الثلاثاء، سبتمبر 28، 2010

(( مايكل براندت 2010 موسم انهاء دور الشيعة او ابادتهم !!)) حميد الشاكر

(( مايكل براندت 2010 موسم انهاء دور الشيعة او ابادتهم !!)) حميد الشاكر


_____________________________



في كتابه المنشور على بعض المواقع الالكترونية الانجليزية (مؤامرة التفريق بين الاديان ) كشف النائب السابق لمدير المخابرات المركزية الامريكية (( السي اي ايه )) مايكل براندت ، عن ورقة عمل قد تم الاتفاق حولها مع المخابرات البريطانية ((ميكس )) في عام 1983م حول ((دور الشيعة في العالم العربي والاسلامي وخطرية هذا الدور والوجود على المصالح الاستعمارية الامريكية والبريطانية ، وضرورة ابادة هذا التوجه الاسلامي في المنطقة ذات المصالح الاستراتيجية لكلا البلدين ، او على الاقل انهاء دوره بحلول عام 2010م كآخر موعد لانهاء المهمة ))



والحقيقة في التقرير ، او ورقة العمل الامريكية البريطانية الذي ذكرها براندت في كتابه عدة محاور ينبغي الالتفات اليها لحيويتها من جهة ،ولما تمثله هذه المحاور والزوايا للشيعة انفسهم باعتبارهم اصحاب الشأن وضرورة ان يلتفتوا لما يحاك ضدهم بالخفاء وفي اي المفاصل من وجودهم الاسلامي والانساني القائم ؟، وعلى هذا نحاول هنا تعداد المحاور الاستراتيجية التي على اساسها وضعت الورقة واعدّ العمل بشأنها منذ القرن العشرين المنصرم وحتى يومنا هذا ، ولنبدأ اولا من المقدمة التي طرحها التقرير ولنبدا :



اولا : في المبررات الايدلوجية والواقعية لخطر الشيعة على الوجود الاستعماري !.

حيث نبهت الورقة الى ان الشيعة ، وخاصة بعد الثورة الاسلامية في ايران وبقيادة اية الله الخميني وما اظهرته هذه الثورة من ثبات وتمدد واستمرارية وقدرة على الصراع ، ومن ثم ما انعكس على شيعة العراق ولبنان وباكستان ، والخليج وافغانستان من صحوة وجودية على اثر هذه الحركة الخمينية ، قد قلبوا الكثير من توقعاتنا التي كانت ترى في الشيعة انهم مجرد فرقة اسلامية منزوية عن الحياة والوجود ، ولا اثر لها سياسيا او اقتصاديا يذكر ، مما دعا الوكالتين المخابراتيتين الامريكية والبريطانية الى اعادة التقييم لدور ووجود الشيعة في منطقة النفوذ الاستعمارية العربية والاسلاميةومدى خطرهذا الوجود على المصالح الغربية في كل العالم !.



ثانيا : المرحلة الاولى جمع المعلومات .

وعلى الفور تذكرالورقة في توصياتها الرئيسية انها شددت على ضرورةالابتداء بجمع المعلومات حول الشيعة وتواجدهم ومحال نفوذهم ومراكز تحركهم ، ومايعتقدونه من افكار ، ومايمتهنونه من مهن ومستوياتهم الاقتصادية ، وميولهم العاطفية والروحية وكثافاتهم السكانية ، في المناطق التي يعيشون بداخلها ، ومدى تأثيرهم السياسي ، ووجودهم داخل مؤسسات الدولة العسكرية والامنية ، وماهي الاشكاليات التي يمكنها تفريقهم ، والاخرى التي بامكانها اثارة الراي العام السني الاسلامي عليهم ؟، ....الخ قبل الشروع باي عمل على الارض اوالحركة نحو مفاصل معالجة وجود الشيعة في العالم، ودورهم الذي يحاولون القيام به ضد وجود المصالح الاستعمارية بصورة عامة !!.

وبالفعل اوصى المجتمعون برصد (900) مليون دولار لهذه العملية كمرحلة ضرورية من خلالها ، يبتعث اختصاصيين لتواجد الشيعة ، ودراسة اوضاعهم المشار اليها انفا ، فكان هناك ستتة اختصاصيين في العمل المخابراتي قد ذكرت اسمائهم ليكونوا الخطوة الاولى بهذا المخطط ومنهم امرأة يابانية حاصلة على شهادة الدكتورا حول الشيعة الهزارا في منطقة بلوشستان وكويتا والدكتور شوماويل صاحب شهادة الدكتوراه باقامة العزاء الحسيني كان من نصيب دولة باكستان ،واخرون اربعة وزعوا حسب تواجد الشيعة في المنطقة !!.



ثالثا : مقدمات اولية حول الشيعة .

ذكرت الورقة انه ومن خلال المعلومات التي توفرت حتى الان حول الشيعة ، انهم من الفرق الاسلامية التي اسأنا التقدير حولها بشكل كبير وخطير جدا وتضرب الورقة لذالك مثلا الثورة الاسلامية في ايران بقيادة الامام الخميني وكيف اساء مركز المخابرات الامريكية تقدير مايعنيه رجل الدين داخل المكون الشيعي ؟، وتقدير الافكار والتطلعات والقوى ، التي يحملها الشيعة في المنطقة العربية والاسلامية بحيث ان هناك من اعتقد انه لافرق بين رجل الدين الموظف داخل نظم الطوائف والمذاهب الاسلامية الاخرى وبين رجل الدين داخل الشيعة ، فاعتقد ان ثورة الخميني كسابقاتها من ثورات العالم الذي استطاعت المخابرات الامريكية النفوذ الى داخلها والسيطرة على الامور من مصادرها السياسية الطبيعية ؟.

لكن المفاجأة الكبرى هي في انقلاب الصورةتماما لدى المخابرات الامريكية عندما واجهت اشياء جديدة على ذاكرتها المخابراتية المعلوماتية حول الشيعة ، وكيف انهم طائفة مختلفة ،تماما عن باقي ماتعاملت معهم وكالة المخابرات الامريكية ، وهذا مادفعها بالاستعانة بالمخابرات البريطانية ( ميكس ) لوجود تجربة عميقة لديها مع شيعة العراق وايران ، منذ ايام الاستعمار البريطاني لهذه الدول ، وعندئذ تبين لمركز المخابرات الامريكية مدى حيوية المكون الشيعي داخل الاسلام ؟،وكيف انه من انشط الفرق او المذاهب على الساحة الاسلامية؟وكيف ان الشيعة من اخطر الحركات او الطوائف داخل العالم الاسلامي على الوجود الاستعماري برمته ، مما اضطر وكالة المخابرات الامريكية الى وضع استراتيجية ((فرّق وأبد )) بدلا من سياسة :(( فرق تسدّ )) البريطانية القديمة !!.



رابعا : مكامن قوى الشيعة في العالم .



في معرض السؤال حول مكامن القوّةداخل المكون الشيعي في العالم ذكرت الورقة المطروحة ان للشيعة دائرتان يمكن اعتبارهما حلقتي جمع وتوحيد وقوّة للشيعة في هذا العالم :



الاولى : حلقة تاريخية وهي الحلقة التي تهب الشيعة روح التفاني والاخلاص والرفض للظلم والثورة عليه ، والتطلع للاستقلال والحرية ، وتحمل ما لاتتحمله الجبال من ابادة في سبيل المبدأ والاسلام والايمان وهذه الحلقة هي حلقة ( شهادة الحسين ) وما تمثله هذه الشهادة داخل حياة الفرد والجماعة الشيعية ؟وما تخلقه من تلاحم مجتمعي ؟، وما تبنيه من عادات وتقاليد ومراسيم اجتماعية سنوية تعرف بمراسم عاشور ، تعيد كل سنة جميع معاني حب التطلع للحرية ، وحب الفداء من اجل الايمان ، ....... التي تعتبر بحق من اخطر ماخلقته هذه المراسيم الحسينية على وجود اي استعمار او ظلم داخل حياة الانسان الشيعي !!.



الثانية : وهي حلقة الحوزة العلمية او المرجعية الدينية التي تتمثل برجل الدين العالم والتي تعتبر الموئل الاول والاخير للانسان داخل المكون الشيعي ، وهذه المرجعية وارتباطها بأئمة الشيعة ، ومظاهر التقوى والتقشف التي تعيشها ، وعدم خضوعها منذ تأسيسها، وحتى اليوم لاي حاكم ظالم او فاسد او دكتاتور ( كما هو حال صدام حسين اليوم الذي حاول ولكنه لم يفلح باخضاع المرجعية لاوامره مع قسوته وبطشه ) قد جعل منها رمزا عظيما داخل الشيعة في كيفية المقاومة للظلم ، وعدم الخضوع للامر الواقع ،والبحث عن مكامن القوّة والاستقلال والحرية في هذه الحياةمضافا الى نزاهتها امام الفرد الشيعي وانها لاتعمل الابدوافع خدمة الدين والاسلام والمذهب !!.



خامسا : كيفية معالجة مكامن القوة داخل المكون الشيعي واضعاف تاثيرها !.

أما ما يتعلق بكيفية ضرب مكامن القوة داخل المكون الشيعي ، فقد اقترحت الورقة استعمال اسلوبين لضرب الوجود الشيعي من الداخل واضعاف مكامن التوحيد والقوّة في داخله وهما :



اولا :دعم كل التوجهات الغيرمعقلنة داخل المكون الشيعي في القضيةالعاشورائية الحسينيةوابرازها للاعلام العالمي على اساس ان الشيعة هي هذه الفئة لاغيروالتي تمارس كل ماهو بشع ومتوحش ولاعقلاني في الشعائروالتعزية الحسينيةفي مقابل اضعاف كل ماهو عقلاني وحضاري ويحاول شرح التعزية الحسينية والشعائر العاشورائية بصيغتها الانسانية الحضارية ،وهذه المعالجة هي الاقرب للواقعية باعتباران اي حرب على الشعائر الحسينية السنوية التي يقيمها الشيعة بصيغة مباشرة هي عملية لن يكتب لها النجاح مطلقا لما تمثله هذه الشعائر من جوهرية اساسيا في حياة الانسان الشيعي ومايراه الانسان الشيعي في هذه الشعائر التي هي اكثر بكثير من مجرد شعيرة دينية بالنسبة له ولوجوده ، وعلى هذا الاساس يفضل الاتيان للشعائر الحسينية والتعزية السنوية من داخلهالضرب وجهها من الداخل بتشويه صورتهاومحتواها من خلال دعم جماعات التطرف الهمجيةمن الممارسين التقليديين لها سنويا ، ليتكفل هذا الدعم باضعاف تاثير هذه المراسم العاشورائية الحسينية من جهة ، وخلق الاشكالات والفرقة بين الشيعة المعتدلين والشيعة التقليديين على مثل هذه الممارسات من جانب اخر !!.



ثانيا :وأما مايتعلق بالحلقة الاخرى لتوحيد وقوّة الشيعة الاوهي المرجعية والحوزة الدينية الذي يمثلها رجل الدين داخل المكون الشيعي ، فيذكر ( براندت) انه توافقت الاراء على نجاعة اسلوب تشويه صورة رجل الدين داخل الطائفة الشيعيةليعزف الشيعة انفسهم وتهتز ثقتهم بهذا المرجع ومن ثم تفقد المرجعية الدينية هيبتها وسلطتها واحترامها من داخل الشيعة انفسهم ولينقلبوا عليها ويعلنوا الثورة والتمرد عليها من الداخل ومثل هذا السيناريو ((ان تحقق ))يكون كفيلا حقيقيا بانهاء اهم حلقة من حلقات الوحدة والقوّة داخل الطائفة الشيعية واينما وجدت في العالم !!.



وبالفعل تم وضع مخططات اولية من خلال تجنيد كتّاب ومنابراعلام مقروءة ومسموعة ومرئيةواجندات مبرمجة تختص باظهار الصورة وايصال المعلومة ، الى داخل ذهن الانسان الشيعي ، وكيانه الثقافي مختصة فقط بكيفية النيل من هيبة واحترام وسلطة رجل الدين المرجع بصورة خاصة ورجل الدين بصورة عامة داخل الاجتماع الشيعي وكيفما كان الاسلوب واختلفت العناوين في ذالك ولكن المهم ان تهتز صورة المرجعية الدينية داخل كيان الشيعة وتفقد بعض من حيويتها وقوتها داخل هذا المكون الخطير جدا على مصالح الدول الكبرى وهذا لضمان من جانب فقد هذه المرجعية قوتها التي تستلهمها من وجودهاالمقدس داخل الشيعة ومن جانب اخر يفقد هذا المكون الشيعي لاهم حلقة من حلقات وحدته وقوته في اي عمل سياسي او غير سياسي يناهض وجود مصالح دولنا الكبرى القريبة من تجمعات الوجود الشيعي !!.



سادسا : مراحل بداية ونهاية هذا المشروع .

ومثلما ذكرت ورقة ( براندت ) بداية هذا المشروع ولماذيته وكيفيته ؟، كذالك فان هذا الاجتماع البيني بين المخابرات الامريكية وزميلتها البريطانية التي اقيم في عام 1983م قد ذكر ايضا بداية هذا المشروع ونهايته فقد حددالاجتماع المدّة الزمنية لضرورة نجاح هذا المشروع ضد الوجود والدور الشيعي بعام 2010م اي هذا العام الذي نحن فيه الان ،باعتباره عام الحسم لدور الشيعة في المنطقة العربية والاسلامية من جهة ، وعام الابادة حسب السياسة الامريكية او استراتيجية المخابرات المركزوية الامريكية من جانب اخر !!.



ويبدو ان استراتيجية: اللعب على متناقضات المنطقة العربية والاسلامية الطائفية كانت ، هي الاستراتيجية التي كان من المؤمل ان تقوم بدور (( إبادة الشيعة )) من خلال فتاوى التكفير ضدهم من قبل باقي الطوائف والمذاهب الاسلامية ، والتي سيقوم بدور تفجيرها وعاظ سلاطين الحكم الموالي للاستعمار الغربي من جهةفيما تقوم المخابرات البريطانية والامريكية بدور ( انها التاثير السياسي والاجتماعي الشيعي)في المنطقة من خلال ازاحتهم من مراكز القرار والسلطة في جميع الدول التي توجد هناك مصالح للادارة الامريكية او البريطانية على التبع !!.



الان هل هناك علاقة بكل ماذكره مايكل براندت منذ القرن الماضي المنصرم ، وحتى اليوم من حرب بعثية شنها صدام حسين على جمهورية ايران الاسلامية لاسقاط دولتها وسيادة الشيعة فيها ؟، وغياب موسى الصدر من لبنان لضرب التنامي المقاوم الشيعي بالقرب من اسرائيل ؟ ، وقتل المفكرين والعلماء كالصدر الفيلسوف وغيره لتفريع العقل الشيعي من النهضة والتطور داخل العراق ؟، وتفجير صواعق التكفير ضدهم منذ 2003 م وحتى اليوم ؟، وقيام اسرائيل بحرب الشرق الاوسط الجديد الامريكي الفاشل على لبنان في 2006م ؟، ومحاصرة ايران النووية والتهديد بالحرب العالمية الثالثة التي يستشعر قربها العالم كله ؟. .....الخ ؟؟؟!.



كل هذه اسئلة متروكة لذكاء الشيعة وفطنتهم ليجيبوا عليها بما فيها سؤال : هل كان وكر المؤامرة البريطاني الامريكي ضد الشيعة واقعيا عندما اعتقد بقدرته لتهميش دور الشيعة في العالم وربما امكانية ابادتهم من الوجود ؟.

أم انهم مكروا والله مكر قبالهم والله خير الماكرين ؟؟.

__________________________





الاثنين، سبتمبر 27، 2010

(( العرب أمة يحكمها الاموات !.)) حميد الشاكر

كان يُدرس في مدارس علم الاجتماع الغربية في عصر النهضة ، وما بعده موضوعَ : (( كيفية هيمنة التراث والتاريخ بكل مافيه من عقائد ومقدسات وافكار واخلاقيات واموات ....على الانسان الذي يعيش الان وفي اللحظة القائمة )) لينتهي الدرس بالمقولة الشهيرة لعالم الاجتماع الفرنسي المعروف (( اوغست كونت)) التي تتحدث عن : (( إن الاموات يحكمون على الاحياء أكثر من ذي قبل )) !!.




وهكذا عندما نذهب صُعدا ، للبحث والتدقيق عن اول من تحدث عن نظرية : ( حكم الاموات للاحياء ) نجد إن القرآن الكريم قول الله العظيم سبحانه وتعالى هو اول مدرسة رصدت نظرية ((هيمنة التاريخ على الحاظر او هيمنة حكم الاموات الاباء على الابناء الاحياء)) ليتحدث لنا القرآن الكريم اجتماعيا وتاريخيا حول هذه الظاهرة !!.

وكيف انها ظاهرة واقعية ولها وجود داخل المجتمعات ؟.

وماهي منابعها ومصادرها الانتاجية الفكرية والمادية داخل اي مجتمع ؟.

وكيف ينبغي النظر اليها وتقييمها ؟.

وماهي سلبياتها على المجتمع وحركته وتطوره ونهضته ؟.

ولماذا ينبغي النظر لهذه الظاهرة على اساس انها ظاهرة لاتملك الجذور الاصيلة في تركيبة اي مجتمع سليم ؟.

ومن ثم كيفية السُبل التي تعالج وتناهض هذه الظاهرة باعتبارها ظاهرة سرطانية خطيرة على فكر المجتمع وحركته ونهضته ؟.



وكل هذا طبعا طرحته المدرسة القرآنية من خلال مفهوم تقديس التراث بامواته ، والتاريخ والماضي ..بقولها ((قالوا بل نتبع ما الفينا عليه اباءنا )) و ((إنا وجدنا اباءنا على امة وإنا على اثارهم مهتدون )) و (( وقالوا اجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه اباءنا ... ) و ....الخ ، لنخلص الى نتيجة مفادها :(( انه فعلا الاموات هم من يحكم الاحياء وليس العكس )) باعتبار ان القرآن ينظر الى كيفية تقديس الحاضرين الاحياء لتراثهم التاريخي والاموات فيه وانعكاس ذالك على ان الاموات في هذه الصورةوما اسسوه في التاريخ والماضي بالذات هم في الواقع من يحدد تصورات المجتمعات الحاضرة ويبني عقائدها وموازينها الفكرية والاخلاقية وكذا كيفية حكمها وشرعية نظمها السياسية والاجتماعية وربما كل وجودها الذي يتحرك في هذه الحياة !!.



ولعل اوضح مصداق اليوم لماطرحه القرآن الكريم في رؤيته الاجتماعية وكذا المدارس الغربية الفلسفيةوالاجتماعية الحديثة في موضوعة((حكم الاموات للاحياء))هو الاجتماع العربي اوامة العرب باعتبارها مكون منسجم في الكثيرمن مزاياه الانسانية التي تخلق منه نوعَ امة حية ولها شخصية ووجود مستقل ،وربما مايميز امة العرب في هذا الاطار والبحث عن باقي الامم والشعوب البشرية انها الامة الاكثر انطباقا على نظرية ( حكم الاموات للاحياء ) والاكثر استعدادا فطريا لوقوعها تحت هذه النظرية لوجود مقومات وعناصر تتمتع بها هذه الامة غير موجودة ، او متجذرة في باقي الامم بصورة عميقة ، كوجود البعد العشائري والقبلي (مثلا) الذي يدعم ويعمّق فكرة تقديس الاباء والاجداد والسلف والتاريخ والماضي بشكل يجعل من نظرية ((حكم الاموات للاحياء )) نظرية قابلة للانطباق بصورة حادة على هذه الامة اكثر من غيرها بكثير !!.



نعم من الجانب الاخر للموضوع مايميزاليوم الاجتماع العربي عن غيره من الاجتماعات البشرية قُبالة هذه النظريةإن أمة العرب واقعة تحت هذه النظرية من زاويتين مزدوجتين على الحقيقة وهما :



اولا : زاوية خضوع هذه الامة او اخضاعها تماما لحكم الاموات بتراثهم وتاريخهم من خلال تقديس هذا التراث بشكل هستيري وخلقه اسطوريا بحيث تكون له الهيمنة والاولوية على اي محاولة اعادة التفكير والتأمل او النقد في داخله لاعادة انتاجه !.



ثانيا : وجود عناصر داخل مؤسسة الحكم والدولة في راس الاجتماع العربي اليوم ، هي بالاساس منتج للتراث الحضاري الميّت بل وهي من الطحالب (( الميتة اساسا )) التي تقتات على تلك البرك التاريخية الآسنةالتي تخلقها نظرية (حكم الاموات للاحياء) ما يجعل الابداع والحركة والتغيير والتطلع للمستقبل ...الخ من المستحيلات الكثيرة التي لايمكن لهذه القيادات السياسية التفكير بها فضلا عن قيادة هذه الشعوب العربية نحوها ، للخلاص من جحيم التخلف والتبعية والضعف التي ترزح تحت نيره هذه الامة المغلوبة على امرها في فكرها وفي روحها وفي واقعها السياسي والعقدي وفي كل كيانها !!.



والحقيقة ان ما يرشّح نظرية (( حكم الاموات للاحياء )) لتكون عامل قتل وابادة لحركة اي امة ، بل والانتقال بهذه النظرية من كونها نظرية سلبية على تطوّر المجتمع فحسب الى كونها مرض سرطاني فتّاك يهلك ويميت اي امة يسيطر عليها هو ليس في ضرورةان يكون لكل امة ومجتمع من المجتمعات الانسانية تاريخ وتراث وماضي تستند عليه في تجربتها الحاضرة والمستقبلية فهذا من ايجابيات التاريخ ووظائفه والتراث ومقدساته ، ولكن اذا ما تحولت وظيفة التاريخ والتراث والماضي هذا من وظائفه الايجابية الى وظيفته السلبية ليقوم بلعب دور السجّان والجلاّد لهذه الامة بدلا من دور الرافد والنافذة والتجربة التي تدعم حركة الامة الى الامام ولاتغلها وتقيدها الى الخلف والماضي عندئذ يكون التراث والتاريخ مهيمنا ومتسلطا ويتحول المجتمع والانسان الى ضحية من ضحاياه التي لاتستطيع التحرر منه ويكون الانسان بداخله عبد من عبيده لاغير !!.



أي وبمعنى آخر اكثر وضوحا : إن القرآن الكريم كتاب المسلمين المقدس نفسه نظر للتاريخ والتراث والماضي وبكل مافيه من اموات ومقدسات وافكار وعقائد على اساسيين مختلفين في التوجهات والوظائف :



الاول : وهو اساس ان يكون التاريخ والتراث والماضي رافدا معرفيا للتجربة الانسانية القائمة لدفعها نحو الامام والتطور إي ان يكون التاريخ نافذة من خلالها يمكننا فهم سير عملية الانسان وحركة سننه الاجتماعية في هذا العالم ، ليتحول من ثم الانسان الى (( مهيمن ومسيطر )) على حركة الحاضر وموجه بنفس اللحظة لحركة المستقبل ومن هنا طرح القرآن قوله :(( قل سيروا في الارض فانظروا كيف بدأ الخلق )) وقوله سبحانه : (( قد خلت من قبلكم سنن فانظروا كيف كانت عاقبة المكذبين)) باعتبار إن التاريخ والتراث والماضي وبمافيه من انبياء ومقدسين ومجرمين وافكار.... الخ كل هذا ماهو الا عظة وعبرة وتجربة وسنة من سنن الماضين يتمكن الانسان الانتفاع بها ،ومن خلالها فهم حاضره والبناء نحو المستقبل بشكل مختلف عما بناه الماضون من افكار وتصورات وتطلعات تنسجم مع الحاضر وتستقبل الاتي ،وتهيئ المجتمع للانتقال من مرحلة حضارية بنائية الى اخرى اكثر تعقيدا وتقدما ونموا وتكاملا وتطوّرا في المستقبل !!.



الثاني : وهو اساس ان يكون التاريخ والتراث والماضي عائق وجودي لنهضة الامة والمجتمع ،ومقيد معنوي لقوتها ووحدتها في هذا العالم ، وعندئذ يقرر القرآن برؤيته الاجتماعية والتاريخية وجوب الثورة والتمرد عليه والكفر بقيوده واغلاله التي يريد صناعتها لنفسه ولامواته وللمصالح الحاضرة المرتبطة والمتعلقة به ، من خلال التقديس لشأنه ، وما جاد به من افكار واموات وعقائد لايمكن التفكير بتجاوز مقرراتها الماضوية والتي هي في اساسها (حسب الرؤية القرآنية ) منتج مرتبط بحقبة معينة من الزمان والمكان التاريخي والاجتماعي صالحة لان تكون عبرة وتجربة ورافدا لحياة الاحياء ، لكنها ابدا لاتصلح ان تكون حاكما ومهيمنا وموجها بصورة مطلقة ومقيدة للاحياء وحياتهم الحاضرة وبنائهم المستفبلي !!.

يقول سبحانه بهذا الصدد الاجتماعي والتاريخي شارحا اسباب تقديس الماضي والتاريخ والاموات حتى الوصول به الى الهيمنة والحكم على الاحياء بالنسبة لافراد المجتمع المخدرين سياسا والغائبين عاطفيا بالقول : (( وأذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما آلفينا عليه اباءنا اولوا كان اباؤهم لايعقلون شيئا ولايهتدون )) من منطلق ان الالفة المعنوية النفسية وادمان عبادة السلف الصالح وما انتجه من افكار ومقدسات ورؤى هي العوامل الاساسية للانتقال بالتراث، والتاريخ من وظيفته الايجابية الى هيمنته السلبية التقديسية على عقل الجمهور والمجتمع ، ما يقتضي اعلان الثورة ، وتسفيه عقل الاباء التاريخيين والتمرد على ذكائهم ووصفهم بعدم العقلنة او الهداية في شيئ من الماضي ، وحتى ما يعيشه الاحياء اليوم ليتمكن المجتمع من التخلص من عبودية هذا التاريخ ، والتحرر من قيوده واغلاله التقديسية المزيفة !!.



وهكذا فيما يتعلق بالرؤية القرآنية التي ترجع اسباب تقديس التراث وصناعة هيمنته على المجتمع وعقل وذهن الامة ، ومن ثم الانتقال بالتاريخ من وظائفه الفكرية الايجابيةالى جعله الاها يعبدمن دون الله سبحانه فإن القرآن يقرران هناك مصالحا سياسية ومنافع تجارية ، وخلفيات نفعية ...، هي التي تقف خلف صناعة القداسة للتاريخ وللتراث وللسلف من قبل المترفين والمنتفعين من الوضع القائم والذين يرون ان اي حركة وتطلع للامة نحوالمستقبل والانعتاق من عبودية الوضع القائم خطرا وجوديا يجب القضاء عليه من خلال ضخ كميات هائلة من القداسة للماضي وماجاء به السلف وتجريم من يتعرض له بالنقداو التأمل ووجوب عدم تجاوزمقرراته وضرورة البقاء عليه وعبادته الى مالانهاية ، ورؤية كونه هو الارقى في الفكر الانساني ......الخ وكل ذالك في الواقع لتحقيقي هدفين لاصحاب النفوذ والسلطة والترف :



الاول: ضمان بقاء المجتمع منجراً الى الخلف التاريخي ومفكرا فيه ومعتقدا (( بوجود الخلاص )) من الوضع القائم بافكاره وبما اسسه الاباء المقدسين من السلف الصالح لاغير !!.

ثانيا : هدف سلامة وشرعية الوضع السياسي والايدلوجي القائم المنبني اساسا على الماضي والتراث ومقدساته لاسيما ان كان هذا التراث والماضي والاموات والمقدس ....يرفد بشدة الوضع السياسي القائم ويهبه الشرعية المطلقة ،ويجرّم التفكير بالثورة عليه وان كان فاسدا ، او تغييره او التطلع للنموذج الارقى منه سياسيا للمستقبل !!.

وبهذا يكون اصحاب السلطة والترف قد ضربوا عدة عصافيرسمينة بحجر واحد من اخطرها تغييب ذاكرةوفكرالمجتمع في دوامة البحث في الماضي والتراث على مفاتيح الخلاص من الاوضاع السياسية والاجتماعية المزريةالتي يعيشهاالمجتمع بينما الحقيقة انه لامفتاح لحلّ اجتماعي قائم الا في التطلع للمستقبل ، وابتكار وصناعة التغيير من الحاضر مستعينين بالتاريخ والتراث على هذا التغيير وليس راجعين نحوه ومقدسين لمنجز امواته من السلف الصالح ومقتبسين من اغلاله قيدا للتحرر من الواقع !.



قال :((وكذالك ما ارسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا ءاباءنا على أمة وإنا على اثارهم مقتدون)) أي ان من يناهض اي عملية تغيير وتطوير للمجتمع هم المنتفعون من اصحاب الحكم والمال والسيادة والترف والذين ترتبط مصالحهم السياسية والاقتصادية بالوضع القائم فيعمد هؤلاء الى مبرر طريقة السلف الصالح من الاباء الماضين وانها هي الطريقة المثلى في ادارة الحياة والجماعة ولاينبغي التفكير بالاقتداء الا بالاثارالتاريخية التي صنعوها والتراث الماضوي التليد الذي بنوه ليكون لنا هاديا ومرشدا الى مالانهاية في هذه الحياة !!.



وفي حقيقة الامر ( كما يذكره القرآن الكريم) ان سبب حرقة قلوب المقدسين للتراث وللسلف وللتاريخ وجعله هو الحاكم للاحياء بدلا من الدافع لهم نحو المستقبل هو كون تقديس الاباء والتراث هي السبيل الوحيدة والفاعلةلتغييب الامة عن تطلعها للمستقبل او تفكيرهابتغيير الوضع القائم الذي تنتفع منه طبقة السلطة والنفوذ والترف فحسب لاسيما ان كانت من ضمن ثقافة هذا التراث ومقدساته التاريخية وما طرحه الطالحون من سلفه الاموات: هو وجوب عدم الخروج على السلطان ، ولزوم الانقياد لاصحاب السلطة والترف والحكم بالانقياد والطاعة لهم عندئذ من حق المترفين اي يقولوا :(( إنا وجدنا اباءنا على أمة وانا على اثارهم مقتدون )) !!.



إن من المآسي التي يعيشها مجتمعنا العربي اليوم وبشكل حقا بشع ومبرمج ومدمرّ هو كون هذا المجتمع يدور في حلقة مفرغة بالفعل للبحث عن خلاصه بل والاكثر مأساوية في وضع امة العرب القائمة اليوم انها واقعة بين حكم (مِيتين) :



الاول :التاريخ ومقدساته وما طرحه السلف الصالح الممنوع على اي فكر النيل منه اونقده او اعادة توجيهه تحت بند قمع الفتنة واثارة الطائفية على لسان السلطة القائمة الحامية ، لهذا التراث والمدافعة عنه والعالنة للحرب المقدسة في سبيله ان جرت اي محاولة لتسفية الاباء وافكارهم المقدسة ( كما هو المنهج القرآني )او نقدهم او توضيح موت افكارهم بموتهم او عدم صلاحيتها اصلا للحياة اليوم فضلا عن البحث في داخلها لتجديد الحياة وبناء المستقبل على اسسها !.



والثاني : حكم الموتى من ساسة وقادة وزعماء وملوك وامراء .....،هم بالاساس يستمدون شرعيتهم من التراث والتاريخ وكل ماهو ماضوي وميت اليوم على الحقيقة بسبب عدم امتلاكهم الى مشروع للمستقبل يدفع للتغيير او التفكير بتغيير ماهو قائم من محرقة تأكل هذه الامة وتستنزف كل وجودها وطاقتها المتبقية ،وهذا طبعا فضلا عن ان هؤلاء الزعماء والملوك والامراء العرب اصبح واضحا وجليا لديهم ، ان اي تفكير بالتغيير ، او بالتطلع للمستقبل من قبل المجتمع العربي ، يعني بالضروة الاطاحة بهم او ازالتهم من طريق التغيير باعتبار انهم حجر العثرة العظيمة والعقبة الواقعية ، التي تقف بطريق الوصول للمستقبل ، او انهم تحولوا بالفعل الى تراث وماضي وتاريخ لابد من تجاوزه للدخول في الحاضر على الاقل !!.



اخيرا : اذا لم يفكر الاجتماع العربي بجدية بالكفر اليوم بطاغوت حكم الاموات عليهم والثورةعليه وتغييره تغييراجذريا مدروسا وواعيا لحركة التاريخ ، والتاسيس الجديد للمستقبل فان مصير هذه الامة سيكون مرعبا وظلاميا ومفجعا بصورة لايتخيلها عقل انسان عربي سوي هذه الايام !!.

مزيد من الفكر والبحث : مدونة حميد الشاكر

_________________________________

alshakerr@yahoo.com







السبت، سبتمبر 25، 2010

(( وما علاقة دولة الكويت بعائشة او علي ؟!)). حميد الشاكر

حقا انه لشيئ غريب جدا ما يحصل في عالمنا العربي اليوم من سياسات ، وتوجهات ونشاطات تمارسهاجماعات حكومية تحت اسم الدولة هنا وهناك ومن داخل شرعيتها وبمسميات عجيبة على المنطق الانساني والسياسي والاخلاقي العام والخاص !!.




وآخر هذه العجائب والغرائب ما اقدمت عليه الحكومة في الكويت مؤخرا من محاكمة احد مواطنيها ،وسحب الجنسية منه بسبب اراء هذا المواطن العقدية والفكرية والمذهبية المختلفة مع مذهب اهل الحكم والدولة وانتقاده لشخصيات تاريخية اسلامية مادفع حكومة الكويت الى محاكمته بعد ان طردته من بلده ثم تعقبته لتطالب به الانتربول اوالشرطة الدولية ليعاد الى سجون ومطامير الحكومة الكويتية العتيدة ليدفن داخلها تحت التعذيب والقهر وعصي السلفية الصالحة داخل مراكز شرطة الكويت !!!.



والحقيقة انا ليس لي علاقة بمسمى هذا المواطن الكويتي ولابانتمائه الديني اوالمذهبي ولا بارائه الفكرية والطائفيةالتي يحملها كما انني لاالتفت مطلقا اذا ماكان هذا الشخص في الكويت اوداخل اي دولة تحترم نفسهاوتحترم مواطنيها ايضاولايهمني بالفعل بالنتيجة اذا كان المواطن سنيا او شيعيا او مسيحيا او يهوديا داخل انسجة هذه الاوطان الاجتماعية ، لكن مايهمني بهذا الصدد بالفعل هو الدفاع عن مفهوم الدولة داخل اي مجتمع يريد ان يكون مجتمعا انسانيا وليس مجتمعا همجيا وسؤال :ماعلاقة الدولة بمذاهب مواطنيها واختلاف ارائهم ، وتنوع اجتهاداتهم واديانهم داخل المجتمع ؟.

اي ماعلاقة الدولة اصلا بأُمنا عائشة او بوالدنا علي بن ابي طالب ( مثلا ) ورؤيتنا نحن طبقات المجتمع المذهبية او العقدية او الطائفية او الانسانية داخل الدولة لهم ؟.

وهل من وظائف الدولة بمفاهيمها الحديثة والقديمة ان تتدخل في ضمائر مواطنيها او تفرض عليهم نوعا من الايمان ،او تنحاز في احكامها لمذهب على اخر داخل الدولة ؟.



ثم ماهي علاقة الدولة اصلا ، لتحاكم انسانا من مواطنيها له وجهة نظر تاريخية نقدية فكرية ، ليس لها علاقة سلبية لا بقانون الدولة المدنية القائمة الآن ولابهيبتها ولابوجودها ولابأمنها ولاحتى باستقرارها في المجتمع لتسحب منه هويته الوطنية من ثم كسابقة خطيرة جدا تهدد معنى قيام الدولة وشرعيتها داخل مجتمعاتنا العربية والاسلامية بسبب مذهبي ، والتي هي من حقوقه الطبيعية ( جنسيته الوطنية ) التي لاتتمكن وليس من حق لا الدولة ولاغيرها من المؤسسات السياسية اوالاجتماعية او الدينية داخل المجتمع اعطاءها او سحبها من الانسان اينما ولد ولمجرد كونه صاحب فكر مخالف لفكر الدولة ؟.



وأليس تدخل الدولة بفرض نمط معين من الايمان المذهبي اوالديني او السياسي او الايدلوجي وتحت اي مبررعلى مجتمعها من خلال استغلالها لموارد وقوة وسلطةالدولة وشرعيتها يعتبر انتهاكا لعقد الدولة مع المجتمع الذي يقوم على اساس رعاية الدولة فقط للمجتمع وليس لقهره أواستعباده او الانحياز لجهة اجتماعية او مذهبية على اخرى في النتيجة ؟.

واخيرا كيف يفهم عالمنا وحكامنا وسياسيينا العرب الاعراب الاقحاح مفهوم الدولة ليعبثوا هذا العبث بمفهوم الدولة واقحامها وتجييرها لمصالح طبقية او فئوية او طائفية لهذا الجانب من المجتمع او ذاك ؟.



كل هذه الاسألة هو مايشغلني ويدفعني للكتابة عندما اجد هذه الانتهاكات الخطيرة هنا وهناك لمفهوم الدولةالحديث والقديم ايضا ففي حتى اعتى الدول التاريخية فرعونيةً وفسادا والتي يتحدث عنها القرآن الكريم نجدان مفهوم الدولة الراعية كان قائما ايضا ومحترما وإن كان الحاكم فيها هو سلطان مدعي الالوهية والاستكبار والفساد المبين ، وهو يريد ان يستضعف طائفة من شعبه لحساب مصالحه السياسية ولكن مع ذالك يتحدث القرآن عن الفرعون صاحب الدولة والفاهم تماما معنى وجوب ان تكون الدولة راعية للمجتمع ، وغير متدخلة لافي دينه كمجتمع يحمل اديان مختلفة ولا في توجهاته الفكرية الوطنية ايضا ، ولهذا قرأنا حول الفرعون مقالته: (( وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه اني أخاف ان يبدل دينكم او يظهر في الارض الفساد )) باعتبار ان فرعون يخاطب المجتمع ودينه من الخارج ولايشرك نفسه بالايمان مع دين المجتمع ليقول ((أخاف ان يبدل ديننا)) لان ليس للدولة دين غير العدل عند اصحاب الدولة ، والمدركين لمشروعها ، داخل تركيبة المجتمع ، سواء كانوا طغاة ام عادلين لتنحاز الدولة دينيا اليه !!.



وهكذا طغاة العصر الحضاري القديم ،كانوا يدركون على فسادهم ، وطغيانهم وانحرافهم عن العدالة الاجتماعية والسياسية معنى ومفهوم ان تكون الدولة مخاطبة لشعبها بوطنيته هووليس بوطنيتهاهي لتكون الدولة صاحبت الوطن والارض وانما هي مجرد راعية لهذه المواطنة وليس موزعة لها او القائمة على اعطاء جنسيات الوطنية لهذا المواطن او سحبها من ذاك !!!.

يقول القرآن حول ذالك المعنى ، لمفهوم الدولة عند الفرعون الاكبر: (( قال للملأ من حوله إن هذا لساحر عليم يريد ان يخرجكم من ارضكم بسحره فماذا تأمرون ؟)) نعم انها ارض المجتمع ، وليست ارض الفرعون الحاكم او الدولة القائمة لتهب لهذا الفرد من المجتمع جنسيته وتسحبها من ذاك !!.

وانما صاحب الوطن هو الشعب ،الذي خوّل الدولة ادارة مجتمعها ورعايته بالعدل والانصاف بغض النظر ان كانت هذه المفردات بحق الدولة خارجة من فم الفراعنة انفسهم او من غيرهم من الصالحين !!.



واخيرا هذا الاسلام العظيم نفسه بين ايدينا يطرح لنا رؤيته حول الدولة داخل الاسلام ،ووجوب ان يكون للدولة دين واحد لاغير الا وهو دين العدل بين الرعية بغض النظر عن اديانهم وتوجهاتهم ومذاهبهم الفكرية عندما يقول : (( وان حكمت فاحكم بينهم بالقسط ان الله يحب المقسطين )) ويقول سبحانه :(( واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل )) !.



اذن فمن اين يستقى ساسة العرب اليوم ،مفاهيمهم حول الدولة ووظائفها ، وكيفية ادارة المجتمع داخلها ؟،بهذا الشكل المشوّه والمنحاز والفاقد لصفات الدولة الراعية على الحقيقة ؟.

ومن اين استقت دولة محترمة كالدولة في الكويت ، وحكومة لم نعهد عليها الا انها من النظم السياسية الخليجية الاكثر تطورا على مثيلاتها الخليجيات ان من حقها ان تتدخل لتفصل بين المجتمع دينيا وفكريا ومذهبيا ، ومن ثم لتنحاز لطرف مذهبي على اخر وتصدر احكاما بضرورة عقاب هذا المواطن مذهبيا وسحب جنسيته ومصادرة هويته والوعيد له بالعقاب الشديد قُبالة ذالك الاخر المنتمي لمذهب الدولة مع الاسف ، والمدلل بكل مايطلب ويفرض على الحكومة والدولة ؟؟.



نعم كان مبرر الدولة في الكويت ان مايثار هنا وهناك داخل المجتمع الكويتي من جدل وصراع فكري ديني او مذهبي او سياسي ربما دفع البلاد الى التطاحن والوقوع في الصراعات الطائفية والمذهبية الاجتماعية ،ومن منطلق ان طائفة او مذهبا من تركيبة المجتمع الكويتي قد استنفرت قواها الشعبية لمجرد سماعها بالراي الفكري والمذهبي الاخر يطرح على الساحة في سبيل الضغط على الدولة او تهديدهاباعلان الحرب عليهاهو مادفع الدولة داخل الكويت لاعلان حالة الطوارئ ومعاقبة مواطنيها ممن يحملون الراي الفكري الاخر بالطرد والحبس وسحب الجنسية منها ، لرفع فتيل الفتنة داخل المجتمع ، وعلى هذا الاساس وجدت الدولة في الكويت نفسها مضطرة لمهادنة قوى التطرف المذهبية في جانب من المجتمع الكويتي على الجانب الاخرالاصغر الذي لايحمل مقومات ارهاب الدولة وابتزازها بالشكل والنسبة والقوّة .... نفسها التي رفعها الجانب المطالب للدولة بالانحياز اليه والخضوع لمطالبه والانسياق مع ايمانه ومذهبه التكفيري كيفما كان !!.



والحقيقة ان هذا المنطق السياسي من قبل اي دولة ،وليس داخل دولة الكويت فحسب هو من المنطقيات المدمرة لمفهوم الدولة وما ينبغي على الدولة من واجب القيام به امام مثل هذه الصراعات الاجتماعية الطبيعية ، داخل اي مجتمع بشري يريد ان يتقدم ويتطور ويكون بالفعل حرّا وناضجا وبانيا للحضارة والاتساع !!.



فهذا المنطق مناقض لروح ومفهوم الدولة لعدة اسباب منها :

اولا : ان الدولة ينبغي ان تكون اعلى سلطة وقوة تدير المجتمع وتخضعه للقانون بالتساوي ، وفي حال خضوع الدولة لارهاب ومطالب وابتزازات مركب من المركبات الدينية او المذهبية او الطبقية الاجتماعية ، عندئذ تكون الدولة قد فقدت سلطتها العليا على المجتمع وبدلا من ان تكون الدولة هي المديرالمستقل لحياة الجماعة فتصبح حتما التابع الذليل لارهاب مركب من مركبات المجتمع على الاخرين ، مما يعني انحياز الدولة لمذهب معين ، وعدم قدرة الدولة نفسها على حماية باقي المركبات الاجتماعية والمذهبية الاخرى وتوفير الحرية والتساوي والعدالة لهم داخل المجتمع !!.



ثانيا:في حال خضوع الدولة او انهزامها امام ارهاب التطرف الاجتماعي او خوفها من وهم وتوترات الفتنة الاجتماعية كمبررات للانحياز لهذه الفئة على باقي الفئات الاجتماعية داخل الدولة ، تكون الدولة بذالك ، ليست فقط فقدت شرعيتها وسلطتها القائمة بالفعل وانما هي فقدت بوصلتها بالوظيفة المناطة على عاتقها كدولة داخل المجتمع ، وبدلا من ان تقوم الدولة بحماية المجتمع كله وتوفير الحرية ، لمعتقده الديني او السياسي ، والضرب بيد من حديد على اي قوّة ، او فئة اجتماعية تحاول ليّ ذراع الدولة والخروج على القانون ، الذي يعطي الحرية المعتقدية والفكرية للجميع لابتزازها او التهديد بصناعة الفتنة داخل المجتمع ، بدلا من ذالك نجدان الدولة ولعدم قدرتها على حماية القانون والمجتمع تذهب هي نفسها لتجاوز القانون ،وظلم شريحة من مجتمعها والخضوع لمطالب شريحة اخرى تحاول ارهاب الدولة والمجتمع باسم صناعة الفتنة والاضطراب والقلاقل داخل الامة !!.



نعم ماقامت به دولة الكويت من الخضوع لقوى التطرف المذهبية داخل مجتمعها ومن ثم اصدار قرارات ليست قانونية ضد افراد من مواطنيها لاسكاتهم وقمعهم فكريا ارضاءا لقوى التطرف داخل المجتمع الكويتي ، كل هذا يظهر هشاشة الدولة داخل الكويت وعدم التزامها بواجباتها كدولة تحمي مجتمعها ، وتسهر على تطبيق القانون وحماية المجتمع وتوفير الحرية له ككل ، ولا يدلّ ماقامت به الدولة الكويتية ضد احد مواطنيها ، والذي تعرض لشخصيات تاريخية مقدسة ، عند بعض مركبات المجتمع الكويتي مطلقا على ان الدولةداخل الكويت قددرأت الفتنة عن شعبها عندما خضعت للابتزازوالتطرف على حساب شرعيةالدولة ووجودها وهيبتها داخل المجتمع !!.



وما يدري الدولةالكويتية ان هذه الجماعات التي استطاعت داخل الكويت ان ترهب الدولة وتحرفها عن مسارهاالقانوني الصائب في ادارة المجتمع ،سوف لن تعود من جديد لتبتز الدولة في كل مناسبة لاترى فيها هذه الجماعات الخارجة على الدولة والقانون انها منسجمة مع ماترغب في اجرائه داخل المجتمع ، مادام الدولة داخل الكويت ، ليست هي صاحبة السيادة على ادارة وضبط المجتمع على الحقيقة ؟؟.

ان الدولة التي تحترم نفسها وتشعر انها صاحبة مشروع ادارة المجتمع وعدم التمييز بين مركباته واديانه وطوائفه ... لاينبغي لها ان تخضع لارهاب طرف اجتماعي على طرف اخر وتحت اي مسمى ومبرروهمي او حقيقي كماانها لاينبغي لها كدولة تعرف حدودها الوظيفية ، ان تتدخل بالحراك الفكري العقدي لمجتمعها ، ومهما كان مختلفا وحادا الا في طريق ضبط المجتمع من عدم اعتداء بعضه على البعض الاخر وخرق القانون والاستقرار العملي داخل المجتمع ، وذالك لحماية الحرية العقدية داخل المجتمع ومادام الجدل الفكري يبقى فكريا وعلميا وثقافيا ، فليس من حق الدولة التي تحترم نفسها ان تتدخل لتميل كفة فئة على فئة او طائفة على اخرى او دين على اخر او ان تجيّر القانون بداخلها لصالح ادانه طرف على اخر او تسحب جنسية مواطنيها وتثبت جنسية الاخرين ، او توظف السلطة لتقمع طرف اجتماعي على اخر .... !!.

بل على الدولة ان تكون الحازمة في شأن استتباب الامن داخلها والاستقرار والحرية لجميع مواطنيها وتطبيق القانون بكل قوّة ليس على الذي يؤمن بفكرة مذهبية او دينية مختلفة عن الاخرين ، بل على الذين يريدون قمع المواطنين عن الادلاء بحريتهم الفكرية المختلفة عن الاخر !!.



نعم آن الاوان على هذه التي تسمي نفسها دولا ان تدرك وظائفها امام شعوبهاوان تدرك ان شرعيتها قائمة على اسس حياديتها بين مواطنيها ، وانها بسبب انها الراعية لجميع المواطنين بلا تمييز فهي لذالك تسمى دولة وحكومة شرعية ،وعليها ان تؤدب من يتجاوز القانون ، ويتهدد السلم الاجتماعي وحرية المجتمع الفكرية والشخصية ، لا ان تتنازل امام قوى الارهاب والظلامية على حساب حرية المجتمع وتمتعه بطاقاته الفكرية الخلاقة !!.

إن مجتمعا لاتحترم فيه ابسط قواعد الحرية العقدية والفكرية والمذهبيةلايمكن ان يكون مجتمعا متطورا وحضاريا وبانيا ومدافعا عن نفسه ووطنه ، وان دولة تنحاز مذهبيا او طائفية ،وتتجاوز وظائفها الرعوية ، وتجيّر الثروة والسلطة والقانون للطائفة او القبيلة او المذهب او الدين .....الخ ، لهي دولة تستحق ان يكفر بها كطاغوت يريد ان يستبعد الانسان بدلا من حمايته وتطويره واحترامه !!.



واخيرا نعيد تكرار السؤال الذي ينبغي ان يلتفت اليه اصحاب الشأن داخل الدولة الكويتية الشقيقة ، وداخل اي دولة في منطقتنا العربية والاسلامية الا وهو : ما علاقة الدولة بأُمنا عائشة ان انتقدها احد الكتاب والمثقفين لتقوم قائمتها عليه وتطالب باعدامه حيّا ومن خلال الانتربول الدولي ؟.

وما علاقة الدولة بعلي بن ابي طالب ، اذا لم تعجب سياسته بعض العلماء والتاريخيين ، ورأي في علي بن ابي طالب انه قاصر سياسيا ، وكان لايحفظ حتى اية من القرآن الكريم ؟.

__________________________



alshakerr@yahoo.com

الثلاثاء، سبتمبر 21، 2010

(( مشكلة الدولة في العقل العربي )) حميد الشاكر

(( مشكلة الدولة في العقل العربي )) حميد الشاكر


____________________________________



الدولة مركب من المركبات الاصيلة في بنية اي مجتمع انساني في هذا الوجود ، بل وربما الدولة في العصرالحديث وحتى القديم تشكل الرأس من جسد اي اجتماع بشري يحاول التعايش فيما بينه المتنوع والتطورالى الامام وينشدالقوة للدفاع عن نفسه ومن ثم الامن والرخاء وبناء القيمة المعنوية .... لهذا المجتمع او ذاك وعلى هذا الاساس احتاج رأس المجتمع هذا المسمى دولة الى فكر وتدبير وحكمة وفلسفة ، ليشرح رؤية الدولة نحو مجتمعها ووظائفها ،وماينبغي عليها من انتهاج لسياسات تبني المجتمع وتقدم البرامج وتسعى للنهوض بهذا المجتمع من جهة واحتاجت الدولة ايضا الى مؤسسات ونظم ودوائروآليات عمل من جانب اخر لتحقق وجودها القانوني والواقعي ، وتقوم من ثم بمشروعها الذي وجدت من اجله داخل مركب اي مجتمع متطور وقائم !!.



اما ان تكون الدولة مجرد شبح داخل مركب المجتمع ومجرد سلطة هيمنةلمجموعة من حزب اوتكتل او طائفةاو عشيرة.. لاتملك حكمة ولاعقلا ولافلسفة ولاتدبيرا سوى نزعات التسلط والهيمنة على المجتمع وتغيب مفاهيم المؤسسة بداخلها وتتحول اذرعها لمجرد جلاّد ، يمتهن السيطرة على اي تحرك للامة من الداخل ويعجز تماما للدفاع عن المجتمع من تمددات الخارج الاستعمارية وتفتقد هذه الدولة الى ابسط النظم القانونية ، التي ترسي قواعد الحقوق والواجبات لافراد الجماعة داخلها فحتما عندئذ تتحول هذه الهيئة المسماة زورا ((دولة)) الى مجرد عصابة ، او وكر للمجرمين الذين يحاولون التسلط على المجتمع لاستعباده ونهب ثروته وامتهان كرامته تحت عنوان وشرعية الدولة داخل مركبات هذا المجتمع او ذاك من التجمعات الانسانية !!.



والحقيقة إن معضلة من اعظم الكوارث في العصرالحديث ،التي ابتليت بها منطقتنا العربية سياسيا واجتماعيا وفكريا هي غياب اي مفهوم من مفاهيم الدولة الحديثة ، وحتى القديمة داخل النظم العربية الحكومية القائمة اليوم ، فليس في داخل مايسمى دولا في النظم العربية الحاكمة اليوم اي معاييرفلسفية تشرح للمجتمعات العربية لماذا اصلا تقوم الدولة داخل مركبات الاجتماع ومن اين تستمد شرعيتها السياسية ؟، وهل هي من الله مثلا ؟ام من المجتمع ، او من الطائفة او من الحزب او من القبيلة والعشيرة او من الاسرة او من القوّة والقهر ؟.....الخ .

كما ان هناك غياب واضح للقانون ،والمؤسسات داخل هذه النظم السياسية العربية القائمة ، فلا المواطن يدرك واجباته وحقوقه قُبالة هذه الدولةوالمجتمع الذي يعيش فيها ولا الدولة لهاحدود معينة من خلالها تدرك حقوقهاوواجباتهاالتي تقف عندها وترتدع من التدخل في شؤون الفرد والمجتمع ولتعرف هي ايضا من ثمّ حقوقها لتنتزعها من هذا الفرد والمجتمع وتؤدي واجبها حسب دستور وقانون اقرّه المجتمع على نفسه لتقوم الدولة بوظائفها كراعي محايد ، لهذا المجتمع وفك الاشتباكات داخله والدفاع عن امنه وسلامته من كل خطر يتهدده من الخارج والداخل !!.



نعم منذ البداية قامت النظم السياسية العربية في منطقتنا التي نعيش بداخلها اليوم على اسس يشوبها الكثير الكثير من النقص والتشوّه في الخلقة والجهل وعدم الادراك والفهم ، لمعنى تطور الدولة ومفاهيمها وواجباتها ولماذا هي ينبغي ان توجد اصلا داخل مركب اي مجتمع ، والطامة الكبرى ان هذا الجهل لمركب الدولة هو بالاساس جهل مركب ايضا من قبل الطبقات السياسية الحاكمة ، ومن قبل مجتمعات هذه النظم السياسية العربية ايضا !!.



فالطبقات السياسية العربية الحاكمة اليوم هي اما طبقات اعتمدت في وجودها السياسي ،تاريخيا وحتى اليوم على الواقع والدعم الاستعماري الغربي الحديث للمنطقة العربية بعد سقوط الخلافة العثمانية الهالكة ، والذي جاء بهذه الطبقات السياسية من خلال الشرعيات القبلية او الطائفية الموالية لوجوده الاستعماري لحكم بلدان العرب ومجتمعاته لاغير !!.

وإما انها نظم سياسية عربية عسكرتارية انقلابية تستمد شرعيتها فيما مضى وحتى اليوم من شرعيةالغلبة والقوّةوقهرالمجتمع واخضاعه للامر الواقع السياسي كما اصبح عليه بعد الانقلاب !!.

وهناك فعلا ايضا نظم سياسية عربية حزبية ايدلوجية ، حكمت منطقتنا العربية من خلال شعارالمواطنة او القومية الذي يطبقه الحزب ولكنها مع ذالك لم تستطع ان تدرك ابدا معنى ومفاهيم الدولة وفلسفة وجودهاالحقيقية فاخضعت الدولة للحزب او للطبقة تحت شعار الاشتراكية لتفقد الدولة حياديتها التي ينبغي ان تكون عليه داخل مركب المجتمع !!.



ولايقل من الجانب الاخر سوءا الحال عندما نتحدث عن الشعوب والمجتمعات العربية ومنسوب ادراكهاووعيها وثقافتها لمفهوم الدولة والمجتمع السياسي فهذه المجتمعات لاتلام اساسا لفقدان الرؤية داخل منظوماتهاالفكرية لمسمى الدولةفهي ما إن خرجت من تحت عباءة الاستعمار العثماني لهاوتحررت من نيرعبودية الجهل والظلام الذي مارسته الخلافة العثمانية الهالكة بحق ابناء المجتمع العربي للسيطرة عليه وابقائه تابعا لحكمها البربري حتى وجدت نفسها خاضعة لاستعمار اجنبي هو الاخروجد مصالحه السياسية في ابقاء هذه المجتمعات العربية تحت عبودية الجهل والتخلف والتبعية ، فعمد الى تركيب هياكل حكومات ودول قبلية وعشائرية واجنبية لاتؤمن باي شيئ من مسمى ، ومفاهيم الدولة ووظائفها غير الولاء للمستعمر الغربي الجديد ، مما ادخل من جديد هذه الشعوب العربية داخل اطار عجلات استمرار التخلف والجهل لكل كيانها الفكري والاجتماعي والسياسي والنفسي قُبالة مفاهيم المجتمع السياسي والدولة واصل وجودها ولماذا وجدت وكيف ينبغي التعامل معها .....وهكذا ؟.

والكارثة الاخرى هي في انه وحتى بعدان دخلت الثقافة ومسماها لمجتمعناالعربي واراد هذا المجتمع المسكين ان يعبرعن ارادته للتحرر من المستعمر الاجنبي فانه فتح اذنيه وفاه لكل شيئ يختص بثقافة التحرر من المستعمر واذنابه ، وانشاء الاوطان وقيام قيامتها من جديد ....الخ ، الا من شيئ واحد فقد كانت اذني المجتمع العربي صماء امامه ،او اُريد لها ان يكون بداخلها وقر كي لاتسمع شيئا عن ثقافة الدولة ومفاهيمها ولماذا هي ينبغي ان تُقام وتُحترم وكيفية قيامها ومن اين تستمد شرعيتها ....فإن مثل هذه الثقافة كانت ممنوعة اصلا على المجتمع العربي ان يسمع بها او تدخل ذاكرته لتشكل القاعدة لثقافته السياسية ولهذا اندفع المجتمع العربي بشكل متهستر للنضال من اجل التحرر من الاستعمار ، ودعم الحزبية وكذا الانقلابات العسكرية وهكذا الحركات والافكار الدكتاتورية ليقع اخيرا في حضن الاستبداد والقمع الوطني والقومي ليعود ويترحم على الاستبداد والتفرعن الاستعماري الاجنبي القديم واذنابه الذي اقامهم ليكونوا حماة لمصالحه الاستعمارية القديمة !!!.



إن اشكالية سياسية هذا هو مركبها داخل مجتمعاتنا العربية وإن حكومات واشباح دول قائمة هذا هو منشأها ، وتلك هي اسسها ولُبناتها الاولية ،ليس من الغريب إذاً ان يُفتقد فيها التطور ويغيب عنها الاستقرار وتصاب بداء التخلف وادمان التظالم ، وبروز ظاهرة التطرف والعنف والارهاب داخل مجتمعاتها القائمة ، وغياب عناوين الدولة ومؤسساتها الحيوية ..... !!.



كما إن دولا قامت على ظاهرة الولاء للمستعمر ، والغلبة القبلية والعشائرية ، او الهيمنة العسكرية او الاحتيال والنصب والمكر الحزبي والايدلوجي لخداع المجتمع والصعود على اكتافه للسلطة ومن ثم ممارسة الدكتاتورية بابشع صورها فلا يستغرب منها ( هذه الدول والحكومات ) ان تتعامل مع شعوبها على اساس القطيعية من الحيوانات او الذيول والتبع للقبائل والعشائر او على اساس العبيد والجواري والخدم ، او على اساس الطائفة والمذهب او العنصر والقومية او المناطقية وحتى الاسرية والمحلاتية ....، فلا غرابة بالفعل اذا كان البناء غياب مفهوم الدولة وشرعيتها ووظائفها ،وكيفية تعاملها مع شعبها بحياد وعدالة أن نرى ان الدولة قد سجلت باسم الطائفة والمذهب لتكون حكرا لهذا المذهب في هذا الدين او ذاك مادام لاشرعية للدولة سوى دعم هذه الطائفة لها لاغير في سبيل استحصال مكاسب سياسية لهذ المذهب او ذاك !!.

ومن ثم لاغرابة اذا سمعنا اليوم ان الدولة الفلانية سحبت الجنسية من مواطنيها بسبب انتمائهم المذهبي المغايرلمذهب وطائفة الحكم القائم داخل الدولة ، وتجرأت على ابداء رأيها او نقدها لما تؤمن به طبقة الحكم من مذهب ، باعتباره خروجا على الدولة والحكم والوطن المُسمى لهذه الطائفة او ذالك المذهب المنتقد !!!.



كما انه يصبح ليس من الغريب في شيئ مطلقا ، ان تمتهن الدولة التمييز بين ابناء شعبها على الاسس الحزبية ، او القومية او القبلية العشائرية اذا كان البناء لاشرعية لقيام الدولة في واقعنا العربي السياسي والمجتمعي واستمرارها بالحياة الا بتزلف هذه القومية للدولة على تلك او هذه القبيلة لدعم الحكم القائم على باقي القبائل ... لتتحول الدولة من مضامينها وفلسفتها وقوانينها ومؤسساتها التي ينبغي ان تتحرك الدولة على ضوئهاالى دولة القبيلة او دولة القومية او دولة المنطقة او الاسرة !!.



واخيرا سوف لن يصبح عارا حقا في واقع سياسي ، كواقعنا العربي ودول ورقية كدولنا العربية القائمةان اندمجت اموال الدولة وثروات الشعب لتكون هي هي وبدون اي تمييز لها عن اموال شيخ القبيلة وابنائه وامراء العائلة الذي تحكم المملكة يتصرفون بها كيفما ارتأت رغباتهم الشخصية بعيدا عن التفكير في المساءلة القانونية او الشعبية لهم ، وبعيدا عن التفكير باستثمار ثروة الشعب لتطويره والارتقاء به نحو الافضل والاحست والاكثر تقدما !!!.



كل هذا بالنهاية منتج طبيعي لتشوهات تأسيس قيام الدولة من البداية داخل منظومات مجتمعاتنا العربية السياسية ،وعلى جميع الصعد والمستويات التي تبدأ بالفكرية والثقافية للفرد والجماعة العربية نحوالدولة وفلسفة قيامهاوتنتهي عند الممارسة لهؤلاء الحكام والمسؤولين الذي لم يروا وسيلة تضفي على وجودهم اللاشرعي الشرعية وعلى فسادهم الاستمرار سوى مسمى الدولة وقوة مركبها داخل المجتمع !!.

______________________________



alshakerr@yahoo.com

الأربعاء، سبتمبر 15، 2010

(( العراق ما بين دولة المستضعفين وحكومة ودولة المستخَلفين .... رؤية قرآنية . !)) حميد الشاكر

(( العراق ما بين دولة المستضعفين وحكومة ودولة المستخَلفين .... رؤية قرآنية . !)) حميد الشاكر


_______________________________________



تتعدد الافاق الفكرية والزوايا العلمية والمباحث العقدية التي تتناولها المدرسة القرآنيةفي شأني التأريخ بصورة عامة والاجتماع الانساني بصورة خاصة لاسيما تلك المواضيع ، والمباحث التي تعتبر من صلب واساسيات علمي الاجتماع والتاريخ في عصرنا الحاضر من قبيل :

ماهوالتاريح ؟.

وهل لحركة التاريخ سنن وقوانين حتمية ؟.

أم ان حركة التاريخ قائمة على المصادفات والاتفاقات الفوضوية لاغير ؟.

ومن ثم ماهي عوامل وعناصر محركات التاريخ الواقعية ؟.

وهل التاريخ مادي الوجود والحركة ؟.

ام انه معنوي المحركات والتكامل ؟........ الخ !.



وهكذا في موضوعة الاجتماع ، وفلسفته الوجودية فإن لفكر المدرسة القرآنية رؤى واسعة ، وشاملة في علم الاجتماع الانساني ايضا تبدأ من مقولة :

ماهو المجتمع ؟.

وهل لشخصية المجتمع حقيقة مستقلة عن شخصية الافراد ؟.

أم ان شخصية المجتمع اعتبارية مجازية وليس هناك عنوان اصيل لمسمى المجتمع ؟.

ومن ثم ماهي تركيبة هذا المجتمع ؟.

وهل هي فردية اصيلة ؟.

أم انها اجتماعية قائمة بذاتها وما الفردية الا انعكاس لهذه المجتمعية لاغير ؟.

واذا ما كانت الاصالة للمجتمع ، ولاعنوان للفرد داخله الا مجرد مظهر من مظاهر تركيبة المجتمع ، فهل لهذه المجتمعية نفسها متطلبات معينة عندما نحاول اصلاح المجتمع او قياده بايدلوجيا معينة ؟.

أم ان كل فكرة تصلح للمجتمع ، وكل شعار قابل للتركيب حتى وان كان مختلفا ومتناقضا مع تركيبة المجتمع هذه او تلك ؟.

ثم كيف يمكننا ادراك تركيبة المجتمع القائمة وتقسيمها تراتبيا ؟.

وهل هي تركيبة طبقية ؟.

ام انها تركيبة سياسية ؟. أم قبلية ؟.أم نفعية ؟.

ام لاهذا ولاذاك وانما هي تركيبة عقدية فطرية ، ترتكز على رؤية مزدوجة الاصالة لكلا القائمتين الفردية والاجتماعية داخل اي مجتمع ؟.

وهل للمجتمع حاجات معنوية اكثر منها مادية ؟.

أم ان حاجات المجتمع لاتعدو كونها مادية حتى على مستوى المثل الاعلى كمحرك للمجتمع ؟........الخ !.



كل هذا وغيره بحوث مطروحة في المدرسة القرآنية وهي ايضا دراسات مثارة اسلاميا هنا وهناك داخل ساحات الفكر الاسلامي المتعددة ، ولعلّ ابرز من ركز ثقافيا وفكريا وكتابيا ، ونظّر عقديا ..الخ في القرن العشرين المنصرم لمثل هذه البحوث التاريخية والاجتماعية المهمة للعمل الاسلامي هما شهيدي الفكر والعقيدة ، وامامي العصر الحديث ، الشهيد السعيد محمد باقر الصدر في بحوثة القيمة ((التفسير الموضوعي ، والفلسفة الاجتماعية في المدرسة القرآنية )) والحجة الطاهر الشهيد مرتضى مطهري في بحوثه المعمقة ((المجتمع ، والتاريخ )) الذي سرد فيها الكثيرمما يتصل بعلمي التاريخ والمجتمع وفتق فيها العميق من الاسألة في هذا المضمار ، لاسيما الاسألة والمحاور التي طرحها القرآن الكريم نفسه في موضوعتي !!.



اولا : سنة الصراع القائمة بين المستضعفين والمستكبرين من جهة ، والمؤمنين والكافرين من جانب آخر .

ثانيا : قيام الدول وتعدد نوعيتها وماهياتها .... ، كنتائج حتمية لعمليات الصراع الاجتماعية والتاريخية تلك !.



والحقيقة ان هذين الموضوعين من اهم الموضوعات الاسلامية القرآنيةالتي كثف النص القرآني تسليط الاضواء على مضامينها الفكرية والعقدية باعتبار انهما :



اولا : من السنن التاريخية والاجتماعية الاصيلة في قوله سبحانه((ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الارض ولكن الله ذو فضل على العالمين / 251/ البقرة )) والمتجددة ايضا في كل مجتمع قائم ومتحرك في هذا العالم .



ثانيا:بسبب إن هذين الموضوعين همامَن سينتج حتما ثمرة إما دولة المستضعفين التي ذكرها القرآن الكريم كاحد مظاهر الجلال والعدل الالهي في هذه الحياة وإما دولة المستخَلفين التي كانت دوما هي حلم الانبياء والمرسلين على مرّ العصور ومدى دورات التاريخ الطويلة والمتكررة ، وهي الغاية الحقيقية من انزال الكتب السماوية وارساء القواعد الدينية والشرعية لهذا الانسان !.



ولهذاكان لزاما على كل مفكروباحث ودارس يسعى لادراك واقعه الانساني والاجتماعي والسياسي القائم او يحاول فهم ملابسات صراعاته الاجتماعية واشكالياته الطبقية واين هو يقف الان ؟ولماذا هو واقف ؟. وماينبغي عليه فعله لتطوير هذا الواقع ؟...الخ أن يستوعب بدقة الافكار القرآنية ، التي تناولت التاريخ وسننه من جانب، والمجتمع وفلسفة قيامه ونوعية صراعاته من جانب آخر وبالخصوص موضوعي (سنةالصراع الاجتماعية بين المستضعفين والمستكبرين واختلافها عن سنة الصراع بين المؤمنين والكافرين) و( ودولة المستضعفين وكيف انها مختلفة نوعاً وماهية ومقدمات واهداف عن دولة المستخَلفين التي يذكرها القرآن الكريم بهذه الاختلافات ) !.



ولكنّ قبل ذكرنا ودخولنا لصلب الموضوع لابد من الاشارة الى : إن مفكري الاسلام العظام ، كالسيد الشهيد الصدر والفيلسوف آية الله مطهري في ابحاثهما التي ذكرناها آنفا لم يفرقا في بحوثهما التاريخية والاجتماعية بين عنواني ((الاستضعاف وصراعه مع الاستكبار تاريخيا من جهة وبين دولة المستخَلفين ودولة المستضعفين من جانب آخر )) بل السيد الشهيد محمد باقر الصدر تعرّض لدولة المستخلفين فحسب واعرض عن البحث في تناول المستضعفين الا في جانب صراعهم السلبي مع المستكبرين اما هل ان لهم دولة مختلفة عن المستخلفين ؟ وماذا يعني كون الاختلاف بين كلا الدولتين ؟، وهل هناك نتائج مترتبة على اختلاف ماهية ونوعية دولة المستضعفين عن المستخلفين ؟، وهل ان الحكومتين مختلفتان ،من حيث التأسيس والاستقلال بالعمل ؟، أم انهم جزء من دولة وحكومة واحدة ؟،..... الخ فلم يتعرض الشهيد لهذا البحث ؟!.



وكذالك الشهيد السعيد مرتضى مطهري، عندما تناول نضال المستضعفين ضد المستكبرين ، فانه اشار بوضوح ان المستضعفين وثمرة نضالهم ماهي الا عملية متصلة بدولة المستخلفين لاغير في قوله سبحانه وتعالى :((ونريد ان نمنّ على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين / القصص / 6)) !!.

نعم قد ذهب الشهيد السعيد مطهري الى ان منطق اية ( المستضعفين ) مختلف عن منطق اية ( المستخلفين) في قوله سبحانه : وعدالله الذين آمنوا منكم وعملواالصالحات ليستخلفنهم في الارض كمااستخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ..../ 55/ النور ) من عدة محاور :



المحور الاول : هو نوعية حركة المستضعفين التاريخية الطبقية واختلافها عن نوعية وميكانيكية حركة المستخلفين .

والمحور الثاني : هو ان منطق حركة المستضعفين التاريخية والاجتماعية في النص القرآني يحتمل ان المراد من المستضعفين كل مستضعفي الانسانية بغض النظرعن عقائدهم واديانهم او لااديانهم في هذه الحياة فهذا النضال للمستضفين ضد المستكبرين محكوم عليه قرانيا بالنصر ايضا ، وهذا بخلاف منطق القرآن عندما تحدث عن مستخلفين مؤمنين عقائديين ، وانتصارهم على الكافرين والطغاة والمستبدين !!.

وصحيح مع ذالك حاول الشهيد مطهري ، تقييد آية المستضعفين والمنّة الالهية فيها ،بما قبلها من آي يتحدث عن بني اسرائيل فحسب ، ولكنه مع ذالك لامس مقاصد الآي الشريف ( حسب مانعتقد ) في استقلال اية المستضعفين وصراعهم مع المستكبرين في موضوعها عن آي المستخلفين وصراعهم مع الكافرين وهذا ممتاز وخطوة متقدمة الى مانذهب اليه من : ان حركة وصراع ودولة المستضعفين ، الذي يتحدث عنها القرآن الكريم ، ليس مختلفا فحسب في معطياته وآلياته بل ان هذا الصراع هو صراع مستقلّ تماما ، عن عملية صراع المؤمنين المستخَلفين مع الكافرين اصلا ، وربما اتصل الصراعان (( قرآنيا )) في منعطف من المنعطفات الاجتماعية الانسانية الا انه حتما مختلف في محطات اخرى كثيرة سوف نشير لها تباعا وهذا مانريد ابرازه وتسليط الاضواءعليه ليكون خطوة لبحث التنوع الفكري للقرآن في تناوله لظاهرتي الصراع وسنته ونشأة الدول وتغايرها بين ان تكون دولة مستضعفين لعنوان المستضعفين فحسب أو انها دولة مستخَلفين حسب المنطوق القرآني ، ولنبدأ بهذا السؤال :



ما المقصود من سنة صراع المستضعفين مع المستكبرين واختلافها عن سنة صراع المستخلفين مع الكافرين ؟.

ثم ماهو الاختلاف بين قيام دولة المستضعفين ، وإنها مختلفة النوعية والآليات والاهداف والحركة عن دولة المستخَلفين ؟.



إن المقصود من سنة ( الصراع ) الاجتماعية والتاريخية بشكلها العام هي تلك القوانين المتحكمة في الحياة الانسانية منذ قديم الازل مع تنوع دوافع هذا الصراعات الاجتماعية تاريخيا ليكون مرّة :

اولا :بدوافع سياسية وطبقية وقومية بحتة لاغيرويعبر عنه (قرآنيا) بصراع المستكبرين مع المستضعفين كما اشار الله سبحانه وتعالى في محكم كتابه لهذا الصراع بقوله :((إن فرعون علا في الارض وجعل اهلها شيعا يستضعف طائفة منهم ، يذبّح ابنائهم ويستحيي نساءهم إنه كان من المفسدين ونريدان نمنّ على الذين استضعفوا في الارض ونجعلهم أئمةونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض ونُري فرعون وهامان وجنودهما منهم ماكانوا يحذرون / 4، / سورة القصص)) !.



ومرّة اخرى :

ثانيا : تكون دوافع الصراع والتدافع الاجتماعية ، وسنته من خلال خلفيات عقدية وفكرية وايدلوجية أكثر منها خلفيات ودوافع اقتصادية او سياسية ، ويكون عنوان الصراع هذا عادة في القرآن الكريم ، هو عنوان الانبياء والرسل والقوم المؤمنين بهم مع الكافرين والطغاة والمستبدين ،وانصارهم من المستضفين وغير المستضعفين وهذا الصراع وماينتج عنه اجتماعيا وتاريخيا هو المشار اليه قرآنيا بقوله سبحانه وتعالى : (( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما أستخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنّهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني ولايشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذالك أولئك هم الفاسقون / 128 ، 129 / الاعراف )) .



أما ماهي الفوارق الجوهرية بين حركة ومسار صراع المستضعفين مع المستكبرين تاريخيا ، واختلافه عن حركة واليات صراع المستخلفين مع الكافرين ؟.

ولماذا تلك الحركة سُميت بحركة المستضعفين وهذه سُميت بحركة المستخلفين ؟.

فهذا في الحقيقة لعدة اسباب ومعطيات فكرية واجتماعية وعقدية قرآنية وسياسية ايضا ، ومن اهمها :



اولا :كانت عملية الصراع تاريخيا واجتماعيا ولم تزل تستلهم تسمياتها وعناوينها الرئيسية من اسباب الصراع الواقعية ولماذا اساسا نشب صراع على هذه ، او تلك من الساحات الاجتماعية ؟، فان كانت اسباب الصراع ، ناشئة من تفرعن سياسي يحاول استضعاف طائفة من المجتمع لمبرر سياسي او اخر كالذي ذكره القرآن لطغيان فرعون مصر، وان سبب طغيانه هو العلو لاغير والافساد في الارض ، بغض النظر عن عامل العقيدة والايمان ، سُميت عملية الصراع هذه بين الفرعون ومَن يريد استضعافهم بالصراع بين المستضعفين والمستكبرين !!.



أما إن كانت اسباب ودوافع وعوامل ....الصراع عقدية كالصراع الذي يقوده الانبياء والمؤمنون مع الكافرين والمستبدين والذي يغلب عليه دائما طابع الصراع الفكري والعقدي الايماني في قول الانبياء (( اعبدوا الله وحده )) وقول المؤمنين بخط الاستخلاف (( ومانقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد / البروج 8)) ، فإن مثل هذا الصراع الموجه ، بين العقيدة والايمان من جهة وبين الجحود والكفر من جانب آخر يسمى بالصراع بين المستخلفين والكافرين من جانب آخر !!.



وحتى النموذج الفرعوني الذي يذكره القرآن بكثافة على اساس انه نموذج العلو والفساد في الارض ضد طائفة من مواطنية من بني إسرائيل آنذاك لم يكن صراعه ابدا موجها ضدهذه الطائفة من الشعب على الاسس العقدية الفكرية التي يحملها بنو اسرائيل وانما كان صراعُ طغيانٍ وعلو وفساد لاغيربدليل ان النص القرآني لم يشر مطلقا قبل ارسال موسى النبي الى فرعون إن فرعون كان في وارد صناعة صراع ايدلوجي وعقدي مع طائفة من شعبه ، وانما كان صراع استضعاف واستذلال واستثمار وقمع لاغير وفي حال ذكر القرآن صراعا ايدلوجيا بين فرعون وموسى ،فهذا موجه بإن موسى النبي باعتباره من المستخلفين هو الذي ادار الصراع مع فرعوني ، من جانبه السياسي الذي كان يمارسه فرعون ضد طائفة من شعبه ، الى جانبه العقدي الفكري الايدلوجي الذي اصبح فيه فرعون في جانب الدفاع في طغيانه من عملية الصراع وليس في جانب الطغيان والفساد والعلو فحسب !!.



نعم في ذكر القرآن لعملية الصراع التي نشبت بين الفرعون وسحرته فيما بعد ايمان هذه السحرة ، وتغليب صراعهم مع فرعون على اسسه العقدية ذكر القرآن نوعية هذا الصراع على اساس انه صراع (استخلاف) وايمان وليس صراع استكبار واستضعاف بين الفرعون والسحرة بقوله سبحانه :(( وما تنقم منّا إلا أن ءامنا بئايات ربنا لما جاءتنا ...)) فوجه القرآن بدقته المعهودة ان سبب نقمة فرعون في هذا الموضع وعلى المقربين من حاشيته ،وقومه الفرعونيين السحرة كان هو (( الايمان )) والعقيدة التي اعتنقها هؤلاء المؤمنين من قوم فرعون انفسهم الذين لاينتمون لطائفة المستضعفين من بني اسرائيل وهذا بعكس الصراع الذي اعلنه الفرعون على طائفة من الناس وانه صراع لاستضعاف هذه الطائفة واستغلالها واستعبادها واستثمارها وامتهان كرامتها بدوافع سياسية لاغير !!.

إذن بين صراع المستضعفين مع المستكبرين ، واختلافه عن صراع المستخلفين مع الكافرين تقف العقيدة كمميز اساسي لصراع المستخلفين مع الكافرين ، ويقف الظلم السياسي والقومي والطبقي كمميز لصراع المستضعفين مع المستكبرين الفاسدين !.



ثانيا : من مميزات عملية صراع المستضعفين التاريخية والاجتماعية مع المستكبرين، واختلافها عن عملية صراع المستخلفين مع المجرمين الكافرين ، ان صراع المستضعفين وبغض النظر ان سبب هذا الصراع كان مُسمّى باسم الاستضعاف ونقمة هؤلاء المستضعفين على المستكبرين ، لمجرد استكبارهم لاغير ، اي ان الصراع دائر فقط بين عنواني الاستضعاف والتفرعن فحسب وليس لسبب عقدي او ايدلوجي او ايماني اخر كالايمان والكفر ، بغض النظر عن ذالك ، فإن مايميز حركة الصراع الاستخلافية التاريخية عن حركة الاستضعاف الانسانية ايضا ، إن خط الاستخلاف الرسالي والنبوي والايماني ابدا لم يوصف في القرآن كله بانه خط (( حركة مستضعفة )) من قبل المستكبرين والمتفرعنين التاريخيين وغير التاريخيين ،وانما خط المستخلفين التاريخي وصف دوما بانه خط العزّة والايمان والقوّة والثبات والصبر والامل والتطلع للمستقبل في القرآن الكريم !!.

وصحيح ان خط (( الاستخلاف )) في القرآن هو دائما القيادة لخط المستضعفين لكن نفس خط الخلافة وافتراقه وتميزه عن خط الاستضعاف انه غير مُسمى بخط المستضعفين ، مع انه المخلص لهذا الخط والامل الاخير له في الحقيقة ولعلّ المغزى من وراء عدم تسمية خط المستخلفين وصراعهم مع الكافرين والمستكبرين ايضا ب(( المستضعفين )) لان خط المستضعفين مختلف في حركته ودوافعه للصراع عن خط سيرحركة وصراع المستخلفين فالمستضعفون يحركهم القهروالاستذلال والحقد وارادة الخلاص فحسب من جور الجائرين وتفرعن وفساد الطغاة الظالمين بينما المستخلفين تحركهم المسؤولية امام الله واوامر شريعته الغرّاء وحب اقامة العدل بين عباد الله اجمعين وحتى مع عدم شعورهم بالغبن أو وقوعهم مباشرة تحت الظلم والاستضعاف الشخصي او الطبقي المباشر، الذي يقع عليهم من قبل الجبّارين كما هو ممثل له في نهضة سحرة فرعون ، او انتفاض موسى النبي عليه السلام نفسه ضد الظلم مع انه ينتمي تربويا وشخصيا لسلالة الامراء والمترفين !!.



ولهذا وبصورة تمييزية قرآنية رائعة بين خط الاستخلاف الموسوي ورؤيته لعملية الصراع مع الكافرين وبين خط المستضعفين وارادة الخلاص فحسب من المتفرعنين والمستكبرين يصوّر لنا القرآن الفرق بين منطق المستخلفين ومنطق المستضعفين بهذا المشهد القرآني الرائع بقوله سبحانه : (( قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا ، إن الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين ، قالوا أُذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ماجئتنا ، قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الارض فينظر كيف تعملون / 128، 129 / الاعراف ؟!)).

أي ان منطق المستخلف موسى عليه السلام هوالاستعانة بالله القوي اولا على العدو والصبرفي سبيله ثم ان هذه الارض يورثها سبحانه لمن يشاء ، وليس المهم في منطق المستخلفين بعد ذالك وراثة الارض بقدر وراثة العاقبة التي هي للمتقين !!.

أما منطق المستضعفين من قوم موسى فهو غير ملتفت لا الى الاستعانة بالله ولابقدرة الصبر على سبيله ، ولا الاعتناء بميراث العاقبة التي هي للمتقين ، وانما هو ملتفت الى (( الاذى )) الى الاستضعاف الى الاحساس والشعور بالقهرومتى ساعة الخلاص منه والانتقال الى حياة الاطمئنان والراحة والسيادة والحكم ؟:(( قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا)) والتحقنا بقيادتك وتبعنا طريقتك ياموسى على أمل خلاصنا من الاستضعاف والذلّة والمهانة تحت حكم فرعون ، ولكن مع الاسف (( ومن بعد ماجئتنا )) ايضا لم نزل تحت وطأة القهر والاستضعاف والذلة والمهانة !!.

وبهذاحكم النص القرآني على ان دوافع حركةالمستخلفين وصراعهم مع الكافرين والطغاةوالظلمة وحتى غاياتهم في الاستخلاف والحكم والدولة ، مختلفة تماما عن دوافع وغايات واهداف صراع المستضعفين مع المستكبرين !!.



ثالثا :لاريب إن القارئ من خلال ماذكرناه في النقطتين المتقدمتين قد لاحظ إن مايميزحركة وصراع ومنطلقات المستخلفين عنها من حركة وصراع واهداف المستضعفين هوفي كون المستخلفين ودائمافي المنطق القرآني يصوّرون على انهم اصحاب مشروع وفكر وطريق واضحة تسبق عملية نهضاتهم الاصلاحية ، وثوراتهم التغييرية في التاريخ وداخل المجتمع ، بينما الملاحظ قرآنيا حول حركة وصراع المستضعفين مع المستكبرين تاريخيا واجتماعياانهم اولا واخيرا نتاج ضغوط استكباريةوردّات فعل سياسية او اجتماعية فحسب ، وولادات قصرية ينتجها التفرعن ،والطغيان اكثر من انتاجها من خلال الفكر والايمان والرؤية والمشروع المسبق ، ويبدو هذا جليا وواضحا في النصوص القرآنية ، التي ذكرناها سابقا ، فبينما تكون حركة المستضعفين مسبوقة دائما بالقول :(( إن فرعون علا في الارض وجعل اهلها شيعا يستضعف طائفة منهم .....)) باعتبار ان الاستكبار الفرعوني هو سبب انتاج طبقة المستضعفين ، واخراجها للوجود التاريخي والاجتماعي ، يكون تيار المستخلفين ، وحركتهم التاريخية والاجتماعية مسبوقا على الاطلاق بالقول : (( الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض ...........الخ ) ليتقدم الايمان اولا بالمشروع ، ويتقدم العمل الصالح ، وتتقدم الرؤية ، ويتقدم الصبر والاستعانة بالله سبحانه ........الخ ، على عملية الاستخلاف والصراع والنهضة والتفكير بالتمكين والانتصار على الكافرين والمستبدين والمستكبرين والظلمة !!.

وهذا يفسر بوضوح الاختلاف بين منطق وحركة ونهضة .....الخ موسى النبي والذين امنوا معه من المستخلفين في قوله تعالى :(( استعينوا بالله واصبروا ان الارض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين )) في تقديم الاستعانة بالله والالتفات الى مشروعه ، والتقوى والعاقبة ..وباقي مصطلحات ورؤى المستخلفين وبين منطق المستضعفين وفراغهم الفكري من كل مشروع وافتقارهم الكبير لاي رؤية ، وعدم التفاتهم لاي معنى مرتبط بفكرة الاستخلاف لله سبحانه وتعالى عندما ذكروا آلامهم واذيتهم وارادة الخلاص من اذلال المفسدين فحسب بقولهم :(( اوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ماجئتنا ..)) !.

اي ان من مميزات المستضعفين الاساسية انهم تيارات اجتماعيةفارغة المحتوى الفكري تماما الا من الشعوروالاحساس بحرارة الضغوط المادية السياسية والاجتماعية التي انتجتهم للوجود وساهمت في صناعتهم في هذا العالم ، وما انخراطهم في اي حالة نضال او استعداد للمقاومة او مناهضة للظلم والاستغلال الا من خلال امل الانعتاق من التفرعن والشعور بالحرية !.



رابعا :عندما نذكر ان من مميزات حركة المستخلفين التاريخيةوالاجتماعية عن المستضعفين انها حركة وتيار وعي وفكر يسبق اي عملية نهضة وحركة لهذا المدّ التاريخي والاجتماعي ، وانهم نتاج ايمان وعمل صالح في الرؤية القرآنية ، وليس نتاج قهر وضغوط سياسية فحسب ، فاننا حتما نريد ذكر ماينتج من اثار بعد التمكين في دولة المستخلفين ،وفي مقابلهم في حركة ودولة المستضعفين فيما بعد !!.

أي ان منطق المستخلفين القرآني ، وسواء كانوا تاريخيين من رساليين وانبياء وأئمة وقادة عظام ، او مؤمنين فيما بعدهم كان دائما يربط النتائج بالمقدمات ، او يربط مابعد الدولة والتمكين في الارض ، بما قبل هذا التمكين ، من نضال ومقاومة ومناهضة للكفار والمستكبرين والمتفرعنين والظلمة ، وتكون دائما رؤية المستخلفين ، فيما قبل وبعد التمكين ملاحظة بقوّة : إن مشروع المستخلفين قائم على اساس الرؤية والفكرة والمشروع والايمان ،الذي يربط بين حركة المستخلفين وغاياتهم واهدافهم في هذه الحياة ، وانهم دائما مستخلفين بعد التمكين وليس مستقلين ومنفلتين عن هذا الاستخلاف !!.

ولهذا يذكر القرآن ويشير بكثافة لمفهوم ( التمكين )ومابعده في حركة المستخلفين باعتبار ان قيام دولة المستخلفين تتميز انها صاحبة مشروع مستمر للمستخلفين ، ولا قطع بين نضال المستخلفين وحركتهم الثورية التغييرية ضد الكافرين والمستبدين من قبل التمكين وقيام الدولة ومابعدها !!.

يقول سبحانه :((وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم ، وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني ولايشركون بي شيئا، ومن كفر بعد ذالك أولئك هم الفاسقون / 55/ النور ))

وفي هذا النص القرآني لمشروع المستخلفين اكثر من حقيقة من اهمها :

اولا : ان خلافة المستخلفين ووعدهم بالتمكين ناتج حتمي عن الايمان بالله سبحانه والعمل الصالح ولم يكن تمكين المستخلفين ناتج ضروري لاستضعافهم وقهرهم من قبل المتفرعنين والمستكبرين حتى وان مارس الكافرون ضد المؤمنين الاستكبار والظلم والعنف والقهر .

ثانيا : ان تمكين وقيام دولة المستخلفين وانتصارهم على الكافرين والجاحدين ،لم يكن انتصارا للمستخلفين بما هم مستضعفين ليوهبوا حريتهم وانعتاقهم من الاغلال والقيودالسياسية والاجتماعيةومن ثم ليتمتع المستخلفين بمغانم النصروالرفاه الاجتماعي والمادي وانما كان انتصار المستخلفين انتصار لمشروعهم الايماني واستمرارا لعملهم الصالح في الحياة وفي التاريخ (( ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم )) فدولة المستخلفين ناظرة الى تمكين المشروع ، ونضالهم ضد الكافرين نضال في سبيل المشروع والفكرة والايمان والعمل الصالح ،وليس نضالا من اجل انعتاق من اغلال ، ولافي سبيل تخلص من ذل وعبودية فرعونية لاغير وانما هو انعتاق وحرية لدين الله الذي ارتضاه سبحانه للمستخلفين في هذ الارض !!.

ثالثا : وحتى رفع الخوف عن المستخلفين في دولتهم وتمتعهم بالامن وبعيدا عن ارهاب الكفرة والظالمين فيكون في مصطلحات ومفاهيم المستخلفين هو أمن لطاعة الله ورفاه لعبادته والاستمرار في مشروعه !!.

رابعا : وكما قال المستخلف موسى الكليم لانصاره من المستضعفين وهو يرشدهم الى خطة مابعد التمكين وقيام الدولة (( عسى ربكم ان يهلك عدوكم ويستخلفكم في الارض فينظر كيف تعملون ))كذالك اشار القرآن الكريم بقوّة الى ان مابعد التمكين في دولة المستخلفين هو مشروع ((الذين إن مكناهم في الارض أقامواالصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الامور / 41/ الحج ))

أما تمكين المستضعفين وقيام دولتهم وحكومتهم المرجوة ، فمع انها سنة من سنن التاريخ والمجتمع ، وان المستضعفين حتما كتب الله بعدله وجبروته انتصاره للمظلوم من عباده وخلقه ومهما كانت عقائدهم وتوجهاتهم او ....لينصرنّهم على المستكبرين والظالمين ليظهر صفة من صفات جبروته على المستكبرين ((ولاتحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون)) ولكن ومع ذالك ولخلو دولة المستضعفين من المشروع الالهي والانساني الكبيركتب الله والقرآن لدولةالمستضعفين ان تنتصرولكن بمواصفات مختلفة كثيرا عن دولة المستخلفين فقال سبحانه : (( ونريد ان نمنّ على الذين أستضعفوا في الارض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض ونُري فرعون وهامان وجنودهما منهم ماكانوا يحذرون / 6/ القصص )).

وفي هذا النص تبرز الحقائق التالية حول تمكين ودولة المستضعفين منها :

اولا : إن ارادة الله سبحانه تعلقت بالمنّة على عباده المستضعفين ومن جميع البشر انهم لمنصورون ، وان نصر الله لهم لابعمل استحقوه ولابوعد اعطوه كما في (( وعد الله الذين امنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم ..)) وانما بسنة الاهية اقتضت ان الله قاصم الجبارين ومبير المتفرعنين وناصر المستضعفين !!.

ثانيا : ماهية الصراع القائم بين المستضعفين والمستكبرين تقتضي مداولة التمكين وقيام دولة المستضعفين على انقاض دولة المتفرعنين ، وجعلهم الائمة والقيادة في هذه الدولة بعدما كانوا العبيد ، والتبع لامامة الظالمين والمتفرعنين (( ونجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين )).

ثالثا : بما ان المستضعفين نتاج قهر وظلم سياسي وتمييز عنصري وليس هم نتاج مشروع وايمان وفكر ومدرسة وعمل صالح يكون التمكين لهم انفسهم وليس لاي مشروع يمتلكونه في دولة المستضعفين ليملكواامرهم ويديرواانفسهم بالحريةالتي طلبوها من خلال نضالهم وصراعهم مع المستكبرين من اجلها ، ولهذا جاء النص دقيقا بقوله :(( ونمكن لهم في الارض)) ولم يقل كما ذكر في دولة المستخلفين: (( وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم )) باعتبار ان المستضعفين نضالهم من اجل انفسهم فحسب وهم لايمتلكون اصلا مشروعا ليحكموه في دولتهم ، كما انهم نتاج قهر وظلم وتفرعن ، وليس نتاج فكر ومشروع وايمان ودين ليمكن لهم دينهم وانما هم مستضعفون فمكن لهم في الارض وعقب ب(نري فرعون وهامان وجنودهما)بسبب ان قضية صراع المستضعفين مع المستكبرين كلها لم تكن ، لاسباب ايدلوجية ليقال : (( فينظر كيف تعملون )) كما جاء على لسان المستخلف موسى ع وانما كان صراع بين مظلومين ، وظالمين لااكثر ولا اقلّ ، فكان غاية نصر المستضعفين للنكاية بفرعون والمتجبرين من قبل الله سبحانه ومنةً على المستضعفين فقال :(( ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ماكانوا يحذرون )) وقال (( ودمرنا ماكان يصنع فرعون وقومه وماكانوا يعرشون / 37 / الاعراف )) !.



رابعا : وهو اخر محور لبحثنا هذا في الاختلاف ، بين حركة ونهضة ودولة المستخلفين في القرآن الكريم ، وبين حركة وصراع ونهضة وتمكين ودولة المستضعفين ، الا وهو محور استمرارية وصفاء ونقاء تجربة دولة المستخلفين ، وتعثر وانهيار وموت دولة المستضعفين !!.

وهو المحور المهم جدا لفهم ظواهر دولة المستخلفين الرسالية ، واختلافها عن ظواهر دولة المستضعفين على هذه الارض !.

والحقيقة ان القرآن الكريم ،عندما تحدث عن ظاهرة نضال المستضعفين ضد المتفرعنين الفاسدين في التاريخ البشري اكدّ على حقائق جوهرية في تركيبة هذه المجتمعية المستضعفة والمقهورة فذكر انها :

اولا : منتج للقهر والظلم .

ثانيا :ان في داخل تركيبة الاستضعاف المجتمعية تنشأ حوامل ادمان استعباد فيكون من المستضفين اعوان للظلمة والمتفرعنين وهم يحملون نفس مسؤولية الظلم ودوامه واستمراره في هذه الحياة :(( فقال الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبع فهل انتم مغنون عنا من عذاب الله شيئا )) وقال :(( لو ترى اذ الظالمون موقوفون عند ربهم يرجع بعضهم الى البعض القول يقول الذين استضعفوا للذين استكبروا لولا انتم لكنا مؤمنين قال الذين استكبروا للذين استضعفوا أنحن صددناكم عن الهدى بعد اذ جاءكم بل كنتم مجرمين ...))

اي ان هناك رواسب اجرام في تركيبة المستضعفين هي التي دفعتهم للانتصار للظالمين !.

ثالثا :هناك وداخل تركيبة المجتمعية المستضعفة توجد صفات اجتماعية هي التي هيئت الارضية ليكون هؤلاء مستضعفين ومن طبقة المسحوقين والمهمشين ، الا وهي صفة التواكل والاستسلام والانهزامية ...امام مسؤوليات التغيير في المجتمع وفي داخل انفس المستضعفين انفسهم ،وهؤلاء ليسوا ظلمة على مستوى اعانة ظالميهم بسلبيتهم فحسب وانما ظلمة لانفسهم ايضا وعدم التفاتهم للشعور بعزتهم وكرامتهم وامكانياتهم وطاقاتهم وابداعهم وقدرتهم على التغيير في حياتهم ، وحياة المجتمع من حولهم ولهذا وصفهم القرآن بالقول :(( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي انفسهم قالوا فيم َ كنتم ،قالوا كنا مستضعفين في الارض قالوا الم تكن ارض الله واسعة ، فتهاجروا فيها فاولئك ماواهم جهنم وساءت مصير ، الا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لايستطيعون حيلة ولايهتدون سبيلا ...))

ومن كل ذالك نفهم ان خط حركة صراع المستضعفين في التاريخ وفي المجتمع لايخلوا من التلوث بالظلم ، بل انه وبسبب عدم امتلاكه للرؤية والمشروع مسبقا ، وعند تمكينه وقيام دولته سينخرط لامحالة بالتنكيل بظالميه واخذ دور المتفرعنين لامحالة في تداول السلطة بعد برهة من الزمن ليريوا طواغيتهم الفرعونيين ماكانوا يحذرون من تسلط هذه الفئة المستضعفة عليهم ان هم انتصروا عليهم وكل ذالك منتج طبيعي لتمكين ودولة المستضعفين على فراعنتهم المستبدين لعدم وجود الضوابط الاخلاقية والالهية الرسالية التي يوفرها المشروع والايمان والفكر قبل التمكين والدولة !!.

وهذا بعكس تمامادولة المستخلفين ومايتمتع به خط وتمكين المؤمنين حسب التصوير القرآني لهم فالمستخلفون لم يذكر القرآن انهم من اعوان الظلمة المجرمين قبل تمكنهم في الارض ولم يكونواهم اساسا نتاج مشروع قهرواضطهاد بل ان خط الاستخلاف دائما وبنص القرآن هو الذي يبادرالى عملية النهضة والتغيير وهو الذي يفكر بكيفية قيادة التغيير وتحقيقه على الارض باعتبار ان هذا التغيير وعد الهي وسنة من سنن التاريخ والمجتمع التي يستحقهاالمستخلفون بجدارة وبعدالتغيير والتمكين وقيام الدولة لاتكون دوافع الحقد الطبقي ،او السياسي هي المسيطرة على ادارة وسياسة المستخلفين في ادارة المجتمع وانما يكون المشروع او الدين او الفكرة او القانون هو الحاكم (( ليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى ...)) ولهذا فدولة المستخلفين من مميزاتها الصلابة والقوّة والقانون ، كما ان من مميزات مجتمعها الوعي والادراك والوحدة والتلاحم وتقديم مصالح المشروع على مصالح الطبقة او الحزب او الجماعة ( فينظر كيف تعملون ) باعتبار انه مجتمع قائم بمشروع ومدرك لاهدافه وخطواته وما يريد ان يصل اليه ولايتخبط تخبط المجتمع الجاهل ، الذي كان يناضل من اجل الانعتاق والحرية والاطاحة بالظالمين والمستكبرين ، وعندما وصل للغاية لم تهبه تطلعاته واماله وحريته اي رؤية لمابعد مشروع الاستضعاف والتمكين وقيام الدولة !!.

___________________________



alshakerr@yahoo.com