الاثنين، فبراير 02، 2009

قصة يوسف ع رحلة حلم من سجن البادية الى عرش مصر-29


(( وما أنت بمؤمن لنا ولو كنّا صادقين )) ***** هذا هو الجزء الاخير من مقولة ابناء يعقوب :(( وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين )) لوالدهم الكريم يعقوب بعد ان ذكروا :((يابانا ءانّا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب )) وكأنما هي الكلمة التي تنبئ عن ما كان في ضمير اخوة يوسف وردّة فعلهم الطبيعية لحالة والدهم الحاضرة امامهم ، فهم على حذ 3ب هذا المقول القرءاني شعروا : ان هذه القصة وتلك الحكاية برمتها من الاستباق وحتى ترك يوسف وبمافيها المتاع والذئب ... لم تقنع يعقوب حتى هذه اللحظة ، ولذالك اردفوا مباشرة قائلين
كردة لفعلهم لما رآوه من ابيهم وعدم قناعته الشخصية قالوا :(( وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين )) !.اي وان كنا نصدق في كل ماننقل لك من حدث ، ولكن يبدو انك لم تصدّق ما ذكرناه لك ، بدليل ان ملامحك لايبدوا انها تقول بصدقنا في هذه الحالة ، وان كنا على اي حال من الصادقين ، وهذه صورة !.أو ان مفهوم منطوق النص القرءاني الكريم (( وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين )) هو ناظرٌ ايضا لابناء يعقوب ولكنّ ليس من جانب ردّة الفعل لما ظهر على ابيهم من أمارات عدم الاقتناع والصدق بقصتهم المحكية عن يوسف والذئب ، ولكنهم ارادوا الايغال في ايهام يعقوب ودفعه للتصديق بحادثة الذئب ويوسف ، ولهذا جاءوا باقصى مايستطيعة الكذّاب عندما يعجز عن اثبات صدق الرواية في انتقاله لاثبات حكايته باسلوب :(( انت صاحب المصلحة في التكذيب وليس انا صاحب المصلحة بالكذب )) !.اي بمعنى : ان ابناء يعقوب بعد ان رووا القصة كاملة احبّوا ان يشيروا الى حالة ورود فرض عدم تصديق والدهم يعقوب لمضامين هذه القصة ، وانهم وان كانوا صادقين بنقل الحادثة ، ولكن والدهم الشيخ العجوز يعقوب ولشدّة تعلقه بيوسف لايريد تصديق هذه الحكاية من الاساس وممكن ورود هذه الحالة عليه باعتبار ان الصدمة قاسية جدا عليه في سماع فقد يوسف على يد او انياب ذئب حقير ، ولهذا قدم ابناء يعقوب قولهم :(( وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين )) للتدليل على اننا صادقون ولكنك غير مؤمن بصدقنا لالكذبنا في نقل الحدث ولكن لشدّة تعلقك بيوسف على اي حال لاتريد تصديق احد ، وهذه ليست جريمتنا في الموضوع ، وهذه هي ا_e1صورة الاخرى !.أذن نحن امام صورتين في مقولة ابناء يعقوب هذه لابيهم :الصورة الاولى : تشير الى ان يعقوب الوالد بدت عليه أمارات عدم التصديق للقصة هو مادفع ابناءه ليقولوا :(( وماانت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين )) .والصورة الثانية : تتحرك نحو ان ابناء يعقوب انفسهم ارتأوا طرح قضية مصلحة يعقوب بعدم تصديقهم لشدة تعلقه بالمغدور عاطفيا ، ليغلقوا جميع المنافذ على ابيهم وغيره باتهامهم بالكذب ، ومن ثم لتكون القصة صادقة على جميع وجوهها وان باتهام يعقوب بالافتراء على الصادقين بالكذب !.نعم مرّة اخرى لم ينتظر ابناء يعقوب بعد ان قصّوا حكايتهم لوالدهم العجوز ، لم ينتظروا ان يطلب العجوز يعقوب نفسه بدليل صدق حديثهم ، بل قبل ان يتحرك لسان يعقوب وفمه ببنت شفة بادر الابناء بمقولة :(( وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين )) وهذا ايضا وكما ذكرناه في الحلقة الماضية من ضمن اليات الكذبة وكم_c7لها القصصي ، فوجب على اخوة يوسف طرح جميع الاحتمالات والاسألة والشكوك قبل ان يطلب منهم ذالك احد ليدللوا على صدق حديثهم ، وانه حديثا متقن وصادق ومحكم بدليل انه غير متضارب ولامتقطع الاوصال والحقائق !.أما ان ورد ريب او شك هنا وهناك على مصداقية القصة التي نقلها اخوة يوسف عن يوسف نفسه ، فلا يعني هذا ( حسب ماخطط له ابناء يعقوب ) ان هناك ادلة على كذب الحديث ، بل هو نوع من خرف وضلال انتاب العجوز يعقوب علّقه تماما وشدّه بقوّة وربطه بشكل غير معقول بيوسف ، حتى ان تفكير العجوز يعقوب اصبح لايحتمل ورود 'ddرض غيابه او لايتصور انه بشر يجري عليه مايجري على البشر من مخاطر وموت وغياب وهكذا !.ولهذا عندما اكل الذئب يوسف ( حسب حكاية اخوة يوسف ) لم يصدق الشيخ يعقوب الخبر ، وبدت عليه امارات الشكوك والريبة بابنائه الصادقين !.وفعلا قال يعقوب في نهاية المشهد الجامع بينه وبين ابنائه وكما توقع اخوة يوسف :(( بل سوّلت لكم انفسكم أمرا ..)) فكان توقع ابناء يعقوب في محله بفرضية عدم تصديق الاب لروايتهم بالجملة ، وانه سوف يتهمهم بالامر كله ، ولهذا قدّم ابناء يعقوب فكرة :(( وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين )) لتدحض مقولة :(( بل سولت à 1كم انفسكم امرا ..)) اليعقوبية هذه !.ولكنّ ومع ما ذكر من مضامين عدم أيمان يعقوب بما نقله ابنائه من قصة الذئب ويوسف ، يتوجب علينا سؤال : لماذا لم يقتنع يعقوب بماهية قصة اكل الذئب ليوسف ؟.وهل كانت شكوك يعقوب متجهة في طريق عدم تصديق موت يوسف بالحقيقة او متجهة الى عدم التصديق برواية ابناءه الكذابين وانهم حاكوا شيئا ما لايدرك مغزاه يعقوب ولكنه على اي حال غير مارووه من قصة ؟.فيما مضى من قصة الشيخ يعقوب وابناءه الكثر ليس هناك اشارة قوية او نص صريح يكشف لنا ريبة يعقوب الكبيرة من ابنائه اصحاب العصبة ، بدليل انه آمنهم على يوسف وأخذه يرتع ويلعب معهم ، وبدليل ان خطاب الابناء له وطلبهم بالذهاب بيوسف ، لم يكن يوحي بأن هناك حاجزا نفسيا عاليا بينهم وبين ابيهم فيما مضى م'e4 علاقة ، ولذالك كان الخطاب يوحي بالاحترام (يأبانا) والطلب يوحي بالثقة ( ارسله معنا غدا يرتع ويلعب ) !.اذن من اين منشأ الشك في مقولة يعقوب المتأخرة تلك :(( بل سولت لكم انفسكم امرا )) ؟.وهل اكتشف يعقوب كذبة الرواية من ماقصه ابناءه انفسهم من حوادث ؟.او انه اكتشف كذبهم مما اوحت له رؤيا يوسف نفسه ع فيما مضى عندما أولها يعقوب باجتباء الله ليوسف وتعليمه واتمام النعمة عليه ، ولهذا كان الوحي هو مكذبا لقصة ابناء يعقوب وليس مقالتهم نفسها ؟.بمعنى اخر اكثر وضوحا : ماهي العوامل التي دفعت يعقوب لليقين بكذب ابنائه في روايتهم لقصة الذئب ويوسف ؟.وهل هي عوامل منطقية عقلية ذكرها ابنائه انفسهم عندما رووا الحكاية من الاول الى الاخر ، فادرك يعقوب الدليل على الكذبة من واقع القصة المروية امامه ؟.أم ان العوامل التي اكدت ليعقوب كذبة قصة ابنائه مع يوسف هي عوامل فوق المنطقية والعقلية والمادية ، بل هو الوحي وتأويل الرؤيا هي التي شكلت الادلة الدامغة بالنسبة ليعقوب بتكذيب رواية ابناءه لحادثة غياب او موت يوسف بأكل الذئب له وتمزيقه اربا اربا ؟.الجواب يأتي في العام القادم انشاء الله من اول يوم في رمضان المقبل وكل عام وانتم بخير وصحة وسعادة وعيد سعيد !.
al_shaker@maktoob.com

قصة يوسف ع رحلة حلم من سجن البادية الى عرش مصر-28


((قالوا يأبانا ءانّا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب )) ******* لو فرض ان ابناء يعقوب جاءوا اباهم عشاء يبكون ولكنّ بعين حزينة وضمير ملتهب وقلب مكلوم وصوت خفيض ملئه الألم والتحسر ليقولوا ليعقوب كلمة (( يوسف )) فقط لاغير ، فهل كان ليفهم يعقوب عظم المصيبة وكبير الفاجعة بفقد صبيه المجتبى ذاك ؟. الجواب نعم ، يكفي جدا ان يعبر الانسان بصمته او ربما بصوته الخفيض الصادق عن مافي داخله من حزن وألم ومأساة لاتوصف عن الفقد والمصيبة ، لاسيما ان كان الذي أمامه حكيم ونبي بمنزلة يعقوب ع يفهم جيدا لغة المشاعرالصادقة ويدرك تماما رُقي حرقة الضمائر ، ويستوعب كثيرا حزن الصمت وعبرة الدمعة المخنوقة وكظم السرائر ... فهو صاحب كلمة (( فصبر جميل )) وهو يكتفي من صدق المشاعر بكلمة فحسب لتعبر عن حجم الكارثة !.
لكنّ في صورة ومشهد اخوة يوسف وابناء يعقوب الذي ينقله لنا النص القرءاني الكريم نرى حالة الغوغائية والتهستر العاطفي تصل الى حدود غاية في الاندفاع والانفعالية والتعبير عن الحزن ، فهم يأتون أباهم في عشية الليل المظلم حالهم حال السرّاق وقاطعي الطريق ومختلسي الفرصة يلطمون كما في بعض الروايات ويبكون بصوت عال اكثر مما يتصوره فكر نبي هادئ كيعقوب ، وقبل ان ينظر او يلتفت او يسأل يعقوب يبادر ابنائه بالقول والتبرير والعذر والتفسير بقولهم : (( يأبانا ءانا ذهبنا نستبق )) وكل هذا مرافقا للاصوات الباكية العالية والمزعجة ، وبلا مبرر يذكر حتى الان ، فماعلاقة البكاء واللطم بسباقهم وذهابهم ولعبهم وانبساطهم على اللحقيقة في الذهاب والسبق ؟.ثم جاءوا بقولهم :(( وتركنا يوسف عند متاعنا )) وبدا قليلا في هذه اللحظة ان ذهابهم ولعبهم وسبقهم وضحكهم اعقب تركهم ليوسف ليحفظ متاعهم ، وماذا بعدُ ؟.(( فأكله الذئب )) !.ألم يكن ليكفي القول ليعقوب مباشرة وبلا ذكر قصة طويلة من ذهاب وسبق وترك وغاية ترك ويوسف وأكل وذئب ...ألم يكن ليكفي القول ليعقوب :(( مات يوسف )) فحسب ليفهم هذا الشيخ وقوع قدر الله لاغير ؟.طبعا كان يكفي يعقوب تماما ان يفهم ويستوعب نزول قدر الله في يوسف لمجرد ذكر كلمتين فقط :(( مات يوسف )) وبعد ذالك ان شاء يعقوب ان يسأل فليسأل ويستبين من ابناءه مايشاء ، وربما يقول : كيف ؟. باعتبار ان يوسف صبي صغير وورود الموت عليه شيئ محتمل الا انه نوعا ما بعيد !. وهنا يحتاج الابناء ان يجيبوا لابقصة طويلة ومع نياح ونباح مزعج ، بل يكفي ان يقول احدهم :(( أكله ذئب )) !.وهل من الممكن ان يحتاج يعقوب لتبيان اكثر ولايسلّم لقدر الله الواقع باعتبار انه نبي يدرك انه اذا جاء قدر الله ووقع فلاحيطة تنفع ولاحرص حريص ؟.لا ... ليس من الممكن ذالك ، ولكنّ لنفرض ان يعقوب شك بالقصة و اراد ان يتجاوز قضية التسليم لقدر الله سبحانه النافذ ، ويلتفت الى السؤال الذي نراه لايصدر مطلقا من نبي باعتباره سؤال ملتفت الى قدرة وحفظ غير الله سبحانه وتعالى ، وسأل عن : واين كنتم انتم يابنائي اصحاب العصبة والحفظ من أكل الذئب ليوسف ؟.حتى مع فرض هذا السؤال من يعقوب ، فايضاً كان يكفي احدا من الاخوة الابناء ليعقوب وبلا انفعالات زائدة ان يقول مجيبا :(( يأبانا ذهبنا نستبق )) !.وبعد هذا كله فهل من المعقول على رجل كيعقوب ان يعود ويسأل كأي انسان عامّي اخذته المصيبة للهذيان ليسأل لاللأستفهام المنطقي ولكن يسأل لمجرد السؤال ويقول يعقوب : عندما ذهبتم للاستباق فاين كان الصبي يوسف عندئذ ؟.هل من المعقول ان يسأل يعقوب مثل هذا السؤال الذي ليس له حكمة الا القاء اللوم على اخوة يوسف في تفريطهم بحفظ يوسف والنصح له ؟. ليس من المعقول ان يسأل يعقوب مثل هذا السؤال الذي لايقدم ولايؤخر بوقوع الحدث كما روي من قبل ابنائه ، ولكنّ دعونا ننظر ليعقوب على اساس انه الاب الذي احترق قلبه تماما وتجاوز قضية الايمان بقدر الله والصبر على قضائه ، ثم عاد ليحاسب الابناء على تقصيرهم بحادثة أكل الذئب ليوسف ، وليقول لهم بطرف خفي : ألم تقولوا (( وانا له لحافظون )) ؟.وألم تذكروا لي قولكم :(( وأنّا له لناصحون )) فأين كنتم من يوسف واين كان هو منكم ؟.حتى على فرض هذا التنطع الذي لامبرر له في افتراض سؤال يعقوب لابنائه ، فكان يكفي ان يقول احدهم :(( تركنا يوسف عند متاعنا )) !.والان اذا كان يعقوب ليس بحاجة الى كل تلك القصة التي رواها ابنائه عن الذئب ويوسف والاستباق والذهاب والمتاع وترك يوسف والبكاء والصراخ والاتيان عشاءا في ظلمة الليل ..... الخ ، اذا كان يعقوب ليس بحاجة الى هذا كله ، فلماذا أصرّ الابناء على ذكر واظهار كل هذه القصة الدرامية الطويلة ؟.بمعنى اخر ماهي الغاية وماهو المقصد وماتلك الحكمة التي اراد النص القرءاني اخبارنا بها وهو ينقل لنا صورة اخوة يوسف وابناء يعقوب وهم يقومون بكل ماقاموا به امام ابيهم يعقوب الكريم ، مع فهمنا المسبق عقليا وفكريا وذهنيا ان يعقوب لم يكن بحاجة الى كل هذه المسرحية ليدرك ان ابنه يوسف قد اكله الذئب في البادية ؟.الحقيقة ان النص القرءاني ينقل بأمانه الواقع التاريخي للاقوام والانبياء والطواغيت والشعوب والامم ... التي يتحدث عنها ، وهذه الامانه التاريخية القرءانية تأخذ بنظر اعتبارها التقاط المواضع والمواقع والاحداث التاريخية والانسانية التي تمثل الغاية في استخلاص العبرة وفهم الحركة والانسان والتاريخ ، وعلى هذا كان نقل النص القرءاني لمشهد اخوة يوسف وهم يأتون لوالدهم يعقوب عشاء يبكون وهم يقولون :(( يأبانا انا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب )) ليقول لنا هذا النص القرءاني : انظروا كيف تكون نمطية وسلوك من استولى عليه الشيطان وكان من الجاهلين ، فهو :اولا : يرى الناس كلهم وبمافيهم الانبياء والرسل واصحاب الحكمة كيعقوب عليه السلام ، يراهم مثله من اهل الجهل والحاجة للتبيين والتبيين الاكثر والمقدمة والتهيئة لادراك حقيقة موت انسان هنا او انسان هناك ، فأبناء يعقوب كانوا يتعاملون مع ابيهم نبي الله يعقوب ع كتعامل احدهم مع اي اعرابي من بادية الشام ، لابل ويروا عقلية يعقوب ورهافة ادراكه لاتختلف عن اي انسان اخر ، فهم لذالك قاسوا فهم وادراك يعقوب على باقي الجهلة من العوام وبسيطي الادراك ، و لذالك اعتقدوا بسهولة خداع يعقوب كلما كانت قصتهم طويلة واعذارهم متعددة الوجوه ، ولهذا هم لم يكتفوا بالقول ليعقوب :(( مات يوسف )) فحسب باعتبار ان هذه الكلمة تكفي ليدرك انسان كنبي الله يعقوب القصة من الاول الى الاخر ، ومن ثم ان كان لديه اي سؤال فهو اولى بالسؤال كمثل : كيف ؟. لا .... بل ارتأوا ان يعقوب بحاجة اولا لبيان القصة وثانيا لسبب ترك يوسف وثالثا كيفية موته ، ورابعا اتهامه بعدم قدرته على تصديقهم بقولهم :(( وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين )).... وهكذا يبين لنا هذا النص القرءاني وضاعة تفكير ابناء يعقوب وكيفية رؤيتهم لهذا الاب الكريم يعقوب عليه السلام والتعامل معه كبدوي جاهل بحاجة الى المزيد ثم المزيد من التبيان والشرح لقصة الذئب ويوسف !.ثانيا : عندما نقرأ قصة هذا المشهد وكيفية حرص الابناء على نقل الصورة الكاملة وبتفاصيل هي لاتعني بالضرورة والدهم يعقوب ، كأنما ندرك ان صاحب القصص المكذوبة او الجرائم الخطيرة هو بحاجة الى حياكة كذبته وجريمته بشكل متكامل كي لاتترك منفذا لاحتمال شك يتسرب لمصداقية الاكذوبة !.بمعنى اخر : كأن صاحب الجريمة المحترف بحاجة الى تأمل دقيق في حياكة جريمته بالتمام ، بحيث انه يأخذ جميع الاحتمالات الممكنة في حسابه ، فهو ( مثلا ) مُقدم على جريمة قتل او تغييب ليوسف بن يعقوب ع ، فاولا يفكر المجرم بالاسباب والدوافع لهذه الجريمة : لماذا يجب ان يقتل او ينفى يوسف ؟. الجواب : يخلُ لكم وجه ابيكم !. وكيف تتم عملية استدراج الضحية لمسرح الجريمة ان كان من الصعب تنفيذها امام والده يعقوب ؟. بحجة : ارسله معنا غدا يرتع ويلعب !. ومتى تكون نقطة الصفر في تنفيذ الجريمة ؟. عند لحظة : وأجمعوا ان يجعلوه في غيابات الجب !. وماهي القصة التي نعود بها لوالد يوسف لاقناعه ؟. نقول له : يابانا انا ذهبنا نستبق ؟. فأن سأل : واين تركتم يوسف ؟. نقول له : عند متاعنا !. ولماذا تركتم يوسف عند متاعكم ؟. نقول له خشية عليه من ضرر الاستباق والخوف عليه من مسابقة الرجال وخشونتهم !. فأن سأل يعقوب وكيف مات يوسف ؟. أكله الذئب !. فأن لم تكن هذه الحياكة للقصة في تغييب يوسف مقنعة لوالده يعقوب نقول له :(( وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين )) وبعد ذالك لنرى ما عند العجوز من قوة ليفعل !..... وهكذا ، فكل صاحب جريمة يضع في دماغه جميع احتمالات السؤال والجواب لتكون قصته واحدة امام العدالة وكي لايضرب بعضها والبعض الاخر ، وهذا بعكس الصادق البريئ ناقل الحقيقة والواقع عندما يأتي بالموضوع من جزئيه الى كليه ، فهو ليس بحاجة الى تدبير وتفكير ولا الى تأمل وسؤال وجواب وتطويل ، ولو كان بالفعل ذئبٌ ما اكل يعقوب لاكتفى اخوته بالقول :(( مات يوسف )) وكفى !.ان الفرق كما نقله هذا النص القرءاني لنا في قصة ابناء يعقوب بين الجريمة والحقيقة في القصة ، ان قصة الحقيقة تبدأ من الاساس بكلمة الحقيقة (( مات يوسف )) فحسب ثم اي شيئ يطرأ على هذه الكلمة فهو بناء على حقيقة صلبة لاتضارب بين جزئياتها المتعددة ، بعكس قصة الجريمة المبنية على الكذب ، فيسبقها التفكير والتدبير والتخطيط والحذر ....، وبعد ذالك كله هي تبدأ من الكلّي الى الجزئي في القصة بحيث ان فاجأها سؤال غير مدروس هنا او سؤال ليس بالحسبان هناك يكشف كذب القصة الكاذبة برمتها بسبب ان المخطط الكاذب التفت لكل شيئ ونسي هذا الزاوية من ثوب الاكذوبة فبانت العورة !.ولهذا احتاج ابناء يعقوب لسرد قصة الذهاب والاستباق وترك يوسف واكل الذئب له كاملة شاملة بلا مبرر او سؤال من يعقوب نفسه ليؤكدوا لنا ان المؤامرة تحاك بالجملة بينما الحقيقة تبدأ بكلمة بسيطة وواقعية !.ثالثا : هل يوحي النص ان يعقوب اقتنع بقصة ابنائه المكذوبة حول يوسف واخوته ؟.أم ان مفردات المشهد تدلل على ان هناك شيئ خاطئ يتحرك داخل الحكاية ؟.
al_shaker@maktoob.com

قصة يوسف ع رحلة حلم من سجن البادية الى عرش مصر- 27


((وجآءو أباهم عشاءً يبكون )) ***** عادة ماتأتي المصائب ليلا لاأعلم لماذا وربما لانه ستّار العيوب ، ولكنّ في قصة أخوة يوسف كان الليل يعني شيئا أكثر من كونه ساترا وجالبا للمصائب ، فهم جاءوا أباهم يعقوب عشاء يبكون ليخبروه أكذوبة أكل الذئب ليوسف وفي نيتهم الكثير من التفكير في المجيئ عشاءً للشيخ العجوز يعقوب فياترى لماذا جاء اخوة يوسف اباهم عشاء يبكون ؟. و هل كان من الممكن ان يأتوا ابيهم في صباح اليوم الثاني لأخباره بكارثة أكل الذئب ليوسف ؟. واذا كان بالأمكان ذالك فلماذا هذا العزم على مجيئهم في ظلمة الليل يبكون الخبر ؟.
ان أخوة يوسف من الذكاء المتشيطن بحيث ترشحوا لمحاولة قتل نبي او تغييبه من الوجود علنّا ، وقليل هم هذه او تلك من العصابات التي تجرأ على مثل هذه الافاعيل الخطيرة في قتل نبي او وصي او امام عظيم او تغييبه من الوجود ، ولهذا قلنا بأن هذه العصابة من ابناء يعقوب يملكون فكرا بدويا هادئ التفكير وعميق الغايات ولكن مع الاسف في الشأن البدوي العصبوي الشيطاني ، وليس في التفكير الرحماني الانساني ، ومن هنا قلنا بوجوب التأمل عميقا في كل حركة وكل سكنه وكل كلمة وكل صورة .... ينقلها النص القرءاني في هذه القصة وفي غيرها من القصص القرءاني العظيم !.نعم العشاء والليل والظلمة أكثر مناسبة لطبيعة جريمة ابناء يعقوب واكثر مناسبة لاختيارهم كي يكون هو الغطاء الطبيعي لستر جريمتهم هذه لاسباب منها :اولا : يعتبر نقل النص لمفردة (عشاءً ) ذا حكمة جميلة فهي كلمة اولا :مشتقة من العشو وهو شدّة الظلمة وغياب الرؤية فيها ، ولهذا قيل عن عاجزي السير ليلا من ضعيفي البصر بانهم يعشون ، او للانسان الذي يعجز عن ايجاد طريقه ليلا لعجز وقصور الباصرة عنده انه ( اعشى ) ويعشي ليلا ، كما ان لمفردة (عشاء) ثانيا : ايضا لطيفة ان فيها دلالة على الليلة المظلمة تماما او التي ليس فيها ضوءا قمريا او اخر صناعيا ، فهي ظلمة على ظلمة ، مركبة من ظلمة الطبيعية اساسا ، ومنتقلة الى ظلمة الباصرة الانسانية لاصحاب قصور الباصرة العضوية كذالك ايضا !.ثانيا : ان يعقوب الشيخ العجوز الذي كانت تذكر المصادر التاريخية انه كان يربط حاجباه بسير من جلد لرفعهما الى الاعلى كي يرى شيئا من طريقه في النهار ، هو وبطبيعة هذه الحال رجل عجوز يعشي في نهاره قبل ليله ، فهو رجل ضعيف النظر لطبيعة السن وشيخوخة العمر وعلى هذا يعتبر يعقوب انسانا ساكنا تماما في اي ليل يذكر ، واي عمل في حالة يعقوب هذه لابد ان يؤجل الى نهار مبصر لاسيما ان كان هذا العمل محتاج الى حركة يعقوب الشخصية والذاتية ففي مثل هذه الحالة فوجوب الانتظار لضوء النهار يصبح امرا حتميا ليرى يعقوب مالايستطيع رؤيته في العشاء !.ثالثا : عندما قرر ابناء يعقوب انتخاب العشاء وظلمته غطاء لستر جريمتهم المنكرة فكانوا يستهدفون اشياء عديدة ، لاسيما ان كان الامر متعلق بأبيهم يعقوب ع ، ففي مثل هذه الحالة يكون الليل له اكثر من معنى معتبر في عقل وادمغة ابناء يعقوب ، فهو رجل عجوز متعلق بيوسف ، وما أن يسمع بخبر أكل الذئب ليوسف من قبل ابنائه حتى يصر على ارادة رؤيته للجريمة بنفسه ، وعلى هذا واذا كان العجوز هو بطبيعته عاجزا عن الرؤية ليلا فانه حتما سيستسلم للامر الواقع ، ولايطالب باكثر من الاستبيان من ابنائه ، بعكس ما لو جاء الابناء نهارا اباهم يبكون ، فان يعقوب في هذه الحالة لايتنازل عن الاستنفار والحركة والمطالبة بأخذه الى موضع الجريمة ومكان اقبار يوسف حسب رواية اخوته !.لكن في الليل يتوجه الموضوع بالنسبة ليعقوب في اتجاه اخر ، فهو على الاقل يدرك عجزه ووجوب سكونه في الليالي العاشية بالنسبة له ، فكان المجيئ عشاء بالنسبة لابناءه شيئا حيويا في هذه النقطة ليقطع يعقوب الامل بالخروج والطلب او ربما التأكد حتى الصباح !.وهذه النقطة بالذات لم يلتفت لمغزاها صاحب التفسير الكبير الفخر الرازي ، ولم يلتفت لحكمة القرءان في نقل مفردة (عشاء يبكون ) فطفق يسأل الاسألة السخيفة الكثيرة حول : لمَ لم يبالغ يعقوب في التفتيش والبحث سعيا منه في تخليص يوسف ع عن البلية والشدة ان كان في الاحياء ، وفي أقامة القصاص ان صح انهم قتلوه ؟.ثم سأل الفخر الرازي حول : فما السبب في انه ع (يعقوب ) مع شدّة رغبته في حضور يوسف ع ونهاية حبه له لم يطلبه مع ان طلبه كان من الواجبات ، فثبت ان هذا الصبر ( صبر جميل ) في هذا المقام مذموم عقلا وشرعا ؟!.ثم اجاب الفخر الرازي على تلكم الاسألة بالقول : الجواب عنه ان نقول لاجواب عنه !.الا ان يقال ان الله سبحانه وتعالى منعه عن الطلب تشديدا للمحنة عليه وتغليظا للامر عيله ... انتهى !.والحقيقة ان هذه الاسألة وتلك الاجوبة من قبل بعض المفسرين الكبار هي ما أعتبرناه اوهاما واساطيرا نُسج على منوالها الكثير من الخرافات التراثية في فهم القصص القرءاني ، بل والكثير ايضا من سوء الادب والفهم مع النص القرءاني وماينقله عن الانبياء العظام عليهم السلام جميعا ، والا مامعنى مقولة الرازي انفا : ( فثبت ان الصبر في هذا المقام مذموم عقلا وشرعا ؟. وهل يصح مثل هذا الادب السيئ في التفكير مع ( صبرٌ ) وصفه الله بالجميل ؟.ثم وبعد هذا وللتدليل على انغلاق فكره عن الوعي ذكر الفخر الرازي جوابا على سؤاله السفيه ذاك بانه : الجواب لاجواب !. وكأنما أعجز الفكر البشري هذا الرازي في اسألته صاحبة القيمة العديمة في الكثير من تفسيره ، وكان يكفيه بدلا من هذا التنطع الذي لاموجب له بفهم النصوص القرءانية ان يدرك ماقلناه حول الحكمة من قوله سبحانه (( جاءؤ اباهم عشاء يبكون )) ليفهم ان النص القرءاني نفسه قد اجاب على سؤاله الفلتة كما يعتقد : وان يعقوب لم يخرج لطلب يوسف واستبيان امره ليس بسبب التقصير في الطلب ولاهو بسبب ان الله سبحانه امره بذالك ، وانما كان السبب الطبيعي والذي ليس بحاجة الى تفلسف وكلامية هو لان يعقوب شيخ كبير ولاتساعده امكانياته الانسانية الصحية على الحركة ليلا ، ولهذا السبب انتخب ابناء يعقوب ايضا مجيئ اباهم عشاء يبكون ، لادراكهم انه سيطالب بالتفحص في شأن قصتهم عن يوسف والذئب ان اتوه صباحا او في باقي النهار المبصر ، فكان من ضمن تفكيرهم ما استشكله الرازي على يعقوب بعدم الطلب ، فتأكد لدينا ان ابناء يعقوب اكثر ذكاء بكثير من علماء مثل الرازي وغيره فافهم !.نعم كانت نقطة قطع الطريق على يعقوب بأن يطالب بالفحص واخذه لموقع الحادثة في يوسف والذئب ، هي النقطة التي التفت اليها ابناء يعقوب في قرارهم المجيئ ليلا لابيهم عشاء يبكون !.رابعا : وكذالك من ضمن حسابات اخوة يوسف وقرارهم بالمجيئ عشاء يبكون لابيهم ، هو حساب ان الليل المظلم يستر الكثير من المعائب ، ومن ضمنها ستر الظلام لمرآة الوجوه الكاذبة !.ففي حالة كالتي ستمر على يعقوب وابناءه ، وفي قصة ملفقة يريد ابناء يعقوب الصاقها لجريمة تغييب يوسف في الجبّ ، او كعلم في الجنايات الاجرامية لكشف حقائق بعض الجرائم الكبرى ..... ، يكون لوجه المجرم وصفحات قسماته المتعددة كلام غير ماينطق به لسانه ان كان كاذبا ، وكم من مريب قالت قسمات وجه خذوني ، وكم نظرة عين بعيون مجرم تتحدث بكلام ينبئ بشيئ لايقبل الشك صدق او كذب حديث لسان الجانّي او البريئ !.من هذا كله انتخب اخوة يوسف الليل غطاءا كي لاتفضحهم السنة وجوههم وتنقل ليعقوب شيئا مغايرا لما تنطقه السنة افواههم الكاذبة ، فعندئذ علا صوت اللسان في نفس الوقت الذي انزوى فيه لسان الوجه !.في الليل يبكي الجاني بصوت عال جدا كي يغطي على لسان وجهه المفضوح جدا !.ولهذا قال القرءان متحدثا عن ابناء يعقوب انهم :(( جآءو اباهم عشاء يبكون )) !.لماذا جاءو يبكون ؟.الجواب : لتغطية الصوت على الصورة اولا ، ولابد ان يشغل الصوت او البكاء سماع يعقوب العجوز الذي يعشي بصره في الليل ، لكن اذناه سليمتان وقلبه واعي وجوارحه سليمة ثانيا !.ولابد ان يكون في حالة ابناء يعقوب الصوت وعلوه ببكائهم هو المعبّر عن فجيعتهم الكاذبة ، ليشغلوا يعقوب الحكيم عن التصفح بوجوههم واستنطاق ضمائر عيونهم لصدق او كذب الحادثة !.ولابد ان يكون البكاء هو المعبّر عما في دواخل اخوة يوسف من تمثيل للفجيعة ، بدلا من تعبير الوجوه والعيون عن تلك الفجيعة !.لابد ...... فكان الليل هو المطلب لاخوة يوسف وابناء يعقوب في ستره للغة الوجوه ، واظهاره للغة الصوت والنواح والبكاء وباقي غوغائية السفهاء التي تعبر عن الصخب بدلا من التعبير بالصمت وحكمة اهل الحضارة في لغة الاشارة !.ولماذا عشاء ؟.للتمويه على صاحب النظر البصري العجوز يعقوب الذي لايكاد يرى طريقه ليلا ، فكيف له ان ينظر بقوة لعيون ابنائه وتغير ملامح وجوههم ليستبين الصدق من الكذب !.ان ابناء يعقوب يدركون لحظة الحسم النهائية في اللقاء مع ابيهم ، ويدركون اهمية هذه اللحظة بالذات ، ولذالك هم كانوا على استنفار كامل في اهمية انتخاب المكان والزمان الذي به يفاجئون والدهم العجوز يعقوب بخبر اكل الذئب ليوسف ووجوب انقطاع الامل باسترجاعه من هذا المصير !.لكنّ ما كان يشغل ابناء يعقوب هو الكيفية التي من خلالها تمرير الكذبة على اساس انه صدق مطلق بدون ان يكون ليعقوب الاب التفات الى اي حركة او اشارة او ملمح وجه من الوجوه يشير بغير هذه الكذبة ، فكان الليل هو المخلص لابناء يعقوب من هذه الورطة !.كما ان الليل هو الوحيد الذي يضمن اقعاد يعقوب عاجزا عن الطلب والبحث عن يوسف في الليل المظلم ، فهو وان طلب فلايستبين شيئا على الاطلاق في دعوة يكون البصر هو الاساس في صدقها وكذبها على الحقيقة ، فمايفعل عجوز في ليلة مظلمة حتى وان فكر بالعون فان لامعين الا اصحاب التهمة ، وهل كان متهما في يوم من الايام هو الدليل على جريمته ؟.فليس هناك امام يعقوب في هذه الحالة الا الصبر الجميل !.نعم الا الصبر حتى مجيئ النهار واندلاع الصباح بنطق تبلجه ، وعند هذا الوقت تكون الروح قد بردت ووقع المفاجئ قد خفّ ، ولهيب الغضب قد انطفأ ، وحرقة اللوعة قد قيدت ......الخ ، فبعد النوم يبرد الانسان وتهدأ مشاعره وتذهب ثورة الغضب وتنطفأ نار الحيرة ........ ، ولهذا قرنت المصائب الكبيرة مع الليل دائما ، كما قرنت الجرائم ايضا في ليلها المظلم ، وقرن مع الليل اسرار لاتعد ولاتحصى !.ان كثيرا من جرائم السلاطين واقضيتهم بقتل خصومهم تكون ليلا لتدلل على عدم عدالة هذه الاحكام وفساد سيرتها !. انتهى
al_shaker@maktoob.com.

قصة يوسف ع رحلة حلم من سجن البادية الى عرش مصر-26


((وجآءو أباهم عشاءً يبكون ، قالوأ يأبانا أنّا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذهب ومآ أنت بمؤمن لنا ولوكنّا صادقين ، وجاءو على قميصه بدم كذب قال بل سوّلت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ماتصفون )) ***** بين وقت الغداة ووقت العشاء نهار كامل ، وما طلب ابناء يعقوب من ابيهم :(( أرسله معنا غدا يرتع ويلعب ..))الى قولهم :(( وجآءو أباهم عشاءً يبكون )) غير هذا النهار الواحد ، فهم سرعان ما أنجزوا مهمتهم بالذهاب بيوسف وألقاءه في غيابات الجبّ والرجوع الى الاهل في هذا النهار ليدخل
العشاء على ابناء يعقوب وهم على وصول الى مضارب الديار يبكون ، وليتوجهوا على الفور الى ابيهم يعقوب في عتمة هذه الليلة وهم يبكون بشدّة ويقولوا بصراخ الثكلى وبلا سؤال من أحد : ((يأبانا أنا ذهبنا نستبق)) بحكاية قصة تحكي العذر كما تمهد ليعقوب سماع الكارثة ، وشيئا فشيئا بدأت ملامح الكارثة بالنسبة ليعقوب تتضح عندما سمع قولهم :(( وتركنا يوسف عند متاعنا )) عندها تغيّر لون وجه يعقوببسماعه لكلمة (تركنا ) ليستعد للمصيبة ، وماهي الا لحظة فيخبر من قبل ابناءه اصحاب العصبة والقوة ب :(( فأكله الذئب )) فتيقن يعقوب عظم الكارثة وشؤم الخبر ، ومن ثم ليعود ابناءه مجددا للاعتذار وحث الاب على القبول بالواقع رغما عن انفه سواء رضي أم سخط :(( وما أنت بمؤمن لنا ولوكنّا صادقين )) !.بعدها سكت اللسان والكلام ، لينطق الدليل والبينة ، فأخرج الاخوة وبصمت الشياطين قميص يوسف الصغير وعليه دم صفته الكذب وحاله البيان ، ليأخذه يعقوب ع ويشمّه ويقلبه ويتفحصه ثم يلتفت الى ابنائه لينطق ما انتظره ابنائه طويلا للاستماع اليه كردّة فعل من ابيهم ، وليقول بكل صراحة المكلّوم ، وجرح المظلوم ، وغصة الثائر ، وكظم الغيض من العبّاد والمستسلم لامر رب الارباب :(( بل سولت لكم أنفسكم أمرا )) !.ثم يلتفت يعقوب لنفسه محدثا ، ولربه مسترجعا ، وعن ماحوله من عالم منقطعا : (( فصبر جميل )) !.وهل كان يوما طعم الصبر جميلا :(( والله المستعان )) !.ليعود في آخر المطاف لعالمه العائلي يعقوب الحزين ع ليقول :(( على ماتصفون )) !.ان هذا المشهد من قصة يوسف ع يتناول صورة اخوة يوسف وهم عائدون ليلا من عتبات الجبّ المظلم الذي طرحوا فيه يوسف الى الديار لينهوا فصول قضية يوسف من حياتهم والى الابد ، وذالك بأخبار والدهم يعقوب بقصة مكذوبة هي مغايرة لواقع ما حدث بينهم وبين يوسف على الحقيقة ، مما يثير في داخلنا سؤالا حيويا وقبل حتى الدخول في تفاصيل قصة اخوة يوسف المكذوبة هذه وهو سؤال : كيف ومتى أتفق ابناء يعقوب على ماهية قصة أكل الذئب ليوسف ؟.نعم صار لدينا علم بزمان مؤتمر ابناء يعقوب الذي حاكوا به مؤامرة قتل او تغييب يوسف وطرحه في غيابت الجب ، ولكنّنا لم نلحظ النص القرءاني ذكر شيئا حول مؤتمرهم الذي قرروا به صياغة قصة الذئب الذي أكل يوسف ليبرروا بهذه القصة تغييبهم ليوسف وليقنعوا فيما بعد اباهم المسكين يعقوب ع !.فياترى هل هناك أشارة فيما مضى من القصة تلمّح الى وقت او زمان او مكان حياكة قصة الذئب ويوسف ؟.في معرض الاجابة على هذا السؤال لم يجد اهل التفسير والتبيين القرءاني امامهم من جواب على هذا السؤال غير الرجوع لكلمة يعقوب ع المذكورة في محاججته مع طلب ابنائه في (( وأخاف ان يأكله الذئب وانتم عنه غافلون )) ليتمسكوا بها وليقولوا او يقرروا فيما بعد : ان ابناء يعقوب لم يدركوا الكذب ولم يفهموا كيفية صياغة اكذوبة قصة تغييب يوسف الا عندما سمعوا من ابيهم يعقوب ذكر خوفه من الذئب ، ولهذا فابناء يعقوب تعلموا من ابيهم العجوز صياغة كذبة الذئب ويوسف وأقاموا عليها كذبتهم في أكل الذئب ليوسف لتغيب الحقيقة من طرحه في غيابات الجبّ !.وكأنما اراد اهل البيان التفسيري من هذه اللفتة القول انه : عند سماع اخوة يوسف قصة الذئب من ابيهم قرروا استعمال واستخدام هذا الذئب اليعقوبي بحياكة قصتهم المكذوبة فيما بعد للتغطية على تغييب يوسف من الحياة !.وذهب المفسرون بعد هذا بطرح المواعظ للاباء بكيفية او بوجوب عدم تعليم الابناء الكذب او اعطائهم حبال الكذب الاولية ليبرروا بها جرائمهم الصبيانية ، ولايكونوا كيعقوب النبي عندما ذكر امام ابنائه خوفه ليأخذ الابناء هذا الخوف ويصيغوه بشكل كذبة اجرامية ؟!.الحقيقة انني أمام هذا الكمّ الهائل من الموروث التفسيري الذي لاينسجم مع عقل سليم ولامع نص صريح أكاد أختنق عبرةً على هذا الرجل العجوز المسمى في قصة يوسف بيعقوب ابن اسحاق ابن ابراهيم عليهم السلام جميعا ، وكأن الحياة لاتريد رحمة هذا الشيخ الحكيم فمع ما لاقاه هذا الشيخ الكبير والنبي المحترم والرسول الكريم يعقوب ع من ألم وحسرة وحزن ......، فيما مضى من ابناءه المجرمين ومن الدنيا التي لم ترحم شيبته ، أتى المفسرون وبتأثير من التفاسير التوراتية اليهودية المختلقة ولمدة ثلاث الاف سنة بعد رحيله من الدنيا ليتهموه بابشع الصور وأكذب المقالات وأحقر القصص ، ليصبح يعقوب فوق بلوته بيوسف من جهة وبأبنائه الجهلة من جهة أخرى ، أيضا هو من حاك الجريمة وهو من جهل التربية وهو ...... على حسب فهم المفسرين لقصة يوسف ع في القرءان الكريم بصورة خاصة وبالكتب الدينية والتاريخية الاخرى بصورة عامة ؟.وألا مامعنى ان يقال : ان ابناء يعقوب لم يكونوا يعرفوا الكذب حتى فطنوا لقول يعقوب :(( وأخاف ان يأكله الذئب )) ولهذا قالوا :(( فأكله الذئب )) من أحد المفسرين الكبار ؟.وهل من المعقول تبرئة ابناء يعقوب تماما من الجريمة وكيفية حياكة خيوطها لترمى على سوء تربية الاب يعقوب ع وعدم حكمته في طرح مشاعره امامهم بواقعية ؟.ولا اعلم من اين فهم بعض المفسرين هذه البراءة الانسانية لاخوة يوسف وانهم لم يكونوا يدركوا الكذب حتى سمعوا والدهم يعقوب يذكر قصة خوفه من الذئاب على يوسف فتمسكوا بها كمبرر لتغييب يوسف ؟.وأعجبُ ومالي لااعجب من هذا الوعي والفهم للنصوص القرءانية ، وأنا ارى هذا الخلط الغريب والعجيب من فهم النصوص القرءانية في قصة يوسف وفي غيرها ايضا !؟.وأليس من العجيب ان ابناء يعقوب الذي يعلمون كيف يحقدون وكيف يقتلون وكيف يخططون للجرائم وكيف يتجرأون على نبي الله يعقوب ورميه بالضلال ، وكيف القوا طفل بريئ بجبّ أظلم ..... وكيف وكيف .... يعلمون كل هذا ، ومع ذالك هم لايعلمون بحسب ماكتب في تفسير القصة : كيف يحيكون قصة مكذوبة في عملية تغييب يوسف البريئ الى ان سمعوا اباهم يعقوب يذكر مخاوفه من الذئاب ؟.ثم ماهذه الجرأة الادبية في اتهام نبي الله يعقوب ع من قبل الكثير من المفسرين بسوء التربية وعدم الحكمة ، لنجد يعقوب مرّة متهم بانه فرق في الحب بين ابنائه حتى زرع الحقد والحسد والغيرة بينهم ، ومرّة يتهم يعقوب بتعليم ابنائه للكذب عندما ذكر خوفه من الذئب على يوسف ، فدفع ابنائه لتركيب مشهد جريمتهم على نفس هذه القصة ؟.الا يستحي مَن يرّوج الى مثل هذه الافكار ، او الا يخجل ان يُتهم بالسفاهة من يحاول فهم النصوص القرءانية التي تتحدث عن الانبياء والرسل بهذه الصورة البشعة والفهم المعوج لمضامين الكلام ؟.نعم ذكر يعقوب ع انه يخاف الذهاب بيوسف الى ارض مليئة بالذئاب والوحوش المفترسة والحيوانات السامة ، لكن هل يعني هذا ان ابنائه المجرمين ابرياء من الكذب وانهم لم يتفتق ذهنهم الاجرامي على قصة الذئب ويوسف ككذبة الا بعد ان سمعوا ذالك من ابيهم ؟.ونعم اعتنى يعقوب الرسول بيوسف المجتبى ، ولكن هل يعني هذا ان يعقوب هو السبب الاصيل بدفع ابنائه للكيد بيوسف ؟.الحقيقة مثل هذا التوجه في التفكير وفي الادراك المعوج يشير لنا ان هناك خلل في الفهم من الاساس في فكر وعقائد أولئك المفسرين في قضية الوحي والنبوة بصورة عامة ، وان مثل هذا الخلل وذاك الاعوجاج هو الذي يدفع بمفسرين كبار لفهم امكانية صلاح ابناء يعقوب وفساد الانبياء والرسل في المقابل ، وعليه وبدلا من ان نقول : ان ابناء يعقوب قد وصلوا الى مرحلة الفساد الفطري الذي يستولي فيه الشيطان على الانسان بالتمام ، ليتحول هذا الانسان بالفعل ليصبح شيطانا بلباس انسان كالذي حصل لاخوة يوسف ونمطية تفكيرهم الاجرامية وسلوكهم الشائن ، بدلا من ذالك نقول ان ابناء يعقوب طيبين لكن تربية يعقوب السيئة وتفضيله يوسف على اخوته دفعتهم للحسد لاخيهم والحقد عليه ومن ثم المؤامرة في قتله او نفيه !.وكذا هم ابناء لايدركون مؤامرات الكذب مطلقا ، ولكن سوء حكمة يعقوب بذكر مخاوفه من الذئب على يوسف أمامهم عندما جاءوا بطلب الارسال معهم هو الذي قاد عقولهم لكذبة :(( ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب ...)) !.هل هذا معقول يعقل ويدرك من قبل بعض المفسرين ؟.ثم الانكى لايكتفي بعض المفسرين بذكر هذا كله على يعقوب الحكيم ع ، بل ويدعوا جهارا نهارا الى عدم الاقتداء بسلوك يعقوب هذا ، لافي التفضيل بين الابناء ، ولافي تعليم الابناء كيفية الكذب ...... وهكذا !.هل علم القارئ الكريم ماقصدته بمظلومية هذا النبي العظيم يعقوب ع مرّتين ، مرّة من الزمن والابناء والعالم الذي عاش فيه ، ومرّة من المفسرين وناقلي التوراة الكذابّين وباقي المندسين الذي وضعوا الاحاديث على لسان رسولنا محمد الكريم ص !.وعلى ماتقدم نحن نأمل بأن لايلتفت او لايؤخذ من كل الموروث الاسلامي كيفما اتفق بل ينبغي التأمل فيما طرح ، والتفكير في كل مايذكر في كتب التفاسير وكتب التأريخ وحتى الكتب الدينية القديمة في العهد القديم وغيرها لنصل الى جوهر الحقيقة والى صحة التفكير والبناء للعقيدة ، ولايغرنّك ماتقرأ من احاديث موضوعة على لسان النبي واهل بيته الكرام وصحابته الابرار في شأن التاريخ والقصص ، فقد قال رسول الله : من كذّب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار !. ليؤكد لنا وجود الكذب عليه في حياته فكيف به بعد مماته !.وكذا ماروي عن اهل البيت ع قولهم : نحن اهل بيت مكذوب علينا !. ليقولوا وبصريح العبارة ليس كل مانقل عنّا فهو لنا ، بل وقالوا عليهم السلام جميعا :(( ماجاءكم عنّا فاعرضوه على القرءان فما وافقه فخذوا به وماخالفه فهو زحرف من عمل الشيطان )) ليدللوا على المرجعية الحقيقية والضمانه الفعلية لعقل الانسان وتفكيره وبناء عقيدته وتنظيمه ، فليس هناك من خوف من صدق القرءان وبيانه ولامن حفظه من الوضع او نقصانه ، ولهذا جاءت دعوة اهل البيت للعودة للقرءان كنبع اصيل في فهم القصص والتاريخ والعقائد والاحكام ، ثم بعد ذالك سنة رسول الله محمد الكريم واهل بيته الطاهرين مالم تعارض نصا قرءانية او فهما عقليا !.
al_shaker@maktoob.com.

قصة يوسف ع رحلة حلم من سجن البادية الى عرش مصر -25


(( وأوحينا اليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لايشعرون )) ****** في ظاهرة هي من أغرب الظواهر التأريخية الانسانية على الاطلاق ، تطالعنا قضية (( الوحي والنبوة )) هنا وهناك من حياة البشرية على اساس انها من الظواهر العجيبة والغريبة في نواميس وقوانين العالم البشري في القديم وحتى الوقت الحاضر ، فهي ظاهرة غرابتها تكمن بأنها وان كان لها وجود متكرر في حياة الانسانية هنا وهناك ، الا انها ومع ذالك الوجود هي ايضا ليست منتج اجتماعي صرف !. أي هي : لم تكن ظاهرة اجتماعية من ظمن الظواهر التي تنتجها ماكنة الاجتماع الانساني المتحركة ، بل هي ظاهرة معجزة تظهر فجأة في
المجتمعات الانسانية لتحتك بحركة المجتمع وتتفاعل معها وتأخذ وتعطي لها .... ومع هذا كله تكون من اهم صفاتها وماهياتها الحقيقية انها ظاهرة الاهية وليست انتاج ظاهرة اجتماعية ، ولهذا كان حول ظاهرة الوحي والنبوة في القديم وحتى اليوم الكثير من الاخذ والرد في صدقيتها وحقيقتها وهل هي ظاهرة فوق الطبيعية ام انها ظاهرة اجتماعية مئة بالمئة ؟!.وعلى اي حال نحن لسنا بصدد دراسة هذه الظاهرة وطرح الادلة على مصداقيتها او عدم واقعيتها بمسمياتها اللاهوتية ، ولكننا بصدد الاشارة الى انها ظاهرة وجدت ومازال فعلها الاجتماعي قائم الى هذه اللحظة ، وهذا الوجود الفعلي هو مايدفعنا للقول انها ظاهرة اجتماعية لها وجود قصصي واسطوري وقانوني واخلاقي وفكري ونفسي وروحي ....... الخ داخل المجتمعات الانسانية بقوّة ، ولهذا اخذناها على اساس انها مسلمة من مسلمات الوجود المجتمعي التي تستحق الدرس والسؤال عن ماهيتها وحقيقتها اللغوية والفكرية ايضا ؟!.فماهي ظاهرة الوحي لغويا وفكريا ؟.ولماذا عند دراسة هذه الظاهرة تأريخيا نجد فيها الكثير من الالغاز الاسطورية ؟.وماهي العبرة والحكمة في قصة يوسف عندما يوحى اليه في غيابات جبّ مغيّبة ؟.ان أصل الوحي في المنشأ هو :(( الاشارة السريعة )) ويكون باساليب متعددة تؤدي غرض الايحاء او ايصال المعنى المقصود للمتلقي ، فمرّةٌ يكون الوحي بالكلام ، ومرّةٌ بالرمز ، ومرة بالتعريض ، او يكون بصوت مجردا من التراكيب ، او بكتابة ، او بنفس الاشارة المتعارف على انها لغة الانسانية قبل الكلام والكتابة ...، وعليه فكل هذه الاساليب تصلح لأن تكون ادوات متعددة لمعنى الوحي بصورة عامة ، فهي عملية على هذا الاساس لا تتجاوز كونها عملية ايحاء غرضها ايصال المقصود للمتلقي فحسب وافهامه للمراد فحسب !.ثم قيل في الوحي على اساس كيفيته الاتصالية مع هذا او ذاك من المتنبئين من انه ايضا متعدد الصور النازلة ، فمنه ماينزل به ملاك على شكل بشر او على شكل آخر ، ومنه مايكون الهاما يلتقطه الانسان النبي بملاكاته العقلية والروحية الادراكية الفطنة والعجيبة ، ومنه مايكون سماعا وعن طريق الحاسة السامعة كصوت يفهم مقاصده متلقيه فحسب !.ولكل من هذه الاساليب والمعاني الايحائية لها ايضا كيفياتها وازمانها وأماكنياتها المختلفة ايضا في حياة اي نبي من انبياء الله سبحانه وتعالى ، فمرّة تقوم عملية الوحي بالاشتغال والانسان الرسول نائما ، ومرّة وهو راكبا ، او اخرى وهو مسافرا او عاملا او متعبدا او مقاتلا او .....الى اخر هذه الصور الانسانية التي يكون عليها الانسان في شؤون حياته الاجتماعية الطبيعية الممارسة يوميا وفي اماكن وازمان مختلفة في ليل او نهار في ظهيرة او غروب ... وهكذا !.والخلاصة : ان لظاهرة الوحي والنبوة وكمشروع دراسة عدّة زوايا وجوانب تستحق الدرس والبحث ، ولكنها كلها تعتبر من ضمن الظاهرة الاجتماعية على الاجمال ، لكنّ ليس باعتبارها منتج اجتماعي مئة بالمئة ولكن باعتبار انها منتج الاهي متفاعل مع منتجات الظاهرة الاجتماعية الانسانية الطبيعية ، ومن هنا كان منشأ اللغزية والاسطورية في جوانب كثيرة وزوايا متعددة من زوايا هذه الظاهرة الموجودة انسانيا والمحيّرة تفسيريا هذا !.نعم نحن هنا نريد ان نسلط الضوء على جانب وحيد من جوانب كثيرة اخرى لهذه الظاهرة الا وهو جانب (( بداية الوحي )) باعتباره ظاهرة من ضمن ظواهر الوحي اللاهوتية ، ونسأل حوله : لماذا تكون بدايات الوحي اللاهوتية وحسب ماتقصه الكتب الدينية المقدسة بشكل عام من انها بداية فجائية غير معلومة الوقت والمكان او الزمان ؟.ولماذا لم تقتصر مثلا بأماكن العبادة فحسب باعتبار انها أماكن مقدسة وطاهرة ؟.وكيف لنا تفسير ظاهرة بداية الوحي لانبياء كثر بصيغ متعددة وبأشكال مختلفة ؟.فهنا رسول ونبي يرجع بعائلته من غربة في ايام شاتية وفي الطريق يأنس ضوء نار ، فيأمر أهله بالمكوث لحين عودته من خبر الضوء على امل ان يرجع بقبس من نار يدفئ به عائلته ويطبخ لهم بعض الطعام ، وفي ذهابه للاكتشاف يفاجأ بعملية وحي لاهوتية عجيبة تغير له جميع التوقعات البشرية ، ومن ثم ليرجع لاهله بقبس النبوة بدلا من قبس النار الطبيعية كما حصل لموسى كليم الله ع ؟.وآخر من الانبياء والرسل لديه برنامج تأمل وتعبد في جبل يخلو به مع نفسه في غار متعالي على الارض ، يذهب ويرجع منه بحياة روتينية هادئه ، وليس له هدف وغاية من هذا الانقطاع عن المجتمع الا الهدوء والتأمل وحب حياة الصمت والقرب من الطبيعة ، وفجأة وفي ليلة من الليالي يفاجأ بظاهرة الوحي وهي تقتحم عليه حياته بشكل رهيب ، وليس بالحسبان ، ليمسي متأملا ويصبح رسولا ونبيا بوحي يهبط عليه فجأة او يظهر بحياته ب (( أقرأ )) لتتغير بعد ذالك حياة هذا الرسول بشكل كبير ، كما حصل لرسول الانسانية الاعظم محمد بن عبدالله ص ؟.واخر من الانبياء يأتمر عليه اخوته ، ويحيكوا مؤامرة وحشية للاطاحة به واغتياله ، ويخططوا لفعلهم وينفذوا الفعل ، وعند وصول قصة هذا الانسان البريئ الى النهاية والقائه في جبّ مخيف ، وتوقعه للموت المحقق ، وبدلا من ان يفارق الحياة بالفعل يجد نفسه بين يدي الله سبحانه وبوحي منه يهبط به الى قعر الجب بسلام وأمئنان يقول له :(( لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لايشعرون )) كالذي حصل بالفعل ليوسف بن يعقوب ع ؟.ان هذه الظواهر من بدايات الوحي الالهية ولعدة من الانبياء والرسل من الصعب ادراك مغازيها ومراميها الواقعية التي تذهب اليها بالواقع ، ولكن ليس من الصعب الاحاطة بوحدة الظاهرة نفسها ، وانها تلتقي في جانب وتختلف في جوانب متعددة ، ومن ضمن جوانبها الاتفاقية هي المفاجئة الزمانية والمكانية في ظاهرة الوحي والنبوة هذه !.نعم ادرك يوسف من خلال رؤياه ومن خلال تأويل يعقوب والده لهذه الرؤية واخباره انه : (( وكذالك يجتبيك ربك ...)) كمرحلة اولى من صدق الرؤيا ، ولكن هذا الادراك اليوسفي بقي معلقا في الزمان والمكان الذي لايعلم عنهما احد من العالمين حتى جاء الزمان والمكان نفسه ليوسف ولم يذهب يوسف لهما على التعيين ، وهذا هو سرّ قوله سبحانه وتعالى (يجتبيك ربك ) فالاجتباء على هذه المعرفة هو انتخاب الاهي يختص الله سبحانه وتعالى بزمنه ومكانه بالتحديد ، وماعلى الانسان الا المفاجئة المكانية والزمانية التي تتحرك نحوه لتعلمه برسالته ونبوته الالهية هذه ، ولهذا كان زمان ومكان يوسف للوحي والاجتباء هو الجبّ ، وكان زمان ومكان موسى للاجتباء والوحي هو صحراء سيناء ، وكان زمان ومكان محمد العظيم ص للاجتباء والوحي غار حراء .... وهكذا ، اختلفت وتعددت الاماكن والازمنة لوحي ونبوة الرسل والانبياء ، لكنها اتفقت واتحدت بشكل المفاجئة للانسان الرسول على اي حال !.لكنّ لماذا المفاجئة في اعلام الرسل برسالتهم ؟.او ماهي الغاية والهدف والحكمة والعبرة من كون زمان ومكان الايحاء خاص بالاجتباء الالهي للانسان الرسول ؟.الحكمة هي القول لنا نحن من آمن برسالات الرسل والانبياء ، ان هذه العملية وكدليل على انها ليست من ضمن الظواهر الانتاجية لحركة الاجتماع الانسانية ، انها تأتي بلا توقع يذكر لهذا الرسول او ذاك مما يعني لادراسة ولاتخطيط مسبق من قبل هذا الرسول او ذاك لحركة رسالته ، فليس محمد ص ولا موسى ع ، ولاكذا يوسف ، من اراد ان يكون نبيا رسولا او شاء الظواهر الاجتماعية وتطلبت قائدا بمنزلة رجل الاهي لذالك اعتقد هذا او ذاك انهم انبياء ودرسوا وفكروا وخططوا كحاجة اجتماعية ليكونوا قادرة رساليين ...!.لا .... ليس هذا هو الواقع ، وانما الواقع والدراسة والبحث في حياة معظم الرسل والانبياء تدلل على ان ظاهرة الوحي كانت فجائية في زمانها ومكانها لمعظم الرسل ، وكان انتخاب الله سبحانه للمكان والزمان الذي يوحي به للرسول بيد الله سبحانه وحده ، لتكون هذه العملية برمتها دليل على انتخاب الله للانسان وليس انتخاب الانسان لله سبحانه وتعالى كي يكون موحي اليه فافهم !.صحيح بعد ان ينتخب الله ويجتبي هذا الانسان او ذاك ، يكون الرسول الانسان ايضا منتخبا ومجتبيا لربه ايضا ، ولكن ياتي اجتباء الرسول لربه بعد اجتباء الرب له بصورة تفوق كثيرا حالة الرسول الانسان قبل عملية الاجتباء الالهي هذه !.هذا هو سرّ المفاجأة في المكان والزمان الايحائي بالنسبة لنا نحن المؤمنين بالرسل والانبياء ، مع يقيننا ان هناك عبادة واتصال وارتباط وحب بين الانسان وربه قبل الاجتباء كالذي كان موجودا بين يوسف وربه قبل الاجتباء ، لكن بعد الاجتباء تضاف الى هذه العلاقة الحميمية بين الانسان وربه مسؤولية حمل الامانة والارتقاء الى مرتبة الاجتباء ، وهذه العملية مختلفة تماما عن مجرد الاتصال بين يوسف وربه ، ولهذا قال له يعقوب والده :(( وكذالك يجتبيك ربك ..)) !.هل علم يعقوب مكان وزمان اجتباء الله ليوسف ع ؟.لا ... بالطبع لانه من مختصات الرتبة الالهية العظيمة فهو من يجتبي عباده وبالزمان والمكان المناسب !.ربما والانسان مقذوفا بمنجنيق بين سماء مبنية وتنور من النار الارضية يوحي الله ويجتبي من عباده رسول مكرم كأبراهيم عليه السلام عندما قذف بالمنجنيق الى جهنم النار المستعرة ، فعرض له جبريل بالوحي الك حاجة ؟.قال : اما لك فلا واما لله فنعم ؟.وربما والانسان مولودا لتوه يجتبيه الله سبحانه وتعالى ليكلّم الناس في المهد ويعلن اجتباء الله له كما حصل لعيسى روح الله عليه السلام ؟!.وربما والانسان في جبّ أظلم كيوسف ع ؟.انها حكمة الله سبحانه التي لاتحدها حدود وعظمته التي لاتحيط بكنهها العقول !.أُوحي ليوسف في قعر جبّ مظلم : (( لتنبئنهم بأمرهم هذا )) لتنبئن اخوتك في المستقبل بأمر مؤامرتهم وكيدهم ووحشيتهم هذه ، فلاتبتأس على القوم الجاهلين !.ولاتكن في خشية من موت او ضياع ، فأنت الان مجتبىً لدينا وقوي أمين !.وربما بالحق فقدت الاب يعقوب من حياتك ، ولكنك الان بكنف مربيك ومجتبيك الجديد الله سبحانه وتعالى !.وهذا اول صدق ماأخبرك به يعقوب من اجتبائنا لك يايوسف ، فاستعد ل (( يعلمك من تأويل الاحاديث )) ومن بعده ل :(( ويتم نعمته عليك وعلى ءال يعقوب ..)) كان يوسف يحدث نفسه !.فياترى هل يعلم اخوتي بما اوحي اليّ من قبل الله سبحانه وتعالى الان ؟.(( وهم لايشعرون )) !.وهل سيعلم اخوتي في المستقبل عندما انبئهم بخبرهم هذا ؟.(( وهم لايشعرون )) !.نعم انهم لايشعرون بنول الوحي للحظة وسوف لن يشعروا في المستقبل ايضا !.والا هل من المعقول ان يكون اخوة يوسف يشعرون بشيئ ؟.(( واذا قيل لهم لاتفسدوا في الارض قالو انما نحن مصلحون الا انهم هم المفسدون ولكن لايشعرون ))
al_shaker@maktoob.com

قصة يوسف ع رحلة حلم من سجن البادية الى عرش مصر-24


((فلمّا ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابات الجبّ ، وأوحينا اليه اليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لايشعرون )) ****** انتهى حوار وجدل ابناء يعقوب السابق مع ابيهم :(( قالوا يأبانا مالك لاتأمنا على يوسف وانا له لناصحون ، أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وانا له لحافظون ، قال اني ليحزنني ...)) الى انتقال النص لصورة :(( فلمّا ذهبوا به ..)) ليقول لنا النتيجة المتوصل اليها بين يعقوب وابنائه ، وهي : رضوخ او استسلام يعقوب لمطلب الابناء في ارسال يوسف معهم ليرتع ويلعب ويكونوا له من الحافظين !. وبالفعل اول افتتاحية النص تبدأ ب :(( فلمّا ذهبوا به ..)) ومن هنا حتى نهاية مفردات هذا النص سنلاحظ الانتقال في الخطاب القصصي من الفردية
الخطابية في (( قال قائل منهم )) وانتقالها بالكامل الى الجماعية في مشهد الاخوة ليبدأ بالقول وبصيغة الحكاية عن الجماعة المجمعين تماما على الامر :(( فلمّا ذهبوا به ..)) ، ثم بعد هذا القرار الجماعي في عملية الذهاب بيوسف ، يردف النص ايضا وبنفس لغة الخطاب الجماعية الصورة الاخرى من المشهد ليقول ايضا بنفس الاسلوب :(( وأجمعوا أن يجعلوه في غيابات الجبّ ..)) فياترى ماسرّ هذه الصيغة الخطابية في هذه المرحلة من القصة وانتقالها بشكل ملفت ومؤكد مرتين في نص واحد على حكاية الخطاب الجماعي ؟.السرّ واضح كما اعتقد وهو : ان النص القرءاني يريد القول وبقوّة الى ان قصة ابناء يعقوب (ومن هذه الخطوة وهي خطوة الذهاب بيوسف ،) بدأوا بالتوحد الكامل في اخذ القرارات النهائية لمصير يوسف في هذه الحياة ، ومن هنا كان اجماعهم واضح ومؤكد تماما كما نقله النص القرءاني المبارك ، فهم من وقت خروجهم بيوسف ع وحتى وصولهم الى طريق الصحراء كانوا على اجماع لاخلاف فيه ابداً على قرار الذهاب الاخير بيوسف ، ولهذا جاء الخطاب الناقل لصورة الاخوة على شاكلة :(( فلمّا ذهبوا به )) ليؤكد على ذهابهم او قرار ذهابهم الجماعي بيوسف وهم على عزم تام بفعل الجريمة !.اي وبمعنى آخر : انه كان قرار الذهاب قرارا اجماعيا لاخلاف عليه بين اخوة يوسف ، فليس هناك من له رأي نأخذ يوسف المسكين او لانأخذه كما حصل في اول مداولاتهم في مؤتمر الجريمة عندما قال احدهم (( اقتلوا يوسف ..)) وقال الاخر :(( لاتقتلوا يوسف ...)) هذا الجدل انتهى تماما في مرحلة :(( فلمّا ذهبوا به )) لتتحول المسؤولية الى مسؤولية جماعية بالتمام ، وليس لاحدهم منفذ في التملص من مسؤولية الذهاب بيوسف حتى وان كان ناكرا بقلبه جريمة الذهاب بطفل بريئ الى مقصلة الموت او الغيبة فما دام رضي بالذهاب فهو شريك بالجريمة وقراراتها الاخيرة الجماعية ، ولهذا أشرّ النص بحكاية الخطاب الجماعي الذي ليس فيه شبهة اختلاف تذكر ليقول :(( فلمّا ذهبوا به )) كلهم بلا اي اختلاف في قرارهم على الذهاب بيوسف لمصيره الاخير هذا ، وهذا مانعتقد انه جواب :(( لمّا )) الذي بحث عنه المفسرون كثيرا ليقولوا ان جواب (لمّا) محذوب وتقديره هكذا !.ثم وبعد هذه الصورة الاولية لخطاب (ذهبوا به ) جاءت الصورة الاخرى لتؤكد حكاية الخطاب والمسؤولية الجماعية لابناء يعقوب في اتخاذ القرارات النهائية لتنفيذ الجريمة ، ولكنّ بصورتها الثانية ، وهي صورة :(( وأجمعوا أن يجعلوه في غيابات الجبّ )) فهي صورة اخرى غير صورة وقرار الذهاب بيوسف ، بل هي صورة وقرار الاجماع الذي شملهم جميعا بجعل يوسف في غيابات اجبّ ، فهم كلهم وبلا خلاف وباغلبية مطلقة أجمعوا على ان يجعلوا يوسف في غيابات الجب وبلا ادنى معارضة من احد منهم او خلاف في الرأي !.كأنما النص القرءاني في نقله لهذين المشهدين اراد ان يقول : ان في قصة ابناء يعقوب مع اخيهم يوسف في مشهد الخروج من يعقوب والوصول الى مراتع البادية وساحات لعبها كما ذكر ابناء يعقوب لابيهم ، كانت فيها محطتي قرار نهائية لتنفيذ جريمة قتل او نفي يوسف والى الابد ، القرار الاول الذي كان بحاجة الى اجماع نهائي هو : الذهاب بيوسف الى مكان تنفيذ الاعدام الاغترابي او القتلي بيوسف ، والقرار الثاني هو قرار جعل يوسف في غيابات الجبّ ، وفي كلا القرارين الخطيرين كان الاجماع رهيبا عند أخوة يوسف !.فاذن : قوله سبحانه :(( فلمّا ذهبوا به )) اشارة للاجماع الحاصل في الراي لاخوة يوسف على الذهاب به ، مضافا اليه تحميل القرءان مسؤولية الذهاب بيوسف الى جميع ابناء يعقوب بلا استثناء حتى وان كان هناك من الذين شاركوا بالجريمة وهم لها كارهون !.أما قوله سبحانه :(( وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجبّ )) فهو تأكيد ثاني لمسؤولية مجموع ابناء يعقوب واجماعهم على فعل الجريمة ، مضافا اليه أجماعهم ايضا على جعل يوسف في غيابات الجبّ المظلمة ليلاقي مصيره هو : اما موتا وأما نجاة ولكن مع غربة ليلتقطه بعض السيارة المارين من الشام الى مصر غربا !.وفعلا ما أن انتهى الذهاب حتى القي بيوسف ع في غيابات الجبّ المظلمة ، وبينما كان يوسف بين سماء الجبّ وقعره المظلم تحولت حياة يوسف بنقلة نوعية عجيبة لاهي على بال احد ولاتخطر على قلب بشر !.في هذه اللحظة من رمي او القاء يوسف في غيابات الجبّ ، كان اخوة يوسف يفكرون بموته وحياته بعد هذا الالقاء الوحشي ، وربما كان يوسف ايضا معلقا بين سماء وارض لايعلم هل سينزل لقعر الجبّ حيّا او ميتا ،.... في هذه اللحظة بالذات كانت المفاجأة الاولى ليوسف وهي مفاجأة :(( وأوحينا اليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لايشعرون )) !.في لحظة السقوط ليوسف ينزل وحي الله سبحانه ليقذف في قلب يوسف كلمة الاطمئنان الكامل ليقول له بمامعناه : لاتخف دركا ولاتخشى ، ولسوف تنبئ اخوتك بأمرهم هذا !.الحقيقة انها صورة لو اجتمع على رسمها فناني العالم الانساني كله لما اجادو نحتها او رسمها بمثل هذه الكلمات القرءانية المعبرة فعلا ؟!.فما ان كانت الصورة القرءانية تشير الى :(( ان يجعلوه في غيابات الجبّ )) حتى اتت صورة الوحي الالهي هابطة ليوسف لتقول :(( وأوحينا اليه ..)) وكأنما الوحي هو يد القدرة الالهية التي امتدّت لتلقف يوسف وهو بين سماء وارض الجبّ ، لتنزله بهدوء وعلى سكينة مطلقة وهي تقول له :(( لتنبئنهم بأمرهم هذا )) فأي صورة بعد هذا التصوير القرءاني المعجز المنحوت بكلمات قرءانية صورته ( هذا النحت ) ظاهرة بكل لمساتها الفنية داخل اي فكر وضمير وروح ونفسي انسانية !.تصوروا معي : طفل بريئ يرمى به في جبّ ليس له ظلمة واحدة بل له غيابات عديدة للتدليل على عمقه وانه صاحب اكثر من غيابة واكثر من ظلمة عند النظر اليه من اعلى ، فهو لذالك بعيد القعر من الارض ، والذي يرمى به بحاجة الى وقت قصير جدا ليصل الى ارض الجبّ ، وفي اثناء اسقاط الطفل يوسف ع وفي لحظاته الاخيرة وهو مأخوذ بحرارة الروح المعلقة بين السماء والارض ، يلتفت فاذا لااسباب نجاة تذكر ، ولامعين يحضر ، ولا شيئ من علل الحياة تبقى ، فيسلم امره كله لله سبحانه وتعالى كأي انسان منّا يودع الحياة على الحقيقة ، فاذا الله سبحانه حاضرا عنده بوحيه ، واذا يد القدرة الالهية تصبح له حبل النزول المنقذ ، واذا عناية الرب الابدية تغمر الروح والقلب معا لتهدئ من الروعة ، واذا الاجتباء الالهي جاء وقته الان !.انها كانت عملية برمتها تشير الى اول صدق تأويل يعقوب لرؤيا يوسف ع عندما قال :(( وكذالك يجتبيك ربك ..)) فهل كان احدا في العالم ليفكر ان تكون اول خطوات اجتباء يوسف وهو في هذه الحالة ؟.ثم لماذا هذه الحالة ويوسف معلق بين سماء وارض وفي نزوله لقعر جبّ اسود كان الاجتباء ليوسف ع ؟.
al_shaker@maktoob.com

قصة يوسف ع رحلة حلم من سجن البادية الى عرش مصر-23


(( قالوا : لئن أكله الذئبُ ونحن عصبة ٌ أنّآ اذا لخاسرون )) ***** في تتبع مسيرة أخوة يوسف وابناء يعقوب في هذه القصة الكبيرة تبرز للمتأمل الكثير من ملامح شخصية هؤلاء الابناء الذي ابتلي بهم يعقوب ويوسف وعائلتهما بالعموم وعلى الجملة ، فهم بين القسوة والمكر يتقلبون ، وبين الذكاء والجهل يترددون ، وبين الخيانة والضمير يلعبون ، وبين الجرأة والارتداد يراوحون .... وهكذا من باقي ماتحدث القرءان العظيم به عن اخلاقياتهم السلوكية والنفسية والعقلية ايضا ، فهم بدأوا ب :(( ليوسف واخوه احب الى ابينا منا ونحن عصبة ان ابانا لفي ضلال مبين )) ليطرحوا انفسهم كعصبة مميزة عن يوسف وعن اخيه وعن حتى ابيهم ، لينتقلوا الى رمي الاب الذي من المفترض وحسب قول مايعتقده المفسرون من : انهم
يعلمون بنبوة والدهم يعقوب ، من رميه بالضلال ،..... والى الوصول الى الهوج في :(( اقتلوا يوسف او اطرحوه ارضا يخلُ لكم وجه ابيكم )) للتدليل على ان هؤلاء الاخوة وصلت ضمائرهم الى الموت الحقيقي في اقتحام الدم بهذه الصورة من الهوج والجهل والتجرأ على حياة الانسان ، ولك بعد هذا ان تدرك الدرك الاسفل الاخلاقي الذي وصل اليه أخوة يوسف في كلمة (( اقتلوا )) وتسأل : اذا كان هؤلاء الابناء ليعقوب وصلوا الى مرحلة رؤية قتل اخيهم الطفل البريئ بضمير بارد ، فكيف برؤيتهم لباقي افراد الانسانية وحرمة دمائهم عليهم ؟.والى اي منزلة اخلاقية ونفسية وفكرية متدنّية بحيث انهم لم يروا من يوسف وابيه الا انهم فريسة سهلة ؟.وكيف لم تكن حتى طفولة يوسف مبررا كافيا لاثارة ليس الرحمة فحسب وانما الرجولة والشهامة كذالك داخل ابناء يعقوب لتردعهم هذه الرجولة عن اقتراف مثل هذه الجريمة البشعة لطفل اعزل ؟.نعم نحن ندرك ان الفرسان تمنعهم فروسيتهم عن اقتراف مايقدح من اخلاق رديئة بهذه الفروسية ؟!.ونعلم ان العربان تدفعهم بعض اخلاقياتهم الجاهلية عن الاقتراب لمواقع العار والشنار في اعرافهم القبلية ؟!.وندرك ان الانسانية ضمير وشعور يردع الانسان عن التفكير اذا لم يكن السلوك في الاستفراد ببريئ وارادة قتله بلا مبرر ؟!.ولكننا لاندرك حتى هذه اللحظة مانوعية ابناء يعقوب الفكرية والروحية والنفسية والعاطفية عندما فكروا وخططوا وعزموا ونفذوا جريمتهم بحق يوسف ؟!.يذكر القرطبي في الجامع لاحكام القرءان رأيٌ من الاراء التي ارادت ان تبين قول يعقوب في :(( وأخاف ان يأكله الذئب ..)) على اساس ان يعقوب يشير الى ابنائه بمفردة (( الذئب )) الذي ذكرها في كلمته ، وماكان خوفه الا منهم بالحقيقة !. وهذا الرأي من جملة اراء وان كنّا لانؤمن بواقعية مقاصد النص القرءاني لها ، ولكن يبدوا انها لم تُرد تبيين النص القرءاني بالذات بقدر ماهي ارادت ان تجيب عن : ماهي نوعية ابناء يعقوب الواقعية ؟.فاجاب هذا الرأي ولكن بشكل بعيد على انها :(( الحيوانية المفترسة )) !.هل كانت بالفعل الاخلاق الحيوانية الذئبية المفترسة هي الحاكمة على حياة أخوة يوسف عندما اقدموا على جريمة قتل وتغييب يوسف عن ابيه ؟.دعونا نسأل السؤال ولكن من زاوية صورية اخرى لنقول : لو فرض اننا وضعنا يوسف الطفل البريئ والجميل أمام ذئاب حيوانية حقيقية ، ووضعنا نفس هذا اليوسف أمام اخوته من ابناء يعقوب ، فمن هي الجهة التي ستكون ارحم بيوسف من غيرها ؟.هل مجموعة الذئاب الحيوانية ستكون ارحم بيوسف بهداية الله سبحانه لها ؟.أم ستكون مجموعة ابناء يعقوب من البشر هي الارأف والارحم بيوسف ؟.سأترك شخصيا الجواب لضمائر كل واحد منّا يختار مايناسبه !.وأسأل من زاوية قريبة من النص القرءاني : ماهو الشيئ الذي لم يذكره النص القرءاني الكريم لملامح شخصية اخوة يوسف وابناء يعقوب ، ربما كان هو السبب في كل مشاكلهم الانسانية ؟.وماهو الملمح الذي يؤكد عليه النص القرءاني في ملامح شخصية ابناء يعقوب ، ربما يكون هو السبب لكل مشاكلهم الاجرامية بحق الانسانية ؟.ربما انا وانتم وجميعنا نلاحظ ان هناك مفردة كررت مرتين في كلام ابناء يعقوب انفسهم من خلال النص القرءاني الا وهي مفردة :(( ونحن عصبة )) وكذالك رتّب ابناء يعقوب على هذه الكلمة او الفكرة الكثير من مبررات افعالهم الشريرة ، ففي البدئ كانت ( ونحن عصبة ) السبب في نقمة اخوة يوسف على العناية الملفتة للنظر من قبل ابيهم ليوسف فقالوا :(( ليوسف واخوه احب الى ابينا منا ونحن عصبة )) فكانت فكرة ( ونحن عصبة ) سببا اصيلا في نقمة الاخوة وكذا تسرب الريب لدواخلهم على مستقبلهم ، وكذا اتهام والدهم بالضلال والسفه ... ، وكذالك عندما اراد ابناء يعقوب استخلاص يوسف من بين يدي ابيه يعقوب ايضا كرر الاخوة فكرة العصبة ، ولكن هذه المرّة في قبالة اظهار القوة والتحدي لعالم البادية المتوحشة فقالوا :(( لئن اكله الذئب ونحن عصبة انا اذا لخاسرون )) فهل عندئذ كانت (( العصبية )) هي من ابرز الملامح التي ذكرها النص القرءاني لابناء يعقوب على اساس انها أسُّ البلاء الاول ؟.الجواب نعم : العصبية هي ما أكد عليه النص القرءاني باعتبار انها الملمح الكبير والاصيل في شخصية ابناء يعقوب ، بل وهي الفكرة ( العصبية ) التي استولت على عقولهم وافكارهم على الاتمام بحيث لايرى ابناء يعقوب اي شيئ حولهم في حياتهم الاجتماعية الا من خلال هذه العصبية الملعونة !.وعليه كانت العصبية من ابرز ملامح شخصية ابناء يعقوب والمؤسسة لاخلاقياتهم السلوكية ونمطية مقاييس افكارهم القبلية ، ومن هنا كانت هي اساس ماوصل اليه اخوة يوسف من قسوة وجريمة وانسلاخ من انسانية وكذا تنازل عن الرجولية والتجاوز حتى على الاعراف القبلية الجاهلية ، فلايرى اخوة يوسف الحق الا مع العصبة والقوة ولايرون الرشد وعدم الضلال الا معها ، ولايروا الحياة بدونها ، ومن هنا كانت ردّة فعلهم على مبرر ابيهم :(( وأخاف ان يأكله الذئب ..)) سريعة ومباشرة ودالة جدا بقولهم :(( لئن اكله الذئب ونحن عصبة انا اذا لخاسرون )) !.والان : ما الشيئ الذي لم يذكره مطلقا النص القرءاني على اساس انه ملمح من شخصية ابناء يعقوب ؟.بعبارة اخرى ماهو النقص في ملامح شخصية ابناء يعقوب الذي اثر بشكل مباشر على كل كيانهم ؟.الجواب : الشيئ الذي افتقدناه كلنا جميعا من خلال قراءتنا للنص القرءاني المبارك من على السَنة وافكار وادمغة وسلوكيات اخوة يوسف وابناء يعقوب هو مفردة وكلمة وفكرة :(( الله )) سبحانه وتعالى !.هل ترى ان (( الله )) سبحانه وتعالى لاوجود له تماما لافي افكار ابناء يعقوب ، ولافي كلماتهم ، ولافي سلوكهم ، ولافي حساباتهم ، ولا في مخططاتهم على الاطلاق !.ولكنّ متى يكون (( الله )) حاضرا في حياة الانسان اي انسان ومشاعره وكل كيانه ؟.ومتى يغيب هذا الاله العظيم منها ؟.بالتأكيد الجواب هو : عندما يلتفت الانسان الى ((الله )) سبحانه وتعالى باعتباره وجود ، او باعتباره ممثل لوجود ما !.بمعنى اخر اكثر وضوحا : يحضر الله في فكري ومشاعري وكل كياني الانساني ، عندما اتيقن ان الله قوة بامكانها الدفع والجلب ، وعندما أؤمن ان الله سبحانه سبب حياة بامكانه الحفظ والاعدام ، وعندما استوعب بأن (( الله )) مسؤولية وحكمة وحاكم ومقدّر ومعطي ومانع ومنتقم وعادل .................... ، وكل هذه المعاني وماتعنيه في حياة الانسان الفعلية ، عندئذ يحضر (( الله )) بقوة في فكري وروحي ومشاعري وكل كياني الانساني الصغير ، بعكس مالو كان (( الله )) سبحانه وتعالة عاجزا وليس بذات فائدة ولاهو محركا ولامقدما ولامؤخرا في حياتي او حياة الاخرين ، عندها من حقي البحث عن القوة في العصبة ، والبحث عن العدل في القوة والبحث عن الامان والحفظ في التدبير والشيطنة ، عند هذا يكون من حقي عندما أفقد (( الله )) من حياتي ومايمثل ، ان تظهرفي حياتي (( العصبة )) وماتمثل !.ومن هنا كانت العصبة بعدما غاب (( الله )) تماما من حياة ابناء يعقوب هي القوة وهي الحق وهي العزة وهي ........ الحافظ ايضا لحياة الانسان من مخاطر الدنيا الكثير ، وعليه جاء ردّ ابناء يعقوب على ابيهم بقوة :(( ونحن عصبة انا اذا لخاسرون )) ليدللوا على ايمانهم المطلق بالعصبية وجحودهم الكامل للألهية ، وليؤكدوا على حضور العصبية في حياتهم وغياب (( الله )) سبحانه عنها !.فهل يعني هذا استحالة اجتماع الله والعصبية في قلب انسان واحد ؟.يبدوا مما ذكرناه اويشير الى انه لااجتماع في قلب امرء واحد لعصبية تمثل العزة والقوة للمؤمنين بها ، وبين الله ممثل العزة والقوة والحق في قلوب المؤمنين به سبحانه ؟.صحيح نحن نعلم ان لااجتماع للشيطان والرحمن في قلب انسان ما ، فهل هي نفس المعادلة بين الله والعصبية القبلية ايضا ؟.أم ان العصبية لم ترتقي بعد لتكون شيطانا رجيما ؟.في نهاية قصة يوسف ع في الاية (100) ستجدون يوسف يصف ماجرى بينه وبين اخوته وكذا الاسباب التي ادت لهذه الفرقة والقسوة والاجرام وكل الكوارث بانها كلها عبارة عن :(( من بعد ان نزغ الشيطان بيني وبين اخوتي )) وكذا نحن علمنا في بداية القصة انه لم ينزغ بين يوسف واخوته غير العصبية التي تمثلت كثيرا بقولهم :(( ونحن عصبة )) فهل كانت العصبة هي الشيطان الذي ذكره يوسف على اساس انها النازغ الحقيقي بينه وبين اخوته ؟.الجواب نعم : هي هي العصبية عندما تكون حكومة الشيطان وصولجانه واداة الفتنة وفرمانه .... تكون هي الشيطان ولكن بلباس آخر !.وكذا عندما ينبه الحكيم يعقوب يوسف الصديق وهو يقصّ عليه تأويل رؤياه من البداية حذره من الكيد !.ولكنّ من اي كيد حذر يعقوب يوسف ؟.من كيد اخوته على الحقيقة ؟.أو من كيد الشيطان ان الشيطان للانسان عدوٌ مبين ؟.بلى حذره من كيد الشيطان الذي استولى على اخوة يوسف من خلال العصبية الجاهلية ، ليجعلهم ينطقون بلسانه ويحامون عن سلطانه بلا ادراك منهم انهم يقولون (( ونحن شيطان )) بدلا من قولهم (( ونحن عصبة )) !.تأمل هذا :(( لئن أكله الذئب ونحن عصبة انا اذا لخاسرون )) وفكر بمدى ايمان ابناء يعقوب واعتدادهم بقوة العصبة ودفعها ، لابل تصرفها بالاقدار كيفما شاءت ، بلا ذكر حتى لاحتمال بسيط بفشل هذه العصبة او عجزها ، او على الاقل استثناء ماهو خارج عن سلطته بالقول (( انشاء الله )) أمام نبي بمنزلة يعقوب ؟.لكن شيئا من هذا لم يحصل ، والله غالب على امره !.
al_shaker@maktoob.com

قصة يوسف ع رحلة حلم من سجن البادية الى عرش مصر-22


((قال انّي ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون )) ****** عندما يواجه أبٌ كيعقوب عليه السلام أبناءً كأخوة يوسف الصديق ، وهم يدخلون عليه بحجج ومطالب واساليب غاية في المكر الخفي والذكاء البدوي اللئيم ليطرحوا (يابانا ) بنعومة الابن الشفيق والولد المطيع ، و( مالك ) بصيغة السؤال الغريب والاستنكار المبطن ، و (لاتأمنّا ) باسلوب العاتب المتألم والصادق النصوح ، و( على يوسف ) بلغة الاخ الحفيظ والشقيق الاكبر ، و( أنّا له ناصحون ) بلسان الوادع المضحي والحاني العطوف ، و( أرسله ) بخطاب الحرية وكسر القيود ، و( معنا ) بأطار الحماية والشعور بالقوة ، و ( غدا ) بروح الزمان وولادة صباح وبداية جديدة ، و (يرتع )
بمفردة الخوف على الصحة والتأمل في نماء القابلية ، و ( يلعب ) بشكل التهيئ والتربية ، و ( انا له لحافظون ) بمنطوق ومضمون التأكيد والقسم والحفظ .... عند كل هذه الطرق والاساليب والتعبيرات والمداخل والمخارج فماهو الشيئ المطلوب من الاب يعقوب ان يطرحه للاحتفاظ بيوسف قريبا منه وتحت نظره وفي كنف حمايته ؟.(( قال : انّي ليحزنني ان تذهبوا به وأخاف ان يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون ))وهنا طرح يعقوب المسألة المثارة حول يوسف ع بشكل مختلف عن كل ماطُرح من قبل اخوة يوسف من ابناءه الكبار !.فهو لم يشكك بأحترامهم الظاهر له في (يابانا ) ولم يظهر الريب فيهم ب ( مالك لاتأمنا ) ولم يقل انني قلق منكم في ( على يوسف ) ولم يُشر بعدم رغبته بالارسال ، ولم يعارض على الرتوع واللعب ، ولم يحرك دوافع حول حفظهم ليوسف .... الخ ، كل هذا لم يذكر في جواب يعقوب الاب لهم ، وانما ذكر يعقوب ثلاث عوامل رئيسية تدفعه لعدم الرغبة في ارسال يوسف وهي :اولا : العامل النفسي في ( اني ليحزنني ).الثاني : العامل الطبيعي ( وأخاف ان ياكله الذئب ).الثالث : العامل الانساني في اخوة يوسف :( وانتم عنه غافلون ).والان هل يوحي النص القرءاني المذكور ان ليعقوب معرفة بغدر ابنائه ومكرهم لهذا اعرض عن نفي تهمة عدم الايمان والثقة بهم ، وجاء بغير ذالك ؟.وهل ان يعقوب كان يشعر بمؤامرتهم فهو لذالك لم يعقب على تظاهرهم بالنصح والحفظ لاخيهم ؟.وهل يعقوب كان مدركا لمشروعهم الخطير في تغييب يوسف او قتله ، ولهذا اشار ب (وانتم عنه غافلون ) ليدلل على نية عدم الاعتناء باخيهم ؟.الحقيقة ان كل هذا لا اشارة عليه ولادليل لديه ، فليس في هذا الرأي وتلك التوجهات التفسيرية من الاسألة التي تفترض ان هناك دواخل ومؤشرات وأمارات كثيرة كانت تتحرك داخل يعقوب تجاه ابناءه ، وانه عالم بمكرهم ، وعارف بمؤامرتهم ، ولذالك اعتذر لهم ب ( اني ليحزنني ان تذهبوا به وأخاف ان يأكله الذئب وانتم عنه غافلون ) فليس في جواب يعقوب مايدلل على كل ما قيل في تبيين اعتذار يعقوب هذا لابناءه ، وانه باعتباره : كان يصب في اشارة يعقوب لكل ماذكره وخاطه خيال المفسرين حول اعتذار يعقوب هذا !.وانما الواقع : ان يعقوب ذكر وبصراحة وبلا حاجة لتأويلات في كلامه انه ليحزنه ان يذهب اخوة يوسف به وكفى !.أما ان اردنا ان نستبين : ماهو الشيئ المحزن بالنسبة ليعقوب في فراقه ليوسف ليوم او بعض يوم ؟.ولماذا هذا الحزن لمجرد فراق زمني بسيط بين يعقوب ويوسف ؟.وهل كان يوسف على هذا القول يمثل السعادة في وجوده المستمرة بالنسبة ليعقوب لهذا قال بحزنه ان فارقته هذه السعادة اليوسفية ؟.أم ان الامر بين يوسف ويعقوب لايتعدى معنى التلازم بين شيخ عجوز اقعده السن بلاعمل وحركة هو يعقوب ، وبين صبي يملأ فراغ الوقت الممل لذالك العجوز وهو يتحرك حوله ويشعره باستمرار الحياة فحسب وهو يوسف ؟.كل هذه الاسألة من ضمن توجهات النص الظاهرة جدا ، والسؤال حولها لايعتبر خروجا على النص القرءاني او تحميله مالم يقله او ينطق به ، لذالك اشرنا الى نوعين من فهم النص القرءاني تداخل في قصة يوسف :الاول : نوع يذهب الى افتراضات عقلية انسانية بشرية غير مذكورة اصلا لا في النص ولا في توجهاته الطبيعية !.والثاني : نوع يذهب الى استنطاق النص نفسه ومن خلال منطوقه وداخل مقاصده المباشرة تماما كالسؤال عن حزن يعقوب نفسه في قوله نفسه ( قال اني ليحزنني ان تذهبوا به ..) فمثل هذا يعتبر تبيينا وتفسيرا ، أما غيره من الاسألة فمجرد ظن ولايغني الظن عن الحق شيئا !.نعم : في الحالة الطبيعية لقراءة نص يعقوب (ليحزنني ان تذهبوا به ...) وعذره وتبريره لابناءه بعدم رغبته بمفارقة يوسف يدرك على الفور : ان هناك علاقة طبيعية جدا بين يعقوب العجوز الغير قادر على الحركة والتنقل والمشاركة بالحياة بفاعلية ، وبين صبي صغير يوسف يتحرك بدفئ امام هذا الشيخ العجوز ويملئ عليه فراغ الوقت ويلاعبه ويتكلم اليه ويضمه ويشمه ويستذكر ايام الشباب والرجولة والصبى ايضا عندما يكون بقربه !.وعلى قدر هذا المستوى من العلاقة الانسانية الطبيعية بين يعقوب ويوسف بالامكان فهم ماقصده النص التالي من القصة عندما اجاب الابناء عن اعتذار ابيهم :(( قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة انا اذا لخاسرون )) وتجاوزهم الردّ على مقول ابيهم هذا ( اني ليحزنني ان تذهبوا به ) باعتبار ان الابناء مدركون طبيعة هذه العلاقة الطبيعية الانسانية بين يعقوب ويوسف ، ومتفهمون تماما ان للعجوز الشيخ يعقوب عليه السلام الحق في الحزن والشعور بالتعاسة عندما يفارق صبي صغير يملأ عليه الفراغ ويجدد له الحياة ويرفع من وحدته الطبيعية في اخر العمر ، ولذالك لم ينكرالابناء على ابيهم مقولته ( ليحزنني ) من منطلق تفهمهم الكامل لهذا الشعور الابوي ، ولكن انكروا على ابيهم مقولته ( وأخاف ان يأكله الذئب ...) فاجابوه بحزم : ان لاتخاف من الذئب فنحن عصبة قوية ولئن أكله الذئب فاذن نحن خاسرون بالاعتداد بقوتنا !.صحيح : انه كان على ابناء يعقوب ان يقدروا عاليا رغبة ابيهم النفسية في استبقاء يوسف الى جانبه ، وان يحترموا مبرراته الروحية التي ترى في قرب يوسف منه سعادة له ، وفي بعده حزن وتعاسة ، ولكن هذا يكون من الابناء ان كانت دواخلهم العقلية والفكرية والنفسية نظيفة وسليمة ، أما وان كانت تلك الدواخل مغشوشة وشيطانية وشريرة ، فستكون الغاية هي المحرك وخيوط المؤامرة هي الحاكمة وفكرة استخلاص يوسف من بين يدي ابيه هي المرمى ، وعليه تجاوز الابناء رغبة ابيهم الروحية تلك ليجيبوا على مارآوه مبررا عمليا ليعقوب عندما قال :( وأخاف ان يأكله الذئب وانتم عنه غافلون ) واغفلوا الاجابة عن قوله :( ليحزنني ان تذهبوا به ..)) فافهم كلا المحورين محور طبيعية العلاقة ومحور عدم احترام الابناء لرغبة والدهم الروحية والنفسية والعاطفية ايضا !.ان هذه العلاقة التي ذكرناها انفا بين يعقوب النبي الكريم ع ، ويوسف الصديّق المجتبى ع ، هي العلاقة التي تطفوا على ظاهر الحياة الدنيا ، والتي نفهمها نحن بتلقائية كما فهمها ابناء يعقوب انفسهم بتلقائية طبيعية ايضا( بين اب عجوز وصبي جميل ) ، ولكنّ الله أعلم ماهي نوعية العلاقة الباطنية بين يعقوب نبي الله الكريم ، ويوسف مجتبى الله سبحانه العظيم ؟.هل هي علاقة فوق الطبيعية ، ولذا عبر يعقوب بطرف خفي لحزنه الشديد والمؤكد لفراق المجتبى يوسف ولو لفترة بسيطة من الزمن ؟.هل بأمكاننا فهم سرّ هذه العلاقة والمفترض انها فوق الطبيعية بين يعقوب ويوسف ؟.ماذا كان يعقوب يرى في يوسف ؟.تلميذ بحاجة الى رعاية ؟.أم انه مجتبى من قبل الله سبحانه يتعلم من سلوكه الفطري الالهي يعقوب النبي كل يوم شيئ جديد ؟.هل حزن يعقوب على فراق النبوة من بيته والمجسدة بيوسف ؟.أم انه ليحزنه الذهاب بيوسف كي لاتمرُّ ساعة ويوسف مهبط الاسرار الالهيه بعيدا عن يعقوب المنتظر للجديد في يوسف ؟.قال يعقوب : أنّي ليحزنني ان تذهبوا به !.لكنّ الابناء لم يفهموا المغزى ، ليس لسبب انه سرّ غامض بالتمام ، بقدر ما ان قلوب ابناء يعقوب قد اوصدت ابوابها باقفال ثقيلة جداً فاصبحت لاتدرك ان رغبة يعقوب وحزنه على فراق مجتبى هي اعظم عذرا من خوف يعقوب من ذئب مفترض انه الخطر على يوسف بعد غفلة اخوته عنه !.لكنّ من اين لاخوة يوسف هذه المعرفة السامية ؟.ومن اين لهم فهم مغزى كلام يعقوب الحكيم ان كانت العصبية الشيطانية قد استولت على كل كيانهم ؟.ومن اين لهم الالتفات وفهم مقاصد ومعارف وادراك وغايات ... كلام نبي بمنزلة يعقوب عليه السلام ؟.وهل بامكانهم التمييز بين حزن يعقوب الذي ينبغي ان يلتفت اليه باعتباره حزنا لله سبحانه وتعالى ، وبين تبرير ساذج كالخوف من ذئب مفترض ؟.هل بامكان اخوة يوسف ان يدركوا ان جوابهم لمبرر حزن يعقوب كان اولى من جوابهم لمبرر ( أخاف ان يأكله الذئب ) في :( لئن اكله الذئب ونحن عصبة انا اذا لخاسرون ) ؟.الجواب لا بالطبع فليس اخوة يوسف من النموذج المؤهل لادراك عالم يعقوب الجميل هذا ، بعكس يوسف الذي هو وحده الاقدر على اشباع نهمة المعرفة التي لدى يعقوب والده ، ولهذا عدل يعقوب عن حزنه وفلسفته ليشير الى خوفه من الذئب وغفلتهم عن يوسف فقال مردفا :( وأخاف ان يأكله الذئب وانتم عنه غافلون )؟.والان يضطرنا السؤال لمعرفة : هل حقا كان يعقوب يخاف من الذئب على يوسف ؟.وهل حقا كان يعقوب يخشى غفلة ابنائه عن حماية المجتبى يوسف ؟.ام ان هذين التبريرين الاخيرين من يعقوب :(( وأخاف ان يأكله الذئب وانتم عنه غافلون )) خطابا لذهنية ابناءه القبلية فحسب التي لاتفهم من العالم الا ظواهره واسبابه المادية لذالك اضطر يعقوب لذكر الذئب والغفلة ؟.يبدو وبقليل من التأمل لكلام يعقوب ، ان يعقوب لم يذكر خوفه من ذئب مفترض ، ولاخشيته من غفلة محتملة الا على سبيل تنبيه ابناءه لأخطار الحياة البدوية الطبيعية ، ولم يكن في وارد يعقوب ان يقول لنا نحن قرّاء النص اليوم او من سمع كلامه من ابناءه بالماضي : انني انا يعقوب بن اسحاق بن ابراهيم اخاف الذئب على يوسف واخشى غفلتكم عن حمايته وحفظه ؟.ولم يرد يعقوب الحكيم كما يُذكر في بعض المرويات التي اشك بمصداقيتها او بفهم مقاصدها الفكرية ، ان يلقن ابنائه الكذب ويجد لهم المفتاح لتبرير جريمتهم عندما التفتوا من كلمة ابيهم لمقولة ( فأكله الذئب وما انت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين ) !.الحقيقة لم يكن واردا في ذهن يعقوب خوفه الشخصي من ذئب ، باعتبار ان نبي الله يعقوب عليه السلام يدرك ان لحوم الانبياء والرسل محرمة على الضواري والحيوانات المفترسة اولا ، كما انها محرّمة على أكل الارض ثانيا ، وهذه المعرفة معرفة ربانية وبوحي قدسي تسري بجميع شرائع الرسل والانبياء ، ولهذا قلنا ان يعقوب ليس في وارد الخوف من سبع من سباع البادية على يوسف الا من منطلق تشديد الحرص على ابنائه وايصال الفكرة لهم حسب مايفهمونه هم من اخطار ، ولهذا قال يعقوب بخوفه من الذئب ليس فقط لتشديد التنبيه على ابناءه فحسب ، ولكن ايضا ليكون مبرره بعدم فراق يوسف مقنعا أمام هؤلاء الاخوة المتوثبين حماسا لاخذ يوسف من ابيه بكل طريقة !.بمعنى آخر : ان يعقوب يفهم ان لاسلطان لذئب حقير على لحم يوسف المجتبى من قبل الله سبحانه وتعالى ، ويفهم ايضا في المقابل ان الخطر لوفرض على يوسف فسوف يكون بشيئ اخر غير اكل الذئب له ، ويفهم يعقوب جيدا ان قدر الله سبحانه وعلمه في الاثبات والمحو كتاب لايطلع عليه الا الله سبحانه وتعالى فهو يفعل مايريد ويثبت اجتباء يوسف او يمحوه من سجل الانبياء بعلمه سبحانه ...... يعقوب عالم بكل هذا ، لكنه اراد اقناع الابناء وحسب مايفهمونه من الحياة ومخاطرها ومبررات خشية الانسان منها ، انه يرى الخوف من الذئب ، على امل اقناع الابناء بترك فكرة اخذهم ليوسف ، ولمنهم ومع الاسف بدلا من ان يقرّوا اباهم على مخاوفه انفتلوا يردون مبرراته بقولهم التافه :( لئن اكله الذئب ونحن عصبة انا اذا لخاسرون ) فيأس يعقوب من امكانية استيعاب ابناءه لمخاوفه فانتقل الى ( وانتم عنه غافلون )!.فهل هناك ربما شك في مبرر غفلتكم عن العناية بيوسف ؟.كأنما يعقوب الحكيم استبق حجتهم قبل ان يقولوها له ، فهو عالم بانهم سيقولون : ونحن عصبة ، وماشاكل ذالك من اجوبة تافهة ، فاراد ان يقطع الطريق عليهم ويختصر المسافة بقوله ( وانتم عنه غافلون ) لينبه ابناءه على انه لايشك بقدرة عصبتهم وقوة شوكتهم على الحماية والدفاع ، ولكنه يخشى ( الغفلة ) والسهو الذي يهجم على الانسان على حين غرّة فيفقده انتباهه وشدة حرصه فيقع المحذور وتكون الغفلة ويغفل عن الحفظ !.اي بمعنى اخر : ان يعقوب اشار في كلمته هذه ( وانتم عنه غافلون ) الى ان خوفي من الذئب ليس بسبب عدم قدرتكم وعصبتكم على دفع الف ذئب عن يوسف ، ولكن بسبب غفلتكم التي ليس لها وقت ان اتت وليس لها مكان ان ارادت ان تزور الانسان لتفقده الاحساس بالخطر ، وعندئذ يابنائي ( يقول يعقوب ) حتى لو فرضتم حريصين على يوسف بشدة ولكني لااستطيع فرض انكم لاتقعون بالغفلة والسهو ، لان الغفلة والسهو تاتي من خارج طاقة الانسان ورغم عنه فافهموا !؟.بعد هذا البيان الدقيق من يعقوب ع يلتفت اليه الابناء وبعقلية الاغبياء الذين لايفهون اي كلمة من الانبياء ليقول جوابا على ابيهم :( لئن اكله الذئب ونحن عصبة ...) فيئس يعقوب من فهمهم وترك الامر لله يصرفه كيفما شاء !.نعم يعقوب لايعتمد في حفظه على نفسه وعياله بمافيهم يوسف الصديق ع الا على الله سبحانه وتعالى ، وهو وان اراد دفع ابنائه عن فكرة اخذ يوسف معهم بان قال لهم : اخشى الذئب وغفلتكم على يوسف !. الا انه في جانبه الرسالي الاخر غير معتمد في الحقيقة على حفظ يوسف لا على الحيطة والعصبة والشدة لابنائه التي سوف تدفع خطر الذئب ، ولاعلى خوفه من غفلة المغفلين ابنائه بالاساس ، وانما هو دائما لايرى حافظا ليوسف الا الله سبحانه وهو خير حافظا وهو ارحم الراحمين ، كما انه لايخشى الا قدر الله سبحانه الذي قدر كل ثم هدى ، فافهم هذا تفهم قول يعقوب من بدايته حتى النهاية في :( اني ليحزنني ان تذهبوا به وأخاف ان يأكله الذئب وانتم عنه غافلون )!.
al_shaker@maktoob.com

قصة يوسف ع رحلة حلم من سجن البادية الى عرش مصر-21


(( أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وأنا له لحافظون )) ***** ما الشيئ الطبيعي وحسب انماط الحياة الاجتماعية البدوية الذي دفع يعقوب للسماح ليوسف ان يذهب مع اخوته يرتع ويلعب ؟. الشيئ الطبيعي بالنسبة ليعقوب كان رغبة ابناءه اصحاب العصبة بأن يصطحبوا معهم اخاهم الصغير للمراعي يرتع ويلعب وهم له من الناصحين في انفسهم والحافظين من عدوهم ؟. وهل كان هناك حراك شك او ريب يتحرك في صدر يعقوب تجاه هذا الطلب الاخوي لأخذ يوسف ؟. لوكان هناك مؤشرات خيانه ، او علامات مؤامرة على عنوان هذا الطلب لما سمح يعقوب مطلقا بأرسال يوسف الى المجهول !؟.
أذن ماهي الدواعي الاجتماعية الحقيقية التي ضغطت على يعقوب ليستسلم لارادة الاخوة الكبار ؟.وهل مجرد اللعب والرتع شيئ كافي لتعريض صبي لخطر الارض المذئبة في صحراء الشام الجنوبية الخطيرة ؟.الحقيقة انه ليس بأمكاننا فهم مداخل ومخارج تصرفات الوالد الحكيم يعقوب في مثل هذه الزوايا من حياته العائلية اذا لم نفهم اولا نمطية حياة البادية الاجتماعية وكيفية وظائف كل انسان في عضويتها ، وكذالك ليس بالامكان فهم وقوة طلب اخوة يوسف من ارسال يوسف معهم لمراعي البادية ، اذا لم نفهم ايضا لماذا ينبغي على يوسف الصبي ان يخرج معهم للمراعي والرتوع واللعب كذالك !.وعليه كان ولم يزل فهم نمطية اي حياة اجتماعية تطلعنا على فهم نمطية تفكير اي فرد من افراد هذا المجتمع ، ومن هنا تساءلنا : ما الشيئ الذي دفع وارغم يعقوب على ارسال صبيه العزيز جدا وجوهرته الثمينة في الحياة والذي يحزنه كثيرا فراقه لساعات الى ارض مذئبة وحلبات سباق ولهو يغفل فيها الحفيظ ويفرط فيها الناصح ؟.وفي نفس الاطار نتساءل : ما الشيئ في الحياة الاجتماعية البدوية لعائلة يعقوب وابنائه الذي اعطى دعم كبير لاخوة يوسف في مطلبهم ب :(( ارسله معنا غدا يرتع ويلعب ونحن له لحافظون ))؟. الواقع ان الشيئ الذي ارغم يعقوب على قبول طلب ابنائه بشأن يوسف هو : ان لحياة البداوة قوانين بشأن افرادها المنخرطين تحت أوامرها الاجتماعية العليا ، فلكل فرد عمله المناط به في حياة البادية ففي السلم الفرد البدوي اما مشتغل برعاية اسباب حياته وثروته الحيوانية والطبيعية ، واما انه يتهيئ من خلال التدريب الشاق على الدفاع والهجوم لصد الاعداء في حياة الصحراء ، وهكذا في الحرب فواجب الفرد البدوي منحصرا في دفع العدو والدفاع عن الاهل والثروة وحماية الوجود ، وهذه النمطية المعيشية لحياة البادية هي التي تطلعنا على حركة حياة عائلة يعقوب انذاك بشكلها الذي يفرض نمطيته وسلوكياته التربوية على جميع افراد الاجتماع البدوي ، ومن هنا كان الرجال في البوادي مدركين تماما لتقسيم نظم حياتهم الفردية والاجتماعية الاسرية المكبرّة ، أما الصبيان والجيل الذي يتهيئ للانظمام الى عصابة القبيلة فعليه ان يبدأ من سن معينة للتهيئ النفسي والجسدي الطبيعي لخشونة الرجولة وصعوبة العيش في الصحراء القاسية ليكون الصبية مهيئين طبيعيا على التكيّف ومن ثم الانتقال لحياة الحرب والسلم في قوانين البوادي المختلفة تماما عن قوانين التمدن وترف الابنية المدرية !.والان وبعد هذه الصورة من قوانين حياة البادية تتضح صورة طلب ابناء يعقوب من ابيهم في قولهم اولا :(( يابانا مالك لاتأمنّا على يوسف وانا له لحافظون )) باعتبار ان السؤال الاستنكاري جاء في اطاره البدوي والعصبوي القانوني الصحيح الذي يستهدف الانكار على الاب من زاوية قوانين المجتمع التي تعطي سلطة ادارة الشؤون في القبائل لاهل العصبة ، واخوة يوسف هم اهل العصبة (( ونحن عصبة )) وعليه فهم المسؤولون عن الكبار والصغار في حياة القبيلة ، بل وهم اصحاب الادارة الفعلية لشأن الاجتماع داخل القبيلة ، فهم مَن يدرك موقع فلان في لبنات المجتمع ، وصلاحه للحرب او للسلم ، او للرعي او الفروسية ... وهكذا ، يفهم اهل الادارة والعصبة امكانيات كل فرد في القبيلة والشأن الذي بامكانه ادارته من خلال التجربة والتدريب له ، ويوسف بن يعقوب على هذه النمطية التربوية صبي من صبيان القبيلة الكبرى ، ويجب ان يكون له دور في حياة البادية الصعبة المراس ، ولايهيئ يوسف لهذا الدور بوجود أب كيعقوب لايأمنه من الريح الداخلة في انفه ، فكيف لاهل العصبة البدوية ان يهيئوا طفل صغير لحياة اجتماعية قاسية جدا بوجود هذا الدلال الذي يصلح لحياة المدن الا انه مفسد لحياة البادية ، فجاء الاستنكار في محله تماما من قبل ابناء يعقوب ليقول :(( مالك لاتأمنا على يوسف )) وكأنما يريد ان يقول بما معنا : ان مثل هذه الرعاية المفرطة للصبي يوسف افساد له ولحياتنا القبلية الاجتماعية ، وموضوع انك ياوالدنا يعقوب تخشى على يوسف وتخاف عليه من كل شيئ حتى من انخراطه الطبيعي في حياتنا الاجتماعية ووجوب تعليمه وتلقينه وممارستها لحياة البادية .... كل هذا يجعل من يوسف عضويا غير فاعل في حياتنا البدوية ويعيقه من القيام باي وظيفة له في الحياة البدوية ؟.فكيف له ان يفهم كيفية الدفاع عن نفسه اذا لم نقم بتهيئته وتدريبه منذ الان ؟.وكيف له ان يتعلم رعاية الثروة والقيام على حفظها وطرق القيادة فيها ؟.وكيف لصبي ان يدرك طرق الصحراء ومداخلها ومخارجها والاقتداء بأثارها ؟.وكيف له في النهاية ان يصبح رجل بادية صلب وقوي ؟.كيف يكون كل ذالك ليوسف وانت تمنع عنه ياوالدنا المعرفة والادرام والممارسة والتدريب بأمساكك له بهذه الصورة ؟.ومن يقوم بكل هذه الوظائف الاجتماعية للصبي يوسف غير اخوته وعائلته ؟.فأذن :(( مالك لاتأمنا على يوسف وانا له من الناصحين )) فنحن نريد نصحه وفلاحه وتدريبه وفي النهاية تهيئته ليصبح رجلا يعتمد على نفسه في الحياة ؟.هذا هو المنطق الذي كان يفهمه اخوة يوسف في مطلبهم من ابيهم بضرورة الايمان والثقة بهم بشأن ادارة العائلة كلها ، كما انه نفس المنطق الذي يرغم يعقوب على السماح ليوسف ليذهب مع اخوته وكخطوة اولى لتهيئة صبي صغير في (( يرتع ويلعب وانا له لحافظون ))!.ان منطوق النص القرءاني الثاني لمقولة ابناء يعقوب في :(( أرسله معنا يرتع ويلعب وانا له لحافظون )) ايضا يصب بنفس دلالات النمطية الاجتماعية التربوية البدوية التي اشرنا اليها انفا ، فبعد الاستنكار على الاب يعقوب ع من قبل الابناء الاقوياء ، يأتي دور الابناء في شرح ماهية الاستنكار والطلب في سؤالهم الطبيعي ليقول :اولا :(( ارسله معنا )) وهي كلمة يفهم من معاكسها ان هناك امساك شديد ليوسف من قبل يعقوب ، فجاءت كلمة (( ارسله )) التي تدلل على اطلاق السراح والتحرر من القيود .... وماشاكل ، لتثير داخل دماغ يعقوب صورة الحبس والامساك والاعتقال لهذا الصبي الصغير يوسف ، مما يدفع الاب يعقوب باعادة النظر بامساكه الغريب هذا نوعا ما ، ويثير داخله الشفقة الابوية على صبي اسمه يوسف ، من جهة هو لابد ان يمارس الحياة بطبيعية كي يتأهل في هذه السن من العمر لينتقل الى مرحلة الشباب والرجولة ، ومن جهة اخرى فهو صبي يراد له اللعب للتمرّن على حياة البادية والرتوع للصحة والعافية ، وكلا المطلبين يدرك اي اب في هذه الدنيا انها من حقوق الاطفال والصبية الطبيعية ، فقرر يعقوب على الفور ضرورة القبول بالطلب وان كانت النفس تحزن لفراق هذا الصبي !.ثانيا :(( معنا )) وفي هذه المفردة ايضا معنىً ايحائي ليعقوب ، بأن الصبي يوسف سوف يكون في معية اخوته من العصبة الاشداء ، فلامبرر على هذا المنطق لقلق يعقوب او خوفه على يوسف ، وفيها ايضا اشارة من النص القرءاني : ان يعقوب عندما يسمع هذه الكلمة يطمئن اكثر على سلامة يوسف ، مما يدفعنا للاعتقاد انه وحتى هذه اللحظة كان يعقوب يعتقد في ابنائه الخير والحب لاخيهم يوسف ، بدليل (( معنا )) التي تؤكد ليعقوب : ان معية ابناءه في صالح يوسف وليس ضده ، مما دفعه للاطمئنان اكثر على الصبي ، ومما يشير الى ان الاخوة لم يقولوا هذه المعية ليوسف ان لم يكونوا على يقين انها فاعلة في مشاعر وعقل ابيهم العجوز يعقوب ، ولهذا قيل ليعقوب وكضمان له ((ارسله معنا ))!.ثالثا :(( غدا يرتع ويلعب )) وكأنما غاية الاخوة كانت في طلبهم من الاب يعقوب هي ليس تحميل يوسف مالاطاقة له من عمل الرجال في القبيلة ، وانما كان طلبهم لصالح يوسف نفسه باعتبار انه صبي يجب ان يهيئ للحياة بشكل عملي من خلال :اولا : (يرتع) بأن يتفكه من منتوجات البادية الزراعية والتي هي ليس بالطبع كفاكهة المدن الناعمة ، وانما هو تفكه من نوع آخر يعتمد على معرفة الزروع المفيدة لصحة الانسان من اعشاب البادية من الضار منها ، وكم هم اؤلئك من ابناء غير البادية الذين لايدركون من اعشاب الصحراء الضارة من النافعة فيقع المحذور ، بينما ابن البادية لابد ان يكون عليما بكل اصناف ثمار الصحراء ليميز بين الجيد والرديئ ، وكيف ليوسف الصبي بهذه المعرفة الا من خلال الممارسة والتجربة والخروج مع اخوته للرتوع واستذواق ثمار الصحراء والبادية ؟.وثانيا :(( يلعب )) واجمل المعرفة والادراك ماكان معه لعب ، او ان غاية لعب الصبيان لاكتشاف الحياة من حولهم ، وهو كما ترى ضرورة تربوية صالحة لكل زمان ومكان !.الان هناك من المفسرين من ذهب يمينا وشمالا ليتخبط بلا ادنى ادراك وفهم لمقاصد القرءان العظيم من نقل مفردة (( يلعب )) وانه كيف يجوز لنبي كيوسف ان يلعب ؟. او ان اخوة يوسف لايفهمون من الحياة الا اللعب فاعتقدوا ان يوسف يلعب !. ..... الخ كل هذا وغيره من عالم المحسوبين على اهل التفسير لاينبغي الالتفات اليه او احترامه !.لكن يبقى ان للمفردة القرءانية اي مفردة مكانها الاعجازي العظيم ، و (( يلعب )) وان كانت اتت على لسان ابناء يعقوب ونسبة اليهم ، الا انها كلمة تنم عن عقلاء حاولوا حياكة مؤامرة تستهدف انتزاع يوسف من ابيه الحريص عليه جدا ، فكان الرأي طرح مالاحجة ليعقوب برفضه ، فكانت (( يرتع ويلعب )) احد الادوات التي تخضع يعقوب للمطلب ، وعلى اي حال اللعب ليس هو بالشيئ السيئ للصبية بقدر ماهو الشيئ الطبيعي لتعرفهم على الحياة ، ويوسف على هذا المنطق بحاجة الى تربية اللعب الضرورية لاكتشافه حياة البادية التي يراد لها ان تكون الحاضن الاجتماعي الطبيعي له ، وعليه كصبي ان يدرك الحياة من حوله اولا ليداف عنها فيما بعد او الاصح يدافع فيها عن وجوده ووجود عائلة من خلال قوانين معروفة سلفا لديه ، وهذا ماكان من غاية لابناء يعقوب في كلمتهم لوالدهم بشأن يوسف (( ويلعب )) وهذا مايضطر والدا كيعقوب بالسماح ليوسف باللعب والذهاب مع اخوته للعب بحياة البادية !.رابعا :(( وانا له لحافظون )) وفي هذه الجملة وحدها ثلاث تأكيدات لغوية لاخوة يوسف تطرح امام الوالد يعقوب :الاول :(أنّ ) والذي تفيد القوّة ، قوة تأكيد الحبر للمبتدأ .ثانيا : ( ل ) اللام والتي تفيد التأكيد بالمطلق .ثالثا :( حافظون ) والتي تفيد الحفظ المباشر بالمنطوق .وعلى هذا لم يكن امام العجوز يعقوب الا الموافقة !ز
al_shaker@maktoob.com

قصة يوسف ع رحلة حلم من سجن البادية الى عرش مصر - 20


(( قالوا يأبانا مالك لاتأمنّا على يوسف وانّا له لناصحون ، أرسله معنا غداً يرتع ويلعب وانّا له لحافظون )) ***** بعد ان فُضّ مؤتمر ابناء يعقوب ، بمايبدو انه توافق كامل على رأي الاخ الاكبر لهم في :(( لاتقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجبّ يلتقطه بعض السيارة ان كنتم فاعلين )) هانحن في هذا النص القرءاني المبارك لقصة يوسف نطوي صفحة المؤتمر ، لنفتح صفحة تنفيذ المؤامرة ولكن هذه المرّة بوجهها العملي ومع الاب يعقوب ع بالذات !. انه المشهد الاول في القصة الذي يجمع الاب يعقوب وابنائه وجها لوجه ، بعد مشهد يعقوب ويوسف الذي تمت فيه سرد الرؤيا وتحذير يعقوب
ليوسف من قصّ الرؤيا على أخوته وكيدهم ، وبعد مشهد الاخوة فيما بينهم والبين الاخر وهم يأتمرون بشأن الاب يعقوب وولده يوسف ، والان نحن في هذا المشهد أمام ابناء يعقوب وابيهم وهم يطلبون بشكل تسائل استنكاري وغريب حول :(( قالوا يأبانا مالك لاتأمنا على يوسف ...)) مع التفاتة لم يذكرها النص القرءاني لاتمام غرضها في نفس هذا النص :(( قالوا يابانا ..)) وهي لفتة اتفاق ابناء يعقوب ايضا على الحجة والاسلوب الذي من خلاله يتم استدراج يوسف الى فخ التغييب من جهة ، واستخلاصه من يد الاب يعقوب القابضة عليه بقوة من جهة اخرى ، ففي النص القرءاني لاذكر لهذه النقطة في النص ولكننا فهمناها من خلال نص (( قالوا يابانا مالك لاتأمنا على يوسف ..)) اجماع قولهم على هذا المقترح ، وكأنما هذا النص جمع بين الغايتين معا بلا موجب لتكرار الصورة في مشهدين متتاليين ، الاولى غاية سؤال افتراضي يسأل : وهل اتفق ابناء يعقوب في مؤتمرهم ايضا على الكيفية التي من خلالها يتم تنفيذ المؤامرة ؟.وسؤال كيف سيتم تنفيذ المخطط التآمري الذي سيطيح بيوسف في غيابة الجب ؟.فجاء النص :(( قالوا يابانا مالك لاتأمنا على يوسف ..)) ليشير الى الصيغة والى توافق الاخوة عليها والى الكيفية معا ؟!.نعم يبقى في نفس هذا النص من المشهد الثالث لقصة يوسف ع الكثير من الدلالات الفكرية والنفسية والتوضيحية لزوايا وخبايا القصة الانسانية ليوسف ومنها :اولا : هل في هذا النص :(( قالوا يأبانا مالك لاتأمنّا على يوسف وانا له لناصحون )) دلالة على خوف يعقوب من ابناءه على يوسف كما نقل صاحب التفسير الكبير الرازي ؟.الحقيقة ان هذا النص يشير بقوة اكثر ليس الى خوف يعقوب من ابناءه بقدر ماهو شك من قبل الابناء في ثقة الاب بهم ، وكأنما النص يريد ان ينقل لنا الحالة النفسية للابناء قبالة والدهم العجوز اكثر من نقله لخوف الوالد يعقوب منهم !.وربما هناك من يعتقد ان المسألة واحدة لكن بوجهين ، وهذا غير صحيح بسبب أنّنا نتحدث الان في توجه النص القرءاني ومقاصده التي هي المحدد الاساس للفهم الصحيح للنص ، وهل هو ذاهب لاظهار خوف الاب من ابنائه أم انه ذاهب لاظهار قلق الحالة النفسية للابناء قبالة والدهم ؟.الجواب نعم : ان النص القرءاني ذاهبٌ بقوة لاظهار مقولة الابناء بالذات ، وتقديمها على خوف الاب منهم في احدوثة يوسف!. وصحيح ان للاب يعقوب سوابق في :(( فيكيدوا لك كيدا )) ولكن الاب على شرطه مع يوسف (( لاتقصص رؤياك )) ويقينه بان يوسف لايخون وعده وهو مطمئن القلب ان لاشيئ قد تسرب من أمر الرؤية فهو لهذا لم يكن قلق الفؤاد بعدُ من قبل ابنائه لعدم معرفتهم بشيئ او لعدم اصطدامهم بشيئ يثير شكوكهم الباعثة على حياكة الكيد !.ومن هنا جاء النص القرءاني بدقته المعروفة لينقل لاقلق الاب يعقوب وتوجسه خيفة في هذا المشهد الزمني بالذات قدر ماهو ناقل لانزعاج الابناء وتسائلهم حول العناية الغير مبررة للصبي يوسف وتقييده لحد الاعاقة بين قبضة الوالد الحريص ، ولماذية عدم ارساله كباقي الصبية !؟.ثانيا : وهل كان هذا النص القرءاني يشير فحسب الى الحالة النفسية القلقة للابناء قبالة والدهم وشكهم في ثقة الوالد بهم ؟.أم ان النص يشير ايضا الى حالة من النقد لحرص الاب الزائد عن الحد للصبي يوسف ؟.الواقع ان النص ايضا يشير الى حالة نقد بشكل سؤال يفترض شيئين قبالة حالة الاب ويوسف :الشيئ الاول : هو ان يعقوب ليس له ثقة بأبناءه بشأن يوسف :(( مالك لاتأمنّا على يوسف )) !.والشيئ الثاني : هو ان يعقوب قد ارتقى بحالة الحرص على يوسف بشكل يبدو في ظاهره للاخوة ولغيرهم ايضا انه شكل مرضي اكثر منه شكل صحي ، ومن هذا جاء سؤال الابناء لاليؤكد ان هناك شكوك من قبل يعقوب ع او عدم أطمئنان قلبي تجاههم ، بقدر مايؤكد نقد الابناء لتصرفات ابيهم العجوز وهو يحيط صبيه يوسف بنوع من العناية المثيرة للتساؤل ولهذا جاء الاستنكار ب (( مالك لاتأمنّا على يوسف وانا له لناصحون )) فمن حقك يايعقوب الحرص من الغريب ولكنّ مامبرر الحرص الزائد امام الناصح الحفيظ ؟.ثالثا : ماذا قصد النص في قول الابناء :(( مالك لاتأمنّا على يوسف )) ؟. هل قصد الدلالة على ان هناك سوابق بين يعقوب وابنائه تدلل على عدم الثقة المتبادلة بين يعقوب وابنائه ؟.أم قصد الدلالة على ان يعقوب يثير بعنايته المبالغة تساؤلات غاية في الغرابة ، وانه لايأمن جميع البشر على يوسف وليس فحسب ابنائه المخلصين ؟.أم قصد مجرد حالة نقد من قبل الابناء لابيهم فحسب ؟.القصد الاول لادليل عليه ، بل العكس هو الصحيح باعتبار انه لوكانت هناك سوابق تشير الى يعقوب بعداء ابنائه ليوسف لكان واجبا عليه عدم ارسال يوسف معهم وعدم الخضوع لطلبهم ، ففي مثل هذه الحالة المفترضة لعلم يعقوب بكيد ابنائه لاخيهم ومع ذالك قبل بطلبهم يكون يعقوب مفرطا في يوسف اذا علم او شكّ ان ابناءه يضمرون الشرّ ليوسف ع ومن ثم وبعد ذالك سهّل لهم امر اخذ يوسف والاستفراد به ، فيعقوب صاحب عزيمة ويقين وهو نبي من المكرمين ، فكيف يكون على يقين من محاولة ابناءه للايقاع باخيهم يوسف ، ويسهل لهم الامر ويشاركهم في المرمى ويسلمهم يوسف ليقضوا عليه ؟. ومن هنا كان المقصد الاول الذي بنى عليه جميع المفسرين مقولتهم في تبيين :(( مالك لاتأمنا على يوسف )) وان يعقوب كانت له سوابق مع ابناءه وخيفة منهم كله بناء واه ولايستند على بينة او دليل فكري قاطع !.نعم قال يعقوب :(( فيكيدوا لك كيدا )) لكنه مقول يفترض الحالة بعد معرفتهم بالرؤيا والتأويل ليوسف ، ولكنه لايبني الحقيقة على ذاك الافتراض ، ومن هنا كان سلوك الاب يعقوب مع ابنائه طبيعيا جدا وغير متأثر بوصية ويكيدوا لك كيدا !.أمّا القصد الثاني والثالث فهما المقصدين الاقرب لمنطوق ومضمون النص القرءاني :(( مالك لاتأمنا على يوسف )) الذي يبرر لنا شرعيا دينيا وعقليا تصرف يعقوب النبي ع وسماحه ليوسف بالذهاب مع اخوته باعتبار ان ليس هناك شبهة شك في نوايا الابناء الكبار من قبل يعقوب ، وليس هناك مايشير في تصرفاتهم لسلوك يثير الشك والريبة لدى يعقوب وعليه كان يعقوب موافقا لذهاب يوسف معهم ليرتع ويلعب على حسب مارآه يعقوب بانه شيئ ليس فيه خطر على يوسف ، ولهذا فهم يعقوب مقولة ابناءه :(( مالك لاتأمنا على يوسف )) باعتبارها :اولا : نقد موجه بشكل مباشر لسلوكه تجاه يوسف بشكل يستفز مشاعر الباقين ، ويعقوب حريص ان لاتكون علاقته بيوسف مثار اشكال بينه وبين اخوته ، فهو لذالك وتأكيدا لعدم صحة مدعى الحرص الزائد سمح ليوسف بالذهاب مع اخوته ليقول يعقوب لابنائه بصورة عملية : ان حرصي على اخيكم يوسف هو من الغريب العدو وليس من الاخوة والاشقاء ولهذا سمحت لكم بالذهاب به غدا يرتع ويلعب !.وثانيا : باعتبار ان كلمة ابناء يعقوب :(( مالك لاتأمنا على يوسف )) بالنسبة للاب يعقوب كانت بمثابة تحدي بالنسبة لابناءه وبمقدرتهم على حماية العائلة اليعقوبية برمتها ، فليس من الشيئ البسيط في الاعراف القبلية البدوية عدم ثقة الاب الكبير بقدرة ابنائه المقاتلين والمدافعين عن حمى القبيلة !.ولهذا كان منطوق النص القرءاني (( مالك لاتأمنا على يوسف )) يشير بمضمونه الى مامعناه بسؤال الابناء لابيهم : ما الشيئ الذي يدفعك بعدم الثقة بنا لحماية صبي صغير مثل يوسف ؟.هل هو الخوف عليه ؟.وكيف تخاف عليه ونحن اصحاب القدرة والكفاءة لحماية الاهل والعائلة كلها ؟.وهل شككت يوما بقدرتنا على حماية الديار او القيام بحفظ الجار او توفير المعيشة للصغار وللكبار ؟.فما معنى عدم أيمانك بمقدرتنا على حفظ اخانا الصغير ؟.مالك لاتأمنّا على يوسف ؟.وفي مثل هذه الحالات وتحت وطأة شعور الابناء وغضبهم من نظرة ابيهم لهم ، ما على الاب الا ان يثبت العكس ، وهو ان يقول بلسانه وافعاله انه على ثقة عالية بمقدرة ابنائه وكفائتهم بادارة شؤونه وشؤون اسرته الكبيرة ، ولهذا كان قرار يعقوب بالسماح لهم باصطحاب يوسف معهم يرتع ويلعب، ليدلل لهم ان حاله على غير ما اعتقد الابناء في ثقة ابيهم بهم ، وكأنما جاء فعل يعقوب ع بارسال يوسف معهم جوابا لسؤال ابنائه :(( يابانا مالك لاتأمنا على يوسف ))؟ !.الان اتضح مطلوب النص القرءاني وغاية مقاصده من قوله في قصة يوسف :(( قالوا يأبانا مالك لاتأمنا على يوسف وانا له لناصحون )) باعتبار انها الطريقة المثلى لابناء يعقوب في استخلاص يوسف من بين اصابع يعقوب القابضة عليه بقوة ، فليس هناك حجة للاب بالامتناع امام هذا المنطق الا موافقة الاب على السماح ليوسف بالذهاب مع اخوته يرتع ويلعب ، ولكن هل هذا هو كل شيئ في كلمة الاخوة :(( مالك لاتأمنا على يوسف وانا له لناصحون )) ام ان هناك الحجج الاخرى في مضمون المنطوق القرءاني دفع يعقوب على الموافقة على ارسال يوسف مع اخوته ؟.
al_shaker@maktoob.com

قصة يوسف ع رحلة حلم من سجن البادية الى عرش مصر-19


(( قال قائل منهم لاتقتلوا يوسف وألقوه في غيابت الجبّ يلتقطه بعض السيّارة ان كنتم فاعلين )) *********** هذا هو الرأي الثالث في مؤتمر ابناء يعقوب لأغتيال او نفي يوسف الصديق ع في قصته بعد ان كان الراي الاول والثاني يشيران الى :(( أقتلوا يوسف او اطرحوه ارضا يخلّ ُ لكم وجه ابيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين )) وهو الرأي الذي مثل وبالفعل الاقل قسوة والاكثر رحمة من باقي الاراء الاخرى في مؤتمر اخوة يوسف ، وقد اختلف ايضا في اسمية وماهية القائل له ، فمن المفسرين من ذهب الى انه اكبر ابناء يعقوب يهوذا ، ومنهم من قال روبيل ابن خالة يوسف ، ومنهم من قال شمعون ، واخر قال انه لاوي
، وعلى اي حال يبدوا ان هناك اشارة او قرينه في النص القرءاني تعضد قول من قال انه اكبر ابناء يعقوب ، وهذه القرينة وان لم يلتفت لها المفسرون او يذكروها للتدليل على رايهم ، الا انها ظاهرة عند التأمل وموجودة وهي ظاهرة (( النهي والامر )) في الخطاب القرءاني المذكور ، ففي قوله سبحانه :(( قال قائل منهم لاتقتلوا يوسف والقوه في غيابت الجبّ يلتقطه بعض السيارة )) ثلاث اشارات لطيفة تدلل على ان القائل هو الاخ الاكبر وهي :اولا :(( قال قائل منهم )) ففي هذا النص نوع من الاشارة ان صاحب هذا الرأي كان مميزا بالقول او المقول المسموع عند الجميع من اخوته ، فوصفه بصاحب قول يشير وان كان من بعيد الى ان هذا القائل مسموع لقوله او هو كثير القول في امرهم لهذا جاءت الصياغة (( قال قائل منهم )) للاشارة انه صاحب قول مسموع في احيان كثيرة .ثانيا : ((لاتقتلوا يوسف )) وهي اشارة ثانية ان صاحب هذا الخطاب يملك النهي كما يملك الامر كذالك ، ومن يجمع بين النهي (( لاتقتلوا )) والامر (( والقوه في غيابت الجبّ )) لاريب انه المقدم في اخوته ولايكون مقدما في عالم البداوة والعصبة الا الاخ الاكبر بعد الاب ، وهذا الراي الثالث بخلاف الرايين الاوليين الذي ذكر فيهما صيغتا الامر فحسب (( اقتلوا يوسف او اطرحوه ارضا )) ففيهما نوع من أمر الشورى البدائية ، أما الراي الثالث الذي جاء بالنهي اولا :(( لاتقتلوا يوسف )) وبالأمر ثانيا :(( والقوه في غيابت الجبّ )) ففيه نوع السلطة المهيمنة على الامر والنهي برمته ولهذا قلنا ان صاحب الرأي الثالث هو المرجعية الاخيرة لأبناء يعقوب بدليل حيازته على الامر والنهي من جهة ، وعلى ان الاكبر سنا هو المتقدم عرفا في قوانين واعراف البادية التي كانت تسكن فيها عائلة يعقوب الكبيرة !.ثالثا : ان سكوت ابناء يعقوب وامضاء العمل بما اشار به صاحب الراي الثالث بلا ادنى تحفظ من قبل ابناء يعقوب الاخرين وان كان مختلفا مع الرايين المتقدمين ، يشير من هنا وهناك ان الرأي النهائي كان لصاحب هذا المقترح بشأن يوسف ، فالنص القرءاني بعد هذا الراي ينتقل بلا تعقيب يذكر الى صورة أخوة يوسف وهم يقومون بمضمون هذا الراي ليدلل انه الرأي الذي توافق عليه جميع ابناء يعقوب بلا معارض ، مما يعني ان صاحب الرأي الثالث :(( لاتقتلوا يوسف والقوه في غيابت الجبّ يلتقطه بعض السيارة )) كان عليه وعلى رأيه ومقوله نوع من الاجماع على انه صاحب السلطة الفعلية في عصبة ابناء يعقوب وانه اكبرهم ومرجعهم في الامر !.كما انه وزيادة على الاشارات الثلاث هذه فأن مضمون المقول في النص القرءاني ونسبته الى قائل منهم ايضا فيه نوع من الاشارة الى ان صاحب الرأي الثالث كان صاحب مسؤولية اكثر بكثير من اخوته الباقين المندفعين الى ايصال الاذى ليوسف فحسب ، فمنهم من قال بالقتل المباشر ، ومنهم من قال بالقتل غير المباشر ليخلُ وجه الاب تماما ، أما ما ذكره صاحب الرأي الثالث ففيه الكثير من الدلالة على تسرب روح الرحمة الضعيفة القريبة من الابوية الى الخطة ليدلل هذا الرأي على التالي :اولا : انه رأي مختلف عما طرح سابقا في الصيغة وفي المضمون ، فبينما كان الرأي الاول (( اقتلوا يوسف )) عدوانيا همجيا مئة بالمئة ، وكان الثاني (( او اطرحوه ارضا يخلّ لكم وجه ابيكم )) عدوانيا متعقلنا مع ذكر الغاية العملية من القيام بالجريمة وهو خلُ وجه الاب للابناء ، جاء الرأي الثالث مقدما النهي على الامر (( لاتقتلوا يوسف )) للتدليل على ان فكر القائل يذهب للمنع قبل الامر في صياغة الجريمة او هو يفكر بالنهي عن المنكر قبل الامر به وهذا جيد على اي حال !.ثانيا : ذكر هذا الرأي الغاية من طرح فكرة (( والقوه في غيابت الجبّ )) بدلا من ذكر الغاية من القيام بالجريمة كما ذكر في الرأي الثاني ، مما يشير الى ان صاحب الرأي الثالث اقترح (( والقوه في غيابت الجبّ )) ليس بسبب الوصول الى غاية (( يخلّ لكم وجه ابيكم )) كما هي في الراي الثاني ، وانما لغاية :(( يلتقطه بعض السيارة )) !.بمعنى آخر : ان ماشغل فكر الرأي الثاني في حياكة الجريمة كان مفكرا وبشكل اساسي في غاية وكيفية خلُ وجه الاب فحسب ، حتى وان كان على وسيلة طرح يوسف بصحراء يكون فيها الموت محققا بالنتيجة ، بينما كانت الغاية من طرح الاخ الاكبر في (( والقوه في غيابت الجبّ )) لم تكن ليخلُ وجه الاب للابناء الكبار ، وانما ليلتقطه بعض السيارة ، فكان تفكير طارح الاقتراح مفكرا في انقاذ يوسف اولا من الموت ، او الاحتفاظ بحياته على الاقل ، وان كان على يد سيّارة اناس سائرين يلتقطونه ليحتفظوا به وليوفروا له اسباب الحياة فيما بعد !.والفرق هنا واضح بين تفكير يتجه بالكلية للتخلص من يوسف وباي ثمن ، وبين تفكير يوافق على المشروع بخطوطه العامة (( يخلُ لكم وجه ابيكم )) ولكن ليس على حساب حياة هذا الطفل البريئ المسمى يوسف !.وعليه حتى وان كان الاخ الاكبر ليوسف موافق على الغاية الكبرى ، الا انه كان يرى وجود حل وسط يرضي جميع الاطراف وبلا عنف زائد يوفر من جهة تغييب يوسف ، ومن جهة اخرى يحافظ على حياته !.ثالثا : في الرأي الثالث لمصير يوسف لمسة ربما عاطفية او ربما فكرية ارادها صاحب الرأي الثالث بخفاء لعله يغيب عن اذهان الباقين من ابناء يعقوب لمقولته :(( والقوه في غيابت الجبّ ..)) ففي الرأي الاول قتل وموت محقق ليوسف ، وفي الرأي الثاني طرح في ارض مجهولة الذاهب فيها بلا عودة ، اما : لماذا انتخب صاحب الرأي الثالث (( الجبّ)) بالتحديد ليكون مستقرا مؤقتا لتغييب يوسف الى بعيد ؟.فهو بالاضافة لموضوعة السيّارة لاريب لوجود سبب الحياة في جبّ مقطوع في وسط الصحراء !.فالماء احد اسباب الحياة الضرورية والانية لاي انسان يحاول البقاء مدّة اطول في هذه الحياة ، والراي الثاني ملتفت الى قطع اسباب الحياة عن يوسف في طرحه ارضا في صحراء لاوجود لماء في عروقها اليابسة ، اما على راي صاحب الجبّ فانه كان ملتفتا اولا لحياة الفتى الصغير ومفكرا فيها بعناية ، ولهذا هو اعرض عن فكرة طرح يوسف في صحراء قاحلة كما نهى عن قتل يوسف على الاطلاق ، فلم يبقى امامه الا توفير اسباب الحياة ليوسف اطول فترة زمنية ممكنة من خلال وجود ماء في الجبّ ، بالاضافة الى يقينه بمرور سيّارة من الناس تتكفل بالعثور على يوسف بالجبّ ومن ثم التقاطه وتوفير اسباب العيش معهم على اي محمل !.رابعا : نعم هذه الرحمة الضعيفة التي تمّيز بها اخو يوسف الكبير لاترفع عنه وزر مشاركته بالجريمة البشعة التي حاكها ضده ابناء يعقوب واخوته ، ولعل في نص :(( ان كنتم فاعلين )) نوع اشارة يدلل على ان الاخ الاكبر لابناء يعقوب وصاحب رأي :(( لاتقتلوا يوسف والقوه في غيابت الجبّ )) كان مغلوبا على أمره ايضا من قبل باقي الاخوة ليوسف ، بدليل اشارة :(( ان كنتم فاعلين )) ونسبة الفعل لهم بالكلّية وتخليص نفسه هو من بينهم ، فهو لم يقل :(( ان كنّا فاعلين )) ليشرك نفسه معهم ، ولكن اتى بالفعل هذا ونسبه لهم ليشير انه ليس من ضمنهم الفاعل لهذه المؤامرة الحقيرة ، ومن هنا قلنا ان الاخ الاكبريبدو انه حاول على قدر مستطاعه على مايظهر من النص : اولا ايقاف ونفي والنهي عن فكرة القتل نهائيا ، وثانيا ممالئة الاخوة على غايتهم في تغييب يوسف ولكن ليس بالطريقة الثانية التي تفضي لجريمة قتل متعمدة بطرحه بارض مهلكة ، وثالثا اشار الى الجبّ ليوفر اسباب الحياة ليوسف اولا وقبل كل شيئ مع توفير الجب ايضا لمرور السيّارة المخلصين ليوسف !.وكل هذا يعتبر قرائن توظف لصالح نية الاخ الاكبر ورفضه الغير معلن للمشاركة بفعل الجريمة ، ولكنّ مع ذالك تبقى مسؤولية المشاركة ولو بالصمت عن اظهار الحقيقة للاب يعقوب ، او الوقوف بقوة وتضحية ضد الجريمة !.صحيح : وكما يقال الاخ الاكبر الاب الثاني للعائلة ، ومهما يكن من بعده وقسوته ولكن موقعه يفرض عليه دائما الشعور بانه الخطوة التالية لابوة العائلة بعد الاب الاكبر فيها عندما يغادر الحياة ، ولهذا فليس من الغريب ان نلمس الرحمة في هذه الجريمة من اكبر ابناء يعقوب وهو يطرح رأيا على كل مافيه من قسوة هو مع ذالك يحمل رحمة ابقاء الحياة ليوسف !.خامسا : بالطبع وكما قلنا ان بعد هذا المقترح الذي في ظاهره رحمة وفي باطنه عذاب ليوسف ، ستتحول حياة يوسف على يد هذا المقترح من الحياة كحرّ مع نبي من انبياء الله العظام وسيد وابن سيد في قومه الى لقيط مجهول النسب !.هل يدرك الانسان ماذا يعني ان يعيش الانسان لقيطا ؟.الاحرار الكرام يدركون ماذا يعني ان يعيش الانسان لقيطا مجهول النسب ويعامل على اساس الشي التافه او العبد الحقير الذي لايملك نسبا ولا اصلا ولا مقاما كريما !.نعم الاحرار وحدهم يفهمون بعمق حالة يوسف الصديق ع ويشعرون بآلامه الحقيقية عندما يتصور ان الكريم ابن الكريم ابن الكريم اصبح لقيطا تتقاذفه الايدي ليباع ويشترى بثمن بخس !.كل هذا كان ثمن اجتباء الله سبحانه ليوسف ع !.وكل هذا قام به الاخوة تحت ضغط الرغبة بالسلطة ودفع الشيطان لهم ؟!.كل هذا كان ألما يفهمه الاب يعقوب بحرارة ، وفهمه فيما بعد يوسف بألم عندما بقي لعشرات السنين يعيش في هذه الدنيا بهوية عبد لقيط حتى تحريره بالسجن من قيود العالم الظالم !.الخلاصة : قال قائل من اخوة يوسف وابناء يعقوب واكبرهم سنا لاتقتلوا يوسف واتركوا فكرة القتل نهائيا ، ولاتطرحوه ارضا جرداء تتسبب بقتله ، ولكن ان كنتم مصرّين على القيام بالمؤامرة والسير بها الى النهاية ، فالقوه في البئر المعروف على طريق السيّارة ليلتقطوه ويأخذوه كلقطة تباع وتشترى في ارض بعيدة ، وبهذا يكون الغرض حاصلا من تغييبكم ليوسف واستفرادكم بالاب وحده لتتوجه لكم الامور كيفما شئتم ؟.وهكذا اتفق الابناء على المؤامرة !.
al_shaker@maktoob.com

قصة يوسف ع رحلة حلم من سجن البادية الى عرش مصر-18


(( وتكونوا من بعده قوما صالحين )) *************** هل عندما يتحدث القرءان ( مثلا ) عن أخوة يوسف في قولهم (( ليوسف وأخوه أحب الى ابينا منّا ونحن عصبة ...)) ينبغي ان نأخذ هذه الكلمة على اساس ان لها واقعية فعلية قائمة بين يعقوب ويوسف وما أخوة يوسف الا ناقلين لحقيقة العلاقة ، و لذالك القرءان ذكرها في القصة على اساس تأييد ماجاء فيها ؟. أم ان هذه الحكاية نقلت قرءانيا فحسب من اجل تثبيت اعتقاد ابناء يعقوب بالعلاقة القائمة بين يعقوب ويوسف ، بغض النظر ان كانت هذه الفكرة او الكلمة تحمل حقيقة الواقع ام انها محض خيال لااساس له من الواقعية الا في اذهان ابناء يعقوب ؟.
بعبارة اخرى اكثر وضوحا وتقريبا للمطلب ولكنّ بصورة عامة نقول : هل عندما ينقل القرءان الكريم مقولة ابليس اللعين وهو يجادل ربه معاندا في موضوعة الانسان ادم بقوله : انا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين !.فهل يعني نقل القرءان لوجهة النظر الشيطانية هذه ، هو نقلها باعتبارها وجهة النظر الابليسية الخاصة بابليس فحسب والتي بسببها اورد المهالك ؟.أم ان القرءان الكريم كلام رب العالمين اراد من خلال نقله لهذه الوجهة من النظر التأكيد على انها وجهة نظر حقيقية وصائبة ولها واقعية ثابتة في هذا العالم ؟.الجواب بالطبع ان النص القرءاني عندما ينقل حادثة او وجهة نظر او مقولة من المقولات في قصصه القرءاني بالخصوص يريد ان يؤكد على نسبة هذا المقول الى صاحبه (لنفهم) نحن قرّاء النص القرءاني الكريم نمطية وعقلية ونفسية وتربية .... صاحب المقول هذا او ذاك ، ولم يشأ القرءان الكريم ان نعتقد بان نقله هذا كقرءان منزل من قبل الله سبحانه وتعالى يدلل على الحقيقة او المصداقية او الواقعية لهذه الكلمة او تلك من وجهات النظر او غيرها !.ومن هنا نقول نعم : اراد النص القرءاني ان ندرك الحقيقة الفكرية والعقائدية والنفسية لابليس نفسه من خلال نقل النص القرءاني لمجادلاته العقلية مع ربه ، لنفهم من خلال مقولته : ((انا خير منه ..)) كيفية التفكير الابليسي وكذا معتقده ورؤيته للعالم من حوله وكذا كيفية تناوله وتقييمه لباقي الاشياء الخلقية !.وعليه كان النقل القرءاني بغرض معرفتنا للنمطية الفكرية او الشيئية الاخرى ، وليس لغرض القول لنا ان هذا الشيئ المنقول عن ابليس هو شيئ يحمل الحقيقة الواقعية في الحياة وعليكم الايمان بها كمسلمة قرءانية ، وانه وبالفعل النارية خير من الطينية كما نقل قرءانيا عن ابليس ... وهكذا !.وكذالك عندما ينقل النص القرءاني ( مثلا ) مقولة ابناء يعقوب :(( ليوسف واخوه احب الى ابينا منا ...)) فهل يبتغي النص القرءاني من هذا النقل ان يؤكد لنا نحن قرّاء النص القرءاني القصصي هنا حقيقة وجود علاقة الحب بمنسوبها العالي المخلُّ بالعدالة الاسرية كما ذكرها ابناء يعقوب ؟.أم ان ارادةُ النص القرءاني ذاهبة للقول لنا : ان هذه الفكرة ( فكرة الحب بين يعقوب ويوسف بشكلها المذكور على لسان ابناء يعقوب ) هي النمطية الفكرية لابناء يعقوب ، وان اردتم ان تفهموا الكيفية التي كان يفكر فيها على الحقيقة اخوة يوسف الكبار فعليكم قراءة مقولاتهم المذكورة في القصص القرءاني هذا ، بدون ان تعتقدوا بصدقية ماينقلون هم انفسهم عن تلك العلاقة ، فربما هم نقلوا الخيال الذي ليس له حقيقة في الواقع ، لكنّ هذا لايمنع القرءان من ذكر ماقاله اخوة يوسف كمبررات للقيام بجرائمهم الكثيرة فافهم !.اذن النص القرءاني ينقل وجهة نظر الشيطان لكنه لايتبناها كحقائق مسلمة علينا نحن القارئين للنص القرءاني الاعتقاد بحقيقتها او بصدقها لالشيئ الابسبب ان القرءان ذكر ذالك !.لا .... هذا التوجه في فهم النصوص القرءانية توجه خطير ومعوج وملتبس ايضا ، وليس ببعيد هو فهم شيطاني كذالك للنص القرءاني ، فالقرءان الكريم عندما ينقل في نصه مختلف الاشياء الفكرية والفنية والقصصية والانسانية الشخصية ..... يريد ان يتحدث عن صور متعددة وصيغ فنية راقية وحقائق ناصعة لاتوجد في كتاب اخر في هذا الوجود ، ولهذا بحاجة من يريد فهم كتاب الله العظيم ان تكون لديه القدرة الفكرية العالية والذوق العقلي الرفيع مضافا اليه العلم والتقوى ، كي يكون مهيئا لتلمس مقاصد النص القرءاني العظيم قبل الانكباب على فهمه كيفما اتفق !.والان : عندما ينقل لنا القرءان الكريم في قصة يوسف مقال ابناء يعقوب وهم على مشارف الانتهاء من تبرير جريمة اغتيالهم ليوسف او نفيه من الارض :(( وتكونوا من بعده قوما صالحين )) فهل اراد القرءان الكريم ان ينقل لنا وجهة نظر اخوة يوسف في موضوع الصلاح بعد الجريمة ؟.أم انه اراد ان يقول لنا : ان التوبة تجوز بعد ارتكاب جريمة بمنزلة القتل ، والدليل عليه مقولة ابناء يعقوب القرءانية التي تذكر :(( وتكونوا من بعده قوما صالحين ))؟.الكثير من المفسرين ومع وافر الاسى والاسف لايدركون التمييز بين ان ينقل القرءان مقولة مجموعة اجرامية تريد تبرير جرائمها بنوع من الامال الخلقية ، وبين حقائق القرءان في بناء الاحكام الشرعية ، ومن هذا وجدنا هؤلاء المفسرين :(( منهم القرطبي صاحب الجامع لاحكام القرءان )) يذهب الى الاعتقاد ويستبط من هذا النص في قصة يوسف : انه نعم تجوز التوبة وتقديمها امام العمل الاجرامي ، بدليل هذا النص الذي ينقل عن اخوة يوسف قولهم :( وتكونوا من بعده قوما صالحين )!.وكأنما اصبح اخوة يوسف على اساس هذا الفهم المعوج انبياء وصالحين يشرعون لنا الاحكام الدينية ، بينما النص القرءاني ينقل مقولتهم هذه في اطار تبرير الجريمة ، فهل يعقل ان مجرمين نأخذ بكلمتهم التي لم يريدوا من خلالها الا ان تكون منصة للاجرام ، ونجعلها حقيقة ونفهمها على اساس انها حكم شرعي تعبدي في باب التوبة والرجوع الى الله ؟.ولا اعلم متى كان طريق الرجوع الى الله سبحانه وتعالى يشرع على السنة المجرمين وفي وقت جنايتهم الخطيرة ؟.والحقيقة هذا يذكرني بمقولة اعتى المجرمين في التاريخ البشري قاتل سيد شباب اهل الجنة وابن رسول الله ص الحسين بن علي ع عندما قال : نقتل الحسين اليوم ونتوب بعد سنتين !.فأخوة يوسف كان هذا منطقهم في مقولة :(( ونكون من بعده قوما صالحين )) الذي نقلها عنهم القرءان الكريم ، فهل يعقل ان نفهم تبرير الجريمة هذه ليس على اساس انها استهزاء بالعقل البشري ؟!.لابل على اساس انها حقيقة شرعية كما فهما القرطبي ، وانها صالحة لتكون قاعدة دينية على اساسها نستنبط الحكم الشرعي القائل : هذا دليل على جواز التوبة بعد الجرائم الكبرى ، واكثر جواز تقديم التوبة قبل الفعل الاجرامي ايضا !.هل هذا معقول في فهم مقاصد النصوص القرءانية ؟.ثم وبعد ذالك هذا ان اردنا ان نفهم ان ابناء يعقوب قد قصدوا فعلا بمقولهم :(( وتكونوا من بعده قوما صالحين )) هذا معنى الصلاح الديني ، فهناك من المفسرين الكثر من يذهب الى ان مقصد مقولة اخوة يوسف كانت تصب في أطار معنى : وتكونوا من بعد الخلاص من يوسف قوما صالحين لادارة شؤونكم العائلية بلا مشاكل ؟.؟وهذا كما ترى هو المعنى الاقرب والاصح لحياة هذه الحفنة من الابناء الذي استولى عليهم الشيطان تماما ، فلايعقل ان مجموعة اجرامية تجتمع في مؤتمر جريمة وتصفية بهذا الحجم الذي يصل الى حد القتل ، ثم يقال لنا : بأن قولهم في مؤخرة المؤتمر الاجرامي :(( وتكونوا من بعده قوما صالحين )) يصب في عملية التفكير الدينية وصحوة الضمير الاخلاقي لهم ؟.هذا الشيئ بغض النظر من انه ليس بعقليا هو كذالك يحمل التناقض من اوله الى اخره ؟.فكيف نوفق بين شيطان استولى على كل كيان هؤلاء النفر من العصبة ، وبين لمسة رحمانية تذكر بالصلاح والاحسان الرباني ؟.وكيف لنا فهم الامور بهذه الالغائية للعقلية التي تفكر في الواقع الانساني بمنطقية لتربط بين افعال الانسان كمقدمات ونتائج طبيعية ؟.وهل بالامكان تصور مقدمة تبنى على القتل والاجرام لتكون نتيجتها الصلاح والتوبة ؟.نعم بالامكان التفكير بمنطقية لنفهم ان بعد مقدمات الجريمة نصل الى غاياتها الحتمية ليقول ابناء يعقوب :( وتكونوا من بعده قوما صالحين ) بمعنى ليصفوا لكم الامر وتثنى لكم الوسادة ليصلح كل امركم الذي من اجله قمتم بهذه الجريمة ؟.على هذا الفهم النص القرءاني متسق النقل ومتوازن الطرح العقلي ، وهو بالفعل مانقله النص القرءاني بامانه في قصة يوسف المظلوم عليه السلام ؟.أما ان يأتي مفسر هنا ومفسر هناك لينقل لي نتيجة هي مختلفة تماما عن السياق القرءاني المطروح ...، لا بل اكثر من ذالك وليرفع مقولة ابناء يعقوب من سياقها القرءاني وليجعلها مادة تشريع اسلامية بلا مبرر يذكر ، فهذا شيئ لايقبل بالمرة في مجال الفهم القرءاني السليم ؟.ونعم في بعض القصص القرءاني نصوصا تصلح لان تكون احكاما شرعية ودينية اسلامية ، وهذا صحيح ، ولكنها النصوص التي تأتي على لسان نبي كأبراهيم الخليل ، او كيوسف مجتبى الله العظيم او كموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه واله وسلم كثيرا !.أما ماينقل على لسان الشيطان او فرعون او طاغية او حفنة من المجرمين اجتمعوا لمؤامرة قتل .... في النص القرءاني فلايجوز اعتباره الا انه نقل نصي قرءاني غايته افهامنا نحن نمطية وسلوكية وفكرية هؤلاء المنحرفين في الارض كي ندرك فيما بعد كيفية التعامل معها بندية فحسب !.وعلى هذا نفهم : ان قوله سبحانه :(( وتكونوا من بعده قوما صالحين )) لاتصلح دليلا لا لنا كي نستنبط منه مشروعية وجواز تقديم التوبة قبل القيام بالفعل الاجرامي ، ولا ان فيه دليلا على ان التوبة تجوز من الكبائر ، ولا هو نص صالح ليقول لنا ان اخوة يوسف قد تابوا فيما بعد والدليل هذا النص القرءاني !.باعتبار انه حتى وبغض النظر ان النص لايشير في مضمونه الى توبه او صلاح ديني ، هو كذالك لايفرض علينا كقرّاء للنص القرءاني تصديق مقولة ابناء يعقوب هذه ، فالكذب القادم على لسان ابناء يعقوب كثير جدا وهذه من ضمنه !.
al_shaker@maktoob.com