيئ !. ان ابليس في الادبيات الاسلامية كان يعبد الانا وقد استعبدته الانانية تماما كي يصل الى مرحلة العجز عن اتخاذ القرار الصائب من خلال حريته المصادرة من هذه (( الانا )) التي اصبحت الاها يعبده ابليس بدلا عن الله سبحانه وتعالى !. ومن هنا نفهم لماذا يجب ان يكون الانسان حرّا ليتمكن من عبادة الله بصحة وحقيقة ، فلايمكن وحسب هذه الرؤية ان يكون الانسان عابدا لله بحق مالم يكن حرّا حقيقيا بالتمام !. بمعنى ان الانسان اذا لم يصل الى مستوى التحرر الحقيقي من كل شيئ ومن كل سطوة ومن كل تأثير ...الخ ، لايمكنه قطعا ان يكون عبدا عابدا متصلا بالله سبحانه وتعالى ، وهذا معنى المقولة التراثية :(( الهي كفى بي فخرا ان اكون لك عبدا وكفى بي عزّا ان تكون لي ربا )). ان الانسان الذي يريد وبحق ان يكون عبدا من عباد الله سبحانه عليه ان يضع في حسبانه ان عبودية الله في الرؤية الاسلامية هي الوجه الاخر للتحرر من عبودية الانا والمال والشرّ والنوازع الدنيئة وحب التسلط والموت على اشياء العالم حبا وولها ، وان يدرك ان لاعبودية لله سبحانه بدون حرية مطلقة لانسان حرّ من كل القيود والاغلال وغير ذالك من مفردات الانسان المستعبد !؟. وهنا نكون قد فهمنا معنى من هو الحرّ ؟. ولماذا يجب علي ان اكون حرأ ؟. وما معنى لاتكن عبد غيرك وقد خلقك الله حرّا من وجهة النظر الاسلاموية ؟!. ___________________________ (( الحرية كفكرة واقعية .... رؤية أسلاموية )) . 4. ________________________________(( الحرية بين فكر الفلاسفة واستغلال الساسة )) هل هناك حرية حقا في هذا العالم ؟. والا يتناقض مفهوم الحرية مع مفهوم القانون في الحياة ؟. واذا كان القانون الاجتماعي هو تقنين وادارة لحريات البشر ، أفلا تعتبر موضوعة الحرية عندئذ اكذوبة لكنها لطيفة ؟. واذا ماصادفنا قنّ تستعبده الحاجة وتروضه المتطلبات وهو يشعر بسعادة الحرية فهل نفهم من هذا انه حرّ ولكن بشكل غير انساني ؟. كثيرا مانصادف مفهوم الحرية على السنة البشرية وباستخدامات مختلفة الاغراض العقدية والسياسية والاجتماعية والفردية ، والحقيقة ان سرّ توهج ولمعان مصطلح الحرية هو في كونه المصطلح الموضوع بالنقيض وفي قبالة العبودية وما لها من صور بشعة ورديئة في مخيلة العالم الانساني في الماضي وحتى اليوم ، فالعبودية هي الظلم والاعتداء وعدم الاعتراف بالحقوق والطغيان والتكبر .... وباقي العناوين الاخرى التي لايختلف وقعها السيئ على مشاعر هذه الامة من البشرية او تلك !. وعليه كان ولم يزل مصطلح (( الحرية )) يتمتع بالمرونة والرشاقة والجمال في المخيلة الانسانية كلما تقدم الزمن وكلما تقادم المكان ؟!. ولكنّ ومع ما للحرية من توهج ولمعان وقوة في حياة ومشاعر الانسان ، سرعان مانجد الانسان وفي زحمة الحياة الاجتماعية ومتطلباتها القاسية يميل الى التناسي التدريجي لهذه الحرية الحلم ، وشيئا فشيئا حتى يغرق الانسان في التراتبية الحياتية وضغط القوانين السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، لنصل الى زاوية الحلم الذي يتذكره الانسان بكل شعور طيب ولكن سرعان مايلتفت الى غيره ، وكأنما تغدو الحرية هنا محطة راحة تأملية يستشعرها الانسان ليلتقط انفاسه من ضغط الحياة وسرعان مايغادر هذه المحطة بوقود من الامل يلطف من جو الحياة الكئيب والمعتم هذا . نعم انه ضغط الحياة وقوانينها اضيف له ضغط الحضارة ، لتكتمل دائرة القتل العمد للانسان عند دورة الماكنة التكنلوجية الحديثة لتنطلق بكل سرعتها النووية والهيدروجينية ، ولتسحب الانسان وبكل قوة للحاق بها ، او (( للتواكب )) التطوري السريع مع انتاجها واستهلاكها الفضيع والذي انعكس بشكل دراماتيكي على حياة الانسان الفكرية والنفسية والروحية والمادية ، ومن ثم ليجد الانسان نفسه ليس فقط ليس لديه وقت للتأمل والتفكير بانسانيته فحسب ، بل وليتحول الى ماكنة حقيقية بلا شعور ولا تأمل ولا احساس بمايسمى حرية انسانية اصلا ، فضلا عن كون مصطلح الحرية تحول لديه الى نكتة يتمسخر بها كلما احتاج لتذكر انه انسان حرّ ؟!. ان ظاهرة الحديث المتكاثر على السنة السياسيين اليوم عن (( الحرية )) وبشكل ملفت للنظر لاتعني هذه الظاهرة وبالضرورة ان الحرية حاضرة في حياتنا وبكل قوة ، بقدر ماتعني ان (( الحرية )) نفسها وباعتبار انها تحولت في حياة الانسان التكنلوجي المتطور الى مجرد نكتة وحلم ، لذالك هي استنفدت كل حيويتها الايدلوجية لتصبح - فكرة الحرية - مجرد ورقة كسب انتخابي او جماهيري ساذج يتلاعب بها اكذب خلق الله على وجه الارض من سياسيين يتمتعون بالكذب ويتلذذون بصفة الزندقة ويتعشقون بلغة المكر والحيلة ، وعندئذ مادامت بضاعة (( الحرية )) وصلت الى هذا الرخص من التناول السياسي فحتما هناك خطأ في المعادلة الانسانية برمتها تجاه مصطلح الحرية !؟. هكذا عندما ينتقل المصطلح (( الحرية )) من لسان الحكماء والفلاسفة والعلماء والمتألهين والانبياء والقديسين ، ليصبح على السنة السياسيين والتجار واصحاب رؤوس الاموال المتعفنين ، فحتما عندئذ نشعر بخلل ما في مصطلح الحرية او تركيبها او فهمها الواقعي . كانت الحرية شعورا في سالف الازمان يرافق الخبز عندما كان التحرر يعني خبزا لعشاء الليلة ، كما ان الحرية كانت ارضا تسترجع او كرامة تصان من ان تداس تحت اقدام المتخمين والفجرة ، كما ان الحرية كانت ابداع في التفكير وتخلصا من الخوف وانطلاقا نحو الشمس من عفن الكنيسة او سطوة الامير ، أمّا اليوم فالحرية وبعدما اصبحت درهما بيد الساسة فقد تحولت الى سوط ومقصلة وظلم وتكبر ولعب ومظلمة ومن ثم خدعة وحيلة ووسيلة واستحمار وهكذا ؟. نعم انها كارثة ان تتحول الحرية الى حلم خافت يستشعره الانسان بكل عمق ويفتقده العبد بكل وضوح ، كما انها كارثة ان يدرك الانسان اليوم وبكل قسوة انه عبدا بكل جرأة في العالم الحر ؟. هذا العالم يسمى هو عالم التجار الاحرار !. عالم فيه الماكنة هي السيد المطاع وصاحبة الحضوة والصيانة ، وجرح شعورها او تعطيل ذراعها في مصانع التجار يعني بياتك واطفالك جوعا بلا غطاء ولارغيف ولا احترام !. عالم فيه قيمة الانسان مايملك لاما يحسن !. عالم فيه الانسان يشعر بالذل والعبودية الحقيقية تحت راية الحرية الفردية والسياسية والاقتصادية والعقائدية ؟. عالم فيه الادارة لرأس المال والمصالح ، وفيه الخارطة الاجتماعية ادوات شركة مساهمة ، المجتمع بعمله وجهده والساسة برؤوس الاموال والمصانع ، وربما تخسر الشركة فيطرد العمال او تربح فلك الفتات ولهم فائض القيمة وقيمة العمل مع السلعة ويبقى الحال على ماهو عليه حتى اشعار اخر بمعجزة لابشرية ؟. هل هي خطيئة العالم التكنلوجي المتطور ان تكون اول الضحايا هي حرية الانسان ؟. ام هي خدعة الاذكياء من تجار البشر الذين استطاعو صناعة (( حرية )) في مصانعهم ولفها بورق ملون وتسويقها لنا كحرية القرن الواحد والعشرين الجديدة والتي هي اقوى واجمل واكثر عصرية من حرية الانسان القديمة التي وهبها الله سبحانه وتعالى لنا ، والتي لم تعد صالحة اليوم باعتبارها حرية رجعية دينية ؟. أم ان الكارثة منشأها هذا القن او العبد الذي ارتضى هذا العالم الهابط ، لابل ومن غباءه ربما صفق له بحماس وضحى من اجله بدمائه كي توهب له الحرية المصنعة والمحسنة بمصانع البشوات الجدد ، ولكنه عند تناول اول وجبة من بيتزا الحرية سرعان ما جاع لاخرى ليجد نفسه عبدا تحول من سوط الجلاد الذي كان يريد فقط اخضاعه واذلاله الى سوط حرية القرن الواحد والعشرين الجديدة والتي لاتريد اذلاله بقدر ماتريد امواله ؟. (( مرة ذهبت الى منتزه جميل تكثر فيه الاشجار والازهار والطبيعة الساحرة ، وكان هناك الكثير من البشر يمرحون ويلعبون مع اطفالهم ، وكانت هناك روائح شواء اللحوم طاغيا على المكان ، واناس يمشون ويصطادون واخرون يتأملون الطبيعة ، وبالصدفة صادفت احدهم يحمل شيئا من العالم الحديث فيه اصوات عالية ومزعجة جدا - مسجل او مذياع - وهو يرقص مع موسيقى الراك بكل عنف فاستوقفني هذا المنظر الشاذ عن الطبيعة لاتسائل : لماذا يأتي الناس الى الاماكن الطبيعية الهادئة ؟. ولماذا هم يشعرون براحة واسترخاء وحنان كبير في هذه الاماكن ؟. وما فلسفة ان يهرب الانسان من العالم الحديث ليأتي الى العالم القديم ؟. فكان الجواب الذي تبادر الى ذهني هو : ان الانسان يشعر بحنان وعاطفة جارفة الى حياته القديمة عندما كان يعيش وجه لوجه مع الطبيعة وبكل حرية وهدوء ، كما انه مازال يعشق حياة البساطة الطبيعية التي كان يصطاد قوت يومه الطازج ليأكله بكل عفوية نيئا او ليرميه على نار لتنضج من قوته ومن ثم ليأكله وبدون تفكير بصلاحيته والامراض التي ربما تكون فيه ، وعليه كان انجذاب الانسان ومازال الى الاماكن الطبيعية هو تعبير عن انجذاب فطري لعالم الانسان القديم بكل مافيه من روعة لاسيما روعة عدم وجود النقد وفكرة الرأسمال من جهة وهروب وتمرد على العالم التكنلوجي الحديث وما صادره من حرية الانسان من جهة اخرى ، ويكفي عبودية للانسان ان تنقله الحضارة من فسحة الطبيعة وهدوءها اللامعقول وهوائها الصحي الى عفونة الجدران وغلق النوافذ ومخافة اللصوص .... الى اخر منغصات الاجتماع الحضاري والارهاب من الاخر التي تصنعه حياة الاجتماع الحديثة !؟. اذا مابال هذا المخلوق الذي يحمل مذياعا حديثا من العالم الجديد وياتي به الى العالم القديم ؟. ان من مميزات العالم الطبيعي القديم هو الابتعاد عن الضوضاء والاخبار المهلكة والمزعجة للاعصاب وطلب الهدوء والسكينة ، فلماذا يجلب هذا المعتوه شيئا من العالم الحديث المزعج والمتهور والصاخب والمجنون والمؤلم ؟. يبدو ان هذا الانسان الذي يريد ان يفسد علينا هروبنا الى العالم القديم لايفهم فلسفة ان يأتي الانسان الى عالم الطبيعة ، او انه تحول الى حيوان لايدرك لماذا تهرب الناس من الحضارة الى الطبيعة لذالك ومن عظم ما الحضارة المادية مسخت كل انسانيته وحولته الى عبد لايستطيع ان يتخلص من انتاجها التكنلوجي فهو يحمل المذياع معه اينما ذهب ليدلل على انه انسان مستبعد تماما لادوات الحضارة الجديدة فهو لذالك لايفهم معنى ان يكون قريبا من الطبيعة الخضراء الهادئة ويفهم ان يكون قريبا من المذياع فحسب ؟.)) ان المنشأ الحقيقي لكارثة مفهوم الحرية اليوم هو في الانسان الذي يغرق كل يوم في العبودية والاستعباد حتى تمسخ انسانيته تماما ويتحول الى مجرد رقم في ماكنة تجارية وهو يعتقد وبكل قوة انه الحرّ والوحيد في العالم الذي عليه التبشير بحريته هذه الى باقي البشر !. ________________________ (( الحرية كفكرة واقعية .... رؤية أسلاموية )) - 5 - ___________________________________(( الحرية منحة ربانية )) وما الفرق بين حرية الحيوان ككائن حيّ لاتقيده الا قوانين الطبيعة وبين الانسان ككائن حيّ ولكن تقيده قوانين الفسلجة وقوانين الاجتماع ؟. الا يمكن ان يقال هنا ان الحيوان اكثر حرية او تحررا من الانسان ؟. هناك من يرى نظريا وفلسفيا وعلميا ان بين الانسان والحيوان الكثير من المشتركات الفسلجية والطبيعية وحتى التأريخية (( دارون تشارلز ))، فالحيوان كائن حي حاله حال الانسان في هذه الجهة ، وله متشابهات عضوية فسلجية كثيرة بالاضافة وفكريا ان الحيوان هو الاصل الطبيعي للانسان ، فالانسان هنا ماهو الا رقم اكثر تطورا في السلم الطبيعي والخلقي فحسب ، وعليه كان ولم يزل بين الانسان والحيوان اكثر من رابطة عضوية وطبيعية وتأريخية وربما نفسية واخرى روحية هذا !. صحيح كان العقل الطبيعي والماوراء الطبيعي (( الفلسفي )) يرى - مسكويه وابن خلدون وغيرهم من فلاسفة - ان لهذا الوجود الكوني والانساني والطبيعي تراتبية معينة ، تبدأ بالجماد والذي هو اهبط السلم الطبيعي في الوجود ، ليرتقي للكائن النامي من النبات ، ثم ليرتقي خطوة اكبر ليكون حيوانا غير ناطق ( عاقل ) وبعد ذالك ليقفز الكائن الحي قفزة كيفية نوعية ليصل الى الارتقاء الانساني الناطق ، وبعد ذالك بامكان الانسان من خلال التفكر والمجاهدة والرياضات ان يصل الى مافوق البشرية من التكامل والارتقاء الروحي والفكري والانساني ليتصل بعوالم مافوق البشرية في قوانينها الكونية !. نعم في منظور هذه الافكار نحن امام قائمة من التنقلات لكائن واحد عملت فيه ماكنة الطبيعة لتطور من ادائه ووجوده فهو مرة جماد ، ومرة اخرى نبات ، ونفسه تحول الى حيوان ليصل الى انسان ..، وعليه كان الانسان والحيوان في مرحلة من المراحل وجهان لعملة واحدة ، والفرق ان العملة انقلبت من وجه الحيوان الى وجه الانسان فحسب !. وهنا فقط بالامكان ان ندرس الانسان على اساس انه حيوان متطور في جميع مجالات حياته الفكرية والنفسية والفسلجية العضوية ومن ثم لنقارن بين ماعليه الحيوان كمرحلة ارتداد الى الخلف في عملية التطور الطبيعية وبين ماعليه الانسان كمرحلة تقدم في العملية نفسها ، لننظر بعد ذالك لكل الحياة البشرية من هذه الزاوية فحسب ، في القانون والاجتماع والنفس والحقوق والواجبات وباقي مفردات العالم الانساني بمافي ذالك عالم حرية الانسان وكيف تولدت ولماذا هي حق طبيعي وهبته الطبيعة - كما يراه سبينوزا وغيره - للانسان ومن له الحق في مصادرة هذا الحق الطبيعي ، وهل من حق الانسان ان يتنازل بالقوة للدولة - كرؤية هوبز الانجليزي - او بالعقد للمجتمع - كما يراه دوركايم وغيره الفرنسي - عن حريته ، ام انه ليس هناك قوة في العالم بامكانها تجريد الانسان عن حق الحرية هذا ؟. انها اسئلة يراها البعض مهمة في الجانب الطبيعي بين الانسان والحيوان ، ولكن هذا البعض يراها تافهة في جانب الحقوق والواجبات في مبضع الحرية ، فهذا البعض - وول ديورانت في قصة الحضارة - لايدرك معنى ان تكون الحرية هبة طبيعية ، فالطبيعة موجود جامد لايهب ولايمنع ، وانما الحرية منحة اجتماعية حضارية ترفية يتنازل المجتمع عنها كحق للفرد فحسب ، ومن حقه ان يسلبها المجتمع من الفرد متى يشاء ان اساء الفرد استغلال حق التمتع بالحرية ، لذا من العلمي ان نقول ان الانسان في جذوره الطبيعية هو حيوان متطور لكنّ من غير الفكري ان يقال ان حريته هبة من الطبيعة التي وهبت الانسان والحيوان حريتهما المعاشة !؟. انها اراء مختلفة في اتجاهات انسانية متنوعة ، لكنّ جميعها يحاول البحث عن اجوبة لتأريخ وحياة الانسان المعقدة ، ففي الاجوبة التي تحاول حلّ لغز ذالك الانسان المجهول تكمن الاسس التي بالامكان البناء على اعمدتها فلسفيا لقصة الانسان الكبيرة في هذا الوجود ، لندرك بعد ذالك فلسفة لماذا وجد الانسان ؟. او نعرف هل للوجود الانساني من حكمة او فلسفة في هذا العالم ؟. أمّ انه مخلوق وجد في هذا العالم صدفة وعليه ان يعيش هذه الحياة فحسب ؟. يبدو ان المسألة ومنشأ تعقيدها يكمن في المنحى الفكري الذي من خلاله نحاول فهم الانسان وحلّ لغز وجوده في هذا العالم وكيف ولماذا هو وجد في الاساس ؟. الاول المنحى الفلسفي والفكري والايدلوجي الذي يحاول فهم الموضوعة من خلال الية معينة في التفكير الانساني تبدأ من العام الى الخاص لتطرح المشكلة من زاوية (( لماذا )) الفلسفية لتصيغها بهذه العملية : لماذا وجد الانسان في هذا العالم ؟. ولماذا ينبغي ان يكون حرّا في هذه الحياة ؟. ولماذا .......الخ ؟. اما الجانب الاخر وهو الجانب الذي يسمى علميا تجريبيا والذي له الية مغايرة في اساليب التناول والتفكير ، تبدأ من الخاص الى العام لتطرح الاشكالية من خلال زاوية (( كيف المادية الطبيعية )) العلمية لتصيغ تساؤلاتها بهذه الكيفية حول الانسان : كيف وجد الانسان ؟. وكيف تحرك ؟. وكيف عاش ؟. وكيف ينبغي عليه ان يعيش ؟...... الخ !. طبعا هنا ال (( لماذا والكيف المادية )) او التوجه الفكري والاخر العلمي يجب ان يحترم بعضهما البعض الاخر في اختصاصه العلمي ، فمن المحترم ان يتسائل العقل العلمي عن الكيفية التي وجد من خلالها الانسان ومن ثم ليجري اختباراته المعملية على هذا السؤال ليكتشف ان اصل الانسان متطورا من والى حتى وصوله الى الانتقالة الكبيرة والمحيرة من الحيوانية الى الانسانية ؟. هذا تمام ، في حق العقل العلمي ، لكنه غير مسموح لهذا العقل المحترم ان يبحث موضوعة (( كيف ينبغي ان يعيش هذا الكائن المسمى انسانا في هذه الحياة ؟.)) باعتبار ان (( ينبغي )) هذه من اختصاص العقل الفكري الفلسفي صاحب الرؤية الايدلوجية التي تجيب على لماذا وجد الانسان ، وليس على كيف وجد هذا الكائن ؟. وهنا نستطيع ان نفصل بين وظيفة العقل العلمي والعقل الفلسفي الايدلوجي صاحب الرؤية والطرح الفكري الذي من حقه تناول موضوعات الحقل الانساني الاجتماعي والفكري و الروحي وغيرها من موضوعات لاتخضع لمعامل التجربة بقدر خضوعها لمعامل التحليل والرؤية الفكرية لنرى الاشياء الانسانية بعين مختلفة !. وعليه نحن بحاجة عندما نتسائل عن حرية الانسان واختلافها عن حرية الحيوان الى العقل الفكري الذي بامكانه الربط بين لماذا وجد الانسان في هذا العالم ؟. ولماذا ينبغي ان يكون حرّا في هذا الوجود ؟. وليس بحاجة الى الكيفية التي وجد من خلالها الانسان والكيفية التي تطور فيها هذا الكائن ليصل الى ماهو عليه الان ؟. ونعم في فكرة العقل العلمي لامنطقية علمية ترشدنا الى عقلانية ان الطبيعة العالمية تهب الحرية للانسان او الحيوان - كما يراه ديورانت - باعتبار ان الطبيعة مجرد جماد ، كما ان ليس هناك من واقعية لفكرة ان الانسان ((يولد عبدأ)) ولايهبه حريته غير المجتمع كما يراه نفس المذكور انفا - اقصد ديورانت - باعتبار ان المجتمع نفسه ماهو الا تجمع عددي للافراد فحسب وليس شخصيته سوى شخصية اعتبارية ، هو الانسان نفسه التي استخلصها من تجمعه الطبيعي والذي يفرض بعض قوانين التوافق بين اؤلئك الافراد فحسب ، وعليه فمقولة ان المجتمع هو الواهب الحرية للانسان كذالك هي اسطورة لاصحة لها كأسطورة هبة الطبيعة لهذه الحرية للفرد الانساني هذا !. واذا لايتبقى امامنا من فكرة محترمة لحرية الانسان الا ما اسسته الاطروحة الاسلامية من مقولة : ان الله عز وجل خالق الانسان ومؤسس وجوده في هذا العالم هو وحده صاحب الحق في منح الانسان حريته او رفعها عنه !. وذالك باعتبار ان فكرة الاطروحة الاسلامية الايدلوجية بالاضافة لكونها المدرسة التي تمتلك الرؤية الواسعة لتساؤلات : لماذا وجد الانسان في هذا العالم ؟. وكيف ينبغي عليه ان يعيش في هذه الحياة ؟.....الخ ترى ان الانسان شبه كائن مختلف عن باقي الموجودات ، فهو ليس حيوانا بغض النظر عن جنبته الطبيعية التي تشبه كثيرا الحيوان ، كما انه ليس ملاكا بغض النظر عن قدرته الكامنة فيه للارتقاء والنمو ، وانما هو انسان بكل مافيه وعليه مخلوق خلقه الله لغاية وهدف في هذه الحياة ووهبه الحرية والقدرة ليقوم بواجبه على هذه الارض ، هو اجتماعي بالطبع والفطرة له حقوق وعليه واجبات تنظم من خلال قانون معين ينظم من حركة وجوده الاجتماعية ، لذالك هو السيد وليس العبد ؟. ان فكرة ربط حرية الانسان بالله سبحانه وتعالى - حسب الرؤية الاسلاموية - ، ليس فقط هي الفكرة المحترمة عقليا فحسب ، بل وهي كذالك الفكرة التي تعطي غطاء القداسة لحرية الانسان بالعموم لتصبح حرية الانسان حق مقدس للانسان نفسه من خالقه سبحانه وتعالى ، وعليه فليس هناك من سلطة على وجه هذه الارض بامكانها ان تدعي الحق في سلب حرية الفرد الانساني ، سواء كانت هذه الجهة اجتماعية اوسياسية او اقتصادية او غير ذالك ، ولهذا جاء في الاطروحة الاسلامية مقولة (( لا اكراه في الدين )) باعتبارها الوجه الاخر لصيانه حرية الانسان في المعتقد الانساني لتكون هي وبنفسها عنوان (( قداسة حرية الانسان )) ولكن بشكل نفي الاكراه وعدم مشروعيته في مقولة (( لااكراه في الدين )) هذه !. نعم صحيح عندما قررت الاطروحة الاسلامية ان الانسان حرّ ومختار ، الزمته فيما بعد بفكرة وايدلوجيا لنظامه الاجتماعي ، ولكن هذا الالزام من قبل المنظومة الفكرية الاسلامية للانسان ليس ولم يكن هدفها نفي حرية الانسان او الغاء كونه انسانا حرّا ومختارا ، لا بل لكون وجوده مرتبط بفلسفة : لماذا هو موجود هنا وماهي الحكمة من خلقه في هذا العالم ؟. حتمت على الرؤية الاسلامية ان ترى انسانها الاسلامي في الدائرة الفكرية لاطروحتها العالمية والفلسفية للانسان هذا ، لتترك له الخيار اما مسلما واما كفورا حسب المصطلح الاسلاموي هنا والمتبلور في أما شاكرا واما كفورا !. ان المقارنة بين ان تكون الحرية هبة طبيعية يشترك فيها الانسان والحيوان تحت قانون الطبيعة هذه ، وبين ان تكون حرية الانسان هبة اجتماعية حضارية من جهة ، وبين ان تكون حرية الانسان هبة ومنحة الاهية في الرؤية الاسلامية ، يطلعنا على البون الشاسع بين منعكسات هذه الرؤى الفكرية على حياة الانسان ونظرته لهذه الزواية المختلفة للحرية ، فمنحة الطبيعة منحة فوضوية لاهدف لها ولاغاية سوى انه يكون الانسان حرّا عندما يكون هو والطبيعة فحسب في هذا الوجود ، هذا اذا لم نقل ان قانون الطبيعة هو من اعنف القوانين وابعدها عن مفهوم الحرية والتنفس ، ولكن مع ذالك ليس لهذا المفهوم اي رابط او التزام في المخيلة الانسانية لتدعوه لاحترام هذا الحق المزعوم للانسان من الطبيعة ، فماذا يعني بالنسبة لي ان تكون حرية الانسان هبة طبيعية ؟. وهل هذا المفهوم يعطي لفكري او روحي الانسانية اي شعور بواجب احترام هذه الحرية التي يتمتع بها الانسان ؟. ولماذا احترم الحرية الانسانية او هذه الهبة الطبيعية وما الداعي لهذا الاحترام ؟. وماهو اختلافها عن هبة الطبيعة لنا في باقي الاشياء الطبيعية ؟. وكيف لي ان افهم من الطبيعة لماذا وهبتني هذه الحرية ؟. وما المقصد من هذه الهبة ؟. واخيرا اذا كانت الحرية هبة طبيعية فكيف ولماذا كان القانون الاجتماعي نافيا لحريتي الطبيعية ؟. كذالك عند مقارنة هذه الحرية الطبيعية بمفهوم الحرية الاجتماعية التي يهبها المجتمع المترف للانسان باعتبارها نوع من التحضر ، فكذالك فان في مثل هذا المفهوم للحرية انا قريب للعبودية الاجتماعية اقرب مني لكوني انسانا حرّا وطبيعيا ، فلا فهم لي في الكيفية التي من خلالها اشعر ان حريتي مقرونة بالتحضر والترف الاجتماعي ، وكيف لي فهم زوال هذا التحضر والترف من الوجود الاجتماعي ؟. وهل عندما ينتفي الترف والتحضر فانا بالضرورة انسان مستعبد ام كيف تكون المعادلة ؟. اما في حيز المقارنة مع الاطروحة الاسلامية فان الموضوع مختلف تماما ، فانا امام خالق خلقني حرّا كي اكون انسانا ، ومن ثم انا ادرك لماذا انا حرّ ؟. وماهي وظيفتي عندما اعيش في مجتمع من الاحرار ؟. وما عليّ فعله عندما تهدد حريتي ؟. ومتى اكون في قمة التحرر ومتى اكون في قعر الاستعباد ... وهكذا !. ان الغريب حقا وكل الغرابة فيه ان الاطروحة الاسلامية الوحيده - في المجال الديني بالخصوص - في العالم البشري المفكر التي تقول بوجوب احترام حرية الفكر البشرية وقداسة حق الحرية للبشر لاعترافها بالاخر الانساني حتى وان اختلفت برؤيتها معه او وسمته بالكفر بماتعتقد هي به من فكرة حول الله والكون والوجود والانسان والحياة ؟. نعم الاعتراف بالاخر المختلف ، ووجوب احترام حريته وخصوصيته الفكرية والمعتقدية والاجتماعي ..، هي ما ارتقى بالاطروحة الاسلامية كي تكون مدرسة للانسان الحر قبل كونها مدرسة للايدلوجية الاسلامية العقدية ، وهذا مارشحها لمنصب مدرسة العدل الالهي للبشرية _________________________________ (( الحرية كفكرة واقعية .... رؤية أسلاموية )) - 6 - ___________________________________(( الحرية عندما تتحول الى سلعة )) اليس من الطبيعي ان يكون مفهوم الحرية عامل في النظم الفردية اكثر من عمله في الاجواء والنظم الاجتماعية ؟. وهل حقا ان المنظومة الرأسمالية منظومة ومنتج من فلسفة الحرية الفردية وليس العكس هو الصحيح بأن تكون الحرية الفردية هي المنتج من الرأسمالية ، بينما المنظومة الاجتماعية هي منظومة ومنتج من الفلسفة الاشتراكية الاجتماعية ؟. وهل يمكننا ان نفهم الحرية والفردية على اساس انهما النقيض للاشتراكية والاجتماعية ؟. عندما يتناول العقل السياسي المواضيع والمفاهيم الفكرية الانسانية فهو حتما وبالضرورة مختلف عن تناول العقل العلمي او الفكري الفلسفي لهذه المواضيع وتلك المفاهيم ، وهذا الاختلاف ليس هو بطبيعة الحال اختلاف في ادوات التعبير الابداعية ، او هو اختلاف في اساليب النظم الفكرية ، وانما هو اختلاف في (( الدوافع الكامنة )) لهذا العقل السياسي او الفكري خلف كل العملية التي يراد من خلالها فهم تلك المواضيع الفكرية والسياسية والعلمية ....الخ !. فمثلا : موضوعة من قبيل (( حرية الانسان )) عندما تطرح فكريا ، فانني سوف افهم ان دوافع هذا الطرح هي تعزيز او تدعيم فكرة حرية الانسان او الغائها ، من خلال رؤية فكرية مقنعة ورصينة في الفكر الانساني نكتشف بعد ذالك من خلالها : هل ان الانسان حرّ او غير حر ؟، وعليه نبني ونشيد رؤيتنا لهذا الانسان ودوره او ماينبغي ان يكون عليه دوره في هذه الحياة !. امّا عندما يطرح العقل السياسي رؤيته السياسية سواء كان هذا العقل رأسماليا تجاريا فرديا او كان اشتراكيا اجتماعيا ، حول موضوعة (( حرية الانسان )) فانني سوف افهم ان دوافع هذا الطرح مختلفة حتما عن الطرح الفكري الانف الذكر ، كما انني سوف تتوجسني خيفة من هذا الطرح الذي ولابد وبالضرورة ستكون دوافعه مشبوهة وفيها رائحة المنفعة والتي تعد وبلا مواربة اساس فلسفة العقل السياسي في رؤية الاشياء في هذا العالم الانساني المليئ بالجروح من العقل السياسي !. نعم : الفلسفة النفعية ليست سيئة في عالم السياسة والتجارة ، ولكنها تكون قبيحة جدا عندما تنقل سوقها ومداولاتها التجارية ومضارباتها النفعية من عالم سوق الاموال الى عالم سوق الافكار والمفاهيم لتتاجر ليس في الموارد والبضائع والنقد ، بل بالمعنويات والروحانيات والوجدانيات والاخلاقيات الانسانية ، عندئذ نحن ليس امام عالم تجاري هدفه الربح والخسارة بقدر ما نحن امام تاجر منحط لم يكفه النقد والمضاربات ليتاجر فيها بل وتعدى الحدود لينتقل الى التجارة بمشاعر الانسانية وامالها واخلاقها ومآسيها واحزانها ....الخ !. هل ترى كم هو سيئ ذالك السياسي الذي ينقل فلسفته السياسية من مجالها التجاري والدبلماسي العالمي ليمارس نخاسته العفنة في فضاء اخلاق وامال ورغبات الانسانية ، ومن ثم ليتاجر بهذه المعنويات التي لاتملك غيرها الانسانية اليوم بعدما فرغت جيوبها من الاموال التي نهبها هذا التاجر السياسي الراسمالي عندما كان سياسيا بالامس ، واما اليوم فهو مستعد ليمارس دور الدجال ليسرق ماتبقى للبشرية من معنويات ورغبات وامال ليحولها الى منفعة تصب في اطار مصالحه الدنيئة ؟. هذه هي مشكلتنا اليوم مع العقل السياسي الراسمالي التجاري ، الذي لم يبقي لنا شيئا لم يسرقه ، فتحول الى رغباتنا في الحرية ، واخلاقياتنا في التكاتف والتضامن الاجتماعي ، ومعتقداتنا .....الخ ، لينهبها ويلعب ويقامر بارواحنا كآخر ما نملكه في هذه الحياة !. هل هو الجشع هو الذي يحول الانسان الى هذه الصورة القبيحة جدا من الاستغلال في دوافعه وافكاره ؟. ام هو العقل الشيطاني الذي يحول اللعبة من مجرد ربح وخسارة الى واقع الفن والشطارة ؟. الرئيس الاميركي (( ابراهام لنكن )) يعرّف ويدرّس في المدارس الابتدائية للاطفال على اساس انه من الاباء السياسيين الامريكيين المؤسسين للولايات المتحدة الامريكية ، وهو البطل الذي استطاع تحرير العبيد الزنوج من العبودية في هذه الولايات !. انه لشرف مابعده شرف ان يستطيع انسان ان يحرر انسان من ظلم العبودية ، ولكن هذا السياسي والتاجر الكبير هل من الممكن ان يحطم قاعدة الراسماليين الامريكيين في فلسفة المنفعة تلك ؟. هل حقا ان (( لنكن)) امتلأ حبا للمساكين العبيد واعلن ثورة اخلاقية من اجل تحرير الانسان من عبودية وظلم اخيه الانسان ، ولذالك كانت دوافعه خالصة لوجه الانسانية في هذا العمل الانساني الكبير ؟. لا يبدو ان العقل السياسي الراسمالي هكذا بالقطع ، بل ان (( لنكن )) كانت دوافعه عندما اعلن (( ان فوزي بالحرب الاهلية يعني وضع قانون يجرّم العبودية )) هي رمي طعم شهي لعبيد الجنوب ليتمردوا على اسيادهم ، ومن ثم تتعطل تجارة القطن التي كان يعمل في مزارعها الزنوج السود في جنوب البلاد ليضرب اقتصاد الجنوب ويربح الحرب (( لنكن )) بهذه الخطة ، وفعلا كسب الحرب وحرر العبيد بقانون !. اذا استطاع (( لنكن )) ان يتاجر بامال المظلومين وتوقهم للحرية ، بأن يتاجر بهذا الامل ليكسب الحرب والصفقة معا وقد نجح في الانتصار الا ان الفكرة ( العبودية ) لم تزل قائمة في اضطهاد الزنوج واعتبارهم عبيدا ومن الدرجة العاشرة في السلم البشري في الولايات المتحدة حتى اليوم !؟. نعم هذه هي المشكلة ، كون العقل السياسي الراسمالي اكتشف ان التجارة في الامال والاخلاق والاحلام الانسانية هي اكثر ربحا من المتاجرة بالاموال والموارد والبضائع الطبيعية والمنتوجات الصناعية ، لذالك هو وظف كل طاقته الفكرية في الكيفية التي من خلالها يمازج بين بضائع الاخلاق من جهة وبضائع التجارة من جهة اخرى ، ولم يجد مطلقا بضاعة تخدم مصالحه ومنافعه التجارية التوسعية بقدر قيمة بضاعة او منتوج (( الحرية )) لتكون الجسر الحقيقي للوصول الى صفقاته العالمية العظمى ، ولتتمدد اكثر فاكثر السوق الحرّة ليصل الى جميع الاسواق المفتوحة باسم الحرية او (( حرية التجارة العالمية )) هنا !. ان رفع شعار :(( حرية الفرد )) السياسية والفكرية والاقتصادية ، لم يكن اكثر من اكتشاف عملاق لقوانين السوق والتجارة من قبل العقل الراسمالي العالمي ، او انه لم يكن اكثر من من اكتشاف ان المعنويات الانسانية اكبر قيمة نفعية تجارية من الموارد الاقتصادية الاخرى ، وعليه كان الطريق لهذه المعنويات والاخلاقيات الانسانية هي باب (( الحرية )) في العقل السياسي التجاري بكل ما للكلمة من معنى ساحر وجذاب من جهة ونفعي وتجاري من جهة اخرى !. وعليه من حقنا ان نتساءل في هذا الاطار هل كانت الحرية الفردية هي الاكتشاف الذي من خلاله يصل العقل الراسمالي الحرّ الى بوابة السوق الحرّة ومن ثم (( تحرير التجارة العالمية )) لفتح الاسواق الجديدة اكثر للمنتج الراسمالي العملاق ؟. ام ان العكس هو الصحيح عندما نقرر ان السوق العالمية المفتوحة كان دافعها الاوحد هو حرية الانسان وتنفس كرامته ؟. المنحى الاول منحى سياسي نفعي راسمالي ، اما المنحى الاخر فهو اخلاقي معنوي لانفعي !. ونحن بالتجربة ندرك ان العملية برمتها (( شعار حرية الفرد )) لم يقم بها التجار الاحرار الا لمنافعهم التجارية فحسب ، ولو كان الشعار المعاكس هو الانفع في (( عبودية الفرد الانساني )) لوجدنا ان الفلسفة الراسمالية طرحت العبودية على اساس انها السلام الحقيقي والواقعية الانسانية ومهد كرامة الانسان وفلسفته الصحيحة في هذه الحياة ....الخ !. ولمّ لا ما دامت العبودية تقوم بنفس المراد الذي تقوم به الحرية من الوصول الى موارد الاقتصاد واسواق الافواه والعقول الفارغة المستهلكة لمنتج المصانع الراسمالية التجارية لهذه الحفنة من المتخمين الشطّار ؟. وكذا عندما تطالعنا لائحة حقوق الانسان الاممية وهي وثيقة سياسية راسمالية بامتياز ، قد صاغها العالم الغربي الراسمالي باعتبارها الانتصار الحقيقي لفكرة الانسان الراسمالي الغربي الحرّ ، او باعتبارها وثيقة التجار الاحرار في العالم الغربي والتي تؤمن وتضمن لهم الطريق للوصول الى الحرية الفردية المطلقة وقد قامت الوثيقة بما طلب منها تماما عندما وقع العالم الانساني على الاعتراف بمضامين وثيقة (( حقوق الانسان )) في الامم المتحدة ؟!. الحقيقة لو كان القائمين على صياغة هذه الوثيقة الاممية التي سميت ب(( لائحة حقوق الانسان )) من الفلاسفة او الحكماء او العلماء او القديسين ....الخ ، لكنت اول من يفتخر ان الامم وصلت الى هذا الانجاز الكبير والعملاق ، ولكنت اول المؤمنين بمضامين هذه الوثيقة والهاتفين بمبادئها السامية ، ولكنّ وعندما اعلم علم اليقين ان الوثيقة ماهي الا نتاج وصياغة العقل الراسمالي السياسي الغربي التجاري ، فحتما انا مضطرب القرار وشاك في الدوافع التي سطرت كل حرف من حروف هذه الوثيقة الاممية ، ليست لكون الوثيقة ليست جميلة الصياغة ، ولكن كون التمعن بمضامين الوثيقة سوف يرشدني الى انها وثيقة (( اعدام حقوق الانسان )) من جهة و انها وثيقة (( عبودية الانسان )) من جهة اخرى وليس العكس !. نعم رعبي من وثيقة (( حقوق الانسان الاممية )) ليس لكونها تحمل كلمة (( حقوق )) باعتبار ان اول من سحقت حقوقه فهو انا ، او ان اول مادة فيها ترسم ملامح الوجه المشرق للاخلاق الانسانية في (( يولد جميع الناس احرارا متساوين )) ايضا باعتبار انني اول من ينادي بان يكون جميع الناس سواسية كاسنان المشط ، ولكن رعبي هو في الوجه الاخر المخفي خلف قناع الحقوق والحرية والذي عادة ماتكون دوافعه غير اخلاقية ولا حقوقية ؟. ان مدّون هذه الوثيقة هو نفسه اول من اعدم الحقوق الانسانية باسم الحقوق الانسانية ، كما انه هو الاوحد في العالم المعاصر الذي كرّس الطبقية في النظام العالمي الجديد ليقسمه هو وبلا ادنى خجل من عالم متقدم متخم اقتصاديا واخر نامي ، وثالث فقير ومعدم ومنحط وباقي عناوين الاستغلال والاستحمار ؟. ان مدّون هذه الوثيقة هو اول من أدعى انه يمتلك الحقيقة المطلقة ليلغي حقوق الشعوب الاخرى في رؤيتها للحياة والعالم والبشرية ، بل وهو المؤسس لنظرية العنصر المتميز ، بالاضافة لكونه هو اول من نظم رؤية العبودية والاستعباد للون الانساني بعدما كانت العبودية تعني الانسان ابيضا او اسودا او احمرا ... ، لكن وبفضل العقل الراسمالي التجاري تحولت حتى العبودية البغيضة الى لون وشكل معين وجنس بعينه ؟. كما انه هو نفسه هذا المدّون لوثيقة حقوق الانسان ، هو من يساهم بتقليص الحرية وخنق فضائها شيئا فشيئا بعفن بضائعه التي جعلت الانسان يكفر بالحياة من اجل حصوله على رغيف الخبز في هذا العالم ، وهو نفسه الذي يساهم اليوم بخنق العالم الطبيعي من خلال نفايات مصانعه التي حولت العالم الى تنور هيدروجيني في لحظة من اللحظات سنجد انفسنا نتطاير خارج العالم الطبيعي لتنتهي الحياة برمتها من هذا الوجود ؟. هل ترى كيف ان الوثيقة الاممية لحقوق الانسان هي البوابة التي يراد لها ان تكون فقط فاعلة في حرية الفرد في التملك والاستهلاك لبضائع السيد الراسمالي ؟. هل ترى كيف ان النغمة بدأت بحرية الفرد لتصل الى حرية التجارة ؟. هل ترى كيف نحن مجرمين حيث اننا نعذب التجارة ونغتصب كرامتها ونمتهن وجودها ونعتقل كل ابنائها وبناتها في هذا العالم ؟. هل ترى كيف ان الراسمالي الحرّ انتفض ليثور من اجل كرامة التجارة وطهارة مولدها وحقها في الحياة ، ومن ثم ليحررها من بين ايدينا الاثمة والشريرة تجاه حرية التجارة ؟. هل رايت كم هو الانسان الغربي الراسمالي انسانا شفافا يفكر ليس فحسب بحرية ابناء الصومال بل وكذالك يفكر بحرية التجارة العالمية ، وحقوقها في الحياة والمساواة مع باقي اخواتها بكل ودّ واحترام ؟. انه الانسان الغربي الراسمالي الحر الذي يفكر بحقوق الحيوان وحريته بنفس المرتبة التي يفكر فيها بحقوق الانسان وحريته الاقتصادية في التملك والاستهلاك ، وحريته العقائدية ليفتح اذنيه لحنجرة حرية المصانع والتطور ، والحرية الشخصية لهدم منجز العائلة المقيد للتفكير بمسؤولية للمستقبل ، والذي يكبح جماح المغامرة والمقامرة ، واخيرا الحرية السياسية ليتمتع الانسان او ليشعر انه هو الذي ينتخب قادته السياسيين والذين هم بالضرورة من طبقة التجار الاحرار او من لوردات راس المال الغربي سواء كانوا ديمقراطيين او جمهوريين ؟. ان مايميز حقا العقل الراسمالي الغربي اليوم هو ثقته بنفسه الزائدة عن الحد ، بالاضافة الى ادراكه لضعف الاخرين بشكل واضح تماما ، لذالك هو كأي دجال او مشعبذ اسطوري قديم بامكانه خلق شيئ من لاشيئ وصناعة الوهم من الحقيقة ، فهو لذالك شديد الذكاء من جهة ، وكبير القدرات الفنية من جهة اخرى ، وماعليه في هذه الحالة ان اراد ان ينجح الا معرفة الاخر الانساني وحاجاته الطبيعية والنفسية ليلعب على هذه الحاجات في نمو ونجاح وازدهار تجارته في هذا العالم ، فهو عندما اراد فتح الاسواق العالمية لم يطرح بضاعته فقط في سوق العرض والطلب كما دونه الاقتصاديون الكلاسيكيون من القوانين الاقتصادية ، بل اضاف لذالك بعدا ايدلوجيا مهد الطريق لفتح الاسواق العالمية بأن طرح فكرة ربط مفهوم (( الحرية )) ككل متكامل يبدأ من حرية الانسان المعشوقة انسانيا لتنتهي عند حرية التجارة معشوقة التجار الاحرار وغاية تحركهم هنا ، فلا حرية للانسان الفرد هنا بدون حرية الاسواق والتجارة هناك ، حتى وصلنا الى عدم القدرة بين التمييز بين ماهو تجاري وماهو انساني وهل ينبغي ان نحرر التجارة اولا ليتحرر الانسان ام نحرر الانسان لتتحرر التجارة ؟. انها لعبة لكنّها ذكية اخترعها بالخصوص العقل الاميركي الراسمالي بعد انتصاره على العقل الراسمالي الغربي الكلاسيكي الذي كان يطرح معادلة السوق انذاك بشكل (( العرض والطلب )) فحسب ، اما اليوم فالعقل الامريكي هو المتفوق عندما طرح معادلة (( حرية السوق )) وربطها عضويا ب ((حرية الانسان )) الفردية !. فهل بعد هذا الذكاء الاميركي الحاد من حقي ان اخشى على حريتي الحقيقية ، وان تنتابني نوبة الرعب من ضياع حقوقي المذكورة في لائحة حقوق الانسان الاممية ، وان تتوجسني خيفة عميقة من جملة (( يولد جميع الناس احرارا متساوين ..)) الذي صاغه نفس هذا العقل الاميركي؟. انها ظلمة وليس لها الا الاسلام المحمدي العلوي من منقذ !. __________________________________ (( الحرية كفكرة واقعية ... رؤية أسلاموية )) . 7. ______________________________________(( الحرية تختلف عن الخبز )) اين يكون مفهوم الحرية الفردية من العدالة الاجتماعية ؟. واذا ما تعارضت الحرية الفردية مع العدالة الاجتماعية الى ايهما ينبغي ان ننحاز ؟. وما هي رؤية الاطروحة الاسلاموية حول موضوعة الحرية الفردية وهل هذه الاطروحة مع فكرة الحرية ام بالضد منها ؟. **** عندما نضع مفهومة الحرية الفردية قبالة العدالة الاجتماعية في اي تساءل فكري ، فكأننا ومسبقا حكمنا على ان هناك حتمية ان تفضي فكرة الحرية الفردية الى نوع من الظلم وعدم التوازن الانساني والاجتماعي ....الخ ، مما يتطلب منّا اعادة النظرة لفكرة الحرية الفردية من زاويتها الاجتماعية ، واضافة بعد او زاوية اخرى للنظر الى هذه الفكرة ، ولكن ليس من زاويتها الفردية وما تمثله للفرد فحسب بل ايضا و من زاويتها الاجتماعية والتي يكون الفرد فيها جزءا من لوحة المجتمع الانساني وليس الفرد هو كل اللوحة ولا وجود للاخر الانساني هنا !؟. اذن عندما ننظر للحرية الفردية من زاوية الفرد كوحدة وجود مستقلة ، هي بالغير تماما عندما ننظر لهذه الفكرة من زاوية ان الفرد جزء من مجتمع او انه وحدة غير مستقلة عن وجود الاجتماع الانساني !. كذا عندما ننظر لفكرة الحرية الفردية من زاوية انها حق (( في باب الحقوق القانونية )) متمتع بها من قبل الفرد الانساني ، هي سوف تكون بالحتم مختلفة تماما عندما ننظر لهذه الفكرة من زاوية انها حق ولكن يدخل فيه عنصر المجتمع باعتبار ان له حقوق وعليه واجبات ايضا ، فهنا نحن امام رؤية ترى الفرد بحقوقه منفصلا عن حقوق الاخرين ، مختلفة عن رؤية ترى المجتمع وحقوقه مرتبطا بحقوق الافراد الذين هم في داخل اطاره !؟. وعلى هذا جاءت فكرة الخوف على العدالة كمفهوم انساني اصيل لايختلف حبا ولمعانا وجذبا للمخيلة الانسانية من فكرة الحرية الفردية ، ليسأل العقل الانساني هنا وبكل صدق عن : هل الحرية الفردية في بعض جوانبها التطبيقية هي تهديد حقيقي للعدالة الانسانية ؟. أم ان الحرية الفردية هي الرديف القوي لتلك العدالة المطلوبة انسانيا ؟. واذا ما صادفنا هنا او هناك تناشزا او تناقضا او تضادا حادا بين تطبيق العدالة الاجتماعية من جهة ، وبين ان نصون الحرية الفردية ولكن على حساب العدالة الاجتماعية من جهة اخرى فايهما نختار ؟. بمعنى تطبيقي : اذا هددت العدالة الاجتماعية في توازنها الاقتصادي القائم من قبل الاحتكارات الفردية الاقتصادية في السلع او المواد - مثلا - ، فهل سننحاز الى صيانة الحرية الفردية الاقتصادية وتدعيم قانونيتها الحقوقية الفردية ؟. أم اننا سوف نضحي بحرية الراسمال الفردي لنضمن سير العدالة الاجتماعية وتوازن وجودها الاقتصادي ، ولذالك نتدخل لمصادرة الحرية الفردية الاقتصادية في سبيل تدعيم الحقوق الاجتماعية في العدالة ؟. الحقيقة ان مفهوم العدالة مفهوم اجتماعي مئة بالمئة ، بل هو منتج من معادلة قائمة على : الكيفية التي من خلالها نحافظ على حقوق الافراد بدون ان يكون هناك ظلما لاحد من هذه المنظومة الانسانية ؟. او ان العدالة ان اردنا تعريفها لايمكن لنا اخذ البعد الفردي وحده في العدالة ، وكأنما مفهوم العدالة لايقبل الا القسمة على اكثر من فرد انساني ، لذا جاء مفهوم العدل مقترنا في المخيلة الانسانية مع تصور او خارطة الاكثر من فرد لاقامة ميزان العدل بين المجتمع !. كذالك فأن في الرؤية الاسلاموية كأحد الرؤى التي تناولت (( الحرية والعدالة )) من جوانبها المتعددة ، تصورا دقيقا لهذه المسألة بالذات ، واعتبار ان موضوعة الحرية وان ارتبطت بمفهوم العدل بصورة عقائدية واجتماعية ، الا ان لكل مفهوم مجاله الخاص نوعا ما ، وليس بالضرورة ان يتضارب مفهوم الحرية مع مفهوم العدالة في حيز واحد ، ولكن بالضرورة ان يكون هناك التقاء ما بينهما في هذا المفصل او ذاك من الحياة الانسانية بالعموم !. فمثلا : مفهوم ان من صلب موضوع العدالة - في الرؤية الاسلامية - ان تكون موضوعة حرية الانسان الفرد مصانة معتقديا ، كما ذكرناه سابقا ، لضمان العدالة الالهية - هذه النقطة هي التي فرضت على المدرسة الاسلامية للامامية الشيعة بان يقولوا بالعدل كركن من اركان الدين الاسلامي مع التوحيد والنبوة والامامة والمعاد - في كون الانسان مسؤولا امام الله سبحانه عن كونه فرد انساني مكلف ، وله قدرة اتخاذ القرار في حياته ، لذا كان من العدل ان يقال : انه لابد ان يكون الانسان حرّا ليكون مسؤولا عن افعاله وتصرفاته في هذه الحياة امام محكمة العدل الالهي غدا ، والا غير ذالك فأن هناك اشكال عقائدي اذا قلنا ان ليس هناك حرية للفرد في حياته ، بسبب ان انتفاء الحرية من اي فرد انساني سيفضي وبالضرورة الى رفع المسؤولية القانونية عن افعاله وقراراته ان كان فاقدا لصيغة الخيار او القرار في شؤون حياته الانسانية ، لذا كان من العدل القول بحرية الانسان وضرورة وجودها بالقوة وبالفعل ؟. وهنا تلتقي فكرة الحرية مع فكرة العدالة في حيز واحد ، وهذا مختلف عن ما اذا قلنا ان هناك تصادم بين ان يكون الانسان متمتع بحريته الاقتصادية وله حق التملك والاستهلاك المطلق ، وبين ان تكون المساواة او العدالة الاجتماعية او التوازن الاقتصادي مهدد بخطر تلك الحرية الفردية ، ليس من كون الحرية الفردية كحل للتضارب يجب ان تقمع او ترفع او تعدم او تلغى ...، ولكن من منطلق ان حرية الفرد ومسؤوليته في الحيز القانوني انذاك هي مختلفة بالضرورة لحرية الفرد الاقتصادية او الاجتماعية هنا ، فهناك نحن في مجال الفكرة (( فكرة الحرية )) وقانونيتها الفكرية ، وهنا نحن امام فكرة (( العدالة )) ومشروعيتها الانسانية ؟. بمعنى اوضح واكثر تركيزا نقول : ان اختلاف فضاء الموضوع يجعل الرؤية مختلفة تماما لموضوعتي الحرية والعدالة ، ففي معرض طرح رؤية العدالة على اساس انها معادلة اجتماعية مئة بالمئة نكون امام منظومة من التصورات والافكار هي بالضرورة مختلفة عن ما اذا تناولنا الحرية كموضوع انها حرية الفرد منفصلا عن الجماعة ، فهناك نحن نتحدث عن مجموعة من الافراد ، والية تصور العلاقات التي ينبغي ان تقوم بينهم هي مختلفة حتما عن ما اذا اخذنا فكرة ان الفرد حرّا وبالضرورة هو له تصوراته الفردية المنفلتة عن قوانين الجماعة تلك ، فهو فرد يعيش في دائرة منفصلة تماما عن باقي دوائر الافراد الباقين في معتقل الجماعة حسب الرؤية الفردية للحرية ، ومن هنا تفترق الطرق وتتناشز وتتضارب بين مفهوم الحرية الفردية من جهة وبين العدالة الاجتماعية من جهة اخرى !. نعم بما ان مفهوم العدالة مفهوما اجتماعيا بامتياز قد اختلف مع الحرية الفردية هنا بامتياز ايضا ، وذالك باعتبار ان (( العدل )) له تصوراته الاجتماعية وقوانينه الاقتصادية وعلائقه الانسانية ، واتصالاته الايدلوجية الفكرية ....، مختلفة تماما عن (( الحرية )) الفردية وقوانينها الاقتصادية وعلائقها الانسانية واتصالاتها الفكرية ...الخ ، لتكون اخيرا هنا لدينا فاصلة واسعة بين الحرية والعدالة كفكرة ومفهوم مختلف بعضه عن البعض الاخر ؟!. ان العدالة كمشروع اجتماعي وانساني لها نظرة خاصة في الحيز الاجتماعي عن نظرة الحرية كمشروع فردي واضح ، كما ان للعدالة رؤيتها الخاصة لمنظومة القيم الانسانية التي تربط بين افراد الجماعة ، وهذا بعكس تماما منظومة القيم الفردية التي تحل الفرد من هذه الرابطة الاجتماعية وتلك المنظومة القيمية والاخلاقية للعدالة ، ففي المنظومة القيمية الاخلاقية القائمة على مبدأ العدالة الانسانية نرى ان هناك نوعا من العلائقية الاجتماعية التي تسمى (( مسؤولية )) في النظام الفكري لفكرة العدالة الاجتماعية والتي تضفي نوعا من العلاقة الاجتماعية بين الافراد ، بأن يكون الفرد مسؤولا امام الجماعة باعتباره عضوا يجب ان يكون عليه واجبا تجاه الجماعة ، والتي ساهمت في انتعاش وجوده الفردي داخل ظلّها الكبير ..، أما من الناحية الفكرية للحرية الفردية فالامر بعكس ذالك تماما عندما تحاول الحرية الفردية ان تتملص قدر المستطاع من تلك المسؤولية الجماعية ، بل واعتبار ما يسمى مسؤولية جماعية ماهي الا مصادرة للحرية الفردية التي ينبغي ان تتحرر من كل قيد او رابطة سواء سميت اجتماعية او غير ذالك لتتحقق مفهومة الحرية الفردية ؟. وعليه ترى الحرية الفردية نجاحها في عملية تخفيف القيود والمسؤوليات وباقي العناوين الاخرى التي تجعل هناك علائق او اغلال بين الفرد والفرد الاخر ، بل وترى الحرية الفردية ان ليس هناك فضل يذكر لهذه الجماعة حتى تضع بعض الواجبات او المسؤوليات على كاهل الفرد وتقيد من حريته الفكرية او السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية الاخلاقية !؟. نعم في الرؤية الاجتماعية الاقتصادية لمشروع العدالة الانسانية ، ترى العدالة - مثلا - ان ليس هناك مايسمى بالملكية الخاصة للموارد الاقتصادية التي يكون فيها المجتمع مشتركا في منافعها ومحتاجا للانتفاع بها ، باعتبار ان رؤية العدالة الاجتماعية تقتضي ان تكون هذه الموارد الاقتصادية والوسائل الانتاجية هي وبالضرورة من ضمن حيز الملكية العامة التي من حق الاجتماع الانساني التمتع بها باعتباره صاحب الملكية الحقيقي لهذه الموارد والوسائل ، وعليه ينبغي ان يكون حيز تملك الافراد وحريتهم في هذا الحيز الاقتصادي الحيوي للمجتمع محدودا ، وهذا بسبب ان رؤية العدالة الاجتماعية تقتضي ان لايستولي الفرد باسم الحرية على ممتلكات المجتمع ويحتكر منافعها فيما بعد ، وعليه كان مفهوم (( الحرية الفردية )) في التملك والاستهلاك من اشد المتناقضات لفكرة العدالة الاجتماعية في حيزها الاقتصادي هذا !؟. ان هذه الحرية الفردية هي وبالضرورة من الضد لمفهوم العدالة الاجتماعية القائم على رؤية (( المسؤولية والواجب والحقوق ..)) وباقي العلائق الانسانية التي يؤسس لها مفهوم العدل الانساني من وجهة نظره الاجتماعية ، والتي هي بالنقيض من الرؤية التي تؤسس لها فكرة الحرية الفردية التي ترى مصطلحات (( الاخلاقية والعدالة والمسؤولية والحقوق الاجتماعية والواجب الفردي ...الخ )) ماهي الا اغلال يراد من ورائها نفي حرية الفرد وتمتعه بحريته الممنوحة له شخصيا باعتباره انسانا فردا فحسب !., وعليه وفي مثل هذا المفصل من مفاصل (( العدالة والحرية الفردية )) نحن بحاجة حقيقية الى قرار فكري جريئ يوضح لنا وجهتنا الايدلوجية من هذا التناقض المفهوم عقليا بين العدالة من جهة والحرية الفردية من جهة اخرى ؟. فهل نحن مع العدالة الاجتماعية أم نحن مع الحرية الفردية ؟. بصيغة اخرى نسأل : هل نحن مع حق المجتمع في عدالة توزيع ثروته عليه بالعدل أم نحن مع تجار الرأسمال وحريتهم الفردية في ادارة الاقتصاد الانساني بحرية ؟. ولكن ومن الجانب الاخر للمعادلة اليس هناك طريق ثالث بين حق المجتمع وطغيانه على حرية الفرد من جانب ، وبين انانية وجشع الافراد ونهبهم لحقوق المجتمع من جانب اخر باسم الحرية ؟. اين رؤية الاسلامويون في هذه المعادلة ؟. وماهي رؤية الاطروحة الاسلامية في كل ماذكر من نقاط فكرية واقتصادية واجتماعية ؟. هل الانسان وحدة مستقلة في المنظور الفكري للاطروحة الاسلامية ؟. ام ان للمجتمع (( ولايته )) القانونية على الافراد ؟. ماهي نوع العلاقة التي تطرحها المدرسة الاسلامية بين الاقتصاد من جهة والفرد والمجتمع من جهة اخرى ؟. هل الاطروحة الاسلامية تناصر اطروحة العدل الانسانية في رؤيتها الاجتماعية ؟. أم هي نصير قوي لمشروع الحرية الفردية ؟. ____________________________ (( الحرية كفكرة واقعية ... رؤية أسلاموية )) . 8 . ___________________________________(( العبادة الوجه الاخر للحرية الحقيقية )) هل الاطروحة الاسلامية تناصر اطروحة العدل الانسانية في رؤيتها الاجتماعية ؟. أم هي نصير قوي لمشروع الحرية الفردية ؟. عندما تطرح المدرسة الاسلامية (( الامامية الشيعية بالخصوص )) رؤيتها حول المشروع الانساني فهي ومنذ البداية تنطلق من كون ان لهذا المشروع خطة او خارطة واضحة المعالم لمسار هذا المشروع البشري ، فهو مشروع (( خلقي )) وجد لهدف محدد ،يمثل فيه الانسان العنصر الافعل في ادارة معالم هذا المشروع حتى الوصول الى هدف (( الخلق والخلقة )) برمتها في هذا الوجود ، وعليه للرؤية الاسلامية ومنذ الانطلاقة نفي مطلق لفكرة ان الانسانية وجدت لمجرد الايجاد العبثي في هذا العالم ، او انه ليس هناك اي هدف او غاية لهذا الوجود الانساني ، بل ترى الاطروحة الاسلامية العكس من ذالك بأن تقرر ان العالم الانساني وجد واوجدته ارادة حكيمة وعادلة ومقدرة وعالمة ..... تسمى (( الله )) سبحانه وتعالى في منظومة الفكر الاسلامية والتي هي جهة الخلق والربوبية او التربية .... وباقي عناوين الجمال والكمال الاخرى والتي لم تخلق الخلق لمجرد الخلق فحسب بلا غاية او هدف ، بل خلقت تلك الجهة - المبرهن على وجودها المطلق - هذه المنظومة العالمية الانسانية والطبيعية والكونية والوجودية ....... لغاية وهدف وحكمة ، ووضعت لهذه العملية الخلقية الكبيرة برنامج فكري وخطة عملية من خلالها يتحكم الانسان ببوصلة حركته الانسانية البشرية ليقوم على اساسها بادارة حياته الفردية والاسرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية في هذه الحياة ، لتكتمل عندئذ دائرة المراد من عملية خلق الانسان في هذا العالم !. يقول القرءان كتاب الاسلامويين المقدس شارحا فلسفة الخطة العامة لمشروع الخلقة العام :(( وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين ، وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون / الذاريات / 55.56)) ليؤكد - القرءان الكريم - ان الغاية من عملية الخلق برمتها هي عملية (( عبادة الله )) سبحانه !. نعم ذكرنا ان مفهوم (( عبادة الله )) يعني من جانبه الاخر مفهوم (( التحرر )) من عبوديات الاشياء العالمية الاخرى ، لتكون عملية التعبد الالهية للانسان الاسلاموي هي وبنفس الوقت (( انتماء )) فكري عقدي اختياري التزام ... لاتختلف عن اي انتماء اخر لاي انسان يريد ان يكون منتميا الى فكرة ايدلوجية ما من جانب ، بالاضافة الى كونها عملية تحرر وحرية حقيقية من اي فكرة او انتماء او ايدلوجيا او التزام سوى الانتماء الاسلامي من جانب اخر ، وفي معنى هذا المصطلح يكون الانسان المسلم وهو يمارس عبودية ضميره الفكري والاخلاقي لله سبحانه خالق الوجود والعالم والانسان يمارس عملية التحرر من باقي الاشياء العالمية الاخرى الغير مستحقة للعبادة او بمعنى اخر للعبادة الغير مستحقة للانتماء الفكري او الغير مقنعة عقليا الذي يفرض على الانسان المنتمي الالتزامات السلوكية في الحياة ؟. اذن فالعبادة في المفهوم الفكري للمدرسة الاسلامية هي الغاية والهدف والحكمة من خلق الانسان ووجوده في هذا العالم ، ولكنها ليست العبادة التي تشوه مضمونها واختصر عنوانها ليقتل داخل طقوس كهنوتية كنسية ميتة ورجعية ، بل هي العبادة التي تمثل وتعني تحرير الانسان وحريته الحقيقية قبال العالم المستعبد للرغبات والشهوات والاحقاد والانانيات العالمية الجشعة ، العبادة التي تعني الانتماء الى الله سبحانه مصدر القوة والالهام والانفتاح الكوني والمرونة الانسانية الاخلاقية العالية والبطولة والشجاعة والرجولة والحرية ...، العبادة التي تعني فلسفة فهم لوجود الانسان مع اخيه الانسان ، وباقي العناوين التي شرحتها الفلسفة الاسلامية من عملية ارسال رسل وانزال كتب وخطط وارشادات الاهية عظيمة !. صحيح : لايكون الانسان عابدا لله سبحانه في منظومة الفكر الاسلامية مالم يكن ملتزما ومنتميا للخطة الفكرية التي تمثل معالم الطريق الى تحقيق العبودية الحقيقية لله سبحانه والتي اشار لها القرءان العظيم كلام الله الكريم كما يعتقد الاسلامويون بهذه اللفتة الايدلوجية القرءانية :(( لقد أرسلنا رسلنا بالبينت وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط ،../ قرءان كريم )) وهنا نفهم الفلسفة العامة لمشروع ارسال رسل مقدسين بالاضافة الى انزال كتب سماوية محترمة للانسان باعتبار ان هؤلاء الرسل اساتذه الفكرة المنزلة في كتب تنير للانسان دربه في هذه الحياة المعقدة ، لتكون الغاية الاخيرة من كل عملية ارسال رسل وانزال كتب هي غاية وهدف وحكمة (( قيام الناس بالقسط او العدل )) !. ان العدالة مشروع وهدف اخر للفكرة الاسلامية في عملية لماذا بعث الله رسلا وانزل كتبا على الانسانية ، كما ان العبادة هدفا وغاية لعملية لماذا خلق الله سبحانه الانسانية في هذا العالم ؟!. بمعنى اخر : ان الرؤية الاسلامية ترى ان هناك غاية للخلق العالمية هذه المسماة خلقة بشرية تتجسد في عملية التعبد الالهية ، فغاية خلقة الانسان ولماذا هو خلق ؟.هي العبادة لله سبحانه ، ولكنها ليست العبادة المغلوطة التي لاترى لها فلسفة واقعية انسانية مؤنسنة ، بأن تعتقد ان غاية هذه العبادة هي العبادة فحسب ، لا !. ليس هكذا ، فليس الله بحاجة للعبادة ولا عبادة الانسان لله سبحانه تزيده شيئا هو محتاج اليه تنزه ذكره ، كما انها ليست العبادة التي تنجي الانسان من النار فحسب ، وليس العبادة التي تكسبنا الجنة والرتوع بالرغبات المادية ، وأنما هي العبادة التي يعود نفعها على الانسان في حياته الاجتماعية الانسانية الدنيوية الوجودية الان ، فهي عبادة (( بمعنى طاعة وفكرة وخطة وسلوك وايدلوجيا وانتماء ...الخ )) لله فرضها الله سبحانه على الانسان ليصل من خلالها الانسان الى عتبات كماله الانساني الذي يظهر عظمة الخالق سبحانه في صنعه للانسان هذا وعليه عندما يقول الله سبحانه :(( ماخلقت الجن والانس الا ليعبدون )) فمراد المفهوم العبادي هو : انكم سوف لن تكونوا احرارا متساويين كبشر ، ولن تكونوا بالمستوى اللائق من الامة العظيمة ، ولن تكونوا بالمستوى المرسوم لطريق الانسان الكامل ....الخ ، الا من خلال عبادة الله سبحانه وتعالى ، وهنا تكون عبادتكم لله سبحانه صاحبة مشروع مؤنسن ، اي فائدته عائدة لكم كبشر وكأناس وكمجتمع ، خلقه الله فاعتقد البعض بأن الانسان مخلوق مفسد وسفّاك دماء ، فاجيب عليه بالعكس بانه مخلوق متمكن بأمكانه من خلال العبادة والالتزام والانتماء ان يقيم القسط والعدالة بين الناس ... هكذا !. بمعنى اوضح ايضا : تريد ان تقول الفكرة الاسلامية حول مشروع (( العبادة والحرية )) ان فرض العبادة والالتزام والانتماء عليكم كبشر للفكرة والخطة والمشروع الاسلامي بسبب ان هذه الخطة والمشروع والمدرسة هو مايوفر لكم اجواء التحرر والمساوات بينكم كتجمع انساني بالاضافة الى كون غاية مشروع التعبد هي (( ليقوم الناس بالقسط )) ويحترم جميع اعضاء المجتمع مشروع العدالة بينهم والمقنن بالقوانين والدساتير الالهية المقدسة !. نعم عندما يكون مفهوم (( العدالة )) بهذه المنزلة في الرؤية الاسلامية فلا نتوقع ان يكون هناك مفهوما اخر بامكانه الوصول الى درجة العدالة الانسانية في الفكر الاسلامي ، فالعدالة هنا اساس العبادة التي يقول الله سبحانه انه خلق الانسان من اجل القيام بها ، كما ان العدالة والعبادة وجهان لعملة واحدة تسمى الاسلام ، فليس هناك تعبد حقيقي وواقعي على اساس هذه الفكرة مالم تكن هناك عدالة ، كما انه ليس هناك مطلقا عدالة مالم ترتبط بماكنة التعبد الاسلامية الالهية ، لتكون العبادة لله سبحانه عين العدالة ، ولتكون العدالة في المجتمع عين العبادة لله سبحانه وتعالى !. ان ضرورة فهم مشروع عبادة الله سبحانه في الاطروحة الاسلامية على اساس انه الارضية التي تمهد لقيام العدل بين الناس ، هو الفهم الواقعي لما طرحه القرءان الكريم باعتباره الناطق الرسمي الوحيد عن المدرسة الاسلامية في الغايات المذكورة انفا في غاية (( الخلقة )) وغاية ارسال رسل وانزال كتب للناس جميعا ، فهناك من يفهم ان الغاية من ارسال رسل وانزال كتب سماوية مقدسة ماهي الا ليتعلق الانسان بربه ويعبده حق عبادته ، وهذا صحيح تماما الا انه بحاجة الى توضيح معنى ان يعبد الانسان ربه ، واذا اضفنا الى هذه النقطة ان العبادة المراد من الانسان القيام بها هي اقامة العدل او قيام الناس بالقسط فيما بينهم وبين انفسهم بالاضافة فيما بينهم وبين الله سبحانه ، فسنكون قد اكملنا دائرة الفهم الواقعية لمشروع العبادة لله سبحانه ، والذي بدأ في قوله سبحانه :(( اني جاعل في الارض خليفة ... الى : اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ، منتهيا ب ، : اني اعلم مالاتعلمون )) ، وعليه نكون عندئذ امام منظومة فكرية متكاملة للمدرسة الاسلامية تشرح لنا الكيفية التي من خلالها تحولت عبادة الله سبحانه من كونها طوبيا الى واقع عملي انساني تجسد الحقائق التالية : اولا : العبادة باعتبارها تحرر وحرية حقيقية للانسان او هي مشروع تحرر في هذا العالم من باقي العبوديات الاجنبية او الغريبة . ثانيا : العبادة باعتبارها غاية وهدفا لوجود الانسان في هذا العالم وسبب كونه موجود في هذا العالم ولماذا وجد . ثالثا : العبادة لله سبحانه باعتبارها الارضية الواقعية لقيام العدالة الاجتماعية بين الناس . اذن العدالة كمشروع اسلامي انساني اصيل له من العمق في الفكرة الاسلامية الشيئ الكثير ، لاسيما ان اخذنا مشروع العدالة الانسانية على اساس انه الهدف الاصيل والغاية العظيمة من مشروعي ارسال الرسل وانزال الكتب السماوية المقدسة كما يشرحه القرءان الكريم لنا ، وعليه فمن حق الاخر (( الغير اسلاموي )) ان يعتقد بان الفكرة الاسلامية ليست مع الحرية الفردية التي لاتعير كبير اهتمام للشؤون الاجتماعية وتبعاتها الاخرى من مسؤولية وترابطية ومصيرية ... والى اخر هذه القائمة التي تراها الفكرة الفردية على اساس انها اغلال وقيود وسجون ومعتقلات ... تلبس قفازا حريريا لمداعبة العقل الانساني قبل خنقه والخلاص من حريته الفردية !؟. هل صحيح ان الاطروحة الاسلامية ضد الحرية الفردية ؟. واذا كانت بالضد من هذه الفكرة اللطيفة من حرية الفرد وتمتعه بحياته الشخصية فلماذا ؟. لماذا لاترغب الاطروحة الاسلامية بان ترى الفرد حرّا طليقا متمتعا بكامل طاقته الانسانية وكيفما يرغب ؟. وماهي حجة الاطروحة الاسلامية عندما ترى الفرد جماعة وترى الامة فردا ؟. ___________________________________ (( الحرية كفكرة واقعية ... رؤية أسلاموية ؟.)) . 9 . _____________________________________ (( الحرية والعلاقة الانسانية )) تتميز موضوعة الحرية الفردية بأنها الموضوعة التي توصلت الى رؤية مفادها : ان نجاح الانسان وأس سعادته في هذا العالم تكمن في رفع الاغلال والجدران التي تعيق حركته في التفكير او السلوك او الحياة بحرية !. ولافرق هنا حسب الرؤية الفردية للحرية من كون تلك الاغلال مرّة تكون بأسم السلطة الكهنوتية الدينية لمنع الانسان من الاستثمار او التمتع بحريته التي هي اساس حقوقه الانسانية ، او بأسم السلطة السياسية ، او الاجتماعية او غير ذالك من العناوين الاخرى التي تلبس لبوس الانسانية لتصادر بعد ذالك جزءا او كل الحرية الانسانية الفردية هذه !؟. نعم في خضم الحديث او التنظير للحرية الفردية ، فنحن وبشكل تلقائي أمام مجموعة من الحقائق التي ينبغي ان توضح كحقائق فكرية للمشروع الفردي هذا ومنها على سبيل المثال لا الحصر : اولا : رفع كل عنوان مادي او معنوي اخلاقي يعيق او يفرض بعض المعادلات التي تشكل قيدا او عائقا لتمتع الانسان بحريته الفردية ، كمقولة (( المسؤولية الاجتماعية )) وما يمثله هذا العنوان من قيد يعيق انطلاقة الانسان الفردية وتحرره من معتقلات الجماعة !. ثانيا : للحرية الفردية منعكس عقائدي ايدلوجي متحرك وواقعي يشير- هذا المنعكس - وبكل وضوح الى عدم ايمان فكرة الحرية والتحرر الفردية بأي ايدلوجيا دينية او فلسفية او فكرية ، تضع للانسان رؤية عقدية في حياته البشرية ، سوى كون (( الانسان ينبغي ان يكون متحررا فحسب فرديا )) وفي مثل هذه الرؤية نحن امام الغاء كامل لمقولة ان للخلقة الانسانية هدف او غاية بأعتبار ان هذا الهدف سيشكل طريقا محددا لمسار الفرد الانساني في هذه الحياة ، او انه نتسائل لماذا خلق الله الانسان في هذا العالم ؟.، باعتبار ان الرؤية الفردية للحرية لاتؤمن بوجود فلسفة غير التحرر للانسان في هذا الوجود لاغير، ومقولة خلق , والله ، ومشروع .... الخ ، كل هذه تدخل في حيز الانتماء الايدلوجي المقيد للانسان !. ومن هنا تثبت مقولة : كون فكرة الحرية الفردية هي ليست رؤية فلسفية فكرية متينة البنيان ، ولا هي مدرسة بالامكان القول انها تمتلك مشروعا فكريا انسانيا متكاملا بامكانه ان يجيب عن التساؤلات الانسانية الوجودية والفكرية والاجتماعية او السياسية او الاقتصادية ، وانما هذه الفكرة مجرد طرح مبتور ومموه يستغل اسم الحرية وبريقها القوي ليطرح الانسان منفلتا من القيود الانسانية او الفكرية فحسب ، بل الاكثر ان فكرة الحرية الفردية نفسها لاتتمكن من دعم مبتنياتها هي او شعاراتها المرفوعة للخداع والتموية كشعار (( الحرية حق الانسان الفردي )) باعتبار ان هذه الفكرة نفسها بحاجة الى ايدلوجيا ورؤية تشرح لنا او تجيب لنا عن التساؤلات الفكرية التي سوف تطرح على مفهومة (( الحق )) وكيف اصبح هذا الحق حقا للفرد دون الجماعة ؟. ولماذا ينبغي ان يكون لهذا الفرد الانساني حقا في الحرية ؟. ومن هي الجهة التي من حقها ان تقول ان هذا حقا للفرد وهذا واجبا عليه ؟. وعندما يولد الانسان في هذا العالم من يهبه او اي جهة تهبه حق الحياة اولا ومن بعد ذالك تهبه حق الحرية ؟. وماموقع الحرية من مفهومة المسؤولية ؟. وما التقاء الحقوق بالمسؤولية ؟. واين يلتقيان واين يفترقان ؟............... الخ كل ذالك وغيره الكثير لاتتمكن فكرة الحرية الفردية من الاجابة عليه ، وحتى ان اجابت فكرة الحرية الفردية على تلك التساؤلات الفكرية ، فاننا سوف نصل الى حقيقة : ان نفس هذه الحرية التي تدعي كونها ممثلة الحقوق الانسانية اصبحت هي نفسها اغلالا وسجونا تحاكم من يخرج عليها بأسم الخروج على حق الحرية لتتحول شيئا فشيئا هذه الكذبة الى سجن وجلاد يحاكم ويقصي ويقتل ويعذب البشرية باسم الدفاع عن الحرية ، كما هو الحاصل اليوم من تجار الحرية الفردية ، بعدما تحولت مفهومة الحرية من كونها حق مكفول لجميع افراد البشرية ، الى سيف وسوط تجلد به البشرية الحرّة التي تناضل من اجل حريتها وكرامتها وعيشها بحرية في هذه الحياة !؟. اذن كون فكرة الحرية الفردية لاتمتلك ايدلوجيا فكرية هذا نقص فاضح يطيح بمفهومة الحرية الفردية من كونها فكرة تصلح للايمان الانساني بها الى مجرد كونها خدعة لاتستحق الحبر الذي ينظرّ او يكتب من اجل الدفاع عنها ودعوة البشرية بالايمان بها ، ليس من منطلق ان الحرية لاتستحق ايمان البشرية بها ، لكن لكون هذه الفكرة بنيت لتكون سلعة تجارية من قبل الراسمالية الحديثة ولم توضع لتكون شعارا للانسانية وخلاصا لها من الامها البشرية ، وعليه كانت ولم تزل (( فكرة الحرية الفردية )) ومنذ طرحها من قبل الراسمال الغربي بابا اساسيا هدفه الدخول الى جيوب الفقراء والمعدمين لتنفيضها مما تبقى لها من موارد قوت لليوم التالي اولا ، وبابا حيويا ينفذ الى ساحة التجارة العالمية الحرة وتحرير الاسواق وفتحها لماكنات الراسمال العملاقة لهذه الاسواق المملوءة بالخيرات والتي تستحلب سيلان لعاب اصحاب رؤوس الاموال المتخمة على قلوب التجار الاحرار في العالم المعاصر ؟!. صحيح كذالك يقال عندما تقترن فكرة (( الحرية الفردية )) بمشروع تخريبي المراد منه ضرب العلائق الانسانية في مفهومة (( المسؤولية الجماعية )) ودفع الفرد الانساني بحالة انعزال وتقوقع وحتى وصوله الى فرض الاقامة الفردية على ذاته الانسانية باسم (( الحرية الفردية )) فان في مثل هذه الحالة تتحول فكرة (( حرية الفرد )) الى ضرب لكل القيم الانسانية بدءا من قيمة : ان الانسان اجتماعيا بالطبع !. وانتهاءا بمقولة : ان فكرة الحرية الفردية تهديد واضح للقيم الانسانية النبيلة في شعور الانسان بالام واحلام وتطلعات وحاجات .....الخ ، اخيه الانسان الاخر ؟!. نعم من هذه الوجهة يبرز الوجه القبيح لفكرة (( الحرية الفردية )) وهي تطل بكل (( مكياجها )) الملون لتغري المتطلعين الى اقتناص فرصة او لحظة اللذة السريعة التي تفرغ شحنة الضغط المادي والنفسي لهذا الانسان او ذاك ، الا انها اللذة التي لايهدف من ورائها بناء اي شيئ انساني طويل الامد ومثمر وجميل ونظيف !. لا ....، انما المراد من اقتناص (( الحرية الفردية )) هنا هو فقط اشباع الحاجة الانية وبأعمق لذة لينتهي الامر كصفقة تجارية لمومس بأخذها لاجرتها من الزبون ، وبالدافع الذي قضى حاجته بلا تبعة تذكر او مسؤولية تلاحق هذا العمل او تترتب عليه ؟. انها ثقافة (( الحرية الفردية )) للعقل التجاري ، الذي يؤمن بكل ماهو تحرري ، وحتى عندما اراد هذا العقل ان يحترم الدين ويقدسه ، فما كان امامه الا صياغة (( مسيحا )) فردا متفردا هائما بلا مأوى ولا عائلة ولا صديق ، مرة هنا على جبل الجليل ، ليختفي فجأة ويظهر على بحر طبريا ماشيا بمفرده متوحدا ، لتنتهي قصة الدين التجاري بلا اب ولا مجتمع ولا اسرة تذكر ، فماهي الا لحظات سريعة وخاطفة ، لتتبلور كل معجزاتها بماهو مادي نفعي ، شفاء من مرض هنا ، زيادة في الخبز والسمك هناك للانتعاش الاقتصادي ، نمو في برميل خمر جيد في عرس ،.... وهكذا ، حتى نصل الى نهاية القصة بدون اي جواب على اسئلة الانسانية : من لماذا انا موجود في هذه الحياة ؟. وكيف لي ان اتعامل مع هذه الحياة الانسانية عقائديا وفكريا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا واسريا ونفسيا ؟. انها الفكرة (( فكرة الحرية الفردية )) التي بنيت على كيفية الوصول الى المنفعة السريعة من جهة ، وكيفية ان يكون الانسان فردا بلا مسؤولية تجاه العالم والانسان الاخر والعالم الاخر فيما بعد ؟. تمام : هل هناك رؤية في فكرة (( الحرية الفردية )) حول العالم الكهنوتي الاخر الذي يؤمن بأن الانسان سيكون مسؤولا في العالم الكبير بعد هذا العالم الصغير ؟. أم ان العقل الراسمالي التجاري الحر قد حسم الموضوعة وبطريقته السريعة جدا في كون الانسان هناك من افتداه بدمه ورفع كل المسؤولية عنه في العالم الاخر ؟. _______________________ (( الحرية كفكرة واقعية ... رؤية أسلاموية )) . 10 . انتهى ________________________________________((المرجعية الفكرية ومنعكساتها )) هل الاطروحة الاسلامية تناصر اطروحة العدل الانسانية في رؤيتها الاجتماعية ؟. أم هي نصير قوي لمشروع الحرية الفردية ؟. تنظر الفكرة الاسلامية للمشروع الانساني في هذا العالم على اساس انه مشروع بدأ اسريا للعائلة الانسانية هذه ، وليس من ريب هنا انه لحكمة بالغة تبتدأ الاطروحة الاسلامية قصتها القرءانية عن الانسان العاقل - وربما كان هناك امتداد ابعد في هذه الحياة عن الانسان غير الناضج عقليا ولكن القرءان الكريم انتخب ان تكون قصته عن الانسان من مرحلة نضوجه العقلي فافهم - على هذه الارض بمشهد العائلة (( ادم الاب ، حواء الام ، قابيل وهابيل الابناء )) ومعروف في مثل هذه المشاهد الخلقية الاولية للقصة الانسانية مايترتب على كون الانسانية ابتدأت قصة مسيرتها الدنيوية العالمية على اساس كونها عائلة واحدة ، فهنا نحن امام علاقة دموية تربط المكون الاول للانسانية ، وتتبع هذه العلاقة الاسرية مترتبات العلائق الاخرى من مسؤولية تربط بين افراد الاسرة الواحدة ، ليكون المشهد الاول للخلقة الانسانية ومنذ بدايته في الرؤية الاسلامية قائما على مجموعة من المفاهيم العامة التي ترى ان هناك علائق ،(( كلكم لادم وادم من تراب / محمد رسول الله ص )) ، ومسؤولية ومصير مشترك ، واحساس وشعور وامتداد وتداخل في الوشائج بين الانسان واخيه الانسان في هذه العائلة الاولى للمكون الانساني !؟. نعم هناك من يرى ان البداية الحقيقية للمشروع الانساني ابعد من ذالك عندما كان الانسان منفردا بلا عقل ولاشعور ولاعائلة ....الخ ، متوحدا مع كهفه المظلم ، يأكل مايجد امامه ، ويفهم غريزة واحدة في هذه الدنيا هي كيفية ان يبقى في هذه الحياة ، وبدون ان يفهم او يعقل لماذا ينبغي عليه ان يبقى في هذه الدنيا ، وانما هي الغريزة اللامعقلنة هي التي تدفعه ليرى كل متحرك اخر فهو عدو له يجب القضاء عليه فحسب !. ومثل هذه الرؤية لبداية القصة الانسانية الفردية ان آمنا بواقعيتها العلمية والفكرية ، فسوف نقول وبلا ادنى ريب ان مترتباتها الفكرية والنفسية والروحية هي حتما مختلفة عن ماذكرناه سابقا من مترتبات الفكرة القرءانية الاسرية تلك ، فهنا وفي مشهد الفردية الانسانية المتوحشة والمنعزلة نحن لانرى اثرا لرابطة انسانية دموية بين الانسان والاخر الانساني ، وانما نرى فكرة غريزة العداء والخوف من الاخر ووجوب التحرك للخلاص من وجوده المهدد بالفطرة لوجودي ككائن متحرك اخر في هذا العالم ، فالعلاقة هنا وحسب الرؤية الماقبل الادمية القرءانية العاقلة ، هي علاقة خوف وتوجس وعدم شعور ودي للانسان الاخر ، بعكس علاقة الانسان باخيه الانسان الاخر (( قابيل وهابيل قرءانيا )) التي كانت تعني علاقة الاخوة والاسرة الواحدة ، نجدنا هنا امام فردية لاانسانية متوحشة ليست فيها او هي لاتمتلك اي رابطة تذكر بين انسان وانسان اخر غير الخوف والعداء والتوجس وباقي المفاهيم التي تنحدر من حياة الغابات والكهوف والانعزال .... وباقي عناوين ماقبل الانسانية العاقلة !. ان هذين المشهدين للقصة الانسانية في وعلى هذه الارض التي نعيش عليها اليوم (( مشهد قرءاني واخر علمي غربي )) يختصران وبواقعية قصة (( الحرية الفردية الغربية الراسمالية )) ومنشأها الاصيل من جهة ، وقصة (( العدالة الاجتماعية الاسلامية )) ومحور منطلقها التنظيري من جانب اخر ، باعتبار ان للحرية الفردية مرجعيتها الفكرية والفلسفية والايدلوجية التي تبرر لماذا ينبغي ان يعامل الفرد الانساني على اساس ان اصالته في فرديته ؟. ، ومن بعد ذالك لماذا ينبغي ان نتعامل مع الانسان الفردي على اساس ان ليس هناك مايربطه بالاخر الفردي من علاقة او مسؤولية اجتماعية تذكر ينبغي ان نبني عليها مقولة وجوب تقييد حرية الفرد الانساني هذا ؟.، وكل ذالك وغيره منشأه هو من تلك الرؤية التي تقول او تبدأ قصة ولادة الانسان ومنطلق تحركه في هذه الحياة من عتبة الكهف وحياة الغابة وغريزة العنف والبقاء والخوف معا ، وهذه الرؤية هي المتبنى الاصيل للفلسفة الغربية بالعموم القديمة والحديثة لبداية القصة الانسانية الاولى من (( دارون ، سبينوزا ، لوك ، هوبز ، دوركايم ، نيتشه ، .... ديورانت ، سارتر .... وباقي فلاسفة وادباء ومؤرخين اوربا القديمة والحديثة وباني نهضتها الجديدة !)) . أما ان اخذنا برؤية وفكرة واطروحة الاسلام الاسرية ، والتي يبدأ الانسان فيها حركته في هذا العالم من عتبة البيت وحياة الاسرة ، وعلائق المجتمع الصغير ومسؤولية التربية والشعور بالاخر الانساني بمشاعر الدم والاخوة ...الخ ، فاننا حتما لانستطيع اخذ الانسان بفرديته ، ولايمكننا الا القول باجتماعية الفرد ، وان اصالته في اجتماعيته وليست في فرديته هنا ، وعليه فعندما نتساءل عن لماذا ينبغي ان يكون الانسان الفرد مسؤولا عن اخيه الانسان الاخر ؟. ولماذا ينبغي ان يكون الفرد مرتبطا بعائلته الانسانية الكبيرة ؟. ولماذا لاينبغي النظر الى الفرد الانساني بفرديته فحسب ؟. ..... الخ ، كل ذالك وغيره من الاسألة هو منطلق وراجع الى الفلسفة والفكرة والاطروحة والمرجعية الاسلامية التي بنت الرؤية ومنذ البداية للانسان على اساس انه انسان (( داجن )) مروض اسري اجتماعي ....الخ ، وليس انسانا لاانسانيا لاعقليا لااسريا لااجتماعيا متوحشا منفردا عدائيا .... كالذي رايناه في مرجعية العقل الغربي بالعموم !؟. وعليه ومنذ البداية نحن هنا امام مرجعيتين للرؤية الانسانية في تاريخها الطويل ونقطه منطلقها الاصيل ، الاولى ترى باجتماعية واسرية الانسان الاول ومايترتب على هذه الاسرية من روابط وعلائق عقلية وروحية ووجدانية ونفسية ، هي الاطروحة الاسلامية ، والثانية التي ترى الانسان فردا له الاصالة ، ومايترتب على هذه الرؤية والفكرة من عدم وجود علائق وجدانية او روحية او نفسية او عقلية ...، توجب ان يكون الفرد مرتبطا بالفرد الاخر ومتقيدا بما يترتب على هذه الوجوبية من التنازل عن حريته الفردية ، وهذه هي الرؤية الفلسفية الغربية بالعموم !. صحيح هناك رؤية ثالثة ترى المزج بين الرؤيتين الفردية المتوحشة لحياة الانسان البدائية ، والتي تنظّر لمقولة ان الانسان بتاريخه الطويل بدأ منفردا منعزلا كهفيا لاعقليا متوحشا ....الخ ، ولكنه وبعد تطوره الطبيعي اصبح اجتماعيا يرتبط بالاخر الانساني اقتصاديا ليشكل العلاقة الطبقية بين الانسان واخيه الانسان المشارك له في الطبقة ، وخاصة الطبقة العاملة او الكادحة التي تشكل جوهرة الابداع والتغيير الانسانية في الحياة البشرية ، وهذه هي الفكرة الشيوعية الاشتراكية الحديثة ، التي تؤمن من جهة بضرورة ان يكون الانسان اجتماعيا ولكن بصيغته الاقتصادية ، مع ايمانها العلمي العميق بفردية التاريح الانساني القديم وعدم وجود علاقات انسانية تذكر مع الانسان الاخر في المراحل اولى من حركته الانسانية من جانب اخر !. نعم العلاقة الاقتصادية ربما ومن وجهة نظرنا لاتشكل علاقة ترتقي الى المستوى الانساني المطلوب بين الانسان واخيه الانسان ، بل وربما تكون العلاقة الاقتصادية التي ارادت الاشتراكية العالمية ان ترتقي بها الى مستوى العلاقة التي ينبغي ان تكون بين الانسان والانسان الاخر ، هي الوجه الصحيح للعلاقة الانية المصلحية المتغيرة بتغير المصالح بين الطبقات الاجتماعية ، فمن المعقول ان تتغير حال الانسان الاقتصادية الطبقية من حال الى حال حسب الظروف التي يمر بها الانسان اقتصاديا فاليوم هو راسماليا متعفنا ومتخما ، وربما غدا هو من الطبقة الكادحة والعمالية ، وليس من المعقول او لنقل الانساني الراقي ان نجعل علاقة الانسان باخيه الانسان بهذا الاهتزاز من العلاقة الاقتصادية ، وهذا ان قلنا بوجوب ان ترتقي العلائق الانسانية الى مستوى الثبات لتحافظ على ديموتها في العلائق الانسانية بغض النظر عن التقلبات الدينية او السياسية او الاقتصادية الطبقية ، كالعلاقة الاسرية - مثلا - والتي ترتبط بالجانب الانساني فحسب ، وبعيدا عن اي مؤثرات طارئة او ثانوية تتلاعب بها ، لتكون تلك العلاقة الاسرية - كما يطرحه الاسلام في رؤيته للانسانية - من العلائق التي لها استحقاقات انسانية ومهما تغيرت الظروف الاخرى !. ومن هذا يتبين لنا التناقضات اللامعقولة واللامفهومة في الايمان بمبدأ الفردية الانسانية التاريخية للانسان من جهة ، والايمان بنفس الوقت بضرورة استحداث علائق اجتماعية اقتصادية تقيد من فردية الانسان من جانب اخر ، كما هو الحاصل في الاطروحة الشيوعية الاشتراكية القديمة والحديثة هذه !. تمام : من الممكن القول ان الاسلام كأطروحة عالمية فكرية ايدلوجية يلتقي مع الاشتراكية من جانب في مطالباتها في بعض شعاراتها المعلنة في العدالة الاجتماعية ولكن لكل الطبقات الاجتماعية وليس لطبقة على حساب اخرى ، كما وان تلك المدرسة الاسلامية تلتقي من الجانب الاخر مع المدرسة الفردية في وجوب الايمان بحرية الفرد الانساني وقدرته على الفعل بالاضافة عن مسؤوليته الفردية امام المجتمع والله سبحانه في بعض من جوانب حياته الشخصية ، ولكن مع امتداد هذه الحياة الفردية بمسؤليتها الى باقي اعضاء الاجتماع الانساني باعتباره جزء من امة مرة ، وامة كاملة مرة اخرة يشد بعضها البعض الاخر كالجسد الواحد !. ان مناصرة الاسلام او الايدلوجيا الفكرية الاسلامية المحمدية العلوية ، لمفاهيم المجتمعية والعدالة والمسؤولية ، ونقدها اللاذع للفردية والانانية والحرية المطلقة ...، ليس منطلقها ومرجعها وأسها الاصيل الا رؤية هذه المدرسة الالهية المقدسة للمشروع الانساني الكامل ، فالانسان في هذه المدرسة مخلوق محترم ، عندما انيطت به مسؤولية حياته في هذا العالم لا ليفكر بالكيفية التي (( يتنعم باعتقاده الشخصي القاصر واللاواعي )) فيها بهذه الحياة فحسب ، وان كانت الاطروحة الاسلامية لاتمانع ان يتمتع الانسان بالجانب المشرق من الحياة البشرية ، ولكن على اساس ان يضع الانسان في حسابه تمتع اخيه الانسان الاخر بنفس الحياة ايضا ، وليتذكر ايضا انه مخلوق خلق لحياة اعظم واكبر واعمق واطول واجمل ...، من هذه الحياة القصيرة ، وعليه وباعتبار انه انسان مؤمن بانه خلق لغاية وهدف سامي وكبير ، فعليه ان يدرك وبفهم ناضج فلسفة وجوده في هذا العالم ، وانه مخلوق ينبغي عليه الانتماء لفكرة تشرح له الكيفية التي من خلالها يصل الى كماله الفردي والاجتماعي الانساني ايضا !. والحقيقة ان هذا الانتماء لفكرة ما تشرح للانسان الكيفية الصحية التي ينبغي ان يسير عليها الانسان في هذه الدنيا ، ربما تختلف من مدرسة الى اخرى ، حسب رؤية هذه المدرسة لفكرة (( الانسان والحياة والانسان الاخر )) ولكن المهم لكل مدرسة فكرية محترمة يريد الانسان الايمان برؤيتها الفكرية ان تكون (( منعكسات )) هذه المدرسة على الانسان الاخر هي منعكسات ايجابية ايضا ، اي ان تكون هذه المدرسة الفكرية او تلك والتي يريد الانسان ان ينتمي لمقرراتها ورؤيتها للعالم والانسان والحياة ، ان تكون مدرسة ذات بعد انساني على الاقل ، وتحمل بين جنباتها بعض الضمانات الضرورية لضمان حقوق الافراد من جهة ، وضمان نشر العدل والمساواة بين البشر من جانب اخر !. وبصورة اخرى اكثر وضوحا في التعبير نقول : ان من المتعارف عليه انسانيا وعقليا وبشريا وفطريا ووجدانيا ، ان تكون الفكرة والمدرسة والاطروحة والايدلوجيا محترمة عندما تكون ضامنة لابعاد ثلاثة اساسية في صلب افكارها التي تبشر بانها المنقذ للحياة الانسانية ، والمهيئة لسبيل السعادة لهم ، وهي : اولا : ضمان افكار الاطروحة لنشر العدالة بين افراد الاجتماع الانساني . ثانيا : ان يكون في صلب المدرسة الفكرية ضمانات متوازنة بين حقوق الفرد وحقوق الجماعة في قلب التواجد الانساني . ثالثا : ان تمتلك هذه الاطروحة او الفكرة او المدرسة المراد ان يؤمن بمبادئها الانسان خطة متكاملة ورؤية شاملة للمشروع الانساني هنا . ان هذه المحاور الثلاثة التي ينبغي توافرها في كل مدرسة فكرية هي وبطبيعة الحال ليست محاورا دينية اسلامية فحسب بقدر ماهي محاور انسانية فطرية اخلاقية عالية القيمة ، والا ما قيمة فكرة تضرب العدالة الاجتماعية ، او تنتقص من الحقوق البشرية فردية كانت او اجتماعية ، بالاضافة طبعا لعدم قيمة فكرة او مدرسة او اطروحة تريد بزعمها ان تهب الانسان سعادته وهي غير قادرة اصلا على شرح تساؤلات الانسان الطبيعية عن وجوده في هذا العالم ؟. نعم الحيوان سعيد ومتمتع بحياته وحريته المطلقة في هذه الحياة ، ولكنه غير معير اهمية حقيقية لتساؤلات الانسان الوجودية في هذا العالم ولايرى الحيوان اي سعادة في فهم لماذا هو موجود في هذه الحياة ؟. اما الجانب الانساني فستكون الشخصية الانسانية ممزقة وقلقة جدا عندما لاتجد جوابا لفلسفة وجودها في هذا العالم ولماذا هي موجودة اصلا وماينبغي عليها ويترتب من مسؤولية على هذا الوجود ؟. وذكي جدا من يرى ان هناك من البشر ممن لايشعر بقلق الاجابة على الاسئلة الفلسفية للانسان ، باعتباره مسخ الى حيوان متمتع بوجوده فحسب ، كما انه ليس هناك اي حرج من قبل هذا المخلوق الغريب عندما يقدم على جريمة قتل اخيه الانسان او رؤيته جائعا او حزينا ، وباقي المشاهد المؤثرة انسانيا والغير مثيرة للاهتمام حيوانيا !. من هنا كانت اهمية الايدلوجيا الفكرية في حياة الانسان ، وحاجته الانسانية الى الاجابة عن تساؤلاته الوجودية ؟!. ان مايطرح باسم (( الحرية الفردية )) اليوم ليس فقط هي ومن خلال وجهة نظر تحليلية اشرنا لبعضها في السابق ، لاتعير كبير اهتمام لتساؤلات الانسان الفكرية الوجودية فحسب لذا هي لاتصلح لان تكون مدرسة بالامكان للانسان ان يؤمن بها او يتخذها منهجا لحياته البشرية ، ولكنها ايضا تحمل داخل جيناتها المركبة خطأ بنيويا يسمح بضرب مشروع العدالة الاجتماعية الانسانية ، بالاضافة الى تهشيم فكرة العلائق الانسانية والروابط البشرية التي تحافظ على مسافة ضرورية من رؤية الانسان لاخيه الانسان الاخر، ولهذا كان ولم تزل (( قوة القانون )) هي العلاقة الوحيدة المحترمة في النظم الفردية باعتبار انه عند سقوط (( القانون )) من معادلة المجتمع الفردي سينزلق الفرد تماما الى همجية حياته الوحشية القديمة التي كانت ترى الاخر الانساني عدوا يجب قتله ، وهذا بخلاف الاجتماعات الاجتماعية التي تضع اكثر من قانون لعلائقها الاجتماعية ولاسيما العلائق الانسانية والاسرية التي اسس لها الاسلام نظريا وفكريا ، ففي مثل هذا الاجتماع حتى ان فرض سقوط القانون (( قانون السلطة او الدولة )) فانه يتبقى للفرد الانساني قوانين اخلاقية اخرى تحافظ على ثبات المجتمع ورؤية بعضهم للبعض الاخر بصورة انسانية محترمة نوعا ما ، لهذا كانت الفكرة الفردية مؤذية تماما في تنظيرها للعلائق الاجتماعية الانسانية عندما دعت للفردية المطلقة ؟. اما من جانب ضمانات الحقوق للفرد والجماعة ، فأن (( فكرة الحرية الفردية )) اسست وبنيت وادلجت على اساس ان للانسان الفردي مملكته الخاصة من الافكار والحرية والحقوق منعزلة تماما عن باقي منظومة الحقوق للافراد الاخرين ، ولانغالي ان قلنا ان فكرتي (( العدالة والحقوق )) لم توجد ولن توجد لا في الاطروحة الفردية ، ولاحتى في دين الاطروحة الفردية ايضا ، فحتى المقدس التي تؤمن به (( اطروحة الحرية الفردية )) فهو الاخر يعاني من غياب فكرتي العدالة والحقوق بشكل واضح (( اعني ان الاناجيل المقدسة الاربعة في الديانة المسيحية هي الاخرى تعاني من ازمة غياب مصطلح العدالة فيها والحقوق الاجتماعية مما سمح لفكرة الحرية والفردية بان لاتعير اهتمام لهذين المصطلحين في خطابها الفكري وربما نفس هذه المشكلة هي سبب ازمة الضمير في العالم الاوربي والغربي الديمقراطي اليوم عندما يكيل بمكيالين في حياتة الفكرية والسياسية والاقتصادية والاخلاقية بعيدا عن مفهوم العدالة تماما )) ومن هذا كانت الاطروحة الاسلامية ناظرة الى فكرة الحرية والفردية بسلبية باعتبار انها الفكرة التي تساهم وبشكل مباشر وغير مباشر بتعميق حالة اللاتوازن الاجتماعي في العدالة ، واللاتوافق الانساني في الحقوق ، واللاأطئنان فكري ونفسي في الطرح والايدلوجيا للانسان ؟. نعم اشكالية الحرية الفردية كطرح يراد من الانسان اعتناقه ان هذا الطرح ومن وجهة النظر الاسلامية ليس فيه قواعد محترمة لنشر العدالة بين البشر ، ولاهو يمتلك عمقا ورصانة ليقيم الحقوق لمجتمع مكون من اجتماعيات انسانية وليس من دوائر فردية متضاربة الحقوق ، ولا هو - طرح الحرية الفردية - يمتلك فكرة متكاملة تعطي الانسان استقرارا فكريا لتساؤلاته الوجودية واطمأنا قلبيا لايمانه بالحياة ككل متكامل !. (( الا بذكر الله تطمئن القلوب )) صدق الله العظيم ______________________________ al_shaker@maktoob.com