الأحد، يناير 29، 2012

(( على سوريا الاستفادة من التجربة العراقية في مكافحة الارهاب )) حميد الشاكر



ما تتعرض له سوريا اليوم حكومة وشعبا ودولة ، ومع الاسف لايفرق كثيرا عن ما تعرض له العراق بعد التغيير على ايدي العصابات الارهابية الصدامية والميليشيات التخريبية القاعدية ، الممولة من دول الجوار الاعرابية البترولية ماليا واستخباريا وتحريضيا اعلاميا ايضاوبمباركة ودعم واضح صهيوامريكي استطاع وبكل صراحة ان يحوّل العراق بفضل جهوده الارهابية ، والتخريبية الى خربة لا يظهر منها على السطح سوى اطلال الدمار وبقايا الانسان العراقي الذي لم يبقى من وجوده الا شبح انسان بالكاد تميز ملامحه عند الاقتراب منه بصعوبة !!.
ولكن صلابةالشعب العراقي بالاضافة لتركيبته وقدرته على نسج تجربته السياسية الجديدة بعيدا عن اصابع الاحتلال ومخططاته الشيطانية ،وكذا لوجود مرجعية دينية وعقدية موحدة ومنسجمة ومدبرة وصبورة ، الهم هذا الشعب التماسك ، واعاد له الحياة والنهوض من جديد رغم الجراح العميقة ورغم انف اكبر هجمة ارهابية في التاريخ البشري كله تعرض لها العراق شعبا ودولة وحكومة ومجتمعا ، ومؤسسات وبنية تحتية وانسان ..... وكل شيئ على ايدي مخططات الفوضى الخلاّقة الامريكية من جهة ، وبادوات وايدي وقوى الارهاب الظلامية التكفيرية البترولية ، السعودية الوهابية الاجرامية من جانب آخر !!.
نعم في سوريا ربما يكون الوضع مختلفا عن العراق طبعا في كثير من الاشياء لكنه متشابه بالفعل مع الشأن العراقي في نوعية المخطط ، الذي استهدف تدمير العراق ومتشابه ايضا في نوعية المؤامرة الارهابية ،التي ارادت تقسيم العراق والغائه من الوجود مطلقا وكذاهوالمخطط الذي يستهدف سورياالوطن وسوريا الدولة وسوريا المجتمع ، وسوريا الانسان وسوريا الوجود والتركيبة والكيان اليوم !!.
بل اننا لانبتكر مخترعا جديدا ان اكدناوقلنا ان ما تتعرض له سوريا اليوم من هجمة ارهابية داخلية ، ممولة بتروليا ووهابية سعوديا بالتحديد وقطريا اعلاميا وبمباركة وتشجيع صهيومريكي فرنسي معروف الاسباب على انه نفس الاستهداف الذي طال العراق بالامس لتدميره وبنفس مخطط الفوضى الخلاقة (الصهيو سعودي) بترولي خليجي ، وعلى نفس الشاكلة ، وتحت نفس الشعارات التحريضية الطائفية وبنفس الاليات والايدي والعصابات والميلشيات والقاعديات والسلفيات ، والقتل والوهابيات والاجندات من جهة ، والحرية والديمقراطية وحقوق الانسان ..........الخ من جانب آخر !!.
وعلى هذا الاساس يكون ما داوى العراق أمنيا وسياسيا واجتماعيا وعقديا وفكريا ..... والهمه المقاومة والصمود لهذه اللحظة ضد الهجمة الارهابية العالمية ، التي استهدفت كيانه ، ووجوده هو نفس الدواء ، الذي بامكان سوريا القيادة والمقاومة وسوريا الشعب والوطن والتركيبة ان تنتهجه كاسلوب لمقاومة مختلفةعما مارسته سوريا في كل سني مقاومتها وصمودها امام التهديدات الصهيونية والامريكية فيما سبق من حياتها السياسية !!.
ان هناك في الحقيقة من يريد ، وتحت هذه المعطيات السياسية والامنية المتشابهة بين العراق والشقيقة سوريا ان يتلاعب بصورة المشهد ويقلب ملامح هذه الصورة العراقية السورية ليعطيها التشابه السلبي في الشأن العراقي السوري ، الذي ابتلي بهجمة ارهابية عالمية كبيرة جدا خدمة للاجندات والمصالح الاستعمارية الامريكية والصهيونية في المنطقةوالعالم ومن ثم ليلقي كل المسؤوليةبانزلاق سوريا لمقصلة الارهاب ، والتدمير والاقتتال الداخلي على كاهل السوريين انفسهم وعلى المواقف الشريفة والبطولية والعربية الاسلامية المقاومة للرئيس بشار الاسد ، الذي يحاول حماية شعبه من دوامة الارهاب والمؤامرات الخارجية ، ليصبح من ثم الضحية هو الجلاد كما حصل في انقلاب الصورة الاعلامية الاعرابية في تصوير الشعب العراقي من كونه ضحية ، للارهاب الاعرابي الصهيوني الامريكي الاعمى ، الى كونه الظالم لنفسه ولغيره في نفس الان واللحظة !!.
والحقيقة ان هذه اللعبة الاعلامية الاعرابية البترولية الحقيرة ، والتي يعزف عليها الكثير الان من عبدة الدولار امثال عبد الدولار عطوان ، وغيره من حثالات الاقلام العربية الساقطة ، وبائعي الضمير من مرتدي العرب والمسلمين ، هي ايضا تندرج تحت المخطط الكبير ، الذي يستهدف تحويل المنطقة العربية والاسلامية الى مجرد تنور مشتعل بالاحقاد ، وبؤر للتناحر الطائفي والعرقي والسياسي وغير ذالك ولهذا ينبغي الالتفات الى الاساليب الشيطانيةالصهيوسعودية الخطيرة التي تستهدف دولنا العربية والاسلامية ووحدتها ، ونسيجها الاجتماعي والوطني وتفجيرها من الداخل لتكون الدوامة وكل محور عصفها المدمر ارهابيا هو داخليا مئة بالمئة بحيث يُشعل فتيل الارهاب ، والازمات من الداخل ، ويغذى هذا الفتيل طائفيا ، واعلاميا من خلال تصويره على اساس انه (اشكاليات داخلية سياسية وطائفية) بين نظام سياسي قائم مستبد وشمولي ودكتاتوري وطائفي من جهة ، وشعب يحاول الحصول على حريته وديمقراطيته وكرامته وحقوقه الطائفية لاغير !!.
الخلاصة : على الاخوة الاشقاء في سوريا ، ان يبادروا بالتنسيق السياسي والامني وحتى الفكري والثقافي والديني ((يعني بصريح العبارة ان الاوان لزيارةوفود دينية سورية ، للعراق وللنجف الاشرف بالخصوص ليكون هناك نوع وحدة اسلامية بين الشعبين السوري والعراقي على اعلى المستويات لاجهاض مشروع الفتنة والاقتتال الطائفي والديني في المنطقة )) مع الجانب العراقي لدراسة ، وبحث جميع تفاصيل التجربة السياسية والامنية العراقيةالتي واجهت هذا المخطط الارهابي العالمي الذي استهدف العراق بعد التغيير وحتى الان بشكل لابأس به من النجاح والمناورة وذالك لان المنعطف الامني والسياسي وحتى الاجتماعي الذي تمربه سوريا الشقيقة اليوم هومن المنعطفات المصيريةالخطيرةجدا لاسيمامع تهسترالقوى الاستعمارية الغربية والصهيوامريكية على سوريا ، بشكل غير مسبوق ، وتصعيدها لهجمتها الارهابية السياسية والاعلامية والدبلماسية ضد الخارج ، والداخل السوري واستنفار ادواتها الخليجية العميلة من حكام وامراء البترول ،للمساهمة الخطيرة باسقاط وقتل سوريا ووجودها في المنطقة !!.
مدونتي :
http://7araa.blogspot.com/
alshakerr@yahoo.com

(( مطارحتان في نشأة الدولة والعقد الاجتماعي ... رؤية أسلامية )) حميد الشاكر


( المطارحة الثانية )

عند المجيئ بأسألة فلاسفة العقد الاجتماعي الاوربيين وطرحها على المدرسة الفكرية الاسلامية لاكتشاف وجهة نظرها العقدية في موضوعة : سير المجتمع التاريخي ، ونقلته النوعية من المجتمع البسيط والساذج والطبيعي ، الى المجتمع المختلف والمعقد والسياسي ؟، وكذا عند سؤال الاطروحة الاسلامية حول نشأة الدولة واسباب ضرورتها الوجودية ؟، سنجد ان المدرسة الفكرية الاسلامية مدرسة غنية وثرّية في هذا المضمار ، بل انها الاطروحة التي اثارت هذا النوع من الاسألة والمنحنيات البحثية والدراسية حول المجتمع والتاريخ وهيئة الحكم وانشاء الدولة قبل فلاسفة العقد الاجتماعي الاوربيين بقرون من الزمن ، حتى ان الرجوع لتفاسيرالمسلمين وتراثهم الفكري في تبيين النصوص القرءانية ، يرجعنا الى حالات بحث بمثل هذه المواضيع تعود الى عصر النبوّة والصحابة ايضا رضوان الله عليهم ،في قضايا من قبيل : الحاكم والمحكوم ، وشروط بيعة الحكم وبنود عقودها السياسية ، وكذا كيفية سير الاجتماع تأريخيا وتحولاته نوعيا ايضا ،... مما يدلل على ان الاطروحة الاسلامية لها وجهة نظر قديمة جدا في ثلاثي موضوعة (التاريخ والمجتمع والدولة )، الاّ ان هناك قطيعة فكرية لسبب وآخر فرضت بين المسلمين واسلامهم اضرّ كثيرا بقضايا البحث الاسلامية وابرازها بشكل واضح ومكثف ، هو ما جعل المسلمين انفسهم ينبهرون بما طرحته المدرسة الفلسفية السياسية الاوربية في هذا المجال اعتقادا منهم ان هذه الاطروحات السياسية الاوربية هي قمة الابداع الفكري والاجتهاد النظري في حقول الفلسفة السياسية الحديثة ، والحق ان هناك المدرسة الاسلامية التي هي بحر عميق من التصورات والفلسفات والاطروحات في كافة المجالات الانسانية لكن بدون باحثين ومنقبين وكاتبين ودارسين ومفكرين بها ، وهذا لايعني مطلقا ان ليس للفلسفة والفكر الاوربي فضل يذكر في هذه الحقول الفكرية والانسانية ، بل العكس صحيح من وجهة النظر الاسلامية القائمة على ( ولاتبخسوا الناس اشيائهم ) فالفكر الاوربي الحديث له فضل الابتكار وفضل الاثارة في عالم الفكر الانساني الحديث ، لكننا نشعر من جانب اخر ان جلّ ما يطرحه الفكر الاوربي الفلسفي والسياسي والاجتماعي ....، له رصيد واضح في مدرسة الاسلام العظيمة ، لكن مع الاسف بدون فكر وانسان وباحث اسلامي له تطلعات البحث وقوّة الابتكار وخوض التجديد بشجاعة ، ولهذا افتقرت المكتبة الاسلامية للكثير من البحوث والدراسات الحديثة المختصة بشؤون العالم الانساني الحديث التي تتناول القضايا الفكرية والسياسية الاسلامية الحسّاسة كالحرية والدولة والحاكم والحقوق والواجبات .... وهلمّ جرّا !.
نعم صحيح ان هناك تراكم تاريخي في الذهنية العربية والاسلامية فرضت نوع من التابوهات والمحرمات والمقدسات على العقل العربي والاسلامي لمنعه من قضية التفكير والاجتهاد هو الذي اعاق في الفترة الاخيرة من تطوّر الفكر الاسلامي ومواكبته للحياة الانسانية ، لاسيما ان تابوهات السياسة في عالمنا العربي والاسلامي ، وتابوهات المقدس الديني ، هي من ترى في كل حركة تجديد وتأمل وتفكير وبحث ... خطر على وجودها السياسي والديني القائم وكذا الاجتماعي والاقتصادي ، وهذا مفهوم جدا ، لكن هناك الاسلام العظيم نفسه وتركيبته الفكرية والعقدية التي لاتقبل إلاّ التطوّر ومواكبة الانسان لحظة بلحظة مع متطلباته ومستجداته الانسانية هي التي تنتصر في اخر الطريق دوما ، وما عظمة وقوّة الاطروحة الاسلامية الا انها متأتية من كون سرّ خاتمية الاسلام للاديان وسرّ عظمته المطلقة انه الدين صاحب الاطار الشامل الذي يجيب على متطلبات وحاجات واسألة الانسانية المتجددة كل يوم بما فيها حاجاته وضروراته واسألته السياسية والفكرية والدينية والاقتصادية وكذا التربوية الاجتماعية ، وهذا ماميّز الاطروحة الاسلامية عن غيرها ، وما هيئها لتكون بالضد دوما مع الدكتاتورية والظلم السياسي والديني والاجتماعي ، من منطلق ان الاسلام نفسه مع الحرية مع الحياة مع التفكير مع التطلع والمستقبل دوما !.
_______________

( تأريخ المجتمع من الطبيعية الى السياسية )

***********
في عملية المسيرة الانسانية المنصوص عليها قرءانيا (تأريخ الانسانية ) ، والمدّون لها أسلاميا فكرة تقول بان : الانسانية في مسيرتها الطويلة في هذه الحياة وقبل ان تتبلور شخصيتها السياسية والفكرية للتعقيد والاختلاف ، كانت أمة واحدة حيث لم يكن آنذاك في تأريخ البشرية الطبيعي والساذج اي تدافع حقيقي اجتماعي معتدٍّ به ، بل ان الانسانية في طور نشأتها البدائية تميزت بانها التجمعات التي تميل الى التوّحد الفطري في انماط حياتها الفكرية العقدية وكذا السياسية والاجتماعية وهكذا الاقتصادية ، يقول الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه العظيم القرءان الكريم :(( كان الناسُ أمةً واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما أختلفوا فيه .../ 213/ البقرة )
اي ان الناس في مرحلة (الطفولة ) من مراحل التاريخ البشرية كانوا على نمطية واحدة من التفكير ومن العيش ومن السلوك .... وكذا من التطلعات وباقي الحاجات ، الى وصولهم الى نقطة معينة فرضت عليهم نوعا من النقلة النوعية في حياتهم الانسانية ، ابتدأت بالاختلاف الناتج الطبيعي عن اختلاف التطلعات والافكار والسلوكيات والمزاجات الانسانية التي تنضج لتتبلور في حالة النضوج بشكل اختلافات انسانية بين هذا الانسان وذاك ، وعندها تطلبت هذه النقلة النوعية في الحياة الانسانية من مرحلة الطفولة والسذاجة الى مرحلة النضوج والتعقلن والرشد أرسال رسل ونبيين مبشرين ومنذرين لهذه الانسانية التي استعدت ونضجت واختلفت عقليا وفكريا ، ومضافا لارسال الرسل أنزل الله سبحانه الكتاب او القانون او الدستور ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وليكون مرجعية قانونية لهم يحكم وينظم من سلوكهم من جهة ، ويعطيهم قيمومة المجتمع في الرؤية الموحدة من جهة اخرى !.
او على حد تعبير السيد صاحب تفسير الميزان (قدس): (ان هذا النوع قد مرّعليهم في حياتهم زمان كانوا فيه على الاتحاد والاتفاق وعلى السذاجة والبساطة ، لااختلاف بينهم في المشاجرة والمدافعة في أمور الحياة ، ولا اختلاف في المذاهب والاراء .... ومن المعلوم ان قوما حالهم هذه الحال لايظهر فيهم الاختلاف ظهورا يعتد به / الطبطبائي محمد حسين / ج2/ ص 126 )
كما ان هناك من المفكرين الاسلاميين من نظّر لمراحل ومسيرة الانسانية الطويلة نوعا ما ، ليس على اساس انها مرحلتين اساسيتين ( مرحلة الطبيعة الساذجة ومرحلة المجتمع السياسي المختلف ) كما لدى فلاسفة اصحاب العقد الاجتماعي الاوربيين ( هوبز ولوك وسبينوزا ) بل ذهب الى ان الانسانية تخطت مراحل أو ادوار او مسافات ثلاثة في مسيرتها البشرية ، وهي مرحلة او دور ( الحضانة ) ودور ( الوحدة) التي تحدث عنها القرءان بلغة (أمةً واحدة ) ، وثالثا دور ( التشتت والاختلاف ) الذي ذكره ايضا القرءان الكريم بقوله ( فيما اختلفوا فيه ) وهذه الرؤية ذكرها الشهيد السعيد محمد باقر الصدر في التفسير الموضوعي للقرآن .
على اي حال فالاطروحة الاسلامية ترى : ان هناك مرحلتين اساسيتين في مسيرة الانسانية هذه :
المرحلة الاولى : والتي سُميت بمرحلة الطبيعة ماقبل المجتمع السياسي ونشأة الدولة عند فلاسفة العقد الاجتماعي الاوربيين ، وبمرحلة الامة الواحدة في القرءان الكريم ، او مرحلة ( الفطرة ) عند اهل البيت عليهم السلام ، كما ذكر عنهم في تبيين هذا النص القرآني بالذات حيث ذكر عنهم ع عن تلك الفترة السابقة لفترة الاجتماع المعقد والسياسي ان الناس فيها كانو :( على فطرة الله التي فطر الناس عليها ) وهذه رواية الصادق جعفر بن محمد ع ، وفي رواية الباقر محمد بن علي زين العابدين ع :( كان الناس قبل نوح أمة واحدة على فطرة الله لامهتدين ولاضالين فبعث الله النبيين ).
المرحلة الثانية : وهي مرحلة الاختلاف والتشتت والانقسام والتعقيد والدولة والسياسة والهداية والضلال والرشد الاجتماعي والطاغوت الانساني .... وهكذا ، وهي المرحلة حسب رؤية الاطروحة الاسلامية التي تطلبت أرسال رسل وأنزال قوانين وكتب ودساتير وظفت فيما بعد لنشأة الدولة وتنظيم حركتها في العالم الانساني حتى اليوم !.
نعم ماهو ذالك الاختلاف الكبير الذي تتحدث عنه الاطروحة الاسلامية ؟.
وماهي ماهيته التي تطلبت من المجتمع الانساني ان ينتقل بحياته من السذاجة الى التعقيد ؟.
وهل لهذا الاختلاف سببية واقعية في نشأة الدولة وهيئة الحكم والقضاء في المجتمع الانساني ؟.
كل هذه الاسألة وغيرها هي من ضمن اهتمامات دائرة الفكر الاسلامية التي رأت : ان الاختلاف المذكور في النصوص الاسلامية لمراحل التطورات الانسانية هو الاختلاف الكبير المفضي الى دفع المجتمع الانساني نحو التغيير من مجتمع البساطة الى مجتمع التعقيد والسياسة !.
الآن عند روسو كان سبب الازدياد السكاني هو ما اشير اليه اسلاميا بالاختلاف الذي انتج وانشأ مشروع الدولة ، عند لوك حماية الملكية وعوامل الاقتصاد هي الاختلاف ، عند هوبز طبيعة الاجتماع المتوحشة وحالة الحرب والفوضى هي الاختلاف ....، وكذالك في الاطروحة الاسلامية ترى في كل هذه العوامل اسبابا واختلافات دفعت المجتمع للتفكير بضرورة ايجاد هيئة قضائية او مجموعة حكومية تنظم من سير وحركة المجتمع المتطورة يوما بعد يوم ، وبما في ذالك اختلافات الانسانية العقدية الدينية والفكرية والطبيعية والاقتصادية ... كلها عوامل واسباب لاتذكرها الاطروحة الاسلامية بالنص وانما تذكرها بالعموم تحت عنوان ( فاختلفوا ) لتعطي صورة الاختلاف على اساس انها منتج انساني مئة بالمئة هو الذي انشأ ظروف جديدة استلزمت بعد ذالك ضرورة وجود عنصرين في نشأة اي دولة وهما ( الحكومة والقانون ) !.
____________________

( الدولة كمنتج رسالي )
*****************

تختلف الرؤية الاسلامية عن رؤية فلاسفة العقد الاجتماعي في المرجعيات التي أقامت الدولة في التاريخ الانساني من حيث انها منتج رسالي وابتكار نبوي مئة بالمئة وليس هي منتج معادلات اجتماعية مادية لاغير من خلال ابرام عقد اجتماعي وجدت الدولة على اساسه كظاهرة اجتماعية !.
بمعنى اخر : انه مع ان الفكرة الاسلامية حول الاسباب والدوافع التي حتمّت من وجود جهاز الدولة كضرورة اجتماعية في تاريخ الانسانية فيها اتفاق بين الرؤية الاسلامية ورؤية فلاسفة العقد الاجتماعي من ان هناك (أختلاف اجتماعي سياسي اقتصادي فكري عقدي .... ) ما دفع لايجاد ظاهرة الدولة في المجتمع ، الا ان نفس هذه الرؤية الاسلامية تختلف في مَن هي المرجعية الحقيقية التي فكرت في تأسيس هذه الدولة ؟.
وهل هي مرجعية اجتماعية بعيدة عن يد السماء والوحي والنبوة ؟.
أم انها مرجعية متصلة بالوحي والنبوة والسماء ؟.
فيما مضى من مطارحة ادركنا الرؤية الاوربية الفلسفية التي ترى : ان المجتمع هو صاحب القرار في انشاء هيكلية الدولة من خلال ابرام عقد اجتماعي تنازل بعض الافراد لبعضهم الاخر عن حقوقهم الطبيعية او بعضها لانشاء ظاهرة الدولة !.
أما الان ونحن أمام الرؤية الاسلامية فاننا نجد من يقول من فلاسفة الفكر الاسلامي ( السيد المفكر محمد باقر الصدر قدس) : ان أطروحة الهيئة السياسية او الدولة ان هي الا من مبتكرات قادة الدين التاريخيين من انبياء ورسل لرب العالمين !.
والحقيقة ان القرآن الكريم نفسه بأعتبار انه المرجعية الفكرية الاولى للاطروحة الاسلامية كذالك هو يرى : ان الاختلاف الحاصل بين الانسانية في قديم الزمان بقوله ( فيما اختلفوا فيه ) أو قوله سبحانه :(وماكان الناس إلاّ أمة واحدة فاختلفوا ../ 19/ يونس ) والذي على اثره تدخلت يد السماء لتنظّم من هيئة الاجتماع الانساني ، ذاك الاختلاف وان كان سببه اجتماعيا انسانيا واقعيا لاغير ، الا انه كان سببا ظاهريا لتدخل الوحي والنبوة ليخلق نوعين من الظواهر اللاهوتية والانسانية المتمازجة :
الظاهرة الاولى : ظاهرة ارسال رسل من قبل الله سبحانه وتعالى كحالة لطف الاهية .
الظاهرة الثانية : انزال كتب وقوانين ودساتير كتشريعات يومية وحكومية وسياسية وقضائية واجتماعية واقتصادية ..... ينسق الاجتماع سلوكه وتصرفاته حسب مقتضياتها واوامرها ونواهيها الآنية .
ومن هنا نفهم ان اول تشكيل لقيادة حكومة في التاريخ الانساني بعد الاختلاف البشري الذي ذكر قرءانيا في قوله سبحانه وتعالى :( كان الناس امة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ...) كانت هي القيادة الرسالية التي شكلت محور نشأة ظاهرة الدولة في المجتمع ، ثم ومباشرة وفي تناسق زمني تام أنزلت مع ارسال هذه القيادة الرسالية التي تشكلت على اثر الاختلاف الانساني الكتب او القوانين او الدساتير لتشكل في مضمونها عملية هي قريبة من عملية انشاء العقد بين المجتمع عند فلاسفة اوربا ، ولكنها مختلفة من حيث الاطراف ، فالاطراف في العقد الاجتماعي هما الدولة او المجتمع من جهة والدولة او الاتحاد الاجتماعي من جهة اخرى في فلسفة العقد الاجتماعي ، بينما اطراف العقد الاسلامي هو بين القيادة او الدولة من جهة وبين الله سبحانه وكتابه وقانونه ككاتب لهذا العقد كطرف ثالث وبين المجتمع كطرف ثاني في العقد الاسلامي هذا ، ليكون هذا الكتاب او القانون او الدستور هو العقد القائم بين الانبياء والرسل وقادة الدولة الجديدة ، وبين المجتمع والناس والبشر !.
بمعنى اخر : ان اطراف العقد في الاسلام الذي على اثره انشأت الدولة وتحول المجتمع من المجتمع الطبيعي الى المجتمع السياسي المعقد هي :
اولا : الطرف الاجتماعي المؤمن .
ثانيا : الطرف الايدلوجي السياسي والديني الرسالي .
ثالثا : الطرف الغيبي الالهي المنزل للكتاب والقانون والدستور .
نعم لماذا رأت الاطروحة الاسلامية وجوب ان يكون العقد او الدستور او القانون هو من منزلات العلو اللاهوتي السماوي المقدس ، ولم يكن من وظائف الاتحاد الاجتماعي المدرك لمصالحه الانية ؟.
فمثل هذا السؤال وفي هذا المنعطف بالذات فيعتمد على ان للاسلام رؤية فلسفية كونية للخلق والانسان والغاية من هذا الوجود ليس هنا البحث في مضامينها الفكرية ، ولكن يكفي الاشارة الى ان الرؤية الاسلامية توجب في العقد الذي ينظم من حياة المجتمع الانساني ان يكون مقدسا وعاليا ويحمل صفة الحدود التي لاينبغي التفكير بتجاوزها من احد افراد المجتمع الذي تعاقد مع هيئة الدولة الرسالية من جهة ومع الله سبحانه وتعالى من جهة اخرى ، بالاضافة الى رؤية الاسلام نفسه الفكرية في :ان القضايا التشريعية هي من مختصات صاحب السيادة الحقيقي وهو الله سبحانه وتعالى سيد الكون والعالم والانسان ، ولابأس هنا ان ذكرنا اشكالية طرحها روسو نفسه عندما كان يدافع عن حق الاتحاد الاجتماعي وحده في اصدار التشريعات الاجتماعية القانونية ، حيث قال : انه لايوجد في هذه الحياة الدنيا انسان واحد بالامكان الثقة والركون الى ميوله النفسية والفكرية ، ومن هنا كان لزاما وعلى اساس هذه الحقيقة اعطاء او القاء وظيفة التشريعات القانونية لمجموع الاتحاد العام من الشعب الذي ينتخب ممثليه للسلطة التشريعية التي تأخذ مصالحه بعين الاعتبار في مواد التشريع ، وليس لفرد هنا او فرد هناك يميل اينما مالت مصالحه ومنافعه الدنيوية هذه الوظيفة !.
وعلى نفس هذا المنطق او قريب منه رأت الاطروحة الاسلامية حساسية قضية التشريعات القانونية للمجتمع ، وان هذه القوانين لايمكن القبول بوضعها ( ومن لم يحكم بما انزل الله فاؤلئك هم الكافرون ) الا من جهة محايدة في الحكم وشمولية في الرؤية بحيث ترى جميع مصالح المجتمع المتنوعة وتأخذها بنظر الاعتبار ، وتامة في العدالة لتصدر جميع الاحكام من قبل جهة لاتفرق بين فرد واخر ولاتظلم انسان وغيره او طبقة ودونها او فئة واختها وليس لها مصالح مع هذه الجهة او تلك ...، وهكذا رأت الاطروحة الاسلامية انه لايمكن لاحد ان يأخذ دور المشرّع القانوني في دولة الرسل والانبياء والمؤمنين من الناس الا الله سبحانه وتعالى او احد رسله وانبيائه في هذه الحياة لاغير لوجود عصمتهم من الميل والمحاباة والانزلاق مع المصالح هنا وهناك !.
وحتى رؤية روسوا التي ذكرناها فأن روسو غفل ان تطورات البشرية بامكانها ان تخلق فئة كاملة او اتحاد كامل من اتحادات الامم البشرية تميل في تشريعاتها الى تشريع مصالحها على حساب مصالح امم وشعوب اخرى ، ولو كان حاضرا روسو في ايام مجلس الامن الدولي هذه الايام وكيف ان الاقوياء من الدوّل تشرّع لمصالحها على حساب مصالح الشعوب والامم الضعيفة ، لغير رأيه ربما في الكثير من ارائه حول عصمة الاتحاد الاجتماعي من التشريعات الخاطئة ، ولادرك ان الله سبحانه الخالق وحده هو الجهة التي بالامكان الثقة بنزاهتها وترفعها في تشريعاتها العادلة لجميع البشر وبلا تمايزات او ميول من هذا الاله العظيم والعادل وخالق الخلق الذي يرى فيهم انهم جميعا عياله بلا فرق لاسود على ابيض او اعجمي على عربي او اوربي على شرقي !.
نعم يتبقى ان نشير الى ان المرجعية الكبرى في الاسلام للدولة والمجتمع هي الشريعة الاسلامية المتمثلة اولا في الكتاب الكريم وتراث محمد وال بيته الطيبين الطاهرين ، وان هذه المرجعية القانونية والفكرية مضافا الى انها مادة العقد الذي اسس لوجود هيئة الدولة مقابل المجتمع المؤمن ، كذالك فأن بنودها القانونية تعتبر بنود للعقد الاجتماعي بين اي هيئة حكومية قضائية تشريعية في الدولة وبين الناس والمجتمع ، واي تجاوز على تشريعاتها القانونية في التنفيذ او التخطيط او رسم السياسات العامة للمجتمع ، يكون خرقا ايضا لبنود العقد القائم بين الدولة والمجتمع ، ويضفي من ناحية الدولة الى سقوط شرعيتها القانونية والدستورية ، مضافا الى ان للمجتمع الحق الاطاحة بهذه الدولة والغاء وجودها وتغيير هيكلياتها القائمة ، ففي مثل هذه الحالات تكون سلطة الرقابة الاجتماعية هي صاحبة السيادة على مراقبة الدولة وتقنين حركتها والتمرد عليها ان ارتأت الدولة تجاوز نصوص الدستور والقانون ، او انتهجت التعسف والظلم على المجتمع ، او قصرت في الامانة وتفرعنت وتجبرت وتحولت الى مجرد عصابة تحاول الاستيلاء على المجتمع واختطافه كعبيد وتحويله الى امة شبح !.
وفي الجانب الاخر من العقد الاسلامي فإن الدولة ايضا صاحبت مسؤولية امام الله سبحانه وامام المجتمع ، ولها حق السلطة وقوة العقد وانتخاب الشعب لها مما يسمح لها بممارسة صلاحياتها الادارية والتنفيذية حسب الدستور والشريعة في الاسلام ، كما ان لها ايضا حق الرقابة وتنفيذ القانون على المجتمع كما كان للمجتمع حق الرقابة على عمل الدولة والقيام بوضائفها باعتبار : ان دولة الرسل والانبياء الاسلامية هي خليط من مجموعة مؤمنة تعاقدت على قيام كيان متصل بالله سبحانه وتعالى :(( والمؤمنون والمؤمنات بعضهم اولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله أولئك سيرحمهم الله إن الله عزيز حكيم ))
________________________
alshakerr@yahoo.com

(( مطارحتان في نشأة الدولة والعقد الاجتماعي ... رؤية أسلامية )) حميد الشاكر


( المطارحة الاولى )

لاريب ان مفهوم العقد الاجتماعي لعب دورا كبيرا ومهما في النهضة الاوربية السياسية الحديثة، وذالك من عدة زواية ومحاور كانت قبل وجود مفهوم العقد الاجتماعي من أكثر الزواية والمحاور ظلمة في تاريخ السياسة الاوربية للقرون الوسطى الغابرة .
ونحن اذ نتناول مفهوم العقد الاجتماعي ونشأة الدولة بالمناقشة اليوم فلأدراكنا إن اشكاليات مجتمعاتنا العربية والاسلامية السياسية تعاني من نفس تلك العقد المركبة التي عاناها التاريخ الاوربي فيما مضى من سالف الازمان ، فهناك إشكالية الدولة والمجتمع والعلاقة الغامضة بينهما في منتوجنا الثقافي السياسي العربي والاسلامي !.، وهناك الامية السياسية للمجتمع العربي تجاه مفهوم الدولة ومن ثم النظر لها دائما كمستبد متسلط بالقوّة لاغير !.، وهناك موضوعة الحقوق والواجبات لكلا طرفي العقد الاجتماعي الدولة والمجتمع ، وكيف ينبغي التوفيق بين مصالح المجتمع والحفاظ على حريته التي منحتها الطبيعة للانسان او الله سبحانه وتعالى لهذا المخلوق ، ومصالح الدولة التي منحها الاجتماع لهيكل الدولة القائمة باسم الحكومة المدبّرة من جانب اخر !........ الخ .
وهذه الاشكاليات وغيرها قد تناولها مفهوم العقد الاجتماعي ، واستطاع ان يضع رؤى محددة قد ساعدت المجتمع الاوربي على بناء منظومة ثقافية جيدة حول مفهوم ومشروع ووظائف الدولة ودورها وحركتها في تطوير المجتمع ، بحيث اضحى المجتمع الاوربي اليوم لايخشى من غائلة الدولة او طعنه من الخلف بأسم حق الدولة ، لأدراك الدولة نفسها انها تقف أمام مجتمع يدرك تماما حقوق الدولة وواجباتها تجاه المجتمع ، وواجبات المجتمع في المقابل امام حقوق الدولة !.
وعليه كان لزاما على كوادر الثقافة السياسية في اي مجتمع يحاول بناء نفسه من جديد ان تعمق من حالة الحوار والبحث وتنخرط بعملية النضال الفكرية في مداخل ومخارج مفاهيم العقد الاجتماعي ، وايصال ثقافة الحقوق والواجبات بين المجتمع والدولة الى ذهن جميع الافراد في هذا الاجتماع الانساني ، ليتسنى فيما بعد بناء المجتمع سياسيا وفكريا وثقافيا أمام هذا التنين العملاق المسمى بالدولة ، وكي لاتستغفله الدولة لمرّات متكررة باسم الوطن او هيبة الدولة او متطلباتها الضرورية ...... تحت وطأة اميته الثقافية السياسية هذه ، ولتصادر شيئا فشيئا جميع حقوقه الانسانية والسياسية امامها !.
نعم مفهوم العقد الاجتماعي من المفاهيم التي تستوعب الكثير من البحث والجهد والدراسات المستقلة ، ولكن بما اننا نحاول هنا اثارة رؤوس اقلام موضوع العقد الاجتماعي ، فلابأس من الاشارة فقط الى ماهية العقد وكيفية وجوده ، مضافا لذالك علاقته بنشأة الدولة باعتبار ان هذه النشأة والولادة لمشروع الدولة هو المفتاح الذي يرسي التصور الدقيق لوظيفة الدولة بالتحديد ، ولماذا هي وجدت ، وكيف ينبغي لها ان تدير المؤسسة الاجتماعية المكونة من الافراد هذه ؟.
والآن كيف نشأة الدولة ؟.
ولماذا بالاساس احتاج الاجتماع الانساني الى هذه الهيئة التي سُميت اعتباريا بأسم الدولة ؟.
وماهو العقد الاجتماعي الذي أبرم بين الدولة والمجتمع ؟.
وهل هو قريب من مفهوم البيعة المحدودة او المطلقة الامد والتوقيت في الفكر الاسلامي ؟.
وهل يحق للمجتمع فسخ عقده مع هيئة الدولة ان أخلّت بوظائفها السياسية ؟.
أم ان هذا العقد مع الهيئة السياسية المُسماة بالدولة يجرّد المجتمع من خياراته نهائيا في الرجوع ببنود العقد والتوكيل لهذه الدولة والتي بموجبها تنازل الافراد عن حريتهم الجزئية لقيام الدولة ؟.
***********
(تأريخ مفهوم العقد الاجتماعي )
___________________________
عندما يُذكر مفهوم العقد الاجتماعي فأن هناك ثلاثة اسماء اوربية بارزة في هذا المضمار للفلسفة السياسية التي بحثت في موضوعة العقد الاجتماعي وهي :
اولا : الفيلسوف الاجتماعي الفرنسي جان جاك روسو / 1712م/1778م.
ثانيا : الفيلسوف الانجليزي المعروف جون لوك / 1632م/ 1704م.
ثالثا : الفيلسوف المادي الانجليزي ايضا توماس هوبز /1588م/ 1679م.
كما ان هناك آخرين لاتنسى مساهماتهم في بحث موضوعة العقد كالفيلسوف الهولندي اليهودي الديانه سبينوزا في (رسالة في اللاهوت والسياسة ) وغيره ايضا من المشتغلين في غير الحقول السياسية او الفلسفية كديفيد هيوم العالم النفسي بالاساس وول ديورانت الذي تحدث عن ان الطبيعة لاتعطي ولاتمنع ..... ايضا قد تناولوا العقد الاجتماعي بالنقد باعتباره مجرد اسطورة خيالية ، والتطوير من منطلق ان العقد هو الرؤية الوحيدة التي توضح علاقة الدولة بالمجتمع والتفنيد او التثبيت !.
وعلى اي حال حاول رواد مفهوم العقد الاجتماعي ان يناقشوا الاسألة التي ذكرناها في التوطئة ليجيبوا عليها منطقيا في كيف ولماذا نشأة الدولة ؟.
وماهي الصورة الانسانية التي كانت قبل العقد الاجتماعي الذي انشأ الدولة ؟.
يتفق كل من روسو وهوبز ولوك على : ان الانسانية في مسيرتها الطويلة قد مرّت بمرحلتين من النظام او القانون الذي كان يسيّر حياتها الاجتماعية والفردية :
الاول : هو النظام او القانون الطبيعي قبل وجود اي قوانين او نظم مشرّعة دستوريا او انسانيا او حتى دينيا .
الثاني : هو النظام او القانون التشريعي المدني او الديني او غير ذالك .
وقد تخلل هذين النظامين نقلة نوعية للوجود الاجتماعي السياسي والانساني كان سببها عقد ابرمه الافراد مع بعضهم والبعض الاخر لخلق وايجاد الهيئة السياسية المسماة بالحكومة او الدولة ، والتخلص بنفس الوقت من الحياة الفطرية الطبيعية ، على اساسه برز للحياة الاجتماعية شيئ اسمه العقد الاجتماعي يتنازل بعض الافراد للبعض الاخر بموجبه عن جزء او كل من حرياتهم التي منحتها الطبيعة لكل فرد في هذه الحياة في سبيل انشاء هيكل له حق ادرة المجتمع والسلطة عليه فيما بعد .
وماعدى هذا الاتفاق في الرؤية العامة للعقد الاجتماعي للفلاسفة الثلاثة ، فهم مختلفون في التفاصيل الكثيرة الاخرى ، فروسو ولوك يذهبون الى : ان الانسانية قبل الدولة والقانون المدني كانت تتمتع بسعادة وحرية مطلقة قد وهبتها الطبيعة للافراد ، وكما عبرعن مرحلة الفطرة او الطبيعة جون لوك في ( مطارحتان في الحكم المدني) فهي مرحلة او حالة من الحرية للانسان كان يتمتع فيها بكامل الحرية في اختيار اعماله والتصرف بشخصه وممتلكاته كما يراه هو لاغيره ضمن حدود القانون الطبيعي الممنوح له خلقيا وفطريا ، وذالك دون استئذان من احد ودون الاعتماد على مشيئة غير مشيئته هو ، وهي ايضا حالة تسودها (المساواة) حيث تكون جميع السلطة والولاية متبادلة ليس لاحد اكثر من احد ، وهي حق طبيعي لكل فرد انساني وجد على هذه الارض وليس من حق احد ان يدعي انه يملك اكثر من الاخر في هذا الحق الطبيعي !.
فالصورة هنا قبل وجود الدولة في المجتمع عند لوك وروسوا يبدو انها صورة جميلة حيث يدرك فيها الانسان وبفطرته الطبيعية ماله من حقوق وماعليه من واجبات لاغير ضمن اطار قانون الطبيعة الذي يوازن كل شيئ بآلية وانسيابية غير معقدة !.
أمّا هوبز فكان يرى النقيض لفترة الطبيعة الانسانية قبل الدولة والمجتمع السياسي ، وكان يرى : ان الوضع الانساني كان وضعا متوحشا ، والخوف والحرب الدائمة واللامساواة ...وانعدام الحقوق بين الافراد بعضهم وبعض هي الصورة الحقيقية التي كانت موجودة انذاك ، وكان القانون الطبيعي الحاكم آنذاك هو : ان قوة الانسان وشهوته حيث ماقادته فهو تابع لها لتحقيق مقاصد طبيعته المتوحشة !.
او على حد تعبير هوبز في كتاب ( التنين ) في وصفه لمرحلة الطبيعة البشرية قبل النظام السياسي فهو يقول :فان طبيعة الانسان مجبولة على ثلاث دوافع : ( العنف من اجل البقاء ) و( حب السيطرة لضمان زيادة قوته) و(التفوق على الاخر ) وهكذا كان حال الانسان في المرحلة الطبيعية .
ولاشك ان رؤية هوبز هذه سوف نصادفها منعكسة بقوة على رؤيته في العقد الاجتماعي ، وكيف انه عقد بموجبه تنازل الافراد عن جميع حقوقهم الطبيعية لحق الدولة المطلق في الادارة وفي الاستمرار فيها ، وسنلاحظ كيف انه صاغ تلك الرؤية للعقد على اساس ان المجتمع حيوان منفلت مما يضطرنا لدعم الدولة بشكل مطلق واعطائها جميع السلطات لقمع هذا الحيوان المتوحش وترويضه ، وهذه الرؤية بعكس رؤية لوك وروسو التي انعكست عليها ايضا رؤيتهما للواقع الاجتماعي ماقبل السياسي ، وكيف ان كلا الفيلسوفين وضفا رؤيتهما للعقد الاجتماعي لصالح المجتمع في مقابل الدولة باعتبار ان المجتمع بطبيعته اجتماع انساني طبيعي هادئ ماقبل الدولة ، وعلى هذا كانت بنود العقد المبرم بين الافراد بعضهم والبعض الاخر هي بنود يتنازل الافراد بموجبها عن بعض حقوقهم في الحرية والمساواة في السلطة ..... للاتحاد الاجتماعي ومن ثم للدولة في مقابل الادارة لاغير ، وان المجتمع يبقى مع وجود هذا العقد هو صاحب السيادة الحقيقية ومن حقه فسخ العقد مع الدولة وتغييرها عند اخلالها بشروط هذا العقد !.
ويحق لنا القول هنا ان روسو ولوك كانا على الحقيقة منظرا العقد الاجتماعي الذي يقف الى جانب حقوق الاجتماع في قبالة الدولة ، بينما كان هوبز المنافح القوي لحقوق الدولة على حقوق الاجتماع ، ولهذا رأى ان خير نظام يسود الاجتماع الانساني هو الملكية المطلقة !.
*****************
( تاريخ نشأة الدولة )
____________________
أمّا ماهي الاسباب الجوهرية التي دفعت المجتمع الانساني ومن في داخله من افراد لمغادرة الحياة الطبيعية ماقبل السياسية ، واجتماعهم على انشاء عقد بموجبه يتنازلون عن بعض من حقوقهم وحرياتهم الطبيعية للهيئة او اللجنة المجموعة المسماة بالحكومة او الدولة ؟.
فعند روسو: كان تزايد السكان هو المبرر الحقيقي الذي دفع الافراد للتفكير بتنظيم وجودهم الانساني مما يتطلب ايجاد مجموعة من الناس تتفرغ وتقوم على امر تنظيم هذا التزايد السكاني الطبيعي في الحياة ومن جراء ذالك انبثقت الدولة وشكلت اول حكومة في تاريخ البشرية على الاطلاق تحت ضرورة تنظيم التكاثر الانساني !.
جون لوك : كان يرى ان الدافع وراء اجتماع الافراد وتفكيرهم بانشاء جهة قضائية محايدة او لجنة حكومية مستقلة سُميت بالدولة للفصل بين الافراد هو الحفاظ على الملكية الشخصية والخاصة للافراد ، باعتبار ان الفرد عندما وصل لمرحلة التفكير بانشاء الملكية الخاصة والشخصية احتاج على اثرها للتفكير بانشاء هيئة قضائية تحكم في فض النزاعات التي ستقوم حتما ومترافقة مع انشاء فكرة الملكية الشخصية ، ومن هنا كانت اول بذرة لنشأة الدولة كهيئة قضائية وحكومية مستقلة تفصل في نزاعات الاجتماع حول الملكية والتملك وباقي القضايا الاقتصادية في الحياة الانسانية !.
أما هوبز : فقد رأى ان الدافع الاساس الذي دفع الاجتماع الانساني للتفكير بايجاد وانشاء كيان الدولة في هذه الحياة ، فهو دافع ( التطلع الى حياة السلم ونبذ حياة العنف والحرب ) وهذه الرؤية لهوبز منطلقة من كون الانسان لايستطيع ان يعيش في حياة حرب مستمرة ومدمرة كما كان يعيشها في حياته الطبيعية ،فارتأى ان يخلق لجنة او هيئة تقوم على ادارة عملية الحرب الدائرة بين المجتمع وتحويلها الى فترات نقاهة وسلم ، وفض نزاعات تؤمن حياة الاستقرار في فترات السلم ، وحياة الدفاع والمحافظة على الوجود في فترات الحرب !.
أذن فلاسفة العقد الاجتماعي متفقون على ان هناك اسبابا انسانية موضوعية هي التي كانت السبب الحقيقي وراء فكرة انشاء الدولة في الحياة الاجتماعية ، وان التكاثر السكاني او النماء الاقتصادي الفردي ، او ادارة حياة الحرب والسلم للمجتمع هي الاسباب الجوهرية لقيام كيان الدولة هذا !.
نعم عندئذ يمكننا استخلاص وظيفة الدولة وحسب رؤية فلاسفة العقد على اساس انها الجهاز الاداري الذي يضطلع بمشاريع ادارة التنمية السكانية حسب رؤية روسوا ، او يضطلع بمهمة حماية الملكية الشخصية وتنمية موارها وانعاش حركتها كما لدى لوك ، او ان وظيفتها الاساسية هي الدفاع عن المجتمع في زمن الحرب وتوفير السلم للمجتمع في زمن الرخاء كما هو حاضر لتوماس هوبز الفيلسوف المادي الانجليزي المولد !.
يتبقى لنا في مطارحة العقد الاجتماعي زاوية اصيلة في فكرة العقد بعد ان ادركنا لماذا كان العقد وماهي اسبابه وكيفية دخوله على خط انشاء الدولة في المجتمع ، وهي زاوية ماهية العقد وماهية بنوده الاصيلة ؟.
توماس هوبز يعتقد ان صيغة العقد الذي ابرمه الافراد مع الدولة كان يتضمن تنازلهم المطلق عن كافة حقوقهم الطبيعية في الحرية للدولة ، وهكذا اصبحت الدولة وحسب العقد الذي خولها التصرف المطلق في الحرب والسلم ، وادرة الشأن العام السياسي والاقتصادي والاجتماعي كيفما ارتأت ، وليس للافراد بعد هذا العقد الرجوع عن ماخولوه للدولة من حقوق ، وليس لهم ان يتمردوا على طاعة الدولة او يثوروا على اوامرها ، او يحاولوا احداث تغيير في بنيتها القائمة ... وكل ذالك بسبب ان ماهية العقد الذي ابرمه الافراد مع الدولة كان يشير الى ذالك ، مضافا ان اي دولة بحاجة الى قوة مطلقة لتستطيع ارساء قواعد السلم بين المجتمع في الداخل ، ودفع العدو من الخارج !.
هذا الرأي كان النقيض الفكري لما كان يراه جون لوك الرأسمالي الانجليزي ، وجان جاك روسو الفيلسوف الاجتماعي الفرنسي بالخصوص الذي كان يرى : ان ماهية العقد الذي ابرم بين الافراد فيما مضى ، اولا :انه لم يكن مع الدولة مباشرة ، وانما كان العقد مبرم بين الافراد وبين الاتحاد الاجتماعي القائم ، وعليه كان العقد الاجتماعي الذي بموجبه انشأت الدولة كان عقدا بين الافراد وبين الاتحاد الاجتماعي نفسه !.
ثانيا : كان تنازل الافراد عن جزء من حرياتهم وليس مطلق حرياتهم للاتحاد الاجتماعي وليس لهيئة الحكم والدولة ، مايعني ان ليس هناك اي تنازل من الافراد لسيادة الدولة كي يكون لها الحق المطلق في التصرف ، وانما التنازل تم بموجب العقد من قبل الافراد لسيادة الاتحاد الاجتماعي الذي بدوره ينتخب السلطة الحاكمة ، وعليه فالسيادة المطلقة هي باقية للاتحاد الاجتماعي وليس للدولة كي يجزم بانه لايجوز مطلقا الخروج على سيادة الدولة !.
أما ما يخص أهم فقرات وبنود هذا العقد حسب مايراه انصار سيادة المجتمع فهي : اولا لاينبغي للدولة ان تخل بأحد شروط العقد ، واذا ماقدّر وخرقت الدولة احد بنود العقد الاساسية فان شرعيتها الدستورية تصبح ملغاة ، ومن حق السيد الاجتماعي ان يطيح بوجودها وينتخب للمهمة هيئة اخرى .
ثانيا : يجب على الدولة احترام الارادة العامة للمجتمع ، وبما في ذالك مصالح المجتمع العليا ، ولايجوز للدولة الاعتداء على هذه الارادة والمصالح تحت اي ذريعة او مبرر ما .
ثالثا : ليس من حق الدولة او الهيئة السياسية القائمة سنّ القوانين والتشريعات التي تتصل بمصالح الاتحاد الاجتماعي العام بسبب ان سنّ هذه القوانين والتشريعات من اختصاص صاحب السيادة الحقيقية وهو المجتمع ، وهو الوحيد الذي يملك حق العقد مع السلطة التشريعية وفصلها داخل الدولة لتسن القوانين التي تحافظ على مصالح المجموع العام وعلى الدولة او الحكومة التنفيذية تنفيذ هذه التشريعات والقوانين العامة !.
والى هنا ربما نكون قد وفقنا لاعطاء صورة بسيطة جدا عن مفهوم العقد ونشأة الدولة ، مع الاقرار ان الموضوع اوسع من هذا العرض الموجز بكثير ، ولكن املنا كان في اثارة نقطة وليس الولوج في بحر عميق ، وبهذا تكون المطارحة الاولى قد اكتملت لنردفها انشاء الله بمطارحة ثانية نشرح فيها وجهة النظر الاسلامية لمعظم قضايا العقد بدءاً بموضوعة النقلة النوعية للمجتمع من الطبيعية الى السياسية وحتى قيام الدولة كمشروع رسالي نبوي قام على تأسيسه الانبياء الكرام وسنّت قوانينه يد السماء .
_____________________

alshakerr@yahoo.com