الثلاثاء، يوليو 02، 2013

(( اخطاء مرسي اللتي نسفت مئة عام من نضال الاخوان السياسي ))

(( اخطاء مرسي اللتي نسفت مئة عام من نضال الاخوان السياسي )) . حميد الشاكر

في سنة 2010م ، عندما صعد المرشد العام للاخوان المسلمين من خلال الانتخابات، او من خلال اجتماع (اهل الشورى) داخل الجماعة  (( محمد بديع )) الى ارشادية الاخوان  بدلا من المرشد السابق للاخوان (( محمد مهدي عاكف )) كتبت مقالا يتناول ظاهرة تحول قيادة الاخوان المسلمين من جناحها المعتدل الذي اسميته ب(( البنائين )) نسبة للشيخ حسن البنا ورؤيته المرنة والواسعة والقابلة للتنوع الاسلامي الى جناحها (( القطبي )) نسبة الى افكار وتصورات سيد قطب السلفية الاقصائية التكفيرية !!.
وذكرت انذاك : ان هذا التحول (داخل قيادة الاخوان) ياتي في زمن حرج ومصر مقبلة على تغييرات جذرية !!.
والحق كان في بالي انذاك ان اي تغييرفي مصر في فترة المرشد(( محمد بديع ))وجناحه القطبي سيمثل كارثة مابعدها كارثة اذا تعامل هذا الجناح مع المتغير المصري بروح الانغلاق وعدم الانفتاح والمرونة والوعي !!.
وبالفعل قامت ثورة الشعب المصري في 25/ يناير/ 2011م على حكومة الرئيس (حسني مبارك)واسقطته الى غير عودة  ورحب الشعب المصري بكل الفعاليات السياسية المصرية بمافي ذالك الاخوان المسلمين وانحازت كثير من القوى العلمانية ، والليبرالية واليسارية لانتخاب (محمد مرسي) كمرشح اخواني في سبيل اسقاط مرشح الفلول ، كما عرف انذاك الفريق (احمد شفيق)ونجح (محمد مرسي) بالانتخابات بفارق ضئيل واستلم قيادة مصر ، ليستبشر المصريون والعرب والمسلمون خيرا بالعهد الجديد !!.
لكن ماهي الا اشهرقليلة وبدأ مسلسل الاخطاء الكارثية للرئيس المصري الجديد محمد مرسي تترى وقائعها حلقة بعد حلقة وفقرة بعد فقرة  وعلى جميع المستويات الداخلية المصرية والخارجية الاقليمية والدولية !!.
والحقيقة بدأ مسلسل الاخطاء الكارثية  للرئيس مرسي مبكرا جدا فما ان دخل الى القصرالجمهوري حتى راينا نزعةالتفرد بالسلطة تطغى على كل كيانه وبشكل ملفت للنظر من تهميش القوى الثورية الحقيقية من شباب واحزاب سياسية مصرية ساهمت في اسقاط النظام المبادالى تحالفه الغير مقدس مع مجموعات التكفيرالسلفي المنغلقة التي ارعبت جميع المكونات المصرية بخطابها الاجرامي التكفيري الاقصائي الظلامي المستفز الخارج عن المألوف والزمان والعصر ، والمدعوم من قبل دول البترول الخليجي التي تضمر السوء للاخوان المسلمين بالذات.... حتى الاعلان الدستوري والتصويت على دستور لم يرتضه كل الشعب المصري .... وهكذا الى ما لانهاية !!.
كنت اتسائل  وغيري ربما الكثير ايضا كان لهم نفس الاسألة والهواجس حول السياسة اللامتزنة مطلقا لهذا (( الرئيس الاخواني)) المسلم وكيفية ادارته لبلدكبيرومتنوع وصاحب حضارة كمصربهذه العقلية التي لاتعرفها حتى ادبيات الاخوان السياسية نفسها من زمن عاكف وحتى البنا !؟؟
ثم استمرت هذه الاسألة بالالحاح  اكثر ، فاكثر كلما فاجئنا الرئيس محمد مصري بخطاباته ، وسلوكه السياسي الذي لاينم عن اي عقلانية سياسية او رؤية سياسية تفهم معنى ان تقود بلد كمصر بحاجة الى روح سياسية جديدة مختلفة ومبتكرة وواعدة وبناءة !!.
ولا ادري حقيقة هل يعي الرئيس محمد مرسي ما ارتكبه وما زال يرتكبه من اخطاء حتى هذه اللحظة ؟ ام انه لم يدرك بعد لماذا هو اليوم في هذه الكارثة المصرية ، التي حلت على راسه  وعلى راس الجماعة الاخوانية معه لتتركه معزولا في الداخل المصري ومعزولا تماماعن الخارج العربي والاسلامي كذالك ؟.
كما انني بالفعل لا اعلم هل يدرك مرشد الاخوان المسلمين (محمد بديع ) وجميع اعضاء مكتب ارشاده المحترمين ، وبما في ذالك خط (( البنائيين المعتدل))داخل الجماعةواللذين همش دورهم مع الاسف في حقبة المرشد محمدبديع هل يعلم كل هؤلاءماذا يعني فشلهم الذريع في قيادة اول تجربة سياسية لهم في مصر الحديثة ؟.
وهل يدرك هؤلاء ((الاخوانيون))ما الذي فعلته بهم وبتاريخهم وبادبياتهم وبجماعتهم وبتضحياتهم ....   سياسات الرئيس محمد مرسي الهستيرية واللاعقلانيةوالتي بدأها بالتفردلتنتهي بهم كفصيل تكفيري يساهم بتقسيم هذه الامة المسلمة ( الى شيعي وسني) والتي استشهد في سبيل وحدتها الشيخ حسن البنا رحمة الله عليه !؟.
ماذايعني ان يقصي الرئيس محمدمرسي كل الفعاليات السياسية المصرية التي اوصلته لحكم مصر  لينفرد هو وبعض المقربين من جماعته بادارة بلد لا يتحمل الا الاعتراف بالتعددية والراي والراي الاخر ؟.
وماذا يعني ان يتحالف الرئيس ((محمد مرسي))   مع شرذمة منافقة من التكفيريين الوهابيين السلفيين...اللذين لايملكون اي مشروع بناء وسلام وعمران ، وديمقراطية ، وحرية  وكرامة وعيش .... للانسان وللاوطان بل لا يملكون سوى ((مشروع الفوضى)) ، وصناعة الفتن والدم والفرقة وتمزيق .... الخ المجتمعات داخل هذه الاوطان ليتخذهم بطانته وحاشيته والمستشارين لسياسته الداخلية ، والخارجية بينما هم  في الواقع الاقلية التافهة المسلط عليها اضواء الاعلام البترولي الخليجي لتضخيم حجومهم الوهمية ويكون الاقصاء بالمقابل حليف الاكاديميين واصحاب الاختصاص والمخلصين لمصر واهلها من امثال ((محمد البرادعي)) صانع الثورة في مصر ، والمؤسس لعصرها الجديد ، مع باقي الشباب المناضل ، والطيب والشريف الذي ساهم بالثورة بدمائه ؟؟.
ماذا يعني ان ينقلب الرئيس(محمد مرسي) على مبادئ الاسلامية العربية الواضحة  التي من اجلها قام الشيخ حسن البنا بانشاء الجماعة واخوتها ليصبح ((حليفا لاسرائيل))  ومعترفا بشرعيتها المغتصبة للارض العربية والاسلامية المقدسةولا نرى هذه الشدة مع اعداء البشرية والاسلام بينما نرى الغلظة  وتحريك الكراهية بين العرب ، والمسلمين والتحريض على قتلهم ، والافتاء بجهادهم في سوريا  لاسقاط نظامها الذي حمى المقاومة وناضل اسرائيل ودفع الاثمان الباهضة في هذا السبيل ؟.
ماذا يعني كل هذا ؟.
ماذا يعني ان يناهض الرئيس محمد مرسي الجمهوريةالاسلامية الايرانية التي ترجم مرشدها الاكبر الامام (الخامنئي)  كتب وفكر الشهيد سيد قطب ليطلع الشعب الايراني الكريم على تراث الاخوان  وفكرهم وحث فيلسوف الجمهورية الاسلامية ومؤسس دستورها الاسلامي الفيلسوف محمد باقر الصدر اتباعه ومقليده على قراءة كتب الاخوان والايمان بها ثم بعد ذالك يناهضها العداء والغمز واللمز الرئيس (محمد مرسي)  في سبيل ارضاء حفنة من ((المرضى والمستعمرين))  من دول الخليج البترولي التي يعلم مرسي انها اول من سوف تطعنه بالظهر ان سنحت الفرصة لذالك ؟!.
ماذا يعني ان ينتهج الرئيس المصري (مرسي) خطاب الكراهية والطائفية والحقد بين المسلمين والعرب ، وهو يعلم ما يعني ذالك من خطورة على وحدة مصر قبل وحدة باقي الوطن العربي والاسلامي وهويعلم ان الشيخ حسن البنا كان هو مستظيف الشيخ محمد تقي القمي في القاهرة للتقريب بين السنة والشيعة ، وهو يعلم ان من المحرمات  في الفكر الاخواني ان تقسم الامة الى مذاهب وطوائف فضلا عن خطاب الكراهية والاحقاد وهو يعلم ان مصر بحاجة لجميع العرب والمسلمين بغض النظر عن مذاهبهم واديانهم لمساعدة مصر ، وهو يعلم .....  ومع ذالك يقف كتفا الى كتف في مؤتمر هزلي حقير في ملعب مغلق  ليصف الشيعة بالانجاس ويصف المتظاهرين من شعبه بالمنافقين والكفار ، لتاتي القشة التي قصمت ظهر البعير بقتل اربعةمن مواطنيه المصريين الشيعةوالتمثيل بجثثهم وسحلهم في الشوارع من قبل انصاره من التكفيريين الوهابيين  وليجعل العالم كله ضد حكومةمرسي وما انتهجته من سياسةوخطاب محرض على الكراهية ؟!!.
هل وعى الان الرئيس محمد مرسي وقادة الاخوان المسلمين: ان من قتل الشيعة المصريين هم من قصد اسقاط مرسي وجماعته بالفعل ، وهم من ساهم فعليا بقيام الشعب المصري ، من جديد بثورة لاسقاط محمد مرسي والنظر اليه كفرعون من هذا الزمان ؟.
وهل وعى المرشد العام للاخوان المسلمين السيد ((محمد بديع)) ان اكبر خطيئة وقعت بها الجماعة ((منذ تاسيسها الى اليوم)) هي انسياقها خلف التيارات السلفية التكفيريةالتي خدعتهم باظهار الولاء لهم مع ان الاخوان انفسهم يدركون ان ولاء هذه التيارات الارهابية هو تابعا لاموال البترول الخليجية ، التي لم تزل تحيك المؤامرات ، لاسقاط  الاخوان واسقاط هذه الامة بمجملها وتركيعها للمستعمر الصهيوني كيفما كان  ؟.
نعم اليوم مشروع الاخوان المسلمين في مصروالعالم في خطرحقيقي واذا تم اسقاط (محمد مرسي) من رئاسة مصر على يد الثوار المصريين فهذا يعني حتما اجتثاث الاخوان المسلمين من مصروالى الابد والذي يعني من جانب اخر  : ان البناء الذي بناه الشيخ حسن البنا رحمه الله ، واستشهد في سبيله في مصر ليصارع الاهوال السياسية العاتية لاكثر من مئة سنة كل هذا العواصف والاقصاءات لم تستطع النيل من بناءالاخوان المسلمين وفكرهم ، ولكن استطاع الرئيس الاخواني محمد مرسي ان يسقط المعبد كله على رؤوس ساكنيه بسياسة سنة واحدة لاغير !!.

         http://7araa.blogspot.com/

مدونتي تتشرف بزيارتكم                         

(( ورقة الملك فيصل الاول لانشاء الدولة العراقية الحديثة))

(( ورقة الملك فيصل الاول لانشاء الدولة العراقية الحديثة)) المقالة الرابعة  . حميد الشاكر



كان الاديب والكاتب ، وصاحب النهضة الثقافية الحديثة في مصر (( أحمد حسن الزيات )) قد عمل في العراق في العهد الملكي بدار المعلمين العالية بعد تركه للجامعة الامريكية في القاهرة 1929 م  لتستقطبه بغداد بجاذبيتها الثقافية والفكرية والعلمية انذاك ، وليكون فيها استاذا للادب العربي في هذه الدار حتى 1933م ، وقد الف في العراق( الزيات ) كتاب(( الادب العربي وعوامله وحظ العرب من تاريخه )) ودرّس (( الف ليلة وليلة واثر الثقافة العربية في العالم )) !!.
وكانت للزيات مع ذالك  صلات وثيقة بالفكروالثقافة والحياة العراقية العامة وعندما ارادوصف حال الملك فيصل الاول في العراق ومسيرته ومشروعه السياسي وبناءه لدولة العراق الحديثة  في هذا البلد فما كان من قلمه الا ان رعف بهذه الكلمات الدقيقة :

(( اضطلع الملك فيصل وحده باعباء الملك والحكم والزعامة في هذه الحال المضطربة ، فكفكف بحكمته  من شر الانتداب ، وخفف بحنكته من عسف الوزارة ولطف بحلمه من غضب الشعب ، وصرف من شؤون الدولة على قدر مايسلم الراي الحصيف من خبث الاستشارة وضعف الوزارة  ثم سهل حجابه لأمراء العشائر ورؤساء الطوائف ، وزعماء الاحزاب  فاستل مافي صدورهم بالقول اللين والعتاب الهين والشخصية الجذابة ، حتى كان الرجل منهم يدخل قصره وهو عليه فلا يخرج منه الا وهو له )) .
((انظر/ مير بصري / اعلام السياسة العراقية في العراق الحديث / رياض الريس للكتب والنشر / ص 19 )) .
والحقيقة انه لايمكن لاحد ان يدرك ما نظمه ((الزيات)) من كلمات في حق الملك فيصل الاول رحمه الله انفا ، ما لم يكن  ملما بتفاصيل تاريخ العراق الحديث وبداية بناء دولته على يد المغفور له الملك فيصل الاول ، كما انه من جانب اخر لايمكن لاحد ان يدرك ابعاد (( ورقة الملك فيصل الاول )) التي نحن بصدد دراسة وبحث فحواها السياسية والاجتماعية ، وما تضمنته من افكار وتصورات لبناء الدولة العراقية الحديثة اذا لم يفهم ماقصده اديب مصر وصاحب نهضتها الفكرية احمد حسن الزيات عندما يتحدث عن :

اولا: وحدة الملك فيصل الاول في معركة بناء العراق ، ودولته في العصر الحديث وانه مهمايكن الحال فالملك فيصل الاول رجل حجازي اتى للعراق وللعراقيين ، ساسة وعامة  ليكون ملكا لكيانهم ، واذا كان عامة الشعب مع فيصل العربي فلا ريب ان ساستهم كانوا ينظرون له بعين الحسد والمنافسة والمنازعة والمؤامرة عليه  .

ثانيا : مناورات الانتداب البريطاني الذي تخلص من مسؤولية ادارة العراق في العلن وضريبة ذالك الثقيلة عليه والقاء هذه المسؤولية على عاتق الملك فيصل الاول بعد انتدابه لملك العراق في 1921 م ليعمل هو في السر جانيا الثمار وليعمل الملك فيصل بالعلن متصديا للغرائم  ومتحملا للتبعات .

ثالثا :عسف رجال السياسة ، اللذين شكلوا الوزارات في عهد فيصل الاول ومخادعاتهم ، التي ورثوها من عملهم في البلاطات العثمانية البائدة  بحيث يظهرون حرقتهم على الوطنية العراقية واستقلالها من الاستعمار البريطاني في النهار ويتآمرون مع الانتداب على الملك فيصل الاول والشعب العراقي في الليل !!.

رابعا:هذا الشعب العراقي اللذي وصفه الزيات(( بالناقد المتمرد الطموح )) ومطالبته وعدم ادراكه لابعاد السياسة الدولية القائمة انذاك والقاء كل تبعات التواجد الاستعماري في بلده على كاهل الملك فيصل ،وعدم قبوله باي عذر بامكانه ان يكون رصيدا ايجابيا للملك فيصل وحكومته !.

خامسا: ثم زعماءالعشائر وامرائهم واصحاب الاحزاب السياسية ومطامعهم ونقدهم الذي يخلط حقا ، وباطلا في سبيل  كسب القواعد الشعبية ، وتحقيق وجودهم على ارض السياسية العراقيةوهكذا قادةالطوائف وانغلاقهم فهؤلاء ايضا من المكونات الاجتماعية ، والسياسية العراقية التي تعامل معها الملك فيصل الاول لوحده  ليتمكن في النهاية من تحويل نزعات هذه الزعماء من العشائر والاحزاب السياسية وقادة الطوائف والاديان.... من العدوانية ضد الدولة ومشروعها الى الصداقة ، او على حد تعبير الزيات : (( كان الرجل منهم يدخل قصره وهو عليه فلايخرج منه الا وهو له )) !!.

نعم هكذا كان وضع الملك فيصل الاول رحمه الله ، ابان فترة ملكه للعراق وهكذاكان وضعه السياسي والاجتماعي وهومحاط باشكاليات دولية واقليمية وداخلية وسياسية وفكرية واجتماعية وحزبية ........ وهو مع ذالك يحاول بناء دولة يعتقد انها الحل الوحيد لامراض العراق الكثيرة من جهة ، وانها اللحمة العظيمة التي تستطيع جمع امة وبناء وطن وشعب اسمه العراق !!.

والواقع ان في مثل هذه الظروف العراقية بالدقة  طرح الملك فيصل الاول ورقته وبرنامجه السياسي الذي سمي فيما بعد ب (( مذكرات الملك فيصل الاول))وهي كما يرى قارئنا العزيز مجرد ورقة اقصى ما نستطيع وصفها به انها برنامج عمل سياسي اراد من خلاله (الملك فيصل) ان يوصل فكره للثقات من رجال دولته ،  ليعينوه على نجاح مشروعه السياسي في العراق الملكي الحديث انذاك !!.          

ان اول ما يتبادر الى ذهن اي باحث ، او دارس لهذه الورقة الفيصلية وهو يشرع في قراءة السطر الاول منها  هو سؤال : لماذا يضطر الملك فيصل ان يكتب برنامجا سياسيا ، ولم يكتفي بطرحه من خلال التوجيهات الشفهية مباشرة لرؤساء وزارات حكوماته المتعددة اولا ؟.
ثانيا لماذا يكتب الملك فيصل الاول برنامجا سياسيا (( سرّيا )) لبناء الدولة العراقية الحديثة  ومن ثم لتكون السرية ، والخصوصية هي الطريق الامثل لتواصل الملك فيصل مع ادواته التنفيذية لبناء الدولة العراقية الحديثة ؟.

الجواب كما هو بائن وموجود في نفس الورقة الفيصلية التي شرحت لماذية هذه السرية وكتابتها عندما اشار الملك فيصل الاول نفسه بالاتي :

(( كنت منذ زمن طويل أحس بوجود افكار  واراء حول كيفية ادارة شؤون الدولة عندبعض وزرائي ورجال ثقتي غيرافكاري وارآئي وكثير ما فكرت في الاسباب الباعثة لذالك وفي الاخيرظهر لي بان ذالك كان ولم يزل ناشئا عن عدم وقوفهم  تماما على افكاري  وتصوراتي ونظري في شؤون البلاد وفي كيفية تشكيلها وتكوينها والسير بها ....  ولذالك رايت من الضروري ان افضي بافكاري ، واشرح خطتي في مكافحة ((تلك الامراض)) وتكوين المملكة على اساس ثابت ، واطلع عليها اخصائيي ممن اشتركوا واياي في العمل .... )) !.

اذن كان الملك فيصل يرى ان هناك تعارضا بين افكاره وتصوراته لانشاء الدولة العراقية الحديثةوافكاروتصورات بعض رجال دولته في بناء وانشاء هذه الدولة هو  الذي فرض عليه ان يكتب افكاره لتوضع امام انظار رجال دولته الثقاة منهم بالخصوص  لردم هوة الاختلاف في التصورات والافكار وتناقضها من جهة !!.
ومن الجهة الاخرى ، كان سبب السرية هو ان هناك عوامل : (( التخريب والهدم التي فيها )) اي في الدولة من الجهلاء ، والعقليات الطائفية والدينية المتنافرة والميول والبيئات التي انحدر هؤلاء الساسة منها ..... ، فكل هذا يستدعي ان يكون للملك ثقات ومؤتمنون وعاملون وخلّص داخل هذه الدولة ليمضوا بالمشروع(مشروع بناء الدولة)من دون الالتفات الى هذه المعوقات المدمرة او التأثر فيها !!.
والى هنا يعود ايضا السؤال بنا مجددا ليطرح استفهاماته الكثيرة حول ليس لماذا اضطر الملك فيصل الاول لكتابة افكاره  وصياغتها بسرية فحسب ؟، بل ، وكذالك السؤال عن ماهية ( هذه الظاهرة ) في عهد فيصل الاول وما تمثله من ابعادفكرية ودروس تعليمية حول عقلية الانسان العراقي السياسية بصورة خاصة ، وماهية هذه العقلية ؟، والكيفية السليمة في التعامل معها؟، وتوجيهها تقنيا .... ، ولهذا من حقنا ان نكررالسؤال حول :
ماهي الاشارات الاجتماعية الفكرية والسياسية العراقية التي حاولت ظاهرة كتابة الملك فيصل الاول لبرنامجه السياسي ابرازها للساحة البحثية العراقية ؟.
وكيف لنا ان نفهم محور اضطرارالملك فيصل الاول لكتابة ورقته السياسية وطرحها تدوينيا وسريا للثقات من رجال دولته ؟.

والحقيقة عندما يحاول احدنا دراسة هذه الظاهرة السياسية ، والفكرية للملك فيصل الاول ، والاجابة على سؤال ماهيتها الاجتماعية ، فلا يسعني الا ان اقرأها شخصيا بالصيغ الاتية :

اولا : لابد قبل طرح اي شيئ حول هذه الظاهرة ، ان نضع في حسباننا ان الملك فيصل الاول هوشخصية سياسية متميزة في طابعهاالفكري والسياسي ولم ياتي للعراق من اجل طلب الملك ، والسيادة على هذا البلد فحسب ، بل انه رجل في تركيبته الفكرية والنفسية والسياسية ((رجل مشروع )) سياسي وليس رجل منصب ملكي لاغير !!.
اي ان من صفات الملك فيصل الاول السياسية الاساسية انه رجل كيانه كله مسكون بهاجس ((مشروع كيفية بناء الدولة الحديثة )) ولم يكن رجل يتطلع للمُلك بمفهومه (( التقليدي النفعي )) ، الذي يحاول التمتع بالتنصيب الملكي والانتفاع بمزاياه المادية بعيدا عن قلق التفكير بمشروع الدولة !!.
ولعل الملك فيصل الاول كان يحاول تحصين ملكه من خلال صناعة الدولة في العراق الحديث ، ولا باس في ذالك ، ولا يغير هذا المبرر من مميزات الشخصية الفيصلية انذاك  باعتبارها شخصية مفكرة ومسكونة بهاجس بناء الدولة اولا !!.
ومن هنا نفهم ماهية هذه الورقة الفيصلية واهميتها بالنسبة لفكرالملك فيصل الذي شرح فيهاخطته المتكاملة لبناء الدولة والمضي بمشروعهاحتى النهاية في العراق انذاك !!.
ولعل من حسن حظ العراق  وشعبه انذاك ان قسم لهم القدر ان يكون ملكهم الاول في العراق الحديث (رجل صاحب مشروع دولة حديثة) ، يجهد نفسه بالتفكير  والعمل لصناعة دولة عراقية حديثة وقوية ومستمرة ...  تستطيع انتشال المجتمعية العراقية انذاك من (همجية الفوضى والضياع ) الى نظام السياسة والادارة الحديثة ، بينما بقيت شعوب مجاورة للعراق حتى اليوم (( كالملكية القبلية السعودية التي اسسها عبد العزيز ال سعود بنفس الوقت مع مُلك فيصل الاول في العراق)) لاتتمتع حتى بثقافة الدولة الحديثة ولا تدرك من الحداثة غير النظام القبلي الديني الطائفي القائم المنتمي للقرون الوسطى البشرية حتى اليوم !.
نعم فيصل الاول رحمه الله من مميزاته الكبرى في تاريخ العراق السياسي الحديث انه رجل دولة وهذا ما تبرز ملامحه بشكل جلي ورقة الملك فيصل الاول ، وما تعبر عنه بوضوح مفردات وحروف هذه الورقة !!.
ولا اقول شططا ان جزمت ان بعدالملك فيصل رحمه الله في تاريخ العراق السياسي الحديث((لم ياتي سياسي عراقي اخر)) حتى اليوم مسكون بهاجس كيفية صناعة الدولة وانشائها في هذا العراق ، بل كل مَن تطلع للسلطة بعد الملكية وعهدها في العراق الحديث من قادة عسكريين ومدنيين  كان ناظرا لمغانم السلطة فحسب بعيداحتى عن التفكيربالدولة والاستمرارفي مشروعها وتطوره خدمة للشعب العراقي الحديث ،وهذا ايضا ما يبين لنا اهمية قراءة فكر الملك فيصل اليوم وكيف اننا بحاجة ماسة لاسترجاع ثقافة الدولة وقلق صناعتها من جديد بعد ان دمرتها الانقلابات العسكرية منذ انقلاب 1958م حتى اليوم !!.

ثانيا : من اهم ما توحيه هذه الورقة الفيصلية المكتوبة : ان العقلية العراقية السياسية ومنذ نشاتها في العراق الحديث حتى اليوم ( وربما حتى في القديم من الزمان ) هي عقلية تميل(للاستقلال بالتفكير) وقراءة الظواهر السياسية والاجتماعية بشكل يختلف ، ولا يرتبط بالفكر الجمعي المتعاون اوالمنصهر تحت مفهوم ( وحدة الرؤية ) ، ومن هنا عرف عن العراقيين انهم اصحاب اجتهاد ونظر وتعدد في التصورات والتوجهات والقراءات المختلفة ، ولهذا يبدو ان الملك فيصل الاول وباعتبار انه رجل ذكي وحكيم ومدرك وواعي للتركيبة الفكرية العراقية القديمة ، والحديثة ادرك علة ان يكون هو له نظر وتفكير وتصور نحو بناء الدولة واختلاف تصورات وافكاروزرائه ورجال الثقة في دولته عن ما يحمله من افكار ، فدفعه ذالك لمعالجة هذه الظاهرة الفكرية العراقية باهون اسبابها ، وهو ابتكار الملك فيصل الاول لمشروع (( كتابة البرنامج السياسي )) وطرحه على اساس ان يكون مرجعية فكرية لرجال الدولة والقائمين على بنائها داخل العراق الحديث بعيدا عن افكارهم المتنافرة ، وربما المتناقضة التي لاتخدم بناء مشروع الدولة بقدر ما تساهم في اعاقته وتقويضه وتضاربه !!.
والحق ان مبادرةالملك فيصل الاول لتوحيدالرؤية السياسية العراقية في بناء الدولة ومشروعهاكانت مبادرة ومع الاسف لم تستمربعدها في سنة السياسة العراقية الحديثة مع انها من انجح السنن الحسنة التي ابتكرها الملك فيصل الاول في توحيد الافكاروالتصورات في بناءمشروع الدولة العراقية الحديثة لاسيما الافكاروالتصورات في العقليةالعراقيةالسياسيةالتي تجتهد في ميدانها وتبتكر الكثير من الافكارالمبدعة والمطورة ولكنهامع الاسف تفقدكل قيمتها المعنوية والمادية ، وهي تعمل بانفراد ، وبعيدا عن العمل الفكري الجماعي الموحد للجهود والموصل باسرع وقت للهدف وللغايات !!.

ثالثا: تحاول هذه الورقة الفيصلية ان تشيرالى مفهوم سياسي غاية في الدقة والاهمية ،وهذا المفهوم قد اشار له ايضا المرحوم الملك فيصل الاول ايضا لكن من طرف خفي ، وهو مفهوم : (( ان راس الدولة والقائم على ادارتها دائما يطلع اكثر من (ادواته التنقيذية) او وزرائه وخاصته داخل الدولة على صورة الدولة ، والمجتمع بشكل متكامل لا يتهيئ لغيره من القادة والعاملين داخل هذه الدولة !!.
ولهذا نبه الملك فيصل الاول في ورقته الى:ان نظره هووتصوراته وافكاره المطلعة على شؤون البلاد بشكل متكامل هي التي ينبغي ان تكون بوصلة عمل مشترك لجميع الوزراء والثقاة لبناء الدولة العراقية ، لاسيما ان الملك يمتلك ايضا ((فكرة مشروع الدولة)) مما يسهل على المشروع ان يبنى من خلال رؤية متكاملة بين الدولةومشروعها المفترض وبين المجتمع وتراكيبه المعقدة عراقيا !!.
بمعنى اخر : انه لايمكن ان تقام الدولة ومشروعها ( من خلال فكر الملك فيصل الاول)اذا لم تبنى هذه الدولةمن خلال رؤية متكاملةللمجتمع وتراكيبه واشكالياته وامراضه ومواضع ضعفه وقوته ولهذا نبه الملك فيصل وزرائه ان الوزير ، ورجل الدولة ، والاداة في داخلها لايمكن له الاجتهاد في ادارة الدولة بسبب عدم اطلاعه على مشروع الدولة بكل تفاصيله الدقيقة ، وعليه فاجتهاده السياسي لخدمةهذه الدولة سيكون مضرا لهااذا لم يتوافق مع رؤية راعي الدولة الاول ، والقائم على كل مفاصلها ، والعارف بجميع مفراداتها وهو الملك فيصل الاول انذاك !!.
وعليه فقد كان طلب الملك (فيصل الاول) من وزرائه ورجال دولته الثقات الالتزام برؤيته ، وتصوراته لانشاء الدولة العراقية الحديثة منطلق ليس من كون الملك يريد ان يفرض ((رؤيته القاصرة / مثلا)) في ادارة الدولة على جموع الشعب العراقي ودولته ونظامه الدستوري البرلماني انذاك ، بل كان منطلق من رؤية سياسية واجتماعية وفكرية ونفسية... واقعية تحاول تنظيم العمل السياسي في العراق الحديث من اجل الوصول الى بناءالدولة وقيامها واستمرار سيرها بشكل منتج وطبيعي !!.

والى هنا نكون قد طرحنا في قرائتنا هذه لورقة الملك فيصل الاول ثلاث محاور فكرية وسياسية اساسية استشففناها من خلال هذه القراءة وطرحناها كمقدمة لتناول ما تبقى من محاور في هذه الورقة الفيصلية الغنية بكل ماهو سياسي مخلص  ومنتج ومثمر وايجابي ، لصالح الاجتماع العراقي الحديث !!.
________________________                     



مدونتي تتشرف باطلاعكم