الخميس، ديسمبر 30، 2010

((من وعيّ القرآن .... أقرأ )) -6- حميد الشاكر

الكلمة كمعجزة :- اقرأ .




لول ديورانت في (قصة الحضارة) لفتة عميقة وهو يربط بين الكلمة واثر وجودها على تطوروتكامل الحياة الانسانية من جهة وبين الكلمة والفكر الانساني ، وكيفية ان الفكر البشري لايستطيع العمل بدون كلمة تكون هي الالة التي تساعد الانسان على اعمال فكره وعقله وتصوراته لهذا العالم من جانب اخرفالانسان بهذا المعنى وبلا كلمة لايصلح ان يكون انسانا باعتبار ميزته الفكرية المعتمدة اساسا على ميزته اللغوية والكلامية ، فبلا كلمة لافكر وبلا فكر لاانسان !!.

وعلى هذا عُرفت المقالة :(( في البداية كانت الكلمة )) !!.



أما ما يتعلق باطروحة الرسالة الاسلامية وما انتهجته من طريق ليكون النافذة المفتوحة دائما بين الله سبحانه وبين الانسان الى ان يرث الله الارض ومن عليها ، فقد كان للكلمة النصيب الاعظم فيها لتكون كما كانت في السابق بداية ستكون وستبقى هي النهاية كذالك ، فتقرر ختم النبوة والوحي بالكلمة (( اقرأ )) كما كان بداية الوحي والنبوة فيها !!.

بل ان الرسالة الاسلامية الخاتمة لم تكتف بان جعلت من الكلمة خاتمة الاديان ، والنبوات والرسالات فحسب ولم تنتهي عند الاعلان ان الكلمة هي البداية وهي النهاية وهي صلة الانسان بربه فقط لكن اكثر من ذالك جعلت الكلمة معجزة رسالة السماء الكاملة وبرهان ودليل صدق رسالة العظيم محمد رسول الله صلى الله عليه واله !.



والحقيقة كون الكلمة كانت البداية لمسيرة الانسانية وكونهاهي قاعدة الفكر البشري على التمام وكونها هي البرزخ الذي عبر منه الانسان من الهمجية الى التحضر والانسانية .... كل هذا لم يثر الكثير من الاستغراب والتعجب لدى الباحثين والمفكرين في عصورنا القديمة وحتى الحديثة ، ولكن ماكان مدار بحث وتسائل واستغراب وعلامة استفهام كبيره هو الكيفية التي تكون بها الكلمة صالحة لاخذ دور الاعجاز الالهي مع انها لم تولد في هذه الحياة الانسانية ، الا لتقوم بوظيفة الاتصال بين الانسان واخيه الانسان ، ولتكون من ثم مخزن للتراث الحضاري الانساني ، الذي يحتفظ بالتجربة الانسانية لينقلها من جيل الى جيل لاحق !.

فكيف ومامعنى كون اللغة الانسانية تنتقل من وظيفتهاالفكرية والاجتماعية لتصبح معجزة قرآنية في الاسلام يتحدى بها جميع البشرية بالاتيان بمثلها ان كانوا يستطيعون ذالك ؟؟.

بمعنى اخر كل البشرتستطيع ان تتكلم الكلمة العربية وكلها كذالك تستطيع ان تكتب الكلمة وتقرأهابصورة فنية وراقية وجميلة جدا فما معنى بعد ذالك (اقرأ) القرآنية لتكون معجزة ويتحدى بها الله سبحانه وتعالى سمان خلقه بان يستطيعوا الاتيان بمثل هذا القرآن او بسورة من سوره واخيرا ليكون هذا المقروء نفسه دليل صدق دعوى رسالة الرسول العظيم محمد ونبوته صلى الله عليه واله ؟.



طبعابالنسبة ليّ تصديق ان الانسان بامكانه ان يخترع اللغة والكلمة وماخلقته من انعكاس عظيم على حياة الانسان وتحضره وانتقاله من الهمجية الى البشرية بدون وحي السماء وتدخله بمساعدة الانسان ليخلق اول كلمة على لسانه ...،هذا التصديق بحد ذاته بحاجة الى معجزة لتقنع الضميرالفكري للانسان لكن مع ذالك يبقى التصديق بذالك اصعب كثيرا مما لو صدقنا اليوم ان بامكان اللغة ان تتحول من وظائفها الطبيعيةوالانسانية الى كونها معجزة الاهية تصبح اعظم آية الاهية على صدق رسالة العظيم محمد ص واتصاله بذبالة الوحي السماوية العجيبة والمتقدة دائما !!.



نعم صحيح ان اللغةالانسانية بمفرداتها الساذجة وكلماتهاالمتناثرة هي لاتمثل اكثرمن اسماء لمسميات حياة الانسان والطبيعة والكون من حوله ، واذا ارتقت اللغة الانسانية بمفرداتها ، وكلماتها لتعبرعن تحضرانساني ارقى للانسان تتناول اللغة عندئذ بكلماتها ومفرداتها تأملات الانسان الفكرية والروحية والجمالية التي يشعر الانسان بها من داخله وليس لها انعكاسات مادية خارجية تفرض على الانسان ان يخترع لها مسميات وكلمات ومفردات مادية وهذا صحيح !!.



فكل هذا من شأن الكلمة ووظائفها الطبيعية التي تدخل في اطاروحيزكون اللغة والكلمة والمفردة ماهي الا ادوات تعبيرطبيعية وفطرية وساذجة لمتداول الانسان اليومي الذي يعيش اللغة في كل وجوده من التفكير حتى المشاعر ، والى الاتصال بالعالم الخارجي للانسان !!.

لكن مايميز الاستخدام القرآني الكريم ورسالة الاسلام العظيمة للكلمة وللغة والمفردة الانسانية انها صاغت من اللغة معادلتين دخلت في تحويل اللغة من كونها آدات طبيعية للاستخدام البشري الى كونها اداة تخاطب بين الله والانسان مضافا على كونها انها معجزة من الصعب الاتيان بمصلها ، وهاتان المعادلتان هما :



اولا : معادلة المضمون بحيث ان مضمون الكلمة في القرآن تحولت الى رؤية وفكرة وعلم لايمكن الاتيان بمثله !.

ثانيا : معادلة الصياغة بحيث ان لغة القرآن ومفرداته وكلماته على مافي مضمونها من عمق واعجاز وفكر وقوانين الا انها مع كل ذالك صياغة من اسهل الصيغ على العقل البشري في الحفظ والتمكن من الاحاطة بها وسهولة الامساك بشواردها !.



بمعنى اخرانه من الواضح وحسب الطبيعي من تركيب اللغة الانسانية مضافاالى ماقرره القرآن الكريم نفسه ان عملية التحدي في الكلام القرآني الالهي لاتعتمدعلى المتفرقات والمفردات من الكلمات سواء كانت قرآنية اوانسانية بل ان آية الجمال اللغوي الانساني والكلامي القرآني الاسلامي تتبلور في البناء والتركيب التام المفيد للخطاب الانساني لتظهر الجمالية والتمام والابداع والبيان في كلام البشر من جهة وحتى في الكلام الالهي من جانب اخر ، وهذا ما يصنع المضمون لكل كلام مفيد في قاموس البشرية كلها ، فجمال القصيدة سواء كانت نثرية او شعرية اذا لم تحتوي على مضمون وصور يقدمها هذا المضمون للسامع فلايمكن القول او الحكم بايجابية على مثل هذه القصيدة لافتقارها الى تماسك المضمون وجماله !!.

وهكذا يقال في وظيفة الكلام العليا انه ايصال مضمون فكرة تاريخية او قانونية او فلسفية او فنية او علمية ... او غير ذالك فكل هذا اذا اُخذ على اساس انه مفردات وكلمات بلا مضمون فلايمكن الحكم عليه الا بالعبث واما العكس فهو ما يجعل للكلمة معنى وللمفردة مكان وجمال وللغة وظيفة وقيمةوبهذا المعنى دخلت الكلمةالقرآنية في ميدان التحدي للبشرية بمضمون كلمتها القرآنية ليس على اساس انها كلمة تحمل الجمال الفني او الوزن الموسيقي او تراصف الكلمات بمهارة فحسب بل لانها كلمة جمعت في مضمونها مالم تستطيع البشرية بادراكها المحدود الاتيان بمثله !!.



انه من الممكن ان تجد شاعرا وصل مع اللغة والمفردة الانسانية الى مدياتها الفنية القصوى في الجمال ، وفي حياكة الصور وفي بلاغة استخدام المفردة في مكانها الذي لو رفعت منه تشعر بالحيرة بالاتيان بمفردة اخرى تنوب عنها في اداء الوظيفة وشغل المكان وايصال نفس المعنى !!.

لكن مع الاسف قد عُرف عن الشعر ان اعذبه اكذبه ، كما عُرف عن النثر الفني ان اجمله هو ما بالغ به صائغه حتى يخرجه من مألوف مايصدقه الواقع الى مألوف مايعجب به الانسان لخروجه وتمرده على الواقع والممكن !!.



كذالك في قولنا في امكانية وجود مؤرخ يصل في تتبعه للاحداث التاريخية الى اوج الاجتهاد والتتبع بحيث ان هذا المؤرخ لم يترك شاردة ولا وارد في تواريخ الامم واحوالها الا تتبعها بدقة ووعي ومهارة وتسجيل في تاريخه الفلتة ، لكن ومن الجانب الاخر حتما سيكون هذا التاريخ وكتابته غير مطالب ان يكون قمة في رصف جمال الكلمات الفنية ثم انه لايتوقع منه ان يكون ناقلا للتاريخ ومؤكدا على مصداقية حدوثه وحصوله فيما مضى من ازمان !!.

بل يكفي المؤرخ التتبع وهذا ما هو المطلوب منه اما صدق الاحداث وجمالية اللغة التي يكتب فيها التاريخ فحتما يتعذر على انسان مهما بلغ من سعة ادراك تاريخية ان يكون عبقريا باكثر من مجال علم لاسيما اذا كان مجال العلم هو التاريخ وبطبيعة الحال هو مختلف عن مجالات العلم الاخرى ، وهذا فضلا عن انه من الصعب ايجاد مؤرخ لايميل مع الهوى في كتابته للتاريخ او لاتعتقله عصبية لمذهب او عقيدة وهو يكتب تاريخه اولايتأثر بمصلحة وهويحاول بناء تاريخ فيه الكثير مما يزعج السلطة او الدولة او الدين او العقيدة او المجتمع في ذالك التاريخ !!.



ولايختلف القياس طبعا اذاتحدثنا عن القانون ورجاله فنفس مايؤخذعلى اصحاب الفن والجمال في خيالهم المتمرد على الواقع وغير المعترف بوجوده وما يؤخذ على اصحاب التاريخ في اتقانهم لشيئ وتخلفهم عن اشياء كثيرة يؤخذ على رجال القانون وقانونهم في انهم ربما كانوا القمة في الادراك القانوني المعالج لادارة المجتمع والفصل بينه في المنازعات ، وما اشبه ذالك لكنه ايضا اهل القانون وقانونهم غيرمطالبين لابجمال صياغة مفردات قانونهم لانه يتحتم على كاتب القانون ان يكون متعاملا مع الواقع الانساني مئة بالمئة ومبتعدا عن خيال الفن وشطحاته مئة بالمئة ، كذالك في مشرّع القانون ولاعلاقته الجذرية في مفردات اهل التاريخ ومناهج بحثهم ، او اهل العلم وتعقيد مصطلحاتهم المخبرية وتجاربهم المادية وانما لاهل القانون حيزهم ولغتهم وصياغتهم ورؤيتهم ، التي تبدع في صياغة القانون الا انها تعجز في الميادين الاخرى والمجالات المتعددة من الحياة والعلوم والمناهج ، وهذا فضلا عن ان ادراك رجال القانون لمشاكل المجتمع ومعالجتها وتقنينها دائما ماتكون قاصرة الرؤية والنظرة مما يتطلب على المشرعين القانونيين بين الفينة والاخرى اعادة صياغة القوانين والغاء بعضها الذي لم يعد يتجارى مع الحياة وتبديلها بصيغ جديدة كانت غائبة عن عقول القانونيين المحدودة الرؤية في الزمان والمكان البشريين !!.



كل هذا هو مايقيد قدرات الانسان ومداركه في مجارات الاشياء المتعددة في العلوم والحياة وجمعها في انسان واحد !!.



اما في كلمة الله العليا ، وماهية اعجاز مضمونها الذي لاينفد ، وصدق تحديها للبشرية قاطبة بان يأتوا بسورة من مثله فقد اعلنت كلمة القرآن العظيمة انها الكلمة التي جمعت الاتي : صدق الحديث مع جمالية الفن الذي لايرقى اليه راق وابداع النثر مع عدم الخروج والتمرد على واقع الانسان وسير حياته الطبيعية ،ونقل التاريخ مع ضمان جمال الكلمة وابداع الخيال مضافا لنقل التاريخ كما حصل وبامانة لايمكن تطرق الشك والشبهة في حصول حوادث التاريخ ومفاصله ،وصياغة القانون واحكامه بضمان انها قوانين لايمكن لزمن تجاوزها لمحدودية ادراك واضع القانون ومشرع فقراته التنظيمية ، ولالمكان رفضها لانها قوانين الفطرة البشرية التي لاتتبدل في سنة الخلق والوجود البشرية ، وهكذا في كلمة القرآن العلمية التي نقلت مفردات العلم وجفافها مع تعقيدها وغيابها عن ادراك الانسان بلاادوات علم تساعده على الوصول الى قوانين الكون والطبيعة والانسان مع احتفاظ الكلمة القرانية وهي تنقل كلمتها العلمية على جمالها الفني وصدق حديثها التاريخي وادراك وسعة مفردتها القانونية وصياغة وتعقيد افكارها العقدية والفلسفية وحتى الجغرافية وغير ذالك !!.



هذا هو مضمون الاعجاو للكلمة القرآنية التي تحدى البشرية على ان ياتوا بسورة من مثله سورة مركبة من كلمات ومفردات تجمع بين جنبتيها كلٌّ من الجمال والصدق والمنهج والعلم والقانون والفلسفة والعقيدة والتربية وعلم النفس الانساني ، كلمة هي في ظاهرها انها كباقي كلمات البشر ، الا انها تتميز ان لها روحا وقوانينا وتأويلا وعلما محيطا مضافا لجمالها وصدقها وبساطتها وفطريتها جمعت كل ذالك في اطار واحد اسمه كلمة الله القرآن الكريم ودعت ليس فقط الظاهر من الانسان ان يأتوا بمثله بل دعت الجن والانس ان ياتوا بمثله ان استطاعوا الى ذالك سبيلا :((قل لان اجتمعت الانس والجنّ على ان يأتوا بمثل هذا القرآن لايأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا / 88 / الاسراء )) !!.

اما لماذا لايستطيعون ؟.



فلان كلمة القرآن لاينفد مضمونها :(( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي )) .

ولانها لايمكن لها ان تتضارب فيما بينها :(( افلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ))

ولانها محيطة بكل العلوم والمناهج ولها تأؤيل لايحيط بعلمه الا من كان لله عبدا ووليا : (( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما ياتهم تأويله )) !!.

وكل هذا كان اساسه ومدخله وبابه للقرآن العظيم هو كلمة (( اقرأ )) هذه الكلمة التي جاءت بصيغة آمر هو الله سبحانه وتعالى ، ومأمورا هو الانسان ، ومتوسط هو المقروء بينهما باعتبار ان القراءء وحدها هي التي تطلع الانسان على كيفية محو اميته الفكرية والعقدية والقانونية والتاريخية والفنية ....، قبل محوها لامية الانسان الحرفية والكتابية كآدواة والات لولا لما اصبح الانسان انسانا مفكرا ومميزا عن باقي الموجودات التي بقت على الصوت والاشارة بدلا من انتقالها للكلمة والقراءة لتميزها عن باقي المخلوفات !!.

________________________________



alshakerr@yahoo.com

الاثنين، ديسمبر 27، 2010

((من وعيّ القرآن .... أقرأ )) -5- حميد الشاكر

الدين بين المجهول والمعلوم :- اقرأ .




لاريب ان الرسالة الاسلامية الخاتمة عندمااتت للبشرية جمعاء كخطاب الاهي وبرنامج حياة سماوي انزل على قلب العظيم محمد الرسول صلى الله عليه واله قد غيرت تماما المعادلة الدينية التي كانت موجودة وقائمة انذاك لدى البشرية قاطبة ، وهذا التغيير اخذ ابعادا ومناحي كثيرة وكثيرة جدا ومن اهمها :

اولا : ان التغيير الذي احدثته الرسالة الاسلامية في فجر بزوغها انها اتت مستجيبة للتطور والتكامل البشري الفكري والعلمي والروحي الذي بدأ مسيرته بالفعل من ذالك التاريخ ولم تعد الاديان القديمة قادرة على مجارات متطلباته المستحدثة والجديدة وهذا ما اشرنا اليه في الفصول السابقة من هذا السلسلة من وعيّ القرآن !.

ثانيا : ختم الرسالات السماوية ، بحيث ان الرسالة الاسلامية اعلنت غلق باب الوحي ، والرسالات السماوية التي كانت تتدفق بغزارة من السماء ليصبح اليوم الاسلام هو اخر دين ناسخ لما تقدم ومتحرك لما هو اتٍ .

ثالثا : المناحي الدينية نفسها التي كانت تتعامل مع الانسان على سذاجته الفطرية والفكرية بحيث ان جلّ عمل تلك الاديان كان هوكيفية ربط الانسان بالغيب او بالله سبحانه وتعالى او بالمجهول من حياته الاخروية .... الخ !!.



وبالفعل كانت الاديان التي سبقت الاسلام ينظر الانسان القديم اليها على اساس انها الرابط او الوسيلة التي تتوسط بين الانسان المادي الطبيعي الموجود على هذه الارض وفيها ، وبين الله سبحانه وتعالى المحتجب بالغيب المجهول والبعيدعن واقع الانسان واحساسه والذي هو بحاجة لأن يدرك وجوده سبحانه لمعاجز تاتي على يد رسل وانبياء ومن ثم يحتاج الانسان ليبحث عن الله سبحانه في مجهولاته اما معلومات الانسان فلم يكن الانسان ليدرك كيفية ان يكون الله سبحانه فيها او انه كان يسمح لنفسه او له القدرة ان يلتفت لله سبحانه عندما يمارس الانسان وجوده في هذه الحياة ومعلومه وحياته المشاهدة !!.



اما في الاسلام فقد تغيرت معادلة الدين تماما بين الله سبحانه والانسان ليكون الله في الاسلام من ضمن ادوات الانسان المعلومة في كل وجوده وحياته ولتكون براهين ودلالات الانسان نفسه على ربه مختلفة النوعية كذالك ،ولهذا اصبح انسان الاسلام عندما يريدالبحث عن معبوده فلا يرى الموضوعة على اساس انها قطع مسافة طويلة تبدأ من معلوم الانسان وماديته الى مجهول الاله وغيوبه من خلال معجزة كونية تخضعه لهذه المعرفة اومن خلال رسول ياخذ بيده ليريه ربه على جبل الطوروانما اكتفى انسان الاسلام بالوصول والتعرّف الى ربه من خلال تجليّ الله سبحانه وتعالى له في كل شيئ موجود حول الانسان وفي حياته ليصبح رب الاسلام وخالق الكون وبارئ الوجود حاضرا ، وشاهدا وقريبا ومشاركا للانسان في حياته ومع خطواته وملازما لكيانه كل لحظة بلحظة لايغيب عن الواقع ليحتاج الانسان المسلم البحث عنه في الغيوب وفي المجهول وفي معجزات الامور !!.



في فصل للشهيد السعيد الاستاذ مرتضى المطهري في كتابه الذي جمع فيه محاضراته الفكرية الاسلامية (( محاضرات في الدين والاجتماع )) يتطرق الاستاذ الشهيد الى الكيقية الاسلامية التي نقل فيها الاسلام الاستدلال على التوحيد من المجهول الى الحياة ليصل الى نتيجة مفادها :(( بعض الناس اعتاد على البحث عن الله في مجهولاته اي انه كلما صادف لغزا لم يستطع حله ارجعه الى ماوراء الطبيعة وعالم الغيب . اذا سألت احدهم - مثلا - كيف حصل هذا الخبز الذي تأكله ؟. لقال : كان دقيقا عجنه الخباز وخبزه في التنور. كيف اصبح دقيقا ؟. كان حنطة .... ، وكيف وجدت الحنطة ؟، زرعها الفلاح ...، وكيف نبتت ؟. نزل المطر واشرقت الشمس فاخضرت . وكيف نزل المطر ؟. هذا ماجاء به الله ))!!.

فكأن الله لم يكن له حضور قبل هذه المرحلة ، وان تدخله اقتصر على هذه المرحلة من مجهولات الانسان فقط / ص 107 )) انتهى !!.



والحقيقة ان هذا النوع من التصورات لله سبحانه وتعالى وصلته بواقع الانسان ، وحياته ومع الاسف يرتدّ بجذوره الى جاهلية ماقبل الاسلام ومدرستهالتي بنت منظومة فكرية كاملة لكيفية العلاقة بين الله والانسان من جهة والى كارثة ان عالمنا الاسلامي يعيش في العصر الحديث لاكثر من قرن تحت هيمنة استعمارية غربية شاملة في العسكرة وفي الفكر والفلسفات التي بترت فكر الانسان المسلم عن منبع تصوراته الحقيقية الا وهو الاسلام فقد قُطع نهائيا هذا المجتمع الاسلامي حتى عن كيفية تنظيم رؤيته وتصوره لله سبحانه حسب ماقرره الاسلام ليعتمد اساليب تفكير فلسفية استعمارية ، كانت ترى وتناقش الدين وفكره على اسس مختلفة ومتخلفة تماما ولاتمت بالصلة لفكرنا الاسلامي الاصيل !!.



نعم حتى اليوم يعيش مجتمعنا المسلم بنمط تفكير غربي استعماري ، ينظر للدين ولتصوراته ولكيفية انماط وسلوكيات رؤاه في كل شيئ على المنتوج المستورداستعماريا لهذه الامة حتى اصبح الدين افيون الشعوب حسب الرؤيةالفلسفية الشيوعية الاوربية التي كانت تناقش الديانة اليهودية في فكر ماركس وكيفية تجييرهذه الديانة للدين ليكون في خدمة المنتفعين وهكذا عندما اصبح الدين ضد العلم في نقاش ورؤية نيتشة الفيلسوف الالماني للديانة المسيحية وهي تناهض ، اي محاولة للبشرية للاعتماد على العلم في هذه الحياة ،ولكن السؤال الان ماعلاقة الاسلام الذي ادان الدين اذا تحوّل الى افيون في الاديان السابقة عليه وماعلاقته في الاديان التي ناهضت العلم والفكر البشري من التقدم ؟؟.



اليس الاسلام قبل ماركس ونيتشة هو اول من اعلن ان تلك الاديان القديمة هي اغلال وإصروانه جاء ليحرر الانسان من الاغلال الدينية وماتحمله من اثقال على كاهل البشرية في قوله سبحانه :(الذين يتبعون الرسول النبي الامي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والانجيل يأمرهم بالمعروف ، وينهاهم عن المنكر ، ويحلّ لهم الطيبات ، ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والاغلال التي كانت عليهم.../ 157/ الاعراف ) .

فاذن علامَ يعامل الاسلام العظيم ، الرسالة الالهية الخاتمة ، والمعترف بها الاهيا في السماء لاغير ، والتي تناهض الظلم وتدعم الطبقات الفقيرة وترسي العدل بين المجتمع وتدعوللعلم والمعرفة واحترام العقلية الانسانية ومنتجاتها المختلفة في رؤيتها وفي انماط سلوك تفكيرهاوتصوراتها لكل شيئ على اساس ان الاسلام في كل ماجاء به من اضافة وجديد ماهو الا دين كباقي الاديان المنتهية الصلاحية في الاستعمال البشري الحديث وهو لايختلف في رؤيته عن الديانة اليهودية او المسيحية ؟.



بمعنى اخر : انا افهم مبررات مقالة نيتشة عندما يهاجم طريقة تفكير الديانة المسيحية بالقول :(( عندما نستمع في صباح الاحد الى دقات النواقيس القديمة نتساءل : أهذا معقول ؟. ان كل ذالك من اجل يهودي صلب منذ الفي عام كان يقول انه ابن الله وهو زعم يفتقر الى البرهان !!...... فلنتصور الها ينجب اطفالا من زوجة فانية وخطايا ترجع الى الاه ويحاسب عليها نفس الاله ؟!. أيصدق احدا ان شيئا كهذا لايزال يصدق / نيتشة / امور انسانية )).

اقول انني اتفهم مقولة نيتشة التي ترفض فلسفيا وعقليا مقولات الديانة المسيحية في التثليث وفي الجبرية وفي عدم معقولية كل هذا للفكر البشري الطبيعي ، لكنّ ما لم افهمه حتى اليوم كيفية سحب هذه الرؤية استعماريا لتطبق على الاسلام على نفس القياس ، والمضمون الذي يهاجم الاسلام وكأنه دين ايضا يدعو للجبرية والتثليث والجهل ؟!!.

والغريب العجيب ان الاستعمار الغربي عندما دخل بلادنا الاسلامية ودمر كل اسس ثقافتنا ومبادئنا الفلسفية حول الاسلام وحلّ محلها منتجه الفلسفي الغربي الالحادي الذي له مشكلة مع اديانه المناقضة للعدل والعقل الانساني ، ذهب معه لفيف عظيم ممن يدعوّن العلم والثقافة من المسلمين ، وتحت وطأة الشعور بالنقص ، لتبني كل اطروحات الاستعمار الغربي الفلسفية و الفكرية ليروج لها هو نفسه ضد الاسلام باعتبار ان الاسلام بما هو دين ، فانه لايختلف ابدا في فكره وانماط تصوراته عن باقي الاديان الاخرى ، وعلى هذا الاساس بنى العظيم من المسلمين فكرهم ،وتصوراتهم حول الله والدين والاسلام ، والشريعة والاخلاق على بُني فلسفية مستوردة غربيا وعلى افكار ليس لها اي علاقة بالاسلام وتصوراته ولم ينتجها واقع المسلمين واسلامهم ابدا !!.



ولهذا نجد ان هناك من لم يزل يبحث من المسلمين ، وحتى من علماء المسلمين في ترويجهم ، للطريق الى الله سبحانه عن الله تقدست اسمائه ، على اساس انه سبحانه وتعالى كامن في مجهولات الاشياء من الانسان ، وليس في واقعه ومعلوماته ولكنه لايلتفت ابدا الى تصورات الاسلام الفكرية التي نقلت كل منظومة التصورات الدينية نقلة نوعية لتجعل الانسان المسلم يرى الله سبحانه حاضرا وليس غائبا في معلوماته وغير مختفيا او مختبئا تحت طيّ المجهول والغيوب واللامدرك ابدا !!.



إن من مميزات الاسلام الفكرية انه نقل رؤية الانسان بالبحث عن الله من حيزها الغيبي لحيزهاالواقعي ليجعل من الكون المحيط بالانسان من سماءه ونجومه ةهوائه وقوانينه وكواكبه .... كلها على اساس انها ايات كونية من خلال النظر والتدبر فيها حتما سنصل الى الله سبحانه ونتعرف اليه فالله في الرؤية القرآنية يكمن في المعلوم الكوني للانسان وليس في المجهول مابعد الكون والطبيعة ،ولهذا جاء خطاب القرآن مكثفا في قضية الالتفات الى وجه الكون وقوانينه الكونية والطبيعية على اساس انها الوجه الجميل والعظيم لله سبحانه وفي كل خطوة من خطوات الكون وملامح سماته المتعددة فقال :(( ان في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما انزل الله من السماء من ماء فاحيا به به الارض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والارض لايات لقوم يعقلون / 164/ البقرة )) .



اي ان الانسان لايحتاج بعد الاسلام ليبحث عن الله ويتعرف عليه من خلال المعاجز والاشياء الغريبة العجيبة والغير مألوفة في حياة البشر ، بل يكفيه الاعتماد على عقله وفكره لينظر الى ماحوله بتأمل لتكون الايات الكونية هي الدليل اليه لله القريب جدا من فكره وعقله ووجوده ، فالله سبحانه في الاسلام ليس هو ذالك الاله الوثني الذي يقبع بعيدا خلف الكون وخلق السماء والانسان بحاجة الى معجزة ليصل له او يتعرف على ذاته !!.

لا بل يكفي انسان القرآن والاسلام ان ينظر للكون من حوله ويستوعب قانون مسيرته ليدرك تماما ماهو الله وكيف هو جميل وواحد وعظيم بنفس الوقت واللحظة !!.



كذالك اذا انتقل الانسان لاساليب الاسلام الفكرية ونمطياته التصورية في التعرف على الله باقرب من الكون والسماء والنجوم باعتبار انها ايات لقوم يعقلون فسنجد ان الله ظاهرا ومتجليا ايضا في الافاق الانفسية والروحية للانسان ليصبح الله سبحانه وتعالى في الاسلام اقرب اليه من جبل الوريد واقرب اليه حتى من نفسه :(( سنريهم اياتنا في الافاق وفي انفسهم حتى يتبين لهم انه الحق أولم يكف بربك انه على كل سئٍ شهيد / فصلت / 53 !!)).

بل ان الله لاينبغي اسلاميا ان يبحث عنه مابعد الاسباب الطبيعية والكونية ، حتى اذا عجز الانسان عن ادراك ما محيط به كونيا وطبيعيا من اسباب القى الامر على الغيب والمجهول والله سبحانه وتعالى ، كلاّ وانما الله سبحانه في الاسلام مع كل سبب وكل سبب هو اية وجوده وتجلي عظمته ووحدته في هذا الكون وما على الانسان اذا ماوقع بصره على اي شئ اصيل وجميل ومحكم في هذا الكون الا ان يتأمل فيه ليجد الله حاضرا عنده !!.



هذه هي الرؤية الاسلامية التي نقلت المشروع الديني كله وبكل تصوراته ونمطيات اساليب تفكيره وبطرق استدلالاته وبراهينه من كونه دين يتحدث حول المجهول في حياة الانسان واخرته ، الى الحديث عن حياة الانسان وحاضره ومايمارسه يوميا وما يتحرك من خلاله كل لحظة !!.

وطبعا كل هذا لايمكن تحققه بين الاسلام والانسان اذا لم يكن هناك برنامج الاهي يقود الانسان في خطواته ومن خلال عقله وبكامل ارادته وحريته للوصول الى مايبحث عنه في هذا الوجود من الله سبحانه وحتى السعادة والعدل والتقدم والنماء وهذا البرنامج او تلك الرؤية صاغها الاسلام بقرآنه الكريم وجعل الطريق اليه من خلال مشروع (( اقرأ )) !!.

ان (( اقرأ )) في القرآن الكريم ليست هي مفردة في اية قرانية واحده فحسب ، وانما هي منحى معرفي اسلامي بُني كل الاسلام ومعرفته عليها ، فهي بهذا المعنى السبيل الوحيدة التي ينتهجها الانسان للتعرف على الاسلام ومافيه !!.



وصحيح فيما قبل الاسلام كان الانسان تائه مابين عجزه الفكري والعلمي والعقلي من جهة ، وما بين حاجته الى من يرشده الى الله والحقيقة والسعادة ، اما مابعد الاسلام فالانسان مكتف بذاته وعقله وفكره اذا التقى مع القرآن كمقروء رفع معادلة الوحي وختم عملية الرسل وفتح باب الاجتهاد والوعي للانسان وحده !!.



ان الاسلام دين الوعي حقا لان وسيلة الاتصال بينه وبين الانسان هي (( اقرأ )) ومن النادر ماتجد انسانا واعيا ومثقفا وقارئا بعيدا عن الاسلام وروحه وتصوراته وفكره ، لان كل هذا المنتوج الاسلامي هو موجها بالاساس الى الانسان القارئ ، وطبيعي ان يكون القارئ مثقفا وعالما ومجتهدا ومتنورا ، بعكس مالو وجدت اميا ، أُميا على مستوى قراءة الحرف وكتابته ، او اميا على اساس عدم الوعي والثقافة والادراك الواسع ، ان يكون متصلا بالاسلام او متفاعلا مع اطروحته القرآنية بوعي وانفتاح ونقد او ايمان فلا حظ حقيقة للجهّال في ادراك الاسلام واطروحته التي اعتمدت على نور العلم ومشكاته العظيمة ( اقرأ ) وبون شاسع بين فكرة تقوم على القراءة التي هي منتج متطور من وعي الانسان وتطوره وادراكه في هذا العالم ، وبين فكرة لاترتبط بالانسان الا من خلال طلب الطاعة والبقاء على الظلام وعدم السؤال او الاعتماد على النفس لقطع الطريق حتى النهاية !!.



بهذه الصورة تغايرت تصورات المدرسة الاسلامية عن باقي التصورات الدينية الظلامية بكل شيئ ، فمبدأ الاطروحة الاسلامية هو ان تكون قارئا اولا وواعيا ومثقفا ومتنورا لتدخل في رحاب الفكر الاسلامي لتؤمن به من خلال وعيك انت يايها الانسان ومن خلال اجتهادك ورؤيتك للافاق وللانفس التي هي ايات جلال الله وتوحيده وعظمته المعلوم والغير مجهول ولا الذي منزو خلف الغيوب الكثيفة ،ولا تكن كالذي يعيش البدائية في فكره وعقله وعلمه لينظر لله سبحانه وللدين على اساس انه شئ خارج نطاق الزمان والمكان ويسبح ويعيش في المجهول وما وظيفته تبدأ بالحركة الا بعد ان ينتقل الانسان من هذا العالم الى العالم الاخر الغير معلوم !!.



لا ليس هذه رؤية الاسلام لوظيفة الدين ولاهي الرؤية الفلسفية التي ترى في الله شيئا غريبا عن واقع الانسان وحياته ومعلومه وحركته وتكوين اسرته ونضاله السياسي او بناء ثقافته ووعيه بل الدين نزل لوضع برنامج وعي لادراك الانسان طريق تكامله وطريق خلاصه وسعادته في هذه الدنيا قبل الاخرة حسب المفهوم الاسلامي الذي يرى انه هو الدين المتبقي لله كبرنامح بين الانسان والله سبحانه وتعالى لاغير في قوله:(ان الدين عند الله الاسلام) اما اذا تحدث الفلاسفة ونقد المفكرون وتمرد المتمردون على اديانهم القديمة التي يعتبرونها اديانا في حياتهم الدنيا فيجب عليك ايها المسلم ان تدرك ان دينك مختلف جدا عن باقي بقايا اديان تاريخية اصبحت عبئا ووزرا وثقلا واغلالا على المؤمنين بها لعدم قدرتها على مواكبة متطلباتهم وعدم صلاحيتها لحياة الانسان بعد الاسلام !!.

اما الاسلام ففي فكره الكفاية ، وفي مشروعه الوعي والتطور مع الحياة ، وفي حكمه العدل وضمان النزاهة ، وفي فلسفته دعما للعقل والاصاله ، وفي مشروعه اقرأ قاعدة كل واعي ومثقف ومجتهد ومتنور !!.



ان الاسلام دين لايخشى من الثقافة والعلم ، وان الاسلام دين ليس فقط انه دين العقل والثقافة والوعي الذي قام على مشروع اقرأ فحسب ، بل انه الدين الذي قلب المعادلة تماما بين اديان لايمكن الايمان بها الا للجهلة والبسطاء والاميين من البشر الذين يروا الخرافة انها معجز بشرية تؤكد صلة السحر بالسماء والغيب الى دين لايؤمن به الا الفلاسفة واهل النقد والوعي والقراءة والعلم والفكر .... الذين لايرون حجة على وجود الله وصحة الدين الا من خلال الحجة والبرهان والدليل والعقل والقرائة !!.

____________________________



alshakerr@yahoo.com

http://7araa.blogspot.com/



















الجمعة، ديسمبر 24، 2010

(( من وعيّ القرآن .... اقرأ )) - 4 - حميد الشاكر

حاجة المعجزة : - اقرأ


***************



اذا اراد اي مفكراو باحث ان يدرك لماذا وكيف وعلى اي اساس وباي مبررتحول الاعجازالسماوي من افاقه الكونية والطبيعية الى افاقه اللغوية والكلامية في القرآن الكريم فعليه ان يضع بحسابه الالتفات الى ثلاث محاور رئيسية في الفكر الاسلامي كلها تصب في النهاية في بحر وسر وعمق واعجاز كلمة ((اقرأ )) القرانية !!.

وهذه المحاور البحثية والفكرية الثلاثة وبغض النظر عن تراتبيتها هي :

اولا: محور اللغة الانسانية وكيف وجدت او خلقت او صُنعت ؟ ولماذا اُبتكرت؟ وما هي وظيفتها الانسانية التي ادتّها للبشرية قبل وجودها لتكون هي الاخطر في الصناعات او الابتكارات او الاكتشافات الخلقية البشرية ؟.

ثانيا : محور فلسفة الخلقة البشرية ؟ ، ولماذا خلق الله سبحانه العالم والانسان ؟ ، وماهي الغاية من وجود الانسان في هذا العالم ؟، وكيف ينبغي لنا فهم الوسائل التي توصل الانسان فكريا وعلميا لغاياته واهدافه في هذا العالم ؟.

ثالثا : محور التطور والتكامل والنمو الانساني ، ولماذا وكيف تطور هذا الانسان فكريا وماديا ونفسيا وروحيا ؟، ومادور هذا التطور وانعكاساته الجذرية على تطور الاديان ، ومعاجزها والافكار ومعالجاتها لظواهر التطور البشري ؟، وفي النهاية كيفية ان يكون التطور الانساني والتكامل البشري هوالذي يفرض معادلة انتفاء الاعجاز الكوني والطبيعي في الاديان وبقاء الاعجاز الكلامي والاقراءي فحسب ، كمعجزة تصوغ من وجود الانسان وفكره نفسه معجزة هي اعظم في تألقها من كل معاجز الكون والطبيعة والعالم ؟!!.

طبعا أُدرك ان من ليس له اطلاع كافي على مضامين وبحوث هذه المحاور الثلاثة فانه لايمكن له ان يدرك نتيجة هذه المحاور الثلاثة وكيفية اتصالها ببحرالكلمة القرآنية (اقرأ) ولكن من جانب اخر لايستطيع احدٌ ابدا ان يعي عمق واعجازية هذه الكلمة اذا لم يضع في فكره ان (اقرأ) القرانية ماهي الا ثمرة تطور بشري ، ولايمكن فهم محاورها المعرفية والفكرية الانسانية التي جعلت منها كلمة القران الاولى والخالدة بغير معرفة وادراك مسبق لطول الشوط التاريخي البشري وتنوعه الذي سبق انتاج اقرأ القرانية هذه !!.

نعم بالامكان البداية من فلسفة الوجود الانساني في الرؤية الاسلامية ، لنجيب على دفعات مركزة ومختصرة جدا على كل هذه المحاور الثلاثة لنقول وبشكل مباشر تماما :

إن غاية وهدف الوجود البشري في هذا العالم الكوني الكبير ، وحسب رؤية المدرسة القرانية هي غاية وهدف العبادة للخالق سبحانه وتعالى لقوله سبحانه :(( ماخلقت الجنّ والانس الا ليعبدون / 56 / الذاريات ))

أما ماهي حكمة هذه العبادة وفلسفتها ؟.

ولماذا جعلها الاسلام غاية وهدف الوجود الانساني ؟.

وهل عملية خلق الله للعالم والانسان كانت تحت دوافع الحاجة لله سبحانه ام تحت مبررات فيض الخير الالهي للمخلوقات ؟.

فكل هذا بالامكان الاجابة عليه : بان العبادة من وجهة النظرالاسلامية هي الوسيلة المثلى والطريق الواضحة لوصول الانسان نفسه الى رقيه وكماله وتطوره من خلال هذه الوسيلة ، وما هدف العبادة باعتبارها وسيلة وليس غاية الا الوصول بالانسان وهو يطوي طريق تكامله وتطوره في هذه الحياة الى بارئه الله سبحانه وتعالى !!.

ومن هنا تكون العبادة وطلبها من قبل الله سبحانه وجعلها في القران الكريم على اساس انها غاية خلق الكون والبشرية ليس باعتبار حاجة الخالق سبحانه لها وانما لحاجة المخلوق الذي هو الانسان لها كوسيلة وطريق وخريطة توضح له المسار الى كماله الاعظم الذي خلق الله الانسان لغاية الوصول اليه ، فخير الانسان وتكامله هو الغرض من عبادة الله سبحانه ، وليس الغرض من العبادة منفعة ما تعود للغني الغير محتاج ابدا الله سبحانه وتعالى !!.

اذا ادركنا هذا المعنى الفلسفي لموضوعة الخلقة للانسان في الرؤية الاسلامية ، نسأل بعد ذالك : وما هي الوسائل التي يتصل من خلالها الله سبحانه وتعالى بالانسان ليوصل له برامج عبادته للبشر اجمعين ؟.

فنجيب ان الوسائل المعتادة التي يذكرها القرآن الكريم كلام الله سبحانه العظيم في ايصال رسالة الله الى خلقه هي وسيلتان : الاولى : هي انزال كتب من السماء تحمل افكارا وتصورات وفلسفات ورؤى واعمال ، للانسان ووجوده وكيفية عبادته لخالقه وطاعته له سبحانه !.

ثانيا:انتخاب واصطفاء رسل من قبل الناس ومن بينهم ليكونوا الصلة بين الله سبحانه من جهة وبين الناس جميعا من جانب اخر من خلال وحي الله لرسالته لهؤلاء الرسل وتبليغ الرسل رسالة الله سبحانه الى خلقه !!.

بعد ذالك نُشكل على هذه الرؤية بسؤال : وما الدليل الذي يثبت لنا كبشر ان موسى كان نبيا متصلا بالله سبحانه وكذا عيسى مثلا وابراهيم كذالك عليهم السلام جميعا ؟.

نجيب : لوجود معجزات كانت بين ايديهم مع رسالات الله سبحانه وتعالى تؤكد لنا انهم من الصادقين ، فضلا عن اننا كبشر تضطرنا عقولنا التي في رؤوسنا لتؤكد لنا اننا مخلوقون من قبل خالق وهذا الخالق لابد انه اراد حكمة من خلقنا ولانستطيع ادراك هذه الحكمة الا من خلال اما خطاب الله لنا جميعا كبشر ، وهذا متعذر لعدة اسباب قانونية ، واما ان يصطفي واحدا منا كبشر ليبلغنا فيما بعد مايريده هذا الحكيم الخالق منّا لخيرنا نحن ابنائه وعياله وخلقه وليس لحاجة هو يبتغيها !!.



يعود المُستشكل فيسأل : اذا كانت المعاجز الكونية والطبيعية هي لتثبيت مصداقية صلة الرسول بالله سبحانه فما تقولون بمن لايملك اي اعجاز كوني او طبيعي او مادي ليدعي ان معجزته كلامية لغوية فقط لاغير ؟.

فكيف لنا ان نؤمن بمصداقية رسول كالرسول محمد صلى الله عليه واله وهو لايملك غيرالكلمة القرآنية التي اصبحت المعجزة في نفس الوقت التي هي الرسالة الالهية كذالك !؟.

بمعنى اخر:فهمنا ان تكون الرسالة الالهية كظاهرة تاريخية انسانية تكررت على يد انبياء ورسل كثربانهاخارطة العمل الالهية المرسلة للانسان كي يطبقها في حياته لتصنع له طريق الرقي والتكامل في دنياه بالاضافة الى وجود معجزة كونية او طبيعية خارقة للعادة والمألوف البشري الى جانب الرسول ، لتكون مصداقا لرسالة هذا الرسول وصلته بقوة مطلقة وقادرة وعظيمة هي الله سبحانه وتعالى لكن مالم نفهمه حتى هذه اللحظة هو كيفية دمج الرسالة والمعجزة لتكون الرسالة نفسها هي المعجزة فهل يعقل ان تكون الكلمة معجزة من ضمن المعاجز الالهية العظيمة مع ادراكنا ان الكلمة كلغة ما هي الا فعل اختراع وابتكار انساني لاغير ؟.

ثم كيف ولماذا انتهى عصر المعاجز الكونية ، ليبدأ عصر الكلمة المقروءة لتصبح معجزة بل اعظم من معاجز الكون والطبيعة والمادة بالنسبة للبشرية كافة وليصبح فعل القراءة حصرا هي الوسيلة الموصلة لله سبحانه فقط ؟!.



والى هنا ربما وضعنا العناوين الرئيسية للمحور الاول الذي هو المحورالعبادي لننتقل الى المحور الثاني وهو المحور اللغوي للكلمة القرانية لنجيب على من يتسائل حول الكيفية التي من خلالها اصبحت اللغة والكلمة الانسانية المقروءة والمكتوبة هي المعجزة السماوية الخالدة للبشرية جمعاء ، ولنقول : هناك نظريتان في مجال اللغة الانسانية :

الاولى : وهي القائلة ان الانسان ولد في هذه الحياة وهو مزودا باللغة وناطقا للحرف ومتصلا مع غيره من البشر من خلال لغته التي خلقت معه لحظة بلحظة في وجوده في هذا العالم ، وهذه النظرية تذهب اليها الكثير من المدارس الفكرية والدينية واللسانية العالمية وجزءا من المدرسة الاسلامية كذالك !!.

الثانية : وهي النظرية التي تذهب الى ان الانسان احتاج لدورات كبيرة ، ليتدرج من خلال وجوده في هذا العالم قبل ان يتمكن من الوصول الى اكتشاف قدرته على النطق وكان جلّ اتصالاته في العالم ومع الانسان الاخر تكون من خلال الرسم والاشارة الى ان وصل في يوم من الايام الى ابتكار النطق وصناعة حروف الكتابة لتتطورحياته وصِلاته بالعالم والناس بصورة عجيبة غريبة ، وبعد ذالك اصبح الانسان ناطقا ثم كاتبا ثم قارئا ، وهذه النظرية يؤمن الكثير من الاصوليين في المدرسة الاسلامية بها ( ولكل من الفريقين ادلته على رؤيته ليس هنا مورد السرد ) والتي ترى ان اللغة فعل تطور انساني وليست فطرة خلقية ولدت مع الانسان منذ وجوده وحتى اليوم في هذه الحياة !!.

وهنا يدخل محور التطور الانساني والبشري ، ليندمج مع محور التاريخ اللغوي على خط تاريخ المسيرة الانسانية ، ليؤكد لنا فكريا وتاريخياوانسانيا وكذا اسلاميا : ان البشرية مرت بمراحل نمو وتطور وتدرج طويلة وعظيمة في تكاملها ورقيها وعلى جميع المستويات الفكرية العقدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والاسرية والفردية النفسية ....وحتى منها الخلقية في الانسان عندما ولد طفلا لايستطيع النطق قبل ان يبلغ الرشد ويكتشف في داخله موهبة النطق والكلام !!.

السيد الفيلسوف الصدر محمد باقر يذهب الى تقسيم مراحل التطور الانسانية الى ثلاث مراحل حيوية في تاريخ البشرية حسب الرؤية او النظرية الاسلامية وهي ( دور الحضانة ، ودور الاختلاف ، ودور الوحدة ) ، مايعني اننا ملزمون امام هذه الرؤية التي ترى تاريخ البشرية على انه معمل لصناعة التغييرات الدائمية ان نسأل : وكيف تطورت ايضا الحياة اللغوية من كونها حياة لم يكن لها وجود في حياة الانسان الى كون اللغة هي من اعظم المميزات البشرية والانسانية اليوم !؟.

والحقيقة اذا ما اخذنا بالنظرية الاسلامية التي تذهب الى ان اللغة مبتكر ومكتشف انساني متخلف تاريخيا عن وجود الانسان الفعلي في هذه الحياة ،كان لزاما علينا ان ننظر للغة على اساس انها حاجة بشرية فرضتها بعض عوامل التطور في الكينونة الانسانية باعتبار انها اهم وسيلة استطاع اكتشافها الانسان في مواهبه الكثيرة المدفونة داخل خلقته ليحولها الى صلة تفاهم بينه وبين الانسان الاخر ووسيلة اتصال لايمكن تصور حركة للحياة البشرية بدونها بشكل طبيعي !!.

فبون شاسع بين انسان كان يتصل باخيه الانسان من خلال الاشارة مثلا، والرسم على الحجر فقط ليوصل له مراده ومايختلج بداخله من مطالب ومشاعر ، وبين انسان يستطيع بطرفة عين ان يجمع بين حرفين ليوصل صورة ومعنى الى اخيه الانسان الاخر الذي يجيبه بنفس السرعة والامكانية !!.

كذالك عندما تطورت الحياة البشرية لتصل الى مرحلة اكتشاف الحروف ، وصناعة المكتوب منها وترجمت الافكار والخطابات الانسانية الى شيئ مقروء ومفهوم وغير مختلف حوله فان هذه الخطوة من التطور الانساني لايمكن اعتبارها خطوة هامشية في تطور الحياة الانسانية وعلى ايضاجميع الصعد البشرية ففي هذه المرحلة الكتابية والاقرائية للانسان تغيرت معادلات حياة الانسان ككل ليدوّن افكاره وتاريخه ومعتقداته واملاكه ...... وليحتفظ بها كصكوك رسمية ومعترف بها بشريا له ولمستقبله وللتاريخ ايضا !!.

أما اليوم فقد اصبحت الكلمة المقروءة وبعد طي كل هذا التاريخ من التطور للبشريةوبعد ان جاء الاسلام ونزل القرآن كرسالة الاهية اخيرة للبشرية كلها قبل الف واربعمائة عام هجرية مضت هي معجزة الرسالات السماوية الخالدة !!.

فياترى كيف اصبحت (اقرأ) ككلمة لغوية معجزة سماوية مع انها ابتكار وصناعة بشرية حسب تاريخها المدوّن والمكتوب ؟.

وماهو مضمون كل هذا التطور التاريخي العميق ، الذي بدأ بانسان ابكم حتى وصوله الى انسان رسم وكتب معادلات انشطار الذرة النووية في عصرنا الحديث ؟.

في حديثنا حول محورالعبادة الاول اشرنا الى ان غاية خلق الانسان ووضع برنامج عبادي له هوفي كونه انسانا خُلق ليتكامل ويتطورمن خلال برنامج التعبد حتى يصل الى قمة رقيه البشري والانساني ((يايها الانسان انك كادح الى ربك كدحا فملاقيه )) الذي اراده الله سبحانه وتعالى لهذا المخلوق ، وبهذا فهمنا منذ البداية ان الله سبحانه خلق خلقا لاليقف عند حد معين ليتجمد ويموت في نقطة سكون معينة ولا ليتخذ له صورة وشكل واحد في مسيرته نحو الله سبحانه وتعالى ،بل خُلق ليتحرك ليتطور ولينمو وليتكامل ابدا ، وعلى هذا الاساس نزلت كتب السماء وافكارها وعلى هذا المبنى ايضا كان اصطفاء الانبياء وانتخاب الرسل قائما ، ومتغيرا بين الفينة والاخرى من تاريخ الدورات البشرية وكلما تغيرت مرحلة من مراحل تطور الانسان في كل حياته تطورت معها رسالة السماء وخطابها ، وتجدد فيها اصطفاء نبي او رسول ، ليعيد صياغة تشكيل برنامج العبادة لحياة الانسان !!.

وهكذا الى ان وصلت البشرية الى محطة من محطاتها التاريخية قبل الف واربعمائة عام لنفاجئ بختم الرسالة والنبوة ولنجد بين ايدينا كلمة ((اقرأ)) وهي تعلن انها نهاية الرسالات من جهة ومعجزة المعجزات من جانب اخر وديمومة البرنامج العبادي للانسان على هذه الارض الى ان يرث الله الارض ومن عليها من زاوية ثالثة !!.

مامعنى ان تختم الرسالة والنبوة ليصبح القرآن بمشروع اقرأ هو اخر البرامج التي نزلت للبشرية من قبل الله سبحانه وتعالى بحيث انه ليس هناك امكانية لانتظار رسالة اخرى من السماء نازلة بعد القرآن ربما هناك من يسأل ؟.

وهل يعني هذا توقف حركة التطوروالتكامل الانسانية التي تفرض سنة تجدد الرسالات والانبياء فيما مضى من تاريخ على حد معين ولتاريخ محدد بحيث ان البشرية لاتحتاج بعد القرآن وبرنامجه الى اي شيئ جديد ؟.

أم يعني ان البرنامج الذي انزله الله سبحانه وتعالى ، متسمياً بالرسالة الاسلامية والتي بلغها العظيم محمد الرسول صلى الله عليه واله فيها الكفاية من طرق الاتصال بالله من جهة ، وطرق وبرامج عدم اعاقة التطور الانساني من جانب اخر وعلى هذا الاساس ختمت الرسالة ورفعت معادلة الاصطفاء والنبوة من الوجود الانساني بعد الاسلام ؟.

الواقع ان السؤال الثاني بما يختزله من جواب هو ماتذهب اليه المدرسة الاسلامية من ان الانسانية وفي زمن رسالة الاسلام الخالدة ونزول القرآن الكريم على قلب العظيم محمد ص لجميع البشرية قد وصلت الى مرحلة الفطام النهائية من الرعاية او الحضانة السماوية المباشرة ليقوم ويمارس الانسان دوره الراشد كعالم وفقيه ومفكر في المسير الى الله بدون رسل وانبياء ومعتمدا على نفسه في الاتكاء على برامج القرآن وماتركه من قواعد رسول الاسلام محمد ص واهل بيته الطاهرين في نهج هذا السبيل !!.

اي : ان الرؤية الاسلامية التي هي مختلفة كثيرا عن جميع الرؤى الدينية التي سبقته ترى ان التقدير الالهي لهذا الانسان في هذه الحياة قائما على ان الانسان كتب عليه في نهاية شوطه التكاملي ان يسير وحده الى الله سبحانه ، ومعتمدا على بلوغه الفكري ورشده العقلي الذي يستطيع هو وحده ان يسترشد الرسالة ويستضيئ بما تركه محمد الرسول واهل بيته من مفاهيم وبرامج ان يصل من خلالهما الى الله سبحانه وطاعته وعبادته في هذه الدنيا وهو في قمة تطوره وتكامله الانساني !!.



وصحيح ربما في مرحلة من مراحل البشرية الغابرة كانت غير مهيئة لمعرفة صدق الرسالة الا من خلال معاجز كونية مادية كبيرة تدفع بالانسان البدائي وبماديته وبقصور نضوجه الفكري والعقلي ان لايقبل شاهدا على صدق رسالات الرسل السابقين بدون ان يرى ماهواكبر ،واعظم مما في القدرة البشرية من معاجز كونية وطبيعية ومادية ليصدق الرسل ورسالاتهم لكن وفي مرحلة النضج الفكري والعقلي الانساني ، وفي مرحلة التطور والتكامل الذهني ، والعلمي البشري التراكمي الكمي والكيفي هل سيبقى الانسان جامدا في مخزونه الفكري والعقلي بحيث انه لايستطيع التمييز بين ماهو صادق من الرسالات وبين ماهو غير ذالك الا بحدوث انفلاق للبحر مثلا ؟!.

او انه ودليل على تطوره وتكامله ونموه العقلي والفكري والنفسي والصناعي والاجتماعي التاريخي سيصل الى مرحلة الفطام والاعتماد على فكره وفلسفته وتجربته وعلمه الذاتي ليحكم على الاشياء من خلال اجتهاده وقراءته !!.



نعم من خلال الرؤية الاسلامية نجد ان الله سبحانه وتعالى عندما قرر خلق الانسان فانه اراد بذالك ان يخلق صورة غاية في الجمال والعظمة التي تعكس قدرة الحكيم وعظمته وجلاله وعطائه اللامتناهي للوجودفخلق الانسان ليكون (حرّا) في خياراته وفي مسيرته وفي اجتهاده وفي ايمانه فسأل من سأل :((اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك.....)) ولكن في مراحل الطفولة والحضانة البشرية لايمكن ترك السماء لهذا الانسان وهو قاصرالادراك والتجربة ان يقطع الطريق لوحده ولهذا كانت يد السماء تدعم ضعفه بالايمان والتصديق والتصورات بمايلائم ضعفه من معاجز كونية او طبيعية تؤكد له صدق النبوات والرسل باعتبارعدم قدرته للوصول وللاستنتاج بين ماهوصادق ممن هو كاذب وفي التاريخ نجد الكثير من البشرية قدخدعوا لسذاجتهم بالاعيب الطغاة والفراعنة وباسم حتى الدين والمقدس بحيث ان البشرية كثيرا ما كانت تتوهم انذاك بين الرسول الذي يتصل بالسماء حقا وبين المتفرعن الذي يستخدم السحر والشعبذات لتعبده الناس بدلا من الله الخالق العظيم فكان حتما والحال هذه ان يكون لله سبحانه لطفا بعباده ان ينزل عليهم معاجز وخوارق كونية وطبيعية لتدعم الصادق من الرسل وتفضح الساحر وسحره وكيده وطاغوته لسد ثغرة البساطة والسذاجة الفكرية والعقلية التي كانت تعيشها البشرية في بداية الطريق ومنتصفه !!.

لكن وكمايرى القارئ اللبيب ان فعل الاعجاز الكوني والطبيعي الذي كان يلطف به الله سبحانه وتعالى بعباده المؤمنين مع انه كان يشكل وثيقة الآهية لدعم السماء للرسول ورسالته ، لكنها من الجانب الاخر تتعارض مع حرية الانسان واستعمال عقله وطاقته الفكرية في الوصول الى الايمان بدون مؤثرات خارجية طبيعية تضغط او ترغم الانسان على الايمان وتصديق الرسالة والرسول ،وهذا الارغام او الضغط الخارجي على ايمان الانسان يعتبر في وجهة النظر الاسلامية المتكاملة انه نوع من اعاقة حرية الانسان بتفعيل طاقاتها الغير متعرضة لضغط العوامل الخارجية الاعجازية الكونية او اعاقة الانسان الحرّ للوصول الى قمة تكامله الانساني الذي خلقه الله من اجله بنفسه وفكره وعقله وتجربته ، من غير اي عوامل مؤثرة على قراراته الايمانية سواء كانت معجزة ليؤمن بصدق رسالة الرسول او اي ضغوطات اخرى ليصل اخيرا الى ساحة :(( لا اكراه في الدين ..)) و(( فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )) و (( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا / 3/ الانسان )).

بهذا المعنى شاء الله سبحانه للمعاجز الكونية والطبيعية بسبب احتكاكها وضغطها على حرية عقيدة الانسان ان تتوقف وبدء مرحلة معاجز (( اقرأ )) القرانية ان تتحرك بدلا عنها ، لتكون هي معجزة الرسالة الخاتمة وخاتمة لصدق نبوة العظيم محمد الرسول صلى الله عليه واله ايضا !!!.



إن اقرأ القرأنية وباعتبار انها لغة ابتكرها الانسان في مرحلة من مراحل تطوره الانسانية ستكون اعظم اعجازيا اذا شاء الله سبحانه ان تكون معجزة الاسلام الخالدة ، هي من ادوات مبتكرات الانسانية ، بدلا من فرض اي نموذج اعجازي خارجي على الانسان سواء كان كونيا او طبيعيا ليؤمن بصدق رسالة السماء الخالدة !!.

فهنا ( التحدي ) :(( .. فاتوا بسورة من مثله ان كنتم صادقين ..)) سيكون اكثر تاثيرا للانسان مما اذا كانت المعجزة خارجة عن اطار القدرة البشرية على العموم ، كأن يفلق البحر الرسول العظيم محمد ص للدليل على انه متصل بالسماء وحاملا منها خطابا ، فربما في قابل الايان نكتشف سر قوانين المعاجز الكونية والطبيعية في خلية من خلايا القوانين الكونية والطبيعية المعقدة ليتسائل العالم هل كانت معاجز الانبياء فعلا معاجز الاهية ام انها اكتشافات قانونية استطاع احد البشرية ان يستغلها ليدعي انه متصل بالسماء ؟؟!.

لكن عندما تكون معجزة السماء ومنذ البداية صريحة بانها من مبتكرات البشرية انفسهم وان اعجازها ليس في خرق العادة والمألوف الانساني وانما معجزتها باطروحة الرؤية والنظام والقانون والتصورات والافكار التي لايمكن للبشرية مجتمعة على الاتيان بمثلها !!.

عندئذ يكون التحدي للبشرية مهينا جدا بسبب ان الاعجاز جاء من خلال ابسط ادواتهم المستخدمة يوميا وهي اللغة ومع ذالك تقف جميع البشرية عاجزة عن الانيان بمثل هذا القرآن او بمثل مفردة من مفرداته التي هي اقرأ !!.

كذالك من الجانب الاخر فان معجزة السماء عندما تكون بفعل (( اقرأ )) التي هي من مميزات الانسان وخصائصه عن باقي الموجودات ومن داخل طاقته البشرية وحيزه الانساني ، فلايمكن تصور انسان تضغط عليه المعجزات الكونية ليؤمن بالرسالة الخاتمة الخالدة من خلال الارهاب النفسي او الروحي له بخارق خارجي كوني او طبيعي ، كرفع جبل فوق راسه ليطلب منه اما الايمان او الموت ، او كمثل ابراء مشارف على الموت بمرض ثم بلمسة من يدك يُشفى فطبيعي انه يؤمن !!.

بل الانسان امام الكلمة القرآنية ( اقرأ ) يتمتع بكامل حريته امام الرسالة والمقدس والله سبحانه والرسول ص ليؤمن ان شاء باختياره وارادته ، ويكفر ان شاء بارادته وباختياره وبدون اي ضغوط خارجية تدفعه للايمان اصلا ، وهنا تتجلى ارقى معاني الايمان البشري الحرّ ، الذي اراده الله سبحانه وتعالى من عباده الكاملين والذي على اساسه شك من شك بالسؤال : هل فعلا الانسان الكامل في نهاية المطاف والمسيرة يتمكن من الايمان بالله وتسبيحه وتقديسه بكامل حريته واختياره وارادته وبدون تدخل اي عوامل ضغط خارجية او لاهوتية ؟.

أم انه سيفشل ليكفر بالحرية الممنوحة له ويفسد ويسفك الدماء لاسيما انه يعيش في حياة مزاحمة ستدفعه للاختيار الصعب بين الله سبحانه وطريقه من خلال عقله وايمان فكره الحرّ ، وبين الشيطان ونفسه المنحدرة صاحبة الشهوات وظلم الاخرين والاعتداء عليهم ؟؟!.

إن القراءة وكما هو المعروف بشريا ابُتكرت في عالم الانسان بعد الكتابة ،لتكون اساسا او لتقوم بعدة وظائف جوهرية للحياة البشرية ومن اهمها :

اولا : باعتبارها اداة لتواصل انساني فكري وحضاري عام بين الانسان واخيه الانسان .

ثانيا : باعتبارها وسيلة حفظ ووثيقة تصلح لكونها غير مقيدة بزمان تاريخي او بمكان جغرافي !!.

وعلى هذا الاساس فان القراءة وكما هو المعروف من شأنها الانساني وليس اللاهوتي فقط ، انها اداة ووسيلة وصله ، ومن عمق هذه الوظائف العظيمة لفعلي القراءة والكتابة باعتبار انهما وجهان لعملة واحدة اختارت يد القدرة السماوية ان تكون آخر رسائلها للبشرية بصيغة الكتابة والقراءة البشرية لتضمن :

اولا:الحفظ لوثيقتها الرسالية الخاتمة واستمراريتها الدائمية مع استمرار الحياة البشرية وبالاداة التي صنعتها البشرية نفسها لنفسها ، وهذا طبعا بحد ذاته فعلا اعجازيا من جهة (انا نحن نزلنا الذكر وانا له حافظون ) ومن جهة اخرى دليلا على بلوغ الفكر الانساني الى مرحلة هيئته لاستقبال الرسالة الالهية بشكل مقروء ويمكن الاحتفاظ والحفاظ عليه !!.

ثانيا :لاتصال السماء الدائم مع الانسانية من خلال برنامجها المكتوب الذي لايحتكر لجهة دون جهة اي لجهة كهنوتية فحسب دون جهة الجمهوروالشعب الانساني كما كان يحصل في السابق من الاديان والرسالات التي يحتكركهنتهاوقساوستها الاشراف على الرسالة الدينية وتبليغها كلاّ بل رسالة السماء الاسلامية الخاتمة هي ملك لجمهورالانسانية القارئة واينما وجدت وكيفما وجدت وحيثما قبعت !!.

وفي الاول والثاني من الضمانات استطاعت الرسالة الاسلامية الخاتمة ومن خلال مشروع (( اقرأ )) ان تنقل كل فكرة النبوة والوحي والرسالة والاتصال بالسماء من حيزها التاريخي الضيق والشبه منغلق وبدائي وفطري وساذج انذاك الى حيز التطور والتكامل الانساني والنمو العقلي والتجريبي لهذا الانسان ليصبح كل انسان في هذا الوجود وبفضل مشروع (( اقرأ )) القرآني رسولا ونبيالنفسه ومُخاطبا من قبل الله سبحانه وتعالى مباشرة وبدون صلة رسل وانبياء ووسائل ووسائط ينقلون له رسالة الله وخطابه ووحيه وبرامجه الى ارضه البشرية !!.

وكل هذا لم يكن ليحصل بين الله والانسان اذا لم تتوسط اقرأ بين الله والانسان لتكون هي الرسول الجديد الذي لايسري عليه قانون الموت والحياة في (( انك ميت وانهم ميتون )) ولتكون اقرأ الاسلامية هي المعجزة الخالدة التي تحافظ على الانسان حرّا بلا معاجز كونية رهيبة لاخضاع الانسان للايمان بالقوة من جهة ، وتكون اقرأ مواكبة لعصر التطور والتكامل البشري الذي انيط على عاتقه اليوم البحث عن الحقيقة ليتحمل مسؤولياته بدلا من احضار الحقيقة اليه بشكل معجزة !!.

_____________________________

alshakerr@yahoo.com

http://www.blogger.com/profile/06210792549531027877











الأربعاء، ديسمبر 22، 2010

(( من وعيّ القرآن .... اقرأ )) -3- حميد الشاكر

معجزة الحاجة : - اقرأ


***************





ماهي الحكمة من ان تكون الكلمة او المفردة القرآنية معجزة الاهية ؟.

ولماذا كانت هنا الكلمة معجزة خاتم الرسلات السماوية الاسلامية للانسان ، بينما كانت في المعاجز السابقة للانبياء والرسل تتبلوربشكل كسرا او خرقا لسيرورة العادة والمألوف الانساني كفلق البحرلموسى وانقلاب العصى لثعبان عظيم مثلا او معجزة فسلوجية عضوية كابراء الاكمه والابرص واحياء الموتى باذن الله سبحانه وبلمسة يدوية ، كما حصل لمعاجز الرسول عيسى عليه السلام ؟؟.

وما هوالسرّ او الحكمة التي تغيرمن معادلة الاعجاز الرسالية الالهية الكبرى التي ابتدأت جنباالى جنب مع حياة الانسان على هذه الارض لتجعلها مرة في أطارالاعجازالكوني في خرق العادة والمألوف الانساني حوله وأخرى في الاطارالفسلجي الانساني وثالثة في الاطار الواقعي كغلبة قانون النار واحراقها بقانون تحويلها بردا وسلاما على خليل الله ورسوله ابراهيم ع او اخيرا في الاطار اللغوي العقلي والفكري والنفسي للكلام البشري المقروء ؟.



يروى ان ابن السكيت ( أبو يوسف يعقوب بن اسحاق ، أحد أئمة اللغة والادب والنحو في الحضارة العربية الاسلامية ورجل صاحب اختصاص في الكلمة ، قتله المتوكل سنة 244 هجرية لعدم نفاقه !!)) سأل الامام علي بن موسى الرضا عليه السلام حول اختلاف معاجز الرسل ، وسبب ذالك بقوله : لماذا بعث الله موسى بن عمران ع بالعصا ويده البيضاء وآلة السحر وبعث عيسى بآلة الطب وبعث محمدا ص بالكلام والخطب يابن رسول الله ؟.

فقال أبو الحسن عليه السلام : ((ان الله لما بعث موسى كان الغالب على أهل عصره السحرفأتاهم من عند الله بما لم يكن في وسعهم مثله وما أبطل به سحرهم وأثبت به الحجة عليهم ،وان الله بعث عيسى عليه السلام في وقت قد ظهرت فيه الزمانات (الامراض) واحتاج الناس الى الطب فأتاهم من عند الله بما لم يكن عندهم مثله وبما أحيى لهم الموتى وأبرأ الأكمه والابرص باذن الله واثبت به الحجةعليهم وان الله بعث محمدا صلى الله عليه وآله في وقت كان الغالب على أهل عصره الخطب والكلام فأتاهم من عند الله من مواعظه وحكمه ما أبطل به قولهم ، واثبت به الحجة عليهم !!.

فقال ابن السكيت : تالله مارأيت مثلك قط ّ فما الحجة على الخلق اليوم ؟.

فقال الامام الرضا ع : العقل ، يُعرف به الصادق على الله فيصدّقه والكاذب على الله فيكذبه !!.

فقال ابن السكيت : هذا والله هو الجواب ؟.



طبعا بغض النظر عن ما حوته هذه المحاورة الراقية في الفكر الاسلامي من بحوث تتشعب الى اكثر من زاوية وبغض النظر ايضا عن المحاورالمتعددة ،التي اثارتها هذه اللفتات العميقة لموضوعة اسباب تغير معادلة الاعجاز اللاهوتية في رؤية الامام عليه السلام ولماذا انتقلت من الكونية الى الفسلجية لتنتهي رحلتهاعند ضفاف الكلمة القرآنية ؟ ...الخ.

بغض النظر عن ذالك كله لكن مايبدو انه محورالتأكيد من خلال هذا المنظور الاسلامي هو: ان المعادلة الاعجازية تكون دائما اومعظمها رهينة (الحاجة) الانسانية ومتطلباتها التي تفرض شروطها على ماهية المعجزة من جانب ، وكيف ينبغي ان تكون لتقوم بدور بهداية البشر الى الله سبحانه والمنوط بعملها الذي ينبغي ان تقوم به من جانب آخر !!.

ولهذا فمعجزةعيسى ع صاغت ماهيتهاحاجة الناس في زمنه للطب لانتشار الاوبئة والامراض المستعصية التطبيب والمعالجة من جهة واستثمار هذه الحاجة لصناعة المعجزة لهديهم بنفس الوقت واللحظة الى الله سبحانه وتعالى او الى فلسفة وجودهم في هذا العالم وحقيقة لماذا هم موجودين في هذه الدنيا او كمعجزة موسى ع في انقلاب العصى ثعبان واخراج اليد بيضاء او فلق البحر..الخ باعتبار ان المشهور انذاك بين الناس هي الاعيب السحر والتلاعب بالقوانين الكونية والطبيعية على يد خبراء فيزيائيين يتمكنون بادراكهم لبعض القوانين الغالبة لقوانين الكون الظاهرية ، ان يتلاعبوا بالكثير مما يقع تحت انظار الناس وعيونهم لا لشيئ الا لاضلال الناس والسيطرة عليهم من خلال الارهاب النفسي وتعبيدهم لسلطة فرعون القائمة، وهذا مادفع الاعجاز الالهي ليتبلور بشكل قريب مماهوموجود بين ايدي الناس لحاجتهم للانعتاق من العبودية الفرعونية البغيضة لوجود معجزة تفضح كل هذا السحر الذي كان يوظف لخدمة الطاغوت وسلطته الفرعونية !!.

كذالك لم يختلف الامركثيرا عندما تبلورت معجزة خاتمة الرسالات السماوية العظيمة للبشرية على يد الاسلام وتحويل معجزته الخالدة لتكون بشكل كلمةاوكلمات قرآنيةمن قبل الله سبحانه وتعالى اوحاهن الله لقوم كان المعروف والشائع بينهم هي الكلمة وانعكاساتها الفكرية والعلمية والقانونية والجمالية ، فاقتضت حاجتهم للهداية ( اي انهم قوم بحاجة الى كتاب وكلمة وقانون ورؤية وفكرة تقيم وحدة وجودهم الحضارية المشتتة من جهة فاتت المعجزة لتسد من هذه الحاجة وبنفس الوقت لتهديهم الى الله سبحانه وتعالى من جانب اخر ) ، ان تكون طريق المعجزة القاهرة اليهم هي نفس مابرعوا فيه وفهموا قوانينه واصوله من كلم وكيف يكون مرة بشريا نثريا وموسيقيا شعريا واخرى مافوق الصناعة البشرية !!.



وعلى العموم كانت الخلاصة تقول : ان معادلة الاعجاز اللاهوتية بُنيت حسب متطلبات ،وحاجات الاجتماع الانساني من وجه ومن الوجه الاخر اتت جميع المعاجز الالهية العظيمة في السابق وحتى المعجزة القرآنية الخاتمة للدين وللمعجز حسب ماهو متعارف بين الناس ومتعايش يوميا داخل اطرهم الاجتماعية ومايعانونه من مشاكل وتطلعات وهذا كله لتكون عملية الاصلاح الرسالية اللاهوتية اكثر واقعية واستجابة لمتطلبات الاجتماع الانساني سواء كانت تلك المتطلبات فكرية عقدية ، او اقتصادية او سياسية او اجتماعية او نفسية روحية او حتى جسدية مادية ....الخ ؟ .



وعندهذا المحور من الرؤى الفكرية الاسلامية بموضوعة المعجزة من جهة وحاجةالبشرية من جانب آخرنجد انفسنا مدفوعين دفعا للسؤال حول هذه الرؤية ب : ماهو مضمون فكرة ان تكون الكلمة معجزة خاتم الرسالات السماوية ؟.

ولماذا انتهى عصرالمعجزات الكونيةالعجيبة التي تاتي بخرق لقوانين العادة والمألوف الانساني لترغم البشرية على الخضوع لعظمتها الالهية لتنتقل الى معجزة لغوية فكرية كلامية انسانية صنعها الانسان في عصر من الاعصار لاغير؟.

وهل يعني هذا انه في الوقت الذي تقررفي السماء ان تكون الكلمة القرآنية معجزة السماء الاخيرة فحتما من جانب اخر القول ان حاجات البشرية هي الاخرى مع تنوعها في السابق ، وتعدد حاجاتها فيما مضى من تاريخ هي ايضا قد توحدت في حاجة واحدة ، او تحولت فيما بعد المعجزة القرانية الى حاجة الكلمة لاغير ، ولهذا ختم الله سبحانه معاجزه بالقرآن ككلمات وليس كظواهر كونية وطبيعية وفسلجية ؟!.

أم ان الموضوعة فيها وجهات نظر اخرى من الصعب تصور اختصار الحاجات الانسانية كلها باطار حاجة واحدة فحسب ؟.

بمعنى اخر : اننا اذا قررنا الرؤية الاسلامية الانفة الذكر من ان معجزة الاسلام هي القرآن وان القرآن مجموع كلمات السماء للبشرية جمعاء وان العرب بما هم امة أمية كانوا بحاجة الى الكلمة المقروءة لهدايتهم وحاجتهم من جانب اخر فهل يعني هذا القول ان البشرية ايضا بعد ذالك انحصرت حاجتها بنفس هذه الكلمة لتكون معجزة السماء القرانية سادة لحاجة هذه البشرية وبكل تنوعاتها الانسانية من جهة ، ومن الجهة الاخرى لتستمر اعجازيتها العملية كذالك من جانب اخر ؟.

واذا ماكان هذا هو المعنى المستخلص من خاتمية الاعجاز السماوي بكلمة فماهي هذه الكلمة وكيف نفهم مضامينها باعتبار انها حاجة انسانية كانت وستبقى الى الابد هي كذالك ؟؟.

الحقيقة انه وقبل الاجابةعلى هذه الاسألة المتشعبة التي استخلصناها من الرؤية الاسلامية ولماذا كانت معجزة الاسلام الكلمة المقروءة بخلاف باقي معاجز الامم السابقة علينا التفريق بين جوابين لهذه الاسألة :

الجواب الاول : هو كيف كانت ولم تزل الكلمة القرآنية اقرأ حاجة اسلامية وعربية بالخصوص ومعجزة هداية بالعموم .

الجواب الثاني : كيف نفهم ان تكون الكلمة حاجة انسانية وبشرية عامة فيما تبقى من زمن للبشرية كلها ، وماهو مفهوم ان تكون نفس هذه الكلمة القرآنية معجزة عالمية تواكب تطور البشرية اليوم وغدا لنرضي ضميرنا البحثي بحكمة تحول معاجز السماء من خرقها للمألوف الانساني وعاداته الى تبلورها بابسط المفردات البشرية وهي الصناعة اللغوية ؟.

وطبعا هذا الطريق لايمكن طيه بدون الابتداء من بدايته تماما لندرك :

اولا : مفهوم الحاجة بصورة فكرية وبصيغة فلسفية وبطابع اجتماعي ايضا .

وثانيا : ادراك التنوع في هذه الحاجة ولماذا كانت فيما مضى حاجة لرؤية المعاجز الكونية العظيمة وانتهت عند اكتفاء نفس هذه الانسانية بحاجتها للاعتماد على فكرها وتصوراتها للكلمة المقروءة لاغير ؟؟!.



ان لمفهوم (الحاجة) فلسفة خطيرة في حياة الفرد والجماعة الانسانية كما انه مفهوم له اكثرمن بعد في حياة الانسان بصورة عامة تفرض عليه من هنا او من هناك الخضوع لمتطلبات ( الحاجة ) سواء كانت تلك المتطلبات نفسية روحية كحاجة ألأمن الاجتماعي ورفع مداميك الخوف وعدم الاستقرار للفرد او الجماعة ، أو كانت حاجات مادية كتوفّر الخبز والمسكن ...، وباقي متطلبات حاجات البشر الطبيعية ، او ربما تكون حاجات ضرورية كمالية ، كالتي تساعد على نهضة الامة حضاريا وعسكريا واقتصاديا ، كحاجات الامم للبرامج والخطط والنظرات والنظم ، التي تساعد هذه الامم على المسيرخطوة نحو التقدم والتكامل الانساني .....الخ !!.



وكذالك فان ( الحاجة ) كما انها مطلب فطري وطبيعي وتنظيمي واجتماعي ...الخ ، كذالك هي بُعدٌ حركي يستطيع ومن خلال ضغطه كمفهوم فلسفي ان يحرك الفرد والجماعة على التفكير والبحث والابداع والاستكشاف .....وباقي العناوين التي تهيئها او تفرضها الحاجة على الحياة الانسانية ، فحاجتنا لايجاد لغة لا تفنيها يد القدر مثلا ، هي التي دفعتنا لابتكار الرسم ومن ثم النحت ومن ثم الخط ، ومن ثم الكتابة ...، كلغة اخرى بامكانها ان توصلنا بالعالم الزماني والمكاني الآني والمستقبلي لحياة البشركما هي لغة تخاطب فكرية فرضتها حاجة التطلع لبقاء الفكر اكبر مدة على قيد الحياة زمانيا ومكانيا !!.

كذالك بالامكان القول هنا : ان معرفة وادراك مفاهيم الحاجة وقوانينها الانسانية ، وكيفية تحركها ، وماهية صورها من قبل اي فكر انساني يؤهل هذا الانسان لادراك ومعرفة (المحرك)الحقيقي او الدافع اوالممون الفعلي لحياة الفرد والاجتماع الانساني ومن ثم بالامكان استثماردوافع هذه المحركات الاجتماعية في الاغراض الايدلوجيةوالسياسية والاقتصادية والاجتماعية ...الخ كاستثمار الحاجة الاقتصادية مثلا ، لتشكيل فلسفة الطبقية الاجتماعية ،والثورية العمالية الكادحة ، او استثمار مفهوم الحرية كحاجة فكرية ونفسية وطبيعية واجتماعية ، وتجييرها لليبرالية الراسمالية في العالم الانساني العقائدي ،او استثمار الشعور بالكرامة والادمية كحاجة فطرية لمناهضة الاستعمار والاستغلال والاستعباد الاجنبي ، او كاستثمار الحاجة التعبدية واللاهوتية والدينية للوصول الى النظافة الاجتماعية والتسامي الروحي والنهوض الحضاري ، والانتصار على التقوقع والمادية !!.



كل ذاك وغيره هو داخل في صلب معادلة الحاجات الانسانية ، والتي هي ايضا المعادلة الحيوية للرسالة الاسلامية بمفاهيمها الفكرية والفلسفية والعقائدية المقدسة والتي هي ايضا فرضت اوافترضت ان اقرأ حاجة فكرية وسياسية واقتصادية وتنظيمية واجتماعية وفردية وروحية ....، للعرب الذي ستحولهم الرسالة الى امة ستتحمل الرسالة اللاهوتية الخاتمة !!.



ان العرب قديما وابان تحرك بواكيرالولادة الاسلامية كانوا بحاجة حقيقية الى بعض المتطلبات الحضارية الضرورية التي توفر لهم مشروع نهوض انساني حقيقي ، فهم ومن خلال المُدرك من وضعهم الوجودي كانوا من الاقوام (الامية) اي الاقوام التي تضعف فيها او تنعدم اجتماعيا مكونات المقروء الحضاري بصورة ملفتة للنظرمما يعيق الاجتماع العربي من الانطلاق الفعلي لحركتهم الحضارية الانسانية الواسعة وبغض النظر عن الاسباب الفكرية او الاقتصادية او الاجتماعية او الجغرافية ...، التي ساهمت ببقاء هذا المجتمع على صورته الفطرية من الامية الكتابية بغض النظر عن ذالك كانت الكلمة القرانية ( اقرأ ) فاتحة الوحي الالهي لهذه الأمة الامية من خلال مخاطبة رسولها محمد العظيم صلى الله عليه واله الامي ايضا !!.



نعم كان لهذا الاجتماع العربي انذاك نوعا من الادراك الاولي والساذج للكلمة المكتوبة والمقروءة كما انه كان هناك من يتخذ من صناعة الكتابة والقراءة كمهنة تحتاجها الطبقة الرأسمالية العربية أقتصاديا في تثبيت الصادر والوارد والديون والرهانات والملكيات...الخ وهناك ايضا قرّاء للكتب السماوية الاخرى وصلوا الى هذه الجغرافية العربية للتبشير لاديانهم كما انه لايخفى ايضا ان هناك نوعا من الالتفات في هذا المجتمع الى ان الفعل الكتابي هو حاجة للحفاظ على بعض الثمائن الفنية والشعرية من الكلمات والحكم الفنية والموسيقية التصويرية العالية القيمة ، كالذي حصل بالفعل في شأن المعلقات والمذهبات الشعرية التي كانت تكتب يُقال بماء الذهب وتعلق عند الكعبة للحفاظ على مثل هذا التراث الثمين للكلمة المنظومة في المخيال العربي مما يدلل على سمو ورفعت واهمية ( الكلمة ) في هذا المخيال لاسيما ان كانت تلك الكلمة معبرة ولها وقع موسيقي قوي على الروح الانسانية العربية وما تعكسه من مشاعر وحكمة لهم من جهة ، وادراك هذا المجتمع ان الكتابة توفر الكثير من الحفظ للكلمة زمانيا من جانب اخر !.



ولكن ومع ذالك وكما ذكرنا من قبل بقي الفعل ( اقرأ ) خارج أطار الاجتماع الجماهيري العام للمنظومة الاجتماعية لهذه الامة ولغيرها ايضا من الامم آنذاك ، وداخلة في أطار الاختصاص ومطلب الحاجة السياسية او الاقتصادية او الدينية لهذه الامة او لباقي الامم الاخرى .

وعلى هذا الاساس ياتي سؤال :كيف تخاطب السماء مجتمعا اميا برسالة ومشروع أقرأ القرانية مع ادراكها ان من يتمكن من حمل رسالة اقرأ الاسلامية الالهية لابدان يكون اجتماعا قارئاعلى الاقل ليتم له فهم المكتوب والمقروء قبل الايمان به والدفاع عن رسالته ؟.

فهل ارادت رسالة السماء سدّ حاجة هذا الاجتماع العربي الامية للقراءة ، بحيث انها تبدأ معهم من محو الامية بمشروع اقرأ وتنتقل بهم فيما بعد لحمل رسالة الهداية على اكتافهم للناس اجمعين ؟.

ام انها بصدد القول للعالم اجمع انه انظروا كيف استطاعت رسالة الاسلام وبحركة اعجازية صناعة امة قارئة للقران مع انها امة امية فيما قبل الاسلام ورسالته ولم تكن هناك قوة على هذه الارض بامكانها صناعة مثل هذه العجزة البشرية الظاهرة ؟.

ان اقرأ كخطاب لاهوتي مُدرك كان على وعي تام ان المجتمع والانسان الذي تخاطبه ويخاطبها كان مجتمعا يغلب عليه الطابع الفطري بالنسبة للكلمة المقروءة (مجتمع أمي = لم يزل على فطرة الامومة) كما ان ذالك الخطاب اللاهوتي واعي جدا لعملية انزال خطاب مقروء وهو بحاجة فعلية لأدراك عملية القراءة كي يتسنى للذين سيؤمنون به لاحقا من الالتصاق به وهو كذالك خطاب متفّهّم تماما انه لو لم تكن ألامة التي سوف تؤمن به أمة قارئة للكلمة فسوف (يتعذر) على هذه الامة من فهم مقاصده الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والاسرية والنفسية ، وكل ذالك ( يبدو) انه كان واضحا بالنسبة للخطاب القراني او الكلمة القرانية (اقرأ) المدركة لتلك الابعاد الاجتماعية لأمية الاجتماع العربي الكتابية ولكن مع ذالك كانت الكلمة الموجهة والاعلان الاولي والبداية المشرقة للوحي الرسالي الاسلامي لهم كانت هي الكلمة ( آقرا ) ؟!!.

اذاً ماهي والحال هذه المناحي المعرفية والمقاصد التي استهدفتها هذه الكلمة القرانية الاولية من هبوطها على وجود اجتماعي هو بالاساس ليس له حظ كبير من حضارة الكتابة والقراءة ؟.

ذكرنا ان المشروع اللاهوتي السماوي دائماهو مشروع ينبني اساسا او يقوم في الاغلب الاعم على حاجات المجتمع الانساني ولا سيما الحاجات التي ان فقدت فستكون عائقا لنهوض اي امة يُراد لها ان تستمربالحياة والعطاء الانساني وهذه الميزة كما ستوفر للاجتماع الانساني سدّ حاجاته الضرورية كذالك هي ستعبر عن وجه من وجوه الصورة الرسالية التي ستتحرك ضمن برنامج الرسالة السماوية !!.

ولهذا فان الرسالة الاسلامية المقروءة قرانيا وكبرنامج فكري وسياسي واقتصادي واجتماعي وقانوني هي ماكان يحتاجه فعلا العرب في ابان أميتهم الكارثية ، فهم على اي حال تجمع قبلي كان يفتقد الى عنصر ( الاجماع ) الفكري الذي يوحد من رؤية المجتمع العقدية التوحيدية والفلسفية الكونية وكذا هم كانوا يفتقدون لعنصر ( الاجتماع ) القانوني الذي يوفر للمجتمع تنظيم كامل ورؤية موحدة للمصالح والمفاسد الاجتماعية ..، وكذالك هم كانوا يفتقدون لعنصر ( الاجتماع ) الاقتصادي .....الى اخر هذه القائمة التي تعبر عن حاجة الاجتماع القبلي العربي انذاك من جهة وتعبر عن عملية تشكيل واعادة هيكلة للمجتمع وبناء منظومته الحضارية الجديدة التي قامت بعمله وفعله وصناعته الرسالة الاسلامية المقروءة التي جاء بها العظيم محمد لقومه ومثل هذه الهيكلة والبناء العظيم هو بحاجة الى تقنين حضاري ينطلق ويعود للكلمة المكتوبة والمقروءة ؟



نعم كانت ( اقرأ ) اول مفردة نزلت من وحي السماء لهذه الامة التي كانت قبل ان تنزل اليهم اقرأ مجرد شتات قبلي وتفرق قومي وضياع اجتماعي وتفكك اسري وتمرد نفسي وروحي وتقاتل عصبوي لايمكن ان يوصف الا بالهمجية التي تدمر نفسها بنفسها !!.

فجاءت اقرأ لتشخص الداء ، ولتعلن ثورة كبرى باسم الحرف لتعيد صناعة خردوات بشرية لتقيم منهم امة عظيمة متماسكة صلبة وقوية ومنفتحة تقرأ وتكتب وتدون العلوم والدواوين وتضبط الاداب وتؤسس للدولة الجامعةوتتطلع للفتوحات والتوسع وتقرأ فلسفات الامم وتواريخهم وقصصهم .....الخ لتدرك افق ابعد من افق عصبية القبيلة وكيفية الغزو والنهب لاغير !!.



تصور اخي القارئ لو بقي هذا الاجتماع العربي اميا لايقرأ ولايكتب ، ولم ياتيه وحي السماء بمشروع (اقرأ) الرسالي القرآني فهل كان ليتمكن هذا الانسان العربي البدوي من النظر الى الافق الواسع لتواريخ البشريةوفلسفاتهم وتنوع عقائدهم وتقاليدهم وادابهم ؟.

أم انه كان ليبقى رهي محبسي القبيلة والعصبة الى ان ينقرض بنيران احقادها من الوجود ؟.

بل تصوّر لو كانت اقرأ لم تصاغ رساليا باعتبارها وحي السماء الخالد لهذا الانسان الطريد فهل كان يتوقع من هذا الجلف العربي ان يتوحد بفكر ويخضع لقانون ويصنع دولة ويشكل حكومة ويغير من اليات عمل السوق الاقتصادية ، ويكتب الاداب ويحترم المرأة ، ويمتلك منظومة تربوية لناشئة الاطفال وينظّر ويساهم بالفلسفات العالمية الاخرى ؟.

الجواب يبدو واضحا انه لولا اقرأ القرانية ومشروعها الرسالي العظيم وما سدّته من حاجة لهذا الاجتماع العربي وما صنعته من امة تمكنت من حمل رسالة السماء لهداية البشرية جمعاء الى الله سبحانه وتعالى ، لكان الانسان العربي ربما لم يزل اذا لم ينقرض تماما يجلس تحت معاطن الابل كاحد اضحوكات البشرية التي تحضرت بفضل القراءة والكتابة !!.



وهذا كله فقط لنوضح كيف ان معجزة الحاجة وليس حاجة المعجزة هي التي ردمت هوتها الكلمة القرانية اقرا لهذه الامة ويتبقى علينا ان نفهم كيف ان اقرأ هي ذاتها التي بنت امة كانت بحاجة الى البناء بقت وستظل هي هي حاجة البشرية اليوم وغدا باعتبار انها المشروع الرسالي الذي بدونه سوف لن يكتب هداية لبشرية ابدا ولا اتصال بالله سبحانه من اي اتصال بطريق اخر ؟!.

_________________________

alshakerr@yahoo.com

http://www.blogger.com/profile/06210792549531027877

الثلاثاء، ديسمبر 21، 2010

((من وعيّ القرآن .... أقرأ )) - 2 - حميد الشاكر

( مارأيتُ أحدا أشدّ خوفا على نفسه من موسى ابن جعفر عليهما السلام ، ولا أرجى الناس منه ، وكانت قراته - للقرآن - حزنا فاذا قرأ فكأنه يخاطب إنسانا / اصول الكافي / للكليني )




*****************************



الولادة :- اقرأ



عادة مايلتفت العقل الانساني وهو يتصفح المشاريع الانسانية العالمية الكبرى الى نقطة البداية لهذا المشروع اوذاك من المشاريع المصيرية للعالم البشري ، ولاسيما المشاريع التي تغير وجه الخارطة الانسانية ، سواء كانت تلك المشاريع علمية او ثورية او دينية او ....الخ ، من المشاريع المؤثرة كونيا وانسانيا ، كما انه من صفات البحوث والاستكشافات الناجحة انها ترجع لبحث نقطة البداية ايضا والتوقف والتأمل بهذه البداية وهذا المنطلق باعتبار ان كل مشروع، او محاولة يكتب لها النجاح في العالم الانساني لابد وان يكمن السرّ ، والقوة في اللُبنات الاساسية ، والقواعد الابتدائية التي بنيت عليها تلك التجربة ، واقيم عليها ذالك المشروع

ومن هنا كانت الحفاوة الحضارية بولادة اي حدث تاريخي او علمي او ثوري او حضاري ......، له من الاهمية الرمزية او الواقعية الشئ الكثير ، فهناك من يجد السرور والبهجة بذكر تاريخ ولادة عبقري قدم للعالم نافذة الامل لحياة افضل ، كما ان هناك من يرى ان احياء ذكرى لتاريخ ميلاد ثورة انسانية اعادة الحياة لأمة ، ودراسة هذه الولادة والقواعد التي انطلقت منها والاسس التي قامت عليها ..، هي بمثابة خدمة انسانية يقدمها هذا الباحث او ذاك المفكر لدراسته او بحثه ذاك ......، وهكذا حتى نصل الى مَن يرى ان الاحتفاظ بتاريخ ميلاد طفله شيئ له قيمة معنوية ومادية كبيرة تستحق ان تذكر بنوع من الحب والاعتزاز الانساني ، ولمَ لا أليس هي ذكرى تجعل الانسان يشعر بانه ضمن الامتداد الطبيعي له في هذا الوجود الانساني وان طفله والذي هو جزء من كيانه المادي سيكملّ المسيرة في هذه الارض ليعلن وبرمزية خفية ان الانسان اقوى من الفناء والموت وانه بامكانه الانتصار على فكرة النهاية ولو بحيلة غير مؤذية بولادة امتداد اخر من الانسانية ....الخ ؟.



وعليه كان الالتفات والبحث عن البداية اوالولادة شيئ له رمزية عالية القيمة الروحية والنفسية والفكرية في عالم الانسان وكثيرا والحال هذه ما تأسف العقل الانساني ، وهو يفقد حلقة البداية لهذا المشروع ،او تلك اللحظة التي ولد بها هذا المفكر او المبشّر او الفيلسوف او العالم ، او ذالك اليوم الذي انطلقت به تلك الثورة ، ليس من منطلق التأسف العاطفي فحسب ، بل ان فقد البداية لاي شيئ عظيم انساني هو بمعنى او باخر فقد لسرّ النجاح او الاخفاق لهذا الشيئ العظيم الذي تحرك في يوم من الايام ثم شق طريقه للقمة او آل مآله الى الاخفاق ؟!.

نعم الولادة هي السرّ كما انها هي المفتاح الحقيقي لوجه ذاك او هذا من المشاريع والحركات والشخصيات ....، العظيمة ، كما انها هي التاريخ ، والذاكرة الحية والخلفية او الجدارية المادية والمعنوية لتلك العناوين المذكورة ، فكان لابد والحال هذه من ان تكون الولادة والبداية هي القوة وهي الضعف بنفس اللحظة القوة عندما تكون البداية واضحة لالبس فيها والضعف عندما تكون الولادة والبداية غامضة او مفقودة الوجود لسلسة الحدث التاريخي او الفكري او الانساني !.

ان الاسلام وباعتبار انه ملتفت لما ذكرناه آنفا من موضوعة الولادة واهميتها الفكرية والنفسية والروحية والتاريخية ...، اراد ان تكون ولادته التاريخية والانسانية والفكرية والنفسية ......، ولادة مختلفة في كل ابعادها الايحائية والفكرية ، كما انه استهدف ان يكون حدث ولادته التاريخية حدثٌ له من الوضوح والقوة والتواجد مالم يجد في غيره من الحركات والاديان والفلسفات... الاخرى في عالم الانسان ، بالاضافة الى ان الاسلام سعى جاهدا لتأكيد ان الولادة لكلمته القرانية تعني الكثير لمصير الانسانية باعتبار انها الكلمة الختامية من السماء لعالم الانسان والنافذة الخطابية الاخيرة التي ستفتح الحوار بين الانسان والسماء لتغلق فيما بعد نافذة الكون الفسيح ، وتفتح نافذة الانسان الصاعدة من خلال الكلمة القرانية فحسب!!.

وعلى نهج هذه الخطى الاسلامية الالاهية مع الانسان كانت الصورة الواضحة لولادة الاسلام وكلمتها القرانية الدائمة (اقرأ) .

ان الكلمة القرانية ( اقرأ ) وكولادة للمشروع الاسلامي في الارض ، وكأعلان اولي لبداية تحرك رسالي ، وكرمزية فكرية ومعنوية ملفتة للنظر تجذب الباحث عن بداية الولادة ، وترغم المفكر على التأمل الهادئ في مثل هذه الولادة الغريبة العجيبة !.

غريبة بسبب كونها ولادة ذكر التاريخ جميع تفاصيلها الدقيقة وقسمات وجهها المشرق بحيث ان هذه الولادة وبوضوحها الملفت للنظر انعكست بصورة تحدي لجميع المشاريع الرسالية السماوية الاخرى والمقارنة بينهما والتساؤل عن البدايات الاخرى ولماذا لم تتوفر على نفس الوضوح التي امتازت به الولادة الاسلامية هذه !.

وعجيبة لكون الكلمة الاولى في المشروع الاسلامي قد ذكرت بصيغة ملفتة للنظر فمن النادر ما تذكر أول كلمة بنيت على قواعدها مشاريع ثورية انسانية غيّرت من الحياة الانسانية ، كما انه من الصعب تماما وفي كل التاريخ الانساني ان تذكر او تكتشف الكلمة الاولى التي اسست لبناء أمة ولدت من وعلى انقاض وجود اجتماعي مهترئ وجاهلي وممزق هو الوجود العربي انذاك ؟!.



انه من الملفت للنظر حقا ان تكون الولادة الاسلامية كمشروع رسالي وديني مبتدإٍ بكلمة ( اقرأ ) ، فعلى المنطق المناهض للاديان والرسالات السماوية بصورة عامة ان تكون بداية الاديان وبأعتبار انها مخترعات برجوازية (ماركس) او باعتبار انها مخترعات عالم مريض ومأساوي ( نيتشه ) ان تكون بدايات تلك الاديان بكلمة ( أطع ) او على اقل التقادير ان تكون مبدوءة بكلمة ( لاتقرأ ) وليس بكلمة ( اقرأ ) !!!.

ولكن المشروع الاسلامي الديني يكسر القاعدة ، حتى قبل ولادة الفلسفات المادية المناهضة للدين والسماء ليولد بكلمة اقرأ والتي تعتبر في عرف الفلاسفة والمفكرين والمتنورين والعلماء ...الخ وحتى مارك ونيتشه ، انها الكلمة الاخطر في عالم الانسان المفكر وانها الكلمة الاكبر في بناء الحياة التقدمية الراقية ، التي تدعو للتفكر والتأمل واعمال العقل ....الى اخر القائمة التي تتصل بعملية القراءة وما ينتج على اثرها من ثورة في تغيير الانسان والعالم !.



نعم ولادة الاسلام من رحم الكلمة اقرأ دليل لايقبل الشك ان هذا المشروع الالهي ليس هو ( افيون ) ، كما انه ليس المشروع الذي يعمق من حالة الجهل لاستغلال البساطة البشرية لاغراضه اللارسالية ، بل هو مشروع تفكّر وتأمل وتنوير .....، ودفع نحو العالم الثوري الممون على قاعدة ( اقرأ = تفكر تأمل تثقف تنبه تعلم ...الخ ) ، والذي يكوّن عالما مناقضا تماما لعالم المستبدين والظلمة المستغلين والمنحرفين والجهلة ..... الذين يسعون جاهدين لقتل روح العالم المُتفكر عالم ( اقرأ ) التي تكشف كل مداخل ومخارج اساليبهم المستغلة من خلال التنوير الفكري الذي تطرحه كلمة ( اقرأ ) الثورية ؟.



كما ان اقرأ وبهذه المنتجات المعرفية القرانية هي ايضا ليست مجردمفهوم ما للقراءة من نفع ورقي فحسب بل هي فعل امر ودعوة صريحة للدخول في عالم الكلمة المقروءة ليس في هذا الجانب فحسب بل وفي كل الجوانب المعرفية ايضا فالقراءة سلاح بالامكان ومن خلال دخول هذا المضمار الحضاري ان تنفتح على باقي العالم المقروء ايضا اي العالم الحضاري الواسع المساهم في الكتابة والقراءة الانسانية الفلسفية والفكرية والدينية ..... وغير ذالك ، وبدلا من ان تعيش بين جدران الجهل الكتابي ، انت الآن مع كلمة ( اقرأ ) القرانية توسع من افاقك المعرفية لتنفتح على زوايا الفكر العالمي الاخر حديثا وماضيا ،فتقرأ لافلاطون اليوناني وزرادشت الفارسي والتوراة اليهودية والاناجيل المسيحية قبل الاسلام كما تقرأ لكارليل ونيتشة وديورانت بعد الاسلام ...الخ ، من هذا العالم المقروء فهل يحق بعد هذا او بعد ما اسسه القرآن والاسلام من امة اول كلمة في حركتها هي اقرأ لمارك او نيتشه او اي مناهض للاديان السماوية الحقة ان يتفلسف نظريا ومن خلال رؤى منغلقة باتهام الاديان على اساس انها رجعية ومناهظة للفكر والقراءة والتطور والتقدم بعد ان اسس الاسلام لميلاد كلمته القرانية بهذه الصورة من التألق !!؟.

بعد هذا من حقنا بعد اكتشاف هذه الحقيقة من الاسلام ، وكلمته القرآنية العظيمة أقرأ التي شكلت منعطفا فكريا كبيرا للبشرية فيما بعد بانه هو مَن المنغلق حقا على هذا الاساس من يؤسس مشروعه الرسالي من رحم الكلمة ( اقرأ ) كالدين الاسلامي الذي يتهمه المناوئون له بانه انغلاق ورجعية اليوم ، او من يدعو للارتماء باحضان المادية ، والانغلاق الروحي والنفسي والفكري على عالم قاتم ووجود محدود وجدران مظلمة تسمى العالم وعمق الفلسفة والتطور ؟؟؟.



ان اهمية الولادة الاسلامية من خلال كلمة ( اقرأ ) لاتقتصر على جانبها المعرفي المذكور فحسب فهناك الجوانب الروحية واهميتها ايضا بالاضافة الى الجوانب الاجتماعية والانسانية التي وفرتها ولادة الكلمة القرانية هذه .

ولاريب والحال هذه من القول ان الولادة ان لم تكن بكلمة ( اقرأ ) القرانية فسوف يكون تشييد البناء الاجتماعي الاسلامي الفكري والنفسي مختلفا تماما عن ما لو كانت الكلمة ( اقرأ )هي التأسيس المعرفي لمنظومة الفكر الاسلامي والانساني فيما بعد !!.

اي ان كلمة اقرأ وباعتبار انها المقدمة ومشروع الولادة لم تكن تستهدف بناء وانشاء أمة قارئة فحسب ، وانما هي ستساهم ايضا في انفتاح هذه الامة واعتبار ممون فعل القراءة ممون انساني وديني كذالك وغير مسموح عندئذ ممارسة منع القراءة ومنتوجاتها الطبيعية لهذه الامة من التفكير في المقروء والاخذ من نتاجاتها الانسانية ، والتي تعتبر الأس الطبيعي لمفهوم اقرأ ، وهذا المنحى هو مادفع المسلمين للانفتاح على النتاج العلمي للامم الاخرى بينما بقت الامم الاخرى منغلقة عن الانتاج وغير متأثرة بهذا الانتاج الفكري للعالم الانساني الا بعد ان تخلصت من اغلال ظلمة الاديان المزيفة التي تدعوا للطاعة فحسب ، وكفرت بكل افكارها الميتة عندئذ نهض العالم الاخرغير الاسلامي من ظلمته وانغلاقه الفكري وانفتاحه على الحياة بعد ان صادرتها منه اديان الزيف والظلمة وكل هذا طبعا عكس الامة التي امنت بالاسلام لتجد الاسلام نفسه هو اول من اسس لقاعدة اقرأ التي بدأت بقراءة القرآن ولكنها لم تقف عند حدود حتى هذه اللحظة !.

والقراءة وكما هو معروف وبدهي ليست هي فعل من جانب واحد ،بل ان القراءة تفاعل بين جانبين ، بين انسان قارئ ومفكر وبين مقروء ذا رسالة وهدف بين انسان له التطلع المعرفي نحوالكون والوجود والحياة والانسان وبين مقروء مساهم في عملية التفكير والاجابة عن تلك الاسئلة وهذه المداخلات الفكرية والمعرفية والانسانية !.



ونعم كانت القراءة مشروع انساني اصيل قبل انبلاج الفجر الاسلامي واشراق رسالته السامية ، ولكنها كانت تلك العملية الكمالية في العالم الانساني القديم ، او كانت تلك العملية التي تختص باصحاب شؤون الدولة والكهانة والاساطير والاديان ....الخ ، اما في ظلال الكلمة القرانية فقد اصبح الفعل (اقرأ) فعلا تعبديا جماهيريا ومقدسا وحقا من حقوق كل فرد له اتصال مباشر بالكلمة القرانية وعليه واجب الاتصال بذالك الكتاب المقروء ،ومن ثم هو واجب جماعي يمارسه الاجتماع الانساني بشكل حلقات للقراءة الجماعية في المناسبات التعبدية ...الخ قبل الفكرية والترفية والحضارية .

اما مايتصل بالجانب الروحي والنفسي والانساني فقد مثلت البداية او الولادة القرانية لكلمة ( اقرأ ) الاسلامية بُعدا غاية في السمو والدهشه الانسانية ،فهنا مرحلة جديدة تفتح بين كون والاه ومنافذ قدسية ، وبين انسان وزوايا وآلام اجتماعية بشرية ، ومثل تلك المنافذ لاتفتح بشكل مجاني او عشوائي او يومي ....،وانما هي فترة او زمن او مرحلة ... لاتتكرر في عالم الانسان الا بنوع خاص ودقة حسابية متناهية التعقيد ، اما لو كانت تلك النافذة الالهية الكونية القدسية هي الخاتمة ، فان هذه النافذة المفتوحة سيكون لها عنوان آخر بالنسبة للعالم الانساني بصورة عامة !!.



ان الولادة او البداية مثلت الابعاد الاكثر حيوية لعالم الانسان الاسلامي ، بل وكانت حقبة الانطلاق الاولى للمشروع الاسلامي وهو المختصر الحقيقي لكل المشروع الرسالي وبكل تألقاته ونجاحاته العظيمة على المستوى الفكري والانساني والروحي والنفسي !.



اي ان رؤية الانسان الاسلامي العربي آنذاك كانت تنظر لمرحلة الولادة - ( ولادة الكلمة القرانية اقرأ ) - هي ولادة للأنسان الرسول وهي ولادة للمشروع ، وهي ولادة جديدة للكون والحياة برؤيتها بشكل مختلف في اهدافها ووجودها الفلسفي ...، ولذالك كانت كل الا نجازات العالمية الكبيرة للمشروع الاسلامي مُعبرا عنها بالولادة والبداية القرانية والتي جمعت بين المرسل والرسول والرسالة في آن واحد ، وفي مكان وزمان وحدث معين .



ان انسانا كعلي ابن ابي طالب ( ع ) مثلا كان ينظر بنوع خاص لولادة الكلمة القرانية ولبداية المشروع كما انه نظر للنهاية بنوع خاص ايضا ، فالنهاية وان كانت عظيمة وناجحة بكل المقاييس الانسانية والرسالية السماوية ، الا انها تمثل انعكاسا وتعبيرا عن اهمية البداية والولادة ايضا ، سواء كانت النهاية مأساوية او تكون النهاية ناجحة ومنتصرة !.

وكذا انسانٍ كالامام الكاظم موسى ابن جعفر عليهما السلام الذي كان يرى في الكلمة القرانية انها انسان حيّ وشاعر ومتحرك وفي لحظة من لحظات الانسانية ولد ت هذه الكلمة القرآنية على شكل مشروع انقاذ عظيم للبشرية جمعاء !!.

ان الكلمة القرانية ولدت بمشروع ( آقرأ ) وانتهت عند النقطة التي انغلقت عليها دفتي القران العظيم ، كما ان الرسول الانسان ولد مع (اقرأ) وانتهت حياته المادية عندما انتقل للعالم الاخر وكذا نافذه الدوحة القدسية فتحت مع (اقرأ) وانغلقت عندما انتقل الانسان الرسول محمد العظيم صلى الله عليه واله الطيبين الطاهرين من هذا العالم المغلق الجدران ، إلا انه ومع ذالك بقيت الاثار المترتبة على ( آقرأ ) والرسول والفعل الالهي في الارض يتحرك ويحرك العالم الانساني ...، وكل تلك العملية المذهلة احتواها ظرف زماني معين بالنسبة للاجندة الانسانية وكان ولم يزل هوالظرف الزماني والمكاني الاكثراثارةودهشة للعالم البشري بصورة عامة وللعالم الاسلامي والعربي بصورة خاصة !!.

يرى علي بن ابي طالب عليه السلام انه على الولادة للكلمة القرآنية ترتب لملمت شتات امة وولادة انسان يحمل الصفات الانسانية ويرى ان الولادة والبداية كانت هي بداية وولادة لمشروع تآلف ومحبة واجتماع وتآزر ، وهي صلة ارحام ونماء اقتصادي وعدالة اجتماعية وهي حقبة نور والتفات الاهي وقرب رباني ، وهي شعور بالوضوح وعدم اللبس ، وهي مرحلة جواب لاسئلة الانسانية الغامضة ، وهي خط اتصال بين صاعد ونازل كوني وانساني ، الاهي وبشري ...الخ ، كل هذه المعاني وغيرها كان يختصرها علي ابن ابي طالب ع بمرحلة الولادة والبداية كما كان ينظر للنهاية او لمرحلة اغلاق المنافذ الكونية وانتقال الانسان الرسول وانقطاع الاتصال المباشر بين الكون الفسيح والانسان ...، على اساس انها فرصة سوف لن تعوض مرة اخرى للانسانية ، كما انها سوف لن تمنح بعد هذه الفرصة من اللقاء فرصة اخرى مشابهة في العظمة :( بأبي انت وأمي يارسول الله ، لقد انقطع بموتك مالم ينقطع بموت غيرك من النبوة والأنباء ....، ولولا أنك أمرت بالصبر ، ونهيت عن الجزع لأنفدنا عليك ماء الشئون ، ولكان الداء مماطلا والكمد محالفا وقلاّ لك / نهج البلاغة ..) ، وكل هذا الوجد على مرحلة النهاية ، كان تعبيرا حيّا حول عظمة البداية وكيف هي كانت اكبر واعمق بكثير مما يتصوره العقل المادي الانساني المحدود !!.



وهنا أمرأة عظيمة استشعرت هي الاخرى عظمة البداية ايضا بقسوة النهاية ، لتختصر مشروع البداية والنهاية بكلمات لمجموعة من الشخصيات الاجتماعية وهم يرونها بحالة من البؤس بعد مرور فترة من انقطاع الكلمة القرانية ، وانتقال الرسول الى الرفيق الاعلى واغلاق منافذ الكون المقدس ، انها أم أيمن ، تتلقى مواساة من بعض الرجال بالقول : أما تعلمين ان ماعند الله خير لرسول الله (ص) !.

قالت : بلى أني لأعلم ان ماعند الله خير لرسول الله (ص) ولكن أبكي على انقطاع الوحي من السماء !!.

اي نحن من ينبغي ان يُبكى عليه بانتهاء الكلمة القرآنية التي كانت مفتوحة بوجود الرسول الاعظم محمد ص ، فالبشرية هي من خسرت حقا بانتهاء زمن تدفق الكلمة القرآنية النازلة من السماء ولا ابكي على الرسول وما ذهب اليه من جنان الخلد والنعيم عند الله سبحانه وتعالى !!.

يالها من إمرأة واعية وذكية ومدركة لمعنى بداية الكلمة القرآنية اقرأ ، ومعنى نهاية هذه الكلمة وغلق ابواب انهارها النازلة !!.



نعم ان انقطاع الوحي عظيما كما كانت ولادة الوحي القرآني عظيما ايضا ولكن مثل هذه العظمة لايستشعرها الا من عاشها حقيقة ولمس افاقها الفكرية والمعرفية والروحية والانسانية والاجتماعية .....، ليدرك ان بداية الوحي كانت حاضرة بين زوجين في بيت مغلق او بين اجتماع انساني يشعربان حركة السماء تتجول مع خطواته لتسدد هذه الحركة الاجتماعية او تنتقد منها هنا وتوجهها هناك :(( قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها .../ 1 / المجادلة )).



وكل هذه العظمة الرسالية كانت ولم تزل مرتكزة على كلمة البداية والولادة (آقرأ) ؟.

______________________________________



alshakerr@yahoo.com

http://www.blogger.com/profile/06210792549531027877

الاثنين، ديسمبر 20، 2010

((من وعيّ القرآن .... أقرأ )) - 1 - . بقلم / حميد الشاكر

( توطئة )


لم تزل الكلمة القرانية - ويبدو انها سوف تبقى - كلمة تحمل بين طياتها الكثير من الافاق الفكرية والمناحي المعرفية المتجددة في كل عصر ، والمتولدة لكل زمان ، فهي الكلمة التي لم تأتي لزمان دون زمان ، او لمجتمع دون مجتمع ، او لمكان دون مكان ....، وانما هي كلمة الفطرة الانسانية والتي تتحرك مع الانسان وعلى كافة الصعد الفكرية والروحية والعملية ، في رقيها او انحطاطها ، وفي تطورها او تخلفها ، وفي انتصاراتها او هزائمها ........ ؟

.

ان الكلمة القرانية تمثل على هذا الاساس اكثر بكثير من مجرد مفردة او مفردات القيت على قارعة الطريق ليلتقطها الفكر الانساني ، ويزيل التراب من على وجهها ويحدق في مضامينها ، ليعلن اكتشافا أثريا تاريخيا يسلط الضوء المعرفي على حقبة معينة من اسطورة التاريخ الانساني ، كما انها لم تكن مجرد نغمة فنية حركت الروح الانسانية ، لتطرب على ايقاعاتها الموسيقية ، ومن ثم تغادر مع الريح كذاكرة جميلة ......، وانما كانت هذه الكلمة القرانية ولم تزل لبنة اساسية ، وزاوية حيوية في بناء أمة ، وراية اجتمعت حولها مصائر بشرية لتصنع تاريخا آخر للانسانية ، يختلف في قسماته وملامحه ، واهدافه وغاياته ، واساليبه وافكاره .....، لتحول من ثم هذه الكلمة القدسية ، وتغير وتبني وتشيّد وتقيم كيانا انسانيا بكل ابعاده الانسانية من فكرية وروحية ونفسية واسرية واجتماعية واقتصادية وسياسيا ......الخ

.

نعم الكلمة القرانية كلمة حية ، وفاعلة ومتحركة ومتجددة ....، وكذا هي كلمة ارتبطت بحياة الانسان المسلم كجزء من كينونته النفسية والروحية والعقلية ..، يشعر بها ككيان حيّ وواجب الاحترام ، ويلتفت بالنظر اليها بحنو ، ويتفكر في مقاصدها وغاياتها واهدافها ومعانيها ، وأيحاءاتها وتصوراتها ، وبناءها .....، ويحاول جاهدا هذا الانسان المعقد ان يستقصي كل مداخل ومخارج انفاس هذه الكلمة القرانية ........ ، ولم لا ؟

.

ان الكلمة القرانية ومن خلال ما طرحته هي نفسها عن نفسها كتعريف للاخر ، كلمة اتخذت الابعاد الاكثر ايحائية للفكر الانساني المستنير والباحث عن مضامين الحياة وماهية الوجود وروح الكون المحيطة به ، فهي كلمة الله ( وكلمة الله هي العليا ) ، وهي الكلمة التامة الحسنة ( وتمت كلمة ربك الحسنى ...) كما انها هي الكلمة العادلة والصادقة ( وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا ..) وهي الكلمة الطيبة ( كلمة طيبة كشجرة طيبة ..) وهي الكلمة السابقة ( ولولا كلمة سبقت من ربك لقضى بينهم ..) وهي الكلمة الفصل ( ولولا كلمة الفصل لقضى بينهم ..) وهي الكلمات التي لاتنفد ( قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ..) وهي الكلمة الانسان ( ان الله يبشرك بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم ..) وهي الكلمة السواء ( تعالوا الى كلمة سواء ..) وهي الكلمة الباقية ( وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون ..) وهي كلمة التقوى ( وألزمهم كلمة التقوى ...) .....الخ

.

ومن هنا كان الانسان المسلم شغوفا بهذه الكلمة القرانية ومتغنيا على نغماتها ، ومفكرا في ابعادها ، ومتعبدا في محرابها ، ومترنما في فضاءاتها اللامتناهية ، ينشد البعيد للوصول والقرب منها ، ويضع العلوم ويؤسس المبادئ لخدمة هذه الكلمة ...، ولم لا ؟

.

ان من مميزات الكلمة القرانية انها كلمة ذات ابعاد عالمية لاتحدها الجغرافية الضيقة ، ولا تقيدها الاطر التاريخية ، ولا تعتقل حركتها اغلفة الكتب وجدران السجلات ، كما انها الكلمة المقدسة المرتبطة بالاهوت المطلق ، والمندرجة في اطار الحسّاس من حياة البشر ، فكان لزاما والحال هذه ان تكون العناية اكبر من جانب الانسان بهذه الكلمة المصيرية بالنسبة لحياته ، فكان للعلوم القرانية السهم الوافر من الفكر الاسلامي لخدمة الكلمة القرانية ومعرفة الكيفية المناسبة التي من خلالها نتعامل مع هذه الكلمة وحسب الاصول العلمية المطروحة ، باعتبار ان الكلمة القرانية كلمة مميزة ولابد لها من مقدمات تليق بهذه المميزات التي تحملها هذه الكلمة ليتأهل الانسان من ثم ومن خلال هذه العلوم والمبادئ العلمية ليصل الى مستوى الكلمة القرانية في التفاعل والفهم والادراك المتبادل ، وكما ان الكلمة القرانية بحاجة الى انسان واعي ومدرك ومؤهل فكريا ( وتعيها أذن واعية / قران كريم ) يستطيع الرقي لفهم الكلمة القرانية ، كذالك هو الانسان بحاجة الى مبادئ واصول وعلوم توفرّ له الاولويات التي من خلالها يصل الى مقاصد الكلمة وابعادها المعرفية ومناحيها الفكرية ...، ليميز بين شتى المفردات القرانية ، ويبوب معالمها العلمية ، بين مطلق ومقيد ، وخاص وعام ، وبين ناسخ ومنسوخ ، ومحكم ومتشابه ، وبين سبب نزول وعموم عبرة ، وبين تفسير ظاهر وتأويل اكثر عمقا وانسجاما .... الى اخر هذه القائمة من المقدمات الاولية لفهم وادارك الكلمة القرانية المقدسة ....؟

.

والحقيقة ، وبما ان الكلمة القرانية موجود حي ، وكائن محترم ، ونص مقدس ...، فانه يرى ان عملية التعامل معه من قبل الكائن البشري ينبغي ان يكون تعاملا اكثر رقيا من مجرد النظر اليه على اساس انه ظرف او وسيلة فقط لايصال المقاصد والاهداف اللاهوتية فحسب ، او هي مجرد كلمة من المركبات البشرية واحرف من الصناعات الانسانية لاغير ؟

.

لا وانما تصلح هذه النظرات الانسانية القاصرة لو كنا نتعامل مع منتج فني شعري او نثري او موسيقي ...، بالامكان تطبيق الصناعات المنطقية او اللغوية النقدية ...، لتقييم الاداء الجمالي لهذه الزاوية او تلك من الكلام الشعري او النثري او الفني ، وكذالك عندما ننظر للكلمة القرانية فقط حسب الدلالات الالية الجافة للعلوم القرانية ، واعتبار ان هذه الكلمة بالامكان حصر قوانينها الفنية والعلمية ان استطعنا التمكن من القوانين العلمية تلك والموضوعة لمعالجة الكلمة القرانية وكيفية التعامل وفهم مقاصدها واهدافها المتوسعة ؟

.

بل ان الكلمة القرانية بحاجة - حقيقة - بالاضافة لادراك الاوليات العلمية المذكورة من العلوم القرانية ، كذالك هي بحاجة الى ادراك ونظرة ترى : ان الكلمة القرانية مخلوق عظيم ليس بالامكان ادراك قوانينه الفنية والعلمية بشكل مبسط او من خلال ادوات الية تسمى بعلوم القران الموضوعة من قبل العقلية البشرية فحسب ، وانما ينبغي ان يضاف الى ذالك علم اخر لايعلّم او يكون من الصناعات الانسانية هذه المرة ، وانما هو عملية ممارسة روحية ونفسية وعقلية وسلوكية ...، يقوم بها الانسان كرياضة تؤهله من جانب اخر للوصول واللحاق والادراك المنفعل بالكلمة القرانية ؟

.

نعم للكلمة القرانية قوانينها الخاصة ، والمرتبطة بالكيفية اللاهوتية للتعامل مع هذه المنظومة من الكلمات الربانية ، فقانون مثل ( التقوى ) - ذالك الكتاب لاريب فيه هدى للمتقين / قران كريم - هو قانون لم يكن من ضمن القوانين الآلية للعلوم القرانية ، او الاصح القول انه قانون يندرج ضمن القوانين التي تكون في اطار العلوم القرانية المساعدة على الفهم الاكثر نضجا للكلمة القرانية ، الا انه علم ليس من ضمن القوانين المقننة بقانون مكتوب ، وانما هو ممارسة حرة منفلته من ضوابط القوانين المنطقية والالية ، يمارسها الفرد الانساني ( التقوى ) بشكل تعبد شخصي تؤهله من خلال الممارسة لأن تنفتح عليه الكلمة القرانية ببعض افاقها الفكرية والمعرفية لتنير له الجزء المظلم من حياته الروحية او الفكرية ، ولذالك تختص عندئذ هداية الكلمة القرانية - اي ارشادها وتفاعلها والتفاتها ....الخ - بطابور المهتدين اكثر بكثير من طوابير اللا متقين - ( ذالك الكتاب = الكلمات القرانية / لاريب فيه هدى = ارشاد تفاعل تجاوب احساس .../ للمتقين )- المتقون أولئك المنتفعون الاكثر قربا من هذه الكلمة القرانية ؟

.

المتقون : او التقوى ، قانون اخر للكلمة القرانية ، وكيفية ادراك مقاصدها ، او الانتفاع من ايحاءاتها العلمية ، التقوى ، بما هي تطهير للنفس والروح الانسانية من الدناءة والاحقاد الهابطة ، بما هي صدق مع الذات والاخر ، وبما هي انفتاح على الكون والحياة والانسان والله بحب ووضوح ، بما هي ابتعاد عن المادية الوسخة في الحياة الانسانية والقرب من المادية الجميلة لهذه الحياة ، التقوى بما هي ذكاء مع عّفة ، وشجاعة مع عدل ، وسخاء مع رأفة ورحمة ........الخ ؟

.

وهنا نحن امام قائمة من القوانين الاخرى التي تحتاجها الكلمة القرانية للتفاعل مع الانسان بعدما يتفاعل الانسان مع الكلمة القرانية ، قوانين ليس لها قانون ضابط ، بل هي قوانين غير مبوّبة او مرتبة ترتيبا آليا جافا ، قوانين نفسية وروحية وسلوكية واخلاقية وغير نفعية وليس لها غايات محددة مادية ...الخ ، تحكم معادلة الفهم الاكثر قربا من مقاصد واهداف الكلمة القرانية المنفلتة من قيد التراتب والروتين الكتابي ؟

.

وربما لاحظ البعض ممن يتتبع الكلمة القرانية ، انها كلمة لاتخضع للروتين او التبويب المملّ ، كأن يلاحظ من يتصفح الكلمة القرانية انها كلمة تبدأ بمنحى معرفي معين ، وفي المنتصف تنتقل لموضوع اخر ، لتنتهي عند زاوية فكرية ربما يعتقد البعض ان ليس هناك علاقة تذكر او رابط يوضح ماهية النقلات المتكررة في النص القراني من الكلمة - مثلا - تبدأ الكلمة بذكر الخالق لتنتقل الى قصة تاريخية وتتحول الى حكم تشريعي ، لتنتهي عند ذكر المستقبل وما سوف يكون عالميا ....، وهكذا يلاحظ قارئ النص او الكلمة القرانية ان هناك كسرا للتراتبية المملة احيانا ، وعدم وجود تبويب معين لهذه الكلمة ، وياترى هل لاحظ البعض ماهية هذه العملية القرانية ولمّ ولماذا هي بهذا الشكل او تلك الصيغة ؟

.

نعم الكلمة القرانية ليست كباقي الكلمات الانسانية والتي هي بحاجة الى قوانين التراتبية في الخطاب ، كما انها ليس كباقي كلمات الكتب التي ينبغي ان تبوّب في مواضيع محددة ، كابواب التواريح او الحكمة او التشريع او الاجتماع ...الخ لتفهم مقاصدها من ترتبها وتبويبها ، وانما للكلمة القرانية قوانينها الخاصة - المسامحة هنا باستخدام مصطلح قانون ، فربما يكون القانون هو في اللاقانون ايضا - التي ينبغي للمتعامل مع الكلمة القرانية ان يدرك اسرارها والكيفية التي يجب عليه ان يراها لهذه الكلمة ؟

. الغرض هو الوصول للقول : ان الكلمة القرانية لاتستجيب ولا تنفتح بافاقها المعرفية على من اتقن الممونات العلمية ( علوم القران ) فحسب ، ليعتقد او هكذا هو يظن ، ان التمكن من حفظ هذه الادوات الاولية ، او ممارسة هذه الاصول العلمية ، هو كاف للوصول الى ادراك الاهداف والمضامين العميقة للكلمة القرانية ، كلا ّ ، بل ان الكلمة القرانية ان لم ننظر اليها على اساس انها كائن حيّ وموجود حسّاس ، وشيئ قائم بذاته وشاعر بكينونته ...، وله قوانينه الخاصة والتي ينبغي الالتفات اليها والتعامل معها كما تذكر الكلمة القرانية نفسها عن ذالك ، فلا ننتظر من هذه الكلمة ان تستجيب وتنفتح بهدايتها بعطائها على افكارنا وعقولنا المتحجرة احيانا ؟

.

اما ان تعاملنا مع الكلمة القرانية بالصورة الحية والعقلية المنفتحة على روح الكلمة القرانية ، بالاضافة الى تعاملنا من خلال احترام كينونة الكلمة القرانية ...، فان ذالك سيفتح لنا مغاليق تلكم الكلمات ، كما سيحرك الكلمة القرانية نفسها على الانفتاح علينا وتقبل الجلوس والمناقشة مع ادوات ادراكاتنا المحدودة ، لتفيض من ثم الكلمة القرانية بهدايتها وعطائها وتصوراتها وجديدها على افاقنا المعرفية الضيقة ، والتي تتساءل ببلادة دائما عن ماهية تلك الهداية الاسطورية للكلمة القرانية ؟

.

صحيح ما تلك الهداية القرانية التي وعدتنا بها الكلمة القرانية ، وكيف لنا ان نفهم هذه الهداية للكلمة المقدسة ؟

.

ان هداية الكلمة القرانية ، ليست هي تلك الهداية الساذجة التي يتحدث حولها البعض من هداية غيبوية وليست لها اي ابعاد اجتماعية او منعكسات مادية ، لا بل هي هداية انفعالية ، وكما ذكرنا عندما يتفاعل الانسان مع الكلمة القرانية ، فلسوف تتحرك هذه الكلمة كردة فعل طبيعية لحركة الانسان لتزيد من عطاءها الفكري والروحي والنفسي ، والذي هو ممتد بالنسبة للكلمة القرانية ( والذين اهتدوا زادهم هدى ) ..( ان الذين امنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بايمانهم ).. ( ويزيد الله الذين اهتدوا هدى /76 - مريم ).... الخ ، فتلك الزيادة او هذا العطاء المتجدد للكلمة القرانية ، هو العطاء اللازماني واللامكاني واللامقيد ، الذي بشرت به الكلمة القرانية ، كما انه هو البرامج والنظرات والتي من خلالها المتجددة يتمكن المفكر والاجتماعي وصاحب العمل الجماعي ان يستنبط كل ماهو جديد في الفكر والممارسة لتطوير المجتمع والنهوض به للرقي والنهضة ، وكل ذالك لايتأتى طبعا بدون ممارسة عملية لمشروع الهداية القراني - اي - انه من الخطأ الاعتقاد ان تلك الهداية والعطاء الفكري المتجدد الذي تختزله الكلمة القرانية ، هو عطاء مجاني بالامكان ممارسته كترف فكري او تصوف روحي بعيدا عن ممارسة الحياة الاجتماعية بشكل هداية او برنامج قراني ؟

.

لا .. انما العطاء القراني المتجدد ، يتحرك نحو الانسان بالانفتاح عندما تكون حركة المجتمع والفرد خاضعة لمشروع الكلمة القرانية ، فالتجاوب هنا هو تجاوب عملي وممارسة حركية سلوكية فردية واجتماعية هي التي تؤهل الفرد والمجتمع للارتقاء لمستوى الكلمة القرانية ومن ثم انفتاح هذه الكلمة بعطاءها اللامحدود وبهدايتها اللامتوقعة لمثل هكذا فرد وهكذا مجتمع ؟

.

اذا هي النظافة ، هي الاستقامة السلوكية والروحية الاجتماعية والفردية ...، هي التي تُفعلّ من حركة الكلمة القرانية للتحرك نحو الانسان لتعانق فكره وروحه ، ومن ثمّ لتزيده هدى ولتفتح عليه اكثر من سبيل واكثر من افق واكثر من نافذة ( والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا ) تشكل له الجديد واللامتوقع في الفكر والنجاح العملي ( وأ لو استقاموا على الطريقة لاسقيناهم ماء غدقا ../ قران كريم ) ؟

.

وهذه هي هداية الكلمة القرانية التي نتساءل حولها ، فكلمة قرانية مثل ( أقرأ ) ربما تحمل بين طياتها الكثير من الرؤى الغير متوقعة عندما ندرك كيفية التعامل معها ، وكيفية التعامل مع انفسنا اولا لتتأهل لادراك المناحي المعرفية التي تختزلها (اقرا ) كبرنامج اجتماعي ، وكأجندة او مذكرة روحية ، او كبداية مشروع ، او كثورة كلمة ....الخ ، بامكانها ان تتفجر ابداعا وهداية جديدة غير نافدة العمل وغير عاجزة المحتوى للتعامل مع المجتمع اليوم او مجتمع المستقبل ؟

.

دعونا نتناول الكلمة القرانية (أقرأ) كمفردة توحي بالكثير والذي هو ليس كثيرا على عطاء الكلمة القرانية اللامتناهية العطاء ، نحاورها ، نتفاعل معها ، نعيشها ، نحترم كينونتها ، نقودها هنا ونخفق ، وتقودنا هناك فتنجح ، نستكشف بعض مناحيها الايحاء يه الفكرية ، ونحاول الرقي مع منعرجاتها الروحية ....، مع الجزم اننا نخوض في بحر الكلمة القرانية ، وربما نصادف جوهرة مكنونة ، وربما تبوء المحاولة بالفشل ولكن يكفي الاستمتاع بلذة المحاولة المفتاح الحقيقي لتجربة النجاح ؟

____________________

فهم التاريخ ووعي عبره اخطر من قراءته وكتابته !! بقلم / حميد الشاكر

منذ بدايات معرفتي بعالم القراءة والكتابة ، وانا لم ازل اشعر ان هناك في الكتب التي بين يدي شيئا ما اخر يقف خلف السطور ويشير لي بمعاني مختلفة جدا عن ماهو مكتوب وظاهر !!.


تساءلت : ما اسم هذا الشعور الذي في داخلي ؟.

ولماذا كلما اقرأ قصاصة من ورق اشعر ان فيها روحا تختلف عن ظاهرها المكتوب والمسطر للعيان ؟.

 

بعد فترة طويلة من الحياة مع القراءة والكتابة والتأمل والتفكير اكتشفت بان الوجه الاخرللتاريخ المكتوب هو مايسمونه بالعبرة والوجه الاخر لنص القرآن هو مايسمونه بالتبيين والتأويل والمعنى والوجه الاخر من الادب هو مايسمونه بالابداع .... وهكذا الفقه باعتباره الخلفية التي تقبع خلف سطور السنة النبوية المطهرة ، فتيقنت عندئذ ان شعوري الذي كان في القدم عندما اقرأ نصا قرآنيا ثم ابحث في تفسيره فلايقنعني ما اقرأه من تفاسير واشعر ان هناك وجها اخر لم يذكر بعد ، هو من الاشياء الفكرية الصحية جدا والتي هي من المميزات التي تفرق بين القارئ الذي يكتفي بالقراءة على اساس انها تراكم كمي لاغيرفحسب وبين القارء والباحث والمفكر الذي يرى في القراءة انها تراكم كمي مضافا اليه نقلة كيفية ونوعية في فهم القراءة !!.

ومنذ ذالك الحين وانا انتمي لمدرسة في القراءة والبحث والكتابة ترى : ان فهم المقروء اخطر من المقروء والمكتوب نفسه والشعور بما خلف السطور اخطر من السطور نفسها !!.

او بصيغة اخرى ان فهم التفسير اخطر من قراءة النص القراني نفسه ، وان استخلاص العبرة من التاريخ اخطر من كتابة التاريخ وقراءته نفسه ، وان تذوق الابداع اعظم من ماهو مكتوب باسم الابداع والادب ، وان تلمس روح القانون اشرف بكثير من تدوينه وتطبيقه وحفظه !!.

أقول ذالك وانا ازعم ان هذه هي منهجية ربما لاتصلح للكثيرين لعدم ادراكهم او فقدانهم لموهبة قراءة واكتشاف ما هو قابع خلف السطور من المكتوب والمقروء البشري وبكل الوانه !!.

عندما يكتب بعض كتابنا الذين قضوا جلّ اعمارهم في قراءة ، وحفظ التاريخ والكتابة حوله ينتابني شعور بالاسى لما ال اليه مصير هؤلاء العباقرة من حفّاظ التاريخ ، كما ينتابني شعور بالملل عندما أقرأ مطولات التفاسير الاسلامية وهي تكتب النص القراني بكثافة لكنها ومع الاسف عندما تريد ان تفهم معاني هذه النصوص تنفصل تلقائيا بين ماهو نص ومايشير اليه وبين ماهو حشو قارئ لمعاني ليس لها علاقة لا بالنص ولا باهدافه ولا بتوجهاته ولا بما اراد ايصاله من معنى ابدا !!.

قرأت لاحدهم وهو يتحدث عن واقعة حرب الجمل وموقف الامام امير المؤمنين علي بن ابي طالب في التهامل مع هذه الواقعة فوجدته بالنهاية يستنتج الاتي :(( ونظرة واحدة على احداث الجمل نجد ان الامام قد طوى تلك الصفحة باحسن مايكون ولم يدع المجال لاحد مهما كان ان يعيد محاكمة اصحاب الجمل والنيل منهم باي صورة كانت ...)) !!.

 

هنا انا امام نص تاريخي معروف ومتوافق عليه ولاخلاف حوله وليس فيه اي جديد خطر بامكانه ان يجعل من النص ثورة او نفاق ، لكن عندما اتحول الى فهم النص لهذا الكاتب استشعر الكارثة التي ربما اعذر الكاتب لها نفسه لانه اخذ هذا الفهم تقليديا وبدون ان يفكر بداخل النص بشكل مستقل واخر ومختلف ولذالك هو ناقل لفهم النص وليس مجتهد فيه ، مع انني لااعذر اسقاط الكاتب لهذا المعني والفهم واخضاعه ايدلوجيا لمصالح سياسية قائمة يريد الترويج لها لادرك :

اولا : ان الكاتب يريد من هذا النص ان يتخذه حجة لرايه السياسي القائم الذي يرى عدم وجوب محاكمة المجرمين السابقين في النظم السياسية التي ترتكب جرائم بحق مواطنيهم ( مثل حزب البعث في العراق ) ولهذا راى الكاتب في عمل علي بن ابي طالب ع مع قادة الجمل انه قمة بالتجاوزوعدم الرجوع للماضي وما اقترفه هؤلاء القادة من اجرام بحق الاخرين والمعنى الصريح للكاتب:انه تاسوا بعلي بن ابي طالب وتجاوزه ياعراقيون واتركوامحاكمة البعثيين القتلة وعفى الله عما سلف ولنبني لحياة سلمية ( كما تروج له قناة الفيحاء هذه الايام ) مع القدماء البعثيين وينتهي الامر !!.

ثانيا : لماذا نحن نقول فهم التاريخ ونصوصه اخطرمن كتابته وقراءته لأن عظمة التاريخ واخذه لصفة الابوة للعلوم البشرية كلها ليس لسرده للاحداث ،وانما بالوصول للعبرة من هذه الاحداث والقوانين التي تسيرها في كل زمان ومكان ، ولهذا عندما يطرح اي كاتب العبرة والمعنى من التاريخ فانه يطرح روح التاريخ التي تحرك المجتمع وتسيطر على ذهنه وفكره بالحقيقة ومن هناك كان الجرم عظيما في تحريف الكلم عن مواضعه في النصوص القرانية ، وتحريف التاريخ عن اهدافه وغاياته في هذا الحيز ايضا !.

الان نعود لكاتبنا ذاك الذي اقتنص مشهدا من التاريخ ((لنجعله فأر تجاربنا)) وليحرف مضمونه تماما لنسأل : هل فعلا نظرة واحدة تكفي لكل متأمل في التاريخ واحداثه لادراك وفهم ان عليًّ بن ابي طالب قد طوى صفحة اصحاب الجمل باحسن مايكون ليضرب لنا العبرة بكيفية العفو عن المجرمين وليذهب الفقراء والمظلومين الى الجحيم ؟.

أم ان عليَّ بن ابي طالب او نص الحادثة التاريخية برمتها اصلا لم تكن في وارد ايصال عبرة وفهم تنازل علي بن ابي طالب عن حق المظلومين في محاسبة الظلمة والفاسدين ؟.

طبعا وللرؤية الاولى من تناول النص التاريخي لحرب الجمل الذي قادها الامام علي ضد الناكثين والمنافقين بما فيهم عائشة زوج الرسول وطلحة والزبير ندرك ان اهداف النص التاريخي ذاهبة الى التنكيل باعداء الامام من قادة الجمل وليس بالعفو عنهم !!.

وما مقولة طوي الصفحة باحسن مايكون بعد انتهاء الحرب الا حول فكري لكاتب هذه السطور ، والا اي حسن في طوي الصفحة بعد ابادة معسكر وقادة انصار حرب الجمل كلهم !!.

المفروض ان يكون طوي الصفاح قبل رفع السيوف وهويها على الرقاب ، ولو كان الامام يريد طوي الصفاح بهذا الاسلوب النفعي لما قام اصلا بحرب تريد ان تعيد مشروعا اسلاميا قد انقلب عليه اصحاب محمد بعد ساعة من وفاته ، ولما عزل معاوية بالشام وهو يدرك انه سوف يتمرد ويعلن العصيان ولما قطع الهبات التي كانت تدرها السلطة على اتباعها للتحصل على ولائهم وتشتري قبولهم للامر الواقع !!.

لو كان الامام في وارد طوي الصفاح باحسن مايكون لكان علي لم يدخل حربا طاحنة حتى استسلام اخر امراة في المعسكر وهي تولول وتنوح وتطلب العفو والصفح والبقاء على الحياة !!.

ذاك هو طوي الصفاح الحسن وليس بعد الطحن ودفن العظام !!.

نعم علي بن ابي طالب ع لم يصفح ابدا عن من بارزوه بمعركة الجمل بل لم يترك لهم باقية تذكرالا من هرب منهم واستلسلم الاخرين منهم !.

ثالثا :هذا الكاتب ومايرّوج له من فهم معوج لمسيرة علي بن ابي طالب الثورية بغض النظر عن دوافعه السياسية الايدلوجية القائمة اليوم والتي تريد الاخذ من رقبة علي مطية لعودة البعثيين القتلة وغيرهم ، وبغض النظر هل هو مهيئ للحديث فكريا عن عبر التاريخ وسننه وقوانينه اولا نقول بغض النظر عن ذالك ولكن الا يعلم هذا النمط من الكتّاب ان قراءة التاريخ وفهمه اذا كانت بهذا الشكل المشوه هي ليس فقط تعد جريمة فكرية وادبية ، وانما هي اعتداء سافر على مشروع علي بن ابي طالب الذي ضحى بكل شيئ من اجله وتزييف لاهداف هذا الامل الوحيد للاسلام !!.

بمعنى اخرعندما ياتيني كاتب مسيس ليتحدث عن الثورة الحسينية على اساس انها اختلاف سياسي وليس عقدي ديني مرتبط بمشروع الاهي بين الحسين بن علي بن ابي طالب وبين يزيد بن معاوية بن صخر قلعة الكفر والنفاق في الاسلام فهل ينبغي عليّ معاملة هذا الكاتب على اساس انه مغيّب فكريا او جاهل تاريخيا او مجرم محترف اخلاقيا ؟؟؟!.

لاريب انني ساتعامل معه بكل هذه المواصفات قطعا ، لانه لايعذر من جهل قراءة التاريخ ان يكتب حول عبره ، ولايعذر من حظه تافه في العلم ان يكون مجرما ومجترئا على الحسين واهداف ثورته وما قدمته للاسلام من تضحية ؟..

 

كذالك هنا الاخ فأر تجاربنا الفكرية لكتّاب التاريخ وعبره وفهمه على الصورة الصحيحة ، عندما يحاول تمييع الثورة العلوية التي قادها علي بن ابي طالب بحرب الجمل وغيرها من حروبه الثورية الشريفة ضد كل الوضع القائم انذاك سلطانيا من زمن وفاة الرسول محمد ص ...حتى انتخاب الشعب له عليه السلام ، فمن حقنا ان نصفه بكل مواصفات الجهل والخيانة والتزوير والاجرام الاخلاقي عندما يقتل ثورة علي بن ابي طالب مع اعدائه ليقول انها حرب كانت على اختلاف وجهات نظر سياسية فحسب وليس للدين والعقيدة بها اي دخل وخلفية مونتها بالحركة والاستمرار !!.

 

لابل مثل هؤلاء المعاتيه في قراءة التاريخ يجب ان يحاسبوا لتحريفهم وتزويرهم لكل تراث علي بن ابي طالب والغائهم كل تضحيات هذا الامام المعصوم عندما يصوروا لنا اليوم علي بن ابي طالب انه رجل سلطة ومنافع وسياسة اباد مئات الالاف من البشر في سبيل بقاءه بالسلطة او تسلطه على رقاب الناس لاغير ؟.

كيف يمكن لانسان يرتبط بعلي عقائديا ولايرفع سيفا الا عندما يتيقن انه رفع في سبيل مرضاة الله سبحانه ، يقبل من كاتب غرّ ان يقول ان حروب علي كانت مجرد لعب سياسي وان من قتلهم في حروبه ذهبت دمائهم ودماء اعدائهم ادراج الرياح والمنافع السياسية لاغير ؟؟.

هذه هي الكارثة في فهم التاريخ وليس بنقله او كتابته او قراءته !!.

وهذه هي الكارثة التي لم تجن فقط على التاريخ كعلم يجب اخذ العبرة منه كما يريده لنا التاريخ نفسه وليس كما حرفناه عن غاياته واهدافه وحتى سننه وقوانينه فحسب بل هو تجنى على مشروع علي ع عندما اراد ان يترك لنا وثيقة تاريخية صاغها لنا بدمائه ودماء اهل بيته الاطهار ، وخاطر بخلافته .... الخ ،لتبلغنا رسالة الانحراف الكبير عن الاسلام الذي حاول معالجته علي بقطع رؤوس المنافقين والكافرين والمارقين والقتلة ليكونوا لعنة للاعنين الى يوم الدين ، ويأتي الاخ الكاتب ليقول لنا : احذروا حتى ذكر المنافقين بسوء ، وتأسوا بعلي الذي قطع رؤوسهم من جانب ولم يذكرهم ابدا بسوء بعد نهايتهم من جانب اخر متناقض ؟.

عجيب كيف يكون من طحنهم علي بن ابي طالب بسفه طحنا في حياتهم يريد منا ان نقدسهم بعد وفاتهم ؟.

هل هذا معقول بالفكر والفهم الصحيح ؟.

أم انه ضلالة مابعدها ضلالة والعياذ بالله !!!.

فهمنا من النموذج الذي ناقشناه انفا : ان فهمنا لما خلف سطور نصوص التاريخ وعبره واستيعاب اهدافه ومضامينه بالشكل الذي ارادته هذه النصوص وليس بالشكل الذي نريده نحن بتوجيه النص ايدلوجيا سياسيا نفعيا اوكما نشاء فهذا اخطر بكثير من قراءتنا لهذا التاريخ او الكتابة بداخله ، بل اننا يجب علينا اذا لم نكن مهيئين لوعي التاريخ ، وعبره الحقيقية ان لانكتب بالتاريخ ، ولاحتى نحاول نقله للاخرين اصلا ، فعملية النقل عندئذ وبوجهة النظر الفاسدة والقاصرة هذه ستكون كارثة فكرية وثقافية اعظم اثرا من تزوير نصوص التاريخ نفسها !!.

______________________________